نفحات القرآن - ج ١٠

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

نفحات القرآن - ج ١٠

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 964-533-004-1
ISBN الدورة:
964-8139-75-X

الصفحات: ٣٤٧

١
٢

٣

الاهداء :

إلى الذين أحبّوا القرآن

إلى الذين يريدون أن ينهلوا المزيد من معين

الحياة الصافي

إلى الذين يتوقون إلى معرفة القرآن وفهمه

أكثر فأكثر.

بمساعدة العلماء الأفاضل وحجج الإسلام السادة :

محمّد رضا الآشتياني

محمّد جعفر الإمامي

عبدالرسول الحسني

محمّد الأسدي

حسين الطوسي

سيّد شمس الدين الروحاني

محمّد محمّدي الاشتهاردي

٤

العلاقة بين الإمامة والحكومة

تحدثنا في المجلد التاسع من نفحات القرآن عن مسألة الإمامة والولاية من وجهة نظر القرآن الكريم ، وحيث إنّ مسألة (الإمامة) لا تنفصل عن مسألة (الحكومة) بل إنَّ روح الإمامة والولاية تعني حكومة النفوس والأبدان ، وهدايتها إلى الصراط المستقيم والتحرّك نحو الكمال والسعادة ، لذا وجب علينا بحث مسألة (الحكومة الإسلامية) بعد الانتهاء من بحث مسألة (الإمامة) والقيام بتحليلها وتفصيلها ، حيث لم يكتمل موضوع الإمامة والولاية بذلك القدر.

ألم نَعُدّ اقامة حكومة العدل الواحدة في العالم احدى أهم الأهداف في قيام المهدي (عج)؟ ونعني به نفس الشيء الذي كان بصدده الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وباقي الأئمّة عليهم‌السلام ، ولم تسنح الفرصة لا من حيث الزمان ولا المكان للوصول إلى هذا الهدف بالرغم في وجود الأسس اللازمة لإقامتها ، نعم لقد بذل الجميع جهوداً للوصول إلى تشكيل حكومة العدل الإلهي. فكيف يمكن اذن فصل موضوع (الحكومة) عن (الإمامة)؟ بل ، ولقد بدأ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد الانتصار في الغزوات الاولى بتشكيل الحكومة الإسلامية واعتبرها ركناً مهماً من أركان الإسلام ، بل الضامن الوحيد لإجراء القوانين بأكملها ، وقد كان الهمّ الوحيد لأولئك الذين خلفوا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله سواء كانت خلافتهم حقّه أم لم تكن ، هو تشكيل وإدامة الحكومة الإسلامية.

ولقد دعى سكان الكوفة الإمام الحسين عليه‌السلام إلى تشكيل الحكومة الحقّة ومحاربة غاصبيها ، ولو لا نقض العهد من قِبل أهل الكوفة وتخاذ لهم وعدم وفائهم ، لرفع الإمام عليه‌السلام علم الحكومة الإسلامية عالياً ، والروايات الواردة عن طريق الأئمّة المعصومين عليهم‌السلام

٥

ونهج البلاغة احتوت على تعابير كثيرة توضّح من خلالها أنّ أعداءهم قد غصبوا حقهم عليهم‌السلام ، وهذا الحقّ ليس إلّا (حكومة العدل الإسلامية).

كل هذه الأدلة وتلك الشواهد التي لا تُحصى برهانٌ آخر على أنَّ مسألة (الإمامة) لا تنفصل عن (الخلافة) و (الحكومة).

ونرى في رواية (هارون الرشيد) الذي أراد بزعمه أن يُرجعَ «فدكاً» إلى الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام ملاحظة جديرة بالاهتمام لتوضيح المقصود :

إنّ «فدكاً» ـ وكما هو معلوم ـ ضيعة قريبة من (خيبر) وكانت خضراء يانعة ، وقد وهبها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى ابنته الزهراء عليها‌السلام في حياته ، وقد اغتصبت منها بعد وفاته مباشرة ، فكانت دائماً موضع اعتراض المحبين لأهل البيت عليهم‌السلام فلذلك وبعد ضغط الرأي العام ، فكّر الرشيد بارجاعها إلى أولاد فاطمة عليها‌السلام فقال للإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام : «حدَّ فدكاً حتّى أردَّها إليك» وألحَّ عليهَ كثيراً ، فقال الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام : «لا آخذها إلّابحدودها».

قال هارون : وما حدودها؟

قال الإمام عليه‌السلام : «إنْ حددتها لم تردّها».

قال هارون : بحقّ جدّك إلّافعلتَ.

قال الإمام عليه‌السلام : «أمّا حَدُها الأوّل فعدن» ، فتغيّر وجه الرّشيد. وقال : أيهاً.

قال الإمام عليه‌السلام : «والحدُّ الثّاني سمرقند». فأربد وجهه.

قال الإمام عليه‌السلام : «والحدُّ الثالث أفريقية»، فاسودّ وجهه.

وقال هارون : هيه.

قال الإمام عليه‌السلام : «والرابع ساحل بحر الخزر وأرمينية».

قال الرّشيد : فلم يبقَ لنا شيء ، فتحوّل إلى مجلسي.

قال الإمام عليه‌السلام : «قد أعلمتك أننّي إن حددتها لم تردّها فعند ذلك عزم على قتلي» (١).

هذا الحديث يدلّ على أنّ بين مسألة (فدك) و (الخلافة) رابطة قوية وتعني أن ما غُصِبَ

__________________

(١) بحار الأنوار ، ج ٤٨ ، ص ١٤٤ (نقلاً عن كتاب أخبار الخلفاء).

٦

كان خلافة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والتي تعتبر فدك جزءاً منها ، ولو أراد هارون ارجاع فدك لكان يجب عليه أن يتخلى عن الخلافة ، ممّا أشعره أنّ الإمام إذا ما وصل إلى حالة من القوّة لفعل ذلك وسيتولى الخلافة حتماً ، لذا عزم على قتله (١).

الغرض ، هو أنّ المسائل ذات العلاقة ببحث الإمامة لها رابطة مع المسائل ذات العلاقة بالحكومة وقيادة المسلمين ، وهذا أمر بديهى ولا يقبل أي شك أو شبهة ، ونرى هذا الارتباط واضحاً في كل مكان ويتجلى بوضوح في الروايات الإسلامية وفى تاريخ سيرة وحياة الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة الأطهار عليهم‌السلام وفي طبيعة الأحكام الإسلامية.

ولقد اجملت مباحث الفقه الإسلامي في ثلاثة أقسام هي : قسم «العبادات» وقسم «المعاملات» ، وقسم «السياسة».

ويعتبر قسم (السياسة) والذي هو من الأبواب الفقهية المهمّة ويشتمل على مسائل عدّة مثل (الجهاد ، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، القضاء والشهادات ، والحدود والديّات والقصاص) جزءاً من المسائل المتعلقة بالحكومة ، إذن لا يمكن إجراء أقسام الجهاد وبعضاً من مسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكذلك القضاء والشهادات وتنفيذ الحدود والقصاص بدون وجود الحكومة على الاطلاق.

وترسم كذلك المسائل المرتبطة بالانفال والخمس والزكاة والأراضي الخاصة بالخراج ، الخطوط العريضة لجزء مهم من الحكومة باعتبارها الدعامة الأساسية لإقامة بيت المال الإسلامي.

وعلى هذا فقد امتزجت المسائل السياسية والحكومية بالفقه الإسلامي بشكل كامل بحيث لا يمكن وضعها موضع التنفيذ دون تشكيل الحكومة.

كل ذلك شاهد جلي على أنّ الإسلام ليس بمعزل عن الحكومة والسياسة ، وقد نفذت المسائل المتعلّقة بالحكومة والسياسة ـ والتي تعنى بإدارة نظام المجتمع ـ في التعاليم الإسلامية بصورة لو أردنا أن نفصل بينها لا يكون للاسلام معنىً ومفهومٌ ، والذين يحاولون

__________________

(١) الزهراء سيدة نساء العالمين ، ص ١٣٠.

٧

فصلهما عن بعضهما يقومون في الواقع (بفصل الإسلام عن الإسلام) ، والإسلام بدون الإسلام تناقض واضح.

ويتبيّن لنا من خلال ذلك ، السبب الذي دفع بنا إلى بحث مسائل الحكومة وزعامة المسلمين بعد انتهائنا من بحث الإمامة في الجزء السابق.

* * *

٨

ضرورة إقامة الحكومة

في المجتمع البشري

٩
١٠

تمهيد :

بعد أن لاحظنا الصلة الوثيقة بين الإمامة والحكومة نتحول إلى مسألة مهمّة اخرى ألا وهي ضرورة وجود الحكومة للمجتمعات البشرية.

وكما يُبيّن لنا التاريخ ، أن هناك أنواعاً معينه من الحكومات في المجتمعات البشرية ، كحكومة القبيلة ، وحكومة الملوك والسلاطين ، والحكومات التي هي من النوع الذي نشهده في الوقت الحاضر ، ويعني ذلك أنّ البشر وعبر مراحله العلمية والثقافية يُدرك تماماً ضرورة وجود الحكومة ، ويعلم كذلك أنَّ الحياة الاجتماعية من دون تحكيم النظام والقانون لا يمكن إيجادها ولو ليوم واحد.

ولهذا السبب يمكن ملاحظة الهرج والمرج والشغب الذي يحدث بُعَيْدَ سقوط حكومة ما ، وحتى قيام حكومة اخرى ، حيث يبسط النظام الجديد ظلّه على الحياة ، فيحترق كل شيء ويتحول إلى رُكام.

لذا فلا يمكن لأي عاقل ان يشك في ضرورة وجود الحكومة للمجتمعات البشرية ، وقد وردت الكثير من الآيات والروايات الإسلامية التي تصرّح وتلمّح إلى هذا المعنى ، نذكر بعضها باختصار :

١ ـ في قصة بني اسرائيل نلاحظ أنّه وعلى أثر الفوضى الداخلية وغياب الحكم القوي قد أصابهم الضعف والانحطاط والهزيمة وتسلّط الأعداء عليهم ، فجاءوا إلى نبيّ لهم طالبين تعيين حاكم لهم حتى يتسنى لهم السير في طريق الله تحت إمرته ، يقول القرآن الكريم : (أَلَمْ تَرَ إلى المَلَإِ مِن بَنِى إِسرَائِيلَ مِن بَعدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبىٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً

١١

نُقاتِلْ فِى سَبِيلِ اللهِ قَالَ هَلْ عَسَيتُم ان كُتِبَ عَلَيكُمُ القِتَالُ ألَّاتُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنا أَلَّا نُقاتِلَ في سَبِيلِ اللهِ وَقَد اخرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبنَائِنَا). (البقرة / ٢٤٦)

مع أنّ هذه الآية تشير إلى أبعاد وآثار وجود الحاكم على قوم أو شعب في مسألة الجهاد ضد العدو الخارجي وتطهير الأرض من دنس الأجنبي وتحرير الأسرى ، إلَّاأنّها تتعدى إلى أبعاد معانٍ اخرى حيث تصدق فيها كذلك.

والقرآن يوضح بهذا التعبير أنَّ الوصول إلى الحرية والاستقرار الاجتماعي مستحيل بدون وجود الحكومة والحكم القوي ، وقد يُتصور هنا أنّ بني اسرائيل أرادوا قائداً للجيش فقط لا حاكماً عليهم ، إلّاأنّه يجب ملاحظة كلمة (ملك) والتي تعني الحاكم على جميع الشؤون وإن كان المعنى العام للقصة يشير إلى وجود ساحة قتال مع عدوّ خارجي.

والحقيقة أنّ النبي (أشموئيل) في ذلك الوقت كان يمتلك صلاحية قيادة المجتمع كذلك ، بينما كان لطالوت الذي انتخبه لبني اسرائيل دور القائد للجيش.

٢ ـ وقد ورد في القرآن الكريم في ذيل هذه الآيات المذكورة ، خبر اندحار جيش جالوت في مقابل بني اسرائيل ، حيث يقول : (فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللهِ وقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتاهُ اللهُ الْمُلكَ وَالحِكمَةَ وعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَولَا دَفعُ اللهِ النَّاسَ بَعضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدتِ الأَرْضُ وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ). (البقرة / ٢٥١)

وتشير الجملة الأخيرة إلى أنّه لولا وجود حكومة قوية ومهيبة تقف بوجه الطغاة والخارجين على القانون ، لامتلأت الأرض بالفساد ، وعلى هذا فإنّ الحكومة العادلة هي هبة من الله للحدّ من الفساد الديني والاجتماعي.

٣ ـ وقد ورد معنىً مشابه لهذا في سورة الحج حيث تقول بعد اعطاء الضوء الأخضر للمسلمين للجهاد ضد الاعداء : (الَّذِينَ اخرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيرِ حَقٍّ إِلَّا انْ يَقُولُواْ رَبُّنَا اللهُ وَلَولَا دَفعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وبِيَعٌ وصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذكَرُ فِيهَا اسمُ اللهِ كَثِيراً). (الحج / ٤٠)

وهنا أيضاً كان الحديث عن دور الحكومة في البعد الجهادي ، ولكن من الطبيعي أنّ الجهاد من دون التشكلات المنظمّة السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة لا يمكن تحقيقه ،

١٢

وذلك لأنّ المجاهدين يتألفون من قسمين : «القوّات العسكرية» و «القوّات الشعبية» وتعتبر الأخيرة الظهير والسند لما وراء ميدان القتل والتي تضمّ في الواقع كل المجتمع.

٤ ـ ونقرأ في الآية التي تليها عبارة تشير إلى المؤمنين الحقيقيين : (الَّذِينَ انْ مَّكَّنَّاهُمْ فِى الأرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وأَمَرُوا بِالمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ). (الحج / ٤١)

وتُشير هذه الآية ضمناً إلى أنّ إقامة الصلاة وايتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (في معناها الواسع والعام) لا يتيسّر إلّاعن طريق تشكيل الحكومة ، ولذا فالآية تصف المؤمنين الحقيقيين بأنّهم عندما يمتلكون القدرة ويصلون إلى تشكيل الحكومة فإنّهم سيقيمون هذه الفرائض الإلهيّة الكبيرة ، وهنا يتبيّن لنا دور الحكومة في إصلاح المجتمع من وجهة نظر الإسلام.

٥ ـ تشير الآيات (٤٣ ـ ٥٦ من سورة يوسف) بوضوح إلى حدثٍ يتبيّن من خلاله ضرورة الحكومة ، وذلك أنّ ملك مصر يرى مناماً ويطلب من يوسف الذي كان وقتها في السجن أن يفسّر له تلك الرؤيا بدقّة بعد أن ذاع صيته في تفسير الأحلام ، فيكشف يوسف عليه‌السلام شيئاً من مستقبل مصر من خلال تلك الرؤيا حيث ينتظر الناس سبع سنوات من القحط والجوع ، وإذا مرّوا من تلك السنين بسلام فإنّهم سيُلاقون سنين الخير والرفاه ، ثم يُبيّن كيفية إجراء الأعمال الضرورية لمواجهة تلك السنين الصعبة وطرق تحضير وخزن المواد الغذائية وطريقة الاستهلاك ، فيطلق الملك سراحه ويخرج من السجن ثم يعيّنه مسؤولاً عن خزانة مصر ، وهكذا يتمّ انقاذ شعب كبير بأكمله وذلك بمديرية النبي يوسف عليه‌السلام الصحيحة جنباً إلى جنب مع ملك مصر.

وتبيّن هذه القصة بشكل لا لبس فيه ضرورة وجود الحكومة ذات الاطلاع والتدبير لتقوم بمهامها لإدارة المجتمعات الإنسانية وخصوصاً في الوقائع الصعبة ، وأنّه إذا ما حُرمت هذه المجتمعات من الحكومات من ذلك النوع فإنّها لا محالة ستقع في مشاكل عويصة ممّا ستُسبّب لها اضراراً جسيمة لا يمكن تعويضها.

٦ ـ نلاحظ الكثير من الآيات القرآنية تشير إلى أنّ الحكومة الإلهيّة إنّما هي نعمة من نِعَمِ

١٣

الله ، وذلك بملاحظة الحكومة ودورها الفعّال في تنظيم المجتمع الإنساني والحيلولة دون بروز الظلم والعدوان ، وتوفير الجو الملائم للوصول إلى الكمال الإنساني.

ومن ذلك ما ورد عن النبي داود عليه‌السلام وابنه سليمان عليه‌السلام : (وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكماً وَعِلْماً). (الانبياء / ٧٩)

عندما تُعدّ نعم الله الكثيرة على بني اسرائيل تقول : (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ اذكُرُوا نِعمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُم أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكاً وآتَاكُمْ مَّا لَم يُؤتِ أَحَداً مِّنَ العَالَمِينَ). (المائدة / ٢٠)

وطبعاً لم يكن جميع بني اسرائيل حكاما وملوكاً ، لكن عندما ينتخبوا من بينهم حاكماً وملكاً عليهم فإنّ الخطاب يتوجه إليهم باعتبارهم قوم حباهم الله سبحانه هذه النعمة فانتخب منهم ملوكاً وحكاماً.

ويتحدث القرآن الكريم عن لسان النبي سليمان عليه‌السلام : (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِى وَهَبْ لِى مُلكاً لَّا يَنبَغِى لِأَحَدٍ مِّن بَعدِى إِنَّكَ أَنتَ الْوَهّابُ). (ص / ٣٥)

وتُشير الآيات التي تليها إلى أنّ الله سبحانه استجاب دعاءه ووهب له حكومة عظيمة ومواهب كثيرة لا نظير لها ، وجاء في قوله تعالى : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَاءَآتاهُمُ اللهُ مِن فَضلِهِ فَقدْ آتَيْنَا آلَ إِبرَاهِيمَ الكِتابَ وَالحِكمَةَ وَءَآتَيْنَاهُمْ مُّلكاً عَظِيماً). (النساء / ٥٤)

وتكمن أهميّة هذه المسألة في أنّ الله سبحانه يُعِدُّ موهبة الحكم مرادفة للعزّة ويَعتبر فقدانها قرينة للذلّة.

يقول سبحانه وتعالى : (قُلِ اللهُمَّ مَالِكَ المُلكِ تُؤتِى المُلْكَ مَن تَشَاءُ وتَنْزِعُ المُلكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَىءٍ قَدِيرٌ). (آل عمران / ٢٦)

تشير كل الآيات التي ذكرناها إلى أهميّة وجود الحكومة للمجتمعات البشرية من وجهة نظر القرآن الكريم ، وفي الواقع إنّ هذا الآيات نافذة على العالَم الواسع للحكومة في المجتمعات البشرية.

١٤

ضرورة الحكومة في الرويات الإسلامية :

تُعَدُّ مسألة ضرورة الحكومة ذات أهميّة وصدى واسع في الروايات الإسلامية ، وقد بيّنت تلك الروايات أنّه لا يمكن للناس العيش دون وجود الحكومة ، وأنَّ وجود حكومة وإن كانت ظالمة خير من الفوضى في غياب الحكومة.

وهنا لنرى نموذجاً من تلك الروايات ذات المعنى المذكور :

١ ـ عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في نهج البلاغة جواباً على ادّعاء الخوارج حين قالوا : «لا حُكم إلّالله» ، فقال عليه‌السلام : «كَلِمَةُ حَقٍّ يُرَادُ بِهَا بَاطِلٌ» ثم استطرد قائلاً : «نَعَمْ إِنَّهُ لا حُكْمَ إِلَّا للهِ وَلكِنَّ هؤُلَاءِ يَقُولُونَ لَاإِمرَةَ إِلَّا للهِ ، وإِنَّهُ لَابُدّ لِلنَّاسِ مِن أَمِيرٍ بَرٍّ أَو فَاجِرٍ يَعْمَلُ فِى امْرَتِهِ المُؤمِنُ وَيَسْتَمتِعُ فِيهَا الكَافِرُ ، وَيُبَلِّغُ اللهُ فِيهَا الأَجَلَ وَيَجْمَعُ بِهِ الفَيءَ وَيُقَاتَلُ بِهِ العَدُوَّ ، وَتَأمَنُ بِهِ السُّبُلُ وَيُؤخَذُ بِهِ لِلضَّعِيفِ مِنَ القَوِيِّ حَتَّى يَستَرِيحَ بَرٌّ وَيُستَرَاحَ مِن فَاجِرٍ» (١).

وبديهيٌّ أنَّ الإمام علياً عليه‌السلام لم يَقصد من عبارة «أمير بَرّ أو فاجر» أنّ هذين متساويين ، بل قصد به أنّه لابدّ من وجود حاكم عادل وصالح ، وإلّا فوجود حاكم وإن كان ظالماً خيرٌ من الفوضى والشغب ، وعلى كل حال فلا تنفي هذه الحالة الأخيرة الحكم الإلهي الصالح على العالم كلّه ، ذلك أنَّ الحكم يشبه النبوة والقضاء النّابعين من ذات الخالق المقدسة ، ولقد بيّنت هذه العبارة ضمناً الأبعاد المختلفة لفلسفة الحكومة والأدلة الواردة في إثبات ضرورتها ، وسنبحث ذلك بالتفصيل في صفحات قادمة.

٢ ـ اشير في الروايات المعروفة والتي نقلها (الفضل بن شاذان) عن الإمام الرضا عليه‌السلام إلى ثلاث نقاط مهمّة حيث بيّن فيها دلائل وأسباب تعيين (اولي الأمر) والحكم في المجتمع.

قال الفضل بن شاذان إنّه سمع من الرّضا عليه‌السلام مرّة بعد مرّة ، أنّه قال : فإنْ قال : فلم جعل أولي الأمر وأمر بطاعتهم؟

قيل : لعلل كثيرة منها أنّ الخلق كما وقفوا على حد محدود وأمروا ألّا يتعدوا ذلك الحد لما فيه من فسادهم لم يكن يثبت ذلك ، ولا يقوم إلّابأن يجعل عليهم فيه أميناً يمنعهم من

__________________

(١) نهج البلاغة ، الخطبة ٤٠.

١٥

التّعدي والدّخول فيما حظر عليهم لأنّه لو لم يكن ذلك كذلك لكان أحد لا يترك لذته ومنفعته لفساد غيره ، فجعل عليهم فيما يمنعهم من الفساد ويقيم فيهم الحدود والأحكام.

ومنها : أنا لا نجد فرقة من الفرق ولا ملة من الملل بقوا وعاشوا إلّابقيّم ورئيس كما لابدّ لهم منه في أمر الدّين ، فلم يجز في حكم الحكيم أن يترك الخلق ممّا يعلم أنّه لابدّ لهم منه ولا قوام إلّابه ، فيقاتلون فيه عدوهم ويقسمون به فيئهم ، ويقيم لهم جمعتهم وجماعتهم ، ويمنع ظالمهم من مظلومهم.

ومنها : إنّه لو لم يجعل لهم إماماً قيماً أميناً حافظاً مستودعاً لدرست الملّة وذهب الدين وغيرت السُّنة والأحكام ، ولزاد فيه المبتدعون ونقّص منه الملحدون ، وشبّهوا على المسلمين لأنا قد وجدنا الخلق منقوصين محتاجين غير كاملين ، مع اختلافهم واختلاف أهوائهم وتشتت أنحائهم ، فلو لم يجعل لهم قيماً حافظاً لما جاء به الرّسول لفسدوا على نحو ما بيّنا وغيّرت الشرايع والسنن والأحكام والإيمان وكان في ذلك فساد الخلق أجمعين (١).

٣ ـ في تفسير النعماني عن أمير المؤمنين عليه‌السلام وعند ذكر آيات من القرآن الكريم ، مثل : (يَأَأيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا استَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِما يُحيِيكُم). (الانفال / ٢٤)

وآية (وَلَكُم فِى القِصَاصِ حَيَاةٌ يَا اولِى الأَلبَابِ). (البقرة / ١٧٩)

إنّه كان يقول : «وفي هذا أوضح دليل على أنّه لابدّ للُامة من إمام يقوم بأمرهم فيأمرهم وينهاهم ويُقيم فيهم الحدود ويجاهد العدو ، ويقسّم الغنائم ويفرض الفرائض ويعرّفهم أبواب ما فيه صلاحهم ويحذرهم ما فيه مضارهم ، إذ كان الأمر والنهي أحد أسباب بقاء الخلق ، وإلّا سقطت الرغبة والرّهبة ، ولم يُرتدع ، ولفسد التدبير وكان ذلك سبباً لهلاك العباد» (٢).

وقد ورد عن الإمام الصادق عليه‌السلام في حديث آخر أنّه قال : «لا يستغني أهل كلّ بلد عن ثلاثة يُفزع إليهم في أمر دنياهم وآخرتهم ، فإن عُدموا ذلك كانوا همجاً : فقيه عالم ورع ،

__________________

(١) بحار الأنوار ، ج ٦ ، ص ٦٠ ، الرّواية طويلة لكننا انتخبنا قسماً منها.

(٢) بحار الأنوار ، ج ٩٠ ، ص ٤١.

١٦

وأمير خيّر مُطاع ، وطبيب بصير ثقة» (١).

وقلنا مراراً إن ما ورد في الروايات الإسلامية يدلّ على ضرورة وجود حكومة وإن كانت ظالمة خير من الفوضى ، حيث نقرأ لأمير المؤمنين عليه‌السلام قوله : «والٍ ظلوم غشوم خيرٌ من فتنة تدوم» (٢).

ويعني ذلك أنَّه حتى في حالة عدم القدرة على تحقيق حكومة عادلة فلا أقل من إقامة حكومة وإن كانت ظالمة وجائرة وذلك في سبيل الاستقرار والأمن للبلد وحدوده ومنع العدوان عليه ، وفي غير هذه الحالة تسود حالة من اللّا أمن والتدهور حيث ستُراق دماء الكثير من الأبرياء دون أيّ وازع مِمّا سيسهّل على الأعداء النفوذ إلى داخل البلد والسيطرة عليه.

* * *

ضرورة الحكومة في التصور العقلي :

كان ما ذكرناه حول ضرورة الحكومة في التصور القرآني والروائي والتي أشارت جميعها وبالأدلة القاطعة على ضرورة وجود الحكومة للمجتمعات الإنسانية ، وهنا نُشير إلى ضرورة الحكومة من خلال الأدلة العقلية حتى تتّضح المسألة لنا أكثر.

وتنطلق هذه الأدلة أحياناً في تصور شخص يؤمن بالتوحيد ، وأحياناً اخرى نراها من وجهة نظر الشخص المادي ، حيث نلاحظ عاملاً مشتركاً بينهما وهو اعتقادهما بضرورة وجود الحكومة للمجتمع البشري وإن كانت آراؤهما تتفاوت وتتباين في أحايين اخرى.

ويمكن الإشارة إلى الأدلة المشتركة في التصور العام فيما يخصّ هذا الموضوع وهي :

أولاً : إنّ حياة الإنسان تنطبع بطابع اجتماعي بحيث لو خَلَتْ حياته من هذه الصفة فإنّها ستكون في أدنى مستوى لها من الجاهلية والوحشية والانحطاط ، لأنّ كل المنافع والآثار

__________________

(١) بحار الأنوار ، ج ٧٥ ، ص ٢٣٥.

(٢) غرر الحكم ، ج ٢ ، ص ٧٨٤ ، ج ٥٠ ، باب الواو.

١٧

الإيجابية والبنّاءة في حياة البشر بما فيها الحضارة والتقدّم والكمال والعلوم والفنون والصناعات المختلفة ، كلها نابعة من بركة الحياة الاجتماعية والعمل المشترك والتعاون فيما بين البشر في المجالات المتعددة.

فما لَمْ تنَضَّم الطاقات الفكرية والبدنية البسيطة بعضها إلى البعض الآخر ، فلا مجال لوجود الحركات والانبعاثات العظيمة في المجتمع بأي حال من الأحوال ، وببساطة : لو إنفصل الإنسان عن المجتمع فسيكون كالحيوان ، فمن جهة نجد الرّغبات والآمال الداخلية والحياة الاجتماعية التي تهبه كل تلك القدرة والإمكان للتقدم والتطوّر نحو الأفضل ، ومن جهة اخرى بما أنّ الحياة الإنسانية في داخل المجتمع على الرغم من أنّ كل تلك الآلاء والنَّعم لا تخلو من النزاع والمنافسة ليس بسبب غلبه الأنانية وحب الذّات فقط ، بل لاشتباه الكثير من أفراد المجتمع في تشخيص الحدود والحقوق فيما بينهم ، لذا فإنّ دور القوانين هنا يكون ضرورياً لتحديد حقوق الأفراد وسَدّ الطريق أمام التعدّيات والتجاوزات اللامشروعة.

كذلك فإنّ هذه القوانين لا يمكن أن تؤثر لوحدها في ردع الاعتداءات والنزاعات إلّاإذا انبرى إلى تنفيذها أفرادٌ يُعتمد عليهم في المجتمع ، وبعبارة اخرى ، فالحكومة وحدها تستطيع أن تعزّز القوانين وتنفذها في المجتمع وتحول دون انتشار الفساد وسفك الدماء والاعتداء على حقوق الآخرين ـ ولو بصورة نسبية.

ولذلك نرى الأقوام البشرية ومنذ القِدمَ سعتْ إلى إيجاد حكومة لها.

ثانياً : لو افترضنا أنّه يمكن للناس العيش بسلام بدون حكومة (وهو مُحال بالطبّع) ، فلا يمكن على أية حال الوصول إلى التقدّم والكمال في العلوم والمعارف والصناعات ومختلف الشؤون الاجتماعية دون وجود برنامج دقيق ومديرية عالمة ، وهذه هي أشكال اخرى للحكومة.

ومن هذا المنطلق فإنّ جميع العُقلاء في العالم يؤكدون على ضرورة تشكيل الحكومة للمجتمعات البشرية إلّاما يُرى نادراً في كلمات بعض المؤيدين للشيوعية من أنّه لو قُضيَ

١٨

على النظام الطبقي للمجتمع فلا تعود هناك ضرورة لأي حكومة ، إذ يعتقدون أنَّ الدولة والحكومة إنّما تُساعد على الحفاظ على منافع الطبقة الرأسمالية وحسب ، وعندما يتمّ القضاء على هذه الطبقية فلا يبقى سبب لوجود الحكومة.

ولكن من الواضح أنّ كل ذلك إنّما هو محض خيال وأوهام لا وزن لها في ميزان العقل والمنطق ، ذلك أنَّ الوصول إلى حالة عدم وجود الطبقية في العالَم ، أو أن يكون كل البشر في مستوى معاشي واحد ، إنّما هو حُلُمٌ وخيال لا أكثر وخاصة في الوضع الحالي الذي تمرّ به المجتمعات البشرية.

ولو فرضنا أننا يمكننا الوصول إلى مجتمع كهذا والقضاء على النظام الطبقي والحكومي الحافظ لهذا النظام ، تبقى الحاجة إلى برنامج دقيق ومديرية ضرورية للوصول إلى التقدّم العلمي والصناعي والحفاظ على السلامة الاجتماعية والنظام والحرية وتأمين الغذاء والسكن وسائر الاحتياجات. فهل يمكن مثلاً الاستغناء عن وزارة التربية والتعليم في سبيل وضع برنامج صحيح لغرض تعليم وتربية الشباب؟ وهل يمكن بدون وجود وزارة الصناعة الحفاظ على العوامل الصناعية؟ وهل بالإمكان ردّ العدوان والهجوم الأجنبي دون وجود وزارة الدفاع؟ ولو افترضنا عدم حدوث حرب في العالم ، فهل يمكن إيجاد النّظم في المجتمع الإنساني مع غياب قوى الأمن في ذلك المجتمع؟

على أيّة حال فإنّ هذه المسألة تعتبر من البديهيات وهي أنَّ المجتمع الإنساني لا يمكنه العيش بسلام دون وجود الحكومة ولو ليوم واحد ، وحتى الذين لا يؤيدون هذه القاعدة لم يصلوا إلى أيّة نتيجة ورجعوا خائبين.

صحيح أنَّ الحكومات المستبدّة والظالمة هي التي تكون بؤرة للفساد ومنبع البؤس على طول التاريخ للبشرية ولا تزال ، ولكن لوحدث وتهدّم النظام القائم لهذه الحكومات وتأخر تشكيل حكومة اخرى تخلف تلك الحكومة ليوم أو أكثر ، وفي حالة غياب الحكومة ، فستكون النتيجة لذلك ، الهرج والمرج وحالة من اللاأمن والتدهور وإزدياد الشَغَب في جميع البلاد ، وسنرى أنَّ وجود الحكومة الظالمة أفضل بكثير من غيابها.

١٩

وأمّا الذين يؤمنون بإرسال الرّسُل وانزال الكتب السماوية من قِبَل الله تعالى فهم يفهمون مسألة ضرورة الحكومة بشكل أوضح وأكثر بياناً ، لأنّهم يؤيدون من جهة ، الأهداف التي من أجلها بُعِثَ الأنبياء والتي ذُكِرَتْ في المصادر اللاهوتية ، إضافة إلى الأدلة العقلية التي تسندها ، ومن جهة أُخرى ، فإنّ الوضع بدون تشكيل الحكومة لا يمكن أن يُطاق أبداً ، فمثلاً إِنَّ مسألة التربية الصحيحة والتعليم وتزكية النفوس وتطهيرها لا يمكن أجراؤها دون وجود الحكومة.

والآن تصوّروا أنَّ جميع المدارس والجامعات في عصرنا الحاضر هي تحت سلطة حكومة علمانية أو أنّها لاتعير أهميّة للقيم الدينية ، وأنَّ وسائل الاعلام كالراديو والتلفزيون والصُّحف تُدار أيضاً من قِبَل نفس النظام ، ثم سعينا عن طريق النصائح والإرشادات أو على الأكثر الاستفادة من المساجد والمنابر لتعليم الناس أهداف ومبادىء الأنبياء والتعليم والتربية الدينية ، فإننا حتماً لن نصل إلى أيّ مردود ، بل ستبقى أنواره ضعيفة في قلوب بعض الاتقياء وهم أقلية ، ولكن متى ما تشكّلت حكومة تبني أساسها على الإيمان والتوحيد والاعتقاد بالله وتؤمن بالمقدّسات وتأخذ أمر هذه المراكز الحساسة على عاتقها ، فإنّ الأمر حينئذٍ سيختلف تماماً.

وبالنسبة إلى موضوع (العدالة الاجتماعية) و (قيام الناس بالقسط) وهما الهدف الآخر فإنّ الأمر يبقى هو هو ، إذ كيف يمكن إقامة القسط والعدل مع وجود حكومة ظالمة تفتقدُ إلى الإيمان والدين أو عميلة ومرتبطة بالاستكبار والاستعمار؟

وباختصار ، فإنّ أيّاً من الأهداف التي جاء من أجلها الأنبياء لا يمكن تحقيق الجزء الأعظم منها إلّابوجود الحكومة ، ولذا نرى أنَّ الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن ليتمكّن من الوصول إلى الأهداف الإسلامية السامية إلّابعد أن قام بتشكيل الحكومة ، وكذلك الحال مع الأنبياء الآخرين الذين استطاعوا التوصل إلى التوفيق المنقطع النظير بعد أن قاموا بتكوين الحكومة ، بينما ظَلَّ أولئك الأنبياء الذين لم يحققّوا نجاحاً في تشكيل الحكومة مضطهدين من قِبَلِ الطبقات الفاسدة في مجتمعهم.

٢٠