نهاية الوصول إلى علم الأصول - ج ١

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية الوصول إلى علم الأصول - ج ١

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-152-1
ISBN الدورة:
978-964-357-238-0

الصفحات: ٦٢٩

وأمّا بطلان القسمين فظاهر.

الثاني : شرط دليل الخطاب عند القائلين به ، ألا يظهر أولويّة ولا مساواة في المسكوت عنه للمنطوق ، فيكون موافقه ، كما لو قال : ضحّوا بشاة ، فإنّه قد يتوهّم متوهّم أنّه لا يجوز التضحية بشاة عوراء ، فإذا قال : ضحّوا بشاة عوراء ، كان ذلك أدلّ على التضحية بما ليست عوراء.

وكذا لو قال : «لا تقتلوا أولادكم» يتوهّم (١) أنّه لم يرد النّهي عن قتلهم عند خشية الإملاق ، فإذا قال : (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ)(٢) كان أدلّ على المنع من قتلهم عند عدم الخشية.

وألا يكون قد خرج مخرج الأغلب ، كما في قوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا)(٣) ، لأنّ الباعث على التخصيص هو العادة ، فإنّ الخلع لا يجري غالبا إلّا عند الشّقاق.

وإذا احتمل أن يكون سبب التخصيص هو العادة ، لم يغلب على الظنّ أنّ سببه نفي الحكم عمّا عداه.

وكذا يشترط عدم عموم المذكور ، كما في قوله : (وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ)(٤).

وألا يكون لسؤال سائل ، كما لو قال : «أفي سائمة الغنم زكاة»؟ فقال : «في سائمة الغنم زكاة».

__________________

(١) في «أ» : يوهم.

(٢) الإسراء : ٣١.

(٣) النساء : ٣٥.

(٤) النساء : ٢٣.

٤٨١

وألا يكون لحدوث واقعة وقعت.

وبالجملة الشرط شيء واحد ، وهو ألا يكون للتخصيص سبب ظاهر إلّا نفي الحكم عمّا عداه.

الثالث : تعليق الحكم على وصف في جنس ، يقتضي نفيه عمّا عداه في ذلك الجنس إن قلنا بدليل الخطاب ، ولا يقتضي نفيه عمّا عداه في غير ذلك الجنس ، كما «في سائمة الغنم زكاة» فإنّه يقتضي نفيه عمّا عداه في ذلك الجنس ، ولا يقتضي نفيه في سائر الأجناس.

وقال بعض فقهاء الشافعيّة : إنّه يقتضي نفي الزكاة عن المعلوفة في جميع الأجناس. (١)

لنا أنّ دليل الخطاب نقيض المنطوق ، فكما يتناول المنطوق سائمة الغنم ، كان نقيضه مقتضيا لمعلوفة الغنم دون غيرها.

احتجّوا بأنّ السّوم يجري مجرى العلّة في وجوب الزكاة ، ويلزم من عدم العلّة عدم الحكم ، لأصالة اتّحاد العلّة.

والجواب : المذكور سوم (٢) الغنم ، لا مطلق السوم ، فيكون علّة في جنسه خاصّة.

الرابع : الوصفان المتضادّان إذا علّق أحدهما ، اقتضى نفيه عن الضدّ عند القائلين بدليل الخطاب ، وهل يقتضي نفيه عن النقيض؟ إشكال.

__________________

(١) نقله الرازي عن بعض الفقهاء. لاحظ المحصول : ١ / ٢٦٨.

(٢) في «أ» : بسوم.

٤٨٢

الخامس : تقييد الحكم بغاية مثل : «صوموا إلى اللّيل» يمنع ظاهرها من ثبوت الحكم بعدها ، لأنّ معناه : «صوموا صوما غايته وآخره اللّيل».

ولو قال ذلك ، لمنع من وجوب الصّوم بعد اللّيل ، إذ لو وجب أن يصوم بعد ذلك ، خرج الليل من أن يكون طرفا ، وصار وسطا للصّوم.

ويمكن أن يدلّ دليل على خلاف ظاهر الغاية ، فيوجب صيام قطعة من اللّيل ، فيدلّ حينئذ على أنّه سمّي اللّيل طرفا للصوم مجازا.

وقاضي القضاة قال : الغاية تدلّ على أنّ ما بعدها بخلافها ، لأنّ فائدة ضرب الغاية ، زوال الحكم بعدها (١).

وهذا مساو لمن قال : إنّ التقييد بالوصف يدلّ على نفيه عمّا عداه.

المبحث العاشر : في أنّ الامر هل يدخل تحت الأمر؟

فصّل أبو الحسين (٢) هنا جيّدا فقال : هذا الباب يتضمّن مسائل :

الأولى : هل يمكن أن يقول الإنسان لنفسه : «افعل» مع أنّه يريد ذلك الفعل؟ ولا شكّ في إمكانه.

الثانية : هل يسمّى ذلك أمرا؟

الحقّ عدمه ، لاعتبار الاستعلاء في الأمر ، وإنّما يتحقّق بين اثنين ، ومن

__________________

(١) نقله عنه في المعتمد : ١ / ١٤٥.

(٢) أبو الحسين محمّد بن علي بن الطيّب البصري المعتزلي المتوفّى سنة ٤٣٦ ه‍ ، صاحب كتاب المعتمد في أصول الفقه.

٤٨٣

يحذف الاستعلاء يقول : الأمر طلب الفعل من الغير ، ولا مغايرة بين الشخص ونفسه ، فلا أمر.

الثالثة : هل يحسن ذلك أم لا؟

الحقّ العدم ، فإنّ فائدة الأمر إعلام الغير طلبه ، ولا فائدة في إعلام الشخص نفسه ما في قلبه ، بل لا يتحقّق ذلك.

الرابعة : إذا خاطب الإنسان غيره بالأمر ، فإن نقل كلام ذلك الغير دخل ، كقوله : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ)(١) لأنّه خطاب مع المكلّفين.

وإن نقل أمر غيره بكلام نفسه دخل أيضا إن يتناوله ، مثل : «إنّ الله تعالى يأمرنا بكذا» ، وإن لم يتناوله ، لم يدخل ، مثل : «إنّ الله يأمركم». (٢)

المبحث الحادي عشر : في الأمرين المتعاقبين

إذا ورد أمر عقيب آخر ، فإمّا أن يكون مختلفين أو لا ، فإن كان الأوّل تغاير مقتضاهما إجماعا ، وإن صحّ اجتماعهما وجب على المأمور فعلهما إمّا مجتمعين أو مفترقين (٣) إلّا أن يدلّ دليل منفصل على إيجاب أحدهما ، كقوله : «صم» «صلّ».

وإن امتنع الجمع ، إمّا عقلا ، كالصّلاة في مكانين ، أو سمعا ، كالصّلاة

__________________

(١) النساء : ١١.

(٢) المعتمد : ١ / ١٣٦ ـ ١٣٨ ، نقله المصنّف بتلخيص.

(٣) في «ب» و «ج» : أو متفرقين.

٤٨٤

والصدقة ، وجب فعلهما معا مفترقين ، وسواء في ذلك ورود الثاني بحرف عطف أو بغيره.

وإن كان الثاني ، فإمّا أن يصحّ فيه الزائد أو لا ، فالأوّل إن كان مجرّدا عن العطف ، قال القاضي عبد الجبّار : إنّه يفيد غير ما يفيده الأوّل إن لم تمنع العادة ، كقوله «اسقني ماء» «اسقني ماء» فإنّ العادة تمنع من تكرار سقيه في حالة واحدة غالبا.

أو يكون الثاني معرّفا ، مثل «صلّ ركعتين» «صلّ الركعتين» فإنّ اللام تنصرف إلى العهد غالبا.

أمّا إذا تعرّى عنهما (١) فإنّه يقتضي المغايرة ، مثل «صلّ غدا ركعتين ، صلّ غدا ركعتين».

وقال أبو الحسين بالوقف (٢).

احتجّ القاضي بأنّ الأمر يقتضي الوجوب ، والفعل الأوّل وجب بالأمر الأوّل ، فيستحيل وجوبه بالثاني ، وإلّا لزم تحصيل الحاصل ، فلو انصرف الثاني إلى الفعل الأوّل ، لزم حصول علّة الوجوب من دون المعلول ، فوجب صرفه إلى فعل آخر.

ولأنّ صرفه إلى الأوّل يفيد التأكيد ، وإلى غيره يفيد التأسيس ، والثاني أولى (٣).

__________________

(١) في «ب» : تعرى عنهما.

(٢) المعتمد : ١ / ١٦٢.

(٣) لاحظ المعتمد : ١ / ١٦١ ـ ١٦٢ ؛ والمحصول للرازي : ١ / ٢٧١.

٤٨٥

وفيه نظر ، لأنّ تحصيل الحاصل إنّما يلزم لو لم يفد التأكيد ، أمّا على تقدير إفادته فلا ، كما في المعرّف.

وما تمنع العادة من تكرّره ، فإنّ الثاني يفيد ما أفاده الأوّل إجماعا.

وفائدة التأسيس وإن كانت أولى ، إلّا أنّ أصالة براءة الذّمّة واستصحاب حال العدم راجح على ضدّهما.

نعم الاحتياط يقتضي التغاير ، لاحتمال أن يكون للوجوب في نفس الأمر وفي تركه محذور فوات المقصود من الواجب ، وتحصيل مقصود التأكيد ، ومعلوم أنّ تفويت مقصود التأكيد وتحصيل مقصود الواجب أولى.

وإن كان هناك عطف ، فإن خلا عن التعريف تغايرا ، لامتناع عطف الشيء على نفسه ، مثل : «صلّ ركعتين» «وصلّ ركعتين» وإن عرّف الثاني مثل «صلّ ركعتين» «وصلّ الرّكعتين» توقّف أبو الحسين (١) إذ يمكن حمله على تلك الصلاة باعتبار التعريف ، وعلى غيرها باعتبار العطف ، ولا أولويّة.

وقيل (٢) : الثاني أولى ، إذ لام الجنس قد تكون لتعريف الماهيّة ، كما تكون لتعريف المعهود السابق ، ومع إرادة العهد يمكن أن يكون المعهود هو الصّلاة الّتي تناولها الأمر الأوّل ، أو غيرها ممّا تقدّم ، فيبقى العطف سليما عن المعارض (٣).

__________________

(١) المعتمد : ١ / ١٦٣.

(٢) القائل هو الفخر الرّازي.

(٣) المحصول : ١ / ٢٧١ ـ ٢٧٢.

٤٨٦

وفيه نظر ، لأنّ «الواو» تحتمل أن تكون للابتداء ، كما تحتمل العطف ، ولو عطف بغير الواو احتمل التأكيد.

وإن كان الثاني ، وهو ما لا يصحّ فيه الزائد إمّا عقلا كقتل زيد ، وصوم يوم ، أو شرعا كعتق زيد ، فإنّه قد كان يجوز تزايده (١) ، ويقف تمام الحرّيّة على عدد كالطّلاق.

فإن كان الأمران عامّين أو خاصّين ، اتّحد المأمور ، وحمل الثاني على التأكيد ، سواء كان هناك حرف عطف أو لا ، مثل : «اقتل كلّ إنسان واقتل كلّ إنسان» ، «واقتل زيدا ، واقتل زيدا».

وإن اختلفا في العموم ، سواء تقدّم العامّ أو الخاصّ ، فإن كان هناك عطف ، مثل : صم كلّ يوم ، وصم يوم الجمعة.

قيل : إنّ الثاني غير داخل ، ليصحّ العطف (٢).

وقيل بالوقف (٣) إذ ليس ترك ظاهر العموم أولى من ترك ظاهر العطف ، وحمله على التأكيد.

وإن تجرّد مثل : «صم كلّ يوم ، صم يوم الجمعة» ، حمل الثاني على التأكيد ، لعموم الأوّل الدالّ على أنّه لم يبق من ذلك الجنس شيء لم يدخل تحت العامّ ، وقد سلم عن معارضة العطف.

__________________

(١) أي يجوز أن يتزايد عتقه.

(٢) نقله الفخر الرّازي عن بعض الأصوليّين. المحصول : ١ / ٢٧٢ ـ ٢٧٣.

(٣) القائل هو الرازي في محصوله : ١ / ٢٧٣.

٤٨٧

الفصل الرّابع :

في أقسام الأمر

اعلم أنّ الأمر له تعلّق بالمأمور به ، والمأمور ، والزّمان ، وله بحسب كلّ واحد من هذه ، أقسام.

أمّا بالنظر إلى الأوّل ، فإنّه ينقسم إلى معيّن ، وإلى مخيّر.

وأمّا بالنظر إلى الثاني ، فإلى ما يجب على التعيين ، وعلى الكفاية.

وأمّا بالنظر إلى الثالث فإلى مضيّق وإلى موسّع.

فهاهنا مباحث :

المبحث الأوّل : في الواجب المخيّر

اختلف الناس هنا ، فقالت المعتزلة : الأمر بالأشياء على التخيير كما في خصال الكفّارة ، يقتضي وجوب الكلّ على التخيير.

وذهبت الأشاعرة والفقهاء إلى أنّ الواجب واحد لا بعينه ، ويتعيّن بفعل المكلّف.

والظاهر أنّه لا خلاف بينهما في المعنى ، لأنّ المعتزلة قالوا : نريد

٤٨٨

بوجوب الكلّ على البدل : أنّه لا يجوز للمكلّف الإخلال بها أجمع ، ولا يلزمه الجمع بينها ، وله الخيار في تعيين أيّها شاء.

والفقهاء عنوا بقولهم : «الواجب واحد لا بعينه» ، هذا ، فلا خلاف معنويّ بينهم.

نعم هنا مذهب تبرّأ كل من المعتزلة والأشاعرة منه ، ونسبه كلّ منهم إلى صاحبه ، واتّفقا على فساده ، وهو : أنّ الواجب واحد معيّن عند الله تعالى غير معيّن عندنا ، إلّا أنّ الله تعالى يعلم أنّ ما يختاره المكلّف هو ذلك المعيّن عنده تعالى (١).

والدليل على بطلانه : أنّ الواجب إذا كان واحدا معيّنا عند الله تعالى ، استحال منه تعالى أن يخيّر فيه ، إذ معنى التخيير تجويز ترك كلّ واحد بشرط الإتيان بالآخر.

وكونه معيّنا عند الله ، معناه : المنع من تركه بعينه ، سواء فعل الآخر أو لا ، والجمع بين جواز الترك ، وعدم جوازه متناقض.

لا يقال : لا منافاة بين التخيير والتعيين ، لأنّه تعالى وإن خيّر بين الكفّارات ، لكنّه علم أنّ المكلّف لا يختار إلّا ذلك الّذي هو واجب عليه ، فلا يقع الإخلال بالواجب.

أو نقول : يجوز أن يكون لاختيار المكلّف تأثير في كون ما اختاره واجبا.

أو يمكن أن يكون ما عداه مباحا ، يسقط به الفرض ، كما جوّز بعضهم سقوط الفرض بالمحظور.

__________________

(١) نقله في المعتمد عن الفقهاء : ١ / ٧٩ ؛ ولاحظ المحصول للرازي : ١ / ٢٧٤.

٤٨٩

لأنّا نقول : لمّا خيّر الله تعالى بينه وبين غيره ، فقد أباح تركه ، وإيجابه على التعيين معناه : أنّه لا يجوز تركه وإن فعل غيره ، ولا شكّ في التنافي بينهما.

وقبل : اختيار المكلّف لا بدّ من الوجوب ، فمحلّه إن كان معيّنا ، كان منافيا للتخيير.

وإن كان غير معيّن ، فهو محال الوجود ، وأيضا فليس محلّ النزاع.

وإن كان [الواجب] الجميع بشرط التخيير فهو المطلوب.

والإجماع واقع على أنّ الآتي بأيّ الخصال كان ، أتى بالواجب لا ببدله.

احتجّ المخالف بوجوه :

الأوّل : لو لم يكن الواجب واحدا معيّنا ، لكان المكلّف إذا فعلها أجمع ، فالمقتضي لسقوط الفرض إن كان هو الجميع ، كان الجميع واجبا ، ولا شك في أنّ الإتيان بالكلّ ليس بواجب ، وإن كان كلّ واحد ، لزم اجتماع العلل المستقلّة بالتأثير على المعلول الواحد ، وهو محال ، وإلّا لزم أن يكون بكلّ واحد منها واجب الوجود ، فيستغنى عن الآخر ، لكن المؤثّرات معا ، فالاستغناء معا ، لكنه محتاج ، فيلزم أن يكون غنيّا عنها معا ومحتاجا إليها معا ، هذا خلف.

وإن كان [سقوط الفرض] بواحد ، استحال أن يكون غير معيّن ، لأنّ غير المعيّن لا وجود له في الخارج ، والأثر المعيّن موجود في الخارج ، فلا يكون معلولا له ، فلا يكون سقوط الفرض معلّلا بما يمتنع الإتيان به في الخارج ، فيكون معيّنا ، وليس معيّنا عندنا ، فيكون [معيّنا] عند الله تعالى ، وهو المطلوب.

٤٩٠

الثاني : لو فعل المكلّف الجميع ، فالموصوف بالوجوب ليس المجموع ، ولا كلّ واحد ، وإلّا لكان الكلّ واجبا على التعيين لا التّخيير ، ولا واحدا غير معيّن ، لاستحالة وجوده ، فيستحيل إيجابه ، فيكون معيّنا في نفسه ، غير معلوم لنا.

الثالث : إذا فعل المكلّف الجميع ، فإن استحقّ ثواب الواجب بها أجمع ، أو لكلّ واحد منها ، لزم إيجاب الجميع عينا ، وإن كان بواحد وجب أن يكون معيّنا ، لأنّ استحقاق الثواب على فعله حكم ثابت له معيّن ، فيستدعي محلّا معيّنا.

ولأنّ فعل شيء غير معيّن محال ، فيكون ذلك الواجب معيّنا في نفسه غير معلوم [للمكلّف].

الرابع : إذا فعل الجميع ، فإمّا أن ينوي الواجب في فعل الجميع ، أو كلّ واحد ، ويلزم منها وجوب الكلّ عينا ، أو فعل غير معيّن ، وهو محال ، فيكون في فعل معيّن عند الله تعالى لا عندنا.

الخامس : لو أخلّ المكلف بها أجمع ، فإن استحقّ العقاب على ترك كلّ واحد منها ، كان كلّ واحد واجبا ، أو على ترك واحد غير معيّن ، وهو محال ، فإنّه إذا لم يتميّز أحدها بصفة الوجوب ، استحال إسناد العقاب إلى واحد منها ، وإلّا لزم التّرجيح من غير مرجّح.

ولأنّ استحقاق العقاب على الترك ، أمر معيّن ، فيستدعي محلّا معيّنا.

ولأنّ استحقاق العقاب على الترك ، يستدعي إمكان الفعل ، ولا إمكان لفعل غير المعيّن.

٤٩١

والجواب عن الأوّل : علل الشرع معرّفات لا موجبات ، فجاز تعدّدها.

ولأنّ المقتضي للسقوط ، الكلّي وهو موجود في الخارج.

وعن الثاني : إن أردت بقولك : كلّها واجبة لزوم فعلها بعد أن فعلت ، فهو محال ، وغير لازم.

وإن أردت أنّها قبل دخولها في الوجود هل كانت بحيث يجب تحصيلها إمّا على الجمع ، أو البدل؟

قلنا : بل على البدل ، على معنى أنّها بعد وجودها ، يصدق عليها أنّها قبل الوجود ، بحيث يجب تحصيل أيّ واحد اختاره المكلّف بدلا عن صاحبه.

على أنّ هذين يلزمان الخصم ، حيث يوجب ما يختاره المكلّف ، فإنّه لو اختار الجميع ، لزم ما قالوه.

وعن الثالث : أنّه يستحقّ على فعل كلّ واحد منها ثواب [الواجب] المخيّر لا المضيّق ، بمعنى : أنّه يستحقّ على فعل أمور ، كان له ترك كلّ واحد [منها] بشرط الإتيان بصاحبه ، لا ثواب فعل أمور كان يجب عليه إتيان كلّ واحد منها بعينه ، ولا كما قاله بعضهم : إنّه يستحقّ ثواب الواجب على فعل أكثرها ثوابا ، وإلّا لكان هو الواجب.

الجواب عن الرابع وعن الخامس : أنّه يستحقّ العقاب على ترك أمور كان مخيّرا في الإتيان بأيّها كان وترك أيّها كان ، بشرط إتيان صاحبه ، لا كما قيل : من أنّه يستحقّ على ترك أقلّها عقابا. (١)

__________________

(١) نقله الرازي عن بعض الأصوليّين لاحظ المحصول : ١ / ٢٧٩.

٤٩٢

واحتجّ القائلون بوجوب واحد غير معيّن بأنّ الإنسان لو عقد على قفيز من صبرة لم يكن معيّنا ، بل الخيار للمشتري في التعيين ، فقد صار الواجب غير المعيّن معيّنا باختيار المكلّف.

وكذا لو طلّق إحدى زوجاته ، أو أعتق أحد عبيده ولم يعيّن ، أو لو خطب المرأة اثنان ، فإنّه يحرم الجميع.

ولأنّ السيّد لو قال لعبده : «قد أوجبت عليك في هذا اليوم أحد الأمرين : إمّا الخياطة أو البناء ، ولا أوجبتهما معا عليك ، ولا أوجبت واحدا بعينه ، بل أيّهما شئت فافعل ، ولا أبيح لك تركهما معا.

فإنّ السيّد هاهنا ، لم يسقط عنه وجوبهما ، ولا أوجبهما معا ، ولا أوجب واحدا بعينه ، فتعيّن أن يكون قد أوجب واحدا غير معيّن.

والجواب : أنّ كلّ قفيز ، معقود عليه على البدل ، إذ لا أولويّة لأحدهما باختصاص العقد ، بل الخيار للمشتري.

وكذا في الطلاق والعتق ، فإنّ كلّ واحد من الزوجات مطلّقة على البدل ، وأيّ امرأة اختار فراقها تعيّنت للفرقة ، وحلّت الاخرى ، وأيّ عبد اختار تعيينه للعتق ، عتق وحلّ له استخدام الباقي.

وكذا إيجاب الخياطة والبناء ، فإنّ كلّ واحد منهما واجب على البدل ، ولا اختصاص لأحدهما بالإيجاب.

قال أبو الحسين البصري ، ونعم ما قال : «ينبغي أن نبيّن معنى قولنا : الأشياء واجبة على البدل ، ومعنى إيجاب الله سبحانه إيّاها على البدل ، ونبيّن الشرط في إيجابها على البدل ، ونبيّن جواز ورود التعبّد بها على البدل ،

٤٩٣

ونبيّن الطريق إلى ثبوت التعبّد بالأشياء على البدل ، ونبيّن أنّ الله تعالى قد تعبّدنا بأشياء على البدل ، ونبيّن كيفية التعبّد بها.

أمّا قولنا : الأشياء واجبة على البدل ، فمعناه : أنّه لا يجوز الإخلال بالجميع ، ولا فعل الجميع ، وفعل كلّ واحد موكول إلى اختياره ، لتساويهما في وجه الوجوب.

ومعنى إيجاب الله تعالى هو : أنّه كره ترك جميعها ، وأراد كلّ واحد منها ، ولم يكره ترك كلّ واحد منها إذا فعل المكلّف الآخر ، وفوّض إلى المكلّف فعل أيّها شاء ، وعرّفه جميع ذلك ، وقد يجوز أن يريد جميعها على البدل ، وعلى الجميع.

ويفارق هذا ، الواجب المرتّب ، كالتيمّم والوضوء ، لأنّ ذلك ليس موكولا إلى اختيار العبد.

وأمّا شرط التعبّد بالواجب المخيّر فأمران : تمكّن العبد من الفعلين ، بأن يقدر عليهما ، ويتميّزان له ، وتساويهما في الصّفة الّتي تناولها التعبّد ، بأن يكونا واجبين أو ندبين ، فإنّه لو خيّر تعالى بين قبيح ومباح ، لكان قد أذن في فعل القبيح.

ولو خيّر بين ندب ومباح ، لكان قد جعل للمكلّف أن يفعله ، وألا يفعله ، من غير أن يرجّح فعله على تركه ، وذلك يدخله في كونه مباحا.

ولو خيّر بين واجب وندب ، لكان قد فسح في ترك الواجب ، لأنّه قد أباح تركه إلى غيره.

فأمّا التخيير بين تقديم الزّكاة وتأخيرها ، فإنّه ليس تأخيرا بين

٤٩٤

واجب وندب ، وإنّما خيّر الإنسان بين أن يجعل نفسه عند حئول الحول على الصّفة الّتي تجب معها الزكاة ، بأن لا يقدّم الزّكاة ، وبين أن يخرج نفسه عن هذه الصّفة ، بأن يقدّمها.

وقيل (١) : إنّه إنّما خيّر بين التقديم والتأخير ، لأنّ كلّ واحد منهما يسدّ مسدّ صاحبه في المصلحة ، ولا يجوز أن يخيّر الإنسان بين أن يفعل الفعل ولا يفعله ، إلّا إذا كان مباحا.

وأمّا الدّليل على جواز التعبّد بالمخيّر ، فهو : أنّه لا يمتنع عقلا أن يصلح زيد عند كلّ واحد من فعلين ، كما لا يمتنع أن يصلح عند فعل واحد معيّن.

وكما جاز أن يكون الفعل صلاحا لشخص واحد ، جاز أن يكون الفعلان صلاحا في واجب واحد.

وعلى هذا التقدير ، لا يحسن ألا يكلّف شيئا منهما ، لما فيه من تفويت المصلحة ، ولا إيجابهما جمعا ، ولا أحدهما عينا ، وإلّا لزم الفصل بينهما في الوجوب ، مع اشتراكهما في وجهه (٢).

وأمّا طريق التعبّد به فأمران : عقليّ بأن يعلم عقلا تساوي شيئين أو أكثر في وجه الوجوب ، كردّ الوديعة بكلّ واحدة من اليدين.

وشرعيّ ، وهو قسمان : مشروط بطريق عقليّ ، نحو أن يأمرنا الله تعالى بأشياء في وقت يستحيل الجمع بينها (٣) ، فيعلم أنّها على التّخيير.

__________________

(١) القائل أبو الحسين البصري في المعتمد : ١ / ٧٨.

(٢) في «ب» و «ج» : في جهته.

(٣) في «ج» و «ب» : بينهما.

٤٩٥

وغير مشروط ، إمّا بأن يرد السمع بتساوي أشياء في وجه الوجوب ، أو يرد بإيجاب اشياء على التخيير» (١).

واعلم أنّ التقرير الّذي ذكرناه أوّلا ، يرفع الخلاف بين الفريقين.

لا يقال : لو كان الواجب واحدا من حيث هو أحد الثلاثة ، لوجب أن يكون المخيّر فيه ، واحدا لا بعينه ، من حيث هو أحدها ، فإن تعدّدا ، لزم التخيير بين واجب وغير واجب ، وإن اتّحدا ، لزم اجتماع التخيير والوجوب. (٢)

لأنّا نقول : إنّه لازم في الجنس والخاطبين. (٣)

والأقرب أنّ الّذي وجب لم يخيّر فيه ، والمخيّر فيه لم يجب ، لعدم التعيين.

والتعدّد يمنع كون المتعلّقين واحدا ، كما لو حرّم واحدا ، وأوجب واحدا.

لا يقال : يعمّ ، ويسقط ، وإن كان بلفظ التخيير كالكفاية.

لأنّا نقول : الإجماع في الكفاية على تأثيم الجميع بترك الكلّ ، وهنا الإثم بترك واحد.

وأيضا فالفرق واقع ، فإنّ تأثيم واحد من ثلاثة لا بعينه محال ، بخلاف الإثم على ترك واحد من ثلاثة.

__________________

(١) المعتمد : ١ / ٧٧ ـ ٧٩ بتفاوت يسير.

(٢) ما ذكره استدلال للمعتزلة القائلين بأنّ الواجب هو الجميع قالوا :

«لو كان الواجب واحدا من حيث هو أحدها لا بعينه مبهما ، لوجب أن يكون المخيّر فيه واحدا لا بعينه من حيث هو أحدها ، فإنّ تعدّد الواجب والمخيّر فيه لزم التخيير بين واجب وغير واجب ، مثل : «صلّ» أو «كل» ، وإن اتّحد الواجب والمخيّر فيه ، لزم اجتماع التخيير ـ وهو جواز الترك ـ والوجوب ـ وهو عدم جواز الترك ـ في شيء واحد ، وهما متناقضان».

(٣) ردّ على المعتزلة توضيحه : أنّه إذا قال : أعتق واحدا من جنس الرقبة ، أو قالت : زوّجني لأحد الخاطبين ، فلو كان التخيير يوجب الجميع لوجب إعتاق جميع الرّقاب وتزويج الخاطبين.

٤٩٦

لا يقال : يجب أن يعلم الامر الواجب.

لأنّا نقول : يعلمه كما أوجبه ، وإذا أوجب غير معيّن ، وجب أن يعلمه غير معيّن.

لا يقال : علم ما يفعل ، فكان الواجب (١).

قلنا : يكون واجبا ، لكونه واحدا منها لا لخصوصه ، للقطع بأنّ الخلق فيه سواء.

وأيضا لو كان الواجب واحدا بعينه ، لوجب عليه تعالى بيانه وإلّا لزم تكليف ما لا يطاق.

وأيضا لو كان الواجب واحدا بعينه ، لكان الله قد تخيّر بين الواجب وما ليس بواجب.

لا يقال : يعلم الله تعالى أنّ المكلّف لا يختار إلّا الواجب.

لأنّا نقول : إن لم يكن لاختيار المكلّف تأثير في كونه مصلحة ، وواقعا على وجه الوجوب ، لزم أن يتّفق وقوع المكلّفين على كثرتهم وطول أزمنتهم ، على المصلحة دون المفسدة ، وذلك محال قطعا ، وأن يجوز اتّفاق تصديق أنبياء من جملة كذّابين ممّن لا يعلم الفرق بينهم. (٢)

__________________

(١) والمراد : علم الله ما يفعل العبد ، فكان المفعول الواجب في علم الله تعالى.

(٢) توضيحه : أنّه لو لم يكن لاختيار المكلف تأثير في كون الفعل ذا مصلحة وإنّما تتبع المصلحة ، لكون الفعل واجبا واقعا عند الله ، فحينئذ يلزم في اتّصاف فعل المكلّف بالوجوب ، اتّفاق ـ

٤٩٧

وأيضا ، لو صحّ وقوع الواجب اتّفاقا ، لم يخرج الباري تعالى من كونه مخيّرا لنا بين الواجب وما ليس بواجب ، ومبيحا لنا الإخلال بالواجب ، وإن علم أنّا لا نخلّ به.

وأيضا ، فالإجماع على أنّ من كفّر بواحدة ، لو كفّر بغيرها ، أجزأه ، وكان مكفّرا بما تعبّد به ، فلو لم يكن واجبا ، لم يكن مجزئا.

وإن كان لاختياره تأثير ، فإمّا أن تكون مصادفة الاختيار لأيّ فعل أشير إليه ، تجعله مصلحة ، حتّى يكون الاختيار هو المؤثّر في كون [الفعل] المختار صلاحا ، أو تكون مصادفته لواحدة من الكفّارات الثلاث ، هو المصلحة.

فإن كان الأوّل ، جاز أن يكفّر بغير الثلاثة.

وإن كان الثاني ، فإمّا أن يشترك الثلاث في الوجه الّذي فارقت به غيرها ، وهو أن صار الفعل مصلحة إذا قارنه الاختيار ، أو لا تشترك ، بل الواحد منها هو المختصّ بهذا الوجه.

فإن كان الثاني ، كان ما هو مصلحة إذا اخترناه واحدا منها لا غير ، فيمتنع أن يخيّر الله تعالى فيه وفي غيره ، ويجب عدم الإجزاء لو فعلنا غيره ، والإجماع واقع على الإجزاء بغيره.

وإن اشتركت ، وجب أن يكون كلّ واحد منها لو فعله ، سدّ مسدّ الآخر في المصلحة ، وهو مذهبنا بعينه إلّا في شيء واحد ، وهو : أنّكم قلتم : للاختيار تأثير

__________________

ـ المكلّفين ـ صدفة ـ على اختيار ما هو الواجب واقعا ، وهذا محال عادة مع طول الأزمنة. وهذا يشبه بصدور الفعل المتقن من الجاهل بإتقان الفعل أو تمييز الجاهل ، الصادق من الأنبياء من الكاذب ، مع عدم الخبرويّة له.

٤٩٨

في كون الفعل مصلحة ، مع ما عليه الفعل من الوجه ، وهذا لا معنى له ، فإنّ العبد عالم بما يفعله ، فيجب أن يقصد ويريد ما يفعله.

وما لا بدّ منه في الفعل ، لا معنى لاشتراطه في المصلحة ، وإلّا لجاز أن يجعل اختيار كلّ واجب ، شرطا في كونه واجبا ، ولزم الدور ، وخرج الجميع عن الوجوب لو لم يخيّر.

لا يقال : جاز أن يكون ما عدا تلك الكفّارة مباحا ، ويسقط به الفرض ، كما أنّ الفرض قد يسقط بالقبيح.

لأنّا نقول : الإجماع على أنّه لو كفّر بغيرها لكفّر بالواجب.

ولأنّ القبيح إنّما يسقط به الفرض ، إذا سدّ مسدّه في وجه المصلحة ، وإنّما قبح ولم يدخل تحت التكليف ، لما فيه من وجه القبح.

ولأنّه إذا فعله المكلّف ، صار لو فعل ذلك الواجب لم يكن على صفة المصلحة ، فيسقط وجوبه لهذا.

أمّا المباح ، فلو سقط به الواجب ، لكان إمّا أن يسقط به ، لأنّه ساواه في وجه الوجوب ، فيلزم كونه واجبا ، لانتفاء وجه القبح المانع من وجوبه عنه ، أو لأنّه يصير الواجب معه غير مصلحة ، وذلك يجعله مفسدة ، لأنّ عنده يبطل لطف ، المكلّف ، ويصير فاعلا للقبيح ، ولولاه لكان له لطف يصرفه عن ذلك القبيح.

وأمّا أنّ الله تعالى تعبّد بأشياء على البدل ، فظاهر من خصال الكفّارات.

وأمّا كيفيّة التعبّد ، فاعلم أنّ الأشياء الواجبة الّتي لا تجب جمعا ، قد

٤٩٩

تجب على الترتيب ، كالتيمّم والوضوء ، فإمّا أن يكون الجمع مرادا وإن لم يجب ، كالعتق ، والصوم في كفّارة اليمين ، وإن لم يكن الصوم بعد العتق كفّارة ، أو لا يكون ، كتناول الميتة ، وأكل المباح.

وقد تجب على البدل ، وهو ضربان : أحدهما أن يكون بأجمعها مرادة ، وإن لم يجب الجمع ، كخصال الكفّارة ، أو لا يكون كالتزويج من الكفأين.

وقد بقي حجج من الفريقين ، فقالت الأشاعرة : لو كان الجميع واجبا لكان الأمر بإيجاب عتق عبد من العبيد على وجه التخيير موجبا للجمع ، وهو باطل.

ولأنّه يمنع من التخيير ، فإنّه لا يحسن أن يقول : «أوجبت صلاتين فصلّ أيّتهما شئت واترك أيّتهما شئت».

ولأنّ الواجب ما لا يجوز تركه مع القدرة عليه ، وهذا الجمع يجوز تركه.

وقالت المعتزلة : لو كان الواجب واحدا لا بعينه ، لكان شيء منها لا بعينه غير واجب ، فيلزم التخيير بين الواجب وما ليس بواجب.

ولأنّه لو كان الواجب واحدا لا بعينه ، ثمّ كفّر ثلاثة كلّ واحد من الخصال بغير ما كفّر به الآخر ، لكان الواحد لا بعينه هو المكفّر بالواجب دون الباقين.

والجواب عمّا تقدّم : أنّا نقول : نعم الجميع واجب مخيّر فيه ، وإيجاب الصلاتين مع التخيير بينهما إنّما يصحّ في المخيّر لا المعيّن ، ونحن لا نقول بوجوب الإتيان بالجميع حتّى نمنع من تركه.

واعلم أنّ التحقيق في هذا الباب أن نقول : الواجب هو الكلّي لا الجزئيّات.

٥٠٠