نهاية الوصول إلى علم الأصول - ج ١

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية الوصول إلى علم الأصول - ج ١

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-152-1
ISBN الدورة:
978-964-357-238-0

الصفحات: ٦٢٩

ولو توقّف الرجحان على المرجّح ، لزم الحسن فلا قبح ، وإن لم يتوقّف جاز أن يخلقه لا لغرض أو لغير تصديق.

ويمنع قبح خلق الموهم للقبح من غير إيجاب ، لأنّ تجويز المكلّف خلق المعجز عقيب الدعوى لا لتصديق ، يمنع من الجزم ، فإن جزم يصير كالمتشابهات.

لأنّا نقول : الضرورة قاضية بأنّه خلقه للتصديق ، كالشاهد ، والمتشابهات قابلة للتأويل ، فلا يقبح ، بخلاف ما يحصل الجزم بالصدق في غير محلّه.

الثالث : لو حسن منه تعالى كلّ شيء ، لما قبح منه الكذب ، وحينئذ لا يبقى الاعتماد على وعده ووعيده ، فتنتفي فائدة التكليف.

والاعتذار باستحالة كذب الكلام الأزليّ ، ممنوع ، ولو سلّم جاز أن تكون هذه الكلمات المسموعة مخالفة لما في نفس الأمر ، فيعود السؤال.

الرابع : أنّه لو لا اختصاص الواجب بما لأجله اتّصف بالوجوب ، كان اتّصافه به ترجيحا من غير مرجّح ، وهو باطل بالضرورة ، وكذا باقي الأحكام والأفعال.

الخامس : نعلم بالضرورة أنّا لو خيّرنا العاقل ، بين الصدق وإعطاء دينار ، وبين الكذب وإعطاء دينار أيضا ، واستوى الصدق والكذب من جميع الوجوه والاعتبارات ، سوى وصفي الصدق والكذب ، فإنّه يختار الصدق على الكذب ، فلو لا أنّ الصدق حسن ، وأنّ الكذب قبيح ، لما اختار الصدق دون الكذب.

السادس : أنّ الحسن والقبح لو لم يعلما قبل الشرع ، لاستحال العلم بهما بالشرع ، لاستحالة ورود الشرع بما لا يعلم ولا يتصوّر.

السابع : أنّا متى علمنا كون الشيء ظلما علمنا قبحه ، ومتى انتفى كونه

١٢١

ظلما انتفى العلم بقبحه ، فليس المقتضي للقبح في الظلم سوى كونه ظلما ، عملا بالدّوران.

الثامن : لو كان الحسن والقبح شرعيّا لما فرق العاقل بين المحسن إليه والمسيء.

التاسع : لو كانا شرعيين لما كان فعل الله تعالى حسنا قبل ورود السمع.

العاشر : لو كانا شرعيّين ، لزم إفحام الأنبياء ، والتالي باطل وكذا المقدّم.

بيان الشرطيّة : أنّ الوجوب حينئذ يكون سمعيّا ، وقبل الشرع لا وجوب ، فإذا أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله المكلّف باتّباعه ، كان له أن يقول له : لا أتّبعك حتّى يجب عليّ ، وإنّما يجب عليّ اتّباعك بالسمع ، والسمع إنّما يثبت بقولك ، وقولك ليس حجّة إلّا بعد معرفة صدقك ، وصدقك إنّما يثبت بالنظر ، وأنا لا أفعل النظر حتّى يجب عليّ ، ولا يجب عليّ إلّا بقولك ، وقولك ليس حجّة ، فينقطع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وأمّا بطلان التالي فظاهر ، لانتفاء فائدة البعثة حينئذ.

الحادي عشر : قال أبو الحسين : ينبغي أن نتكلّم في هذه المسألة في عدّة مواضع :

أحدها : أنّ حسن الحسن وقبح القبيح معلومان.

والثاني : أنّهما معلومان عقلا.

الثالث : أنّ العلم ضروريّ ، أمّا قبح الضرر المحض الّذي لا غرض فيه سوى أنّه ضرر فلا شبهة فيه ، ومعنى «يقبح» أنّه ليس له فعله ، ويستحقّ الذمّ عليه ، فإنّه يقبح منّا تكليف الكتابة من لا يد له ، والمشي من لا رجل له ،

١٢٢

ومؤاخذتهما على ذلك ، واستبطاؤهما ، وتكليف الجماد السعيّ ، وذمّ الغير على ما لا تعلّق له به ، بأن يذمّه على كون الكواكب في السماء ، وحصول المدّ والجزر بالبصرة دون بغداد.

وأمّا استناده إلى العقل ، فلأنّا إذا راجعنا عقولنا وفرضناها خالية عن الشرع ، ونظرنا هل ينتفي العلم بقبح ما ذكرناه كما ينتفي العلم بقبح شرب الخمر ، وبيع درهم بدرهمين؟ فنعلم قطعا انتفاء الثاني دون الأوّل ، فيكون الحاكم به مجرّد العقل.

الثاني عشر : لو كانا شرعيّين ، لجوّزنا من أمّة عظيمة لا تعرف جهة الشرع التمسّك بعقولها ، فلا تفرّق بين من أحسن ومن أساء في استحقاق المدح والذمّ ، كما لا نفرّق بين حركة الإصبع يمنة ويسرة.

ويجوز أن يكون من أساء إليها هو الممدوح ، ومن أحسن هو المذموم ، بل هو أقرب ممّا يعتقده الخصم من أنّ أهل الهند ومن ضارعهم ممّن لا يعتقد الشرائع ، إذا حكم بحسن الحسن وقبح القبيح ، فإنّه لشبهة دخلت عليه ، لكن لو أخبرنا من شاهد أنّه على مثل الاعتقاد الأوّل ، لسارعنا إلى تكذيبه ، فدلّ على أنّ ذلك مقرّر في بداية العقول.

الثالث عشر : حكم أكثر العقلاء بقبح الظلم وحسن الصدق في كلّ زمان ، وفي كلّ صقع ، لا يخلو إمّا أن يكون علما ضروريّا ، أو استدلاليّا ، فيلزم المطلوب ، أو لا يكون علما ، فكان (١) من المحال اتّفاق الأمم العظيمة عليه ، قرنا بعد قرن ، كما لا يجوز أن يجمعوا على قبح شرب الخمر والزنا ، وليسوا أصحاب شريعة.

__________________

(١) في «أ» : وكان.

١٢٣

الرابع عشر : لو علما بالشرع لما علما به ، لجواز تطرّق الكذب وإرادة غير الظاهر عندهم.

واحتجت الأشاعرة بوجوه :

الأوّل : أنّ أفعال العباد إمّا اضطراريّة أو اتّفاقية ، وعلى كلا التقديرين لا قبح.

بيان المقدّمة الأولى : أنّ فاعل القبيح إمّا أن يتمكّن من الترك أو لا يتمكّن ، فإن لم يتمكّن ثبت الاضطرار ، وإن تمكّن ، فإمّا أن يتوقّف رجحان الفعل على الترك على مرجّح أو لا يتوقّف ، فإن كان الثاني ثبت الاتّفاق ، لأنّ القدرة نسبتها إلى الطرفين واحدة ، فإذا حصل الفعل بها في وقت دون آخر من غير مرجّح ، كان ذلك محض الاتّفاق.

وإن توقّف ، فذلك المرجّح إن كان من فعل العبد ، نقلنا الكلام إليه ، وإن كان من غيره ، فعند حصوله إن وجب الفعل ، لزم الاضطرار ، لأنّ الفعل معه واجب ، وقبله ممتنع ، فلا اختيار للعبد.

وإن لم يجب جاز الترك ، فلنفرض وقوعه في وقت وعدمه في آخر ، فاختصاص أحد الوقتين بالوقوع ، والآخر بعدمه ، إن لم يتوقّف على مرجّح ، مع حصول المرجّح الأوّل في الوقتين ، فيكون حصوله اتّفاقيّا ، وإن توقّف على مرجّح ، لم يكن الأوّل مرجّحا تامّا ، وقد فرضناه تامّا ، هذا خلف.

ولأنّ البحث عائد مع انضمام المرجّح الثاني ، فإن وجب الفعل لزم الاضطرار ، وإلّا ثبت الاتّفاق.

ولا ينفع الاعتذار بأنّ القادر يرجّح الفعل على الترك لا لمرجّح ، لأنّ قولك «يرجّح» إن كان له مفهوم زائد على كونه قادرا ، كان ذلك اعترافا بأنّ رجحان

١٢٤

الفاعليّة إنّما يصحّ عند انضمام هذا القيد إلى القادريّة ، وإن لم يكن لم يبق لقولك «القادر يرجّح أحد مقدوريه على الآخر» إلّا أنّ صفة القادريّة مستمرّة في الأزمان كلّها ، ثمّ إنّه لم يوجد الأثر في بعض تلك الأزمنة دون بعض ، من غير أن يرجّحه القادر أو يقصده ، وذلك هو معنى الاتّفاق.

الثاني : انّ العلم بالحسن والقبح إمّا أن يكون ضروريّا أو نظريّا.

والأوّل باطل ، للفرق بين اعتقاد هذه الأمور وكون الواحد نصف الاثنين ، والتفاوت إنّما يكون بتطرّق الاحتمال إلى النقيض ، وهو ينافي كونه ضروريّا ، بل كونه علما.

ولأنّه لو كان ضروريّا ، لاشترك فيه العقلاء كغيرها من الضروريّات.

والتالي باطل ، فكذلك المقدّم ، والتالي باطل ، لعدم القائل به.

الثالث : لو كان الظلم قبيحا لكان القبح إمّا أن يرجع إلى ذاته ، أو إلى صفاته الثبوتيّة ، أو السلبيّة ، أو إلى المجموع ، أو إلى خامس.

والأوّلان باطلان ، وإلّا لزم قبح الحسن ، وكذا الثالث ، لاستحالة تعليل الثبوتي بالعدمي ، والرابع لاستحالة كونه جزءاً من المؤثّر ، والخامس ، لأنّ ذلك الأمر إن كان لازما للظلم ، عاد التقسيم فيه ، وإن لم يكن لازما ، لم يكن القبيح المعلّل لازما.

الرابع : لو قال : لأكذبنّ غدا ، فإمّا أن يجب عليه الكذب أو لا يجب ، وعلى التقديرين يخرج الكذب عن كونه قبيحا.

الخامس : أنّ النبيّ الهارب عند شخص إذا طلبه ظالم ، فإن أخبره به لزم حسن إيقاع الضرر بالنبيّ ، وإن حسن الكذب ، ثبت المطلوب.

السّادس : أنّ تكليف ما لا يطاق واقع ، فينتفي الحسن والقبح.

١٢٥

وبيان الأوّل : أنّ ما علم الله تعالى وقوعه واجب ، وما علم عدمه ممتنع ، وهما غير مقدورين.

ولأنّه تعالى كلّف أبا لهب بالإيمان بجميع ما أخبر به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن جملة ما أخبر به أنّه لا يؤمن ، فيكون مكلّفا بأنّه لا يؤمن بانّه لا يؤمن ، والجمع بينهما محال.

السّابع : لو قبح الكذب لذاته ، لكان المقتضي له إمّا مجرّد اللفظ ، وهو باطل ، وإلّا لقبح حال كونه صدقا ، أو عدم المخبر عنه ، فيكون العدم علّة للثبوتيّ ، أو المجموع ، فيكون العدم جزءاً من المؤثّر ، أو لأمر خارج ، فإن لزم عاد المحذور ، وإلّا لم يلزم القبح.

الثامن : لو كان الكذب قبيحا لذاته ، لكان المقتضي ثبوتيّا ، ضرورة اقتضائه للحكم الثبوتيّ ، فإن كان صفة لمجموع الحروف كان عدميّا ، لاستحالة اجتماع الحروف في الوجود ، وإن كان صفة لبعضها ، كانت أجزاء الخبر الكاذب كاذبة.

التّاسع : لو كان الكذب قبيحا لذاته ، لما اختلف باختلاف الأوضاع ، والتالي باطل ، فالمقدّم مثله.

العاشر : الظلم ضرر غير مستحقّ ، فيكون عدميّا ، لانتفاء جزء له (١) فلا يقوم به القبح الوجودي.

الحادي عشر : قبح الظلم مقدّم عليه ، ولهذا ليس لفاعله أن يفعله ، فليس معلولا له.

__________________

(١) في «ب» : لانتفاء جزئيه.

١٢٦

الثاني عشر : لو كان الحسن والقبح ذاتيّين ، لزم قيام المعنى بالمعنى ، والتالي باطل ، فالمقدّم مثله.

بيان الشرطيّة : أنّ حسن الفعل زائد على مفهوم ، وإلّا لزم من تعقّل الفعل تعقّله ، وهو ثبوتيّ ، لأنّ نقيضه وهو لا حسن عدميّ ، وإلّا استلزم محلّا ثانيا ، وهو عرضيّ للفعل ، وإلّا افتقر في تصوّر الفعل إلى تصوّره ، فيلزم قيام الحسن بالفعل ، وقد تبيّن في علم الكلام امتناع قيام العرض بالعرض.

الثالث عشر : لو قبح الفعل أو حسن لغير الطلب ، أعني الأمر والنهي ، لم يكن تعلّق الطلب لنفس الفعل ، لتوقّفه على أمر زائد ، وهو لازم على الجبائيّة. (١)

الرابع عشر : لو كان الحسن والقبح لذات الفعل أو لصفته ، لم يكن الباري تعالى مختارا في الحكم ، لأنّ الحكم بالمرجوح على خلاف المعقول ، فيجب الراجح ، فلا اختيار.

الخامس عشر : قوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(٢) نفى التعذيب من دون البعثة ، فلا يكون الفعل قبيحا ولا حسنا قبلها.

والجواب عن الأوّل : وهو أقوى شبّههم من حيث النقض ومن حيث المعارضة.

أمّا الأوّل : فنقول : لم لا يجوز ألّا يتمكّن من الترك؟

قوله : «يلزم الاضطرار».

__________________

(١) قال الفاضل القوشجي في شرح تجريد الاعتقاد للطوسي : ٤٤١ : ذهب الجبائيّ إلى نفي الصّفة الحقيقيّة فيهما مطلقا فقال : ليس حسن الأفعال وقبحها بصفات حقيقيّة فيهما ، بل لوجوه اعتباريّة وصفات إضافيّة يختلف بحسب الاعتبارات ، كما في لطمة اليتيم تأديبا وظلما.

(٢) الإسراء : ١٥.

١٢٧

قلنا : ممنوع فإنّ الاضطرار إنّما يتمّ لو لم يكن له اختيار ، أمّا على تقدير صدور الفعل عن الاختيار فلا اضطرار.

ولا منافاة بين وجوب الفعل حالة الاضطرار وإمكانه قبله ، فإنّ القدرة والداعي إذا اجتمعا وجب الفعل ، ولا يؤثّر ذلك في إمكانه.

قوله : «إن تمكّن من الترك ولم يتوقّف الرجحان على مؤثّر لزم الاتّفاق».

قلنا : ممنوع وإنّما يكون الفعل اتّفاقيا لو لم يصدر عن سبب ظاهر ، ونحن نسند الفعل هنا إلى الفاعل ، أقصى ما في الباب أنّ رجحان أحد الطّرفين ليس لأمر زائد على قدرة الفاعل واختياره.

سلّمنا لكن لم لا يرجّح الفعل باشتماله على المصلحة الخالصة أو الراجحة في علم الفاعل أو ظنّه.

سلّمنا لكن لم لا يكفي الرجحان المطلق من غير احتياج إلى رجحان مانع من النقيض ، فإنّ وقوع الممكن حينئذ جائز بخروجه من حدّ التساوي الصّرف ، ولا يلزم الجبر ولا انتفاء القدرة.

وأمّا المعارضة فنقول هذا الدّليل ثابت في حقّه تعالى ، فما هو الجواب عنه فهو جوابنا عن المكلّف.

وعن الثاني : أنّ الضروريّات تتفاوت وكذا النظريّات بوثاقة الاعتقاد وضعفه ، ولا يلزم تطرّق احتمال النقيض إلى أحد الطرفين ، والأصل في ذلك أنّ التصديقات الضروريّة قد تخفى عن كثير من النّاس لخفاء تصوّراتها أو لغير ذلك.

١٢٨

ونحن نمنع التّفاوت في هذه العلوم عند معتقديها ، ولهذا لو شكّ العاقل في قبح تكليف الزّمن الطيران لم يعتوره شكّ ، كما لو شكّ في أنّ الواحد نصف الاثنين.

ولا يلزم اشتراك العقلاء في الضروريّات لما بيّناه من حصول الخفاء في التصوّرات.

وعن الثالث : لم لا يجوز أن يرجع إلى ذاته أو صفاته الثبوتيّة ، ولا يلزم قبح الحسن ، لاختلافهما في الماهيّة.

سلّمنا لكن لم لا يرجع إلى أوصافه السلبيّة.

ونمنع كون القبح ثبوتيّا فإنّ القبيح هو الّذي ليس للعالم به المتمكّن منه أن يفعله.

سلّمنا لكن جاز أن يكون العدميّ جزءاً من المؤثّر ، فإنّ عدم المانع جزء من الفاعل التامّ.

وعن الرابع : أنّه يجب عليه ترك الكذب ، لأنّ قوله : «لأكذبنّ غدا» لا يخلو عن وجه قبح ولو بالعزم والوعد عليه ، فلا يزول قبحه بفعله بل يزداد القبح ، فيجب الامتناع.

قالت العدليّة : الخبر عن المستقبل إذا صدر عن عزم المخبر على أن يفعله ، ثمّ تغيّر عزمه لم يكن كذبا ، لأنّه حين الإخبار كان عازما على الكذب ، وهو إنّما أخبر عن عزمه.

وفيه نظر ، فإنّ المخبر أخبر عن الإتيان بالكذب لا عن عزمه عليه ،

١٢٩

ولهذا لو أخبرنا انّه عزم الآن على الله الكذب في غد ، ثمّ لم يكذب في الغد لم يكن كاذبا في خبره ، بخلاف صورة النزاع.

أو يقال : كلّ من الصّدق والكذب هنا قبيح ، أو نقول : إنّ صدقه حسن وإن استلزم قبيحا ، فإنّه لا يلزم من استلزامه القبيح قبحه ، أو إن استلزم قبحه لكن (١) باعتبار آخر ، كما ذهب إليه الجبائيّان ، من التعليل بالوجوه والاعتبارات.

وعن الخامس : أنّ الحسن التّخليص ، لا الكذب ، وأنّه يمكنه التخليص بالتورية ، أو بالإتيان بصيغة الخبر من غير قصد.

قالوا : لو جاز ذلك لارتفع الوثوق بوعده ووعيده ، وانتفت فائدة البعثة ، لتطرّق هذا الاحتمال فيما يخبره النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وهو ضعيف ، لأنّه متى أدّى ذلك إلى الجهل والإخلال بالمكلّفين ، لم يجز صدوره من الله تعالى ، ولا من رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بخلاف الإنسان.

وعن السادس : بالمنع من التكليف بالمحال ، والعلم حكاية عن المعلوم ، ومتأخّر عنه في الرتبة ، فلا يؤثّر فيه وجوبا ولا غيره ، إذ هو تابع له.

والوجوب الحاصل من العلم ، وجوب لاحق ، إذ لا فرق بين وضع أحد الطّرفين وبين وضع العلم به ، في أنّ كلّ واحد منهما يقتضي وجوبا لاحقا ، إذ العقل قاض بالتطابق بين المعلوم والعلم.

ولأنّ الأصل في هيئة التطابق ، إنّما هو المعلوم ، إذ لو لا تحقّقه على ما هو به ، لما تعلّق به العلم ، وتمام تحقيق ذلك مذكور في كتبنا الكلاميّة.

__________________

(١) كذا في «أ» و «ج» ولكن في «ب» : أو إن استلزم وإن استلزم قبحه ، أو يقول : إنّ صدقه حسن لكن.

١٣٠

ثمّ لو لزم من العلم الوجوب وانتفاء القدرة ، لثبت ذلك في حقّه تعالى ، فانتفى اختياره ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.

وأما تكليف أبي لهب بالإيمان ، فنمنع أنّه أخبر بأنّه لا يؤمن.

وقوله تعالى : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ)(١) إلى آخرها ، لا يدلّ على أنّه لا يؤمن ، ويحتمل وجهين :

أحدهما : أن يكون ما ذكره في هذه السورة إنّما يتناوله بشرط خروجه من الدنيا كافرا ، وإلّا لكانت الآيات المتناولة لوعيد الكفّار ، متناولة لكلّ كافر ، سواء تاب أو لم يتب ، وهو باطل إجماعا.

الثاني : أن تكون هذه السورة نزلت بعد موته ، إذ لو كانت قد نزلت في حياته لقال: وما يغني عنه ماله.

سلّمنا ، لكنّه كلّفه من حيث إنّه كان مختارا ، أو الإخبار بعدم الإيمان لا ينافي القدرة ، كما قلناه في العلم ، فإنّ الإخبار بعدم الإيمان ، إنّما هو من حيث العلم الّذي لا ينافي المكنة.

ثمّ كيف يصحّ القول بالتكليف بالمحال مع قوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها)(٢) إلى غير ذلك من الآيات.

وعن السّابع : المقتضي للقبح هو الخبر المعقول مع عدم المطابقة ، ولا استبعاد في كون العدميّ جزءاً من علّة الأمر الاعتباري.

على أنّا قد بيّنا أنّ القبح أمر عدميّ ، أو نجعله شرطا في القبح ، والشرط لا مدخل له في التأثير.

__________________

(١) المسد : ١.

(٢) البقرة : ٢٨٦.

١٣١

وعن الثامن : بالمنع من كون القبح ثبوتيّا ، على ما مرّ.

سلّمنا ثبوته ، لكن بالوجه الّذي وصفتموه بالخبر ، والكذب نصفه نحن بالقبح.

وعن التاسع : أنّ المختلف باختلاف الأوضاع ، إنّما هو الحروف والأصوات ووضعها للمعاني المختلفة ، أمّا ماهيّة الكذب والقبح فلا يختلفان ، فإنّ الكذب هو الخبر الغير المطابق بأيّ عبارة كان ، والكذب قبيح لكونه كذبا بأي لسان اتّفق.

ويمكن أن يكون قبح الخبر الكاذب مشروطا بالوضع وعدم مطابقته للمخبر عنه ، مع علم المخبر به ، كما كان شرطا في كونه كذبا.

وعن العاشر : ما تقدّم من كون القبح عدميّا.

سلّمناه ، لكن نمنع كون الظلم عدميّا ، بل هو وجوديّ ، فإنّ عدم الاستحقاق جاز أن يكون لازما للظلم ، لا داخلا في ماهيّته.

سلّمنا ، لكن جاز أن يكون الظلم علّة للقبيح ، لما فيه من الأمر الوجوديّ ، والعدم شرطه.

وعن الحادي عشر : بالمنع من تقدّم قبح الظلم عليه ، وإنّما المتقدّم الخبر بكونه قبيحا.

وعن الثاني عشر : بالمنع من كون نقيضه عدميّا ، والاستدلال بصورة النفي على الوجود دور ، لأنّه قد يكون ثبوتيّا ، أو منقسما إلى ثبوتيّ وعدميّ.

سلّمنا ، لكن نمنع امتناع قيام العرض بمثله ، فإنّ أكثر المحقّقين ذهبوا إلى ذلك ، كالسرعة ، والحركة ، والاستقامة ، والخطّ.

١٣٢

سلّمنا ، لكنّه آت في صفة الإمكان.

وعن الثالث عشر : بتسليم الملازمة ، ومنع كذب التّالي ، فإنّ الطلب إنّما يتوجّه إلى الفعل لأجل حسنه.

وعن الرابع عشر : أنّ القدرة لا تزول باعتبار عروض امتناع الصدور ، لأنّ حكمته تقتضي امتناع صدور القبيح عنه.

وعن الخامس عشر : أنّ المراد : وما كنّا معذّبين بالأوامر السمعيّة ، أو يجعل الرسول إشارة إلى العقل.

واعلم أنّ الأشاعرة يلزمهم نفي القبح بالكلّيّة ، لأنّ الواقع مستند إلى قدرته تعالى ، وكلّما يفعل الله تعالى عندهم فهو حسن ، فتكون أنواع الكفر والظلم ، وجميع القبائح الصّادرة عن البشر ، غير قبيحة.

واعتذارهم بأنّ القبح المعلوم عندهم بالضرورة ، إنّما هو القبح بمعنى ملائمة الطبع ومنافرته ، ضعيف ، فإنّ الظالم العاقل يميل طبعه إلى الظلم ، ومع ذلك فإنّه يجد صريح عقله حاكما بقبحه.

وأيضا من خاطب الجماد وأمره ونهاه ، لا ينفر طبعه عنه ، وهو قبيح قطعا.

ومن أنشأ قصيدة حسنة في شتم الأنبياء والملائكة ، وقرأها بصوت طيب حسن ، فإنّه يميل الطبع إليه ، وينفر العقل منه. فعلمنا المغايرة بين نفرتي العقل والطبع.

واعلم أنّه لا يمكن الجزم بشيء من قواعد الإسلام ، ولا بشيء من أحكام الدين ، إلّا بالقول بالحسن والقبح العقليّين.

١٣٣

وكيف يصحّ الجزم من الأشاعرة بصدق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ووعد الله تعالى ووعيده ، مع إمكان الكذب والإضلال من الله تعالى لعبده بخلق المعجز على يد الكذّاب؟

وإنّما طوّلنا الكلام في هذه المسألة لكونها أحد المطالب الجليلة.

وقد جرت عادة الأصوليّين بذكر مسألتين ، تتفرّعان على هذه المسألة.

إحداهما : وجوب شكر المنعم.

والثانية : حكم الأشياء قبل ورود الشرع ، فلنشرع فيهما بعون الله تعالى.

المسألة الأولى : في أنّ شكر المنعم واجب عقلا

اختلف الناس في ذلك ، فأوجبه المعتزلة ، ونفاه الأشاعرة (١).

لنا وجوه :

الأوّل : أنّ الضّرورة قاضية بذلك.

الثاني : أنّه دافع للخوف ودفع الخوف واجب ولا يتمّ إلّا بالشكر ، فيكون الشكر واجبا.

أمّا إنّه دافع للخوف ، فلأنّ العاقل إذا رأى عليه آثار النّعمة خاف من كفرانها.

وأمّا إنّ الشكر دافع له ، فلأنّ الخوف إنّما هو من تركه ، إذ العاقل يعلم انّه إذا شكر النعمة ، وأذعن بها ، واعترف بالإنعام ، أمن من المؤاخذة على ترك ذلك ، ويعلم أيضا بالضّرورة أنّ طريقة الشكر امن من غيره.

__________________

(١) في «ب» و «ج» : خلافا للأشاعرة.

١٣٤

وأمّا دفع الخوف واجب فلقضاء الضرورة به.

وأمّا أنّ ما لا يتمّ الواجب إلّا به ، فهو واجب فسيأتي.

الثالث : انّه إذا تعارض طريقان : أحدهما امن ، والآخر مخوف ، وجب سلوك الامن ، وهنا الشكر طريق امن ، والإعراض مخوف.

الرابع : لو لم يجب شكر المنعم عقلا ، لم تجب المعرفة ، إذ لا فرق بينهما.

ولأنّ المقتضي لوجوب المعرفة ، وجوب الشكر.

والتالي باطل ، وإلّا لزم إفحام الأنبياء عليهم‌السلام ، فإنّهم إذا أظهروا المعجزات ، وقال المكلّف : لا يجب عليّ النظر في المعجزة إلّا بالشرع ، ولا يستقرّ الشرع إلّا بالنظر في معجزتكم ، فينقطع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو باطل بالإجماع.

احتجّت الأشاعرة بالعقل والنقل

أمّا النقل : فقوله تعالى : (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ)(١).

وأمّا العقل : فهو أنّ الشكر إمّا أن يجب فائدة أو لا ، والقسمان باطلان.

أمّا الأوّل ، فلأنّ الفائدة يستحيل عودها إلى الله تعالى ، لأنّه غنيّ ، وإلى غيره ، لأنّها إمّا جلب نفع أو دفع ضرر.

والأوّل باطل ، لعدم وجوبه عقلا ، فكيف يجب المفضي إليه.

__________________

(١) النساء : ١٦٥.

١٣٥

ولأنّه يمكن خلوّ الشكر عن جلب النفع ، فإنّ الشكر لمّا كان واجبا ، لم يكن أداؤه مقتضيا شيئا آخر.

ولأنّه تعالى قادر على إيصال كلّ المنافع بدون الشكر ، فتوسّطه عبث.

والثاني باطل ، لأنّ المضرّة إمّا عاجلة ، وهو باطل ، لأنّ الاشتغال بالشكر ، مضرّة عاجلة ، فلا يكون دافعا لها ، أو اجلة ، وهو باطل ، لأنّ المضرّة الاجلة إنّما يحصل القطع بثبوتها عند عدم الشكر ، لو كان الشكر ليسرّ المشكور ، ويسوؤه الكفر ، أمّا المنزّه عن ذلك فلا ، بل احتمال العقاب على الشكر قائم ، لأنّه تصرّف في ملك الغير بغير إذنه.

ولأنّ العبد ، لو حاول مجازاة مولاه على نعمة ، استحقّ التأديب ، والاشتغال بالشكر ، اشتغال بالمجازاة.

ولأنّ نعم الله تعالى بالنسبة إليه أقلّ من نسبة اللقمة إلى الملك.

ولو أنّ إنسانا شكر الملك على إعطائه إيّاه لقمة في المحافل ، فعل قبيحا واستحقّ التأديب ، فكذا هنا.

ولأنّ الشاكر قد لا يعرف كيفيّة الشكر ، فيأتي بغير اللائق بكماله تعالى ، فيستحقّ العقاب.

وأمّا الثاني ، فلأنّه عبث ، وهو قبيح عقلا.

ولأنّ المعقول من الوجوب ، ترتّب الذّمّ والعقاب على الترك ، فإذا فقد ذلك ، امتنع تحقّق الوجوب.

والجواب عن الأوّل : ما تقدّم من التخصيص بالأوامر الشرعيّة ، أو المجاز في الرسول وهو العقل.

١٣٦

سلّمنا ، لكن نمنع استحالة تحقّق الوجوب بدون العقاب ، فإنّه يكفي فيه استحقاق المدح بفعله ، والذمّ بتركه.

ولأنّ العذاب يجوز إسقاطه بعفو أو شفاعة ، فلا يكون لازما للواجب.

والآية الثانية لا دلالة فيها إلّا على نفي عذر المكلّفين بانقطاع الرّسل.

وعن الثاني : لم لا يجب الشكر بمجرّد كونه شكرا لا لشيء آخر ، فإنّه لا يلزم ثبوت الغايات لكلّ شيء ، وإلّا لزم التسلسل ، بل لا بدّ وأن ينتهي إلى ما يكون واجبا لذاته ، ولا غاية له سوى ذاته ، كما أنّ دفع الضرر واجب لذاته ، لا لغاية أخرى.

ولهذا يعلّل العقلاء وجوبه ، بكونه شكرا للنّعمة ، لا لشيء آخر ، وإن لم يعلموا شيئا آخر من جهات الوجوب.

سلّمنا ، لكن لم (١) لا يجب لفائدة اجلة عائدة إلى المكلّف ، [و] هي الثواب؟

قوله : «يمكن إيصالها بدون الشكر».

قلنا : ممنوع ، فإنّ الثواب نفع مستحقّ ، وصفة الاستحقاق إنّما تحصل بواسطة العمل.

قوله : «جلب النفع غير واجب فلا يجب سببه».

قلنا : ممنوع ، فإنّ المنافع تختلف ، فجاز وجوب بعضها عقلا ، ولا نسلّم أنّ أداء الواجب ، لا يقتضي شيئا آخر.

__________________

(١) في «أ» و «ب» : سلّمنا فلم.

١٣٧

سلّمنا ، لكن لم لا يجب لكونه دافعا للضرر المتأخّر؟

قوله : «الشكر مضرّة عاجلة».

قلنا : الضرر العاجل المندفع بضرر الشكر ، أكثر من ضرر الشكر وهو خوف العقاب ، فإنّه ضرر راجح على ضرر الشكر ، وهو كاف في الوجوب.

سلّمنا ، لكن لم لا يندفع به الضرر الاجل؟

قوله : «إنّما يتحقّق ذلك في حقّ من يسرّه الشكر ، ويسوؤه الكفر».

قلنا : ممنوع ، فإنّ ترك الواجب علّة في استحقاق العقاب بتركه.

قوله : «الشكر تصرّف في ملك الغير».

قلنا : هذا ضعيف ، فإنّا نعلم قطعا أنّ الاشتغال بوظائف الخدمة ، والقيام بالشكر والمواظبة عليه ، أسلم من تركه والإعراض عن الخدمة والتشاغل (١) عن الشكر.

وتمثيل النعم باللّقمة باطل ، فإنّ نعم الله تعالى على العبد بإيجاده وإحيائه وإقداره وما منحه من العقل والسلامة وإقداره على الملاذ والنعم أعظم من ملك الدنيا بأجمعها ، ثمّ تكميلهم بإرسال الرّسل وإنزال الكتب من أعظم النعم ، كما قال سليمان وداود عليهما‌السلام حين شكرا نعم الله تعالى على ذلك في قوله : (وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ)(٢).

وكذا شكر إبراهيم عليه‌السلام في الأولاد ، وغيرهم من الأنبياء.

ولا يلزم من قلّة ذلك بالنسبة إلى ملكه تعالى قلّته في نفس الأمر ، فإنّ

__________________

(١) في «ب» : والتغافل.

(٢) النمل : ١٥.

١٣٨

الملك لو أعطى فقيرا ما يغنيه ويزيد عليه ، كان نعمة عظيمة ، وإن قلّت بالنسبة إلى ملكه.

سلّمنا ، لكن منع العبث غير لائق من الأشاعرة ، فإنّ الأحكام بأسرها عندهم كذلك ، إذ عندهم أنّه تعالى لا يفعل لغاية ولا غرض ، ولا معنى للعبث سوى ذلك ، وينكرون القبح العقلي.

سلّمنا ذلك ، لكن ذليلكم ينفي وجوبه عقلا وشرعا (١).

المسألة الثانية : في حكم الأشياء قبل الشرع

اعلم أنّ الأفعال البشريّة منها ضروريّة ، ولا يمكنهم تركها ، كالتنفّس في الهواء ، ولا بدّ من القطع بعدم المنع فيها إلّا عند مجوّزي تكليف ما لا يطاق.

ومنها : ما ليس ضروريّا ، كأكل الفاكهة وشبهها ، ممّا لا يدرك العقل تقبيحه ولا تحسينه بضرورة.

وقد اختلف فيه ، فذهب البصريّون من المعتزلة ، وجماعة من الفقهاء الشافعية والحنفية إلى أنّها على الإباحة.

وذهب البغداديّون من المعتزلة ، وطائفة من الإماميّة وأبو علي بن أبي هريرة (٢) من الشافعية إلى أنّها على الحظر.

__________________

(١) في «ب» : عقلا ونقلا.

(٢) هو القاضي الحسن بن الحسين البغدادي المعروف بابن أبي هريرة ، لأنّ أباه يحبّ السنانير فيجمعها ويطعمها. تفقه على ابن سريج وأبي اسحاق المروزي ، وجلس للتدريس ببغداد ، ـ

١٣٩

وقال أبو الحسن الأشعري وأبو بكر الصيرفي (١) وجماعة من الفقهاء إلى أنّها على الوقف ، وفسّروه بأمرين :

أحدهما : أنّه لا حكم.

وهذا ليس وقفا على الحقيقة ، بل هو قطع بانتفاء الحكم.

والثاني : أنّا لا نعلم ما الحكم فيه.

والحقّ الأوّل.

لنا وجوه :

الأوّل : ما عوّل عليه أبو الحسين البصريّ (٢) وهو : أنّ تناول الفاكهة مثلا ، منفعة خالية عن المفسدة ، ولا ضرر على المالك ، فوجب الحكم بحسنه.

أمّا إنّه منفعة ، فضروريّ ، وأمّا خلوّه عن أمارات المفسدة ، فلأنّه مقدّر.

وأمّا انتفاء الضرر على المالك ، فظاهر.

وأمّا الحكم بحسن ذلك ، فللعلم بحسن الاستظلال بحائط الغير ، والنظر في مرآته ، والتقاط ما سقط (٣) من حبّ زرعه ، إذا خلا عن المفاسد.

__________________

ـ توفّي سنة ٣٤٥ ه‍. لاحظ وفيات الأعيان : ٢ / ٧٥ برقم ١٥٩ ؛ والأعلام للزركلي : ٢ / ١٨٨ ؛ وموسوعة طبقات الفقهاء : ٤ / ١٣٦ برقم ١٣٥٤.

(١) هو محمد بن عبد الله المعروف بابن الصيرفي ، الفقيه الشافعي ، تفقّه على ابن سريج ، ومن غرائبه : إيجاب الحدّ على من وطئ في النكاح بغير وليّ ، لأنّه كان يعتقد تحريم ذلك ، توفّي بمصر سنة ٣٣٠ ه‍. لاحظ وفيات الأعيان : ٤ / ١٩٩ برقم ٥٧٤ ؛ تاريخ بغداد : ٥ / ٤٤٩ برقم ٢٩٧٧ ؛ موسوعة طبقات الفقهاء : ٤ / ٤٢١ برقم ١٦٠٧.

(٢) المعتمد : ٢ / ٣١٥.

(٣) في «أ» : ما تساقط.

١٤٠