تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٧

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٧

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ) ، أي : وهب لي وأنا كبير آيس من الولد.

قيّد الهبة بحال الكبر استعظاما للنّعمة ، وإظهارا لما فيها من آلائه.

(إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ).

نقل (١) : أنّه ولد له إسماعيل لتسع وتسعين سنة ، وإسحاق لمائة واثنتي عشرة سنة.

(إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ) (٣٩) ، أي : لمجيبه. من قولك : سمع الملك كلامي : إذا اعتدّ به.

وهو من أبنية المبالغة العاملة عمل الفعل ، أضيف إلى مفعوله أو فاعله على إسناد السّماع إلى دعاء الله على المجاز.

وفيه إشعار بأنّه دعا ربّه وسأل منه الولد ، فأجابه ووهب له سؤله حين ما وقع اليأس منه ، ليكون من أجلّ النّعم وأجلاها.

(رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ) : معدّلا لها ، مواظبا عليها.

(وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) : عطف على المنصوب في «اجعلني».

والتّبعيض ، لعلمه بإعلام الله واستقراء عادته في الأمم الماضية ، أنّه يكون في ذرّيّته كافر.

(رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ) (٤٠) : واستجب دعائي. أو وتقبّل عبادتي.

(رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَ) وقرئ (٢) : «ولأبويّ» (٣).

في تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : قال : إنّما نزلت «ولولديّ» ، إسماعيل وإسحاق.

وفي مجمع البيان (٥) : وقرأ حسين (٦) بن عليّ ـ عليه السّلام ـ وأبو جعفر ، محمّد بن علي ـ عليه السّلام ـ : «ولولديّ».

وفي تفسير العيّاشي (٧) : عن حريز [بن عبد الله] (٨) [عن أبي عبد الله عليه

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٣.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٤.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : لأبويه.

(٤) تفسير القمّي ١ / ٣٧١ ـ ٣٧٢.

(٥) المجمع ٣ / ٣١٧.

(٦) المصدر : الحسن.

(٧) تفسير العياشي ٢ / ٢٣٤ ، ح ٤٥.

(٨) من المصدر.

٨١

السّلام] (١) ، عمّن ذكره ، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ أنّه [كان يقرأ] (٢) (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَ) (٣) ، يعني : إسماعيل وإسحاق.

[وفي رواية اخرى (٤) عمّن ذكره عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ أنّه قرأ : (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَ)] (٥) قال آدم وحوّاء.

عن جابر (٦) قال : سألت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَ).

قال : هذه كلمة صحفها (٧) الكتاب ، إنّما كان استغفاره لأبيه عن موعدة وعدها إيّاه ، وإنّما كان (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَ) (٨) ، يعني : إسماعيل وإسحاق. والحسن والحسين ، والله ، ابنا (٩) رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

(وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ) (٤١) : يثبت. مستعار من القيام على الرّجل ، كقولهم : قامت (١٠) الحرب على ساق ، أو يقوم إليه أهله. فحذف المضاف ، أو أسند إليه قيامهم مجازا.

(وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) : خطاب لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

قيل (١١) : المراد به : تثبيته على ما هو عليه والتّنبيه على أنّه مطّلع على أحوالهم وأفعالهم لا يخفى عليه خافية ، والوعيد بأنّه معاقبهم على قليله وكثيره لا محالة.

أو لكلّ (١٢) من توهّم غفلته ، جهلا بصفاته واغترارا بإمهاله.

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) من المصدر.

(٣) نور الثقلين ٢ / ٥٥٢ ، ح ١٢٤ : «ولولديّ» وهو الصحيح بدليل ما بعدها.

(٤) تفسير العياشي ٢ / ٢٣٤ ، ح ٤٦.

(٥) من المصدر.

(٦) نفس المصدر والمجلّد / ٢٣٥ ، ح ٤٧.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : صفحها.

(٨) كذا في نور الثقلين ٢ / ٥٥٢ ، ح ١٢٦. وفي النسخ والمصدر : لوالديّ.

(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : «وإنّما عنى» بدل «والله ابنا».

(١٠) ب : زيادة «والله».

(١١) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٤.

(١٢) أي : أو خطاب لكلّ.

٨٢

وقيل (١) : إنّه تسلية للمظلوم ، وتهديد للظّالم.

(إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ) : يؤخّر عذابهم.

وعن أبي عمرو (٢) ، بالنّون (٣).

(تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ) (٤٢) ، أي : تشخص أبصارهم ، فلا تقرّ في أماكنها من هول ما ترى.

في تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : قال : تبقى أعينهم مفتوحة من هول جهنّم ، لا يقدرون أن يطرفوا. (٥) (مُهْطِعِينَ) : مسرعين إلى الدّاعي. أو مقبلين بأبصارهم لا يطرفون هيبة وخوفا.

و «الإهطاع» هو الإقبال على الشّيء.

(مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ) : رافعيها.

(لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ) : بل تثبت عيونهم شاخصة لا تطرف. أو لا يرجع إليهم نظرهم فينظروا إلى أنفسهم.

(وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ) (٤٣).

قيل (٦) : خلاء ، أي : خالية عن الفهم لفرط الحيرة والدّهشة. ومنه يقال للأحمق وللجبان : قلبه هواء ، أي : لا رأي فيه ولا قوّة.

وقيل (٧) : خالية من الخير ، خاوية عن الحقّ.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٨) : قال : قلوبهم تتصدّع من الخفقان.

(وَأَنْذِرِ النَّاسَ) : يا محمّد.

(يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ) ، يعني : يوم القيامة. أو يوم الموت ، فإنّه أوّل يوم عذابهم.

وهو مفعول ثان «لأنذر».

(فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا) : بالشّرك والتّكذيب.

(رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) : أخّر العذاب عنّا ، وردّنا إلى الدّنيا ، وأمهلنا

__________________

(١ و ٢) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٤.

(٣) أي : «يؤخّرنّهم».

(٤) تفسير القمّي ١ / ٣٧٢.

(٥) طرف عنه : أطبق أحد جفنيه على الآخر.

(٦ و ٧) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٤.

(٨) تفسير القمّي ١ / ٣٧٢.

٨٣

إلى أمد من الزّمان قريب. أو أخّر آجالنا ، وأبقنا مقدار ما نؤمن بك ونجيب دعوتك.

(نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ) : جواب للأمر ، ونظيره (لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ).

في روضة الكافي (١) : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن سنان ، عن أبي الصّباح بن عبد الحميد ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : والله ، للّذي صنعه الحسن بن علي ـ عليهما السّلام ـ كان خيرا لهذه الأمّة ممّا طلعت عليه الشّمس. والله ، لقد نزلت هذه الآية (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) إنّما هي طاعة الإمام ، وطلبوا (٢) القتال (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ) مع الحسين ـ عليه السّلام ـ (قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) (نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ) أرادوا تأخير ذلك إلى القائم ـ عليه السّلام ـ.

(أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ) (٤٤) : على إرادة القول.

و «ما لكم» جواب القسم جاء بلفظ الخطاب على المطابقة دون الحكاية (٣).

والمعنى : أقسمتم أنّكم باقون في الدّنيا لا تزالون بالموت. ولعلّهم أقسموا بطرا وغرورا (٤) ، أو دلّ عليه حالهم حيث بنوا شديدا وأمّلوا بعيدا.

وقيل (٥) : أقسموا أنّهم لا ينتقلون إلى دار أخرى ، كقوله : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ).

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٦) : أي : لا تهلكون.

(وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) : بالكفر والمعاصي ، كعاد.

وأصل «سكن» أن يعدّى بفي ، كقرّ في الدّار ، وغنى فيها ، وأقام فيها. وقد

__________________

(١) الكافي ٨ / ٣٣٠ ، ح ٥٠٦.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : طلبه.

(٣) أي : فالتّعبير بالخطاب في قوله ـ تعالى ـ : (ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ) ليس على الحكاية عن قولهم ، إذ عبارتهم ليست على طريق الخطاب بل على طريق التكلّم ، بل الخطاب بناء على مطابقته مع «أقسمتم».

(٤) أي : ليس قسمهم بناء على اعتقادهم أنّهم لا يموتون ، لأنّ هذا الاعتقاد خلاف صريح العقل وشهادة الأموات ، وإنّما قالوا ذلك باللّسان تكبّرا وغرورا ، والمراد : أنّهم فعلوا ما يدلّ على أنّهم لا يموتون فنزّل حالهم منزلة القسم.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٤.

(٦) تفسير القمّي ١ / ٣٧٢.

٨٤

يستعمل بمعنى التّبوّؤ ، فيجري مجراه ، كقولك : سكنت الدّار.

(وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ) : بما تشاهدونه في منازلهم من آثار ما نزل بهم ، وما تواتر عندكم من أخبارهم.

(وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ) (٤٥) : من أحوالهم ، أي : بيّنّا لكم أنّكم مثلهم في الكفر واستحقاق العذاب ، أو صفات ما فعلوا وفعل بهم الّتي هي في الغرابة ، كالأمثال المضروبة ، فلم تعتبروا.

(وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ) : المستفرغ فيه جهدهم ، لإبطال الحقّ وتقرير الباطل.

(وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ) : ومكتوب عنده فعلهم ، وهو مجازيهم عليه. أو عنده ما يمكرهم به ، جزاء لمكرهم وإبطالا له.

(وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ) : في العظم والشّدّة.

(لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ) (٤٦) : مسوّى ومعدّا لإزالة الجبال.

وقيل (١) : «إن» نافية و «اللّام» مؤكّدة لها ، كقوله : (ما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ).

على أنّ «الجبال» مثل لأمر النّبيّ ونحوه.

وقيل (٢) : مخفّفة من الثّقيلة (٣). والمعنى : أنّهم ليزيلوا ما هي كالجبال الراسيّة ثباتا وتمكّنا من آيات الله وشرائعه.

وقرأ (٤) الكسائيّ : «لتزول» بالفتح والرّفع ، على أنّها المخفّفة و «اللّام» هي الفاصلة ، ومعناه تعظيم مكرهم.

وقرئ (٥) ، بالفتح والنّصب ، على لغة من يفتح لام «كي».

وقرئ (٦) : «وإن كاد مكرهم».

في تفسير العيّاشي (٧) : عن سعد بن عمر ، عن غير واحد ممّن حضر أبا عبد الله ـ عليه

__________________

(١ و ٢) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٥.

(٣) خبر «إنّ» المخففّة يلزمها اللّام المفتوحة ، ولهذا قال صاحب المغني : يلزمها لام الابتداء إلّا إذا دلّ دليل على أنّ «ان» للإثبات ليست بنافية ، كما في قراءة أبي رجاء : «وإن كلّ ذلك لما متاع الحياة الدنيا» بكسر اللّام.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٥.

(٥ و ٦) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٥.

(٧) تفسير العياشي ٢ / ٢٣٥ ، ح ٤٩.

٨٥

السّلام ـ ورجل يقول : قد بنيت (١) دار صالح ودار عيسى (٢) بن عليّ. ذكر دور العبّاسيّين ، فقال رجل : أراناها الله خرابا ، أو خرّ بها بأيدينا.

فقال له أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : لا تقل هكذا ، بل تكون (٣) مساكن القائم وأصحابه. أما سمعت الله يقول : (وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ).

عن جميل بن درّاج (٤) قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : (وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ) وإن كان مكر بني عبّاس (٥) بالقائم لتزول منه قلوب الرّجال.

عن الحارث (٦) ، عن عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ نمرود أراد أن ينظر (٧) إلى ملك السّماء ، فأخذ نسورا أربعة فربّاهنّ حتّى كنّ نشاطا (٨) ، وجعل تابوتا من خشب وأدخل فيه رجلا ، ثمّ شدّ قوائم النّسور بقوائم التّابوت ، ثمّ أطارهنّ (٩) ، ثمّ جعل في وسط التّابوت عمودا وجعل في رأس العمود لحما ، فلمّا رأى النّسور اللّحم طرن وطرن بالتّابوت والرّجل ، فارتفعن إلى السّماء ، فمكث ما شاء الله. ثمّ إنّ الرّجل أخرج من التّابوت رأسه فنظر [إلى السّماء] (١٠) فإذا هي على حالها ، ونظر إلى الأرض فإذا هو لا يرى [الجبال إلّا كالذّرّ ثمّ مكث ساعة فنظر إلى السماء فإذا هي على حالها ونظر إلى الأرض فإذا هو لا يرى إلّا الماء ثمّ مكث ساعة فنظر إلى السماء فإذا هي على حالها ونظر إلى الأرض فإذا هو لا يرى] (١١) شيئا ، فلمّا يرى سفل العمود وطلب النّسور اللّحم ، وسمعت (١٢) الجبال هدّة النّسور فخافت من أمر السّماء ، وهو قول الله : (وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ).

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١٣) : ثمّ قال : (وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ) قال : مكر بني فلان.

__________________

(١) المصدر : ثبت.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : «وداود وعيسى».

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : تكن.

(٤) تفسير العياشي ٢ / ٢٣٥.

(٥) المصدر : «مكروا العباس» بدل «مكر بني عبّاس».

(٦) تفسير العياشي ٢ / ٢٣٥ ـ ٢٣٦ ، ح ٥١.

(٧) المصدر : ينشر.

(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : شاكم.

(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : صراهن.

(١٠ و ١١) من المصدر.

(١٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : وسعت.

(١٣) تفسير القمّي ١ / ٣٧٢.

٨٦

(فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ) ، مثل قوله : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي).

وأصله : مخلف رسله وعده. فقدّم المفعول الثّاني إيذانا بأنّه لا يخلف الوعد أصلا ، كقوله : (إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ). وإذا لم يخلف وعده أحدا ، كيف يخلف رسله؟

(إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) : غالب لا يماكر ، قادر لا يدافع.

(ذُو انتِقامٍ) (٤٧) : لأوليائه من أعدائه.

(يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ) : بدل من (يَوْمَ يَأْتِيهِمُ). أو ظرف «للانتقام» أو مقدّر «باذكر» ، أو لا يخلف وعده.

ولا يجوز أن ينتصب «مخلف» لأنّ ما قبل «إنّ» لا يعمل فيما بعده.

والسموات : عطف على «الأرض» ، وتقديره ، والسّموات غير السّموات.

والتّبديل يكون في الذّات ، كقولك : بدّلت الدّراهم بالدّنانير. وعليه قوله : (بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها). وفي الصّفة (١) ، كقولك : بدّلت الحلقة خاتما : إذا أذبتها وغيّرت شكلها. وعليه قوله : (يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ).

ومن طريق العامّة (٢) : عن عليّ ـ عليه السّلام ـ : تبدّل أرضا من فضّة ، وسموات من ذهب.

وفي كتاب الاحتجاج (٣) للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ : وعن ثوبان قال : إنّ يهوديّا جاء إلى النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال : يا محمّد ، أسألك فتخبرني.

فركضه (٤) ثوبان برجله ، وقال : قل : يا رسول الله.

فقال : لا أدعوه إلّا بما سمّاه أهله.

فقال : أرأيت قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ) أين النّاس يومئذ؟

قال : في الظّلمة (٥) دون المحشر.

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

__________________

(١) أي : والتبديل يكون في الصّفة.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٥.

(٣) الاحتجاج ١ / ٥٠.

(٤) ركضه : ضربه.

(٥) أ ، ب : الظلّة.

٨٧

وفي كتاب الخصال (١) ، عن محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول : لقد خلق الله ـ تعالى ـ في الأرض منذ خلقها سبعة عالمين ، ليس هم من ولد آدم ، خلقهم من أديم (٢) الأرض فأسكنهم فيها (٣) واحدا بعد واحد مع عالمه ، ثمّ خلق الله آدم ، أبا هذا البشر ، وخلق ذرّيّته منه. فلا والله ، ما خلت الجنّة من أرواح (٤) المؤمنين منذ خلقها الله ، ولا خلت النّار من أرواح الكافرين (٥) منذ خلقها الله. لعلكم (٦) ترون أنّه إذا كان يوم القيامة ، وصيّر الله أبدان أهل الجنّة مع أرواحهم في الجنّة ، وصيّر أبدان أهل النّار مع أرواحهم في النّار ، أنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ لا يعبد في بلاده ، ولا يخلق خلقا يعبدونه ويوحّدونه ويعظّمونه ، بلى والله ، ليخلقنّ [الله] (٧) خلقا من غير فحولة ولا إناث ، يعبدونه ويوحّدونه ويعظّمونه ، ويخلق لهم أرضا تحملهم وسماء تظلّهم ، أليس الله يقول : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ). وقال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ).

وفي روضة الكافي (٨) : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي حمزة ، ثابت بن دينار الثّمالي ، وأبو منصور عن أبي الرّبيع قال : حججنا مع أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في السّنة الّتي كان حجّ فيها هشام بن عبد الملك ، وكان معه نافع ، مولى عمر بن الخطّاب.

فقال نافع (٩) : يا ابن رسول الله ، فأخبرني عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ) أيّ أرض تبدّل يومئذ؟

فقال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : أرض تبقى خبزة ، يأكلون منها (١٠) حتّى يفرغ الله من الحساب.

فقال نافع : إنّهم عن الأكل لمشغولون.

فقال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : أهم يومئذ أشغل ، أم إذ هم في النّار؟

__________________

(١) الخصال ٢ / ٣٥٨ ـ ٣٥٩ ، ح ٤٥.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : أدم.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : فأسكنوها.

(٤) أ ، ر : الأرواح.

(٥) المصدر : الكفار والعصاة.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : لعكم.

(٧) من المصدر.

(٨) الكافي ٨ / ١٢٠ ـ ١٢٢ ، ح ٩٣.

(٩) ليس في أ ، ب.

(١٠) يوجد في ب ، المصدر.

٨٨

[فقال نافع : بل إذ هم في النّار] (١).

قال : فو الله ، ما شغلهم إذا دعوا بالطعام فأطعموا الزّقّوم ، ودعوا بالشّراب فسقوا الحميم.

قال : صدقت ، يا ابن رسول الله.

والحديث طول أخذت منه موضع الحاجة.

وفي الكافي (٢) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير [عن سليمان بن جعفر] (٣) ، عن هشام بن سالم ، عن زرارة ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : سأله الأبرش الكلبيّ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ).

قال : تبدّل الأرض خبزة نقيّة ، يأكل النّاس منها حتّى يفرغوا (٤) من الحساب.

قال الأبرش : إنّ النّاس [يومئذ] (٥) لفي شغل من الأكل والشّرب.

فقال : أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : هم في النّار لا يشتغلون عن أكل الضّريع وشرب الحميم وهم في العذاب ، فكيف يشتغلون عنه في الحساب؟

عدّة من أصحابنا (٦) ، عن أحمد [بن محمّد] (٧) بن أبي عبد الله ، [عن أبيه] (٨) ، عن القاسم بن عروة ، عن عبد الله بن بكير ، عن زرارة قال : سألت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ).

قال : تبدّل خبزة نقيّة ، يأكل النّاس منها حتّى يفرغوا من الحساب.

فقال له قائل : إنّهم لفي شغل يومئذ عن الأكل والشّرب.

فقال : إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ خلق ابن آدم أجوف ولا بدّ له من الطّعام والشّراب ، أهم أشدّ شغلا يومئذ أم في النّار؟ فقد استغاثوا والله ـ عزّ وجلّ ـ يقول : (وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ).

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٩) ، حدّثني أبي ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي حمزة الثّماليّ ، عن أبي الرّبيع قال : سأل نافع ، مولى عمر الخطّاب أبا جعفر ، محمّد بن عليّ

__________________

(١) من المصدر.

(٢) الكافي ٦ / ٢٨٦ ، ح ١.

(٣) من المصدر مع المعقوفتين.

(٤) المصدر : يفرغ.

(٥) من المصدر.

(٦) الكافي ٦ / ٢٨٦ ـ ٢٨٧ ، ح ٤.

(٧) ليس في أ ، ب ، المصدر.

(٨) ليس في المصدر.

(٩) تفسير القمّي ١ / ٢٣٢ ـ ٢٣٤.

٨٩

ـ عليه السّلام ـ فقال : يا أبا جعفر ، أخبرني عن قول الله ـ تبارك وتعالى ـ : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ) [بأي أرض تبدّل] (١).

فقال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : بخبزة بيضاء ، يأكلون منها حتّى يفرغ الله من حساب الخلائق.

فقال نافع : إنّهم عن الأكل لمشغولون.

فقال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : [أهم] (٢) حينئذ أشغل ، أم (٣) هم في النّار؟

قال نافع : بل هم في النّار.

قال : فقد قال الله : (وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) ما (٤) شغلهم إذ دعوا الطّعام فأطعموا الزّقّوم ، ودعوا بالشّراب فسقوا الحميم.

فقال : صدقت ، يا ابن رسول الله.

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

حدّثني أبي (٥) ، عن ابن محبوب ، عن محمّد بن النّعمان الأحول ، عن سلام بن المستنير ، عن ثوير بن أبي فاختة ، عن عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ قال : سئل عن النّفختين ، كم بينهما؟

... إلى أن قال ـ عليه السّلام ـ : فيخرج الصّوت من الطّرف الّذي يلي السّموات ، فلا يبقى في السّموات ذو روح إلّا صعق ومات إلّا إسرافيل.

قال : فيقول [الله] (٦) لإسرافيل : [يا إسرافيل] (٧) مت. فيموت لإسرافيل ، فيمكثون في ذلك ما شاء الله ، ثمّ يأمر الله السّموات فتمور ويأمر الجبال فتسير ، وهو قوله : (يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً ، وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً) ، يعني : تبسط ، و (تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ) ، يعني ، بأرض لم تكسب عليها الذّنوب بارزة ليس عليها جبال ولا نبات ، كما دحاها أوّل مرّة.

وفي تفسير العيّاشي (٨) : عن زرارة قال : سألت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن قول الله : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ) ، يعني : تبدّل خبزة نقيّة يأكل النّاس منها حتّى يفرغ من

__________________

(١ و ٢) من المصدر.

(٣) المصدر : أو و.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : ممّا.

(٥) تفسير القمّي ٢ / ٢٥٢.

(٦ و ٧) من المصدر.

(٨) تفسير العياشي ٢ / ٢٣٧ ، ح ٥٣.

٩٠

الحساب ، قال الله : (وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ).

عن محمّد بن هاشم (١) ، عمّن أخبره ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : قال له الأبرش الكلبيّ : بلغني أنّك قلت في قول الله : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ) : إنّها تبدّل خبزة.

فقال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : صدقوا ، تبدّل الأرض خبزة نقيّة في الموقف يأكل النّاس (٢) منها.

فضحك الأبرش ، وقال : أما لهم شغل بما هم (٣) فيه عن أكل الخبز؟

فقال : ويحك ، في أيّ المنزلتين هم أشدّ شغلا وأسوء حالا إذا هم في الموقف أو في النّار [يعذبون] (٤).

فقال لا ، في النّار.

فقال : ويحك ، وأنّ الله يقول : (لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ ، فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ ، فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ).

قال : فسكت.

وفي مجمع البيان (٥) : روى أبو هريرة ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال : تبدّل الأرض غير الأرض والسّموات ، فيبسطها ويمدّها مدّ الأديم العكاظيّ ، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ، ثمّ يزجر الله الخلق زجرة فإذا هم في هذه المبدّلة في مثل مواضعهم من الأولى ، ما كان في بطنها كان في بطنها ، وما كان على ظهرها كان على ظهرها.

وفي تفسير أهل البيت ـ عليهم السّلام ـ (٦) ، بالإسناد : عن زرارة ومحمّد بن مسلم وحمران بن أعين ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام ـ قالا : تبدّل الأرض خبزة نقيّة ، يأكل النّاس منها حتّى يفرغ النّاس من الحساب ، قال الله ـ تعالى ـ : (وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ).

وروى سهل بن سعد السّاعديّ (٧) ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه قال : يحشر

__________________

(١) تفسير العياشي ٢ / ٢٣٧ ، ح ٥٤.

(٢) المصدر : يأكلون.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : لهم.

(٤) من المصدر.

(٥ و ٦) المجمع ٣ / ٣٢٤.

(٧) المجمع ٣ / ٣٢٤.

٩١

النّاس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء ، كقرصة النّقيّ (١) ، ليس فيها معلم لأحد.

وروي عن أبي أيّوب الأنصاريّ (٢) قال : أتى النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ حبر من اليهود ، فقال : أرأيت إذ يقول [الله ـ تعالى ـ] (٣) في كتابه : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ) فأين الخلق عند ذلك؟

فقال : أضياف الله ، فلن يعجزهم ما لديه (٤).

(وَبَرَزُوا) : من أجداثهم.

(لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) (٤٨) : لمحاسبته ومجازاته.

وتوصيفه بالوصفين (٥) ، للدّلالة على أنّ الأمر في غاية الصّعوبة ، كقوله ـ تعالى ـ : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ). فإنّ الأمر إذا كان لواحد غلّاب (٦) لا يغالب ، فلا مستغاث لأحد إلى غيره ولا مستجار.

(وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ) قيل (٧) : قرن بعضهم مع بعض بحسب مشاركتهم في العقائد والأعمال ، كقوله : (إِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ). أو قرنوا مع الشّياطين. أو مع ما اكتسبوا من العقائد الزائفة ، والملكات الباطلة. أو قرنت أيديهم وأرجلهم إلى رقابهم بالأغلال ، وهو يحتمل [أن يكون] (٨) تمثيلا (٩) لمؤاخذتهم على ما اقترفته أيديهم وأرجلهم.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١٠) : قال : مقيّدين بعضهم إلى بعض.

(فِي الْأَصْفادِ) (٤٩) : متعلّق «بمقرّنين». أو حال من ضميره.

و «الصّفد» القيد.

وقيل (١١) : الغلّ. وأصله : الشّدّ.

__________________

(١) النّقيّ : الحواري ، وهو الدّقيق الأبيض ، وهو لباب الدّقيق.

(٢) المجمع ٣ / ٣٢٥.

(٣) من المصدر.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : ما لديهم.

(٥) أي : الواحد القهّار.

(٦) ب : غالب.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٥.

(٨) ليس في أ ، ب.

(٩) أي : يحتمل أن يكون التّقرين بين الايدي والأرجل استعارة عن اقتران ما اكتسبته أيديهم وأرجلهم بالأعضاء المذكورة ، فالمعنى : مقرونين بما اكتسبته أيديهم وأرجلهم.

(١٠) تفسير القمّي ١ / ٣٧٢.

(١١) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٦.

٩٢

(سَرابِيلُهُمْ) : قمصانهم.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : «السّرابيل» القميص (٢).

(مِنْ قَطِرانٍ) : وهو ما يتحلّب من الأبهل (٣) ، فيطبخ فهنأ (٤) به الإبل الجرباء فيحرق الجرب بحدّته ، وهو أسود منتن تشتعل فيه النّار بسرعة ، تطلى به جلود أهل النّار حتّى يكون طلاؤه لهم كالقميص ، ليجتمع عليهم لذع القطران ووحشة لونه ونتن ريحه ، مع إسراع النّار في جلودهم ، على أنّ التّفاوت بين القطرانين ، كالتّفاوت بين النّارين.

ويحتمل أن يكون تمثيلا ، لما يحيط بجوهر النّفس من الملكات الرّديئة والهيئات الوحشيّة ، فتتجلّب إليها أنواعا من الغموم والآلام.

وعن يعقوب (٥) : «قطران» والقطر : النّحاس ، أو الصّفر المذاب. والآني : المتناهي حرّه.

والجملة حال ثانية ، أو حال من الضّمير في «مقرّنين».

(وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ) (٥٠).

قيل (٦) : أي : وتتغشّاها ، لأنّهم لم يتوجّهوا بها إلى الحقّ ، ولم يستعملوا في تدبّره مشاعرهم وحواسّهم إلى ما خلقت فيها لأجله ، كما تطّلع على أفئدتهم ، فإنّها فارغة عن المعرفة مملوءة بالجهالات. ونظيره قوله : (أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) ، وقوله ـ تعالى ـ : (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ).

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٧) : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله : (سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ) هو الصّفر الحارّ الذّائب ، يقول الله : [انتهى حرّه] (٨) (وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ) سربلوا ذلك الصّفر ، فتغشى وجوههم النّار.

حدّثني أبي (٩) ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : قال جبرئيل ـ عليه السّلام ـ : لو أنّ

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ٣٧٢.

(٢) الظاهر الصحيح : أقمصة أو قمصان.

(٣) أبهل : شجيرة مستديمة الخضرة من عاريات البذور من المخروطيّات تشبه العرعر.

(٤) هنأ الإبل : طلاها بالقطران.

(٥ و ٦) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٦.

(٧) تفسير القمّي ١ / ٣٧٢.

(٨) ليس في أ ، ب.

(٩) تفسير القمّي ٢ / ٨١.

٩٣

سربالا من سرابيل أهل النّار علّق بين السّماء والأرض ، لمات أهل الأرض من ريحه ووهجه (١).

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي نهج البلاغة (٢) : قال الصّادق ـ عليه السّلام ـ : وألبسهم سرابيل القطران ومقطّعات النّيران ، في عذاب قد اشتدّ حرّه ، وباب قد أطبق على أهله.

وفي كتاب الخصال (٣) : عن جعفر بن محمّد ، عن آبائه ، عن عليّ ـ عليه السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : إنّ النّائحة إذا لم تتب (٤) قبل موتها ، تقوم يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب.

(لِيَجْزِيَ اللهُ كُلَّ نَفْسٍ) ، أي : يفعل بهم ذلك ليجزي الله كلّ نفس مجرمة.

(ما كَسَبَتْ). أو كلّ نفس من مجرمة أو مطيعة ، لأنّه إذا بيّن أنّ المجرمين معاقبون لإجرامهم علم أنّ المطيعين يثابون لطاعتهم ، ويتعيّن ذلك إن علّق «اللّام» «ببرزوا» (٥).

(إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) (٥١) : لأنّه لا يشغله حساب عن حساب.

(هذا) : إشارة إلى القرآن. أو السّورة. أو ما فيه من العظة والتّذكير. أو ما وصفه بقوله : (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً).

(بَلاغٌ لِلنَّاسِ) : كفاية لهم في الموعظة.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٦) : (هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ) ، يعني : محمّدا ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

(وَلِيُنْذَرُوا بِهِ) : عطف على محذوف ، أي : لينصحوا ولينذروا بهذا البلاغ ، فتكون «اللّام» متعلّقة بالبلاغ.

ويجوز أن تتعلّق بمحذوف ، تقديره : ولينذرا به أنزل أو تلي.

وقرئ (٧) ، بفتح الياء. من نذر به : إذا علمه (٨) واستعدّ له.

__________________

(١) الوهج : حرارة النّار.

(٢) النهج / ١٦٢ الخطبة ١٠٩.

(٣) الخصال ١ / ٢٢٦ ، ح ٦٠.

(٤) أ ، ب ، ر : تثبت.

(٥) لأنّ ضمير «برزوا» راجع إلى جميع الخلائق المؤمنين والمجرمين ، فيكون الجزاء شاملا للإثابة والعقوبة. وأمّا إذا كان اللّام متعلّقا «بتغشى» كان صريحا لبيان حال المجرمين ، وحال المؤمنين تعلم بالمقايسة.

(٦) تفسير القمّي ١ / ٣٧٢.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٦.

(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : علم.

٩٤

(وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) : بالنّظر ، والتّأمّل فيما فيه من الآيات الدّالة عليه والمنبّهة على ما يدلّ عليه (وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) (٥٢) : فيرتدعوا عمّا يرديهم ، ويتدرّعوا بما يحظيهم.

٩٥
٩٦

تفسير

سورة الحجر

٩٧
٩٨

سورة الحجر

مكّيّة. وهي تسع وتسعون آية.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

في كتاب ثواب الأعمال (١) ، بإسناده إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام قال : من قرأ سورة إبراهيم والحجر في ركعتين جميعا في كلّ جمعة ، لم يصبه فقر أبدا ولا جنون ولا بلوى.

وفي مجمع البيان (٢) : أبيّ بن كعب ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال : من قرأها ، أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد المهاجرين والأنصار والمستهزئين بمحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

(الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ) (١).

قيل (٣) : إشارة إلى آيات السّورة ، و «الكتاب» هو السّورة ، وكذا القرآن.

وتنكيره للتّعظيم (٤) ، أي : آيات الجامع ، لكونه كتابا كاملا وقرآنا يبيّن الرّشد من الغيّ [بيانا غريبا] (٥).

(رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) (٢) : حين عاينوا حالهم وحال

__________________

(١) ثواب الأعمال / ١٣٣ ، ح ١.

(٢) المجمع ٣ / ٣٢٦.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٧.

(٤) أي : إذا كان القرآن عبارة عن السورة ، فيجب أن يكون معرّفا ، كالكتاب فأجاب بأنّ تنكيره للتعظيم.

(٥) ليس في م ، ب.

٩٩

المسلمين يوم القيامة.

وقرأ (١) نافع وعاصم ، بالتّخفيف (٢).

وقرئ (٣) : «ربما» بالفتح والتّخفيف.

وفيها ثمان لغات (٤) : ضمّ الرّاء وفتحه مع التّشديد والتّخفيف ، وبتاء التّأنيث ودونها.

و «ما» كافّة تكفّه عن الجرّ ، فيجوز دخوله على الفعل ، وحقّه أن يدخل على الماضي (٥) ، ولكن لمّا كان المترقّب في إخبار الله ـ تعالى ـ كالماضي في تحقّقه (٦) اجري مجراه.

وقيل (٧) : «ما» نكرة موصوفة ، كقوله :

ربّما تكره النّفوس من الأمر

له فرجة كحلّ العقال (٨)

ومعنى التقليل فيه ، قيل : الإيذان بأنّهم لو كانوا يودّون الإسلام مرّة ، فبالحريّ أن يسارعوا إليه ، فكيف وهم يودّونه كلّ ساعة (٩).

وقيل (١٠) : تدهشهم أهوال القيامة ، فإن حانت منهم إفاقة في بعض الأوقات تمنّوا ذلك. والغيبة في حكاية ودادهم (١١) ، كالغيبة في قولك ، حلف بالله ليفعلنّ (١٢).

في تفسير العيّاشي (١٣) : عن عبد الله بن عطاء المكّيّ قال : سألت أبا جعفر ـ عليه

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٧.

(٢) يعني : وقرأ نافع وعاصم : «ربما» بضم الرّاء وتخفيف الباء.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٧.

(٤) ضمّ الرّاء مع التّخفيف ومع التّشديد ، وفتح الرّاء مع التخفيف ومع التشديد ، فهذه أربعة ، وكلّ منها إمّا مع التّاء أو لا ، فيحصل ثمانية.

(٥) لأنّها وضعت لتقليل المحقّق الواقع أو تحقيقه.

(٦) أ ، ب : تحقيقه.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٧.

(٨) إذ المعنى : ربّ شيء تكرهه النفوس.

(٩) غرضه أنّ «ربّ» هاهنا المقصود منها التكثير ، لكن عبّر عنها بلفظ «ربّ» المفيدة للتقليل في أصل وضعها إشعارا بما ذكر.

(١٠) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٧.

(١١) ر : ودادتهم.

(١٢) أي : الظاهر أن يقال : ربّما يود الذين كفروا لو كنا مسلمين. إذ المعنى : أنّهم يقولون في أنفسهم أو بلسانهم : لو كنا مسلمين. لكن عدل إلى الغيبة ، لأنّه ـ تعالى ـ مخبر عن حالهم.

(١٣) تفسير العياشي ٢ / ٢٣٩ ، ح ١.

١٠٠