نفحات القرآن - ج ٦

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

نفحات القرآن - ج ٦

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 964-533-000-9
ISBN الدورة:
964-8139-75-X

الصفحات: ٤٢٨

وفيما يقابل هذه الطائفة (ذات الحساب العسير) طائفة اخرى يكون حسابها يسيراً للغاية قال تعالى : (فَأمَّا مَن أُوتِىَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ* فَسَوفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً). (الانشقاق / ٧ ـ ٨)

وورد في حديث عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «ثلاث من كن فيه حاسبه الله حساباً يسيراً ، وأدخله الجنّة برحمته : تعطي من حرمك ، وتصل من قطعك ، وتعفو عمن ظلمك» (١).

ويستفاد من بعض الروايات أيضاً أنّ (حسن الخلق) يخفف من حساب يوم القيامة ، قال الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله : «حَسّن خلقك يخفف الله حسابك» (٢).

على أيّة حال ، يستفاد من كل هذه المصادر الإسلامية أنّ الناس يختلفون اختلافاً كبيراً فيما بينهم بالحساب يوم القيامة ، فطائفة يشدد الله في حسابها وتضم الذين يشددون في حساب الناس في الدار الدنيا وذوي الاخلاق السيئة ، والظلمة.

وطائفة اخرى يكون حساب أفرادها سهلاً يسيراً ، بسبب أعمالهم الصالحة وحسن أخلاقهم ، وتساهلهم وتسامحهم مع عباد الله أو عدم تلبسهم بمال ومقام الدنيا.

وطائفة ثالثة وهي التي تدخل الجنّة بغير حساب كما ورد في حديث عن الامام على عليه‌السلام في تقسيم الناس يوم القيامة قال : «ومنهم الذين يدخلون الجنّة بغير حساب ، لأنّهم لم يتلبسوا من أمر الدنيا بشيء ، وإنّما الحساب هناك على من تلبس بها هاهنا» (٣).

وفي المقابل : منهم الذين يدخلون النّار بغير حساب كما ورد هذا الحديث عن الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ الله عزوجل يحاسب كل خلق إلّامن أشرك بالله عزوجل فإنّه لا يحاسب ويؤمر به إلى النّار» (٤).

ونقل عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «وأمّا الثلاثة الذين يدخلهم النّار بغير حساب

__________________

(١). تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٥٣٧ ، ح ١٢.

(٢). بحار الأنوار ، ج ٦٨ ، ص ٣٨٣ ، ح ٢٠.

(٣). ميزان الحكمة ، ج ١ ، ص ٦٢٣.

(٤). بحار الأنوار ، ٧٠ ، ص ٢٦٠ ، ح ٧.

١٢١

فإمام جائر ، وتاجر كذوب ، وشيخ زان» (١).

ونختم هذا البحث بحديث آخر للرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ستة يدخلون النّار بغير حساب الأمراء بالجور ، والعرب بالعصبية والدهاقين بالكبر ، والتجار بالكذب ، والعلماء بالحسد ، والأغنياء بالبخل» (٢).

إلهي نسألك بلطفك وكرمك لما يسرت علينا حساب يوم القيامة ، وارحمنا برحمتك ، إلهي إنّك تعلم أننا قادمون إليك بيد خالية وصحيفة سوداء ياأرحم الراحمين ويا أكرم الأكرمين.

* * *

__________________

(١) بحارالأنوار ، ج ٧٢ ، ص ٣٣٧ ، ح ٥.

(٢) ميزان الحكمة ، ج ٢ ، ص ٤١٩.

١٢٢

٦ ـ الصراط والمرصاد

تمهيد :

الصراط : هو جسر ينصب على جهنّم وعلى الجميع عبوره وقد اشير إليه في الآيات الكريمة بينما ورد ذكره بالتفصيل في الروايات الإسلامية ، وكذلك وردت إشارات حول «المرصاد» الذي يفسر أحياناً بمعنى الصراط وأحياناً اخرى بأنّه ممر خاص من نفس الصراط.

وتدلّ كل التعابير أنّه لأجل الوصول إلى موضع الرحمة الإلهيّة أي الجنّة يجب العبور على جهنّم وهذا الأمر غير ميسّر إلّاللصالحين والأخيار.

فالمذنبون والمجرمون والفاسقون والظالمون لا يمكنهم اجتياز وعبور هذه القنطرة وسوف تزل أقدامهم عنها ويقعون في جهنّم ، ولقد وردت في تفسير هذين اللفظين وكذلك في حقيقة الصراط والمرصاد أحاديث كثيرة في الروايات الإسلامية وبحوث المفسرين.

إنّ الاهتمام بهذا الموضوع يساعد في فهم وبيان الكثير من المسائل المتعلقة بالمعاد من جهة ، ومن جهة اخرى أنّ هذا الموضوع له أثر تربوي كبير في تزكية نفوس المؤمنين.

نكتفي بهذه المقدمة ، ونرجع إلى القرآن الكريم ولنمعن في آياته خاشعين :

١ ـ (وَانْ مِّنكُم إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً* ثُمَّ نُنَجِّى الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِميِن فِيها جِثِيّاً). (مريم / ٧١ ـ ٧٢)

٢ ـ (انَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرصَادِ). (الفجر / ١٤)

٣ ـ (وَلَو نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى اعْيُنِهِمْ فَاستَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ). (يس / ٦٦)

٤ ـ (انَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً* لِّلطَّاغِينَ مَآباً). (النبأ / ٢١ ـ ٢٢)

١٢٣

جمع الآيات وتفسيرها

طريق الجنّة يمر عبر جهنّم :

الآية الاولى تخاطب الجميع ، وتقول : (وَانْ مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلى رَبِّكَ حَتماً مَّقضِيّاً) ثم تقول : (ثُمَّ نُنَجِّى الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثيّاً) من هنا يطرح هذا السؤال ، ما المقصود من ورود جهنّم؟

هناك آراء عديدة وتفاسير مختلفة حول هذه الآية فيعتقد البعض من المفسرين أنّ الورود خلاف الصدور وهو قصد الماء ثم يستعمل في غيره.

يقال وردت الماء أرده وروداً فأنا وارد والماء مورود ، وقد وردت الابل الماء ، قال تعالى : (وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ). (القصص / ٢٣)

ومفهوم هذا أنّ الناس إنّما يحضرون النّار ويشرفون عليها من غير أن يدخلوها ، ويكون هذا المعنى نفس تفسير (الصراط) أي الجسر الذي يمر على جهنّم فعلى الجميع اجتيازه وعبوره ، فتزل أقدام المجرمين ويتردون في النّار ، أمّا المؤمنون فيجتازونه بسرعة ويدخلون الجنّة.

وخلاصة الحديث ، يقول صاحب الميزان : «والحق أنّ الورود لا يدل على أزيد من الحضور والاشراف عن قصد» (١) ، أو بتعبير الفخر الرازي : (وقد ذكر وجهين لمعنى الورود) أحدهما أنّ الورود بمعنى القرب.

ويستفاد من مجموع الآيات القرآنية التي وردت فيها هذه الكلمة أنّها قد استعملت بمعنى الحضور والقرب واستعملت أيضاً بمعنى الدخول أي إنّها تحمل مفهوماً عاماً يشمل كلا المعنيين ، لذا قال تعالى مخاطباً المشركين : (انَّكُمْ وَمَا تَعبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّم انْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ* لَو كَانَ هؤُلَاءِءَالِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ). (الأنبياء / ٩٨ ـ ٩٩)

وعلى هذا الأساس فلا مانع من أن نفسر (الورود) بمعنى القرب والاشراف وأنّه إشارة

__________________

(١). تفسير الميزان ، ج ١٤ ، ص ٩١.

١٢٤

إلى جسر الصراط ، والشاهد على هذا التفسير حديث ورد عن الإمام الصادق عليه‌السلام حيث قال في تفسير الآية المذكورة : «أما تسمع الرجل يقول : وردنا ماء بني فلان ، فهو الورود ولم يدخله» (١).

وأوضح من هذا التعبير ماورد في حديث قصير نقله القرطبي في تفسيره وهو مرويّ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الورود الممر على الصراط» (٢).

وهناك تفسير آخر يرجحه أغلب المفسرين : وهو أنّ البر والفاجر يدخلان جهنّم فتكون برداً وسلاماً على المؤمنين وعذاباً لازماً على الكافرين والمجرمين ، كما أصبحت النّار برداً وسلاماً على إبراهيم عليه‌السلام ، فالنار لا تحرق أجسام المؤمنين بسبب عدم سنخية هذه الأجسام مع النّار فيكون حكم أجسامهم كحكم المواد التي تخمد النيران في حين أنّ سنخية الكفّار تتلائم مع النّار ، كمثل المواد المساعدة على الاحتراق.

والدليل على هذا الكلام رواية نقلت عن جابر بن عبدالله الأنصاري رضى الله عنه إذ سئل عن هذه الآية فقال : سمعت رسول الله يقول : «الورود الدخول لا يبقى بر ولا فاجر إلّادخلا فتكون على المؤمنين برداً وسلاماً حتى أنّ للناس ضجيجاً من بردها» (٣).

وإذا رجحنا هذا التفسير فسوف لا تكون الآية دليلاً على مسألة جسر الصراط.

* * *

الآية الثانية : عبارة عن تهديد ووعيد للظالمين فبعد أن ذكر عذابهم الدنيوي الشديد قال تعالى : (انَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ).

«المرصاد» : مشتقة من مادة (رصد) على وزن (حَسَد) وهو المكان الذي يرصد منه

__________________

(١). تفسير البرهان ، ج ٣ ، ص ٢٠.

(٢). تفسير القرطبي ، ج ٦ ، ذيل الآية مورد البحث.

(٣). تفسير روح الجنان ، ج ٧ ، ص ٤٣١ (وقد نقل هذا الحديث جمع آخر من المفسرين من جملتهم صاحب نور الثقلين ؛ والفخر الرازي).

١٢٥

ويرقب (قال الراغب الرصد الاستعداد للترقب) والمرصد : موضع الرصد.

فما المراد بـ (المرصاد)؟ قال البعض : إنّ الله سبحانه وتعالى رقيب يرقب أعمال عباده في هذه الدنيا ويأخذهم بالعذاب إذا طغوا ، وجاء في الميزان : «إنّ الله سبحانه وتعالى رقيب يراقب أعمال عباده حتى إذا طغوا وأكثروا الفساد أخذهم بأشد العذاب» (١).

ولكن ورد في حديث عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «المرصاد قنطرة على الصراط لا يجوزها عبد بمظلمة» (٢).

وجاء في حديث آخر في روضة الكافي عن الإمام الباقر عليه‌السلام عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد أن ذكر خصائص جسر الصراط أنّه قال : (وهو قول الله تبارك تعالى : (انَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرصَادِ) (٣).

نستفيد من هذين الحديثين اللذين وردا في تفسير الآية أعلاه أنّ الآية ناظرة إلى القيامة وجسر الصراط مع عدم وجود أي مانع من أن تكون الآية ناظرة إلى كليهما ، يعني أنّ الله تبارك وتعالى كما أنّه رقيب يرقب أعمال عباده في هذه الدنيا كذلك هو رقيب في العالم الآخر في جواز الصراط ، لكن وعلى كل حال فالآية ليس لها مفهوم مكاني وذلك لأنّ الله تعالى لا يحدد بمكان والمقصود هو الاحاطة الوجودية لله على جميع الامور.

وجاء في حديث عن ابن عباس : أنّه قال : «إنّ على جهنّم سبع قناطر ، يسأل الإنسان عند أول قنطرة عن الإيمان ، فإن جاء به تاماً جاز إلى القنطرة الثانية ، ثم يسأل عن الصلاة فإن جاء بها جاز إلى الثالثة ، ثم يسأل عن الزكاة فإن جاء بها جاز إلى الرابعة ، ثم يسأل عن صيام شهر رمضان فإن جاء به جاز إلى الخامسة ، ثم يسأل عن الحج والعمرة ، فإن جاء بهما جاز إلى السادسة ثم يسأل عن صلة الرحم فإن جاء بها جاز السابعة ، ثم يسأل عن المظالم ، وينادي مناد : ألا من كانت له مظلمة فليأت ، فيقتص للناس منه ، ويقتص له من الناس ،

__________________

(١). تفسير الميزان ، ج ٢٠ ، ص ٤٠٩ ، ص ٢٨١.

(٢). بحارالأنوار ، ج ٨ ، ص ٦٤ ولقد وردت نفس هذه الرواية في تفسير البرهان ج ٤ ، ص ٤٥٨ كتفسير لهذه الآية الشريفة «إنّ ربّك لبالمرصاد» ونقلت عن الإمام الصادق عليه‌السلام.

(٣). تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٥٧٢ ؛ تفسير البرهان ، ج ٤ ، ص ٤٥٨.

١٢٦

فذلك قوله تعالى : (ان رَبَّك لِبالمِرصادِ) (١).

ونحن نستبعد أن يكون هذا الحديث وبهذه التفاصيل من الاستنباطات الشخصية لابن عباس ، فلابّد أنّه قد سمعه كرواية من الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله أو الإمام علي عليه‌السلام.

ولقد ورد تعبير (المرصاد) في قوله تعالى : (انَّ جَهَنَّمَ كَانَت مِرصَاداً). (النبأ / ٢١) ولكن الظاهر من هذه الآية أنّ جهنّم نفسها مرصاد للطاغين والمجرمين ، ومع أخذ الآيات السابقة لها بنظر الاعتبار ذهب جمع من المفسرين إلى أنّ المقصود بالمرصاد هو القنطرة التي تمر من فوق جهنّم (يقال للمكان الذي اختص بالرصد وبما أنّهم غير قادرين على اجتيازه فيسقطون في جهنّم). (٢) إضافة إلى أنّ التعبير ب (المرصاد) يطلق على الطرق والمعابر ، وبما أنّ جهنّم التي تعتبر باصطلاح آخر خطاً ، لذا لاتتناسب مع معنى المرصاد وهذه قرينة اخرى على التفسير أعلاه.

* * *

الآية الثالثة والأخيرة أشارت إلى وضع الكفار والمجرمين يوم القيامة وأنّهم سيختم في ذلك اليوم على أفواههم ولا تتكلم إلّاأيديهم وأرجلهم ، قال تعالى : (وَلَو نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى اعْيُنِهِم فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ) (٣) لقد ذكر الكثير من المفسرين : أنّ هذه الآية ناظرة إلى وضع هذه الطائفة في دار الدنيا حيث فسروا الصراط ب (طريق الحق) أي أنّهم يجهدوا أنفسهم في سبيل العثور على طريق الحق وطريق النجاة ، ولكن الله سبحانه وتعالى وبسبب أعمالهم السيئة جعلهم عمياً لا يبصرون وبهذا فهم ليسوا بقادرين على تمييز ومشاهدة طريق النجاة.

__________________

(١). تفسير القرطبي ، ج ١٠ ذيل الآية مورد البحث.

(٢). ورد هذا التفسير في تفسير الميزان وفي التفسير الكبير (الفخر الرازي) وفي المفردات والقرطبي في تفسيره .. ذيل آية سورة النبأ ، وذكروا هنا المعنى كتفسير للآية أو كأحد الأقوال في تفسير الآية.

(٣). «طمسنا» من مادة «طَمْس» على وزن «شَمْس» بمعنى محو وازالة آثار الشي ويمكن أن يكون هنا بمعنى محوالعين تماماً أو إطفاء نورها والمطموس والطميس : الأعمى الذي ليس في عينه شق.

١٢٧

ويوجد هذا الاحتمال أيضاً وهو أنّ هذه الآية ناظرة إلى وضع هذه الطائفة أثناء عبورها من الصراط (جسر جهنّم) فاذا أراد الله جردهم أعينهم بشكل كامل حتى لا يقدروا على المرور من الصراط مهما جهدوا أنفسهم في ذلك.

والظاهر أنّ عبارة تفسير (في ظلال القرآن) لها نفس هذا المعنى ونقل القرطبي هذا التفسير كأحد الأقوال في تفسير الآية ، وإلى ذلك ذهب (عبدالله بن سلام) (١) في تفسير هذه الآية حيث قال : «إذا كان يوم القيامة ومد الصراط ، نادى مناد ليقم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وامته ، فيقومون برّهم وفاجرهم يتبعونه بجواز الصراط ، فاذا صاروا عليه طمس الله أعين فجّارهم ، فاستبقوا الصراط فمن أين يبصرونه حتى يجاوزوه ، ثم يناد مناد ...» (٢).

ونحن نستبعد أن يكون هذا البيان من استنباط (عبدالله بن سلام) حيث إنّ ماورد في هذه الرواية يعد من أخبار الغيب ولا يطلع على الغيب ، إلّاالمعصومون عليهم‌السلام.

ولايستبعد بأنّه قد نقل ذلك كرواية عن الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله.

* * *

توضيح

ماهي حقيقة الصراط؟

لقد أشرنا عدّة مرات إلى أنّ أهل الدنيا ليس لهم معلومات مفصلة عن الحقائق المتعلقة بيوم القيامة وعالم ما بعد الموت ، حيث هو عالم فوق هذا العالم ، ولكن هذا الأمر لا يمنع من المعرفة الإجمالية بهذا الموضوع.

ويستفاد من الروايات الإسلامية أنّ الصراط جسر على جهنّم في طريق الجنّة ويرده كل

__________________

(١) (عبدالله بن سلام) كان من علماء أهل الكتاب الذين اعتنقوا الدين الإسلامى ، وكان اسمه الأصل (الحصين) وبعد الإسلام غير الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله اسمه إلى (عبدالله) ويعتقد بعض علماء الرجال بأنّه مجهول الحال ويعتقد آخرون بأنّ رواياته ضعيفة ، ولكن بما أنّ ابن داود ذكر في القسم الأول من كتابه في الرجال أنّه معتبر .. فقد اعتبروا هذا الشيء قرينة على حسن حاله.

(٢) تفسير القرطبي ، ج ٨ ، ص ٥٤٩٤.

١٢٨

برّ وفاجر فالأبرار يمرون عليه بسرعة ويصلون إلى النعم الإلهيّة غير المتناهية أمّا الفجّار فتزل أقدامهم ويتردون في نار جهنّم.

ولقد ورد في بعض الروايات أنّ سرعة عبور الناس على الصراط ترتبط بمستوى إيمانهم وإخلاصهم وأعمالهم الصالحة.

فقد ورد في حديث عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «منهم من يمر مثل البرق ، ومنهم من يمر مثل عدو الفرس ، ومنهم من يمر حبواً ، ومنهم من يمر مشياً ، ومنهم من يمر متعلقاً قد تأخذ النّار منه شيئاً وتترك شيئاً» (١).

وهنا يطرح هذا السؤال :

لماذا يجب المرور عبر جهنّم للوصول إلى الجنّة؟

هناك نكات لطيفة سنتعرض لها وهي أنّ أصحاب الجنّة عندما يمرون على جهنّم يدركون قيمة الجنّة أفضل إدراك، ومن جهة اخرى أنّ وضع الصراط هناك عبارة عن تجسم لأعمالنا في هذه الدنيا ، لذا يجب المرور عبر جهنّم (المحرقة للشهوات) من أجل الوصول إلى جنة التقوى، ومن جهة ثالثة فهو انذار جدي لكافة المجرمين والمذنبين حيث إنّ مصيرهم يؤول إلى العبور من هذا الممر الخطير، لذا ورد في حديث (مفضل بن عمر) قال : سألت الإمام الصادق عليه‌السلام عن الصراط، فقال : «الطراط الطريق إلى معرفة الله سبحانه وتعالى».

ثم قال : «هما صراطان : صراط في الدنيا ، وصراط في الآخرة ، فأمّا الصراط الذي في الدنيا ، فهو الإمام المفروض الطاعة ، من عرفه في الدنيا واقتدى بهداه مرّ على الصراط الذي هو جسر جهنّم في الآخرة ، ومن لم يعرفه في الدنيا زلت قدمه عن الصراط في الآخرة فتردى في نار جهنّم» (٢).

__________________

(١) أمالي الصدوق ، مجلس ٣٣.

(٢) معاني الأخبار ، ص ٣٢ ، ح ١.

١٢٩

وفي تفسير عن الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام (١) أنّه فسّر الصراطين (صراط الدنيا والآخرة) الصراط المستقيم في الدنيا فهو ما قصر من الغلو وارتفع عن التقصير وأمّا الصراط في الآخرة فهو طريق المؤمنين إلى الجنّة.

وهناك نكتة مهمّة أشارت إليها الروايات الإسلامية ، وهي أنّه من العسير العبور على هذا الطريق ، فقد ورد حديث عن الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وكذلك عن الإمام الصادق عليه‌السلام أيضاً : «إنّ على جهنّم جسراً أدق من الشَعرة وأحد من السيف» (٢).

نعم ، هكذا الصراط (المستقيم) وحقيقة (الولاية) و (العدالة) في هذه الدنيا فهي أدق من الشعرة وأحد من السيف ، وهذا يرجع إلى أنّ الخط المستقيم خط واحد دقيق لا أكثر ، أمّا الخطوط الاخرى فهي منحرفة نحو اليمين أو الشمال ، ومن الطبيعي أن يكون صراط القيامة هكذا فهو تجسيد عيني للصراط الدنيوي ، ومع هذا فهناك طائفة تمر على هذا الطريق الخطر سريعاً في ظل إيمانها وأعمالها الصالحة.

وممّا لا شك فيه أنّ التمسك بالرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته الطاهرين عليهم‌السلام يسهل اجتياز هذا الطريق المخوف ، فقد جاء في حديث عن الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إذا كان يوم القيامة ونصب الصراط على جهنّم لم يجز عليه إلّامن كان معه جواز فيه ولاية علي بن أبي طالب» (٣).

ولقد ورد نفس هذا المعنى بتعبير آخر يتعلق ب فاطمة الزهراء عليها‌السلام ومن البديهي أنّ ولاية الإمام علي عليه‌السلام وولاية الزهراء عليها‌السلام هما من ولاية الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا يمكن الفصل بين القرآن والإسلام وسائر الائمّة المعصومين عليهم‌السلام ، فإذا لم يكن هناك ارتباط إيماني وأخلاقي مع هؤلاء العظام فلا يمكن الجواز على الصراط ، وتوجد في هذا المجال روايات

__________________

(١). بحار الأنوار ، ج ٨ ، ص ٦٩ ، ح ١٨.

(٢). ميزان الحكمة ، ج ٥ ، ص ٣٤٨ ووردت كلمة «الصراط» في حديث الإمام الصادق بدل جملة «إنَّ على جهنّم جسراً» (بحارالأنوار ، ج ٨ ، ص ٦٤ ، ح ١).

(٣). بحار الأنوار ، ج ٨ ، ص ٦٨ ، ح ١١.

١٣٠

عديدة ، وللمزيد من المعلومات راجع كتاب بحار الأنوار المجلد ٨ وبالأخص هذه الروايات : (١٢ ، ١٣ ، ١٤ ، ١٥ ، ١٦ ، ١٧).

ونختم حديثنا بالإشارة إلى البعد التربوي للإيمان والاعتقاد بمثل هذا الصراط حيث هو صراط مخوف مرعب متزلزل تشوبه الاخطار ، صراط أدق من الشعرة وأحد من السيف ، صراط له عدّة مواقف وفي كل موقف يُسأل فيه عن شيء فأمّا الأول فيسأل عن الصلاة وأمّا الثاني فعن الأمانة وصلة الرحم والثالث عن العدالة وما شابه ذلك ، ممر لا يمكن لأحد العبور عليه واجتيازه إلّاإذا كان معه جواز فيه ولاية الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله وولاية الإمام علي عليه‌السلام والتخلق بأخلاقهم والسير على نهجهم.

وفي النهاية نقول : إنّه ممر تتوقف قدرة اجتيازه على قدر نور الإيمان والعمل الصالح ، ومن لم يقدر على اجتيازه فسيقع حتماً في نار جهنّم وسوف لن يصل إلى موضع النعم الإلهيّة المادية والمعنوية (الجنّة) أبداً.

وممّا لا شك فيه أنّ الاهتمام بمثل هذه المفاهيم والاعتقاد بها له آثار واسعة في أفعال الإنسان وتربيته فتحثه على التخلق بأخلاق أولياء الله وتمنحه البصيرة في انتخاب سبل حياته والتمييز الدقيق بين الحق والباطل.

* * *

١٣١
١٣٢

الجنّة

١ ـ موجبات دخول الجنّة

٢ ـ النعم المادية في الجنّة

٣ ـ اللذّات الروحية

٤ ـ أبواب الجنّة

٥ ـ سعة الجنّة

٦ ـ هل الجنّة مخلوقة؟

٧ ـ درجات الجنّة

٨ ـ أسئلة وأجوبة حول الجنّة

١٣٣
١٣٤

الجنّة

تمهيد :

إنّ جميع بحوث المعاد تختتم لا محالة بإحدى النقطتين : إّما (الجنّة) أو (النّار).

فأمّا «الجنّة» : فهي مركز لأنواع المواهب والنعم الإلهيّة المعنوية والمادية.

وأمّا «النّار» : فهي مكان لأنواع العذاب ومختلف العقوبات والحرمان ، من هنا نتساءل عن حقيقة الجنّة ، وكيف تكون؟ واين تقع؟ وهل هي مخلوقة أم لا؟

هناك آراء عديدة في هذا المجال ، ولأخذ الجواب الصحيح عن هذه الأسئلة يمكننا الاستعانة بالتصريحات أو الإرشادات الواردة في الآيات الكريمة ، إضافة إلى ذلك هناك آيات كثيرة تتحدث عن خواص الجنّة وأصحابها ، والنعم الموجودة فيها من الحدائق ، والأنهار ، والعيون ، والأطعمة ، والأشربة الطهورة ، والألبسة ، والحور العين ، والولدان المخلدين ، والخدم ، والحشم ، والاحترام ، والإكرام المنقطع النظير من الملائكة وكذلك المواهب المعنوية واللذائذ الروحية ، وتشكل مجموع هذه الآيات القسم الأعظم من آيات (المعاد).

ونرى من الضروري الإشارة إلى هذه النكتة وهي : أنّ أفكارنا وتصوراتنا محدودة ضمن المعايير والاطر الدنيوية ، لذا فإنّ عقولنا لا تدرك حقيقة الجنّة وما فيها من نعم مخفية ، الجنّة أفضل وأعلى وأعمق ممّا رأينا أو كتبنا أو قرأنا.

ولكن على أيّة حال يمكننا ـ وعلى ضوء دراسة الآيات القرآنية والروايات الواردة في هذا المجال ـ أن نرسم صورة إجمالية عن الجنّة ومافيها من نعيم ، ومن المعلوم أنّ لهذا

١٣٥

التصور آثاراً تربوية قيمة ، فمهما كانت دوافع الإنسان المادية أو المعنوية فانّها تدعوه إليها وتجذبه نحوها.

بهذه المقدمة نرجع إلى القرآن الكريم ونستعرض الآيات التي تتحدث عن الجنّة ، ومن الطريف أنّ هذه الآيات جاءت في ثمان مجموعات بعدد أبواب الجنّة.

* * *

١٣٦

١ ـ موجبات دخول الجنّة في المنظور القرآني

لقد تحدثت آيات كثيرة في القرآن الكريم عن أوصاف أهل الجنّة كما حددت الأوصاف والأعمال التي توصل الإنسان إلى الجنّة والتنعم بالمنزلة الرفيعة فيها.

وبهذا فقد بيّنت هذه الآيات المنظور الإسلامي في مسألة النجاة والسعادة الأبدية وتكامل الإنسان ، ويمكن إجمال هذه الأوصاف بالنقاط الآتية :

١ ـ الإيمان والعمل الصالح

إنّ رأس المال للنجاة والسعادة وفتح أبواب الجنّة هو الإيمان والعمل الصالح ، قال تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولئِكَ اصحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ). (البقرة / ٨٢)

ولقد ورد نفس هذا التعبير أو ما يشبهه في كثير من الآيات ، وما تكراره إلّادليلاً على أهميّة الموضوع وعناية القرآن الخاصة به (١).

وبهذا فإنّ القرآن الكريم قد كشف النقاب عن الأوهام التي كان يعتقد بها جمع من أهل الكتاب والسائرين على نهجهم من سائر الامم حيث كانوا يتصورون أنّ النجاة ودخول الجنّة تقوم على أساس سلسلة علاقات وروابط معينة ، أو أنّهم وضعوا ضوابط غير الإيمان والعمل الصالح ، فجاء القرآن ليعبي الناس ويبني أنفسهم على أساس بعدين رئيسيَّين هما (العقيدة) و (العمل).

وهذه الآية التي نحن بصددها جاءت على أثر الآيات التي تتحدث عن اليهود الذين

__________________

(١). آل عمران ، ١٣٦ ؛ النساء ، ١٢٤ ؛ الأعراف ، ٤٢ ؛ الحج ، ١٤ ، ٢٣ ، ٥٦ ؛ العنكبوت ، ٥٨ ؛ الزمر ، ٧٤ ؛ الاحقاف ، ١٤ ؛ محمد ، ١٢ وآيات اخرى.

١٣٧

كانوا يعتقدون بأنّهم أولياء الله واحباؤه : (وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَّعْدودَةً ...). (البقرة / ٨٠)

ومن البديهي أنّ علاقة الإيمان والعمل الصالح هي كعلاقة (الشجرة) و (الثمرة) فالشجرة الطيبة (من أشجار الفواكه) لا تخلو من الثمار الطيبة وكذا الحال بالنسبة للإيمان فهو لا ينفك عن العمل الصالح إلّاأن يكون ضعيفاً أو خالياً من الروح فيتأثر بالشهوات .. والأهواء النفسية ، لذا نقرأ حديثاً عن الإمام الصادق عليه‌السلام عندما سئل عن حقيقة الإيمان ، فقال : «الإيمان أن يطاع الله فلا يعصى» (١) وبتعبير أوضح : «العمل الصالح هو تجسيم الإيمان القلبي» ولا يعني هذا الحديث أنّ العاصين أو مرتكبي الكبائر كفارٌ (٢) كما يعتقد الخوارج وإنّما المقصود أنّ الإيمان القوي لا ينفك أبداً عن العمل الصالح ، أمّا الإيمان الضعيف فيمكن أن ينفك عن هذا العمل الصالح ويقع صاحبه في ارتكاب الكبائر.

ومن الجدير بالذكر أنّ أغلب الآيات الكريمة تقدم الإيمان على العمل الصالح بالرغم من أنّ الإتيان بالواجبات وترك المحرمات هو أكثر صعوبة من الإيمان ومقدم عليه عرفاً ، ولعلّ السبب في تقديم الإيمان على العمل الصالح يعود إلى أنّ القرآن الكريم يريد أن يبيّن أنّ الإيمان هو أساس الأعمال الصالحة.

وأخيراً فإنّ تعبير الإيمان والعمل الصالح تعبيران واسعان إلى حد يشملان جميع مراحل الإيمان بالله وسائر الاصول الاعتقادية ، من جهة ، والإتيان بكافة الأعمال الفردية والاجتماعية والعبادية والسياسية من جهة اخرى ، وهذا هو المفتاح الأول من مفاتيح الجنّة.

* * *

٢ ـ التقوى

العامل الآخر من عوامل دخول الجنّة هو (التقوى) ولقد ذكرت الكثير من الآيات

__________________

(١). اصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٣٣ ، ح ٣.

(٢). من الاصول المتفق عليها عند الخوارج هي أنّهم يكفرون مرتكبي الكبائر ؛ سفينة البحار ، مادة (خرج).

١٣٨

القرآنية هذا العامل من جملتها ماورد في سورة مريم بعد الإشارة إلى (جنات عدن) وبعض من نعمها : (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِى نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً). (١) (مريم / ٦٣)

من المعلوم أنّ الإسلام أعطى أهميّة كبيرة للتقوى ، واعتبرها أحد شعاراته المشهورة كما ورد ذلك في قوله تعالى : (انَّ اكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ اتْقَاكُمْ). (الحجرات / ١٣)

فتقول الآية : إنّ الشرف والكرامة هو بتقوى الله سبحانه وهي الوسيلة الوحيدة إلى سعادة الدار الآخرة ، فليس من العجب أن تصف الكثير من الآيات القرآنية (التقوى) بأنّها مفتاح الجنّة.

«والتقوى» : هي اجتناب الذنوب والمعاصي والامتثال لأوامر الله ونواهيه ، واتّباع الحق والعدل ، وبتعبيرآخر : هي حالة الخوف الباطنية والوازع الذاتي الذي يمنع الإنسان من الوقوع في المعاصي والآثام ، أي أنّ التقوى مفهوم جامع يضم كافة التكاليف الإلهيّة والأخلاقية والإنسانية.

التعبير بـ (تلك) في بداية الآية والذي يشير إلى البعيد هو إشارة إلى عظمة الجنّة وكأنّها عالية بدرجة خارجة عن نطاق الفكر والخيال.

وأمّا كلمة (الإرث) فيمكن أن يشير بها إلى المعاني الآتية :

١ ـ كل تمليك ثابت ، لأنّ الملك الوحيد الذي لا يقبل الرجوع والفسخ هو ما ينتقل عن طريق الارث وكذلك الجنّة فإنّ الله سبحانه وتعالى يورثها للمتقين.

٢ ـ قبل أن يكون للوراثة بعدٌ قانوني وتشريعي فإنّ لها بعداً تكوينياً وطبيعياً إذ تنقل مجموعة الصفات الوراثية للآباء والامهات إلى الأبناء ، وبهذا يكون المراد بالإرث في الآية أعلاه : هو أنّ هناك علاقة معنوية تكوينية بين التقوى والجنّة.

٣ ـ الأموال الموروثة : هي أموال تصل إلى الإنسان بدون تعب وعناء غالباً ، والنعم

__________________

(١). هناك الكثير من الآيات التي تشير إلى العلاقة بين (التقوى) و (الدخول إلى الجنّة) ومن جملتها : آل عمران ، ١٥ ، ١٣٣ ، ١٩٨ ؛ الرعد ، ٣٥ ؛ الحج ، ٤٥ ؛ النحل ، ٣١ ؛ الفرقان ، ١٥ ؛ الشعراء ، ٩٠ ؛ الزمر ، ٣٠ ، ٧٣ ؛ الدخان ، ٥١ ؛ محمد ، ١٥ ؛ ق ، ٣١ ؛ الذاريات ، ١٥ وغيرها.

١٣٩

الإلهيّة في الجنّة من العظمة بحيث تعتبر أعمال المتقين لا شي قبالها ، فكأنّ الجنّة تعطى لهم مجاناً وبدون أي مقابل لضآلة أهميّة أعمال المتقين قياساً بهذه النعمة العظيمة.

وبتعبير آخر نقول : حقاً أنّ أعمال الإنسان وتقواه هي الأساس في استحقاق الجنّة ولكن عظمة الجنّة وما فيها من النعم كأنّها أعطيت للمتقين مجاناً.

من هنا يجب القول : إضافة إلى كون الجزاء الاخروي له بعد استحقاقي كذلك له بعد تفضّلي أيضاً ، أي أنّ الجنّة هي تفضّل من الله سبحانه وتعالى للمتقين.

٤ ـ ونقرأ رواية وردت في تفسير هذا المعنى عن الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «ما من أحد إلّا وله منزل في الجنّة ، ومنزل في النّار : فأمّا الكافر فيرث المؤمن منزله من النّار والمؤمن يرث الكافر منزله من الجنّة» (١).

فيدل هذا الحديث على أنّ جميع الناس خلقوا أحراراً في اختيارهم فكما خلق عندهم الاستعداد لدخول الجنّة كذلك خلق عندهم الاستعداد أيضاً لدخول النّار وهذا يرتبط بكامل اختيارهم وإرادتهم (٢).

* * *

٣ ـ الاحسان

الاحسان عامل آخر من عوامل الدخول في موضع النعمة الإلهيّة ولقد أشار القرآن الكريم إلى هذا المفهوم الواسع في آيات عديدة من جملتها الآية ٨٥ من سورة المائدة فبعد أن أشارت هذه الآية إلى وضع مجموعة من علماء أهل الكتاب الذين انقلبوا بعد سماعهم آيات القرآن الكريم وفاضت أعينهم بالدمع ممّا عرفوه من الحق ، قال تعالى بصددهم :

__________________

(١). تفسير نور الثقلين ، ج ٢ ، ص ٣١ ، ح ١٢١ ؛ تفسير مجمع البيان ، ذيل الآية ٤٣ ، من سورة الأعراف ، ولقد ورد في تفسير علي بن إبراهيم نفس المعنى بتعبير آخر عن الإمام الصادق عليه‌السلام ، ذيل الآية ١١ ، من سورة المؤمنون.

(٢). إنّ هذا التعبير «الارث» لم ينحصر في الآية السالفة الذكر بل قد ورد في آيات اخرى نذكر منها : المؤمنون ، ١٠ ، ١١ ؛ الأعراف ، ٤٣ ؛ الزخرف ، ٧٢ ؛ الشعراء ، ٨٥ ، فهو تعبير واسع.

١٤٠