نهاية الوصول إلى علم الأصول - ج ١

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية الوصول إلى علم الأصول - ج ١

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-152-1
ISBN الدورة:
978-964-357-238-0

الصفحات: ٦٢٩

فإنّ العرب إنّما نطقت برفع ما نطقوا به فاعلا ، ونصبوا ما نطقوا به مفعولا ، ثمّ حملنا نحن الباقي عليه ، للمشاركة في وصف الفاعليّة والمفعوليّة ، وذلك محض القياس.

الثالث : قوله تعالى (فَاعْتَبِرُوا)(١) فإنّه كما دلّ على القياس الشرعيّ دلّ على القياس اللّغوي.

الرابع : النبّاش يقطع ، وشارب النّبيذ يحدّ ، وكذا اللائط ، من غير ورود شرع فيهم ، بل بمجرّد القياس في الأسماء.

والجواب عن الأوّل : أنّ الدّوران هنا لا يدلّ على علّيّة الوصف بمعنى الباعث بل بمعنى الأمارة ، وكما دار اسم الخمر مع الشدّة المطربة كذا دار مع الشدّة المعتصرة من ماء العنب.

وينقض ما ذكرتموه بتسمية رجل الطّويل نخلة والفرس الأسود أدهم ، والمتلوّن بالبياض والسواد أبلق مع عدم الاطّراد ، ودوران الاسم مع الوصف في الأصل وجودا وعدما.

وعن الثاني : أنّ التّسمية ليست على نحو القياس ، بل العرب وضعت تلك الألفاظ لأسماء الاجناس بطريق العموم لا لمعيّن ، ثمّ قسنا نحن على ذلك المعيّن.

وعن الثالث : نمنع (٢) دلالته على القياس على ما يأتي.

__________________

(١) الحشر : ٢.

(٢) في «ج» : بمنع.

١٦١

ونمنع العموم في كلّ اعتبار وإن عمّ المعتبر.

ونمنع حدّ شارب النبيذ بالقياس في التسمية ، بل بالنصّ كما في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ من التمر خمرا (١) ، وهو توقيف لا قياس في اللغة ، أو بالقياس في الحكم ، وهو أنّ العلّة في حدّ شارب الخمر لأجل تناوله المسكر ، وهو موجود في النبيذ.

وحدّ اللّائط ، للمشاركة في المعنى ، وهو الإيلاج المحرّم (٢) لا التسمية.

وقطع النبّاش ، لمشاركة السّارق ، لا لإلحاقه في التسمية ، كما في الأقيسة الشرعيّة.

البحث الثالث : في أنّه لا يجب أن يكون لكلّ معنى لفظ

والدّليل عليه : أنّ المعاني غير متناهية ، والألفاظ متناهية ، وذلك يوجب أحد الأمرين : إمّا خلوّ البعض عن الألفاظ ، وهو المراد ، أو وضع اللّفظ لما لا يتناهى من المعاني ، وهو محال ، إذ وضعه لما لا يتناهى يستلزم تعقّله ، وتعقّله ما لا يتناهى محال.

أمّا المقدّمة الأولى ، فلأنّ من جملة أنواع المعاني الأعداد ، وهي غير متناهية.

وأمّا الثانية ، فلأنّه مركّب من الحروف المتناهية ، والمركّب من المتناهي ، يكون لا شكّ متناهيا.

__________________

(١) الوسائل : ١٧ / ٢٢٢ ، الباب ١ من أبواب الأشربة المحرّمة ، الحديث ٤.

(٢) في «ب» و «ج» : في المحرّم.

١٦٢

وإذا ثبت خلوّ بعض المعاني عن الألفاظ ، فنقول : المعاني قسمان :

منها : ما تكثر الحاجة إلى التعبير عنه ، لكثرة تداولها بين الناس ، وغلبة مزاولتهم لها ، فيجب وضع الألفاظ بإزائها ، لوجود القدرة ، والدّاعي ، وانتفاء الصّارف.

ومنها : ما لا تكثر الحاجة إلى التعبير عنه ، فإنّه يجوز خلوّها عن الألفاظ ، وذلك كأنواع الروائح.

واعلم أنّ اللّفظ المشهور بين الناس الخواصّ والعوامّ ، لا يجوز وضعه لمعنى خفيّ لا يعرفه إلّا الأذكياء ، كما يقوله أبو هاشم وجماعة من مثبتي الأحوال ، وأنّ الحركة ليست عبارة عن التحرّك (١) بين الناس ، بل هي موضوعة بإزاء معنى يوجب للجسم كونه متحرّكا.

لأنّ المعلوم عند الجمهور ، ليس إلّا كون الجسم متحرّكا ، فأمّا تلك الحالة الّتي يجعلونها معنى يوجب المتحركيّة ، فغير معلوم لأكثر العقلاء ، فلا يكون اللّفظ موضوعا له ، بل لا معنى للحركة إلّا نفس كون الجسم منتقلا. (٢)

وفيه نظر ، لأنّ الواضع إن كان هو الله تعالى ، فنسبة المعاني إليه كلّها على السّواء ، فلا يجوز أن يكون بعضها خفيّا عنده.

والخفاء عند النّاس ، لا يمنع الوضع عنه تعالى.

__________________

(١) في «ب» : التحريك.

(٢) الاستدلال للرازي في المحصول : ١ / ٦٨.

١٦٣

وإن كان هو البشر فكذلك ، لاحتمال أن يكون بعض البشر وقف على المعنى الدقيق ، فوضع اللفظ بإزائه ثمّ خفي على غيره ذلك المعنى ، واستعمله في لازمه ، واشتهر الثاني ، وإن كان الأصل هو ذلك المعنى الدّقيق.

البحث الرّابع : في تعيين الغرض بالوضع

الغرض من وضع الألفاظ المفردة لمسمّياتها الممكنة تفهيم ما يتركّب من مسمّياتها بواسطة تركيب تلك الألفاظ المفردة ، وليس الغرض أن يفاد بها معانيها وإلّا لزم الدّور ، لأنّ إفادة الألفاظ المفردة لمعانيها موقوفة على العلم بكونها موضوعة لتلك المسمّيات ، وذلك متوقّف على العلم بتلك المسمّيات ، فلو استفيد العلم بتلك المسمّيات من تلك الألفاظ المفردة لزم الدّور.

لا يقال : هذا وارد في المركّب ، إذ لا يفيد معناه إلّا بعد العلم بوضع ذلك المركّب له ، فيستدعي سبق العلم بمعناه ، فلو استفيد العلم بالمعنى من المركّب لزم الدّور.

لأنّا نقول : نمنع توقّف إفادة المركّب لمعناه على العلم بوضعه له ، وذلك لأنّا متى علمنا وضع كلّ واحد من المفردات لمعناه ، وعلمنا دلالة الحركات المخصوصة على النّسب المخصوصة لتلك المعاني ، فإذا توالت الألفاظ المفردة بحركاتها المخصوصة على السّمع ، ارتسمت تلك المعاني المفردة مع نسبة بعضها إلى بعض.

١٦٤

وإذا حصلت المفردات مع النّسب ذهنا حصل العلم بالمعاني المركّبة. (١)

وفيه نظر ، فإنّ الغرض من وضع اللفظ قد بيّنا أنّه تعريف الغير ما في ضمير المتكلّم من المعاني المدلول عليها بألفاظ ، سواء كانت المعاني مفردة أو مركّبة ، ولا دور هنا ، فإنّا لا نستفيد العلم بتلك المسمّيات من تلك الألفاظ ، بل نستفيد قصد المتكلّم أو غرضه من المعاني المفردة من اللفظ المفرد.

واعلم أنّ الألفاظ لم توضع للدّلالة على الموجودات الخارجيّة بل للدلالة على الذهنيّة.

أمّا في المفردات فلأنّا إذا ظننّا في جسم بعيد أنّه صخرة سمّيناه بذلك ، فإذا ظهر لنا انّه إنسان سمّيناه باسم الإنسان ، فاختلاف الأسماء عند اختلاف الصّور الذّهنيّة يدلّ على أنّ اللفظ يدلّ عليها.

وأمّا في المركّبات فلأنّا إذا قلنا : «قام زيد» لم يفد قيامه ، وإلّا لم يكن كذبا ، بل الحكم به فإذا عرفنا أنّ ذلك الحكم صواب استدللنا به حينئذ على الوجود الخارجيّ ، فأمّا أن يكون اللفظ دالّا على ما في الخارج فلا. (٢)

وفيه نظر ، فإنّ الواضع إنّما وضع الألفاظ للمعاني الخارجيّة والحقائق العينيّة ، وأمر من يتحدّث على لغته باستعمال اللّفظ فيما وضعه له.

والمتخيّل للصخرة إنسانا إنّما يسمّي الصخرة الخارجيّة بالإنسان لا ما يتصوّره من الصورة الإنسانيّة.

__________________

(١) الاستدلال للرازي في محصوله : ١ / ٦٦ ، وتنظّر فيه المصنّف.

(٢) الاستدلال لتاج الدين أبي عبد الله محمد بن الحسين الأرموي المتوفّى سنة ٦٥٣ ه‍ في الحاصل من المحصول : ١ / ٢٨٤ ، وتنظّر فيه المصنّف.

١٦٥

نعم انّه حكم بمطابقة ما في ذهنه للخارج فأخطأ في الإطلاق ، فاللّفظ الموضوع للخارجيّ لم يختلف في نفس الأمر.

وجواز إطلاق اللّفظ على الشّيء مشروط باعتقاد أنّه كذلك في الخارج ، والكذب في المركّب إنّما يمتنع لو كانت دلالته قطعيّة.

البحث الخامس : في تعريف الوضع (١)

اعلم أنّ الأمور الشرعيّة ترجع إلى الكتاب والسنّة ، وهما عربيّان ، فيجب البحث عن النّحو المتعلّق بهما ، والتّصريف واللغة ، حيث إنّهما واردان بلغة العرب ، لما ستعرف من أنّ ما لا يتمّ الواجب إلّا به فهو واجب.

ولا طريق للعقل المحض إلى معرفة هذه الأشياء ، لتعلّقها بالنّقل ، فإذا طريق المعرفة إمّا النقل ، أو المركّب من العقل والنقل.

أمّا النقل ، فمنه متواتر ، وهو ما يعلم وضعه بنقل مفيد للعلم ، كالسماء والأرض ، ورفع الفاعل ، ونصب المفعول ، وإمّا آحاد ، وهو كثير.

وأمّا المركّب ، فهو كما إذا استفدنا بالنّقل جواز الاستثناء من الجمع ، وأنّ الاستثناء إخراج ما لولاه لدخل ، فيعلم بالعقل بواسطة النّقلين أنّ الجمع للاستغراق.

وقد اعترض (٢) بامتناع التواتر ، فإنّ الألفاظ الظاهرة المتداولة المشهورة بين الناس ، اختلف الناس فيها اختلافا يمتنع معه القطع ، فكيف الألفاظ الخفيّة.

__________________

(١) في «ج» : في كيفيّة تعريف الوضع.

(٢) المعترض هو الفخر الرازي في المحصول : ١ / ٦٩.

١٦٦

وبيانه : أنّهم اختلفوا في لفظة الله تعالى : فزعم قوم أنّها سريانيّة غير عربيّة.

وآخرون جعلوها عربيّة واختلفوا : فقال قوم : إنّها موضوعة ، وآخرون : إنّها مشتقّة ، واختلف الفريقان اختلافا عظيما.

وكذا اختلفوا في الإيمان والكفر ، والصلاة والزكاة ، حتّى قال بعض المحقّقين في علم الاشتقاق : إنّ الصّلاة مأخوذة من «الصّلوين» وهما عظما الورك ، ولا شكّ في أنّه غريب.

وكذا اختلفوا في صيغة الأمر والنهي ، وصيغ العموم ، مع شدّة حاجتهم إلى التعبير عن ذلك كلّه ، وعظم شهرتها.

وإذا كان الظاهر حاله ذلك ، فكيف الخفيّ ، وكيف يدّعى التواتر في مثل ذلك.

ولا يكفي دعوى التواتر في علم معانيها في الجملة ، كإطلاق لفظ الله على الإله تعالى ، وإن خفي الموضوع له هل هو الذات ، أو المعبودية أو القادريّة؟ وكذا غيرها ، لأنّ ذلك يوجب الشكّ في المسمّى.

لأنّا إذا علمنا إطلاق لفظة الله تعالى على الإله ، من غير أن نعلم هل المسمّى الذات ، أو كونه معبودا ، أو قادرا على الاختراع ، أو ملجأ الخلق ، أو كونه بحيث تتحيّر العقول في إدراكه ، إلى غير ذلك من المعاني المستعمل فيها هذا اللفظ ، لم يعلم المسمّى قطعا.

وأيضا من شرط التواتر استواء الطرفين والواسطة ، وذلك غير معلوم الثبوت في جميع الأزمنة في النحو واللّغة والتّصريف وإن علمنا حصول الشرط في زماننا.

١٦٧

لا يقال : أخبرنا من شاهدناه مع بلوغهم حدّ التواتر : أنّ من أخبرهم [كانوا] كذلك ، وهكذا إلى ان ينتهي النقل إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ولأنّها لو تجدّد وضعها لاشتهر ، لتوفّر الدّواعي على نقله.

لأنّا نقول : كلّ من سمع لغة معيّنة من غيره ، لم يسمع منه أنّه سمعها من أهل التواتر ، بل غاية نقلهم الإسناد إلى أستاذ ، أو كتاب مصحّح ، وليس وضع اللفظ لمعنى من الأمور العظيمة الّتي يشتهر نقلها ، وتتوفّر الدّواعي عليه.

ولأنّا نسمع من كثير من العرب في زماننا ألفاظا فاسدة ، وإعرابا مختلّا ، مع أنّا لا نعرف المغيّر ولا زمانه.

سلّمنا ، لكنّه قد اشتهر بأنّ اللّغة إنّما أخذت عن جمع محصور ، كالخليل (١) ، وأبي عمرو بن العلاء (٢) ، والأصمعيّ (٣) ، وأبي عمرو الشيباني (٤) ، وأمثالهم ، وهؤلاء ليسوا معصومين ، ولا بلغوا حدّ التواتر ، فحينئذ لا يحصل القطع بقولهم ، ولا يكفي القطع بصدق بعضها ، فإنّه غير معلوم العين ، فلا لفظ إلّا ويجوز أن يكون خطأ.

وأمّا الآحاد فلا تفيد إلّا الظنّ ، ومعرفة القرآن والسّنة تتوقّف على معرفة

__________________

(١) أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي المتوفّى سنة ١٧٥ ه‍.

(٢) أبو عمرو زبان بن العلاء التميمي المازني أحد القراء السبعة المتوفّى سنة ١٥٩ ه‍.

(٣) هو عبد الملك بن قريب كان إماما في النحو واللغة مات سنة ٢١٧ ه‍.

(٤) هو إسحاق بن مرار ، لازمه أحمد بن حنبل وروى عنه مات سنة ٢٠٦ ه‍ ببغداد ، من مصنّفاته : «غريب الحديث» و «النوادر» و «كتاب الجيم».

١٦٨

اللغة والنحو والتصريف ، وإذا كانت مظنونة ، كان مدلول القرآن والسّنّة ظنيّا ، وهو باطل بالإجماع.

ولأنّ خبر الواحد إنّما يفيد الظنّ لو سلم عن المعارض والقدح في الناقل ، وهو منفيّ هنا ، فإنّ أجلّ ما صنّف في اللغة كتاب «سيبويه» (١) وكتاب «العين».

وقدح الكوفيّين في كتاب سيبويه وفي مصنّفه ظاهر.

واتّفق جمهور أهل اللّغة على القدح في كتاب «العين».

وأورد ابن جنّي (٢) في «الخصائص» بابا في قدح أكابر الأدباء بعضهم في بعض ، وبابا آخر في أنّ لغة أهل «الوبر» أصحّ من لغة أهل «المدر» ، وغرضه القدح في الكوفيّين ، وبابا آخر في الغريب ، لم يعلم إلّا من ابن أحمر الباهلي (٣).

__________________

(١) أبو بشر ، عمرو بن عثمان بن قنبر ، الملقّب ب «سيبويه» إمام النحاة وأوّل من بسط علم النّحو ، تلمّذ على الخليل بن أحمد الفراهيدي المتوفّى سنة ١٧٥ ه‍ صاحب كتاب «العين» ، قيل : «سيبويه» بالفارسية رائحة التّفاح ، ولقّب بهذا اللقب لأنّ وجنتيه كانتا كأنّهما تفّاحتان ، وكان في غاية الجمال ، ولد سيبويه سنة ١٤٨ ه‍ في إحدى قرى شيراز ، وقدم البصرة ، وصنّف كتابه المسمّى ب «كتاب سيبويه» المطبوع حديثا في مجلّدات ثلاث توفّي شابّا سنة ١٨٠ ه‍. لاحظ الأعلام للزركلي : ٥ / ٨١.

(٢) هو أبو الفتح ، عثمان بن جنّي الموصليّ ، النحويّ المشهور ، من أئمّة الأدب والنحو ، ومن أشهر مؤلّفاته : «كتاب الخصائص» و «سرّ الصناعة» و «التبصرة» و «اللّمع» مات سنة ٣٩٢ ه‍ ببغداد. لاحظ الأعلام للزركلي : ٤ / ٢٠٤.

(٣) والمراد : لا يعلم أحد أتى به إلّا ابن احمر الباهلي وهو عمرو بن أحمر بن العمرّد بن عامر الباهلي ، شاعر مخضرم عاش نحو تسعين عاما ، كان من شعراء الجاهلية وأسلم. انظر الأعلام للزركلي : ٥ / ٧٢.

١٦٩

وروي عن رؤبة (١) وأبيه (٢) ، (٣) أنّهما ارتجلا ألفاظا لم يسبقا إليها ، وكذا قال المازني (٤) : ما قيس على كلام العرب فهو من كلامهم.

ونسب الأصمعيّ إلى الخلاعة ، وزيادة ألفاظ في اللغة لم تكن.

ومن العجب إقامة الأصوليّين الدّلالة على أنّ خبر الواحد في الشرع حجّة ، ولم يقيموا في اللّغة ، الّتي هي الأصل ، فكانت أولى ، ويجب أن يبحثوا عن رواتها ، وجرحهم ، وتعديلهم ، كما في رواة الشّرع.

__________________

(١) هو أبو محمد عبد الله رؤبة بن العجاج بن رؤبة البصري التميمي السعدي ، كان بصيرا باللغة ، مات سنة ١٤٥ ه‍.

(٢) في النسخ الّتي بأيدينا «وابنه» ولعلّ الصحيح ما أثبتناه ، قال القرّافي في نفائس الأصول : ١ / ٢٣٩ : «وقع في النسخ : يروى عن رؤبة ، وأبيه وابنه ، بالنون والباء ، وصورة الخط واحدة ، وهذا رؤبة كان أبوه يسمّى العجاج ، وابنه يسمّى عقبة ، وكان رؤبة ، وأبوه العجاج راجزين عظيمين في العرب بالرجز ، وغيره من فضائل لسان العرب ، وكان عقبة بن رؤبة مخضرما ، والمخضرم في اصطلاح الأدباء من أدرك الجاهلية ، والإسلام ، وكانت فيه نسبة قوية لمن خالط العجم ، فيضعف الاستشهاد بكلامه ، والظاهر حينئذ أن المراد أبوه لا ابنه ، لضعف حاله عن هذه الرتبة ، وهي الوصول إلى أن يقاس بأنّه رؤبة في جرأته على ارتجال اللغة ، فإن ظاهر الحال فيمن لا يستشهد بكلامه لا يبقى له داعية على ارتجال اللغة ، وهذا هو الّذي رأيت الأدباء ينصرونه ، ويقولون : هو «العجاج» ، دون «عقبة» ، والعجاج لقب ، واسمه عبد الله ، وكنيته أبو الشعثاء ، وأبو العجاج جد رؤبة يسمّى رؤبة أيضا ، ولم ينقل عنه كلام في اللغة ، ورؤبة بن العجاج يكنى أبا الجحاف ، فالصحيح في الرواية عن رؤبة وأبيه بالياء الّذي هو العجاج ، والمراد برؤبة ولد العجاج لا أبوه».

(٣) هو العجاج بن رؤبة ، يكنّى أبا الشعثاء ، لقى أبا هريرة وسمع منه أحاديث ، قيل : سمّي العجاج بقوله «حتّى يعجّ ثخنا من عجعجا» ، انظر تهذيب اللغة للأزهري : ١ / ٦٧.

(٤) هو أبو عثمان بكر بن محمد بن بقية المازني البصريّ ، قيل : هو أوّل من أفرد علم الصّرف عن علم النّحو وجعله فنّا مستقلّا ، مات سنة ٢٤٩ ه‍ بالبصرة.

١٧٠

وأيضا ، فإنّ الرّواية تقبل مع عدم التطرّق إليها بالزيادة والنقصان ، وقد حصلا هنا.

أمّا الزيادة ، فكما نقل عن رؤبة ، وأبيه ، والأصمعيّ ، والمازنيّ (١).

وأمّا النقصان ، فقد روى ابن جنّيّ : «أنّ الشّعر علم قوم لم يكن لهم علم أصحّ منه ، فتشاغلت العرب عنه بالجهاد بعد ظهور الإسلام ، فلمّا اشتهر ورجعت العرب إلى أوطانها راجعوا الشعر ، وقد هلك أكثر العرب ولا كتاب هناك يرجع إليه ، فلم يظفر إلّا بالقليل».

وروى ابن جنّيّ عن يونس بن حبيب (٢) وأبي عمرو بن العلاء : أنّ ما انتهى إلينا ممّا قالت العرب إلّا أقلّه ، وروي كثيرا في معناه ، وهو يؤذن بتطرّق التغير واعتراض الأحداث على اللّغة.

وقد عجز الصحابة عن ضبط ما شاهدوا في اليوم خمس مرّات وهو : فصول الأذان والإقامة ، والجهر بالقراءة ، ورفع اليدين ، فإذا كانت الظاهرة كذلك ، فكيف حال اللّغات وكيفيّة الإعراب ، مع قلّة وقعها ، وعدم اشتغالهم بتحصيلها ، إلّا بعد انقراض عصر الصحابة والتابعين.

وأمّا الاستدلال بالمقدّمات النقلية فإنّما يتمّ لو امتنعت المناقضة على الواضع ، وانّما يمتنع لو كان الواضع هو الله تعالى ، وذلك غير معلوم ، فلا يحصل الجزم بالإنتاج.

__________________

(١) تقدّمت ترجمته.

(٢) يونس بن حبيب الضّبي بالولاء ، كان إمام نحاة البصرة في عصره ، أخذ عن سيبويه والكسائي والفرّاء ، مات سنة ١٨٢ ه‍. لاحظ الأعلام للزركلي : ٨ / ٢٦١.

١٧١

لا يقال : قد أجمعوا على الاستدلال بهذا الطريق في مباحث النحو والتصريف ، والإجماع حجّة.

لأنّا نقول : إثبات الإجماع سمعيّ وكلّ سمعي فرع على النحو واللغة والتصريف ، فلو أثبتنا الأوّل بالإجماع دار.

والجواب عن هذه الاشكالات : أنّ من النحو والتّصريف واللغة ما هو متواتر قطعا لا يقبل التشكيك ، وأنّها في الأزمنة الماضية كذلك ، كلفظ السماء والأرض ، فإنّا نعلم قطعا استعمالهما في معنييهما الآن في زمن الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والقدح في مثل ذلك غير مقبول ، لجريانه مجرى شبه السوفسطائيّة.

ومنها : ما يعلم بالآحاد.

وأكثر ألفاظ القرآن من [القسم] الأوّل في نحوه وتصريفه ، فقامت الحجّة به.

وأمّا الثاني : فقليل جدّا ، ويتمسّك به في ظنّيّات المسائل لا في علميّاتها ، ووجوب العمل بالظنّ ثبت بالإجماع ، والإجماع ثبت بالقسم الأوّل العلميّ لا بالثاني الظنّي. (١)

__________________

(١) لاحظ المحصول : ١ / ٧٥ ، والحاصل من المحصول : ١ / ٢٩٤ ؛ والكاشف عن المحصول : ١ / ٤٨٧.

١٧٢

الفصل الثاني

في تقاسيم دلالة الألفاظ

وفيه مباحث :

[المبحث] الأوّل : اللفظ إمّا أن يدلّ على المعنى بتوسّط وضعه له ، فتكون الدلالة مطابقة ، كالبيت الموضوع لمجموع الجدار والسقف ، أو بتوسّط دخوله فيما له الوضع ، فتكون الدلالة تضمّنيّا كدلالة البيت على أحد جزئيه ، أو بتوسّط لزومه لما له الوضع ، وتسمّى دلالة الالتزام ، كدلالة البيت على وقاية الحرّ والبرد ، ودلالة السّقف على الجدار.

والمراد من الدّلالة فهم المعنى من اللفظ عند إطلاقه أو تخيّله بالنسبة إلى من هو عالم بالوضع.

وقيدنا بالتوسّط في الدلالات الثلاث ، ليخرج اللفظ المشترك بين الكلّ وجزئه ، أو بينه وبين لازمه.

والمطابقة وضعيّة صرفة ، والباقيتان بمشاركة من الوضع والعقل ، فإنّ اللّفظ إذا وضع للمركّب أو للملزوم ، كان فهم المركّب والملزوم مستلزما لفهم الجزء واللازم.

ويشترط في الالتزام اللّزوم الذهنيّ ، وإلّا لم تحصل الدلالة الالتزامية ،

١٧٣

لعدم الوضع فيه وعدم دخوله في الموضوع له اللفظ ، فلو لم يلزم من العلم بالماهيّة العلم به انتفت الدلالة مطلقا.

ولا يشترط اللزوم الخارجيّ ، قيل (١) : لأنّ الجوهر والعرض متلازمان ، ولا يستعمل اللّفظ الدالّ على أحدهما في الآخر.

وليس بجيّد ، فإنّه لا يلزم من حصول الشرط حصول المشروط ، نعم الحقّ وجود الدلالة مع المعاندة الخارجيّة كدلالة العدم على الملكة ، ثمّ اللزوم الذهنيّ شرط لا سبب.

المبحث الثاني : في المفرد والمركّب

اعلم أنّ الألفاظ تحذو حذو المعاني ، وكما أنّ من المعاني ما هو بسيط مفرد ، وما هو مركّب ، فكذا من الألفاظ مفرد ومنها مركّب ، وذلك لأنّ الدالّ بالمطابقة إمّا ألا يقصد بجزئه الدلالة على شيء البتّة حين هو جزؤه ، فيسمّى مفردا كزيد ، وإمّا أن يقصد كغلام زيد فيسمّى مركّبا ومؤلّفا وقولا.

وقيل : المفرد ، اللفظ بكلمة واحدة والمركّب ما اشتمل على كلمتين ، فنحو «بعلبكّ» مركّب بهذا المعنى دون الأوّل ونحو «يضرب» بالعكس ، وألزم الأوّلون التركيب في نحو ضارب ومخرج ، ممّا لا ينحصر (٢).

__________________

(١) القائل هو الفخر الرازي في المحصول : ١ / ٧٦.

(٢) لاحظ الكاشف عن المحصول : ٢ / ١٦ ؛ وأصول الفقه : ١ / ٥٠ تأليف محمد بن مفلح الحنبليّ.

١٧٤

وليس بجيّد ، إذ الدالّ المجموع وما يدلّ جزء من أجزائه دون الباقي غير واقع ، لأنّه ضمّ مهمل إلى مستعمل وهو غير مفيد ، ونحو «عبد الله» إذا جعل علما على شخص مفرد حال العلميّة ، لأنّ كلّ واحد من جزئيه حينئذ لا يقصد به الدلالة على شيء أصلا ، ولا ينافي ذلك القصد بإرادة أخرى واعتبار آخر وهو اعتبار الوضعيّة ، فإنّه حينئذ يكون مركّبا.

المبحث الثالث : في الذاتي والعرضي

اعلم أنّ اللفظ المفرد إمّا أن يمنع نفس تصوّره من الشركة فيه ، وهو الجزئي الحقيقيّ ، ويطلق الجزئي على كلّ أخصّ تحت أعمّ وهو أعمّ لا عموم الجنس ، لانفكاكهما تصوّرا.

أولا يمنع ، وهو الكلّي.

وأقسامه بالنّسبة إلى الوجود الخارجيّ وتعدّد أفراده ستّة.

وبالنسبة إلى جزئيّاته قسمان : ذاتيّ وعرضيّ.

والذّاتيّ إمّا نفس الماهيّة أو جزؤها ، فالأقسام ثلاثة :

الأوّل : أن يكون الكلّي نفس الماهيّة ، وهو النّوع الحقيقيّ ، ويرسم بأنّه : الكلّيّ المقول على كثيرين مختلفين بالعدد فقط في جواب ما هو ، ولا تشترط الكثرة الخارجيّة ، ويطلق النوع على أخصّ الكلّيين المقولين في جواب ما هو ، وهو الإضافيّ ، وبينهما عموم من وجه.

الثاني : أن يكون جزء الماهيّة ، فإن كان مقولا في جواب ما هو

١٧٥

بحسب الشركة ، فهو الجنس ويرسم بأنّه الكلّيّ المقول على كثيرين مختلفين بالحقائق في جواب ما هو قولا بحال الشركة ، فمنه قريب ، ومنه بعيد.

وإن لم يكن مقولا في جواب ما هو بل في جواب أيّما هو ، فهو الفصل ، ويرسم بأنّه كلّيّ يقال على الشيء في جواب أيّ شيء هو في جوهره.

الثالث : أن يكون خارجا عن الماهيّة ، ويسمّى العرضيّ ، وهو إمّا أن يختصّ بحقيقة واحدة ، وتسمّى الخاصّة ، وترسم بأنّها كلّيّة يقال على أفراد حقيقة واحدة فقط ، قولا عرضيّا.

وإمّا ألا يختصّ ، ويسمّى العرض العامّ ، ويرسم بأنّه كليّ يقال على أفراد حقيقة واحدة وعلى غيرها قولا عرضيّا ، فالكلّيّات هذه الخمس لا غير.

وللذّاتيّ خواصّ ثلاث :

الأولى : أنّه يمنع تصوّر الشّيء إلّا إذا تصوّر ما هو ذاتيّ له أوّلا ، أي يتقدّم عليه في الوجودين والعدمين.

الثانية : أنّه يمنع سلبه عمّا هو ذاتيّ له.

الثالثة : عدم احتياجه إلى علّة مغايرة لعلّة الماهيّة ، فإنّ جاعل السّواد هو الّذي جعله لونا ، والأوّل حقيقة ، والباقيتان إضافيّتان وقد تتصاعد الأجناس مرتبة ، فلا بدّ من الانتهاء إلى ما لا جنس فوقه ، ويسمّى جنس الاجناس ، وتتنازل الأنواع إلى ما لا نوع تحته وهو السّافل ، وبينهما مراتب متوسّطة.

والعرض قد يكون لازما ، وقد يكون مفارقا ، واللازم إمّا للماهيّة أو للوجود.

١٧٦

والمفارق إمّا سريع الزوال أو بطيئه ، وعلى كلّ التقديرين فإمّا سهل الزوال أو عسره.

واللازم إمّا بوسط أو بغير وسط ، فهذه جملة مختصرة في الكلّيّات ، والاستقصاء ذكرناه في كتبنا المنطقيّة.

المبحث الرابع : في بسائط الكلام :

اللّفظ المفرد ان لم يستقلّ بالدلالة ، فهو الحرف وإن استقلّ فإن لم يدلّ على الزّمان المعيّن بصيغته ووزانه فهو الاسم.

وإن دلّ فهو الفعل ، ففصول الفعل ملكات بخلاف قسميه.

والاسم قد يدلّ على معنى هو الزمان كاليوم والأمس ، وقد يدلّ على معنى جزئه الزمان كالمتقدّم والمتأخّر والصّبوح (١) والغبوق ، والزمان هنا غير معيّن ، وإنّما يتعيّن بالتصريف ، كتقدم ويتقدم واصطبح ويصطبح.

وقد لا يدلّ على الزمان البتّة كالجسم.

وأيضا الاسم إمّا أن يكون مفهومه مانعا من الشركة ، فإمّا أن يفتقر إلى ما يرجع إليه ، وهو المضمرات أو لا وهو الاعلام ، أو لا يمنع ، فقد يكون اسما للماهية كالسواد ، وتسمية النحويّين لون اسم الجنس أو لموصوفيّة أمر ما بصفة وهو المشتق كالضّارب وهو شيء ما مجهول عند السّامع من حيث الذات معلوم من حيث هذا الوصف ، ويختصّ بصحّة الإخبار عن مسمّاه بمجرد ذكره بخلاف قسميه.

__________________

(١) الصّبوح : الشّرب بالغداة خلاف الغبوق. مجمع البحرين.

١٧٧

لا يقال : هذا إخبار عنهما خاصّ.

لأنّا نقول : اخبرنا عنهما لا بمجرّد ذكرهما بل معبّرين عنهما باسمين.

لا يقال : يصحّ أن يقال : «ضرب» فعل ماض و «في» حرف جرّ.

لأنّا نقول : الإخبار هنا عن اللّفظ لا عن المسمّى.

لا يقال : يصحّ أن يقال : ضرب لا يخبر عن مسمّاه : بمجرّد ذكره.

لأنّا نقول : الإخبار هنا عن اللفظ أيضا ، لامتناع أن يكون لمسمّى «ضرب» مسمّى.

وينقسم إلى صحيح وهو ما لم يكن في آخره ألف ولا ياء قبلها كسرة ، وإلى معتلّ إمّا مقصور وهو ما كان في آخره ألف ، وإما منقوص وهو ما كان في آخره ياء قبلها كسرة ، وإن كان في آخره همزة قبلها مدّ فهو الممدود.

وينقسم إلى معرب إمّا منصرف وهو ما يصلح أن يدخله جرّ وتنوين ، أو غيره وهو ما لا يصلح ذلك فيه من المعربات ، وإلى مبنيّ وهو ما شابه مبنيّ الأصل.

وأيضا فهو إمّا ظاهر ، وأقلّ ما يكون من ثلاثة أحرف حذرا من الإجحاف به ، مع قوّته بالنسبة إلى قسميه اللّذين يمكن وجود الثلاثة فيهما ، وقد يحذف الثالث لعارض كيد وأب ودم.

ولأنّ الأوّل لا يمكن أن يكون ساكنا ، والموقوف عليه لا يكون متحرّكا ، ولا بد من متوسّط ، للتنافر بين المتحرّك والساكن ، فوجبت الثلاثة.

لا يقال : المتوسّط إن كان متحرّكا جعل التنافر بينه وبين الآخر ، وإن كان ساكنا تنافر هو والأوّل.

١٧٨

لأنّا نقول : إنّه متحرّك ولا منافرة بينه وبين الأخير حينئذ من حيث إنّ اللسان قد عرض له الكلال بتوارد المتحرّكين ، فيطلب الراحة بالسّاكن.

وإمّا مضمر إمّا متّصل كالتاء من «فعلت» والكاف من «ضربك» والياء من «غلامي».

وإمّا منفصل كهو وأنت ، وتثنيتهما وجمعهما.

وإمّا مبهم كأسماء الإشارة نحو «ذا» و «تا» وتثنيتهما وجمعهما ، وقد تدخل عليهما هاء التّثنية في أوّله ، وكاف الخطاب في آخره.

والمنسوب ما دخل عليه ياء النّسب كهاشميّ وعلويّ.

والفعل ينقسم بانقسام الزمان إلى ماض كضرب ، ومضارع كيضرب ، وهو مشترك بين الحاضر والمستقبل ، ويخلص لأحدهما بالقرائن كالآن في الحاضر ، والسّين وسوف في المستقبل.

ويختصّ المضارع بحروف المضارعة في أوّله ، وهي الهمزة والنون والتاء والياء.

وأمّا فعل الأمر فما ينزع حرف المضارعة.

والماضي إذا أسند إلى ظاهر فهو مفرد وإلّا فمركّب ، لاشتماله على الضمير.

وأفعال المضارعة عدا الغائب عند بعضهم مركّبة ، وعند آخرين مفردة.

وأمّا الحرف فإنّما أتي به رابطة بين الاسم والفعل.

١٧٩

وأقسامه ثلاثة :

الأوّل : ما يكون حرفا خاصّة ك «من» و «إلى» و «حتّى» و «في» و «الباء» و «اللّام» و «ياء القسم» وواوه ، وتائه.

والثاني : ما يكون حرفا تارة واسما أخرى ك «على» و «عن» و «الكاف» و «مذ» و «منذ».

والثالث : ما يكون حرفا تارة ، وفعلا أخرى ك «حاشا» و «عدا» و «خلا» وسيأتي البحث في ذلك كلّه إن شاء الله تعالى.

المبحث الخامس : في نسبة اللفظ إلى المعنى

اللّفظ المفرد والمعنى إمّا أن يتّحدا أو يتكثّرا ، أو يتّحد اللّفظ ويتكثّر المعنى ، أو بالعكس فالأقسام أربعة :

الأوّل : أن يتّحدا معا ، فإن كان المعنى مانعا من الشركة لنفس تصوّره ، فهو العلم ، أو المضمر ، أو المبهم على ما سبق.

وإن لم يمنع فهو الكلّي ، فإن تساوت أفراده ، فهو المتواطئ أي المتوافق لتوافق أفراده فيه.

وإن تفاوتت بأن كان بعضها أشدّ من بعض فيه من الآخر ، كالبياض بالنسبة إلى بياض الثلج والعاج ، أو كان بعضها أولى من الآخر ، كالوجود للجوهر والعرض ، أو كان بعضها أقدم من البعض الآخر فيه ، كالوجود للعلّة والمعلول ، سمّي مشكّكا من حيث مشابهته للمتواطئ باعتبار اتّحاد المعنى.

١٨٠