نفحات القرآن - ج ١

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

نفحات القرآن - ج ١

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 964-8139-88-1
ISBN الدورة:
964-8139-75-X

الصفحات: ٣٨٠

١
٢

٣

الاهداء :

إلى الذين أحبّوا القرآن

إلى الذين يريدون أن ينهلوا المزيد من معين

الحياة الصافي

إلى الذين يتوقون إلى معرفة القرآن وفهمه

أكثر فأكثر.

بمساعدة العلماء الأفاضل وحجج الإسلام السادة :

محمّد رضا الآشتياني

محمّد جعفر الإمامي

عبدالرسول الحسني

محمّد الأسدي

حسين الطوسي

سيّد شمس الدين الروحاني

محمّد محمّدي الاشتهاردي

٤

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة :

١ ـ أنواع التفسير.

٢ ـ ما هو التفسير الموضوعي؟

٣ ـ ما هي المشكلات التي يمكن حلُّها بواسطة التفسير الموضوعي؟ (وكيفية الاستفادة من هذا النوع من التفسير).

٤ ـ تاريخ التفسير الموضوعي.

٥ ـ الاسلوب الأمثل في التفسير الموضوعي.

٦ ـ العقبات التي تعترض التفسير الموضوعي.

٧ ـ لماذا لم يتطور هذا اللون من التفسير؟

أنواع التفسير :

عندما نريد الحديث عن تفسير القرآن الكريم يتبادر إلى الذهن التفسير المتعارف «التفسير الترتيبي» حيث تجري عملية بحث آيات القرآن الكريم بالترتيب ويتمّ توضيح مضمونها وماهيتها ، وهو الاسلوب المتَّبع في تفسير القرآن منذ صدر الإسلام وإلى يومنا هذا ، وقد قام علماء الإسلام بتأليف مئات أو آلاف الكتب تحت عنوان «تفسير القرآن الكريم» على هذه الطريقة.

وهناك نوع آخر من التفسير الرائج إلى حدّ ما والذي يهدف إلى تفسير «مفردات القرآن»

٥

أي أنّه يتناول كلمات القرآن كلُّ على حدة وبالتسلسل حسب الحروف الأبجدية وعلى هيئة مُعْجم ، ومن أبرز نماذج هذا التفسير هو كتاب «مفردات الراغب» و «وجوه القرآن» و «تفسير غريب القرآن للطريحي ، وأخيراً كتاب التحقيق في كلمات القرآن الكريم» و «نثر طوبى» أو «دائرة معارف القرآن الكريم».

بينما توجد هناك أنواع اخرى من تفسير القرآن منها «التفسير الموضوعي» الذي يحقق ويبحث آيات القرآن الكريم على أساس مختلف المواضيع المتعلقة باصول الدين وفروعه والامور الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأخلاقية.

وهناك نوع آخر من التفسير نطلق عليه «التفسير الإرتباطي» أو التسلسلي ، حيث يتناول مواضيع القرآن المختلفة من حيث علاقتها ببعضها.

فعلى سبيل المثال ، بعد بحث موضوع «الإيمان» ، و «التقوى» و «العمل الصالح» كلٌّ على حدة في التفسير الموضوعي تتمّ عملية بحث علاقة هذه المواضيع الثلاثة ببعضها من خلال الإعتماد على الآيات والملاحظات الواردة في ذلك ، ومن المسلَّم أنّ حقائق جديدة سوف تنكشف لنا عن كيفية ارتباط هذه المواضيع ببعضها تكون بالغة الأهمية والفائدة.

إنّ أفضل طريقة للبحث حول عالم الخلقة والتكوين وما يتضمنه ويحويه من كائنات هو دراسة العلاقة بين هذه الكائنات التي تؤلف هذا العالم ، ففي الحقيقة أنّ الشمس والقمر والأرض والإنسان والمجتمعات البشرية هي موجودات لا تنفصل عن بعضها البعض وهي تشكِّل في مجموعها كياناً واحداً مترابطاً ، والاسلوب الصائب في دراستها هو أن نبحثها من حيث ارتباطها مع بعضها.

وهكذا الأمر في كتاب «التدوين» أي القرآن الكريم ، فهنالك علاقات دقيقة وظريفة بين مواضيع القرآن الكريم ، ولابدّ من تفسيرها من حيث ارتباطها مع بعضها.

النوع الآخر من التفسير هو «التفسير العام» أو «الرؤية الكونية للقرآن» وهنا يتناول المفسّر جميع مضمون القرآن فيما يتعلق بعالم الوجود ، وبتعبير أكثر وضوحاً : يربط كتاب «التكوين» مع كتاب «التدوين» وينظر إليهما معاً ، وتتم دراستهما من حيث ارتباطهما ببعضهما.

٦

وعلى هذا الأساس فإنّ هناك خمسة أنواع من التفاسير :

١ ـ تفسير مفردات القرآن.

٢ ـ التفسير الترتيبي.

٣ ـ التفسير الموضوعي.

٤ ـ التفسير الإرتباطي.

٥ ـ التفسير العام ، أو النظرة الكونية للقرآن.

والمشهور والمعروف من بين هذه الأنواع الخمسة هو النوع الأوّل والثّاني ، وإلى حدٍ ما النوع الثالث ، أي أنّ التفسير الموضوعي لا زال يسير في مراحله الأولية ، على أمل أن يقطع مراحله التكاملية تدريجياً من خلال الإهتمام الذي أولاه علماء الإسلام به مؤخراً ومن خلال المزيد من الجد والمثابرة ، وأن يحتل مكانه اللائق في المستقبل القريب.

أمّا النوع الرابع والخامس من تفسير القرآن فلم يحظيا باهتمام المفسّرين بعد ، وهذا العمل يقع على عاتق الجيل الحاضر وأجيال المستقبل بأن يتناولوا هذا الباب بعد تكامل التفسير الموضوعي بما فيه الكفاية ، ويقوموا باداء حقّهِ بالقدر المستطاع.

ما هو التفسير الموضوعي؟

قبل الإجابة على هذا السؤال لابدّ من طرح سؤال آخر وهو : لماذا لم يُرتب القرآن باسلوب موضوعي يشبه الكتب المتداولة؟ بل أنّه جمع بشكل يختلف عنها جميعاً.

والجواب هو : إنّ المؤلف أو المؤلفين يأخذون بنظر الاعتبار مختلف المواضيع المتشابهة في حقل واحد من أجل اعداد الكتب المتداولة ، فمثلاً في علم الطب يؤخذ بنظر الاعتبار «مختلف الأمراض التي ترتبط بمسألة صحة الإنسان» ثمّ تُقسم المسائل المتعلقة بهذه المواضيع على فصول وأبواب (أمراض القلب ، الأمراض العصبية ، أمراض الجهاز الهضمي ، أمراض جهاز التنفس ، الأمراض الجلدية وسائر الأمراض).

ومن ثمّ يبحثون كلَّ فصلٍ وكلَّ بابٍ من خلال الاعتماد على المقدّمات ونتائجها وبهذا

٧

النحو يتمّ تأليف كتاب باسم كتاب «الطب».

بيد أنَّ القرآن ليس كذلك ، فهذا الكتاب نزل على مدى ٢٣ سنة وفقاً للحاجات والظروف الاجتماعية المختلفة والوقائع المتباينة ، والمراحل التربوية المتفاوتة ، وكافة شؤون حياة المجتمع الإسلامي ، وفي نفس الوقت لم يتعلق بزمانٍ ومكانٍ معينين!

ففي وقت تدور كافة بحوث القرآن حول محور مقارعة الوثنية والشرك وبيان التوحيد بكل فروعه ، والسّور والآيات النّازلة في هذه المرحلة كلّها في المبدأ والمعاد : (كالسور التي نزلت في مكّة خلال السنوات الثلاث عشرة الاولى من البعثة).

وفي زمان آخر نرى محور البحث والحديث ساخناً وقوياً حول الجهاد وكيفية مواجهة الأعداء في الداخل والخارج والمنافقين.

وعندما تقع غزوة الأحزاب فتنزل سورة الأحزاب ، وما لا يقل عن ١٧ آية منها تتحدث عن هذه المعركة والتجارب والقضايا التربوية فيها ووقائعها.

وحينما جرت واقعة صلح الحديبية نزلت سورة الفتح وبعدها فتح مكّة وغزوة حنين نزلت سورة الإخلاص وآيات أخرى.

والخلاصة ، فتزامناً مع انتشار الإسلام والتحرك العام للمجتمع الإسلامي كانت تنزل الآيات المناسبة وتصدر الأوامر اللازمة ، وهذا ما كان يكمّل المسيرة التكاملية للإنسان.

واستناداً إلى ما ذكرنا آنفاً ، يتضح المغزى من التفسير الموضوعي وهو جمع الأحداث والوقائع المتعلقة بذلك الموضوع وترتيبها لتتجلى وجهة نظر القرآن الكريم بشأن ذلك الموضوع وأبعاده.

فمثلاً ، تُجمع الآيات المتعلقة ببراهين معرفة الله كالفطرة ، وبرهان النظم وبرهان الوجوب والإمكان وباقي البراهين ، وحيث إنّ القرآن يفسّر بعضُه بعضاً تتضح أبعاد هذا الموضوع (١).

__________________

(١). لقد رويت عبارة «القرآن يفسّر بعضه بعضاً» عن ابن عباس ، وليس من المستبعد أن يكون قد أخذها عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين عليه‌السلام نتيجة لعلاقته القوية معهما في مسائل القرآن ، كما ورد مضمونها في نهج البلاغة ـ

٨

وهكذا بالنسبة للآيات المتعلقة بالجنّة أو النار ، والصراط وصحيفة الأعمال ، والآيات المتعلقة بالقضايا الأخلاقية والتقوى وحسن الخلق والشجاعة ، و... والآيات المتعلقة بأحكام الصلاة والصوم والزكاة والخمس والأنفال ، والآيات المتعلقة بالعدالة الاجتماعية وجهاد الأعداء وجهاد النفس و...

والمسلّم به أنّ هذه الآيات التي نزلت في مناسبات مختلفة ، عندما تُجمع كلُّ طائفةٍ منها على حدةٍ وتنظم وتُفسَّر فسوف تنكشف عنها حقائق جديدة ، ومن هنا تتّضح أهميّة التفسير الموضوعي ، حيث سيأتي الكلام عنه في البحث الآتي إن شاء الله.

ما هي المشاكل التي يُمكن حلُّها بواسطة التفسير الموضوعي؟

إنّ الجواب على هذا السؤال واضحٌ للغاية من خلال ملاحظة ما مرَّ ذكره آنفاً ، ولكن للمزيد من التوضيح ينبغي الالتفات إلى هذا الأمر وهو :

إنّ الكثير من آيات القرآن الكريم تتناول بُعداً واحداً من أبعاد موضوع ما ، فمثلاً ، فيما يخص مسألة «الشفاعة» فقد ورد في بعض الآيات أصل إمكان الشفاعة.

وفي البعض الآخر «شروط الشفاعة» (سبأ ٢٣ ، مريم ٧٨).

وفي بعضها شروط «المشفَّع لهم» (الأنبياء ٢٨ ، غافر ١٨).

وفي بعضٍ تُنفى الشفاعة عن الجميع ما عدا الله تعالى (الزمر ٤٤).

وفي بعض آخر ثبتت الشفاعة لغير الله (المدثر ٤٨).

نجد أنَّ حالةً من عدم الوضوح تحيط بأُمور الشفاعة بدءً من حقيقة الشفاعة وحتى سائر الشروط والخصوصيات الاخرى ، ولكن عندما نأخذ آيات الشفاعة من القرآن

__________________

ـ حيث يقول : «وَذَكرت أنّ الكتاب يصدّقُ بعضُه بعضاً» (نهج البلاغة ، الخطبة ١٨) وقد أورد بعض العلماء في كتبهم جملة «القرآن يفسر بعضه بعضاً» على أنّها حديثٌ ، كما في صفحه ١٠٦ من كتاب (تنزيه التنزيل) للمرحوم الشهرستاني ، إذ وردت هذه العبارة باعتبارها رواية بدون أن ترد عليها مؤاخذة ، كما تُلاحظ في نهج البلاغة إشارة اخرى إلى هذا الأمر ، حينما يقول بشأن القرآن الكريم : «وينطقُ بعضه ببعض ويشهد بعضُه على بعض» (نهج البلاغة ، الخطبة ١٣٣).

٩

ونضعهاجانب بعضها ونفسّرها على ضوء بعضها البعض يرتفع هذا الغموض ويحلّ الابهام على أحسن وجه.

وكذلك الآيات المتعلقة بالجهاد ، أو فلسفة أحكام وتعاليم الإسلام ، أو الآيات المتعلقة بالبرزخ ، أو مسألة علم الله ، وكذلك موضوع علم الغيب ، وهل أنّ العلم بالغيب ممكنٌ لغير الله أم لا؟ فلو وُضعت آيات كل موضوع في جانبٍ فمن الممكن أداء حق هذا الموضوع وحل الإشكالات الموجودة عن طريق التفسير الموضوعي.

وعلى هذا الأساس فإنّ الآيات المتعلقة ب «المحكم» و «المتشابه» والتي تدعو تفسير «المتشابهات» بالاستعانة «بالمحكمات» يعدُ نوعاً من التفسير الموضوعي.

ومن هنا يبدو أنّه من خلال تفسير الآيات المتعلقة بموضوع ما بالاستعانة بالآيات الاخرى تنبثق عنها معارف وعلوم جديدة ، هذه العلوم تكمن فيها معارف القرآن والحلول لكثير من المعضلات العقائدية وأحكام الإسلام.

من هذا الباب يُمكن تشبيه آيات القرآن بالكلمات المتفرقة ، حيث إنَّ لكلٍّ منها مفهوماً ذاتيّاً ، ولكن حينما تُرتَّبُ وتجمع في جمل مفيدة فهي تُعطي مفاهيم جديدة.

أو تشبيهها بالعناصر الحياتية مثل «الاوكسجين» والهيدروجين» التي حينما تتفاعل مع بعضها ينتج عنها الماء الذي هو عنصر حياتي آخر.

خلاصة القول إنّه لا يمكن حلّ الكثير من اسرار القرآن إلّاعن هذا الطريق ، ولا يُمكن النفوذ إلى مكنوناتها إلّامن خلال هذا السبيل ، ونعتقد بأنّ هذا القدر كافٍ لتوضيح أهميّة التفسير الموضوعي.

وباختصار يمكن تلخيص فوائد التفسير الموضوعي في النقاط التالية :

١ ـ إزالة الإشكالات التي تبرز في بعض الآيات للوهلة الولى ، وحلّ أسرار وأَلغاز المتشابه في القرآن.

٢ ـ الاطّلاع على خفايا ودقائق وعلل وأسباب ونتائج المواضيع والقضايا المختلفة الواردة في القرآن الكريم.

١٠

٣ ـ الحصول على معلومات جامعه لمواضيع مختلفة مثل «التوحيد» و «معرفة الله» و «المعاد» و «العبادات» و «الجهاد» و «الحكومة الإسلامية» وعلوم مهمّة اخرى.

٤ ـ كشف أسرار وخفايا جديدة من القرآن من خلال الجمع بين الآيات.

تاريخ التفسير الموضوعي :

يمكننا ملاحظة نماذج من التفسير الموضوعى للقرآن الكريم في نفس آيات القرآن الكريم حيث أمرت هذه الآيات بتفسير المتشابه منها بالمحكم ، ويعد هذا الاسلوب نوعاً من التفسير الموضوعى.

وفي كلام أئمّة الهدى عليهم‌السلام أمثلة كثيرة تهدينا إلى اسلوب جمع الآيات المتعلقة بموضوع معين وترتيبها ثم الاستفادة منها ، ولأجل إثبات هذا الأمر نكتفي بذكر عدد من الأمثلة :

١ ـ في الرواية المعروفة (١) بعنوان وصيّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وموعظته لعبدالله بن مسعود المذكورة في بحار الأنوار ـ وهي رواية طويلة وكثيرة المضامين ، وفيها أمثلة كثيرة بنحو يمكن القول أنّ الرواية تدور حول محور التفسير الموضوعي ـ عندما يتكلم صلى‌الله‌عليه‌وآله عن ذم الدنيا حيث يقول : «يا ابن مسعود إنّ الأحمق من طلبَ دنيا زائلة» ، ثم يستدل على هوانِ الدنيا وزخارف هذا العالم بالآيات التالية :

(اعلَمُوا أَنَّما الحَيَاةُ الدُنيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتكَاثُرٌ في الأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ...). (الحديد / ٢٠)

(وَلَوْ لَاأَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ* وَلِبُيُوتِهِم أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ). (الزخرف / ٣٣ و ٣٤)

(مَنْ كَانَ يُريدُ العَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيْهَا مَا نَشاءُ لِمَنْ نُّريدُ ثُمَّ جَعَلنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً). (الاسراء / ١٨)

وفي محل آخر يتحدث عن (القول بغير علم) ، ويقول صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا ابن مسعود لا تقل شيئاً

__________________

(١). بحار الأنوار ، ج ٧٤ ، ص ٩٤.

١١

بغير علم ولا تتفوه بشيء ما لم تسمعه وتراه ، ثم يذكر آيات عديدة حول هذا الموضوع :

قال تعالى : (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ والفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً). (الاسراء / ٣٦)

وقال تعالى : (سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ). (الزخرف / ١٩)

وقال تعالى : (مَّا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ). (ق / ١٨)

وقال تعالى : (وَنَحْنُ اقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ). (ق / ١٦)

وكذلك ذكرت الرواية ابحاثاً حول الذكر والإنفاق في سبيل الله ، ومكارم الاخلاق وغيرها اعتماداً على جمع الآيات وتبويبها.

٢ ـ جاء في حديث آخر عن أمير المؤمنين علي عليه‌السلام تقسيم لمعنى «الكفر في القرآن المجيد» :

إنّ الكفر في القرآن على أربعة أقسام :

الأوّل : الكفر بمعنى الجحود والانكار ، وهو على قسمين :

أإنكار اصل وجود الله والجنّة والنار والقيامة كما يحكي القرآن عن لسانهم (وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ). (الجاثيه / ٢٤)

ب الكفر المقارن للمعرفة واليقين كما جاء في القرآن :

(وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً). (النمل / ١٤)

الثاني : الكفر بمعنى المعصية وترك الطاعة كما أخبر الله سبحانه عن قوم من بني اسرائيل يؤمنون ببعض الكتاب ويكذبون ببعض اذ يقول سبحانه : (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرونَ بِبَعْضٍ). (البقرة / ٨٥)

(الثالث :) الكفر بمعنى البراءة والتنصُّل كما قال سبحانه عن لسان ابراهيم عليه‌السلام لعبدة الأصنام (كَفَرْنَا بِكُمْ). (الممتحنة / ٤)

وقال سبحانه أيضاً (يَوْمَ القيامَةِ يَكْفُرُ بعْضُكُمْ بِبَعْضٍ). (العنكبوت / ٢٥)

الرابع : لكفر بمعنى عدم شكر النعمة كما قال سبحانه : (لَئِنْ شَكَرْتُم لَأَزِيدَنَّكُم وَلَئِنْ

١٢

كَفَرْتُمْ انَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ). (ابراهيم / ٧)

ثم يجمع عليه‌السلام الآيات الواردة في الشرك وأقسامه في القرآن فيقسمها إلى الشرك في العقيدة ، والشرك في العمل ، والشرك في الطاعة ، وشرك الرياء ، ويوضح كلاً منها بذكر الآيات القرآنية (١).

وكما تلاحظ فإنّ الإمام عليه‌السلام بتقسيمه لآيات الكفر والشرك يلقي نظرة كلية على هذا الموضوع ، ويوضح بأنّ لهذين المصطلحين مفهوماً واسعاً شاملاً ، فالكفر يشمل كل اخفاء للحق سواء كان في العقائد أو في العمل أو في المواهب الإلهيّة ، والشرك يعني أن نجعل لله شريكاً أو نداً سواءً كان في العقائد أو في العمل أو الطاعة للقوانين ، ويتضح جيداً بهذا العرض الجميل للتفسير الموضوعي في المثالين المذكورين لكلمات الإمام عليه‌السلام الدور الكبير لهذا التفسير في سعة ذهنية الإنسان والفهم العميق للآيات القرآنية.

والنموذج البديع الآخر ما ورد في كلام الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام مع هشام بن الحكم.

فالإمام عليه‌السلام وفي مقام بيان منزلة العقل يذكر الآيات المرتبطة ب «اولي الألباب» ويجمعها كلها ويقول لهشام : «أنظر كيف أنّ الله سبحانه وصف اولي الأَلباب على أحسن وجه وزينهم بأفضل لباس» ، ثم يذكر سبع آيات من القرآن المجيد تتكلم عن منزلة اولي الألباب وهي (البقرة / ٢٦٩ ـ آل عمران / ٧ ـ آل عمران / ٩ ـ المؤمن / ٥٤) (٢).

فالقيام بجمع هذه الآيات والنظر اليها منضمة بعضها إلى البعض يعطي للإنسان رؤية عميقة يستطيع معها فهم معنى اولى الألباب ومقامهم ومنزلتهم ، وهذا عمل لا يتمّ إلّاعن طريق التفسير الموضوعي.

هذه نماذج من اصول التفسير الموضوعي في كلمات قادة الإسلام العظام ، النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأئمّة الهدى عليهم‌السلام ، وهناك نماذج عديدةٌ اخرى لم نذكرها تجنباً للاطالة.

* *

__________________

(١). بحار الأنوار ، ج ٦٩ ، ص ١٠٠ ـ ١٢٠ (خلاصة الحديث).

(٢). اصول الكافي ، ج ١ ، ص ١٥ كتاب العقل والجهل.

١٣

التفسير الموضوعي في كلمات العلماء السابقين :

لم يكن التفسير الموضوعي متداولاً إلّافي فترات محدودة وحول موضوعات خاصة ، إلّا أنّه ورد كثيراً على ألسنة العلماء السابقين ، ولكن يجب الاعتراف بأننا لا نعرف أحداً منهم تناول التفسير الموضوعي في جميع المجالات.

ومن الروّاد الأوائل في هذا المضمار ، العلّامة المجلسي قدس‌سره حيث نراه قد تصدى لجمع كل الآيات ذات العلاقة بالموضوع عند دخوله في كل فصل من فصول بحار الأنوار ، ثم يلقي عليها نظرة شاملة وينقل أحياناً آراء المفسرين ، ويسعى لتوضيح ما يذكره من الآيات.

فنرى مثلاً في الجزء ٦٧ عندما يتكلم حول «القلب» والسمع» والبصر» ومعنى كلٍّ منها في القرآن الكريم ، يجمع عشرات الآيات ثم يذكر رواية من الكافي ثم يقوم بذكر بيان جامع لها ، فيستغرق بحثه في هذا المجال عشر صفحات تقريباً (١).

وفي الجزء ٥٨ في باب حقيقة الرؤيا وتعبيرها يذكر أولاً أكثر من عشر آيات من القرآن حول هذا الموضوع ثم يبحث في تفسيرها عدة صفحات (٢).

وفي الجزء ٢٢ في الباب الأول يبحث عن ما جرى لليهود والنصارى والمشركين بعد الهجرة ، فيذكر عشرات الآيات من مختلف السور حول هذا الموضوع ثم يقوم بتفسيرها (٣). وقد اتبع هذا المحقق العظيم نفس الاسلوب في الفصول الاخرى من الكتاب.

ومن الأمثلة الاخرى للتفسير الموضوعي في كلمات المتقدمين ، الكتب المؤلفة تحت عنوان آيات الأحكام ، ففي هذه الكتب ذكرت الآيات المتعلقة بالأحكام الفقهية ، مثل الآيات التي لها ارتباط بأجزاء وشروط الصلاة وأقسام وشروط الصوم ، والحج والنكاح والطلاق وأحكام الحدود والديات والقضاء وغيرها ، حيث جمعت الآيات وتمّ بحثها على نحو موضوعي بالاستعانة ببعضها الآخر.

__________________

(١). بحار الأنوار ، ج ٦٧ ، ص ٢٧ إلى ٤٣.

(٢). المصدر السابق ، ج ٥٨ ، ص ١٥١ إلى ١٥٨.

(٣). المصدر السابق ، ج ٢٢ ، ص ١ إلى ٦٢.

١٤

ويبدو أنّ أوّل كتاب أُلّفَ في هذا المجال هو كتاب (أحكام القرآن) تأليف (محمد بن صاحب الكلبي) ، وهو من أصحاب الإمام الباقر عليه‌السلام والإمام الصادق عليه‌السلام والمتوفى سنة ١٤٦ ه‍ فهو سابق حتى للشافعي الإمام المعروف المتوفى سنة ٢٠٤ ه‍ بتأليف كتاب في هذا المجال.

وبعده تصدى العديد من الفقهاء والعلماء لتأليف الكتب في مجال آيات الأحكام (تارة بهذا الاسم وتارة بأسماء اخرى) وقد ذكر المرحوم المحدّث الطهراني في كتاب «الذريعة» ثلاثين كتاباً من هذه السلسلة (١) ، واشهرها بين العلماء والفقهاء المعاصرين كتاب آيات الأحكام للمحقّق الأردبيلي قدس‌سره المسمى «زبدة البيان» ، وآيات الأحكام للفاضل المقداد المسمى «كنز العرفان».

وجاء في الكتاب الأخير أنّ مِن المشهور بين العلماء أنّه توجد خمسمائة آية في القرآن المجيد حول الأحكام الفقهية ، إذا أخذنا في الحسبان الآيات المتكررة في هذا المجال وإلّا فالعدد أقل من ذلك (٢).

وقد كُتب في هذا المجال كتاب «إعجاز القرآن في العلوم المعاصرة» وفيه الآيات ذات العلاقة بالاكتشافات العلمية المعاصرة ، والتي تعدّ من المعجزات العلمية للقرآن ، وكتاب «المجتمع والتاريخ» و «الحقوق في القرآن المجيد» ، وكلها تعبير عن السعي المستمر في التأليف في حقل التفسير الموضوعي.

كما ألفت كتب حول قصص القرآن تمّ فيها توضيح الوقائع الواردة في قصص الأنبياء بواسطة جمع آيات القرآن.

ولكن مع هذا يجب الإذعان بأن كل هذه المحاولات ناظرة للتفسير الموضوعي في مجال معين وزاوية محددة ، وهى ليست بصدد تفسير جامع وشامل لكل موضوعات القرآن ، وفي الفترة الأخيرة بذلت محاولات وجهود لتفسير القرآن تفسيراً موضوعياً واسعاً ، وهذه الجهود تستحق كل تقدير.

__________________

(١). الذريعة إلى تصانيف الشيعة ، ج ١ ، ص ٤٠ ـ ٤٤.

(٢). كنز العرفان ، ج ١ ، ص ٥.

١٥

ومن جملة هذه الكتب يمكن ذكر كتاب «مفاهيم القرآن» وقد صدر عدد من أجزائه بالفارسية والعربية وهو كتاب قيِّم.

ولكن مع هذه المساعي التي تستحق التقدير يجب الاعتراف بأَنَّ مسألة التفسير الموضوعي للقرآن لا زالت في مرحلة البداية ، وتحتاج إلى زمان كي تحتل المكانة المناسبة لها كالتفسير الترتيبي ، وهذا لا يتم إلّابالسعي المستمر الدائب للعلماء والمفسرين ، وبالاستفادة من تجارب الماضين وتنميتها وايصالها إلى درجة الكمال المطلوب.

وما تراه في هذا الكتاب هو حلقة من هذه السلسة التي نأمل لها أن تنضمَّ إلى الحلقات المعتبره الاخرى ، والمهم أن يتجنب أصحاب النظر والمعرفة الأعمال المكررة في هذا المجال ، وأن يبادر كل منهم إلى الإبداع والتجديد حتى نتمكن تحت ظل هذه الإبداعات أن نطوي هذا الطريق الطويل.

الاسلوب الصحيح في التفسير الموضوعي :

يوجد اسلوبان للتفسير الموضوعي :

الاسلوب الأول : الذي اختاره بعض المفسرين في عملهم ، وهو أنّهم يتناولون المواضيع المختلفة كالموضوعات العقائدية (التوحيد والمعاد و..) والموضوعات الأخلاقية (التقوى حسن الخلق و...) ، وبعد ذكر بحوث فلسفية وكلامية أو أخلاقية يذكرون بعض الآيات القرآنية المرتبطة بالموضوع بعنوان الشاهد على ذلك.

الاسلوب الثاني : وهو الذي يتمّ فيه قبل كل شيء جمع الآيات الواردة حول الموضوع من جميع أجزاء القرآن ، وقبل أيّ حكم أو ابداء نظر يتمّ جمع الآيات وتفسيرها مجتمعة ، وبجمعها وملاحظة العلاقة فيما بينها نحصل منها على الصورة الكاملة.

وهنا لا يملك المفسّر شيئاً من عنده مطلقاً ، ويسير كالظل خلف آيات القرآن فيفهم كل شيء من القرآن ، ويكون كل همّه كشف محتوى الآيات ، وإذا أراد الإِستعانة بآراء الآخرين

١٦

بل حتى بالأحاديث ، فذلك في المرحلة الثانية وبصورة مستقلة.

وقد إخترنا هذا الاسلوب في (نفحات القرآن) حيث جمعنا كل الآيات الواردة في كل موضوع وجعلناها في مقدمة كل بحث ، وجعلنا كل مسائل البحث تسير تحت ظل الآيات ، ونعتقد أن هذا هو السبيل الأمثل لإيصالنا إلى حقائق القرآن.

وهذان الاسلوبان متبعان في التفسير المعتاد (التفسير الترتيبي حسب السور والآيات) فجماعة يحملون آيات القرآن على آرائهم وجماعة اخرى يجعلون آراءهم تابعة لآيات القرآن ، ومن الواضح أنّ الاسلوب التفسيري الصحيح هو الثاني.

القرآن (نور وكتاب مبين) فهو يبين كل الحقائق المرتبطة بسيادة الإنسان : (قَدْ جَاءَكُمْ مِّنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ). (المائدة / ١٥)

عقبات تواجه التفسير الموضوعي :

يواجه المفسّر في طريقه ثلاث عقبات مهمّة.

١ ـ ليس التفسير الموضوعي بأن تجعل فهارس الآيات أمامك وتجمع الآيات التي ورد فيها ذكر لكلمات المواضيع التي تريد البحث فيها ، مثل الجهاد والتقوى ، لأنّ الكثير من الآيات تتكلم حول هذه المواضيع بدون أن تُذكر فيها كلمة التقوى أو الجهاد ، ولا بأس هنا أن نذكر مثالاً واحداً ، نحن نعلم أنّ الله سبحانه «رحمن» و «رحيم» و «أرحم الراحمين» وهذا المعنى وارد ، في الكثير من آيات القرآن ، ولكن توجد آيات تبيّن هذه الحقيقة بدون استعمال مادة «رحم» ، منها : (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَّا تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ) (١). (النحل / ٦١)

__________________

(١). لابدّ من الإشارة إلى أنّ الآية الاولى تشير إلى ظلم الناس وفي الآية الثانية جاء بدل الظلم الاكتساب ، ومن جمع الآيتين معا يظهر أنّ الكثير من الأعمال التي تصدر من الناس ليست خالية من نوع مِن أنواع الظلم.

١٧

ونفس هذا المعنى مع اختلاف يسير ذكر في الآية ٤٥ من سورة فاطر : (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ).

هاتان الآيتان تشيران إلى رحمة الله ولطفه المطلق على عباده من غير أن تُستعمل مادة (رحم) في الآيتين.

٢ ـ العقبة الاخرى التي تعترض التفسير الموضوعي مشكلة جمع الآيات وأخذ النتيجة منها ، فهذه العملية تحتاج إلى دقة وظرافة وذوق ووعي كامل واحاطة تامّة بالآيات القرآنية والتفاسير ، وعندما تكون الآيات المرتبطة بموضوع ما كثيرة ويكون لكل منها بعدٌ خاصٌ بها فإنّ الجمع سيكون أكثر تعقيداً.

مضافاً إلى ذلك فإنَّ التفسير الموضوعي لا يزال يخطو خطواته الاولى ولم يُبذل في هذا النطاق جهد وسعيٌ حثيث ، وهذا يجعل الأمر أكثر صعوبة وتعقيداً بالنسبة للمبتدئين ويختلف كثيراً عن التفسير المعتاد المتّبع منذ نزول القرآن.

٣ ـ العقبة الكبيرة الثالثة : إنّ موضوعات القرآن الكريم ، هذا الكتاب الإلهي العظيم لا حدّ لها ولا حصر ، ففيه المسائل العقائدية والعلمية ، وفيه المسائل الأخلاقية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية ، وآداب العشرة وأحكام الحرب والسلم وتاريخ الأنبياء وامور الكون و.. الخ.

وفي كل واحدة من هذه الامور موضوعات كثيرة بحثها القرآن ، ومناقشة كل هذه المسائل تحتاج إلى وقت طويل وصدر واسع.

وأحياناً تبحث الآية الواحدة في التفسير الموضوعي أبحاثاً عديدة من جهات مختلفة ، وفي كل بُعد من أبعادها يجب بحث فصل خاص به ، في حين تفسر الآية في التفسير الترتيبي تفسيراً واحداً فقط.

* * *

١٨

لماذا لم يتطور هذا الموضوع من التفسير؟

يبدو أنّ جواب هذا السؤال قد اتّضح من الأبحاث السابقة ، فالمشكلات الكثيرة التي تواجه التفسير الموضوعي ، قد منعت من تطوره خاصة ، وأنّ التفسير الموضوعي يحتاج إلى معاجم دقيقة وجامعة بحيث يمكن استخراج الآية منها بسهولة ولم تكن توجد في السابق ، ولكنها اليوم بحمد الله في متناول الأيدي.

ومن الطريف ما جاء في مقدمة المعجم القرآني المعروف بـ «المعجم المفهرس لألفاظِ القرآن الكريم» حيث قال : (إنّ المتقدمين اهتموا كثيراً بالعلوم القرآنية ولكن لم يهتموا باعداد معجم دقيق لتعيين آيات القرآن ، والسبب في ذلك أنّ أغلبهم كان من حفظة القرآن)!

ولا نعلم مدى صحة هذا الرأى ، ولو افترضنا كون الإنسان حافظاً للقرآن فهذا لا يجعله مستغنياً عن المعجم ، الذي هو وسيلة لابدّ منها من أجل تسهيل عملية التفسير الموضوعي (وإن كانت بوحدها ليست كافية) ، وهذا العمل لم يتم في السابق إلّابنحو ناقص ودون الطموح أحياناً.

ولابدّ من الإشارة إلى مسألة هنا وهي أن جمعاً من المفكرين الغربيين والأجانب المحبين للقرآن المجيد بذلوا جهوداً من أجل إعداد معاجم لهذا الكتاب السماوي ومن نماذجها المعتبرة كتاب «نجوم الفرقان في اطراف القرآن» إعداد المستشرق الالماني «فلوگل» وتأليفات اخرى قام بها المسلمون مثل «مفتاح كنوز القرآن» وكتاب «فتح الرحمن».

وبناءً على ما ورد في مقدمة «المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم» فإنّ هؤلاء هم الذين مكنوا المؤلف من إعداد هذا المعجم الغني البديع وجعلهِ في متناول أيدي علماء الإسلام.

وآخر ما نقوله هنا هو أنّه على الرغم من جميع المشكلات والمعوقات الموجودة في طريق التفسير الموضوعي ، فإنّ بركاته ومعطياته كثيرة وبنفس النسبة وخاصة بالنسبة للعلماء والمحققين ، حيث تنكشف لهم في ضوئه الحقائق التي تزيدهم إيماناً وقوة ونشاطاً

١٩

لمواصلة العمل ، وتؤجج في قلوبهم نار الشوق والمحبة حيث إنّ مَثَل الآية القرآنية عندما تتحدث حول موضوع ما لوحدها ، كمثل النقطة التي إذا اجتمعت مع نقاط اخرى ورتبت كونت شكلاً جذاباً وصورة بديعة لم تكن موجودة من قبل ، وهذا أمر مهمّ جدّاً ويبعث على النشاط والاشتياق ، وكما ذكرنا فإنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأئمّة أهل البيت عليهم‌السلام ، أرشدونا منذ البداية إلى التفسيرالموضوعي ووردت في كلامهم نماذج مختلفة جميلة وجذابة وقد أشرنا إلى البعض منها.

* *

وحيث ننتهي من هذه المقدّمة نجد أنفسنا أمام هذا العمل العظيم المملوء بالمصاعب ، ولا ريب في أننا لا نستطيع ـ اعتماداً على أنفسنا ـ أن نحمل هذه الأمانة ونوصلها إلى الهدف إلّابلطف الله وعونه وعنايته ، ونحن هنا بكامل وجودنا نتوجه إلى الله سبحانه وتعالى ونمد إليه أيدينا قائلين.

إلهنا! خذ بأيدينا في هذا الطريق ، اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم ، احفظنا في هذا الطريق الكثير المزالق من السقوط في وادي الضلالة ، وتفضل علينا بالتوفيق لإتمام هذا العمل على النحو الأحسن.

آمين يا رب العالمين

قم ـ الحوزة العلمية ـ ناصر مكارم الشيرازي

٢٦ / محرم الحرام / ١٤٠٨ ه

٢٠