وقيل (١) : أسحارا.
وعن عكرمة (٢) : «العضة» (٣) السّحر.
وإنّما جمع على السّلامة ، جبرا لما حذف منه. والموصول بصلته صفة للمقتسمين.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : قال عليّ بن إبراهيم في قوله : (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ). قال : قسّموا القرآن ، ولم يؤلّفوه على ما أنزله الله.
وفي تفسير العيّاشيّ (٥) : عن محمّد بن مسلم ، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ قال : قال في الّذين أبرزوا القرآن عضين ، قال : هم قريش.
(فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) (٩٢) (عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) (٩٣) : من التّقسيم.
أو النّسبة إلى السّحر ، فنجازيهم عليهم.
وقيل (٦) : عامّ في كلّ ما فعلوا من الكفر والمعاصي.
(فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) : فاجهر به. من صدع بالحجّة : إذا تكلّم بها جهارا. أو فافرق به بين الحقّ والباطل. وأصله الإبانة والتّمييز.
و «ما» مصدريّة ، أو موصولة. والرّاجع محذوف ، أي : بما تؤمر به من الشّرائع.
(وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) (٩٤) : فلا تلتفت إلى ما يقولون.
وفي تفسير العيّاشيّ (٧) : عن زرارة وحمران ومحمّد بن مسلم (٨) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله ـ تعالى ـ : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها) (٩).
قال : نسختها (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ).
(إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) (٩٥) : بقمعهم وإهلاكهم.
(الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (٩٦) : عاقبة أمرهم في الدّارين.
وفي أصول الكافي (١٠) : محمّد بن أبي عبد الله ومحمّد بن الحسن ، عن سهل بن زياد
__________________
(١ و ٢) نفس المصدر والموضع.
(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : العضهة.
(٤) تفسير القمّي ١ / ٣٧٧.
(٥) تفسير العياشي ٢ / ٢٥١ ، ح ٤٣.
(٦) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٨.
(٧) تفسير العياشي ٢ / ٢٥٢ ، ح ٤٥. وص ٣١٩ ، ح ١٧٦.
(٨) المصدر : «عن أبي بصير» بدل «عن زرارة وحمران ومحمّد بن مسلم».
(٩) الاسراء / ١١٠.
(١٠) الكافي ١ / ٢٤٣ ، ذيل ح ١.
ومحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد جميعا ، عن الحسن بن عبّاس بن الحريش ، عن أبي جعفر الثّاني ـ عليه السّلام ـ قال : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : سأل رجل أبي ـ عليه السّلام ـ.
فقال : يا ابن رسول الله ، سآتيك بمسألة صعبة. أخبرني عن هذا العلم ، ما له لا يظهر ، كما كان يظهر مع رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ؟
قال : فضحك أبي ـ عليه السّلام ـ وقال : أبى الله أن يطلع على علمه إلّا ممتحنا للإيمان به ، كما قضى على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أن يصبر على أذى قومه ولا يجاهدهم إلّا بأمره. فكم من اكتتام قد اكتتم به حتّى قيل له : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ). وأيم الله ، إنّه لو صدع (١) قبل ذلك ، لكان آمنا. ولكنّه إنّما نظر في الطّاعة وخاف الخلاف ، فلذلك كفّ. فوددت أنّ عينك تكون مع مهديّ هذه الأمّة ، والملائكة بسيوف آل داود بين السّماء والأرض تعذّب أرواح الكفرة من الأموات ، وتلحق بهم أرواح أشباههم من الأحياء.
ثمّ أخرج سيفا. ثمّ قال : ها إنّ هذا منها.
قال : فقال أبي : والّذي اصطفى محمّدا على البشر.
قال : فردّ الرّجل اعتجاره (٢) ، وقال : أنا إلياس ، ما سألتك عن أمرك وبي منه جهالة ، غير أنّي أحببت أن يكون هذا الحديث قوّة لأصحابك.
والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة (٣) ، بإسناده إلى محمّد بن عليّ الحلبيّ : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : اكتتم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ [بمكة] (٤) مختفيا خائفا خمس سنين ليس يظهر أمره ، وعليّ ـ عليه السّلام ـ معه وخديجة. ثمّ أمره الله ـ عزّ وجلّ ـ أن يصدع بما أمر به ، فظهر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فأظهر أمره.
وفي خبر آخر (٥) : أنّه ـ عليه السّلام ـ كان مختفيا بمكّة ثلاث سنين.
__________________
(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : أصدع.
(٢) الاعتجار : لفّ العمامة على رأسه. والردّ هنا في مقابل الفتح المذكور في صدر الحديث في قوله : «ففتح الرّجل عجيرته واستوى جالسا وتهلّل وجهه ...» وإن شئت الوقوف على تمام الحديث راجع نفس المصدر.
(٣) كمال الدين ٢ / ٣٤٤ ، ح ٢٨.
(٤) من المصدر.
(٥) نفس المصدر والموضع.
وبإسناده (١) إلى عبيد الله بن عليّ الحلبيّ قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : مكث رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بمكّة بعد ما جاء الوصي عن الله ـ تبارك وتعالى ـ ثلاث عشرة سنة ، منها ثلاث سنين مختفيا خائفا لا يظهر حتّى أمره الله ـ عزّ وجلّ ـ أن يصدع بما أمره به ، فأظهر حينئذ الدّعوة.
وفي تفسير العيّاشيّ (٢) : عن محمّد بن عليّ الحلبيّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : اكتتم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بمكّة سنين ليس يظهر ، وعليّ معه وخديجة.
ثمّ أمره الله أن يصدع بما يؤمر ، فظهر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فجعل يعرض نفسه على قبائل العرب ، فإذا أتاهم قالوا : كذّاب امض عنّا.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : قوله : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ).
الآية نزلت بمكّة بعد أن نبّئ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بثلاث سنين. وذلك أنّ النّبوّة نزلت على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يوم الاثنين ، وأسلم عليّ ـ عليه السّلام ـ يوم الثّلاثاء ، ثمّ أسلمت خديجة بنت خويلد ، زوجة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. ثمّ دخل أبو طالب على النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ وهو يصلّي وعليّ بجنبه ، وكان مع أبي طالب جعفر.
فقال له أبو طالب : صل جناح ابن عمّك.
فوقف جعفر على يسار رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ، فبدر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ من بينهما. فكان يصلّي رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ، وعليّ وجعفر وزيد بن حارثة وخديجة [يأتمون به] (٤). فلمّا أتى لذلك ثلاث سنين ، أنزل الله عليه (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ، إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ).
وكان المستهزءون برسول الله خمسة : الوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، والأسود بن المطّلب ، والأسود بن عبد يغوث ، والحرث بن الطّلاطلة الخزاعيّ.
أمّا الوليد ، فكان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ دعا عليه لما كان يبلغه من إيذائه واستهزائه. فقال : اللهم ، أعم بصره وأثكله بولده. فعمي بصره وقتل ولده ببدر
__________________
(١) نفس المصدر والموضع ، ح ٢٩.
(٢) تفسير العياشي ٢ / ٢٥٣ ، ح ٤٧.
(٣) تفسير القمّي ١ / ٣٧٧ ـ ٣٨١.
(٤) من المصدر.
وكذلك [دعا] (١) على الأسود بن المطّلب ، والأسود بن عبد (٢) يغوث ، والحارث بن طلاطلة الخزاعيّ. فمرّ الوليد بن المغيرة يوما (٣) برسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ومعه جبرئيل ـ عليه السّلام ـ.
فقال جبرئيل : يا محمّد ، هذا الوليد بن المغيرة وهو من المستهزئين بك؟
قال : نعم.
وقد كان مرّ برجل من خزاعة على باب المسجد (٤) وهو يريّش نبالا له ، فوطئ على بعضها ، فأصاب أسفل عقبه قطعة من ذلك فدميت. فلمّا مرّ بجبرئيل ـ عليه السّلام ـ أشار إلى ذلك الموضع ، فرجع الوليد إلى منزله ونام على سريره ، وكانت ابنته نائمة أسفل منه ، فانفجر الموضع الّذي أشار إليه جبرئيل ـ عليه السّلام ـ أسفل عقبه فسال منه الدّم حتّى صار إلى فراش ابنته.
فانتبهت ابنته (٥) ، فقالت : يا جارية ، انحلّ وكاء القربة (٦).
قال الوليد (٧) : ما هذا وكاء القربة ، ولكنّه دم أبيك. فاجمعي لي ولدي وولد أخي ، فإنّي ميّت.
فجمعتهم.
فقال لعبد الله بن أبي ربيعة : إنّ عمارة بن الوليد بأرض الحبشة بدار مضيّعة (٨) ، فخذ كتابا من محمّد إلى النّجاشيّ أن يردّه.
ثمّ قال لابنه هاشم ، وهو أصغر ولده : يا بنيّ ، أوصيك بخمس خصال فاحفظها : أوصيك بقتل أبي درهم الدّوسيّ ، وان أعطوكم ثلاث ديات (٩) ، فإنّه غلبني على امرأتي وهي بنته ، ولو تركها وبعلها كانت تلد لي ابنا مثلك. ودمي في خزاعة ، وما تعمّدوا قتلي ، وأخاف أن تنسوا بعدي. ودمي في بني خزيمة بن عامر. ودياتي (١٠) في ثقيف ، فخذه. ولأسقف نجران عليّ مائتا دينار ، فاقضها.
__________________
(١) من المصدر.
(٢) ليس في المصدر : «المطّلب ، والأسود بن عبد.
(٣) ليس في المصدر.
(٤) ليس في المصدر : على باب المسجد.
(٥) ليس في المصدر.
(٦) وكاء القربة : رباط القربة.
(٧) ليس في المصدر.
(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : مضيّقة.
(٩) ليس في المصدر : وان أعطوكم ثلاث ديات.
(١٠) المصدر : دياني. والسيرة لابن هشام : ربائي.
ثمّ فاضت نفسه.
ومرّ ربيعة بن الأسود برسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فأشار جبرئيل إلى بصره ، فعمى ومات.
ومرّ به الأسود بن عبد يغوث ، فأشار جبرئيل إلى بطنه ، فلم يزل يستسقي حتّى انشقّ بطنه.
ومرّ العاص بن وائل ، فأشار جبرئيل إلى رجليه (١) ، فدخل عود في أخمص قدمه وخرج (٢) من ظاهره ، ومات.
ومرّ به الحارث بن الطّلاطلة (٣) ، فأشار جبرئيل إلى وجهه ، فخرج إلى جبال تهامة فأصابته السّمائم (٤) واستسقى حتّى انشقّ بطنه. وهو قول الله (إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ).
فخرج رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ، فقام على الحجر وقال : يا معشر قريش يا معاشر العرب ، أدعوكم إلى شهادة : أن لا إله إلّا الله ، وأنّي رسول الله ، وآمركم بخلع الأنداد والأصنام. فأجيبوني ، تملكوا بها العرب وتدين لكم العجم وتكونوا ملوكا في الجنّة.
فاستهزءوا منه ، وقالوا : جنّ محمّد بن عبد الله. ولم يجسروا عليه ، لموضع أبي طالب.
فاجتمعت قريش إلى أبي طالب ، فقالوا : يا أبا طالب ، إنّ ابن أخيك قد سفّه أحلامنا وسبّ آلهتنا وأفسد شبابنا وفرّق جماعتنا. فإن كان حمله (٥) على ذلك الغرم ، جمعنا له مالا فيكون أكثر قريش مالا ، ونزوّجه أيّ امرأة شاء من قريش.
فقال له أبو طالب : ما هذا ، يا ابن أخي؟
فقال : يا عمّ ، هذا دين الله الّذي ارتضاه لأنبيائه ورسله ، بعثني الله رسولا إلى النّاس.
فقال : يا ابن أخي ، إنّ قومك قد أتوني يسألوني أن أسألك أن تكفّ عنهم.
__________________
(١) الظاهر : رجله.
(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : فدخل يداه في أخمص قدميه وخرجت.
(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : ابن أبي الطلاطلة.
(٤) السمائم ـ جمع السموم ـ : الريح الحارّة.
(٥) المصدر : يحمله.
فقال : يا عمّ ، إنّي لا أستطيع أن أخالف أمر ربّي.
فكفّ عنه أبو طالب.
ثمّ اجتمعوا إلى أبي طالب ، فقالوا : أنت سيّد من ساداتنا ، فادفع إلينا محمّدا لنقتله وتملّك علينا.
فقال أبو طالب قصيدة طويلة (١) ، يقول فيها :
ولمّا رأيت القوم لا ودّ عندهم |
|
وقد قطعوا كلّ العرى والوسائل |
كذبتم وبيت الله يبزى (٢) محمّد |
|
ولمّا نطاعن دونه ونناضل |
وننصره حتّى نصرّع حوله |
|
ونذهل عن أبنائنا والحلائل |
قال : فمّا اجتمعت قريش على قتل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وكتبوا الصّحيفة القاطعة ، جمع أبو طالب بني هاشم وحلف لهم بالبيت والرّكن والمقام والمشاعر في الكعبة ، لئن شاكت محمّدا شوكة لآتين عليكم بني هاشم (٣). فأدخله الشّعب ، وكان يحرسه باللّيل والنّهار قائما بالسّيف على رأسه أربع سنين.
فلمّا خرجوا من الشّعب ، حضرت أبا طالب الوفاة. فدخل عليه رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وهو يجود بنفسه ، فقال : يا عمّ ، ربّيت صغيرا وكفلت يتيما ، فجزاك الله عنّي جزاء (٤) ، أعطني كلمة أشفع لك بها عند ربّي.
فروي : أنّه لم يخرج من الدّنيا حتّى أعطى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ الرّضا.
وقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : لو قمت المقام المحمود ، لشفعت لأبي وأمّي وعمّي وأخ كان لي مؤاخيا في الجاهليّة.
وحدّثني (٥) أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن سيف بن عميرة وعبد الله بن سنان وأبي حمزة الثّماليّ (٦) قالوا : سمعنا أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ ، جعفر بن محمّد يقول : لمّا حجّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ حجّ الوداع نزل بالأبطح ووضعت له وسادة فجلس عليها ، ثمّ رفع يده إلى السّماء وبكى بكاء شديدا ، ثمّ قال : يا ربّ ، إنّك وعدتني في أبي وأمّي
__________________
(١) المصدر : قصيدته الطويلة.
(٢) يبزى : يغلب ويقهر.
(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : ببني هاشم.
(٤) المصدر : خيرا.
(٥) تفسير القمّي ١ / ٣٨٠.
(٦) المصدر : ابن أبي حمزة الثمالي.
وعمّي أن لا تعذّبهم بالنّار.
قال : فأوحى الله إليه : إنّي آليت على نفسي أن لا يدخل جنّتي إلّا من شهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّك عبدي ورسولي. ولكن (١) ائت الشّعب فنادهم ، فإن أجابوك فقد وجبت لهم رحمتي.
فقام النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى الشّعب فناداهم : يا أبتاه ويا أمّاه ويا عمّاه.
فخرجوا ينفضون التّراب عن وجوههم (٢).
وقال لهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : ألا ترون إلى هذه الكرامة الّتي أكرمني الله بها؟
فقالوا : نشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّك رسول الله حقّا حقّا ، وأنّ جميع ما أتيت به من عند الله فهو الحقّ.
فقال : ارجعوا إلى مضاجعكم.
ودخل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى مكّة ، وقدم (٣) إليه عليّ ـ عليه السّلام ـ من اليمن.
فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : ألا أبشّرك يا عليّ؟
فقال له : بأبي أنت وأمّي ، لم تزل مبشّرا.
فقال : ألا ترى إلى ما رزقنا الله ـ تبارك وتعالى ـ في سفرنا هذا؟ وأخبره الخبر.
فقال عليّ : الحمد لله.
قال : وأشرك رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في بدنته (٤) أباه وأمّه وعمّه.
وفي كتاب الاحتجاج (٥) للطبرسيّ ـ رحمه الله ـ : روي عن موسى بن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن الحسين بن عليّ ـ عليهم السّلام ـ قال : إنّ يهوديّا من يهود الشّام وأحبارهم قال لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : فإنّ هذا موسى بن عمران قد أرسله الله إلى فرعون وأراه الآية الكبرى.
__________________
(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : ولكنّي.
(٢) المصدر : رؤوسهم.
(٣) كذا في المصدر ، ب. وفي سائر النسخ : ودخل عليّ ـ عليه السّلام ـ.
(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : بدنة.
(٥) الاحتجاج ١ / ٣٢١.
قال له عليّ ـ عليه السّلام ـ : لقد كان كذلك ، ومحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ أرسل إلى فراعنة شتّى ، مثل أبي جهل بن هشام ، وعتبة بن ربيعة ، وشيبة ، وأبي البحتريّ ، والنّضر بن الحرث ، وأبيّ بن خلف ، ومنبّه ونبيه ابني الحجّاج ، وإلى الخمسة المستهزئين : الوليد بن المغيرة المخزوميّ ، والعاص بن وائل السّهميّ ، والأسود بن عبد يغوث الزّهريّ ، والأسود بن عبد (١) المطّلب ، والحارث بن الطّلاطلة (٢). فأراهم الآيات في الآفاق وفي أنفسهم ، حتّى تبيّن لهم أنّه الحقّ.
قال له اليهوديّ : لقد انتقم الله ـ عزّ وجلّ ـ لموسى من فرعون.
قال له عليّ ـ عليه السّلام ـ لقد كان كذلك [ولقد] (٣) انتقم الله ـ جلّ اسمه ـ لمحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ من الفراعنة. فأمّا المستهزءون ، فقد قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) (٤). فقتل الله خمستهم كلّ واحد منهم بغير قتلة صاحبه في يوم واحد.
فأمّا الوليد بن المغيرة ، فمرّ بنبل لرجل من خزاعة قد راشه ووضعه في الطّريق ، فأصابه شظيّة منه ، فانقطع أكحله حتّى أدماه فمات. وهو يقول : قتلني ربّ محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ.
وأمّا العاص بن وائل السّهمّي ، فإنّه خرج في حاجة له إلى موضع ، فتدهده تحته حجر (٥) ، فسقط ، فتقطّع قطعة قطعة فمات. وهو يقول : قتلني ربّ محمّد.
وأمّا الأسود بن عبد يغوث ، فإنّه خرج يستقبل ابنه زقعة (٦) ، فاستظل بشجرة ، فأتاه جبرئيل ـ عليه السّلام ـ فأخذ رأسه فنطح (٧) به الشّجرة. فقال لغلامه : امنع هذا عنّي.
فقال : ما أرى أحدا يصنع بك (٨) شيئا إلّا نفسك. فقتله ، وهو يقول : قتلني ربّ محمّد.
وأمّا الأسود بن الحارث بن المطّلب (٩) ، فإنّ النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ دعا عليه أن يعمي الله بصره وأن يثكله ولده. فلمّا كان في ذلك اليوم ، خرج حتّى صار إلى موضع أتاه جبرئيل ـ عليه السّلام ـ بورقة خضراء ، فضرب بها وجهه ، فعمي وبقي حتّى أثكله الله
__________________
(١) ليس في المصدر.
(٢) المصدر : الطلالة.
(٣) من المصدر.
(٤) الحجر / ٩٥.
(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : بحجر.
(٦) المصدر : زمعة.
(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : فتنطح. (٨) ليس في المصدر. (٩) ليس في المصدر : بن المطّلب.
ـ عزّ وجلّ ـ ولده.
وأمّا الحارث بن الطّلاطلة (١) ، فإنّه خرج من بيته في السّموم ، فتحوّل حبشيّا ، فرجع إلى أهله فقال : أنا الحارث. فغضبوا عليه فقتلوه ، وهو يقول : قتلني ربّ محمّد.
وروي (٢) : أنّ أسود بن الحارث أكل حوتا مالحا ، فأصابه غلبة العطش ، فلم يزل يشرب الماء حتّى انشقّ بطنه فمات. وهو يقول : قتلني ربّ محمّد.
كلّ ذلك في ساعة واحدة. وذلك أنّهم كانوا بين يدي رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فقالوا له : يا محمّد ، ننتظر بك إلى الظّهر ، فإن رجعت عن قولك وإلّا قتلناك.
فدخل النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ منزله ، فأغلق عليه بابه مغتمّا لقولهم.
فأتاه جبرئيل ـ عليه السّلام ـ عن الله من ساعته ، فقال : يا محمّد ، السّلام يقرأ عليك السّلام وهو يقول : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) (٣) ، يعني : اظهر أمرك لأهل مكّة وادعهم إلى الإيمان.
قال : يا جبرئيل ، كيف أصنع بالمستهزئين وما أوعدوني؟
قال له : (إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ).
قال : يا جبرئيل ، كانوا السّاعة بين يدي.
قال : قد كفيتهم (٤).
فأظهر أمره عند ذلك. وأمّا بقيّتهم من (٥) الفراعنة فقتلوا يوم بدر بالسّيف ، وهزم الله الجمع (٦) وولّوا الدّبر.
والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
وفي كتاب الخصال (٧) : عن أبان الأحمر رفعه قال المستهزءون بالنّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ خمسة : الوليد بن المغيرة المخزوميّ ، والعاص بن وائل السّهميّ ، والأسود بن عبد يغوث الزّهريّ ، والأسود بن المطّلب ، والحارث بن عطيّة (٨) الثّقفيّ.
(وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ) (٩٧) : من الشّرك ، والطّعن في القرآن ، وما يذكر في وصيّك ، والاستهزاء بك.
__________________
(١) المصدر : الحارث بن أبي الطلالة.
(٢) الاحتجاج ١ / ٣٢٢.
(٣) الحجر / ٩٤.
(٤) أ ، ب ، ر : نفيتهم.
(٥) المصدر : «بقيّة» بدل «بقيتهم من».
(٦) المصدر : الجميع.
(٧) الخصال ١ / ٢٧٨ ، ح ٢٤.
(٨) المصدر : «الطلاطلة» بدل «عطيّة».
وفي أصول الكافي (١) : محمّد بن الحسين وغيره ، عن سهل ، عن محمّد بن عيسى [ومحمد بن يحيى] (٢) ومحمّد بن الحسين جميعا ، عن محمّد بن سنان ، عن إسماعيل بن جابر وعبد الكريم بن عمرو ، عن عبد الحميد ، عن ابن (٣) أبي الدّيلم ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. يقول فيه حاكيا عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : فذكر من فضل وصيّه ذكرا ، فوقع النّفاق في قلوبهم. فعلم (٤) رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ذلك وما يقولون. فقال الله ـ جلّ ذكره ـ : يا محمّد (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ).
(فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) (٥). لكنّهم نصبت (٦) حجّة لهم.
وكان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يتألّفهم ويستعين ببعضهم على بعض ، ولا يزال يخرج لهم شيئا في فضل وصيّه حتّى نزلت هذه الآية (٧) ، فاحتجّ عليهم حين أعلم بموته ونعيت إليه نفسه.
(فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) : فافزع إلى الله فيما نابك بالتّسبيح والتّحميد ، يكفك ويكشف الغمّ عنك. أو فنزّهه عمّا يقولون ، حامدا له على أن هداك للحقّ.
(وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) (٩٨) : من المصلّين.
وفي مجمع البيان (٨) : أنّه ـ عليه السّلام ـ كان إذا أصابه (٩) أمر ، فزع إلى الصّلاة.
وفي أصول الكافي (١٠) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه وعليّ بن محمّد القاسانيّ جميعا ، عن القاسم بن محمّد الإصبهانيّ ، عن سليمان بن داود المنقريّ ، عن حفص بن غياث قال : قال لي أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : يا حفص ، إنّ من صبر ، صبر قليلا. وإنّ من جزع ، جزع قليلا.
ثمّ قال : عليك بالصّبر في جميع أمورك. فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ بعث محمّدا ـ صلّى الله عليه وآله ـ فأمره (١١) بالصّبر والرّفق ، فصبر ـ صلّى الله عليه وآله ـ حتّى نالوه بالعظائم ورموه بها
__________________
(١) الكافي ١ / ٢٩٤ ، ذيل ح ٣.
(٢) من المصدر.
(٣) ليس في المصدر.
(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : فهم.
(٥) الانعام / ٣٣.
(٦) المصدر : «يجحدون بغير» بدل «نصبت».
(٧) المصدر : السورة.
(٨) المجمع ٣ / ٣٤٧. (٩) المصدر : حزنه.
(١٠) الكافي ٢ / ٨٨ ، ح ٣. (١١) كذا في المصدر. وفي النسخ : وأمره.
فضاق صدره. فأنزل الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ ، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ).
والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
(وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (٩٩) ، أي : الموت ، فإنّه متيقّن لحاقه كلّ حيّ مخلوق.
والمعنى : فاعبده ما دمت حيّا ، ولا تخلّ بالعبادة لحظة.
تفسير
سُورَةِ النّحل
سورة النّحل
مكّيّة ، غير ثلاث آيات في آخرها. وهي مائة [وثمان] (١) وعشرون آية.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
في كتاب ثواب الأعمال (٢) ، بإسناده إلى أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : من قرأ سورة النّحل في كلّ شهر ، كفي المغرم في الدّنيا وسبعين نوعا من أنواع البلاء (٣) ، أهونه الجنون والجذام والبرص ، وكان مسكنه في جنّة عدن وهي وسط الجنّان.
وفي مجمع البيان (٤) : أبي بن كعب عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال : من قرأها ، لم يحاسبه الله ـ تعالى ـ بالنّعم الّتي أنعمها عليه في دار الدّنيا (٥). وإن مات في يوم تلاها أو ليلته ، اعطي (٦). من الأجر ، كالّذي مات وأحسن الوصيّة.
(أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) قيل (٧) : كانوا يستعجلون ما أوعدهم الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ من قيام السّاعة أو إهلاك الله ـ تعالى ـ إيّاهم ، كما فعل يوم بدر ، استهزاء وتكذيبا ، ويقولون : إن صحّ ما
__________________
(١) من أنوار التنزيل ١ / ٥٤٨.
(٢) ثواب الأعمال / ١٣٣ ، ح ١.
(٣) المصدر : البلا [يا].
(٤) المجمع ٣ / ٣٤٧.
(٥) المصدر : في دار الدنيا وأعطى من الأجر كالّذي كالّذي مات وأحسن الوصية وإن مات الخ.
(٦) المصدر : «كان له» بدل «أعطى».
(٧) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٨.
يقوله (١) ، فالأصنام تشفع لنا وتخلّصنا. فنزلت.
والمعنى : أنّ الأمر الموعود به بمنزلة الآتي المتحقّق ، من حيث أنّه واجب الوقوع ، فلا تستعجلوا وقوعه ، فإنّه لا خير لكم فيه ولا خلاص لكم عنه.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : قال : نزلت لمّا سألت قريش رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أن ينزّل عليهم العذاب.
وفي تفسير العيّاشيّ (٣) : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : إنّ الله إذا أخبر (٤) أنّ شيئا كائن ، فكأنّه قد كان.
وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة (٥) ، بإسناده إلى ابان بن تغلب قال : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : أوّل من يبايع القائم جبرئيل ، ينزل في صورة طير أبيض فيبايعه. ثمّ يضع رجلا على بيت الله الحرام ورجلا على بيت المقدس ، ثمّ ينادي بصوت ذلق (٦) تسمعه الخلائق : (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ).
عن عليّ (٧) بن مهزيار (٨) ، عن القائم ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. فيه أنّه ـ عليه السّلام ـ تلا : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، (أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ).
فقلت : سيّدي يا ابن رسول الله ، ما الأمر؟
قال : نحن أمر الله وجنوده (٩).
وروى الشّيخ المفيد (١٠) في كتاب الغيبة ، بإسناده : عن عبد الرّحمن بن كثير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في هذه الآية قال : هو أمرنا ، يعني : قيام قائمنا آل محمّد. أمرنا الله أن لا نستعجل به ، فيؤيّده إذا أتى ثلاثة : جنود الملائكة ، والمؤمنون ، والرّعب.
وخروجه ـ عليه السّلام ـ ، كخروج رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ من مكّة. وهو قوله :
__________________
(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : تقول.
(٢) تفسير القمّي ١ / ٣٨٢.
(٣) تفسير العياشي ٢ / ٢٥٤.
(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : إذا اجز الله.
(٥) كمال الدين / ٦٧١ ، ح ١٨.
(٦) المصدر : طلق. والذّلق : الفصيح.
(٧) كمال الدين / ٤٦٩ ـ ٤٧٠.
(٨) بعض نسخ المصدر : علي بن إبراهيم بن مهزيار.
(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : «فلا تستعجلوه» بدل «وجنوده».
(١٠) تفسير البرهان ٢ / ٣٥٩ ، ذيل ح ١ عنه.
(كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِ).
(سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (١) : تبرّأ وجلّ عن أن يكون له شريك ، فيدفع ما أراد بهم.
وقرأ (١) حمزة والكسّائي ، بالتّاء ، على وفق قوله : (فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ). والباقون ، بالياء ، على تلوين الخطّاب ، أو على أنّ الخطّاب للمؤمنين ، أو لهم ولغيرهم لما نقل : أنّه لمّا نزلت (أَتى أَمْرُ اللهِ) فوثب النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ ورفع النّاس رؤوسهم ، فنزلت (فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ).
(يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ) قيل (٢) : بالوحي. أو القرآن ، فإنّه يحيى به القلوب الميّتة بالجهل ، أو يقوم في الدّين مقام الرّوح في الجسد.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) ، يعني : بالقوّة الّتي جعلها الله فيهم.
وعن أبي جعفر (٤) ـ عليه السّلام ـ يقول : بالكتاب والنّبوّة.
وقرأ (٥) ابن كثير وأبو عمرو : «وينزل» من أنزل.
وعن يعقوب (٦) ، مثله. وعنه : «تنزّل» ، بمعنى : تتنزّل.
وقرأ (٧) أبو بكر : «تنزّل» على المضارع المبنيّ للمفعول ، من التّنزيل.
(مِنْ أَمْرِهِ) : بأمره. أو من أجله.
(عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) : أن يتّخذه رسولا.
وفي أصول الكافي (٨) : محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن عليّ بن أسباط ، عن الحسين بن أبي العلا ، عن سعد الإسكاف قال : أتى رجل أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ يسأله عن الرّوح : أليس هو جبرئيل؟
فقال له أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : جبرئيل من الملائكة والرّوح غير جبرئيل [فكرّر ذلك على الرّجل.
فقال له : لقد قلت عظيما من القول ، ما أحد يزعم أنّ الرّوح غير جبرئيل.] (٩)
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٨.
(٢) نفس المصدر والموضع.
(٣ و ٤) تفسير القمّي ١ / ٣٨٢.
(٥ و ٦ و ٧) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٨.
(٨) الكافي ١ / ٢٧٤ ، ح ٦.
(٩) من المصدر.
فقال له أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : إنّك ضالّ تروي عن أهل الضّلال. يقول الله ـ عزّ وجلّ ـ لنبيّه : (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ ، يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ). والرّوح غير الملائكة ـ عليهم السّلام ـ.
وفي كتاب بصائر الدّرجات (١) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ أنّه سئل عن هذه الآية.
فقال : جبرئيل الّذي نزل على الأنبياء ، والرّوح يكون معهم ومع الأوصياء لا يفارقهم يفقّههم ويسدّدهم من عند الله. (الحديث).
(أَنْ أَنْذِرُوا) : بأن أنذروا ، أي : أعلموا. من أنذرته (٢) بكذا : إذا أعلمته.
(أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ) (٢) : أنّ الشّأن لا إله إلّا أنا فاتّقون. أو خوّفوا أهل الكفر والمعاصي ، بأنّه لا إله إلّا أنا.
قوله : «فاتّقون» رجوع إلى مخاطبتهم بما هو المقصود.
و «أن» قيل (٣) : هي مفسّرة ، لأنّ الرّوح بمعنى الوحي الدّالّ على القول. أو مصدريّة في موضع الجرّ بدلا من الرّوح ، أو النّصب بنزع الخافض. أو مخفّفة من الثّقيلة.
(خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (٣) : منهما ، أو ممّا يفتقر في وجوده أو بقائه إليهما وممّا لا يقدر على خلقهما.
(خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ) : جماد لا حسّ لها ولا حراك ، سيّالة لا تحفظ الوضع والشّكل.
(فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ) : منطيق مجادل.
(مُبِينٌ) (٤) : للحجّة. أو خصيم مكافح لخالقه قائل : (مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ).
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : قال : خلقه من قطرة ماء منتن ، فيكون خصيما متكلّما بليغا.
(وَالْأَنْعامَ) : الإبل والبقر والغنم.
وانتصابها بمضمر يفسّره : (خَلَقَها لَكُمْ) ، أو بالعطف على «الإنسان».
و (خَلَقَها لَكُمْ) بيان ما خلقت لأجله. وما بعده تفصيل له.
__________________
(١) بصائر الدرجات / ٤٨٣ ، ح ١.
(٢) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٨ : نذرت.
(٣) نفس المصدر والموضع.
(٤) تفسير القمّي ١ / ٣٨٢.
(فِيها دِفْءٌ).
«الدّفء» اسم لما يدفأ به ، فيقي البرد (١) ، كما أنّ الملأ اسم لما يملأ به. وهو الدّفاء من لباس معمول من صوف أو وبر.
وفي كتاب الخصال (٢) : عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن آبائه ـ عليهم السّلام ـ ، عن عليّ ـ عليه السّلام ـ قال : سئل النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : أيّ المال خير؟
قال : زرع زرعه صاحبه وأدّى حقّه يوم حصاده.
قيل : وأيّ مال بعد الزّرع خير؟
قال : رجل في غنمه (٣) قد تبع بها مواقع (٤) القطر ، يقيم الصّلاة ويؤتي الزّكاة.
قيل : فأيّ المال بعد الغنم خير؟
قال : البقر تغدو بخير (٥) وتروح بخير.
قيل : فأيّ المال بعد البقر خير؟
قال : الرّاسيات (٦) في الوحل المطعمات في المحل (٧). نعم المال النّخل. من باعه ، فإنّما ثمنه بمنزلة رماد على شاهقة (٨) اشتدّت به الرّيح في يوم عاصف ، إلّا أن يخلف مكانها.
قيل : يا رسول الله ، فأيّ المال بعد النّخل خير؟
فسكت.
فقال له الرّجل : فأين الإبل؟
قال : فيها الشّقاء والجفاء والعناء وبعد الدار (٩) ، تغدو مدبرة [وتروح مدبرة] (١٠) ، لا يأتي خيرها إلّا من جانبها الأشأم.
__________________
(١) كذا في أنوار التنزيل ١ / ٥٤٩. وفي النسخ :
فيقي الحرّ والبرد.
(٢) الخصال ١ / ٢٤٥ ، ح ١٠٥.
(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : غنيمة.
(٤) المصدر : المواضع.
(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : «تفد وتجيء» بدل «تفد وبخير».
(٦) الراسيات : الثابتات في أماكنها لا تزول لعظمها.
(٧) المحل : الشدة والجدب وانقطاع المطر ويبس الأرض من الكلأ.
(٨) المصدر : على رأس شاهقة.
(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : الواد.
(١٠) من المصدر.
عن أبي عبد الله (١) ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن عليّ ـ عليهم السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : الغنم إذا أقبلت ، أقبلت. وإذا أدبرت ، أقبلت. والبقر إذا أقبلت ، أقبلت. وإذا أدبرت ، أدبرت. والإبل أعناق الشّياطين ، إذا أقبلت ، أدبرت. وإذا أدبرت ، أدبرت. ولا يجيء خيرها إلّا من جانب الأشأم.
قيل : يا رسول الله ، فمن يتّخذها بعد ذا؟
قال : فأين الأشقياء الفجرة؟
عن الحارث (٢) قال : قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : عليكم بالغنم والحرث ، فإنّهما يروحان بخير ويغدوان بخير. قال : فقيل له : يا رسول الله ، فأين الإبل؟
قال : تلك أعناق الشّياطين ، ويأتي خيرها من الجانب الأشأم.
قيل : يا رسول الله ، إن سمع النّاس بذلك تركوها.
فقال إذا لا يعدمها الأشقياء الفجرة.
عن أمير المؤمنين (٣) ـ عليه السّلام ـ : أفضل ما يتّخذه الرّجل في منزله لعياله الشّاة.
فمن كان في منزله شاة ، قدّست عليه الملائكة [في كلّ يوم مرّة ومن كانت عنده شاتان ، قدست عليه الملائكة] (٤) مرتين في كلّ يوم ، وكذلك في الثّلاث. تقول : بورك فيكم.
عن الحسن بن مصعب (٥) قال : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : إنّ لله ـ تعالى ـ في كلّ يوم وليلة ملكا ينادي : مهلا مهلا عباد الله عن معاصي الله ، فلولا بهائم رتّع وصبية رضّع وشيوخ ركّع ، لصبّ عليكم العذاب صبّا وترضّون بها رضّا.
(وَمَنافِعُ) : نسلها ودرّها وظهورها. وإنّما عبّر عنها بالمنافع ، ليتناول عوضها وللاختصار.
(وَمِنْها تَأْكُلُونَ) (٥) ، أي : تأكلون ما يؤكل منها ، كاللّحوم والشّحوم والألبان.
وتقديم الظّرف ، للمحافظة على رؤوس الآي. أو لأنّ الأكل منها هو المعتاد
__________________
(١) الخصال ١ / ٢٤٦ ، ح ١٠٦.
(٢) الخصال ١ / ٤٥ ، ح ٤٤.
(٣) الخصال ٢ / ٦١٧.
(٤) من المصدر.
(٥) نفس المصدر والمجلّد / ١٢٨ ، ح ١٣١. وفيه : الحسين بن مصعب.