زبدة الأصول - ج ٢

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني

زبدة الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أنوار الهدى
المطبعة: وفا
الطبعة: ٣
ISBN: 964-8812-35-7
ISBN الدورة:
964-8812-39-X

الصفحات: ٤٢٦

واجبة مع عدم وجوب ذويها : إذ وجوب المقدمة انما يترشح من وجوب ذي المقدمة ، فكيف يمكن تحققه ، وليست هي من الواجبات النفسية فلم ير بداً عن الالتزام بالواجب المعلق ، ولكن قد عرفت انه يمكن تصوير وجوب المقدمات المزبورة من وجه آخر من دون الالتزام بالواجب المعلق.

والمحقق الخراساني (ره) (١) اشكل عليه بأن وجوب المقدمة فعلا من آثار اطلاق وجوبه وحاليته لا من استقبالية الواجب ، ومراده على ما يصرح به فيما بعد انه يمكن تصوير فعلية وجوب ذي المقدمة كي يترشح منه الوجوب إلى المقدمة من دون ان يلتزم بالواجب المعلق وهو ارجاع القيد إلى الهيئة وكون الواجب مشروطا بنحو الشرط المتأخر ، فيكون الوجوب المشروط به حاليا ، ومنه يسرى الوجوب إلى مقدماته.

وبذلك ظهر انه لا يرد على ما ذكره في المقام بأن هذا ليس اشكالا على صاحب الفصول لانه انما يلتزم بالواجب المعلق لاثبات فعلية الوجوب ، وجه عدم الورود ما عرفت من انه يدعى امكان اثبات فعلية الوجوب مع عدم الالتزام بالمعلق.

ولكن يرد عليه ان الالتزام بوجوب المقدمات بالوجوب المقدمي في الموارد المشار إليها ، يتوقف على الالتزام بالشرط المتأخر ، والواجب المعلق معا ، وعلى فرض عدم معقولية الواجب المعلق لا يمكن اثبات وجوبها بالالتزام بالشرط المتأخر ، كما انه على فرض القول باستحالة الشرط المتأخر لا يمكن اثباته

__________________

(١) كفاية الأصول ص ١٠١ ـ ١٠٢ (ومنها تقسيمه إلى المعلق والمنجز) بتصرف.

١٤١

بالالتزام بالواجب المعلق.

اما الأول : فلانه إذا كان القيد راجعا إلى الهيئة ، فإن لم يكن الواجب مقيدا به وكان مطلقا لزم كون الواجب حاليا والفعل مما يجب الاتيان به ولو قبل حصول الشرط لو علم بتحققه في ظرفه مثلا لو التزم بكون الامساك الواجب غير مقيد بطلوع الفجر لزم وجوبه من الليل ، وهو خلف الفرض ، وان كان مقيدا به كان الواجب معلقا.

واما الثاني : فلانه لو التزمنا بكون الوجوب فعليا والواجب استقباليا فاما ان يكون الوجوب فعليا حتى مع فرض عدم بقاء المكلف إلى ذلك الزمان ، أو عدم بقائه على وجه يصح توجه التكليف إليه كصيرورته مجنونا أو كون الفعل غير مقدور له ، أو يكون مشروطا ببقائه وبقائه على نحو يصح توجه التكليف إليه ، لا سبيل إلى الالتزام بالاول ، والثانى هو الالتزام بالشرط المتأخر ، ففعلية وجوب المقدمات بالوجوب المقدمي قبل زمان الواجب تتوقف على القول بالواجب المعلق والشرط المتأخر معا ، والالتزام بعدم معقولية الواجب المعلق يوجب عدم معقولية فعلية الوجوب ومجرد القول بالشرط المتأخر لا يصححها.

ما استدل به لعدم معقولية الواجب المعلق

وكيف كان فقد استدل لعدم معقولية الواجب المعلق بوجوه :

١٤٢

الأول : ما عن المحقق السيد محمد الأصفهاني (ره) (١) وحاصله ، ان الإرادة التشريعية ، أي الإرادة المتعلقة بفعل الغير ، وايجابه عليه ، والإرادة التكوينية توأم ولا فرق بينهما الا في ان الأولى متعلقة بفعل الغير ، والثانية متعلقة بفعل الشخص نفسه فيثبت للاولى ، جميع ما للثانية من الآثار والاحكام ، وحينئذٍ فحيث ان الإرادة التكوينية لا تتعلق بالامر المتأخر ، وإلا لزم انفكاك الإرادة عن المراد ، وهو غير معقول ، فكذلك الإرادة التشريعية ، فايجاب الامر الاستقبالي بنحو يكون الوجوب فعليا غير معقول.

وأجاب المحقق الخراساني (٢) عن ذلك بأن الإرادة التكوينية تتعلق بامر متأخر استقبالي ، ولذا ترى ان العقلاء يتحملون المشاق في تحصيل المقدمات فيما إذا كان المقصود بعيدة المسافة وليس ذلك الا لأجل تعلق الإرادة بامر استقبالي.

ومراد القوم من قولهم ان الإرادة هو الشوق المؤكد المحرك للعضلات نحو المراد ، انما هو بيان مرتبة الشوق التي تكون هي الإرادة وان لم يكن هناك فعلا تحريك لكون ما اشتاق إليه كمال الاشتياق امرا استقباليا.

ويتوجه عليه انه سواء كانت الإرادة المحركة للعضلات نحو المراد هو الشوق المؤكد كما هو المشهور ، أم كانت هي إعمال النفس قدرتها في الفعل أو الترك

__________________

(١) نسب البعض هذا القول إلى المحقق النهاوندي ، في تشريح الأصول ، الا ان المصنف حفظه المولى نقله عن السيد الاصفهاني سماعا ، كما افادنا عند مراجعته.

(٢) كفاية الأصول ص ١٠٢.

١٤٣

كما هو الحق لا يعقل تعلقها بالامر المتأخر.

اما على الأول : فلان من يقول بأن الإرادة المحركة للعضلات نحو المراد هو الشوق لا يقول انها مطلق الشوق بل الشوق البالغ حدا يكون علة للفعل وتلك المرتبة منه التي هي الإرادة لا يعقل انفكاكها عنه والا لزام انفكاك المعلول عن جزء علته الأخير وهو محال.

واما على الثاني : فلأن إعمال النفس قدرتها في الفعل انما يكون في ظرف امكان حصول الفعل ، وبديهى ان الامر المتأخر يستحيل صدوره بالفعل فلا تتعلق به إعمال القدرة.

واما ذكره من البرهان على ما افاده من انا نرى بالوجدان انه ربما يتعلق الشوق المؤكد بامر استقبالي ، ولذا يتحمل المشاق في تحصيل مقدماته.

فيرد عليه : أن ذلك الشوق الذي ينبعث منه الشوق إلى مقدماته ، ويصير ذلك سببا لتعلق الإرادة المحركة للعضلات بها ، لا يكون إرادة على المسلكين ، اما على المسلك الحق فواضح ، واما على المسلك الآخر فلان الشوق إلى ذي المقدمة لما لم يكن وصوله إلى حد الباعثية قبل مجيء زمانه فلا محالة لا يكون واصلا إلى مرتبة يكون هو تلك المرتبة المحركة للعضلات.

وبما ذكرناه ظهر ما في كلام المحقق النائيني (ره) (١) حيث انه (قدِّس سره) اختار تعلق الإرادة بالامر المتأخر إذا كان له مقدمات مقدورة ، بدعوى انه يكون حينئذ

__________________

(١) أجود التقريرات ج ١ ص ١٣٦ ـ ١٣٧ وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ٢٠٢ ـ ٢٠٣.

١٤٤

مقدوراً ولو بواسطة القدرة على مقدمته فيتحرك نحوه ويوجد مقدماته بنفس التفاته إلى المقدمية ، واما إذا كان مقيدا بقيد اختياري فلا يعقل تعلق الإرادة به ، إذ المقيد بامر غير اختياري بما هو مقيد لا يكون اختياريا ، ولكن قد عرفت انه لا يعقل تعلق الإرادة التكوينية بالامر المتأخر مطلقا وان كان له مقدمات مقدورة.

فالحق في الجواب عن هذا الوجه ان ما ذكر من ترتب جميع احكام الإرادة التكوينية ، على الإرادة التشريعية غير تام ، إذ ايجاب المولى الذي هو المراد من الإرادة التشريعية عبارة عن ابراز الشوق النفساني أو ابراز اعتبار كون الفعل على ذمة المكلف وهو بكلا معنييه يتعلق ، بالامر المتأخر كما لا يخفى.

الوجه الثاني : ان القول بالواجب التعليقي يتوقف على القول بالشرط المتأخر كما عرفت وحيث انه محال فهذا أيضا غير معقول.

وفيه : انه قد مر في مبحث الشرط المتأخر معقوليته ، فالواجب المعلق من هذه الجهة لا محذور فيه.

الثالث : انه يعتبر في صحة التكليف القدرة على متعلقه حال البعث إلى فعلية الوجوب.

وحيث انه في الواجب المعلق يكون المتعلق حين فعلية الوجوب غير مقدور لتوقفه على امر غير مقدور فلا يكون معقولا.

وفيه : ان القدرة المعتبرة هي القدرة في ظرف امتثال الواجب والفرض تحققها ولا يعتبر القدرة قبل ذلك.

١٤٥

الرابع : ان القيد اما لا ربط له بالواجب اصلا فهو خارج عن محل الكلام أو يكون مربوطا به.

وعليه فاما ، ان يكون مفروض الوجود فيلزم تأخر الحكم عنه ويكون الواجب واجبا مشروطا ، أو يكون قيدا للواجب ، وحينئذٍ ، اما ان يكون القيد اختياريا فيكون الواجب منجزا أو يكون غير اختياري فلا يعقل تعلق التكليف به ، لكونه غير مقدور ، ولا بالفعل المقيد به إذ الفعل المقيد بامر غير اختياري غير اختياري.

لا يقال : ان المقيد بامر غير اختياري لا يعقل تعلق الطلب به مطلقا ، واما تعلقه به على فرض وجود القيد بنفسه فلا محذور فيه.

فانه يقال : ان هذا عبارة أخرى عن فرض وجود القيد الذي عرفت ان لازمه تأخر الحكم عنه ويكون الواجب مشروطا ، وعلى ذلك فلا يتصور الواجب المعلق.

وفيه : انه يمكن ان يكون القيد غير الاختياري قيدا للواجب وشرطا ولا يلزم من ذلك محذور ، إذ المحذور المتوهم ترتبه على حسب ما يستفاد من هذا الوجه امران :

احدهما : ان المقيد بامر غير اختياري خارج عن تحت القدرة.

ثانيهما : انه إذا كان نفس وجود القيد مفروض الوجود كان الواجب مشروطا فلا يكون الوجوب فعليا وشيء منهما لا يتم.

اما الأول : فيدفعه مضافا إلى النقض باغلب الواجبات فانها مقيدة بقيود

١٤٦

غير اختيارية مثلا الصلاة المأمور بها هي ما وقعت مستقبل القبلة ، وبديهى ان وجود الكعبة خارج عن تحت الاختيار.

ان قيد الواجب ربما يكون دخيلا فيه تقيدا وقيدا ، وقد يكون دخيلا تقيدا فقط ولا يكون القيد بنفسه دخيلا ، والاول يسمى بالجزء والثانى بالشرط ، وفي القسم الأول يعتبر كون القيد اختياريا ، وفي الثاني لا يعتبر ذلك ، فإن التقيد المعتبر اختياري على فرض وجود القيد غير الاختياري.

واما الثاني : فيدفعه ان القيد الذي يفرض وجوده في التكليف وان كان التكليف مشروطا به ، الا انه ان كان دخيلا في اتصاف الفعل بالمصلحة تكون دخالته فيه بنحو الشرط المقارن ، وان كان دخيلا في استيفاء المصلحة ، تكون دخالته بنحو الشرط المتأخر ، فيكون الوجوب فعليا.

وبما ذكرناه ظهر عدم تمامية الوجه الخامس ، وهو ما ذكره المحقق النائيني (ره) (١) وحاصله : انه لو كان الواجب المعلق معقولا ، فإنما هو في القضايا الخارجية ، واما في القضايا الحقيقية ، فلا يمكن تصويره بوجه ، إذ فعلية الحكم فيها تتوقف على فعلية كل ما اخذ مفروض الوجود في الخطاب.

وعليه : فكل ما فرض وجوده في الخطاب لا محالة يتاخر التكليف عنه رتبة ، ويتوقف فعليته على فعليته وكل ما لم يكن كذلك وكان مأخوذا في الواجب ، فلا بد وان يكون الوجوب بالاضافة إليه مطلقا ، ويكون المكلف مأمورا بايجاده ، فامر التكليف دائر بين الإطلاق والاشتراط لا محالة ، ولا ثالث لهما.

__________________

(١) أجود التقريرات ج ١ ص ١٤١ (والحاصل) وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ٢٠٧ ـ ٢٠٨.

١٤٧

وجه عدم تماميته ما عرفت من ان القيد غير الاختياري الذي اخذ مفروض الوجود يتصور على نحوين ، إذ تارة يكون دخيلا في اتصاف الفعل بالمصلحة ، وحينئذٍ لا مناص عن الالتزام بتأخر الحكم عنه واخرى لا يكون دخيلا فيه وانما اخذ مفروض الوجود لكونه غير اختياري ، ويكون الملاك تاما قبل وجوده فيمكن فعلية الحكم قبل تحققه لكونه من قبيل الشرط المتأخر.

السادس : ما افاده المحقق الأصفهاني (ره) (١) ، وحاصله : ان البعث انما يكون مقدمة لحصول فعل الغير إمكانا إذا ترتب عليه الانبعاث وخرج عن حد الامكان إلى الوجوب بتمكين المكلف له وانقياده ، فإذا كان الواجب مقيدا بامر غير اختياري متاخر فلا يعقل الانبعاث فكذلك البعث.

وبعبارة أخرى البعث والانبعاث متلازمان في الامكان ، فإذا لم يكن الثاني معقولا لم يكن الأول معقولا.

وان شئت قلت : ان ايجاب المولى انما يكون جعل ما يمكن ان يكون داعيا فإذا فرض عدم امكان داعويته قبل تحقق القيد لعدم القدرة عليه فلا يعقل الايجاب والبعث.

وقد اورد على نفسه ، بانه لو كان الامر كذلك لما امكن البعث نحو فعل الشيء في وقته مع عدم حصول مقدماته الوجودية إذ لا يمكن الانبعاث نحو ذي المقدمة الا بعد وجود مقدماته والمفروض ان البعث إلى مقدماته لا ينبعث الا عن البعث إلى ذيها.

__________________

(١) نهاية الدراية ج ١ ص ٣٥٠ (الواجب المعلق والمنجز).

١٤٨

وأجاب عنه بأن عدم الامكان في الفرض انما يكون بالامتناع بالغير.

وعدم الامكان في محل الكلام انما هو بالامتناع الوقوعي.

ففيما هو محل الكلام يمتنع الانبعاث فيمتنع البعث ، وفى الفرض يمكن الانبعاث لامكان تحصيل مقدماته فيمكن البعث ، وامتناع الانبعاث بالغير لا يمنع عن البعث إذ ملاك امكان البعث وقوعيا امكان الانبعاث كذلك بامكان علته لا بوجود علته.

وفيه : انه لو كانت الملازمة ثابتة فإنما هي بين امكان البعث ، وامكان الانبعاث وعدم امتناعه ولو بالغير.

وبعبارة أخرى : ان امتناع الانبعاث بعدم إرادة الفعل لا ينافى امكان البعث ، واما امتناعه لأجل عدم تحقق مقدماته فهو يلازم عدم امكان البعث على فرض ثبوت الملازمة بينهما.

وان شئت قلت ، ان الانبعاث في مقدار من الزمان الذي يكون بقدر الاتيان بالمقدمات ، يمتنع بالامتناع الوقوعى ، فيمتنع البعث.

اضف إلى ذلك ان حقيقة الامر ، والايجاب على ما عرفت ليست الا ابراز كون المادة ، متعلقة لشوق المولى ، والبعث انما يكون من المفاهيم التي تصدق على الامر بعد وجوده ، ويكون الامر بنفسه مصداقا للبعث لكونه يبعث المأمور نحو الفعل ، وعليه فلا يعتبر في صحته سوى ما يخرج به عن اللغوية ، وكفى في ذلك وجوب مقدماته التي لو تركت لما تمكن المكلف من اتيان الواجب في ظرفه المقرر له ، وعدم الايكال إلى العقل الحاكم بذلك الذي ليس من الواضحات

١٤٩

التي يعرفها كل أحد.

فتحصل ان شيئا مما استدل به على عدم إمكان الواجب المعلق لا يدل عليه ، فالأظهر إمكانه ، وعليه فلا بد من ملاحظة الدليل في كل مورد ، فإن ساعد ظاهر الدليل على القول به أو دل دليل آخر عليه ، يتعين الالتزام به.

وقد يقال بأنه في الواجبات التي لها أجزاء تدريجية الوجود ، لا مناص عن القول بالواجب المعلق كالصوم الذي هو عمل واحد وله وجوب واحد ، وهو إنما يصير فعليا في أول وقت الإمساك ، فالجزء الأخير من الإمساك مطلوب من أول الوقت لفرض وحدة الطلب والمطلوب وهذا عين الالتزام بالواجب التعليقي.

وأجاب عنه المحقق النائيني (ره) (١) بأنه إذا كان الواجب وشرطه تدريجيين ، فلا محالة يكون الوجوب أيضا كذلك ، لان فعلية الحكم تساوق فعلية موضوعه ويستحيل التقدم والتأخر فالوجوب المتعلق بالجزء الأخير لا يكون فعليا في أول الوقت.

ويوجه عليه : ان ما ذكره على القول بامتناع الواجب المعلق وان كان متينا ، إلا انه بناءً على إمكانه لا سبيل إلى الالتزام بذلك بل يتعين القول بالواجب التعليقي إذ الملاك تام من أول الوقت ولا يكون القيد دخيلا في اتصاف الفعل بالمصلحة فلا مناص عن عدم أخذه من قيود الحكم.

__________________

(١) أجود التقريرات ج ١ ص ١٤٦ وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ٢١٤.

١٥٠

ثم انه خصص صاحب الفصول الواجب المعلق بما يتوقف حصوله على أمر غير مقدور.

واورد عليه في الكفاية (١) قال ثم لاوجه لتخصيص المعلق بما يتوقف حصوله على امر غير مقدور بل ينبغي تعميمه إلى امر مقدور متأخر اخذ على نحو يكون مورد التكليف ويترشح عليه الوجوب من الواجب أولاً لعدم تفاوت فيما يهمه من وجوب تحصيل المقدمات التي لا يكاد يقدر عليها في زمان الواجب المعلق دون المشروط لثبوت الوجوب الحالي فيه فيترشح منه الوجوب على المقدمة بناءً على الملازمة دونه لعدم ثبوته فيه إلا بعد الشرط نعم لو كان الشرط على نحو الشرط المتأخر وفرض وجوده كان الوجوب المشروط به حاليا أيضا فيكون وجوب سائر المقدمات الوجودية للواجب أيضا حاليا وليس الفرق بينه وبين المعلق حينئذ الا كونه مرتبطا بالشرط بخلافه وان ارتبط بالواجب انتهى.

وفيه : انه ان كان القيد راجعا إلى الهيئة وكان دخيلا في اتصاف الفعل بالمصلحة فالواجب يكون واجبا مشروطا ، وان كان راجعا إلى المادة ودخيلا في حصول المصلحة لا في اتصافه بها ، فإن كان أمرا مقدورا للمكلف وجب الإتيان به ويكون الواجب حينئذ منجزا كالطهارة التي تكون شرطا للصلاة ، وان كان غير مقدور له كان الواجب معلقا.

__________________

(١) كفاية الأصول ص ١٠٣.

١٥١

فتحصل : ان ما أفاده في الفصول (١) من اختصاص الواجب المعلق بما يتوقف حصوله على امر غير مقدور ، حق. ولا يرد عليه ما أفاده المحقق الخراساني (ره) (٢).

ثم انه قد عرفت ان الذي أوجب تصدي الأصحاب لتقسيم الواجب إلى المعلق والمنجز هو ما ثبت من الشرع من وجوب بعض المقدمات قبل وقت الواجب الظاهر كونه قيدا للوجوب ، مثل الغسل في صوم شهر رمضان ، ومثل تحصيل الزاد والراحلة بعد الاستطاعة قبل مجيء موسم الحج وما شاكل.

والمحقق الخراساني أفاد انه يمكن التفصي عن هذه العويصة بغير التعلق بالتعليق.

مراده انه يمكن إثبات فعلية الوجوب بنحو آخر ، وهو إرجاع القيد إلى الهيئة بنحو الشرط المتأخر فيكون الوجوب فعليا فتحب مقدماته ، ولا يلزم الالتزام بالواجب التعليقي.

ولكن قد عرفت ان الالتزام بالشرط المتأخر في المقام وحده من دون الالتزام بالواجب المعلق لا يكفي : فانه لو لم يرجع القيد إلى المادة كان الواجب فعليا منجزا كالوجوب.

وقد أورد على صاحب الفصول والشيخ بإيرادين آخرين غير ما مر

__________________

(١) الفصول الغروية ص ٨٠ (تمهيد مقال لتوضيح حال) قوله وما حققناه يتبين لك الفرق ... الخ.

(٢) كما يظهر من كلامه في كفاية الأصول ص ١٠٣ عند قوله ثم لاوجه لتخصيص المعلق.

١٥٢

ذكرهما المحقق الخراساني (ره) (١) في الكفاية بقوله : ان قلت : لو كان وجوب المقدمة في زمان كاشفا عن سبق وجوب ذي المقدمة لزم وجوب جميع مقدماتها ولو موسعا وليس كذلك بحيث يجب عليه المبادرة لو فرض عدم تمكنه منها لو لم يبادر انتهى.

وهذا ينحل إلى إيرادين.

أحدهما : ان لازم كشف سبق وجوب ذي المقدمة من وجوب إحدى مقدماته لزوم الإتيان بجميع مقدماته بحيث لو فرض عدم التمكن من إحداها في الوقت وجبت المبادرة إليها وليس كذلك.

ثانيهما : انه يجوز الإتيان بجميع المقدمات قبل الوقت بداعي الوجوب لأنها تجب موسعا.

وأجاب عنه المحقق الخراساني (٢) بقوله : قلت : لا محيص عنه الا إذا اخذ في الواجب من قبل سائر المقدمات قدرة خاصة وهي القدرة عليه بعد مجيء زمانه لا القدرة عليه في زمانه من زمان وجوبه انتهى.

محصل ما ذكره (قدِّس سره) انه إذا ورد دليل على وجوب مقدمة من المقدمات قبل الوقت ، وورد أيضا انه من لم يتمكن من المقدمة الأخرى في الوقت لا يجب عليه المقدمة قبل الوقت وان قدر عليها كما إذا دل الدليل على وجوب حفظ

__________________

(١) كفاية الأصول ص ١٠٥ (ان قلت لو كان وجوب المقدمة ..)

(٢) كفاية الأصول ١٠٥.

١٥٣

الماء قبل الوقت (١) ، وحرمة إراقته لمن يعلم بعدم وجدان الماء في الوقت وورد أيضا ، ان من يعلم بعدم التمكن من الوضوء في الوقت لمرض ونحوه لو لم يتوضأ قبله لا يجب الوضوء قبل الوقت ، لما كان بينهما تنافي ، فانه وان كان يستكشف من الدليل الأول ، وجوب ذي المقدمة قبل الوقت ، ولكن من الدليل الثاني يستكشف ان الصلاة مع الوضوء إنما تتصف بالمصلحة إذا تمكن منه في الوقت ويكون القدرة عليه في وقت العمل شرطا شرعيا فإذا لم يتمكن منه في الوقت لا مصلحة للصلاة معه ، فلا يجب حفظ القدرة عليه من قبل الوقت إذ فعل ما يوجب اتصاف شيء بالمصلحة غير لازم كما هو واضح وهذا لا ينافي كشف وجوب ذي المقدمة قبل الوقت وبتبعه وجوب سائر مقدماته.

ولكن هذا الجواب إنما يفيد في رفع الإشكال الأول ، ولا يفيد في رفع الثاني ، وما ذكره بعضهم من انه يمكن ان يكون الوضوء الذي مقدمة للصلاة إنما هو الوضوء في الوقت لا قبله ، غير مفيد فإن لازم ذلك انه لو توضأ قبل الوقت لداعي آخر ، لا يجوز له الدخول في الصلاة.

ولا يخفى ان كل ذلك مجرد فرض لا واقع له.

__________________

(١) قال المحقق النائيني في وجوب حفظ الماء قبل الوقت ، انه حكى شيخنا الأستاذ بأنه وردت رواية في ذلك ولم اعثر عليها ، كما في فوائد الأصول ص ٢٠٠ / ولم اعثر في الكتب الروائية لا سيما الفقهية منها على ذلك.

١٥٤

تردد امر القيد بين رجوعه إلى الهيئة أو المادة

ولو دار امر القيد ثبوتا بين رجوعه إلى الهيئة أو المادة ، فعن الشيخ استظهار رجوعه إلى المادة ، ولكنه غير خفي ان هذا البحث يصح بناءً على إمكان رجوع القيد إلى الهيئة ، وإلى رجوعه إلى المادة.

فمن يرى عدم إمكان رجوعه إلى الهيئة كالشيخ الأعظم (ره) (١) لاوجه له لانعقاد هذا البحث ، فمن ذلك يعلم ان عنوان هذا البحث من الشيخ (قدِّس سره) إنما يكون تنزيليا.

ثم ان الشك تارة يكون في كيفية رجوع القيد إلى الهيئة مع العلم بأنه راجع إليها ، وانه على نحو الشرط المقارن كي لا يجب الا بعد تحقق القيد ، أو بنحو الشرط المتأخر كي يجب قبله ، ففي هذه الصورة حيث يعلم بالوجوب بعد تحقق القيد ويشك في وجوبه قبله فتجري البراءة عنه.

وان علم رجوعه إلى المادة ، فقد تقدم انه لا يتصور الشك في وجوب القيد وعدمه إذ لو كان اختياريا كان واجبا لا محالة ، ولو كان غير اختياري لما وجب.

وأما لو شك في انه راجع إلى المادة فيجب تحصيله ، أو انه راجع إلى الهيئة فلا يجب ، وعلى الثاني فهل هو من قبيل الشرط المتأخر فذو المقدمة واجب قبل وجود المقدمة ، أو انه من قبيل الشرط المقارن فلا يجب قبله ، فالشك في هذه

__________________

(١) راجع مطارح الانظار ص ٤٨ ـ ٤٩ (هداية).

١٥٥

الصورة شكّين : الأول ، في وجوب المقدمة. الثاني ، في وجوب ذي المقدمة قبل وجود القيد ، ومقتضى أصالة البراءة عدم وجوبهما ، هذا ما تقتضيه الأصول العملية.

واما بحسب الأدلة الاجتهادية ، فقد ذكر الشيخ الأعظم (ره) (١) لترجيح رجوع القيد إلى المادة دون الهيئة وجهين :

الوجه الأول : ان إطلاق الهيئة شمولي ، بمعنى ان مفاده ثبوت الوجوب على كل تقدير يمكن ان يتوجه معه الخطاب إلى المكلف ، بخلاف إطلاق المادة فانه بدلي بمعنى ان المطلوب فرد واحد من أفراد الطبيعة أي فرد كان لا كل فرد ، وإذا دار الأمر بينهما فالإطلاق البدلي أولى برفع اليد عنه وإبقاء الإطلاق الشمولي على حاله لكونه أقوى في العموم واظهر ، وعليه بنى تقديم الإطلاق الشمولي في مثل لا تكرم فاسقا على الإطلاق البدلي في مثل اكرم عالما في باب التعارض.

واورد عليه المحقق الخراساني في الكفاية (٢) ، أيضا إذا كان الدوران بين رفع اليد عما يكون شموله بالوضع أو رفع اليد عما يكون شموله بالإطلاق ومقدمات الحكمة يكون المتعين رفع اليد عن الثاني ، واما إذا كان الدوران بين رفع اليد عن أحد الاطلاقين فلا يمكن تقديم أحدهما على الآخر بمجرد كونه شموليا والآخر بدلياً.

__________________

(١) مطارح الانظار ص ٤٩.

(٢) كفاية الأصول ١٠٦ بتصرف.

١٥٦

والمحقق النائيني (ره) رجح ما اختاره الشيخ من تقديم الإطلاق الحالي على الإطلاق البدلي ووجهه بنحو لا يرد عليه هذا الإيراد.

وحاصله (١) ان الإطلاق الحالي لا يحتاج في شمول الحكم لجميع الأفراد إلى أزيد من الإطلاق ومقدمات الحكمة.

واما الإطلاق البدلي فهو يحتاج زائدا على ذلك إلى إحراز تساوي الأفراد في الوفاء بالغرض حتى يحكم العقل بالتخيير ، والسر في ذلك انه في الإطلاق الحالي الحكم ينحل إلى أحكام عديدة ، وكل فرد محكوم بحكم واحد ، والإطلاق البدلي إمكانه يثبت حكما واحدا لفرد من الأفراد على البدل. وبعبارة أخرى لصرف وجود الطبيعة وتطبيق ذلك على كل فرد يتوقف على إحراز تساوى الأفراد في الوفاء بالغرض والا فالعقل لا يحكم بالتخيير ، وعليه فحيث ان شمول الإطلاق الحالي للمجمع تنجيزي غير متوقف على شيء وشمول الإطلاق البدلي له يتوقف على إحراز التساوي المتوقف على عدم شمول الإطلاق الحالي له فلا محالة لا يكون البدلي شاملا له ويكون المجمع مشمولا للإطلاق الحالي ، فانه يصلح ان يكون موجبا لعدم إحراز التساوي بل لإحراز عدمه.

وان شئت قلت ان رفع اليد عن الحالي اما ان يكون بلا وجه أو على وجه دائر بخلاف رفع اليد عن الإطلاق البدلي.

ويرد عليه أن المقدمة التي عليها بنى هذا الوجه وهو احتياج الإطلاق البدلي إلى إحراز تساوى الأفراد في الوفاء بالغرض غير تامة.

__________________

(١) راجع أجود التقريرات ج ١ ص ١٦٢ وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ٢٣٦.

١٥٧

وذلك لوجهين :

الأول : انه لو تم ذلك لزم أن يكون قدر المتيقن مانعا عن التمسك بالإطلاق إذ مع وجوده لا يكون التساوي محرزا ، ومعه لاوجه للتمسك بالإطلاق ، فلو ورد اكرم عالما واحتمل الاختصاص بالهاشمي لزم الاقتصار عليه ، وعدم الاكتفاء بإكرام غير الهاشمي وهو كما ترى.

الثاني : ان إحراز التساوي إمكانه يكون من الإطلاق نفسه ، وذلك لان الحكم إذا ترتب على الطبيعة ولم يؤخذ فيه قيد من القيود لا وجودا ولا عدما يستكشف منه عدم دخل قيد في الغرض وعدم مضريته باستيفائه ، فالاكتفاء بإتيان كل فرد في الامتثال يكون مستفادا من الإطلاق ومقدمات الحكمة بلا حاجة إلى ضم شيء آخر إليها.

ولكن مع ذلك كله ما أفاده الشيخ الأعظم من تقدم الإطلاق الحالي على الإطلاق البدلي ، قوى : إذ الإطلاق الحالي الدال على ثبوت ما تضمنه من الحكم وملاكه في كل فرد من الأفراد ، يصلح ان يكون مانعا عن قابلية المجمع امتثالا للحكم الذي تضمنه دليل الإطلاق البدلي بخلاف العكس.

ـ وان شئت قلت ـ ان الجمع بين الدليلين إمكانه يقتضي الالتزام بتقييد الإطلاق البدلي إذ به يمتثل كلا التكليفين بخلاف العكس ، فانه يستلزم طرح أحد الحكمين وبعبارة ثالثة مناط الحكم الذي تضمنه دليل الإطلاق البدلي تخييري ومناط الآخر تعييني والأول لا يزاحم الثاني.

هذا كله بحسب الكبرى ، ولكن لا تنطبق هذه الكبرى على المقام فإن هذا المرجح كسائر المرجحات إنما يكون فيما إذا كان التعارض والتنافي بين الدليلين

١٥٨

ذاتياً واما إذا كان التنافي بينهما لأمر خارجي كالعلم الإجمالي بكذب أحدهما فلا وجه للرجوع إلى شيء من المرجحات ، ولا معنى لاقوائية أحدهما عن الآخر ، إذ نسبة العلم الإجمالي اليهما على حد سواء وتمام الكلام في ذلك موكول إلى محله والمقام من هذا القبيل فإن التنافي بينهما إمكانه عرض للعلم الإجمالي بعروض التقييد على أحدهما.

الوجه الثاني : من الوجهين الذين استند اليهما الشيخ الأعظم (ره) (١) في ترجيح رجوع القيد إلى المادة : ان تقييد الهيئة يوجب بطلان محل الإطلاق في المادة إذ لو رجع إليها لم يكن الفعل مطلوبا قبل حصول القيد ، وهذا بخلاف العكس ، فانه لو رجع إلى المادة لا يوجب بطلان محل الإطلاق في الهيئة : إذ يمكن الحكم بالوجوب قبل تحقق القيد وكلما دار الأمر بين تقييدين كذلك كان التقييد الذي لا يوجب بطلان محل الإطلاق في الآخر متعينا : إذ لا فرق في مخالفة الأصل بين تقييد المطلق وعمل يشترك معه في النتيجة وهو بطلان محل الإطلاق.

وأجاب المحقق الخراساني (٢) عنه بأن ذلك إمكانه يتم في القيد الثابت بدليل منفصل ، ولا يتم في ما إذا كان التقييد بمتصل إذ معه لا ينعقد هناك إطلاق كي يكون بطلان العمل به في الحقيقة مثل التقييد الذي يكون على خلاف الأصل.

ولكن الحق عدم تماميته في التقييد بالمنفصل إيرادين : فإن القيد إذا رجع

__________________

(١) مطارح الانظار ص ٤٩.

(٢) كفاية الأصول ص ١٠٧ (واما في الثاني).

١٥٩

إلى الهيئة يكون القيد دخيلا في اتصاف الفعل بالمصلحة وغير واقع في حيز الطلب ، وان رجع إلى المادة يكون دخيلا في حصول المصلحة وواقعا في حيز الطلب ان كان اختياريا ، ولا متيقن في البين ، بل هو من موارد دوران الأمر بين المتباينين ولا أولوية لأحدهما على الآخر ـ نعم ـ يتم فيما إذا كان القيد غير اختياري ودار الأمر بين رجوعه إلى الهيئة على نحو الشرط المقارن وبين رجوعه إلى المادة.

وقد ذكر المحقق النائيني (ره) (١) لترجيح رجوع القيد إلى المادة وجهين آخرين :

أحدهما : انه بناءً على انه في الواجب المشروط القيد راجع إلى المادة المنتسبة لا إلى الهيئة ، يكون الفرق بين المشروط والمعلق انه في الواجب المعلق تقيد المادة ثم يرد عليها الطلب ، وفي الواجب المشروط القيد يرجع إليها في حال الانتساب لا مطلقا ، وعليه ، ففي المقام نقول ان رجوع القيد إلى المادة متيقن وتقيده بحال الانتساب يحتاج إلى بيان اكثر من ذكر نفس القيد فالشك فيه يدفع بالأصل.

ثانيهما : ان القيد إذا كان راجعا إلى المادة بعد الانتساب لا بد وان يؤخذ مفروض الوجود ، وحيث ان أخذه كذلك يحتاج إلى بيان اكثر من ذكر القيد فيدفع احتماله بإطلاق القيد والفرق بين الوجهين انه يدفع احتمال رجوع القيد إلى مفاد الهيئة في الأول بإطلاق المادة المنتسبة وفي الثاني بإطلاق نفس القيد.

__________________

(١) أجود التقريرات ج ١ ص ١٦٥ ـ ١٦٦ وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ٢٤٠ ـ ٢٤١.

١٦٠