زبدة الأصول - ج ٢

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني

زبدة الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أنوار الهدى
المطبعة: وفا
الطبعة: ٣
ISBN: 964-8812-35-7
ISBN الدورة:
964-8812-39-X

الصفحات: ٤٢٦

الصلاة الواقعة مع النجاسة الواقعية المحكوم ظاهرا بالطهارة ـ بالاستصحاب ـ فانه لو لا اقتضاء امتثال الامر الظاهري للاجزاء لما صح التعليل ، فتكون صحيحة زرارة لما فيها من التعليل دليلا على قاعدة الاجزاء.

وأورد عليه بإيرادين :

أحدهما : ما افاده الشيخ الأعظم (١) بأنه خلاف الظاهر ، إذ العلة حينئذ هو مجموع الصغرى والكبرى لا هذه الصغرى بخصوصها فلا يصح التعليل بها.

وأجاب عنه المحقق الخرساني بما حاصله أن العلة هي مجموع الكبرى والصغرى أي كونه مستصحبا للطهارة المحقق للأمر الظاهري مقتض للإجزاء وعليه فكما يصح التعليل بهما يصح التعليل بإحداهما ، وفي الصحيح علل بالصغرى.

وفيه ان اقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء ليس بمثابة يصح في مقام التعليل بالصغرى وفرض كون الكبرى مسلمة وتصحيحه بإرجاعه إلى أن الشرط

__________________

شَيْءٌ أَنْ أَنْظُرَ فِيهِ قَالَ لا ولَكِنَّكَ إِنَّمَا تُرِيدُ أَنْ تُذْهِبَ الشَّكَّ الَّذِي وَقَعَ فِي نَفْسِكَ قُلْتُ إِنْ رَأَيْتُهُ فِي ثَوْبِي وأَنَا فِي الصَّلَاةِ قَالَ تَنْقُضُ الصَّلاةَ وتُعِيدُ إِذَا شَكَكْتَ فِي مَوْضِعٍ مِنْهُ ثُمَّ رَأَيْتَهُ وإِنْ لَمْ تَشُكَّ ثُمَّ رَأَيْتَهُ رَطْباً قَطَعْتَ الصَّلَاةَ وَغَسَلْتَهُ ثُمَّ بَنَيْتَ عَلَى الصَّلَاةِ لِأَنَّكَ لا تَدْرِي لَعَلَّهُ شَيْءٌ أُوقِعَ عَلَيْكَ فَلَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ تَنْقُضَ الْيَقِينَ بِالشَّكِّ. وذكره أيضا في الإستبصار ج ١ ص ١٨٣ باب ١ (الرجل يصلي في ثوب فيه نجاسة).

(١) راجع فرائد الأصول ج ٢ ص ٥٦٦ عند قوله (ربما يتخيل حسن التعليل ... الثالث الاخبار المستفيضة .. ومنها صحيحة أخرى لزرارة مضمرة أيضا).

٦١

هو الطهارة أعم من الواقعية والمحرزة من قبل الأكل من القفا وان كان في نفسه صحيحا إذ لو كان الشرط خصوص الطهارة الواقعية لا مناص عن البناء على البطلان لعدم الشرط والمشروط ينتفي بانتفاء شرطه ، فالإجزاء بعد انكشاف الخلاف لا معنى له إلا ذلك.

فما أفاده المحقق النائيني من صحة التعليل على كل من المذهبين لا يتم ـ فإنهما مذهب واحد ذو تعبيرين لا مذهبين.

الثاني انه على فرض صحة الاستدلال به ، فإنما هو على فرض تسليم كون النجاسة المرتبة بعد الصلاة هي النجاسة المظنونة التي خفيت عليه قبل الصلاة ، واما لو كانت النجاسة المرئية فما احتمل وقوعها بعد الصلاة كما لعله الظاهر ولو بقرينة تغيير التعبير في كلام الراوي حيث أنه في الفرع السابق عليه يقول فلما صليت وجدته مع الضمير ـ وفي هذه الجملة يقول فرأيته فيه بدون الضمير ـ فتدبر.

أضف إلى ذلك كله أنه يمكن أن يكون الاستصحاب من جهة أن الشرط أعم من الطهارة الواقعية والمحرزة.

أو من جهة أن النجاسة التي لم يقم معذر عقلي أو شرعي مانعة.

فالمتحصل أنه لاوجه للاجزاء في الإمارات والأصول مطلقا لفرض بقاء الواقع وكون الإعادة أو القضاء من آثاره هذا ما تقتضيه القاعدة الأولية.

٦٢

وتمام الكلام في محله (١).

ما تقتضيه الادلة الثانوية

واما مقتضى الادلة الثانوية ـ فمحصّل القول فيه ـ انه قد استدل للقول بالاجزاء في موارد الاوامر الشرعية الظاهرية بوجوه :

احدها : ما وقع الاستدلال به في كلمات جماعة من الاساطين ، وهو ان عدم الاجزاء في موارد الاوامر الظاهرية مستلزم للحرج نوعا ، ويكفى الحرج النوعي في نفى الحكم رأسا ، ولا يعتبر الحرج الشخصي ، وقد اثبتوا جملة من الاحكام بواسطة استلزام عدمها الحرج في الجملة ولو بالنسبة إلى جمع من الاشخاص.

والظاهر كما نبه عليه المحقق النائيني (ره) (٢) ان منشأ ذلك هو تعليل بعض الاحكام الشرعية بنفى الحرج كطهارة الحديد ـ مع ان نجاسة الحديد لا تستلزم الحرج بالنسبة إلى جميع الاشخاص في جميع الاحوال فتخيل ان الحرج المنفى هو الحرج النوعي لا الشخصي.

ولكن يرد عليه ان الظاهر من دليل نفي الحرج من الآية الكريمة (٣)

__________________

(١) راجع زبدة الأصول ج ٤ ص ٢٨ ـ ٢٩ من الطبعة الأولى.

(٢) أجود التقريرات ج ١ ص ٢٠٤. وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ٢٩٥ ـ ٢٩٦.

(٣) (مَا جَعَلَ عَليكُمْ في الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الآية ٧٨ من سورة الحج.

٦٣

والاخبار (١) كون المنفى هو العسر والحرج الشخصيان ، كما في قاعدة نفى الضرر ، ولذلك يجب الوضوء على من لم يكن الوضوء بالنسبة إليه حرجيا ، أو ضرريا ، وان كان بالنسبة إلى عامة الناس حرجيا ، أو ضرريا ، والتعليل المشار إليه انما هو من جهة الاشتباه والخلط بين موضوع الحكم ، وداعي جعله ، وادلة نفى الحرج يكون موضوعها الحرج ، وهي كسائر القضايا الحقيقية يدور الحكم فيها مدار الموضوع وجودا وعدما ، فلا معنى لكون الميزان هو الحرج النوعي.

واما ما في خبر طهارة الحديد من التعليل بالحرج فهو انما يكون حكمة للتشريع ، ولا مانع من كون شيء داعيا وحكمة لجعل حكم لا يدور ذلك الحكم مداره لكن ذلك انما هو شان الشارع لا المجتهد.

وتمام الكلام في محله وعليه فلا وجه للحكم بالاجزاء وعدم وجوب الاعادة والقضاء ما لم يتحقق الحرج الشخصي.

ثانيها : ما عن المحقق النائيني (ره) (٢) من دعوى الاجماع على الاجزاء في العبادات الواقعة على طبق الاجتهاد المتبدل ، أو التقليد كذلك.

وفيه : مضافا إلى عدم ثبوت الاجماع ، انه على فرض ثبوته لا يكون اجماعا تعبديا كاشفا عن رأى المعصوم (ع) بل الظاهر ولا اقل من المحتمل كونه مدركيا مستندا إلى بعض ما ذكر من الوجوه.

__________________

(١) كروايات الكافي ج ٣ ص ٣٠ باب مسح الرأس والقدمين ح ٤ / الفقيه ج ١ ص ١٠٣ باب التيمم ح ٢١٢ / التهذيب ج ١ ص ٦١ ح ١٧.

(٢) أجود التقريرات ج ١ ص ٢٠٦. وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ٢٩٩.

٦٤

ثالثها : حديث لا تعاد الصلاة (١) ، بناءً على ما هو الحق من شموله للجاهل غير المقصر كما حقق في محله ، فهو يدل على ان الخلل الواقع في الصلاة جهلا أو نسيانا ـ من غير جهة الخمسة المذكورة فيه ـ لا يوجب بطلان الصلاة ، فلا يجب اعادتها أو قضائها ، فالحديث يدل على الاجزاء في خصوص باب الصلاة.

وحيث انه لا دليل على الاجزاء غير هذا الحديث فلا وجه للقول بالاجزاء في غير باب الصلاة من العبادات.

واما على ما اختاره المحقق النائيني المتمسك بالاجماع عليه فهو يجري في جميع ابواب العبادات لانه يدعى الاجماع على الاجزاء في باب العبادات مطلقا.

وعليه فلو كان يرى عدم مفطرية الارتماس للصوم ، ثم تبين له مفطريته وقد ارتكبه وأتى به فانه يجب عليه القضاء على المختار ، ولا قضاء عليه على مختاره.

ثم ان مسألة الاجزاء مختصة بباب العبادات ، ولكن مسألة تبدل الرأى اعم منها ومن الوضعيات من العقود والايقاعات والاسباب.

وحيث ان المدرك واحد فعلى الطريقية لا اجزاء وينقض الاعمال السابقة.

وعلى الموضوعية لا انتقاض ، وحيث انا لا نسلم الاجماع التعبدى ، وانما بنينا على الاجزاء في باب الصلاة لحديث لا تعاد الصلاة.

__________________

(١) عن ابي جعفر (ع) لا تعاد الصلاة الا من خمسة : الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود. كما رواه الفقيه ج ١ ص ٢٧٩ باب القبلة ح ٨٥٧. / والتهذيب ج ٢ ص ١٥٢ باب ٩ تفصيل ما تقدم ذكره في الصلاة من الفروض ... ح ٥٥. / الوسائل ج ١ ص ٣٧١ باب وجوب اعادة الصلاة ح ٩٨٠.

٦٥

فالاظهر هو الانتقاض مطلقا في الوضعيات من غير فرق بين بقاء الموضوع ـ كما لو بنى على صحة العقد بالفارسي اجتهادا فعامل معاملة فارسية والمال الذي انتقل إليه بتلك المعاملة باق ـ وبين عدم بقائه ، كما لو كان المال المشترى بذلك العقد تالفا ، ولا يصغى إلى ما قيل ، من الاجماع على الانتقاض في الصورة الثانية.

الاجزاء في القطع بالامر في صورة الخطأ

وينبغى التنبيه على امور :

الأول : افاد المحقق الخراساني (ره) ((١) انه لا ينبغي توهم الاجزاء في القطع بالامر في صورة الخطاء ، واستدل له : بانه لا يكون موافقة للامر فيها وبقى الامر بلا موافقة اصلا. ـ وهو أوضح من أن يخفى ـ

واورد عليه بما حاصله ان الاجزاء ليس مناطه موافقة الامر بل ملاكه وفاء المأتي به بمصلحة المأمور به ، وفي مورد القطع يمكن ذلك بل هو واقع في الجملة ، كما في مورد الجهر والاخفات والقصر والاتمام.

وأجاب عنه : بانه في موارد الأمارات والاصول زائدا على امكان ذلك : يشهد له في مقام الاثبات ما مر ، واما في مورد القطع المخالف فلا يكون شيء يستدل به للاجزاء بنحو الكلية ووجود الدليل في بعض المقامات الخاصة لا

__________________

(١) كفاية الأصول ص ٨٨ (تذنيبان ، الأول).

٦٦

يجعل البحث اصوليا وكليا.

ولكن ما افاده يتم فيما هو مقتضى الادلة الاولية.

وأما الأدلة الثانوية من الاجماع وقاعدة لا حرج ، وحديث لا تعاد الصلاة ، فهي في الشمول لمورد القطع والامارات على حد سواء ولا فرق بينهما اصلا.

الثاني : قال المحقق الخراساني (١) لا يذهب عليك ان الإجزاء في بعض موارد الأصول والطرق والامارات على ما عرفت تفصيله لا يوجب التصويب المجمع على بطلانه إلى آخر ما يفيد.

محصل ما افاده في هذا الامر ردا لما قيل من ان الإجزاء وعدمه ، مبنيان على القول بالتصويب أو التخطئة. وعلى الأول : لا بد من البناء على الإجزاء. وعلى الثاني : على عدمه.

ان التصويب ان كان بلحاظ خلو الواقعة عن الحكم فلا ملزم للالتزام به إذ الحكم الواقعي بمرتبته محفوظ ، والحكم الواقعي المشترك بين العالم والجاهل لا يرتفع بقيام الامارة على خلافه حتى بناءً على اشتمال مؤداها على المصلحة التي مع استيفائها لا يبقى مجال لاستيفاء مصلحة الواقع الذي هو ملاك الإجزاء.

وان كان بلحاظ سقوط الحكم بمراتبه بعد الاتيان بالمأمور به بالامر الظاهري ، فهو يؤكد ثبوت الحكم المشترك : إذ مجرد قيام الامارة لم يوجب السقوط ، بل اتيان المأمور به بالامر الظاهري اوجب حصول الغرض ، وسقوط

__________________

(١) كفاية الأصول ص ٨٨ (تذنيبان ، الثاني).

٦٧

الحكم بسقوط غرضه ليس من التصويب الباطل بشيء لان المراد من ثبوت الحكم المشترك ليس ثبوته ابدا حتى مع الاطاعة أو العصيان أو الاتيان بما يوجب سقوط الغرض ، وان كان بلحاظ عدم فعلية الحكم الواقعي للجهل أو قيام الامارة على الخلاف فهو غير مربوط بالاجزاء لاجتماع عدم فعلية الواقع حال الجهل مع عدم الاجزاء مع انه ليس من التصويب في شيء ، لبقاء الحكم الواقعي.

فالمتحصل ان القول بالاجزاء غير ملازم للتصويب ، نعم القول بعدم الاجزاء ، لا يلائم التصويب الباطل ، بل هو يلائم التصويب على مسلك بعض العدليّة كما مرّ مفصلا.

العدول من مجتهد إلى آخر

الثالث : ان الشيخ الأعظم (١) ، وبتبعه اكثر المحققين المتأخرين عنه ، ذهب إلى التلازم بين تبدل الرأي ، والعدول من مجتهد إلى آخر ، في الانتقاض وعدمه ، فلو كان مقتضى التقليد الثاني بطلان الاعمال الواقعة على طبق التقليد الأول : فلا بدّ من ترتب الاثر فعلا على طبق الحجة الفعلية.

والمحقق النائيني (٢) ، استدل له بأن حجية فتوى المجتهد للمقلد ليست من

__________________

(١) مطارح الانظار ص ٢٦٩ (هداية في بيان التفضل بين الاستدامة والابتداء)

(٢) أجود التقريرات ج ١ ص ٢٠٧ (الثاني) حيث اعتبر أن القول بأن فتوى المجتهد من باب السببية توهم ، وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ٣٠٠.

٦٨

باب السببية والموضوعية بل من باب الطريقية فيجرى فيها ما ذكرناه في الامارات والاصول ، مع انه لو ضاق بنا الخناق لا نلتزم بازيد من المصلحة السلوكية التي لا تستلزم الاجزاء كما مر.

وفيه ان الفرق واضح : فإن فتوى المجتهد انما ينتهى أمد حجيتها بالموت مثلا ، وهذا بخلاف الخبر فانه لو ظفر المجتهد بما هو اقوى منه فانه يوجب نقض الآثار السابقة من حيث اطلاق مضمونه واضمحلال الحجة الأولى لقيام الاقوى على خلافها.

وان شئت قلت انه بالظفر بالحجة الاقوى يظهر ان الحجة هي لا الخبر الأول : فيظهر اثر تنجزه فيما قبل من حيث التدارك.

واما فتوى الثاني فانه وان علم بها المكلف لا تكون حجة عليه بل الحجة غيرها. وبالجملة : ان مفاد الحجة الاقوى للمجتهد هو كون ما فعله على طبق الحجة الأولى كان باطلا في الواقع وان كان معذورا في مخالفته ، وليس كذلك فتوى المجتهد للمقلد فانه لو سئل المقلد عن مقلده هل كان عملي في السابق بنظرك باطلا ، يجيب كلا بل لو كنت فاعلا على ما اراه صحيحا كان باطلا ، لان الوظيفة في ذلك الوقت كانت في الظاهر والواقع هو العمل على طبق الفتوى الأولى ولم ينكشف خلافها فتلك الاعمال بحسب فتوى المجتهد الثاني محكومة بالصحة لمطابقتها للحجة ففتوى المجتهد الأول : ينتهى امدها بموته مثلا وهو مبدأ حجية فتوى الثاني ، وليس كذلك عند تبدل الرأى.

نعم لو كان مورد الفتوى باقيا وللزمان عليه مرور أن يجب على المقلد العمل على طبق فتوى الثاني ، وهو غير مربوط بمسألة الاجزاء ، فلو صلى

٦٩

الجمعة استناداً إلى فتوى من يرى وجوبها في زمان الغيبة وترك الظهر ، ثم مات المجتهد وقلد من يرى وجوب الظهر لا يجب عليه قضاء ما تقدم ، لان فتوى المجتهد الثاني لا حجية لها بالنسبة إلى الاعمال السابقة ، وهذا بخلاف ما لو تبدل رأيه فإن الرأى الثاني حجة بالنسبة إلى الاعمال السابقة أيضا وان كان معذورا في مخالفتها حين العمل.

فالاظهر هو البناء على الاجزاء وعدم الانتقاض عند تبدل المجتهد مطلقا الا إذا تبين عدم صحة تقليد الأول : من الأول : فانه يجري فيه حينئذ ما ذكرناه في الامارات والاصول.

في اختلاف الحجة بالنسبة إلى شخصين

الرابع : ذكر المحقق النائيني ، انه لا فرق فيما ذكرناه من كون عدم الاجزاء على القاعدة بين اختلاف الحجة بالنسبة إلى شخص أو شخصين كما إذا فرضنا اختلاف المجتهدين في الفتوى فلا يجزى فتوى احدهما بالنسبة إلى الآخر أو لمقلديه ، مثلا إذا كان احد الشخصين يرى جواز العقد بالفارسي ، وطهارة العصير العنبي ، وعدم جزئية السورة للصلاة فلا يمكن لمن يرى تلك الأمور ان يكون احد طرفي العقد معه أو ان يعامل معاملة الطاهر في فرض العلم بملاقاته للعصير أو يقتدى به في الصلاة أو يستاجره لها.

وتحقيق القول بالبحث في موارد :

الأول : في الاختلاف في شروط الصيغة :

٧٠

وتنقيح القول فيه بالبحث في موارد.

١ ـ في القيود التي ينحصر دليلها بالاجماع.

٢ ـ في ما لدليل اعتباره اطلاق مع عدم سراية احدى الصفات إلى فعل الآخر.

٣ ـ فيما لدليل اعتباره اطلاق مع السراية.

اما الأول : فالظاهر صحة العقد كما هي مقتضى العمومات والمطلقات ، والمتيقن من الاجماع على اعتبار ذلك القيد كالعربية ، مثلا ، هو غير المقام الصادر فيه الايجاب والقبول عن اعتقاد كل منهما صحة ما انشأه ، ففيه يرجع إلى العمومات المقتضية للصحة.

واما المورد الثاني : ففيه أقول ، ثالثها التفصيل بين كون العقد فاسدا في نظر الجميع بحيث لا قائل بصحته ، كما لو فرضنا انه لا قائل بنفوذ العقد الفارسى المقدم ايجابه على قبوله فعدم الصحة ، وبين غيره فالصحة.

وقد بنى الشيخ الأعظم (١) القولين الاولين على ، ان الاحكام الظاهرية ـ المجتهد فيها ـ بمنزلة الواقعية الاضطرارية ، فالايحاب بالفارسي من المجتهد القائل بصحته عند من يراه باطلا ، بمنزلة اشارة الاخرس ، ام هي احكام ظاهرية لا يعذر فيها الا من اجتهد أو قلد فيها.

__________________

(١) كتاب المكاسب ج ٣ وفي ترقيم الموسوعة (١٦) ص ١٢٨ ـ ١٢٩ (فرع) ط مجمع الفكر الإسلامي.

٧١

واورد عليه بايرادين :

الأول : ما أفاده المحقق الخراساني (١) بأن مجرد كونه حكما واقعيا وبمنزلته لا يكفي في الحكم بالصحة ، بل لا بد وان يقيد بما إذا كان كذلك حتى في حق الغير الذي له مساس بالعقد ، فلو كان حكما واقعيا في حق المنشئ خاصة لم يجد في الحكم بالصحة بالاضافة إلى غيره.

وفيه : انه بما ان الملكية من الاحكام المجعولة الوضعية ، ومن الاعتباريات لا من الامور الواقعية فإذا فرضنا ان الايجاب بالفارسي وان كان عند القابل مما لا مصلحة في نفسه في جعل الملكية بعده ، الا انه من جهة قيام الامارة عند الموجب تحدث فيه مصلحة بهذا العنوان مقتضية لذلك ، فلا محالة للآخر القابل ترتيب الاثر ، لانه لا كشف خلاف لذلك ، ولا معنى للقول بأن المصلحة انما هي في حق الموجب خاصة ، فالملكية المجعولة انما تكون له خاصة. فتدبر فانه دقيق.

الثاني : ما افاده السيد في حاشيته على المكاسب (٢) وتبعه بعض مشايخنا المحققين (ره) ، وهو : ان ما ذكر على القول بكون الاحكام الظاهرية بمنزلة الواقعية انما يتم بالنسبة إلى ما لو كان الحكم المجتهد فيه مع متعلقه موضوعا لحكم الآخر ، كما لو كان رأيه جواز النكاح بالفارسي فزوج امرأة بالعقد الفارسي فانه يكون العقد صحيحا عنده ، فلا يجوز لغيره الذي يرى اعتبار

__________________

(١) حاشية كتاب المكاسب (للآخوند) ص ٢٩ (والاولان مبنيان على أن الأحكام الظاهرية).

(٢) حاشية المكاسب (لليزدي) ج ١ ص ٩٢ ـ ٩٣. مؤسسة إسماعيليان ١٣٧٨ ه‍. ق.

٧٢

العربية تزويج تلك المرأة ، ولا ينفع بالنسبة إلى ما إذا كان المتعلق معروضا لحكمه ولحكم غيره في عرض واحد ، كما لو ذكى الذبح بغير الحديد فانه لا يجوز لمن يرى اعتبار كونه بالحديد الاكل من تلك الذبيحة.

والسر فيه : ان ذلك بعنوانه المجتهد فيه ليس موضوعا لحكم غيره ، فلا يجوز لغيره المخالف له في الرأي الاكل منه ، وما نحن فيه من قبيل الثاني ، لان البيع فعل واحد تشريكي ، بمعنى انه قائم بطرفين ويجب على كل من المتبايعين ايجاد عقد البيع ، ولا يجوز لواحد منهما الاكل الا بعد ذلك. وبالجملة : الصحة لاحد الطرفين ليست موضوعة لحكم الطرف الآخر ، بل لا بد من إحراز كل منهما صحة مجموع السبب.

وفيه : ان هذا في الصحة الفعلية ، واما الصحة التأهلية ، فهي انما تكون لكل من الايجاب والقبول مستقلا ، وهي في الايجاب مثلا تكون موضوعة لحكم القابل. فتدبر.

فما افاده الشيخ (ره) متين (١).

وحيث لا دليل على ان الاحكام الظاهرية بمنزلة الواقعية مطلقا ، فالقول بعدم الصحة اقوى.

وبه يظهر حكم المورد الثالث بل الحق فيه البطلان حتى على القول بكون الاحكام الظاهرية بمنزلة الواقعية مطلقا وتمام الكلام في محله في كتاب البيع.

__________________

(١). وقد تعرض سماحته لذلك في كتابه فقه الصادق (ع) ج ١٥ باب (اختلاف المتعاقدين في شروط الصيغة) ص ٣٦٤. ط الثالثة.

٧٣

الثاني : في اقتداء المجتهد أو مقلده ، بمجتهد آخر أو مقلده المخالف له في الفروع مع استعماله محل الخلاف في الصلاة ، فالظاهر هو جواز الاقتداء إذا كان المخل به في صلاة الامام من الفعل أو الترك بنظر المأموم ما لا يخل مطلق وجوده وانما يخل بها إذا كان عمديا وعن علم أو جهل تقصيري وهي جميع الاجزاء والشرائط والموانع غير الخمسة المستثناة في حديث لا تعاد الصلاة.

نعم في خصوص القراءة يشكل الحكم بالصحة كما حققناه في الجزء السادس من فقه الصادق (١).

وعدم الجواز إذا كان المخل به في صلاة الامام من الخمسة المستثناة. ولتنقيح القول في ذلك محل آخر.

الثالث : في معاملة الطاهر مع من يعتقد طهارة ما يراه نجسا. والكلام فيه محرر في الجزء الأول من فقه الصادق.

يستثنى مما ذكرناه من ان نفوذ الحكم الظاهري الثابت لشخص في حق غيره الذي يرى خلافه يحتاج إلى دليل ولا دليل.

مسألتان : احداهما ، مسألة النكاح ، والاخرى ، مسألة الطلاق.

اما الأولى : فيجب على كل احد ترتيب آثار النكاح الصحيح على نكاح

__________________

(١) فقه الصادق ج ٦ من الطبعة الثالثة ، باب اختلاف الإمام والمأموم اجتهاداً أو تقليداً ص ٣١٦ وكان قد اشار سماحته إلى التفصيل في باب شرائط امام الجماعة ص ٢٩٠ ـ ٢٩١ من نفس الجزء.

٧٤

كل قوم وان كان فاسدا في مذهبه ، فلو اعتقد شخص صحة النكاح بالعقد الفارسى وعقد على امرأة كذلك وراى الآخر بطلانه ، لزمه ترتيب آثار النكاح الصحيح وان كان فاسدا في نظره فلا يجوز له تزويج امرأته.

والدليل عليه مضافا إلى ما دل على انه لكل قوم نكاح (١). وامكان استفادته من الروايات ، السيرة القطعية الجارية بين المسلمين من لدن زمان صاحب الشرع (ص) إلى زماننا.

بل كل طائفة من المسلمين يرتبون آثار النكاح الصحيح على نكاح طائفة أخرى ولو كان فاسدا في مذهبهم. وبه يظهر الحال في المسألة الثانية.

* * *

__________________

(١) عن ابي بصير قال : سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : نهى رسول الله (ص) ان يقال للإماء يا بنت كذا وكذا وقال لكل قوم نكاح. التهذيب ج ٧ ص ٤٧٢ باب من الزيادات في فقه النكاح ح ٩٩.

٧٥

الفصل الرابع

في مقدمة الواجب

وقبل التعرض للمقصود يقع الكلام في عدة جهات :

الجهة الأولى : في بيان المراد من الوجوب المبحوث عنه في المقام ، فنقول انه لا ريب ولا شك لاحد في ان المراد منه ليس ، هو الوجوب العقلي يعنى لابديَّة الاتيان بالمقدمة ، بداهة ان ذلك مساوق للمقدمية للواجب ، إذ العقل إذا أدرك توقف الواجب على مقدمته ورأى أن تركها يؤدى إلى ترك الواجب الذي فيه احتمال العقاب ، يستقل بلزوم إتيانها تحصيلا للأمن من العقوبة فيكون إنكاره إنكارا لها وهو خلف الفرض.

وأيضا لا ينبغي الشك في ان المراد من الوجوب المبحوث عنه ليس هو الوجوب المجازى بمعنى ان الوجوب المسند إلى ذي المقدمة أولاً وبالذات ، ينسب إلى مقدماته مجازا وثانياً وبالعرض ، ضرورة انه ليس شان الأصولي ولا الفقيه البحث عن ذلك مع ان صحة هذا الإسناد لا كلام فيها.

بل المراد منه ، اما الوجوب الاستقلالي الشرعي كما هو ظاهر المحقق القمي

٧٦

(ره) (١) أو الوجوب التبعي الارتكازي ، بمعنى ان الامر لو كان ملتفتا إلى نفس المقدمة لاوجبها وسيجيء عند البحث عن ادلة الطرفين ما هو الحق في المقام.

وحيث ان للوجوب تقسيما آخر إذ ربما يكون نفسيا ناشئا عن مصلحة في المتعلق.

وربما يكون طريقيا جعل تحفظا على الملاكات الواقعية التي لا يرضى الشارع الاقدس بفوتها حتى في حال الجهل كوجوب الاحتياط في الابواب الثلاثة.

وثالثا يكون غيريا من جهة كون متعلقه مقدمة لما فيه الملاك الملزم.

وبديهي ان وجوب المقدمة ليس من القسمين الأولين ، فلا محالة هو على تقدير الثبوت من قبيل القسم الأخير.

مبحث المقدمة من المسائل الأصولية

الجهة الثانية : ان هذه المسألة هل هي من المسائل ، الاصولية ، أو الفقهية ، أو الكلامية ، أو المبادئ الاحكامية ، أو المبادئ التصديقية.

__________________

(١) راجع قوانين الأصول ج ١ ص ١٠٠ ـ ١٠١ خاصة المقدمة الثالثة والسادسة من (وتحقيق هذا الأصل يقتضي تمهيد مقدمات) وفي المقدمة السادسة صرح ان الوجوب المتنازع فيه هو الوجوب الشرعي مقابل العقلي.

٧٧

ففيها وجوه واقوال :

قد يقال انها من المسائل الفقهية : لان المبحوث عنه في هذه المسألة هو وجوب المقدمة.

وأجاب عنه المحقق النائيني (١) ، بأن المسألة تكون اصولية ، وان كان البحث عن وجوب المقدمة ، وعلله ، بأن علم الفقه متكفل لبيان احوال موضوعات خاصة ، كالصلاة ، والصوم ، وما شاكل ، والبحث عن وجوب المقدمة ، التي لا ينحصر صدقها ، بموضوع خاص ، لا يتكفله علم الفقه

ويرد عليه أن علم الفقه ، كما يكون متكفلا لبيان احوال الموضوعات الخاصة بعناوينها الاولية ، كذلك يكون متكفلا لبيان احوال العناوين العامة التي تنطبق على كثير من العناوين الخاصة ، كعنوان النذر ، والشرط ، واطاعة الوالد ، وما شاكل

وأجاب عنه المحقق العراقي (٢) على ما نسب إليه ، بأن وجوب المقدمة ليس حكما وحدانيا ناشئا عن ملاك واحد ، بل هو واحد عنوانا ومتعدد بتعدد ملاكات الواجبات النفسية ، والمسألة الفقهية ما تكون نتيجتها حكما فرعيا وحدانيا ناشئا من ملاك واحد سواء أكان متعلقه طبيعة شرعية كالصلاة والصوم ، ام عنوانا يشار به إلى مصاديقه التي هي متعلقات الاحكام كالموضوع

__________________

(١) أجود التقريرات ج ١ ص ٢١٣ (الفصل الثاني من مقدمة الواجب) وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ٣١٠.

(٢) راجع مقالات الأصول ج ١ ص ٢٨٩ ـ ٢٩١ (المقالة التاسعة عشر).

٧٨

في قاعدة ما يضمن وأمثالها

وفيه : انه لا دليل على ما افيد بل الملاكات خارجة عن باب جعل الاحكام ولا كاشف عن وحدتها أو تعددها : والميزان في هذا الباب ملاحظة المجعول.

وفيه لا فرق بين قاعدة ما يضمن ومسألة وجوب المقدمة.

والحق في الجواب ان البحث في هذه المسألة ليس عن وجوب المقدمة ابتداء ، بل البحث فيها انما هو عن ثبوت الملازمة بين الامر بشيء والامر بمقدمته وعدم ثبوتها ، ومن المعلوم ان البحث عن ذلك لا ربط له باحوال فعل المكلفين وعوارضه بلا واسطة وما يوهمه ظاهر كلمات كثير من الاصحاب ، حيث انهم عنونوا المسألة بنحو تكون فقهية ، فلا بد من الحمل على إرادة الاهتمام بشان الوجوب ، والا فمحط بحثهم ثبوت الملازمة ، وعدمه ، ولذا لم يعقدوا لمسألة استحباب مقدمة المستحب بحثا خاصا ، بل انما يحكمون باستحباب مقدمة المستحب بملاك حكمهم في مقدمة الواجب بالوجوب ، وذلك كاشف عن ان نظرهم إلى الملازمة بين الحكمين.

وقد يقال انها من المبادئ الاحكامية وهي المسائل التي تكون محمولاتها من عوارض الاحكام التكليفية أو الوضعية كتضاد الاحكام وملازمة بعضها لبعض ، والبحث عن وجوب المقدمة من هذا القبيل ، فانه يبحث في هذه المسألة عن ملازمة وجوب المقدمة لوجوب ذي المقدمة

وفيه : انه لا مانع من كون المسألة فيها جهتان يوجب كل منهما تعنونها بعنوان مستقل ، وهذه المسألة كذلك ، فهي من حيث وقوع نتيجتها في طريق الاستنباط كما سيمر عليك من المسائل الاصولية ، وان كانت فيها جهة مقتضية

٧٩

لكونها من المبادئ الاحكامية.

وقد يقال انها من المبادئ التصديقية فإن موضوع علم الاصول الادلة الاربعة ومنها حكم العقل ، والمراد منه اذعان العقل بشيء فلا محالة تكون المسألة الاصولية هي ما يبحث عن لواحق حكم العقل ، واما ما يبحث فيه عن نفس حكم العقل فهو بحث عن ذات الموضوع لا عن عوارضه ، وحيث ان المبحوث عنه في هذه المسألة الملازمة العقلية بين الوجوبين نفسها فهي من المبادئ التصديقية.

وفيه : ما مر في اول الاصول من ان موضوع علم الاصول ليس هو الادلة الاربعة بل المسألة الاصولية هي ما يقع نتيجتها في طريق الاستنباط كانت باحثة عن عوارض الادلة الاربعة ام لا؟.

ومسألة الملازمة بين وجوب المقدمة ووجوب ذي المقدمة من هذا القبيل.

وبما ذكرناه ظهر ان المسألة من المسائل الاصولية فانه يستنبط من هذه المسألة الحكم الشرعي وتقع نتيجة هذه المسألة في طريق الاستنباط من دون حاجة إلى ضم مسألة اصولية أخرى واستفادة الحكم منها انما هو من باب الاستنباط لا من باب التطبيق.

واما ما قيل من انها من المسائل الكلامية نظرا إلى ان البحث عنها بحث عقلي فلا ربط لها بعالم اللفظ اصلا.

فيرد عليه ان مجرد كون البحث عنها عقليا لا يوجب دخولها في المسائل الكلامية فانها عبارة عن المسائل التي يبحث فيها عن احوال المبدأ والمعاد فحسب.

٨٠