تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٧

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٧

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

وقيل (١) : أسحارا.

وعن عكرمة (٢) : «العضة» (٣) السّحر.

وإنّما جمع على السّلامة ، جبرا لما حذف منه. والموصول بصلته صفة للمقتسمين.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : قال عليّ بن إبراهيم في قوله : (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ). قال : قسّموا القرآن ، ولم يؤلّفوه على ما أنزله الله.

وفي تفسير العيّاشيّ (٥) : عن محمّد بن مسلم ، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ قال : قال في الّذين أبرزوا القرآن عضين ، قال : هم قريش.

(فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) (٩٢) (عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) (٩٣) : من التّقسيم.

أو النّسبة إلى السّحر ، فنجازيهم عليهم.

وقيل (٦) : عامّ في كلّ ما فعلوا من الكفر والمعاصي.

(فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) : فاجهر به. من صدع بالحجّة : إذا تكلّم بها جهارا. أو فافرق به بين الحقّ والباطل. وأصله الإبانة والتّمييز.

و «ما» مصدريّة ، أو موصولة. والرّاجع محذوف ، أي : بما تؤمر به من الشّرائع.

(وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) (٩٤) : فلا تلتفت إلى ما يقولون.

وفي تفسير العيّاشيّ (٧) : عن زرارة وحمران ومحمّد بن مسلم (٨) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله ـ تعالى ـ : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها) (٩).

قال : نسختها (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ).

(إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) (٩٥) : بقمعهم وإهلاكهم.

(الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (٩٦) : عاقبة أمرهم في الدّارين.

وفي أصول الكافي (١٠) : محمّد بن أبي عبد الله ومحمّد بن الحسن ، عن سهل بن زياد

__________________

(١ و ٢) نفس المصدر والموضع.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : العضهة.

(٤) تفسير القمّي ١ / ٣٧٧.

(٥) تفسير العياشي ٢ / ٢٥١ ، ح ٤٣.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٨.

(٧) تفسير العياشي ٢ / ٢٥٢ ، ح ٤٥. وص ٣١٩ ، ح ١٧٦.

(٨) المصدر : «عن أبي بصير» بدل «عن زرارة وحمران ومحمّد بن مسلم».

(٩) الاسراء / ١١٠.

(١٠) الكافي ١ / ٢٤٣ ، ذيل ح ١.

١٦١

ومحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد جميعا ، عن الحسن بن عبّاس بن الحريش ، عن أبي جعفر الثّاني ـ عليه السّلام ـ قال : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : سأل رجل أبي ـ عليه السّلام ـ.

فقال : يا ابن رسول الله ، سآتيك بمسألة صعبة. أخبرني عن هذا العلم ، ما له لا يظهر ، كما كان يظهر مع رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ؟

قال : فضحك أبي ـ عليه السّلام ـ وقال : أبى الله أن يطلع على علمه إلّا ممتحنا للإيمان به ، كما قضى على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أن يصبر على أذى قومه ولا يجاهدهم إلّا بأمره. فكم من اكتتام قد اكتتم به حتّى قيل له : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ). وأيم الله ، إنّه لو صدع (١) قبل ذلك ، لكان آمنا. ولكنّه إنّما نظر في الطّاعة وخاف الخلاف ، فلذلك كفّ. فوددت أنّ عينك تكون مع مهديّ هذه الأمّة ، والملائكة بسيوف آل داود بين السّماء والأرض تعذّب أرواح الكفرة من الأموات ، وتلحق بهم أرواح أشباههم من الأحياء.

ثمّ أخرج سيفا. ثمّ قال : ها إنّ هذا منها.

قال : فقال أبي : والّذي اصطفى محمّدا على البشر.

قال : فردّ الرّجل اعتجاره (٢) ، وقال : أنا إلياس ، ما سألتك عن أمرك وبي منه جهالة ، غير أنّي أحببت أن يكون هذا الحديث قوّة لأصحابك.

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة (٣) ، بإسناده إلى محمّد بن عليّ الحلبيّ : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : اكتتم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ [بمكة] (٤) مختفيا خائفا خمس سنين ليس يظهر أمره ، وعليّ ـ عليه السّلام ـ معه وخديجة. ثمّ أمره الله ـ عزّ وجلّ ـ أن يصدع بما أمر به ، فظهر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فأظهر أمره.

وفي خبر آخر (٥) : أنّه ـ عليه السّلام ـ كان مختفيا بمكّة ثلاث سنين.

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : أصدع.

(٢) الاعتجار : لفّ العمامة على رأسه. والردّ هنا في مقابل الفتح المذكور في صدر الحديث في قوله : «ففتح الرّجل عجيرته واستوى جالسا وتهلّل وجهه ...» وإن شئت الوقوف على تمام الحديث راجع نفس المصدر.

(٣) كمال الدين ٢ / ٣٤٤ ، ح ٢٨.

(٤) من المصدر.

(٥) نفس المصدر والموضع.

١٦٢

وبإسناده (١) إلى عبيد الله بن عليّ الحلبيّ قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : مكث رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بمكّة بعد ما جاء الوصي عن الله ـ تبارك وتعالى ـ ثلاث عشرة سنة ، منها ثلاث سنين مختفيا خائفا لا يظهر حتّى أمره الله ـ عزّ وجلّ ـ أن يصدع بما أمره به ، فأظهر حينئذ الدّعوة.

وفي تفسير العيّاشيّ (٢) : عن محمّد بن عليّ الحلبيّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : اكتتم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بمكّة سنين ليس يظهر ، وعليّ معه وخديجة.

ثمّ أمره الله أن يصدع بما يؤمر ، فظهر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فجعل يعرض نفسه على قبائل العرب ، فإذا أتاهم قالوا : كذّاب امض عنّا.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : قوله : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ).

الآية نزلت بمكّة بعد أن نبّئ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بثلاث سنين. وذلك أنّ النّبوّة نزلت على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يوم الاثنين ، وأسلم عليّ ـ عليه السّلام ـ يوم الثّلاثاء ، ثمّ أسلمت خديجة بنت خويلد ، زوجة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. ثمّ دخل أبو طالب على النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ وهو يصلّي وعليّ بجنبه ، وكان مع أبي طالب جعفر.

فقال له أبو طالب : صل جناح ابن عمّك.

فوقف جعفر على يسار رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ، فبدر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ من بينهما. فكان يصلّي رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ، وعليّ وجعفر وزيد بن حارثة وخديجة [يأتمون به] (٤). فلمّا أتى لذلك ثلاث سنين ، أنزل الله عليه (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ، إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ).

وكان المستهزءون برسول الله خمسة : الوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، والأسود بن المطّلب ، والأسود بن عبد يغوث ، والحرث بن الطّلاطلة الخزاعيّ.

أمّا الوليد ، فكان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ دعا عليه لما كان يبلغه من إيذائه واستهزائه. فقال : اللهم ، أعم بصره وأثكله بولده. فعمي بصره وقتل ولده ببدر

__________________

(١) نفس المصدر والموضع ، ح ٢٩.

(٢) تفسير العياشي ٢ / ٢٥٣ ، ح ٤٧.

(٣) تفسير القمّي ١ / ٣٧٧ ـ ٣٨١.

(٤) من المصدر.

١٦٣

وكذلك [دعا] (١) على الأسود بن المطّلب ، والأسود بن عبد (٢) يغوث ، والحارث بن طلاطلة الخزاعيّ. فمرّ الوليد بن المغيرة يوما (٣) برسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ومعه جبرئيل ـ عليه السّلام ـ.

فقال جبرئيل : يا محمّد ، هذا الوليد بن المغيرة وهو من المستهزئين بك؟

قال : نعم.

وقد كان مرّ برجل من خزاعة على باب المسجد (٤) وهو يريّش نبالا له ، فوطئ على بعضها ، فأصاب أسفل عقبه قطعة من ذلك فدميت. فلمّا مرّ بجبرئيل ـ عليه السّلام ـ أشار إلى ذلك الموضع ، فرجع الوليد إلى منزله ونام على سريره ، وكانت ابنته نائمة أسفل منه ، فانفجر الموضع الّذي أشار إليه جبرئيل ـ عليه السّلام ـ أسفل عقبه فسال منه الدّم حتّى صار إلى فراش ابنته.

فانتبهت ابنته (٥) ، فقالت : يا جارية ، انحلّ وكاء القربة (٦).

قال الوليد (٧) : ما هذا وكاء القربة ، ولكنّه دم أبيك. فاجمعي لي ولدي وولد أخي ، فإنّي ميّت.

فجمعتهم.

فقال لعبد الله بن أبي ربيعة : إنّ عمارة بن الوليد بأرض الحبشة بدار مضيّعة (٨) ، فخذ كتابا من محمّد إلى النّجاشيّ أن يردّه.

ثمّ قال لابنه هاشم ، وهو أصغر ولده : يا بنيّ ، أوصيك بخمس خصال فاحفظها : أوصيك بقتل أبي درهم الدّوسيّ ، وان أعطوكم ثلاث ديات (٩) ، فإنّه غلبني على امرأتي وهي بنته ، ولو تركها وبعلها كانت تلد لي ابنا مثلك. ودمي في خزاعة ، وما تعمّدوا قتلي ، وأخاف أن تنسوا بعدي. ودمي في بني خزيمة بن عامر. ودياتي (١٠) في ثقيف ، فخذه. ولأسقف نجران عليّ مائتا دينار ، فاقضها.

__________________

(١) من المصدر.

(٢) ليس في المصدر : «المطّلب ، والأسود بن عبد.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) ليس في المصدر : على باب المسجد.

(٥) ليس في المصدر.

(٦) وكاء القربة : رباط القربة.

(٧) ليس في المصدر.

(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : مضيّقة.

(٩) ليس في المصدر : وان أعطوكم ثلاث ديات.

(١٠) المصدر : دياني. والسيرة لابن هشام : ربائي.

١٦٤

ثمّ فاضت نفسه.

ومرّ ربيعة بن الأسود برسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فأشار جبرئيل إلى بصره ، فعمى ومات.

ومرّ به الأسود بن عبد يغوث ، فأشار جبرئيل إلى بطنه ، فلم يزل يستسقي حتّى انشقّ بطنه.

ومرّ العاص بن وائل ، فأشار جبرئيل إلى رجليه (١) ، فدخل عود في أخمص قدمه وخرج (٢) من ظاهره ، ومات.

ومرّ به الحارث بن الطّلاطلة (٣) ، فأشار جبرئيل إلى وجهه ، فخرج إلى جبال تهامة فأصابته السّمائم (٤) واستسقى حتّى انشقّ بطنه. وهو قول الله (إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ).

فخرج رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ، فقام على الحجر وقال : يا معشر قريش يا معاشر العرب ، أدعوكم إلى شهادة : أن لا إله إلّا الله ، وأنّي رسول الله ، وآمركم بخلع الأنداد والأصنام. فأجيبوني ، تملكوا بها العرب وتدين لكم العجم وتكونوا ملوكا في الجنّة.

فاستهزءوا منه ، وقالوا : جنّ محمّد بن عبد الله. ولم يجسروا عليه ، لموضع أبي طالب.

فاجتمعت قريش إلى أبي طالب ، فقالوا : يا أبا طالب ، إنّ ابن أخيك قد سفّه أحلامنا وسبّ آلهتنا وأفسد شبابنا وفرّق جماعتنا. فإن كان حمله (٥) على ذلك الغرم ، جمعنا له مالا فيكون أكثر قريش مالا ، ونزوّجه أيّ امرأة شاء من قريش.

فقال له أبو طالب : ما هذا ، يا ابن أخي؟

فقال : يا عمّ ، هذا دين الله الّذي ارتضاه لأنبيائه ورسله ، بعثني الله رسولا إلى النّاس.

فقال : يا ابن أخي ، إنّ قومك قد أتوني يسألوني أن أسألك أن تكفّ عنهم.

__________________

(١) الظاهر : رجله.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : فدخل يداه في أخمص قدميه وخرجت.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : ابن أبي الطلاطلة.

(٤) السمائم ـ جمع السموم ـ : الريح الحارّة.

(٥) المصدر : يحمله.

١٦٥

فقال : يا عمّ ، إنّي لا أستطيع أن أخالف أمر ربّي.

فكفّ عنه أبو طالب.

ثمّ اجتمعوا إلى أبي طالب ، فقالوا : أنت سيّد من ساداتنا ، فادفع إلينا محمّدا لنقتله وتملّك علينا.

فقال أبو طالب قصيدة طويلة (١) ، يقول فيها :

ولمّا رأيت القوم لا ودّ عندهم

وقد قطعوا كلّ العرى والوسائل

كذبتم وبيت الله يبزى (٢) محمّد

ولمّا نطاعن دونه ونناضل

وننصره حتّى نصرّع حوله

ونذهل عن أبنائنا والحلائل

قال : فمّا اجتمعت قريش على قتل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وكتبوا الصّحيفة القاطعة ، جمع أبو طالب بني هاشم وحلف لهم بالبيت والرّكن والمقام والمشاعر في الكعبة ، لئن شاكت محمّدا شوكة لآتين عليكم بني هاشم (٣). فأدخله الشّعب ، وكان يحرسه باللّيل والنّهار قائما بالسّيف على رأسه أربع سنين.

فلمّا خرجوا من الشّعب ، حضرت أبا طالب الوفاة. فدخل عليه رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وهو يجود بنفسه ، فقال : يا عمّ ، ربّيت صغيرا وكفلت يتيما ، فجزاك الله عنّي جزاء (٤) ، أعطني كلمة أشفع لك بها عند ربّي.

فروي : أنّه لم يخرج من الدّنيا حتّى أعطى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ الرّضا.

وقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : لو قمت المقام المحمود ، لشفعت لأبي وأمّي وعمّي وأخ كان لي مؤاخيا في الجاهليّة.

وحدّثني (٥) أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن سيف بن عميرة وعبد الله بن سنان وأبي حمزة الثّماليّ (٦) قالوا : سمعنا أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ ، جعفر بن محمّد يقول : لمّا حجّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ حجّ الوداع نزل بالأبطح ووضعت له وسادة فجلس عليها ، ثمّ رفع يده إلى السّماء وبكى بكاء شديدا ، ثمّ قال : يا ربّ ، إنّك وعدتني في أبي وأمّي

__________________

(١) المصدر : قصيدته الطويلة.

(٢) يبزى : يغلب ويقهر.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : ببني هاشم.

(٤) المصدر : خيرا.

(٥) تفسير القمّي ١ / ٣٨٠.

(٦) المصدر : ابن أبي حمزة الثمالي.

١٦٦

وعمّي أن لا تعذّبهم بالنّار.

قال : فأوحى الله إليه : إنّي آليت على نفسي أن لا يدخل جنّتي إلّا من شهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّك عبدي ورسولي. ولكن (١) ائت الشّعب فنادهم ، فإن أجابوك فقد وجبت لهم رحمتي.

فقام النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى الشّعب فناداهم : يا أبتاه ويا أمّاه ويا عمّاه.

فخرجوا ينفضون التّراب عن وجوههم (٢).

وقال لهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : ألا ترون إلى هذه الكرامة الّتي أكرمني الله بها؟

فقالوا : نشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّك رسول الله حقّا حقّا ، وأنّ جميع ما أتيت به من عند الله فهو الحقّ.

فقال : ارجعوا إلى مضاجعكم.

ودخل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى مكّة ، وقدم (٣) إليه عليّ ـ عليه السّلام ـ من اليمن.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : ألا أبشّرك يا عليّ؟

فقال له : بأبي أنت وأمّي ، لم تزل مبشّرا.

فقال : ألا ترى إلى ما رزقنا الله ـ تبارك وتعالى ـ في سفرنا هذا؟ وأخبره الخبر.

فقال عليّ : الحمد لله.

قال : وأشرك رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في بدنته (٤) أباه وأمّه وعمّه.

وفي كتاب الاحتجاج (٥) للطبرسيّ ـ رحمه الله ـ : روي عن موسى بن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن الحسين بن عليّ ـ عليهم السّلام ـ قال : إنّ يهوديّا من يهود الشّام وأحبارهم قال لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : فإنّ هذا موسى بن عمران قد أرسله الله إلى فرعون وأراه الآية الكبرى.

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : ولكنّي.

(٢) المصدر : رؤوسهم.

(٣) كذا في المصدر ، ب. وفي سائر النسخ : ودخل عليّ ـ عليه السّلام ـ.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : بدنة.

(٥) الاحتجاج ١ / ٣٢١.

١٦٧

قال له عليّ ـ عليه السّلام ـ : لقد كان كذلك ، ومحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ أرسل إلى فراعنة شتّى ، مثل أبي جهل بن هشام ، وعتبة بن ربيعة ، وشيبة ، وأبي البحتريّ ، والنّضر بن الحرث ، وأبيّ بن خلف ، ومنبّه ونبيه ابني الحجّاج ، وإلى الخمسة المستهزئين : الوليد بن المغيرة المخزوميّ ، والعاص بن وائل السّهميّ ، والأسود بن عبد يغوث الزّهريّ ، والأسود بن عبد (١) المطّلب ، والحارث بن الطّلاطلة (٢). فأراهم الآيات في الآفاق وفي أنفسهم ، حتّى تبيّن لهم أنّه الحقّ.

قال له اليهوديّ : لقد انتقم الله ـ عزّ وجلّ ـ لموسى من فرعون.

قال له عليّ ـ عليه السّلام ـ لقد كان كذلك [ولقد] (٣) انتقم الله ـ جلّ اسمه ـ لمحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ من الفراعنة. فأمّا المستهزءون ، فقد قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) (٤). فقتل الله خمستهم كلّ واحد منهم بغير قتلة صاحبه في يوم واحد.

فأمّا الوليد بن المغيرة ، فمرّ بنبل لرجل من خزاعة قد راشه ووضعه في الطّريق ، فأصابه شظيّة منه ، فانقطع أكحله حتّى أدماه فمات. وهو يقول : قتلني ربّ محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

وأمّا العاص بن وائل السّهمّي ، فإنّه خرج في حاجة له إلى موضع ، فتدهده تحته حجر (٥) ، فسقط ، فتقطّع قطعة قطعة فمات. وهو يقول : قتلني ربّ محمّد.

وأمّا الأسود بن عبد يغوث ، فإنّه خرج يستقبل ابنه زقعة (٦) ، فاستظل بشجرة ، فأتاه جبرئيل ـ عليه السّلام ـ فأخذ رأسه فنطح (٧) به الشّجرة. فقال لغلامه : امنع هذا عنّي.

فقال : ما أرى أحدا يصنع بك (٨) شيئا إلّا نفسك. فقتله ، وهو يقول : قتلني ربّ محمّد.

وأمّا الأسود بن الحارث بن المطّلب (٩) ، فإنّ النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ دعا عليه أن يعمي الله بصره وأن يثكله ولده. فلمّا كان في ذلك اليوم ، خرج حتّى صار إلى موضع أتاه جبرئيل ـ عليه السّلام ـ بورقة خضراء ، فضرب بها وجهه ، فعمي وبقي حتّى أثكله الله

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) المصدر : الطلالة.

(٣) من المصدر.

(٤) الحجر / ٩٥.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : بحجر.

(٦) المصدر : زمعة.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : فتنطح. (٨) ليس في المصدر. (٩) ليس في المصدر : بن المطّلب.

١٦٨

ـ عزّ وجلّ ـ ولده.

وأمّا الحارث بن الطّلاطلة (١) ، فإنّه خرج من بيته في السّموم ، فتحوّل حبشيّا ، فرجع إلى أهله فقال : أنا الحارث. فغضبوا عليه فقتلوه ، وهو يقول : قتلني ربّ محمّد.

وروي (٢) : أنّ أسود بن الحارث أكل حوتا مالحا ، فأصابه غلبة العطش ، فلم يزل يشرب الماء حتّى انشقّ بطنه فمات. وهو يقول : قتلني ربّ محمّد.

كلّ ذلك في ساعة واحدة. وذلك أنّهم كانوا بين يدي رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فقالوا له : يا محمّد ، ننتظر بك إلى الظّهر ، فإن رجعت عن قولك وإلّا قتلناك.

فدخل النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ منزله ، فأغلق عليه بابه مغتمّا لقولهم.

فأتاه جبرئيل ـ عليه السّلام ـ عن الله من ساعته ، فقال : يا محمّد ، السّلام يقرأ عليك السّلام وهو يقول : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) (٣) ، يعني : اظهر أمرك لأهل مكّة وادعهم إلى الإيمان.

قال : يا جبرئيل ، كيف أصنع بالمستهزئين وما أوعدوني؟

قال له : (إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ).

قال : يا جبرئيل ، كانوا السّاعة بين يدي.

قال : قد كفيتهم (٤).

فأظهر أمره عند ذلك. وأمّا بقيّتهم من (٥) الفراعنة فقتلوا يوم بدر بالسّيف ، وهزم الله الجمع (٦) وولّوا الدّبر.

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي كتاب الخصال (٧) : عن أبان الأحمر رفعه قال المستهزءون بالنّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ خمسة : الوليد بن المغيرة المخزوميّ ، والعاص بن وائل السّهميّ ، والأسود بن عبد يغوث الزّهريّ ، والأسود بن المطّلب ، والحارث بن عطيّة (٨) الثّقفيّ.

(وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ) (٩٧) : من الشّرك ، والطّعن في القرآن ، وما يذكر في وصيّك ، والاستهزاء بك.

__________________

(١) المصدر : الحارث بن أبي الطلالة.

(٢) الاحتجاج ١ / ٣٢٢.

(٣) الحجر / ٩٤.

(٤) أ ، ب ، ر : نفيتهم.

(٥) المصدر : «بقيّة» بدل «بقيتهم من».

(٦) المصدر : الجميع.

(٧) الخصال ١ / ٢٧٨ ، ح ٢٤.

(٨) المصدر : «الطلاطلة» بدل «عطيّة».

١٦٩

وفي أصول الكافي (١) : محمّد بن الحسين وغيره ، عن سهل ، عن محمّد بن عيسى [ومحمد بن يحيى] (٢) ومحمّد بن الحسين جميعا ، عن محمّد بن سنان ، عن إسماعيل بن جابر وعبد الكريم بن عمرو ، عن عبد الحميد ، عن ابن (٣) أبي الدّيلم ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. يقول فيه حاكيا عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : فذكر من فضل وصيّه ذكرا ، فوقع النّفاق في قلوبهم. فعلم (٤) رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ذلك وما يقولون. فقال الله ـ جلّ ذكره ـ : يا محمّد (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ).

(فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) (٥). لكنّهم نصبت (٦) حجّة لهم.

وكان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يتألّفهم ويستعين ببعضهم على بعض ، ولا يزال يخرج لهم شيئا في فضل وصيّه حتّى نزلت هذه الآية (٧) ، فاحتجّ عليهم حين أعلم بموته ونعيت إليه نفسه.

(فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) : فافزع إلى الله فيما نابك بالتّسبيح والتّحميد ، يكفك ويكشف الغمّ عنك. أو فنزّهه عمّا يقولون ، حامدا له على أن هداك للحقّ.

(وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) (٩٨) : من المصلّين.

وفي مجمع البيان (٨) : أنّه ـ عليه السّلام ـ كان إذا أصابه (٩) أمر ، فزع إلى الصّلاة.

وفي أصول الكافي (١٠) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه وعليّ بن محمّد القاسانيّ جميعا ، عن القاسم بن محمّد الإصبهانيّ ، عن سليمان بن داود المنقريّ ، عن حفص بن غياث قال : قال لي أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : يا حفص ، إنّ من صبر ، صبر قليلا. وإنّ من جزع ، جزع قليلا.

ثمّ قال : عليك بالصّبر في جميع أمورك. فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ بعث محمّدا ـ صلّى الله عليه وآله ـ فأمره (١١) بالصّبر والرّفق ، فصبر ـ صلّى الله عليه وآله ـ حتّى نالوه بالعظائم ورموه بها

__________________

(١) الكافي ١ / ٢٩٤ ، ذيل ح ٣.

(٢) من المصدر.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : فهم.

(٥) الانعام / ٣٣.

(٦) المصدر : «يجحدون بغير» بدل «نصبت».

(٧) المصدر : السورة.

(٨) المجمع ٣ / ٣٤٧. (٩) المصدر : حزنه.

(١٠) الكافي ٢ / ٨٨ ، ح ٣. (١١) كذا في المصدر. وفي النسخ : وأمره.

١٧٠

فضاق صدره. فأنزل الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ ، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ).

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

(وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (٩٩) ، أي : الموت ، فإنّه متيقّن لحاقه كلّ حيّ مخلوق.

والمعنى : فاعبده ما دمت حيّا ، ولا تخلّ بالعبادة لحظة.

١٧١
١٧٢

تفسير

سُورَةِ النّحل

١٧٣
١٧٤

سورة النّحل

مكّيّة ، غير ثلاث آيات في آخرها. وهي مائة [وثمان] (١) وعشرون آية.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

في كتاب ثواب الأعمال (٢) ، بإسناده إلى أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : من قرأ سورة النّحل في كلّ شهر ، كفي المغرم في الدّنيا وسبعين نوعا من أنواع البلاء (٣) ، أهونه الجنون والجذام والبرص ، وكان مسكنه في جنّة عدن وهي وسط الجنّان.

وفي مجمع البيان (٤) : أبي بن كعب عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال : من قرأها ، لم يحاسبه الله ـ تعالى ـ بالنّعم الّتي أنعمها عليه في دار الدّنيا (٥). وإن مات في يوم تلاها أو ليلته ، اعطي (٦). من الأجر ، كالّذي مات وأحسن الوصيّة.

(أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) قيل (٧) : كانوا يستعجلون ما أوعدهم الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ من قيام السّاعة أو إهلاك الله ـ تعالى ـ إيّاهم ، كما فعل يوم بدر ، استهزاء وتكذيبا ، ويقولون : إن صحّ ما

__________________

(١) من أنوار التنزيل ١ / ٥٤٨.

(٢) ثواب الأعمال / ١٣٣ ، ح ١.

(٣) المصدر : البلا [يا].

(٤) المجمع ٣ / ٣٤٧.

(٥) المصدر : في دار الدنيا وأعطى من الأجر كالّذي كالّذي مات وأحسن الوصية وإن مات الخ.

(٦) المصدر : «كان له» بدل «أعطى».

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٨.

١٧٥

يقوله (١) ، فالأصنام تشفع لنا وتخلّصنا. فنزلت.

والمعنى : أنّ الأمر الموعود به بمنزلة الآتي المتحقّق ، من حيث أنّه واجب الوقوع ، فلا تستعجلوا وقوعه ، فإنّه لا خير لكم فيه ولا خلاص لكم عنه.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : قال : نزلت لمّا سألت قريش رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أن ينزّل عليهم العذاب.

وفي تفسير العيّاشيّ (٣) : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : إنّ الله إذا أخبر (٤) أنّ شيئا كائن ، فكأنّه قد كان.

وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة (٥) ، بإسناده إلى ابان بن تغلب قال : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : أوّل من يبايع القائم جبرئيل ، ينزل في صورة طير أبيض فيبايعه. ثمّ يضع رجلا على بيت الله الحرام ورجلا على بيت المقدس ، ثمّ ينادي بصوت ذلق (٦) تسمعه الخلائق : (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ).

عن عليّ (٧) بن مهزيار (٨) ، عن القائم ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. فيه أنّه ـ عليه السّلام ـ تلا : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، (أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ).

فقلت : سيّدي يا ابن رسول الله ، ما الأمر؟

قال : نحن أمر الله وجنوده (٩).

وروى الشّيخ المفيد (١٠) في كتاب الغيبة ، بإسناده : عن عبد الرّحمن بن كثير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في هذه الآية قال : هو أمرنا ، يعني : قيام قائمنا آل محمّد. أمرنا الله أن لا نستعجل به ، فيؤيّده إذا أتى ثلاثة : جنود الملائكة ، والمؤمنون ، والرّعب.

وخروجه ـ عليه السّلام ـ ، كخروج رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ من مكّة. وهو قوله :

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : تقول.

(٢) تفسير القمّي ١ / ٣٨٢.

(٣) تفسير العياشي ٢ / ٢٥٤.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : إذا اجز الله.

(٥) كمال الدين / ٦٧١ ، ح ١٨.

(٦) المصدر : طلق. والذّلق : الفصيح.

(٧) كمال الدين / ٤٦٩ ـ ٤٧٠.

(٨) بعض نسخ المصدر : علي بن إبراهيم بن مهزيار.

(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : «فلا تستعجلوه» بدل «وجنوده».

(١٠) تفسير البرهان ٢ / ٣٥٩ ، ذيل ح ١ عنه.

١٧٦

(كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِ).

(سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (١) : تبرّأ وجلّ عن أن يكون له شريك ، فيدفع ما أراد بهم.

وقرأ (١) حمزة والكسّائي ، بالتّاء ، على وفق قوله : (فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ). والباقون ، بالياء ، على تلوين الخطّاب ، أو على أنّ الخطّاب للمؤمنين ، أو لهم ولغيرهم لما نقل : أنّه لمّا نزلت (أَتى أَمْرُ اللهِ) فوثب النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ ورفع النّاس رؤوسهم ، فنزلت (فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ).

(يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ) قيل (٢) : بالوحي. أو القرآن ، فإنّه يحيى به القلوب الميّتة بالجهل ، أو يقوم في الدّين مقام الرّوح في الجسد.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) ، يعني : بالقوّة الّتي جعلها الله فيهم.

وعن أبي جعفر (٤) ـ عليه السّلام ـ يقول : بالكتاب والنّبوّة.

وقرأ (٥) ابن كثير وأبو عمرو : «وينزل» من أنزل.

وعن يعقوب (٦) ، مثله. وعنه : «تنزّل» ، بمعنى : تتنزّل.

وقرأ (٧) أبو بكر : «تنزّل» على المضارع المبنيّ للمفعول ، من التّنزيل.

(مِنْ أَمْرِهِ) : بأمره. أو من أجله.

(عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) : أن يتّخذه رسولا.

وفي أصول الكافي (٨) : محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن عليّ بن أسباط ، عن الحسين بن أبي العلا ، عن سعد الإسكاف قال : أتى رجل أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ يسأله عن الرّوح : أليس هو جبرئيل؟

فقال له أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : جبرئيل من الملائكة والرّوح غير جبرئيل [فكرّر ذلك على الرّجل.

فقال له : لقد قلت عظيما من القول ، ما أحد يزعم أنّ الرّوح غير جبرئيل.] (٩)

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٨.

(٢) نفس المصدر والموضع.

(٣ و ٤) تفسير القمّي ١ / ٣٨٢.

(٥ و ٦ و ٧) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٨.

(٨) الكافي ١ / ٢٧٤ ، ح ٦.

(٩) من المصدر.

١٧٧

فقال له أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : إنّك ضالّ تروي عن أهل الضّلال. يقول الله ـ عزّ وجلّ ـ لنبيّه : (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ ، يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ). والرّوح غير الملائكة ـ عليهم السّلام ـ.

وفي كتاب بصائر الدّرجات (١) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ أنّه سئل عن هذه الآية.

فقال : جبرئيل الّذي نزل على الأنبياء ، والرّوح يكون معهم ومع الأوصياء لا يفارقهم يفقّههم ويسدّدهم من عند الله. (الحديث).

(أَنْ أَنْذِرُوا) : بأن أنذروا ، أي : أعلموا. من أنذرته (٢) بكذا : إذا أعلمته.

(أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ) (٢) : أنّ الشّأن لا إله إلّا أنا فاتّقون. أو خوّفوا أهل الكفر والمعاصي ، بأنّه لا إله إلّا أنا.

قوله : «فاتّقون» رجوع إلى مخاطبتهم بما هو المقصود.

و «أن» قيل (٣) : هي مفسّرة ، لأنّ الرّوح بمعنى الوحي الدّالّ على القول. أو مصدريّة في موضع الجرّ بدلا من الرّوح ، أو النّصب بنزع الخافض. أو مخفّفة من الثّقيلة.

(خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (٣) : منهما ، أو ممّا يفتقر في وجوده أو بقائه إليهما وممّا لا يقدر على خلقهما.

(خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ) : جماد لا حسّ لها ولا حراك ، سيّالة لا تحفظ الوضع والشّكل.

(فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ) : منطيق مجادل.

(مُبِينٌ) (٤) : للحجّة. أو خصيم مكافح لخالقه قائل : (مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ).

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : قال : خلقه من قطرة ماء منتن ، فيكون خصيما متكلّما بليغا.

(وَالْأَنْعامَ) : الإبل والبقر والغنم.

وانتصابها بمضمر يفسّره : (خَلَقَها لَكُمْ) ، أو بالعطف على «الإنسان».

و (خَلَقَها لَكُمْ) بيان ما خلقت لأجله. وما بعده تفصيل له.

__________________

(١) بصائر الدرجات / ٤٨٣ ، ح ١.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٨ : نذرت.

(٣) نفس المصدر والموضع.

(٤) تفسير القمّي ١ / ٣٨٢.

١٧٨

(فِيها دِفْءٌ).

«الدّفء» اسم لما يدفأ به ، فيقي البرد (١) ، كما أنّ الملأ اسم لما يملأ به. وهو الدّفاء من لباس معمول من صوف أو وبر.

وفي كتاب الخصال (٢) : عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن آبائه ـ عليهم السّلام ـ ، عن عليّ ـ عليه السّلام ـ قال : سئل النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : أيّ المال خير؟

قال : زرع زرعه صاحبه وأدّى حقّه يوم حصاده.

قيل : وأيّ مال بعد الزّرع خير؟

قال : رجل في غنمه (٣) قد تبع بها مواقع (٤) القطر ، يقيم الصّلاة ويؤتي الزّكاة.

قيل : فأيّ المال بعد الغنم خير؟

قال : البقر تغدو بخير (٥) وتروح بخير.

قيل : فأيّ المال بعد البقر خير؟

قال : الرّاسيات (٦) في الوحل المطعمات في المحل (٧). نعم المال النّخل. من باعه ، فإنّما ثمنه بمنزلة رماد على شاهقة (٨) اشتدّت به الرّيح في يوم عاصف ، إلّا أن يخلف مكانها.

قيل : يا رسول الله ، فأيّ المال بعد النّخل خير؟

فسكت.

فقال له الرّجل : فأين الإبل؟

قال : فيها الشّقاء والجفاء والعناء وبعد الدار (٩) ، تغدو مدبرة [وتروح مدبرة] (١٠) ، لا يأتي خيرها إلّا من جانبها الأشأم.

__________________

(١) كذا في أنوار التنزيل ١ / ٥٤٩. وفي النسخ :

فيقي الحرّ والبرد.

(٢) الخصال ١ / ٢٤٥ ، ح ١٠٥.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : غنيمة.

(٤) المصدر : المواضع.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : «تفد وتجيء» بدل «تفد وبخير».

(٦) الراسيات : الثابتات في أماكنها لا تزول لعظمها.

(٧) المحل : الشدة والجدب وانقطاع المطر ويبس الأرض من الكلأ.

(٨) المصدر : على رأس شاهقة.

(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : الواد.

(١٠) من المصدر.

١٧٩

عن أبي عبد الله (١) ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن عليّ ـ عليهم السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : الغنم إذا أقبلت ، أقبلت. وإذا أدبرت ، أقبلت. والبقر إذا أقبلت ، أقبلت. وإذا أدبرت ، أدبرت. والإبل أعناق الشّياطين ، إذا أقبلت ، أدبرت. وإذا أدبرت ، أدبرت. ولا يجيء خيرها إلّا من جانب الأشأم.

قيل : يا رسول الله ، فمن يتّخذها بعد ذا؟

قال : فأين الأشقياء الفجرة؟

عن الحارث (٢) قال : قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : عليكم بالغنم والحرث ، فإنّهما يروحان بخير ويغدوان بخير. قال : فقيل له : يا رسول الله ، فأين الإبل؟

قال : تلك أعناق الشّياطين ، ويأتي خيرها من الجانب الأشأم.

قيل : يا رسول الله ، إن سمع النّاس بذلك تركوها.

فقال إذا لا يعدمها الأشقياء الفجرة.

عن أمير المؤمنين (٣) ـ عليه السّلام ـ : أفضل ما يتّخذه الرّجل في منزله لعياله الشّاة.

فمن كان في منزله شاة ، قدّست عليه الملائكة [في كلّ يوم مرّة ومن كانت عنده شاتان ، قدست عليه الملائكة] (٤) مرتين في كلّ يوم ، وكذلك في الثّلاث. تقول : بورك فيكم.

عن الحسن بن مصعب (٥) قال : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : إنّ لله ـ تعالى ـ في كلّ يوم وليلة ملكا ينادي : مهلا مهلا عباد الله عن معاصي الله ، فلولا بهائم رتّع وصبية رضّع وشيوخ ركّع ، لصبّ عليكم العذاب صبّا وترضّون بها رضّا.

(وَمَنافِعُ) : نسلها ودرّها وظهورها. وإنّما عبّر عنها بالمنافع ، ليتناول عوضها وللاختصار.

(وَمِنْها تَأْكُلُونَ) (٥) ، أي : تأكلون ما يؤكل منها ، كاللّحوم والشّحوم والألبان.

وتقديم الظّرف ، للمحافظة على رؤوس الآي. أو لأنّ الأكل منها هو المعتاد

__________________

(١) الخصال ١ / ٢٤٦ ، ح ١٠٦.

(٢) الخصال ١ / ٤٥ ، ح ٤٤.

(٣) الخصال ٢ / ٦١٧.

(٤) من المصدر.

(٥) نفس المصدر والمجلّد / ١٢٨ ، ح ١٣١. وفيه : الحسين بن مصعب.

١٨٠