زبدة الأصول - ج ٢

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني

زبدة الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أنوار الهدى
المطبعة: وفا
الطبعة: ٣
ISBN: 964-8812-35-7
ISBN الدورة:
964-8812-39-X

الصفحات: ٤٢٦

هذه المسألة من المسائل العقلية

الجهة الثالثة : الظاهر ان هذه المسألة ، من المسائل العقلية ، لا من مباحث الألفاظ كما يظهر من صاحب المعالم (١) ، إذ الحاكم بالملازمة انما هو العقل ، غاية الامر ان هذا الحكم العقلي ، انما هو من الاحكام العقلية غير المستقلة ، وهي ما لا يستنبط منها الأحكام الشرعية ، الا بعد ضم مقدمة شرعية إليها ، وليس من الاحكام العقلية المستقلة ، وهي ما يستنبط منها الاحكام الشرعية مستقلا بلا احتياج إلى ضم شيء آخر إليها.

وذلك لانه لا يستنبط من حكم العقل بالملازمة بين وجوب ذي المقدمة ووجوب المقدمة ، حكم شرعي الا بعد ثبوت وجوب ذي المقدمة وضمه إليه ، وتوهم انحصار الاحكام العقلية بالقسم الثاني ، اوجب جعل هذه المسألة من مباحث الألفاظ ، والا فلا ربط لهذه المسألة بها.

وربما يقال انه يمكن ان يكون نظر صاحب المعالم إلى ان الملازمة ان كانت ثابتة بحكم العقل كان لازمه دلالة ما دل على وجوب ذي المقدمة على وجوب

__________________

(١) راجع معالم الدين ص ٦١ ـ ٦٢ فإنه بعد نقل كلام السيد المرتضى والذي يظهر منه اعتبار المسألة عقلية فرق بين المقدمة الذي يتوقف عليها ذيها وبين ما لا يتوقف ذيها عليها ، وهذه التفرقة كافية لاستظهار كون المسألة عنده عقلية ويؤكد ذلك انه نفي الدلالة اللفظية علة وجوب المقدمة بقوله : ليس لصيغة الأمر دلالة على ايجابه بواحدة من الثلاثة.

٨١

المقدمة بالدلالة الالتزامية فمن نفيها يستكشف عدمها

ويرد عليه ان الدلالة الالتزامية تتوقف على كون اللزوم عرفيا أو عقليا بينا بالمعنى الاخص بحيث يلزم من تصور الملزوم تصور اللازم.

واما ان كان اللزوم بينا بالمعنى الأعم وهو ما يجب معه الحكم باللزوم عند تصور الطرفين أو غير بيَّن فلا يدل الكلام الدال على الملزوم عليه بالدلالة الالتزامية ، فمن نفى الدلالة اللفظية لا يمكن ان يستدل على عدم الملازمة.

بيان خروج الاجزاء عن حريم النزاع

الجهة الرابعة : في تقسيمات المقدمة ، فقد ذكروا للمقدمات تقسيمات متعددة من جهات عديدة.

القسم الأول : تقسيمها إلى الداخلية وهي الاجزاء المأخوذة في الماهية المأمور بها والخارجية.

توضيح ذلك انه إذا لوحظ شيء مع المأمور به فلا يخلو الامر من احد امور ثلاثة :

١ ـ ان يكون داخلا في المأمور به قيدا وتقيدا كالقراءة بالاضافة إلى الصلاة ويسمى ذلك بالمقدمة الداخلية.

٢ ـ ان يكون خارجا عنه قيدا وتقيدا كالسير إلى الحجاز بالاضافة إلى الحج ويسمى ذلك بالمقدمة الخارجية بالمعنى الاخص.

٣ ـ ما يكون وسطا بين القسمين ويكون داخلا فيه تقيدا لا قيدا كالطهارة

٨٢

بالاضافة إلى الصلاة ، ويسمى ذلك ، تارة بالمقدمة الخارجية بالمعنى الأعم ، واخرى بالداخلية بالمعنى الأعم ، وثالثة بالمتوسطة.

وبعد ذلك نقول لا اشكال في دخول القسم الثاني في محل النزاع ، وكذا الصنف الثالث بناءً على ما هو الحق خلافا للمحقق النائيني (ره) من عدم انبساط الامر المتعلق بالمركب الاعتباري على القيود والشرائط كما مر في مبحث الواجب المشروط.

انما الكلام في الصنف الأول : والكلام فيه تارة من حيث المقدمية موضوعا ، واخرى من حيث ثبوت حكم المقدمة الخارجية لها.

اما الكلام في الجهة الأولى فقد استدل لعدم كونها من المقدمة موضوعا بأن المركب ليس الا الاجزاء بالاسر والشيء لا يعقل ان يكون مقدمة لنفسه والا لزم تقدم الشيء على نفسه.

واجابوا عن ذلك باجوبة.

احدها : ما عن التقريرات وهو ان للاجزاء اعتبارين ، احدهما لحاظها بشرط لا وبهذه الملاحظة تكون اجزاء ومقدمة للكل

ثانيهما لحاظها لا بشرط وبها تكون متحدة مع الكل وعينه.

ثانيها : ما في الكفاية وهو ان المقدمة هي الاجزاء الملحوظة لا بشرط. وذا المقدمة انما هو الاجزاء بشرط الاجتماع أي الملحوظة مجتمعة ومعلوم ان المعروض له نحو تقدم على عارضه

واورد على ذلك بأن ما ذكر من اخذ الاجزاء لا بشرط يناقض ما ذكره

٨٣

اهل المعقول من ان الاجزاء الخارجية كالهيولى والصورة هي الماهية المأخوذة بشرط لا ، وأجاب عنه ما ذكره في اواخر مبحث المشتق بما حاصله ان مراد القوم بذلك انما هو الفرق بين الاجزاء الخارجية والتحليلية ، وان الفرق بينهما انما هو بحسب المفهوم لا بحسب الاعتبار ، ولكن قد مر عدم تمامية ذلك فراجع

فالحق في الجواب عن المناقضة ، اختلاف المضاف إليه في اللابشرط ، وبشرط لا ، حيث ان مرادهم من بشرط لا في ذلك المقام هو بشرط لا عن الحمل ، والمراد من اللابشرط في المقام هو اللابشرطية من حيث الاجتماع.

وايضا مورد الكلام في ذلك المقام هو الاجزاء التحليلية التي تنحل إليها البسائط.

ومحل الكلام في المقام هو الاجزاء الخارجية للمركبات.

فالفرق بين المقامين واضح لا يخفى ، فلا وقع لهذا الايراد اصلا.

ثالثها : ما عن بعض المحققين (١) وهو ان مناط التقدم الطبيعي موجود في كل جزء بالنسبة إلى الكل إذ لا يمكن أن يكون هناك وجود للكل ولا وجود للجزء ، بخلاف العكس.

توضيحه : ان للمقدمة اطلاقين :

إذ ، تارة يراد بها ما يكون وجوده في الخارج غير وجود ذيها ، ويكون الوجود الثاني متوقفا على وجود الأول.

__________________

(١) كما أفاده المحقق الاصفهانى (ره) فى نهاية الدراية ج ١ ص ٢٩٨

٨٤

واخرى يراد بها مطلق ما يتوقف عليه وجود الشيء وان لم يكن وجوده في الخارج غير وجود ذيه ، وهي بالاعتبار الأول وان لم تصدق على الاجزاء الا انها بالاعتبار الثاني تصدق عليها ، لبداهة توقف وجود الكل على وجود الاجزاء ، واما وجودها فلا يتوقف على وجوده فيكون وجود الجزء متقدما على وجود الكل طبعا ، فلا يعقل وجوده بدون وجوده ، وهذا معنى المقدمية.

ولكن يرد على الكل ان ما هو محل الكلام انما هو ما يمكن ان يترشح الوجوب من ذي المقدمة إليها المتوقف ذلك على الاثنينية الخارجية : إذ لا يعقل ترشح الوجوب من الوجوب المتعلق بشيء إلى نفس ذلك الشيء ، فاثبات التغاير في موطن العقل لا يفيد مع العينية الخارجية.

واما الجهة الثانية : فالكلام فيها تارة في انه ، هل يكون لاتصافها بالوجوب الغيري مقتض ام لا؟.

واخرى في انه على تقدير ثبوت المقتضي هل هناك مانع عن اتصافها به ام لا؟.

اما من حيث وجود المقتضي فالحق انه لا مقتضي له كما يظهر مما اوردناه على القوم واشار إليه المحقق الخراساني (ره) في هامش الكفاية (١) وحاصله ان ملاك الوجوب الغيري انما هو فيما إذا كان وجود المقدمة غير وجود ذيها في الخارج ليقع البحث في انه هل يترشح الوجوب من ذي المقدمة إلى مقدمته ، واما مع العينية في الوجود فجعل وجوب غيري لها بعد كونها واجبة بالوجوب

__________________

(١) كفاية الأصول ص ٩١ هامش رقم ١.

٨٥

النفسي لغو محض.

واما من حيث المانع ، فقد استدل في الكفاية لعدم امكان تعلق الوجوب المقدمي بالاجزاء حتى على فرض صدق المقدمة عليها موضوعا ، بأن كل جزء من الاجزاء متعلق للوجوب النفسي المتعلق بالمركب ، إذ الاجزاء بالاسر هي المركب المأمور به ، فالامر النفسي المتعلق بالمركب يكون منبسطا على اجزائه ، ومتعلقا بكل منها ، فيكون كل جزء واجبا بالوجوب النفسي ، فلا يعقل تعلق وجوب آخر بالاجزاء ، وإلا لزم اجتماع المثلين ، وهو ممتنع ، وان قلنا بكفاية تعدد الجهة ، وجواز اجتماع الامر والنهي ، لعدم التعدد هاهنا ، فإن عنوان المقدمية واسطة في ثبوت الحكم لذات المقدمة ، ولا يكون متعلقا له.

وفيه : انه لا يلزم اجتماع المثلين من تعلق الوجوب الغيري بها ، بل يلتزم بالوجوب الواحد الاكيد ، كما في نظائر المقام من موارد اجتماع ملاكي الوجوبين وموضوعيهما ، في مورد واحد.

وأجاب عنه المحقق العراقي (١) ، بأن ملاك الوجوب الغيري في الاجزاء انما هو في طول ملاك الوجوب النفسي في الكل ، ومع اختلاف الرتبة يستحيل اتحاد المتماثلين بالنوع.

وفيه : ان الطولية في الملاك لا يلازم الطولية في الحكم ، مع ان الحكم المتأخر رتبة وان لم يكن في مرتبة المتقدم ، الا ان المتقدم ثابت في مرتبة المتأخر ، فيلزم الاتحاد.

__________________

(١) نهاية الأفكار ج ٢ ص ٢٦٨.

٨٦

اضف إلى ذلك ان المراد الاتحاد في الوجود الخارجي والتحقق وهذا لا ينافي مع تعدد المرتبة.

ونسب إلى المحقق العراقي (ره) (١) الاستدلال له : بانه بعد كون الاجزاء واجبة بالوجوب النفسي المتعلق بالمركب لانها نفس الكل المركب منها وجودا في الخارج ، تعلق الوجوب الغيري المتأخر عن ذلك الوجوب بكل جزء يكون بلا اثر ولغوا : إذ ان كان المأمور ممن يحركه امر المولى فالامر النفسي يوجب تحركه وان كان ممن لا يحركه الامر النفسي فالامر الغيري أيضا لا يحركه ، فأي فائدة في البعث إليه ثانيا ، وإذا كان البعث الغيري لغوا استحال على الحكيم صدوره منه.

وفيه : انه يمكن ان يكون شخص في حال لا يحركه الامر الواحد ولكن لو تعدد وصار مؤكدا يحركه ، ولذا ربما ينذر الاتيان بالواجب وليس ذلك الا لما ذكرناه ، ولولاه لزم عدم انعقاد هذا النذر لما ذكر مع انه ينعقد بلا كلام.

فالصحيح : ان يستدل له بما تقدم من منع المقدمية الخارجية إذ حينئذ لا معنى لترشح الوجوب من الوجوب المتعلق بالمركب إليها ، وان شئت قلت بأن الاجزاء محبوبة للمولى بانفسها ومتعلقة لارادته بذاتها ، فيستحيل كون محبوبيتها منشأً لمحبوبيتها بالمحبوبية الغيريَّة.

__________________

(١) كما في نهاية الافكار أيضا ج ٢ ص ٢٦٩.

٨٧

وقد يقال كما عن بعض الاعاظم (١) بانه تظهر ثمرة النزاع في كون الاجزاء متصفة بالوجوب الغيري وعدمه ، في مسألة دوران الامر بين الاقل والاكثر الارتباطيين : إذ على القول الأول لا ينحل العلم الاجمالي بوجوب احدهما إلى العلم التفصيلي بوجوب الاقل لان مناط الانحلال انطباق المعلوم بالاجمال على المعلوم بالتفصيل على كل تقدير وفي المقام لا ينطبق عليه لان المعلوم بالاجمال هو الوجوب النفسي والمعلوم بالتفصيل الجامع بين الوجوب النفسي والغيري فلا انحلال في البين وعلى الثاني ينحل العلم الاجمالي إلى العلم التفصيلي بوجوب الاقل النفسي والشك في اعتبار امر زائد.

وفيه : أولاً ان لازم اتصاف الاجزاء بالوجوب الغيري ليس عدم اتصافها بالوجوب النفسي فعلى كل تقدير يعلم تفصيلا بالوجوب النفسي المتعلق بالاقل غاية الامر على تقدير تكون الاجزاء متصفة أيضا بالوجوب الغيري دونه على تقدير آخر.

وثانياً : انه سيأتي في محله ان ضابط الانحلال عدم جريان الأصل في الاقل وجريانه في الزائد بلا معارض وفي ذلك لا فرق بين المسلكين كما لا يخفى.

__________________

(١) نسبه آية الله العظمى السيد الخوئي (قدِّس سره) في المحاضرات إلى بعض الاعاظم ج ٢ ص ٣٠١. والظاهر انه مختار المحقق الآخوند في الكفاية ، راجع المقام الثاني في دوران الأمر بين الاقل والاكثر الارتباطين ص ٣٦٣ ـ ٣٦٤ في معرض رده على كلام الشيخ الأعظم الذي اختار ان الاقل واجب على كل حال / وقد اوضح بيان هذه الثمرة المحقق السيد الحكيم في تعليقه على الكفاية راجع حقائق الأصول ج ٢ ص ٣١٦ ـ ٣١٧.

٨٨

القسم الثاني : تقسيم المقدمة : إلى العقلية ، والشرعية ، والعادية.

والظاهر انه لا وقع لهذا التقسيم ولا يترتب عليه ثمرة اصلا.

إذ المقدمة العقلية هي ما استحيل وجود ذي المقدمة بدونها وهي المقدمة الخارجية المتقدم بيانها ، والشرعية ، هي المتوسطة المتقدم ان نفسها من قبيل المقدمة الخارجية ، والتقيد بها من قسم المقدمة الداخلية.

واما العادية فإن اريد بها ، ما يتوقف عليه الواجب بحسب العادة ، بحيث يمكن تحقق ذي المقدمة بدونها ، الا انه جرت العادة على الاتيان بها مقدمة ، فلا مورد لتوهم دخولها في محل النزاع ، لعدم كونها مقدمة حقيقة ، وان اريد بها ما يكون التوقف عليها فعلا واقعيا الا انه لأجل عدم التمكن عادة من الاتيان بها ، فهي ترجع إلى المقدمة العقلية ، كما لا يخفى.

القسم الثالث : تقسيم المقدمة ، إلى مقدمة الوجود ، ومقدمة الوجوب ، ومقدمة الصحة ، ومقدمة العلم.

اما مقدمة الوجود فلا اشكال في دخولها في محل النزاع وهي المقدمة الخارجية العقلية وهي ما يتوقف وجود المأمور به عليها عقلا.

واما مقدمة الصحة فهي المقدمة المتوسطة بين الخارجية والداخلية ، التي تقدم انها بنفسها من قسم الخارجية العقلية ، ومن حيث التقيد بها من قسم الداخلية.

٨٩

واما مقدمة الوجوب ، فقد استدل لخروجها عن حريم النزاع (١) بأن تلك المقدمة ما لم تتحقق لا وجوب لذي المقدمة كي يترشح الوجوب منه إليها ، وبعد تحققها وثبوت الوجوب لا يمكن الترشح لكونه طلبا للحاصل.

واورد عليه بأن ذلك انما يتم في الشروط المتقدم والمقارن ، ولا يتم في الشرط المتأخر.

ولكن يمكن ان يقال فيه بأن الشرط المتأخر ، ان كان خارجا عن الاختيار فلا كلام ، وان كان تحت الاختيار فحيث ان كون ذي المقدمة واجبا يتوقف على تحققه في ظرفه ، فلو لم يأت به لما وجب ذو المقدمة كي يجب بوجوبه ولو اتى به لا يمكن تعلق الوجوب به لكونه طلب الحاصل.

واما مقدمة العلم فليست بمقدمة اصلا ، إذ مثلا في الصلاة إلى اربع جوانب ليست الصلاة الواقعة إلى غير القبلة مقدمة للصلاة الواقعة إليها ، نعم الصلوات الواقعة إلى اربع جهات مقدمة لاحراز تحقق المأمور به ووجوده في الخارج.

ووجوبها انما يكون بمقتضى قاعدة الاشتغال لا من باب الملازمة كما لا يخفى.

__________________

(١) المستدل لخروجه عن حريم النزاع غير واحد منهم المحقق النائيني في بحوث في الأصول ج ١ ص ١٤٢ / ولآية الله الخوئي في المحاضرات ج ٢ ص ٣٠٢ / والسيد البروجردي في نهاية الأصول ص ١٥٨.

٩٠

الشرط المتأخر

القسم الرابع : تقسيمها إلى المتقدم ، والمتأخر ، والمقارن.

وقد ورد في الشرع في جملة من الموارد ما ظاهره تقدم المشروط على الشرط زمانا مع انه قد برهن في محله انه لا يمكن تقدم المعلول على شيء من اجزاء علته ومنها الشرط.

واجماله انه لو تقدم يلزم ، اما تأثير المعدوم في الموجود ، أو عدم التأثير ، والاول ممتنع ، والثاني خلف ، وتوطئة لدفع هذا الاشكال قسم الاصحاب المقدمة ، ومن اقسامها الشرط كما مر ، إلى المتقدم ، والمقارن ، والمتأخر.

والمحقق الخراساني (١) بعد تقريب الاشكال في الشرط المتأخر اسرى الاشكال إلى الشرط المتقدم.

بدعوى انه من الضروري عدم جواز انفكاك المعلول عن العلة ، وعدم جواز انفكاكها عنه ، فكما انه لا يجوز تقدم المعلول على علته ، كذلك لا يجوز تقدم العلة على المعلول ، والا لزم اما تأثير المعدوم في الموجود ، أو الخلف.

واورد على المحقق الخراساني (٢) ، بأن من قوله في اول البحث ، ولا من تقدمها بجميع اجزائها على المعلول ، ان كان هو التقدم الرتبى ، فلا ينافيه

__________________

(١) كفاية الأصول ص ٩٢ (ومنها تقسيمها إلى المتقدم والمقارن والمتأخر).

(٢) يتضح الايراد مما سياتي.

٩١

التأخير الزماني : إذ لا تضاد بين تأخر المعلول عن العلة رتبة ، وتقدمه عليها زمانا واما ان يكون هو التقدم الزماني ، فهو مضافا إلى منافاته لما صرح به بعد اسطر من اعتبار المقارنة الزمانية ، غير تام.

وفيه : ان مراده التقدم الرتبي ، الا انه يستلزم عدم التأخر زمانا : إذ التقدم الرتبى العلي ، معناه انه لا يعقل وجود المعلول وضرورة وجوده الا إذا وجدت العلة ووجبت ، ولازم ذلك في الزمانيات ان لا يتقدم المعلول على علته زمانا والا لم يكن وجوده تابعا لوجودها.

ولكن يرد على المحقق الخراساني (ره) أن إسراؤه الإشكال إلى الشرط المتقدم ، غير صحيح : فإن المقارنة الزمانية انما تعتبر في العلة التامة المؤثرة ، كالعلة البسيطة ، والجزء الاخير من العلة المركبة ، واما في العلَّة الناقصة ، والمقربة للأثر ، المعبر عنها بالمعدة فلا تعتبر المقارنة ، فالاشكال مختص بالشرط المتأخر.

وحيث ان الموارد التي توهم انخرام القاعدة فيها تكون على نحوين ، لان المتأخر قد يكون شرطا للتكليف أو الوضع ، وقد يكون شرطا للمأمور به.

فتنقيح القول فيها بالبحث في موردين :

الأول : في شرط الحكم.

الثاني : في شرط المأمور به.

اما الأول : فقد عرفت ان محذور تأخر الشرط انما هو تأثير المعدوم في الموجود ، أو عدم التأثير ، والاول ممتنع ، لانه لا يمكن ان يترشح موجود بالفعل ،

٩٢

من معدوم بالفعل.

والثاني : خلف ، ولذلك ذهب جماعة من المحققين منهم المحقق النائيني (ره) (١) إلى امتناع ذلك.

وللقوم في تصوير الشرط المتأخر مسالك :

الأول : ما افاده المحقق الخراساني (٢) ، وحاصله ان شرط التكليف أو الوضع ، ليس الا ان للحاظه دخلا في الجعل كالشرط المقارن ، حيث ان الحكم تكليفاً كان أو وضعاً ، من الافعال الاختيارية للمولى ، فمن مبادئه تصور الشيء ولحاظ اطرافه ليرغب في طلبه ، وتسمى هذه الاطراف التي لتصورها دخل في الحكم بالشرط ، فالدخيل في الحكم في جميع الاقسام هو اللحاظ والتصور ، واما الأمور الموجودة في الخارج فهي متعلقة للحاظ لا دخيلة في الحكم ، وعلى ذلك فكما يمكن ان يلاحظ المولى الامر المقارن أو المتقدم فيأمر ، يمكن ان يلاحظ الامر المتأخر ، ففي موارد الشرط المتأخر لا يكون الشرط متاخرا كي يلزم تحقق

__________________

(١) أجود التقريرات ج ١ ص ٢٢٦ ـ ٢٢٧. وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ٣٣٠. وراجع أيضا كلامه في المطلق والمشروط ج ١ ص ١٤٣ ـ ١٤٤ (وبالجملة) وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ٢١١ حيث قال : بالجملة لا بد وأن يقع المنشأ في الخارج على طبق الإنشاء فكما ان وجود الموضوع التام يستحيل ان يتخلف عن حكمه فكذلك وجود الحكم يستحيل ان يتخلف عن موضوعه فمحذور الشرط المتأخر ليس لزوم تأثير المعدوم في الموجود إذ الشرط لا يكون مؤثراً في الحكم أصلا بل المحذور هو لزوم الخلف من تقدم الحكم على موضوعه.

(٢) كفاية الأصول ص ٩٣.

٩٣

المشروط قبل شرطه ، بل الشرط يكون مقارنا دائما.

واورد عليه المحقق النائيني (ره) (١) بأن ذلك يتم في القضايا الخارجية التي لا يتوقف الحكم فيها على غير دواعي الحكم المؤثرة فيه بوجودها العلمي طابق الواقع ام لا ، وكذلك يتم في القضايا الحقيقية في شرائط الجعل ، فإن الدخيل في الجعل ليس الا اللحاظ ، ولا يتم في شرائط المجعول : فإن الدخيل في فعلية الحكم انما هو الوجودات الخارجية المأخوذة مفروضة الوجود ، فما لم يتحقق الموضوع في الخارج بجميع قيوده لا يصير الحكم فعليا : إذ نسبة الحكم إلى الموضوع نسبة المعلول إلى علته فيعود الاشكال ، فجعل شرائط الحكم مطلقا من دخل اللحاظ في الحكم ، انما نشأ من الخلط بين القضايا الحقيقية ، والخارجية.

وأجاب عنه الأستاذ الأعظم (٢) : بأن شرط الحكم وان كان لا بد من اخذه مفروض الوجود في مقام الجعل والانشاء الا ان ظرف وجوده المفروض يختلف باختلاف كيفية الجعل ، فربما يجعل الحكم على الموضوع مقيد بقيد اخذ مفروض الوجود مقارنا له أو متقدما عليه ، وربما يجعل الحكم على الموضوع المقيد بقيد اخذ مفروض الوجود بعد وجوده ، والقيد في جميع ذلك وان كان مفروض الوجود ، الا انه يختلف باختلاف ظرف وجود المأخوذ قيدا في الحكم انتهى.

وهذا هو الوجه الثاني للامكان.

ولكن يرد على ما افاده الأستاذ ، ان ذلك لا يتم بناءً على مسلك العدلية

__________________

(١) أجود التقريرات ج ١ ص ٢٢٣ (الأمر الرابع) وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ٣٢٦.

(٢) في حاشيته على أجود التقريرات ج ١ ص ٢٢٦ ، وفي الطبعة الجديدة ٣٢٨.

٩٤

من تبعية الاحكام للمصالح والمفاسد : إذ بناءً عليه ، لا يكون اخذ القيد مفروض الوجود لغوا وجزافا ، بل لا محالة يكون من جهة دخله في اتصاف الفعل بالمصلحة ، وعليه فيعود الاشكال وهو ان المتأخر كيف يمكن ان يؤثر في المتقدم ، ويوجب اتصاف الفعل بالمصلحة قبل وجوده ، فهذا الوجه غير تام.

كما ان الوجه الأول لا يتم لما افاده المحقق النائيني (ره) فانه لا ريب في ان الدخيل في فعلية الحكم في القضايا الحقيقية هي الوجودات الخارجية ، لا الوجودات اللحاظية.

الثالث : ان استحالة الشرط المتأخر انما هي في التكوينيات ، واما في التشريعيات ، فبما ان الاعتبار والتشريع ، خفيف المئونة فلا محذور في تأخر شرائطه عقلا.

وأجاب عنه المحقق النائيني (١) بأن المتأخر ان لم يكن له دخل في هذا الاعتبار لا بنحو العلية ، ولا بنحو الموضوعية ، فلا معنى لكونه شرطا ، وان كان دخيلا فيه ، فكيف يعقل تأخره.

وفيه ان مجرد ذلك لا يكفي في الجواب : إذ للمستدل ان يلتزم بانه دخيل في هذا الاعتبار بنحو الموضوعية ، الا ان وجوده في ظرفه ، اوجب فعلية الحكم قبل وجوده بواسطة اعتبار المولى وجعله.

فالأولى : في الجواب ان يقال ، ان دخله في اتصاف الفعل بالمصلحة ، اوجب

__________________

(١) أجود التقريرات ج ١ ص ٢٢٨ (وفيه ان الأمر المتأخر) وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ٣٣١.

٩٥

دخله في الموضوع بناءً على مسلك العدلية ، ودخله فيه يكون تكوينيا فيعود المحذور.

الرابع : ان الممتنع تأخر المقتضي المترشح منه المعلول ، لا الشرائط التي لايت رشح منها المعلول.

وفيه : ان الشرط يؤثر في وجود المعلول ، اما بتأثيره في تتميم فاعلية الفاعل ، أو قابلية القابل فيعود الاشكال ، وهو ان المعدوم كيف يؤثر في الموجود بالفعل ، وقد استدل لامكانه بوجوه اخر واضح الفساد.

والحق في وجه امكان الشرط المتأخر في الاحكام ، ان يقال : ان الشرط ، والجزء ، يختلفان في كيفية الدخل في الموضوع بتبع الاختلاف في كيفية الدخل في اتصاف الفعل بالمصلحة ، إذ الجزء بنفسه دخيل فيه ، واما الشرط فالتقيد به دخيل في ذلك لا نفسه بل هو بوجوده الخارجي طرف لما يكون دخيلا في الموضوع ، وهو التقيد به ، وذلك امر مقارن للحكم.

مثلا في العرفيات ، الحمامي انما يرضى بالتصرف في الحمام وصرف الماء لمن يعطى العوض فيما بعد خروجه فمن علم من حال نفسه انه يعطى العوض فيما بعد حيث انه بالفعل مقيد بهذا ويتصف به يجوز له الدخول فيه.

وبالجملة الشرط بوجوده الخارجي في أي ظرف كان وجوده ، موجب لحصول ذلك التقيد المقارن ، لا انه بنفسه دخيل كي يلزم الاشكال والتقيد عبارة عن اضافة خاصة حاصلة للشيء إذا لوحظ مع غيره ، وتلك الاضافة كما تحصل له إذا لوحظ مع المقارن أو المتقدم كذلك تحصل له إذا لوحظ مع المتأخر.

٩٦

فإن قلت : ان تلك الاضافة ان كانت حاصلة قبل تحقق ذلك الشرط ولم يكن حصولها منوطا بحصول ذلك المتأخر في ظرفه لزم ان لا يكون الشرط دخيلا ، وهو خلف الفرض ، وان كان منوطا بحصوله لزم تأثير المتأخر في حصول المتقدم فيعود الاشكال.

قلت : أولاً : يمكن ان يقال ان المؤثر في المصلحة والحكم هي الحصة الخاصة ، من ذلك الشيء وهي ما لو حصل بعده ذلك المتأخر ولا يكون مطلق وجوده دخيلا فيهما ، فلا يحصل عنوان آخر ، كي يقال انه كيف يوجد مع ان المؤثر فيه امر متاخر.

وثانياً : ان هذا البرهان انما يتم في الموجودات العينية ولا يتم في العناوين الاضافية الاعتبارية فيمكن ان يكون الشيء الذي يتعقبه شيء آخر معنونا بعنوان اعتباري اضافي ، ودخل العناوين الاعتبارية في المصالح في غاية الكثرة.

ألا ترى انه إذا علم الإنسان ، ان زيدا يعينه في حال مرضه ، أو سفره في السنة الآتية ، يرى في اكرامه بالفعل مصلحة ويشتاق إليه فيكرمه بالفعل.

وعلى الجملة حصول امر اعتباري اضافي من جهة تحقق المتأخر في ظرفه واضح ، ودخل العناوين الاعتبارية في المصالح في غاية الوضوح ، وعليه فلا محذور في الشرط المتأخر اصلا.

وهذا هو القول الفصل في المقام ..

٩٧

الشرط المتأخر للمأمور به

المورد الثاني : في الشرط المتأخر للمأمور به ، كالاغسال الليلية المعتبرة في صحة صوم المستحاضة عند بعض.

وملخص القول فيه ، انه مما ذكرناه في وجه امكان الشرط المتأخر للحكم ، يظهر امكانه في المقام : إذ لا فرق بين القسمين ، سوى ان شرط الحكم ، هو ما يكون دخيلا في اتصاف الفعل بالمصلحة ، وشرط المأمور به ، ما يكون دخيلا في حصول المصلحة ، ولذلك الأول غير لازم التحصيل ، والثانى يكون لازما ، واما من الجهة التي اشكل على الشرط المتأخر فهما متحدان اشكالا ، وجوابا ، حيث ان المستشكل يقول ان المتأخر كيف يعقل ان يؤثر في حصول المصلحة من المتقدم.

والجواب عنه ما ذكرناه ، من ان الشرط بنفسه لا يكون دخيلا في المأمور به ، وفي حصول المصلحة ، بل تقيد المأمور به دخيل فيهما ، وهو بوجوده الخارجي طرف للاضافة ، وهي متحققة مقارنة ، لوجود المأمور به.

ويمكن تصحيح الشرط المتأخر في هذا القسم بوجه آخر يخصه ، وهو ان شرط المأمور به من حيث كونه شرطا له ، لا اشكال فيه اصلا ، بعد كون الحكم من الأمور الاعتبارية ، ومعنى كونه شرطا له تقيد المأمور به ، وبديهى ان هذا المعنى غير مربوط بالشرط في باب العلة والمعلول ، ولا يكون دخيلا في التأثير اصلا.

نعم بناءً على مسلك العدلية ، يتوجه الاشكال من حيث كونه دخيلا في

٩٨

حصول المصلحة ، في ان المتأخر كيف يمكن ان يؤثر في المتقدم ، وهو يتوقف على امرين :

١ ـ دخالة المتأخر في المصلحة.

٢ ـ تحقق المصلحة قبل وجود الشرط ، ومع عدم ثبوت الامرين أو احدهما يرتفع الإشكال كما هو واضح.

ولنا منع كلا الامرين :

اما الأول : فلانه يمكن ان يكون الشرط كاشفا ومعرفا عن كون ذي المصلحة ، هو الحصة الخاصة ، ولا يكون الشرط دخيلا فيها اصلا.

واما الثاني : فلانه يمكن ان يقال ان المصلحة لا تستوفى ولا تتحقق قبل وجود الشرط ، بل الفعل المأمور به كصوم المستحاضة على القول باشتراطه بغسل الليل ، يكون مقتضيا لحصول المصلحة وغسل الليل دخيل في فعلية المصلحة ، نظير ذلك في العرفيات ، شرب المسهل المشروط تأثيره في حصول الاسهال بالنوم مثلا : فإن لازم شرطيته حصول الاثر بعد النوم لا قبله.

وعلى هذا فلا يلزم تأثير المتأخر في المتقدم ، فليكن الامر في الشرعيات على هذا المنهج.

٩٩

والمحقق النائيني (ره) (١) بعد اختياره عدم جواز الشرط المتأخر في القسم الأول ، وانه لا بد من التأويل فيما ظاهره اشتراط الامر المتأخر ، بالارجاع إلى شرطية عنوان التعقب اختار الجواز في القسم الثاني (أي شرط المأمور به)

افاد في وجهه ، ان معنى كون شيء شرطا كون الدخيل في المأمور به التقيد به ، فهو لا يزيد على الجزء الدخيل فيه قيدا وتقيدا ، فكما لا اشكال في تأخر بعض الاجزاء عن بعضها كذلك لا ينبغى الاشكال في تأخر الشرط عن المشروط.

ثم اورد على نفسه (٢) : بانه في الاجزاء الامر ينبسط على تمامها وان كانت تدريجية الوجود ، واما الشرائط فحيث ان القيود خارجة عن المأمور به والدخيل هي التقيدات الحاصلة من اضافة المأمور به إلى الشرائط ، فيسأل ان هذه التقيدات توجد قبل وجود الشرائط أو حينها ، فعلى الأول يلزم وجود الامر الانتزاعي قبل وجود منشأ انتزاعه وهو محال ، وعلى الثاني يلزم وجود الاضافة مع عدم احد الطرفين وهو المشروط.

__________________

(١) أجود التقريرات ج ١ ص ٢٢٨ (ومنها ان الشرط لو كان الأمر المتأخر ..) وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ٣٣١ ـ ٣٣٢. ويحسن مراجعة كلامه في مبحث المطلق والمشروط (تنبيه) ص ١٤٢ ـ ١٤٧. وفي الطبعة الجديدة ص ٢١٠ ـ ٢١٦.

(٢) اجود التقريرات ج ١ ص ٢٢٢ فإن قلت بين الأجزاء والشرائط فرق) وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ٣٢٣.

١٠٠