الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-152-1
ISBN الدورة:
الصفحات: ٦٢٩
على الترك ، وليس ذلك مقتضى تمحيض الطّلب ، فإذن الصّيغة لتمحيض الطلب ، والوجوب مستدرك من القرائن. (١)
وقال قوم : إنّها حقيقة تفيد النّدب ، وبه قال جماعة من المتكلّمين والفقهاء ، وهو منقول عن الشّافعي أيضا ، ونقله قوم عن أبي هاشم.
ونقل أبو الحسين البصري عنه أنّها تقتضي الإرادة ، فإذا قال القائل لغيره : «افعل» أفاد ذلك أنّه مريد منه الفعل ، فإن كان القائل حكيما ، وجب كون الفعل على صفة زائدة على حسنه يستحقّ لأجلها المدح ، إذا كان المقول له في دار التكليف ، واحتمل الوجوب والنّدب ، فإذا لم يدلّ دليل على الوجوب وجب نفيه ، والاقتصار على المتحقّق وهو الندب. (٢)
وربّما قال قوم : إنّه يفيد الإيجاب والفرق بين الإيجاب والوجوب : أنّ الإيجاب دلالة الأمر على أنّ الامر أوجب الفعل المأمور به ، والوجوب دلالة الأمر على أنّ المأمور به له صفة الوجوب ، والخلاف في ذلك بين الأشاعرة والمعتزلة.
وقال السيد المرتضى : إنّه مشترك بين الوجوب والندب من حيث اللّغة ، لكن العرف الشّرعي نقله إلى الوجوب. (٣)
وقال قوم : إنّه مشترك بين الوجوب والندب مطلقا.
وآخرون قالوا : إنّه حقيقة في القدر المشترك بينهما وهو الترجيح مطلقا ،
__________________
(١) البرهان في أصول الفقه : ١ / ١٦٢ ـ ١٦٣.
(٢) المعتمد في أصول الفقه : ١ / ٥١.
(٣) الذريعة إلى أصول الشريعة : ١ / ٥٣.
ويقرب (١) مذهب هؤلاء من مذهب القائل بالنّدب.
وتوقّف أبو الحسين الأشعري (٢) وجماعة من أصحابه كالقاضي أبي بكر (٣) والغزالي (٤) وغيرهما.
والوجه عندي : أنّها من حيث اللّغة موضوعة للطّلب مطلقا ، ومن حيث الشّرع للوجوب.
أمّا الأوّل فلوجوه :
الأوّل : الطّلب معنى تشدّ الحاجة إلى التعبير عنه ، فوجب أن يوضع له لفظ يدلّ عليه ، وهو لفظة «افعل» ، إذ لا لفظة له سواها.
الثاني : الطّلب من حيث هو جنس للمانع من النقيض وعدمه ، وكلّ واحد منهما فصل له ، ولا يوجد إلّا في أنواعه.
واللفظ الدالّ عليه مع اقترانه بأحد الفصلين هو «افعل» ، وكذا مع اقترانه بالفصل الآخر ، من غير أولويّة لأحدهما في إطلاقه عليه ، فوجب أن يكون حقيقة فيه.
الثالث : صيغة «افعل» قد استعملت تارة في الوجوب ، وأخرى في
__________________
(١) في «أ» و «ب» : ويعرف.
(٢) هو علي بن إسماعيل من أهل البصرة ، كان معتزليّا تربى في بيت أبي علي الجبائيّ وتتلمذ عليه ، وتاب من ذلك بعد أن أقام على عقيدتهم أربعين سنة ، وأصبح رئيسا لطائفة تنسب إليه ، مات سنة ٣٢٤ ه. لاحظ وفيات الأعيان : ١ / ٤٦٤.
(٣) التقريب والإرشاد الصغير : ٢ / ٢٧ و ٣٥.
(٤) المستصفى من علم الأصول : ٢ / ٧٠.
الندب ، والاشتراك والمجاز على خلاف الأصل ، فوجب جعله حقيقة في القدر المشترك بينهما.
الرابع : قال أهل اللغة : لا فرق بين الأمر والسؤال إلّا من حيث الرّتبة ، وذلك يقتضي اشتراكهما في جميع الصفات سوى الرّتبة ، فكما أنّ السؤال لا يدلّ على الإيجاب بل مطلق الطّلب ، فكذا الأمر.
وأمّا الثاني فلوجوه :
الأوّل : قوله تعالى لإبليس : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ)(١) وليس استفهاما ، فهو ذمّ ، كما يقول السيّد لعبده : ما منعك من الفعل وقد أمرتك ، إذا لم يكن مستفهما.
ولو لم يكن للوجوب امتنع الذّمّ ، ولكان لإبليس أن يقول : إنّك لم توجبه عليّ فلي الترك.
لا يقال : لعلّ الأمر في تلك اللّغة يفيد الوجوب ، فلم قلت : إنّه في هذه اللغة كذلك؟
لأنّا نقول : ظاهر الآية يقتضي ترتّب الذّمّ على مخالفة الأمر من حيث هو ، فتخصيصه بأمر خاصّ خلاف الظّاهر (٢).
وفيه نظر أمّا أوّلا : فلأنّه حكاية حال ، وسيأتي بيان عدم عمومها.
وأمّا ثانيا : فلأنّ الذّمّ وقع على المخالفة مع الاستكبار والافتخار.
__________________
(١) الأعراف : ١٢.
(٢) هذا الاستدلال مذكور في المحصول للرازي : ١ / ٢٠٥.
ولأنّ سياق الآية يفهم منها وجوب السّجود.
وأمّا ثالثا ، فللمنع من كون قوله تعالى : (ما مَنَعَكَ) صيغة ذمّ ، نعم هو لوم يحسن عقيب ترك المأمور مطلقا.
الثاني : قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ)(١) ذمّهم على الترك عند مطلق الأمر ، ولو لم يكن للوجوب قبح الذّم ، كما يقبح لو قال : الأولى لكم الفعل.
لا يقال : الذمّ إنّما هو على عدم اعتقاد حقيقة الأمر ، لقوله (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ)(٢).
ولأنّ صيغة «افعل» قد تفيد الوجوب لقرينة ، فلعلّ ذلك الأمر وجدت معه القرينة.
لأنّا نقول : إن كان المكذّب هو التارك (٣) لمّا قيل لهم : اركعوا ، جاز استحقاقهم للذّمّ من حيث الترك للركوع ، والويل من حيث التكذيب ، لأنّ الكافر مخاطب عندنا بالفروع.
وإن كان غيره ، لم يتناف ذمّ مأمور بترك ما أمر به ، وإثبات الويل لآخر بسبب تكذيبه ، والقرينة منتفية ، فإنّ الذمّ بمجرّد أنّهم تركوا الرّكوع عقيب الأمر (٤).
__________________
(١) المرسلات : ٤٨.
(٢) المرسلات : ٤٧.
(٣) أي تارك الرّكوع.
(٤) هذا الاستدلال مذكور في المحصول للرّازي : ١ / ٢٠٦.
وفيه نظر ، لجواز استحقاق الذّم بسبب ترك النظر والاعتبار في أنّ الأمر الوارد بالرّكوع هل هو للوجوب فيفعلونه ، أو للندب فيتخيّرون فيه ، فإنّ ذلك يدلّ على ترك المبالاة بالتكاليف ، بخلاف قوله : الأولى لكم الفعل.
أو الذّمّ على ترك الركوع عند مطلق الأمر ، سواء كان للوجوب أو النّدب ، وهو ممّا يستحقّ به الذّم.
وأيضا فهو حكاية حال (أو يمنع كونه ذمّا) (١) ، وقد سلف. (٢)
الثالث : إن كان إلزام الأمر ملزما للفعل ، كان الأمر ملزما للفعل ، والمقدّم ثابت ، فالتّالي مثله.
بيان الشرطية : أنّ الأمر إذا لم يكن ملزما للفعل ، كان إلزام الأمر إلزاما لشيء لا يوجب فعل المأمور به ، فوجب ألا يكون ذلك القدر سببا للزوم المأمور به.
وبيان المقدّم ، قوله تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)(٣).
والقضاء الإلزام ، وإذا انتفت الخيرة للمؤمنين في المأمور به إذا ألزم الله ورسوله ، ثبت المقدّم.
والأمر في الآية يراد به المأمور به ، إذ لو أجريناه على ظاهره لصار معنى الآية : أنّه لا خيرة للمكلّف في صفة الله تعالى ، وهو غير مفيد.
__________________
(١) ما بين القوسين يوجد في «ب» و «ج».
(٢) في «ب» سلفا.
(٣) الأحزاب : ٣٦.
وإذا انتفت الخيرة ، بقي إمّا الوجوب أو الحظر.
والثاني باطل بالإجماع ، فتعيّن الوجوب.
والحاصل أنّ المراد من قوله : قضى «ألزم» ومن قوله : أمرا «مأمور به» وما لا خيرة فيه من المأمور أن يكون واجبا.
لا يقال : القضاء : الإلزام ، والأمر قد يرد بمعنى الشيء ، فمعنى الآية : إذا ألزم الله ورسوله شيئا فلا خيرة.
ونحن نقول به ، فإنّ الله تعالى إذا ألزمنا شيئا كان واجبا علينا ، لكن البحث في أنّه إذا أمر بشيء فقد ألزمنا ، وهو ممنوع.
لأنّا نقول : الأمر حقيقة في القول المخصوص لا في الشيء ، دفعا للاشتراك ، وحينئذ إذا ألزم الله أمرا وهو بأن يوجّهه على المكلّف لزمه وإن كره.
وإلزام الأمر غير إلزام المأمور به ، فإنّ الحاكم إذا حكم بإباحة شيء ، فقد ثبت إلزام الحكم دون المحكوم به ، فكذا هنا ، وإلزام الأمر عبارة عن توجيهه على المكلف.
ثمّ ، الأمر إن لم يقتض الوجوب لم يكن إلزام الأمر إلزاما للمأمور به ، وإن كان مقتضيا للوجوب فهو الّذي قلناه (١).
وفيه نظر ، لأنّا مع تسليم أنّ الأمر حقيقة في القول لا يلزم ما ذكروه ، لأنّ معنى الآية : أنّه تعالى إذا ألزم أمرا كان واجبا ، ونحن نقول به ، وإنّما يتمّ مطلوبهم لو كان معنى «قضى» «أمر».
__________________
(١) الدليل مذكور في المحصول للرازي : ١ / ٢٠٨.
واعترض أيضا : بأنّ سبق الذّهن إلى إيجاد الأمرين يوجب حمل الأوّل على الشيء وإن كان مجازا فيه. (١)
الرابع : تارك ما أمر الله تعالى ورسوله مخالف لذلك الأمر ، وكلّ مخالف لذلك الأمر يستحقّ العقاب.
أمّا الأولى ، فلأنّ موافقة الأمر هي الإتيان بمقتضاه ، فالضدّ وهو المخالفة عبارة عن الإخلال بمقتضاه.
وأمّا الثانية ، فلقوله تعالى : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)(٢).
أمر مخالف الأمر بالحذر عن العقاب ، وإنّما يحسن بعد قيام المقتضي لنزول العذاب ، (٣) وهو معنى قولنا : الأمر للوجوب.
لا يقال نمنع تفسير الموافقة بما قلتم ، بل الإتيان بما يقتضيه الأمر على الوجه الّذي يقتضيه ، إذ لو اقتضى الأمر الندب ، وأتى به على سبيل الوجوب ، كان مخالفا.
أو بالاعتراف (٤) بحقيّة ذلك الأمر ، وأنّه واجب القبول ، ومخالفته إنكار ذلك.
__________________
(١) نقله العجليّ الأصفهاني عن بعض المتأخّرين. لاحظ الكاشف عن المحصول في علم الأصول : ٣ / ١٤٤.
(٢) النور : ٦٣.
(٣) في «ب» و «ج» : لنزول العقاب.
(٤) عطف على قوله «بل الإتيان بما يقتضيه».
سلّمنا ، لكن لو كان مخالفة الأمر ترك المأمور به ، لكان ترك المندوب مخالفة أمره تعالى ، وذلك وصف ذمّ.
سلّمنا ، لكن لا نسلّم أنّ مخالف الأمر يستحقّ العقاب.
والآية لا تدلّ على أمر من يكون مخالفا للأمر بالحذر ، بل على الأمر بالحذر عن مخالف الأمر.
سلّمنا ، لكنّها دالّة على أنّ المخالف عن الأمر يلزمه الحذر.
فلم قلت : إنّ مخالف الأمر يلزمه الحذر؟
ولا نسلّم أنّ لفظة «عن» صلة زائدة ، لأنّ الأصل في الكلام الحقيقة ، خصوصا في كلامه تعالى.
سلّمنا أنّ مخالف الأمر مأمور بالحذر عن العقاب ، فلم قلت : إنّه يجب عليه الحذر؟ وإنّما يلزم لو كان الأمر للوجوب ، وفيه النزاع.
ولا ينفع الاعتذار (١) بحسن الحذر الملزوم لقيام المقتضي لنزول العقاب ، للمنع من اشتراط قيام المقتضي للعقاب في حسن الحذر ، فإنّ الحذر يحسن عند احتمال العقاب ، والاحتمال هنا قائم.
سلّمنا ، (٢) لكن نمنع العموم ، لأنّ قوله «عن أمره» يفيد أمرا واحدا ، وهو مسلّم.
لأنّا نقول : العبد إذا امتثل أمر السّيد حسن أن يقال : إنّه موافق للسيّد ، وإذا لم يمتثل قيل : إنّه خالفه وما وافقه.
__________________
(١) في «ب» و «ج» : الإعذار.
(٢) أي سلّمنا دلالة الآية على قيام ما يقتضي نزول العذاب.
وما ذكرتموه فيه تسليم أنّ موافقة الأمر إنّما تحصل عند الإتيان بمقتضاه ، ومقتضى الأمر هو الفعل و «افعل» لا يدلّ إلّا على اقتضاء الفعل ، فإذا لم يوجد الفعل لم يوجد مقتضاه ، فلم توجد الموافقة ، فتحصل المخالفة ، لانتفاء الواسطة.
واعتقاد حقّيّته ليس موافقة الأمر ، بل موافقة الدّليل الدّال على أنّ ذلك الأمر حقّ ، فإنّ موافقة الشيء عبارة عمّا يستلزم تقرير مقتضاه.
فالاعتراف بحقّيّة الأمر بعد قيام الدّليل الدال على حقّيّته ، يكون ملزما تقرير مقتضى ذلك الدّليل.
والأمر لمّا اقتضى دخول الفعل في الوجود ، فموافقته عبارة عمّا تقرّر دخوله في الوجود ، وإدخاله فيه يقرّر دخوله [في الوجود] فموافقة الأمر فعل مقتضاه.
ونمنع كون المندوب مأمورا به ، (١) فإنّه نفس النزاع.
[قوله] ويجوز أن يكون قوله «فليحذر» أمرا بالحذر عن المخالف ، لا أمرا للمخالف بالحذر.
مدفوع ، لاتّفاق النّحاة على أنّ تعلّق الفعل بفاعله أقوى من تعلّقه بمفعوله ، فلو جعلناه أمرا للمخالف بالحذر ، لأسندناه إلى فاعله ، ولو جعلناه أمرا بالحذر عن المخالف ، لم يتعيّن المأمور به ، لأنّ الّذين يتسلّلون لواذا ، ليس
__________________
(١) في «ب» : ونمنع كون المقصود للمندوب مأمورا به.
المأمور ، لأنّهم الّذين خالفوه ، فلو أمروا بالحذر عن المخالف ، لأمروا بالحذر عن أنفسهم.
وأيضا ، لو جعلناه أمرا بالحذر عن المخالف ، لصار هكذا : فليحذر المتسلّلون لواذا عن الذين يخالفون [أمره] ، فيبقى قوله : «أن يصيبهم» ضائعا ، إذ لا يتعدّى الحذر إلى مفعولين.
قوله : الآية تدلّ على وجوب الحذر عمّن يخالف عن الأمر ، لا عمّن يخالف الأمر.
قلنا : كلمة «عن» للمجاوزة ، فلمّا كانت مخالفة أمر الله تعالى بعدا عن أمره تعالى ، ذكره بلفظة «عن».
ولا ندّعي وجوب الحذر ، بل جوازه المشروط بالمقتضي لوقوعه ، وإلّا لكان عبثا.
والعموم ثابت ، (١) لاستثناء كلّ واحد من المخالفات.
ولأنّه رتّب استحقاق العقاب على المخالفة ، فيشعر بالعلّيّة.
ولأنّ استحقاق العقاب في البعض لعدم المبالاة ، وهو يناسب الزجر ، فيثبت في الجميع.
الخامس : تارك المأمور به عاص ، فيستحقّ العقاب.
أمّا الصغرى ، فلقوله تعالى : (أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي)(٢)(وَلا أَعْصِي لَكَ
__________________
(١) استدلّ على أنّ مخالف كلّ أمر يستحقّ العقاب بوجوه ثلاثة ، جاء كلّ في مقطع خاصّ ، فلاحظ.
(٢) طه : ٩٣.
أَمْراً)(١)(لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ)(٢).
وأمّا الكبرى ، فلقوله : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ)(٣).
لا يقال : نمنع الصغرى لقوله : (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ)(٤) فإنّ العصيان لو كان هو الترك ، كان تكريرا.
وللإجماع على أنّ الأمر قد يكون للاستحباب ، فيكون تارك المندوب عاصيا.
سلّمنا ، (٥) لكن لا مطلقا ، بل في أمر الوجوب ، فإنّ قوله : (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ) حكاية حال يكفي فيه الواحد ، فجاز أن يكون في الواجب.
سلّمنا ، (٦) لكنّ العاصي إنّما يستحقّ العقاب المقترن بالخلود مع الكفر ، لا مطلقا.
لأنّا نقول : لا تكرير ، إذ الأوّل سيق لنفي الماضي ، والثاني لنفي المستقبل.
ونمنع كون المندوب مأمورا به حقيقة ، بل مجازا ، لكون الاستحباب لازما للوجوب (٧).
وكون الصّيغة للوجوب ، محافظة على عموم (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ
__________________
(١) الكهف : ٦٩.
(٢) التحريم : ٩.
(٣) الجنّ : ٢٣.
(٤) التحريم : ٩.
(٥) أي سلّمنا أنّ المعصية عبارة عن ترك المأمور به.
(٦) أي سلّمنا انّ تارك المأمور به عاص مطلقا.
(٧) في «أ» و «ب» : لازم الوجوب.
وَرَسُولَهُ)(١) أولى من القول بأنّ المستحبّ مأمور به ، محافظة على صيغ الأوامر الواردة في المندوبات ، للاحتياط (٢).
ولأنّ حمله على الوجوب يدخل فيه أصل الترجيح ، فيكون لازما للمقتضي ، فجاز جعله حينئذ مجازا في الأصل الترجيح.
ولو جعل لأصل الترجيح لم يبق الوجوب لازما ، فلم يمكن جعله مجازا عن الوجوب ، وكان الأوّل أولى.
والله تعالى رتّب اسم المعصية على مخالفة الأمر ، فيكون المقتضي لاستحقاق هذا اللفظ هذا المعنى ، فيعمّ الاسم لعموم ما يقتضي استحقاقه.
والخلود يطلق على اللّبث الطويل لا الدّائم (٣).
وفيه نظر ، فإنّ العصيان إنّما يفهم منه عرفا مخالفة الأمر المفيد للوجوب ، لا الشامل له وللندب ، إذ لولاه لكذبت الكبرى ، فإنّ العقاب إنّما يستحقّ مع العصيان في الواجب قطعا.
وصرف الأوّل إلى الماضي ممنوع ، لأنّها حقيقة في المستقبل ، وليس ذلك أولى من أن يقال : لا يعصون في أمر الواجب ، إذ هو المفهوم من العصيان كما تقدّم ، «ويفعلون ما يؤمرون» من المندوبات.
والاحتياط ممنوع ، إذ إيقاع المندوب على سبيل الوجوب وجه قبح ، فلا يقع مطلوبا للشّارع.
__________________
(١) الجنّ : ٢٣.
(٢) تعليل لقوله : «أولى من القول بأنّ المستحبّ مأمور به ...».
(٣) تفسير الخلود باللبث الطويل نظريّة الرازي في المحصول : ١ / ٢١٦.
ولا ينحصر وجه التجوّز في التّلازم ، فقد يتجوّز بأحد الضدّين عن الآخر ، بل العلاقة وهي موجودة بين الواجب والندب من حيث التقابل ، أو بين الواجب وأصل الترجيح من حيث الكل والجزء.
ولا نسلّم أنّ المعصية مرتّبة على مخالفة مطلق الأمر ، بل الّذي للوجوب ، وقد تقدّم.
وللدليل تقرير آخر ، وهو أنّ تارك المأمور به عاص ، لأنّ بناء العصيان على الامتناع ، ومنه سمّيت العصا ، للامتناع ، والجماعة عصا ، لمنع اجتماعهم ، والكلام مستعص أي ممتنع حفظه.
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لو لا أنّا نعصي الله لما عصانا» (١) أي لم يمتنع من إجابتنا.
فإذا كان لفظ «افعل» يقتضي الفعل ، كان الامتناع عنه عصيانا ، فيكون الأمر للوجوب ، لأنّ الإنسان إنّما يكون عاصيا للأمر وللامر إذا أقدم على ما يمنع الامر منه ، فإنّه تعالى لو أوجب علينا فعلا ولم نفعله كنّا عصيناه ، بخلاف ما لو ندب.
ولأنّ العاصي للقول مقدّم على مخالفته ، والمخالفة إمّا بالإقدام على ما يمنع منه الامر ، أو قد تثبت بما لا يتعرّض له الأمر بمنع ولا إيجاب.
والثاني باطل ، وإلّا لكنّا عصيناه بالصدقة اليوم إذ أمرنا بالصلاة غدا ، فيتعيّن الأوّل ، وإذا كان تارك ما أمر به عاصيا للأمر ، والعاصي للأمر هو المقدم على مخالفة مقتضاه ، والمقدم على مخالفة مقتضاه ، مقدم على ما يحظره الامر ، ثبت أنّ تارك المأمور به يحظره الامر ، وهو معنى الوجوب (٢).
__________________
(١) نقله ابن الأثير في نهايته : ٣ / ٢٥١ ، وابن منظور في لسان العرب : ٩ / ٢٥١ (مادّة عصى).
(٢) الاستدلال مذكور في المحصول للرازي : ١ / ٢١٧.
وفيه نظر إذ العصيان ليس مطلق الترك ، وإلّا لكان تارك المباح عاصيا ، من حيث امتنع عن فعله ، بل تارك المحرّم ، وهو باطل بالعرف إجماعا.
وكذا تارك المندوب لا يكون عاصيا عرفا ، بل العاصي في العرف هو التارك لما أوجبه الأمر.
والاستدلال بالاشتقاق ، قد عرفت ضعفه.
السادس : دعا صلىاللهعليهوآلهوسلم أبا سعيد الخدري (١) وهو في الصّلاة فلم يجبه ، فقال عليهالسلام : ما منعك ألا تستجيب ، وقد سمعت قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ)؟ (٢). (٣)
ذمّه على ترك الاستجابة عند مجرّد الأمر ، ولو لا أنّه للوجوب ، لما صحّ ذلك.
لا يقال : لا يصحّ الاستدلال بخبر الواحد في العلميّات.
وأيضا نمنع ذمّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم له ، بل أراد بيان مخالفة دعائه لدعاء غيره.
لأنّا نقول : بل المسألة ظنيّة فيكتفى فيها بالظنّ ، وهي وإن لم يكن عملية (٤) إلّا أنّها ذريعة إلى العمل ، إذ لا فرق بين حصول ظنّ الحكم وحصول
__________________
(١) سعد بن مالك بن سنان الأنصاري ، أبو سعيد الخدريّ المتوفّى سنة ٧٤ ه. لاحظ طبقات الفقهاء : ١ / ١١٥ ، برقم ٣٣.
(٢) الأنفال : ٢٤.
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه : ٥ / ٢٠ كتاب التفسير ، باب ما جاء في فاتحة الكتاب ؛ وأبو داود في سننه : ٢ / ٧١ ، رقم الحديث ١٤٥٨ ولكن الحديث في المصادر ينتهي إلى أبي سعيد بن المعلّى فلاحظ.
(٤) في «أ» : علميّة.
سببه ، في جواز التمسّك بهما في العمليّات (١).
وإذا لم يكن الأمر للوجوب ، والمانع من الكلام وهو الصّلاة : فلم لم يجز من الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم السؤال عن المانع؟ فالسؤال إنّما يصحّ لو كان (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ) للوجوب.
ولأنّ ظاهر الكلام ، يقتضي اللّوم ، وهو في معنى الإخبار عن نفي العذر ، وذلك إنّما يكون إذا كان الأمر للوجوب. (٢)
وفيه نظر ، لأنّه حكاية حال ، فجاز أن يكون ذلك الدّعاء واجبا ، فلهذا لامه على ترك الاستجابة.
سلّمنا ، لكن قوله : (اسْتَجِيبُوا) أمر إيجاب ، لا من حيث إنّ الأمر موضوع له ، بل باعتبار أنّ وجوب إجابة النداء تعظيما لله تعالى ورسوله ، ونفيا للإهانة بالإعراض عنه ، لما فيه من نقصه في النفس ، وإفضاء ذلك إلى الإخلال بمقصود البعثة.
السابع : قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لو لا أن أشقّ على أمّتي لأمرتهم بالسواك عند كلّ صلاة» (٣).
نفى الأمر ، مع ثبوت الندبيّة بالإجماع ، فلا يكون المندوب مأمورا به.
لا يقال : يجوز أن يريد «لأمرتهم على وجه الوجوب» ونحن نجوّز ورود الأمر كذلك.
__________________
(١) في «أ» و «ج» : «العلميّات» والأصحّ ما في المتن ، إذ لا تنتظم العبارة إلّا بما في المتن.
(٢) الاستدلال مذكور في المحصول للرازي : ١ / ٢١٨.
(٣) جامع الأصول لابن الأثير : ٧ / ١٧٤ ـ ١٧٥ ، رقم الحديث ٥١٧١ ـ ٥١٧٢ ـ الفرع الثاني من سنن الوضوء ـ ؛ وعوالي اللئالي : ٢ / ٢١.
لأنّا نقول : كلمة «لو لا» دخلت على مطلق الأمر ، فلا يكون حاصلا. (١)
وفيه نظر لاحتمال أن يكون «لأمرتهم» مجازا في «ألزمتهم» ، لما بينهما من المناسبة والعلاقة الّتي بين العامّ والخاصّ ، خصوصا مع قرينة ثبوت المشقّة والندبيّة.
وليس حمل هذا على الحقيقة ، وحمل أوامر الندب على المجاز ، أولى من العكس ، بل ما قلناه أولى ، لأنّه تجوّز في هذا اللفظ الواحد ، والمندوب كثير.
الثامن : قال عليهالسلام لبريرة (٢) ، وقد عتقت تحت عبد وكرهته : «راجعيه» ، فقالت : أتأمرني بذلك؟ فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا إنّما أنا شفيع ، فقالت : لا حاجة لي فيه (٣).
نفى الأمر مع ثبوت الشفاعة الدّالة على الندبيّة ، ونفي الأمر مع ثبوت الندبيّة ، يقتضي أنّ المندوب غير مأمور به ، وعقلت أنّه لو كان أمرا لكان واجبا ، والنبيّ صلىاللهعليهوآله قرّرها عليه (٤).
وفيه نظر لأنّ قولها : «أتأمرني» أرادت به أمر الإيجاب ، للعلم باستحباب قبول شفاعته صلىاللهعليهوآله لا مطلق الأمر.
__________________
(١) الإشكال والجواب مذكوران في المحصول للرازي : ١ / ٢١٩ فلاحظ.
(٢) انظر ترجمتها في أسد الغابة : ٥ / ٤٠٩ ؛ وتهذيب التهذيب : ١٢ / ٤٠٣ ، رقم ٢٧٤١.
(٣) في رواية أبي داود في سننه : ٢ / ٢٧٠ ، رقم الحديث ٢٢٣١ : إنّ مغيثا كان عبدا ، فعتقت بريرة تحته فقال : يا رسول الله اشفع إليها ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا بريرة اتّقي الله فإنّه زوجك وأبو ولدك ، فقالت : يا رسول الله تأمرني بذلك؟ قال : لا ، إنّما أنا شافع. ولاحظ الجامع للأصول لابن الأثير : ٧ / ٦١٩ رقم الحديث ٥٧٨١ ـ الفصل السادس في طلاق العبد والأمة ـ.
(٤) الاستدلال مذكور في الإحكام للآمدي : ١ / ٢٩٣ ؛ والمحصول للرازي : ١ / ٢١٩.
وقيل (١) أيضا : إنّما سألت عن الأمر ، طلبا للثواب بطاعته ، والثواب والطاعة قد يكون بفعل المندوب ، وليس في ذلك ما يدلّ على أنّها فهمت من الأمر الوجوب ، فحيث لم يكن أمرا لمصلحة أخرويّة لا بجهة الوجوب ، ولا الندب ، قالت : لا حاجة لي فيه.
قوله (٢) : إجابة الشّفاعة مندوب إليها ، فإذا لم يكن مأمورا بها ، تعيّن أن يكون الأمر للوجوب.
قلنا : إذا سلّم أنّ الشفاعة في خبر بريرة غير مأمور بإجابتها ، فلا نسلّم أنّها كانت في تلك الصّورة مندوبة ، ضرورة أنّ المندوب عندنا مأمور به.
التاسع : تمسّك الصحابة بالأمر على الوجوب ، ولم يظهر من أحد [منهم] إنكاره ، فكان إجماعا.
أمّا المقدّمة الأولى : فلأنّهم تمسّكوا في إيجاب الجزية على المجوس بما روى عبد الرّحمن (٣) أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب» (٤).
وأوجبوا غسل الإناء من ولوغ الكلب بالأمر به ، وإعادة الصلاة المنسيّة عند الذكر بقوله «فليقضها إذا ذكرها».
وأمّا عدم الإنكار ، فلأنّه لو كان لنقل.
__________________
(١) القائل هو أبو الحسن الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام : ١ / ٢٩٥.
(٢) في الإحكام للآمدي : فإن قيل :
(٣) هو عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري ، أحد السّتة أهل الشورى ، توفّي سنة ٣١ ه بالمدينة ، انظر ترجمته في اسد الغابة : ٣ / ٣١٣.
(٤) عوالي اللئالي : ٢ / ٩٩ ؛ وسائل الشيعة : ١١ / ٩٧ ، الباب ٤٩ من أبواب جهاد العدوّ ، الحديث ٥ و ٩ وأخرجه البيهقي في سننه : ٩ / ١٨٩ ـ ١٩٠.
لا يقال : كما اعتقدوا الوجوب عند هذه الأوامر ، كذا لم يعتقدوه عند غيرها [نحو] (وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ)(١).
(فَكاتِبُوهُمْ)(٢).
(فَانْكِحُوا)(٣).
(فَاصْطادُوا)(٤) وغير ذلك.
وليس القول بعدم اعتقاد الوجوب في هذه الصور ، لدليل منفصل ، بأولى من القول باعتقاد الوجوب فيما ذكرتم ، لدليل منفصل.
لأنّا نقول : لو لم يكن الأمر للوجوب لم يفده في صورة البتّة ، فكان دليلهم على أخذ الجزية وما عداه ، غير الأخبار ، فكان يشتهر المأخذ ، وحيث لم يشتهر ، لم يكن ثابتا.
أمّا لو قلنا : بأنّه للوجوب ، لم يلزم من عدمه في بعض الأوامر ألا يفيد الوجوب ، لاحتمال تخلّف الحكم لمانع (٥)
وفيه نظر ، لأنّه حكاية حال فلا يعمّ ، وحينئذ يحتمل أنّهم فهموا في تلك الأوامر الوجوب ، لأجل قرائن اختصّت بها ، وهي ظاهرة ، فإنّ الجزية بنصّ القرآن ، أقصى ما في الباب اشتباه أنّهم من أهل الكتاب.
وقد ثبت أنّ الكلب نجس العين ، فافتقر ما يلاقيه إلى الغسل.
__________________
(١) البقرة : ٢٨٢.
(٢) النور : ٣٣.
(٣) النساء : ٣.
(٤) المائدة : ٢.
(٥) الإشكال والجواب مذكوران في المحصول للرازي ، لاحظ : ١ / ٢٢٠.
والأمر بالصلاة أمر بقضائها ، لأنّ الطّلب متحقّق ، وفواته في أحد الوقتين لا يستلزم فواته مطلقا.
العاشر : لفظة «افعل» (١) إمّا حقيقة في الوجوب فقط ، فهو المطلوب ، أو الندب فقط ، وهو باطل ، وإلّا لم يكن الواجب مأمورا به ، لأنّه راجح مانع من النقيض ، وهو مخالف لما يجوز معه النّقيض.
ولا ينعكس ، فإنّا نسلّم أنّ المندوب غير مأمور به ، وهو مذهب جماعة كثيرة ، ولا يمكن أن يقال : الواجب غير مأمور به.
أو فيهما معا (٢) إمّا بالتواطؤ ، فلا يمكن جعله مجازا في الواجب ، لأنّه أخصّ ، فلا يكون لازما ، بخلاف العكس ، وهو جعله حقيقة في الوجوب ، فإنّه يمكن جعله مجازا في أصل الترجيح.
أو بالاشتراك اللّفظي ، وهو خلاف الأصل.
أو لا في شيء منهما (٣) ، وهو خلاف الإجماع (٤).
وفيه نظر ، فإنّ كونه حقيقة في الندب لا يمنع من استعماله في الواجب على سبيل المجاز.
سلّمنا ، فلم لا يكون حقيقة في القدر المشترك؟.
__________________
(١) ذكر أنّ في لفظة «افعل» احتمالات أربعة : كونه حقيقة في الوجوب أو في الندب أو فيهما معا ، أو لا في شيء منهما.
(٢) هذا هو الاحتمال الثالث.
(٣) هذا هو الاحتمال الرابع.
(٤) الاستدلال مذكور في المحصول للرازي : ١ / ٢٢١ ـ ٢٢٢.
قوله : فلا يمكن جعله مجازا في الواجب.
قلنا : ممنوع فإنّ جهات المجاز لا تنحصر في اللّزوم.
سلّمنا ، لكن أيّ حاجة إلى جعله مجازا في الواجب ، فإنّه إذا كان حقيقة في المشترك بينه وبين الندب ، كان تناوله على سبيل الحقيقة.
سلّمنا ، لكن جاز أن يكون حقيقة في كلّ منهما.
قوله : يلزم الاشتراك ، وهو خلاف الأصل.
قلنا : لا شكّ في استعماله فيهما ، فإمّا أن يكون على السّواء أو لا.
فإن كان الأوّل ، ثبت الاشتراك ، إذ هو أولى من النقل.
وإن كان الثاني ، فإمّا أن يكون الغالب هو الندب ، فيكون حقيقة فيه ، وهو المطلوب ، أو الواجب فيلزم مخالفة أصلين :
أحدهما : عدم المجاز.
الثاني : عدم أصالة براءة الذّمة.
ومع الاشتراك يحصل مخالفة أصل واحد فيكون أولى.
سلّمنا ، لكن جاز أن يكون حقيقة في أحدهما.
والإجماع ممنوع ، فإنّ جماعة ذهبوا إلى أنّه للإباحة ، والوجوب والنّدب زيادة.
الحادي عشر : العبد إذا لم يفعل ما أمره مولاه ، ذمّه العقلاء ، وعلّلوا حسن ذمّه بترك المأمور به ، وهو يدلّ على الوجوب.