الجود. والمعنى : واخفض لهما جناحك الذّليل.
وقرئ (١) : «الذّل» بالكسر ، وهو الانقياد ، والنّعت منه ذلول.
(مِنَ الرَّحْمَةِ) : من فرط رحمتك عليهما ، لافتقارهما إلى من كان أفقر خلق الله إليهما بالأمس.
(وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما) : وادع الله أن يرحمهما برحمته الباقية ولا تكتف برحمتك الفانية ، وإن كانا كافرين ، لأنّ من الرّحمة أن يهديهما.
(كَما رَبَّيانِي صَغِيراً) (٢٤) : رحمة مثل رحمتهما عليّ ، وتربيتهما إليّ ، وإرشادهما لي في صغري ، وفاء بوعدك للرّاحمين.
نقل (٢) : أنّ رجلا قال لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : إنّ أبويّ بلغا من الكبر اني ألِي منهما ما وليا منّي في الصّغر ، فهل قضيتهما حقّهما؟
قال : لا ، فإنّهما كانا يفعلان ذلك وهما يحبّان بقاءك ، وأنت تفعل ذلك وأنت تريد موتهما.
وفي كتاب التّوحيد (٣) ، بإسناده إلى ابن عبّاس : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، وفيه : فقال الشّيخ : يا أمير المؤمنين ، فما القضاء والقدر اللّذان ساقانا وما هبطنا واديا ولا علونا تلعة (٤) إلّا بهما؟
فقال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : الأمر من الله والحكم. ثمّ تلا هذه الآية : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً).
وفي أصول الكافي (٥) : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى. وعليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، جميعا ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي ولّاد الحنّاط (٦) قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) ما هذا الإحسان؟
فقال : الإحسان أن تحسن صحبتهما ، وأن لا تكلّفهما أن يسألاك شيئا [ممّا يحتاجان إليه] (٧) وإن كانا مستغنيين ، أليس يقول الله (٨) ـ عزّ وجلّ ـ :
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٨٢.
(٢) نفس المصدر والموضع.
(٣) التوحيد / ٣٨٢ ، ح ٢٨.
(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : قلعة.
(٥) الكافي ٢ / ١٥٧ ـ ١٥٨.
(٦) أ ، ب ، ر : الخياط.
(٧) من المصدر.
(٨) آل عمران / ٩٢.
(لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ).
قال : ثمّ قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : وأمّا قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِمَّا يَبْلُغَنَ ـ إلى قوله ـ وَلا تَنْهَرْهُما) قال : إن أضجراك فلا تقل لهما أفّ ، ولا تنهرهما إن ضرباك.
قال : (وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً) قال : إن ضرباك ، فقل لهما : غفر الله لكما.
فذلك [منك] (١) قول كريم.
قال : (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) قال : لا تملأ (٢) عينيك من النّظر إليهما إلّا برحمة (٣) ورقّة ، ولا ترفع صوتك فوق أصواتهما (٤) ولا يدك فوق أيديهما ، ولا تقم قدّامهما.
محمّد بن يحيى (٥) ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن سنان ، عن حديد بن حكيم ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : أدنى العقوق أف. ولو علم الله شيئا أهون منه ، لنهى عنه.
[عنه (٦) ،] (٧) عن يحيى بن إبراهيم بن أبي البلاد ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : لو علم الله شيئا أدنى من أف لنهى عنه ، وهي أدنى العقوق. ومن العقوق أن ينظر الرّجل إلى والديه فيحدّ النّظر إليهما.
عليّ بن إبراهيم (٨) ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن منصور بن يونس ، عن أبي المأمون الحارثيّ قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : ما حقّ المؤمن على المؤمن؟
قال : إنّ من حقّ المؤمن [على المؤمن] (٩) مودّته (١٠) له في صدره.
... إلى أن قال : [وإذا قال] (١١) له : أفّ ، فليس بينهما ولاية.
عليّ بن إبراهيم (١٢) ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس بن عبد الرّحمن ،
__________________
(١) من المصدر.
(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : «لا تمل» بدل «قال لا تملأ». والمراد بملء العينين : حدّة النّظر.
(٣) قال المجلسي (ره) : لعلّ الاستثناء في قوله : «إلّا برحمة» منقطع.
(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : صوتهما.
(٥) نفس المصدر / ٣٤٨ ، ح ١.
(٦) نفس المصدر / ٣٤٩ ، ح ٧.
(٧) من المصدر.
(٨) نفس المصدر / ١٧١ ، ح ٧.
(٩) ليس في ب.
(١٠) المصدر : المودّة.
(١١) ليس في ب.
(١٢) نفس المصدر ٢ / ١٥٨ ، ح ٥.
عن [درست بن أبي] (١) منصور ، عن أبي الحسن ، موسى ـ عليه السّلام ـ قال : سأل رجل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : ما حقّ الوالد على الولد؟ قال : لا يسمّيه باسمه ، ولا يمشي بين يديه ، ولا يجلس قبله ، ولا يستسبّ له (٢).
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : وفي حديث آخر أنّ «أفّا» بالألف ، أي (٤) : فلا تقل لهما أفّا (٥) (وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً) ، أي : حسنا. (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) قال : تذلّل لهما ولا تتبختر (٦) عليهما.
وفي روضة الواعظين (٧) للمفيد ـ رضي الله عنه ـ : قال الصّادق ـ عليه السّلام ـ : قوله ـ تعالى ـ : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) قال : الوالدين (٨) محمّد وعليّ.
وفي عيون الأخبار (٩) ، في باب ذكر ما كتب به الرّضا ـ عليه السّلام ـ إلى محمّد بن سنان في جواب مسائله في العلل : وحرّم الله ـ تعالى ـ عقوق الوالدين لما فيه من الخروج عن التّوقير لطاعة الله ، والتّوقير للوالدين ، وتجنّب كفر النّعمة وإبطال الشّكر ، وما يدعو في ذلك إلى قلّة النّسل وانقطاعه ، لما في العقوق من قلّة توقير الوالدين والعرفان بحقّهما ، وقطع الأرحام والزّهد من الوالدين في الولد ، وترك التّربية لعلّة ترك الولد برّهما.
وفي كتاب الخصال (١٠) : فيما علّم أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أصحابه : إذا قال المؤمن لأخيه : أفّ ، انقطع ما بينهما. فإن (١١) قال له : أنت كافر ، كفر أحدهما. وإذا اتّهمه انماث (١٢) الإسلام في قلبه ، كانمياث (١٣) الملح في الماء.
عن موسى بن بكر الواسطيّ (١٤) قال : قلت لأبي الحسن ، موسى بن جعفر ـ عليه السّلام ـ : الرّجل يقول لابنه أو لابنته : بأبي أنت وأمّي ، أو بأبويّ ، أترى بذلك بأسا؟
__________________
(١) من المصدر.
(٢) أي : لا يفعل ما يصير سببا لسبّ النّاس له ، كأن يسبّهم أو آباءهم ، وقد يسبّ النّاس والد من يفعل فعلا شنيعا قبيحا.
(٣) تفسير القمّي ٢ / ١٨.
(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : «بالأفّ» بدل «أفّا بالألف أي».
(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : أفّ.
(٦) المصدر : لا تتجبّر.
(٧) روضة الواعظين ١ / ١٠٥.
(٨) المصدر : الوالد.
(٩) العيون ٢ / ٩٠ ، ح ١.
(١٠) الخصال ٢ / ٦٢٣ ، من حديث أربعمائة.
(١١) ب ، المصدر : فإذا.
(١٢) أي : ذاب.
(١٣) المصدر : كما نيماث.
(١٤) نفس المصدر / ٢٦ ، ح ٩٤.
فقال : إن كان أبواه حيّين فأرى [ذلك] (١) عقوقا ، وإن كانا قد ماتا فلا بأس.
عن عبد الله (٢) بن الفضل الهاشميّ (٣) قال (٤) : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : ثلاثة من عازّهم (٥) ذلّ : الوالد والسّلطان والغريم.
عن جعفر بن محمّد (٦) ، عن أبيه ، عن آبائه ، [عن عليّ] (٧) ـ عليهم السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : يلزم الوالدين من العقوق لولدهما إذا كان الولد صالحا ما يلزم [الولد] (٨) لهما.
عن عنبسة (٩) بن مصعب (١٠) قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : ثلاث لم يجعل الله ـ تعالى ـ لأحد من النّاس فيهنّ رخصة : برّ الوالدين برّين كانا أو فاجرين ، والوفاء (١١) بالعهد للبرّ والفاجر ، وأداء الأمانة للبرّ (١٢) والفاجر.
وفي من لا يحضره الفقيه (١٣) ، في باب الحقوق المرويّة بإسناده : عن سيّد العابدين ـ عليه السّلام ـ : وأمّا حقّ أمّك أن تعلم أنّها حملتك حيث لا يحتمل أحد أحدا ، وأعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطي أحد أحدا ، ووقتك بجميع جوارحها ، ولم تبال أن تجوع وتطعمك ، وتعطش وتسقيك ، وتعرى وتكسوك ، وتضحّي وتظلّلك ، وتهجر النّوم لأجلك ، ووقتك الحرّ والبرد لتكون لها ، فإنّك لا تطيق شكرها (١٤) إلّا بعون الله وتوفيقه.
وأمّا حقّ أبيك فأن تعلم أنّه أصلك ، فإنّك لولاه لم تكن ، فمهما رأيت من نفسك ما يعجبك فاعلم أنّ أباك أصل النّعمة عليك فيه ، فاحمد الله واشكره على قدر ذلك ، ولا قوة إلّا بالله.
وفي مجمع البيان (١٥) : روي عن عليّ بن موسى الرّضا ، عن أبيه ، عن جدّه ، أبي
__________________
(١) من المصدر.
(٢) المصدر : عبيد الله.
(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : الهاشم.
(٤) نفس المصدر / ١٩٥ ، ح ٢٧٠.
(٥) كذا في المصدر ، أي : غالبهم. وفي النسخ : عاندهم.
(٦) نفس المصدر / ٥٥ ، ح ٧٧.
(٧) من المصدر.
(٨) من المصدر.
(٩) كذا في المصدر وجامع الرواة ١ / ٦٤٦. وفي النسخ : عتبة.
(١٠) نفس المصدر ١ / ١٢٨ ، ح ١٢٩.
(١١) المصدر : وفاء. (١٢) المصدر : إلى البرّ.
(١٣) الفقيه ٢ / ٣٧٨ ، ح ١٦٢٦.
(١٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : شكرا. (١٥) المجمع ٣ / ٤٠٩.
عبد الله ـ عليهم السّلام ـ قال : لو علم الله لفظة أوجز في ترك عقوق الوالدين من «أفّ» لأتى به.
وفي رواية أخرى (١) ، عنه ـ عليه السّلام ـ قال : أدنى العقوق أف ، ولو علم الله شيئا أيسر منه أو أهون منه لنهى عنه.
وفي خبر آخر (٢) : فليعمل العاقّ ما شاء (٣) أن يعمل ، فلن يدخل الجنّة.
وروى أبو أسيد (٤) الأنصاريّ (٥) قال : بينا نحن عند رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إذ جاءه رجل من بني سلمة ، فقال : يا رسول الله ، هل بقي من برّ أبويّ شيء أبرّهما به (٦) بعد موتهما؟
قال : نعم ، الصّلاة عليهما والاستغفار لهما ، وإنفاذ عهدهما من بعدهما ، وإكرام صديقهما ، وصلة الرّحم الّتي لا توصل إلّا بهما.
وفي أصول الكافي (٧) : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن معمّر بن خلّاد قال : قلت لأبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ : أدعو لوالديّ إذا (٨) كانا لا يعرفان الحقّ؟
قال : ادع لهما وتصدّق عنهما ، وإن كانا حيّين لا يعرفان الحقّ فدارهما ، فإنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال : إنّ الله بعثني بالرّحمة لا بالعقوق.
عليّ بن إبراهيم (٩) ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : جاء رجل إلى النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال : يا رسول الله ، من أبرّ؟
قال : أمّك.
قال : ثمّ من؟
[قال : أمّك.
قال : ثمّ من؟
__________________
(١ و ٢) نفس المصدر والموضع.
(٣) المصدر : يشاء.
(٤) كذا في المصدر. وفي م ن : أبو سيد. وفي غيرها : أبو أسعد.
(٥) نفس المصدر / ٤١٠.
(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : أبرّ بهما.
(٧) الكافي ٢ / ١٥٩ ، ح ٨.
(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : إن.
(٩) نفس المصدر ، ح ٩.
قال : أمّك.
قال : ثمّ من؟] (١) قال : أباك.
عليّ بن محمّد (٢) ، عن بعض أصحابه ، عن آدم بن إسحاق ، عن عبد الرّزّاق بن مهران ، عن الحسين بن ميمون ، عن محمّد بن سالم ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، يقول فيه ـ عليه السّلام ـ : ثمّ بعث الله محمّدا ـ صلّى الله عليه وآله ـ وهو بمكّة عشر سنين ، فلم يمت بمكّة في تلك العشر سنين أحد يشهد : أن لا إله إلّا الله وأن محمّدا رسول الله ، إلّا أدخله [الله] (٣) الجنّة بإقراره ، وهو إيمان التّصديق ، ولم يعذّب الله أحدا ممّن مات وهو متّبع لمحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ على ذلك إلّا من أشرك بالرّحمن ، وتصديق ذلك أنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ أنزل عليه في سورة بني إسرائيل بمكّة : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً ـ إلى قوله ـ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً). أدب وعظة وتعليم ونهي خفيف ، ولم يعد عليه ولم يتواعد على اجتراح شيء ممّا نهى عنه ، وأنزل نهيا عن أشياء حذّر عليها ولم يغلّظ فيها ولم يتواعد عليها ، وقال : (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) وتلا الآيات إلى قوله : (مَلُوماً مَدْحُوراً).
(رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ) : من قصد البرّ إليهما واعتقاد ما يجب لهما من التّوقير ، فكأنّه تهديد على أن يضمر لهما كراهة واستثقالا.
(إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ) : قاصدين الصّلاح.
(فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ) : للتّوّابين.
(غَفُوراً) (٢٥) : ما فرط منهم عند حرج الصّدر من أذيّة أو تقصير. وفيه تشديد عظيم.
ويجوز أن يكون عامّا لكلّ تائب ، ويندرج فيه الجاني على أبويه التّائب من جنايته اندراجا أوّليا لوروده على أثره.
وفي تفسير العيّاشيّ (٤) : عن عبد الله بن عطاء [المكّي] (٥) قال : قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : يا ابن عطاء ، ترى زاغت الشّمس؟
__________________
(١) من المصدر.
(٢) نفس المصدر ٢ / ٢٩ ـ ٣٠ ، ح ١.
(٣) من المصدر.
(٤) تفسير العيّاشي ٢ / ٢٨٦ ، ح ٤١.
(٥) من المصدر.
فقلت : جعلت فداك ، وما علمي بذلك وأنا معك؟
فقال : لا ، لم تفعل وأوشك.
قال : فسرنا ، فقال : قد فعلت.
قلت : هذا المكان الأحمر؟
قال : ليس يصلّى هاهنا ، هذه أودية النّمال وليس يصلّى.
قال : فمضينا إلى أرض بيضاء ، قال : هذه سبخة وليس يصلّى بالسّباخ.
قال : فمضينا إلى أرض حصباء ، فقال : هاهنا.
فنزل ونزلت ، فقال : يا ابن عطاء ، أتيت بالعراق فرأيت القوم يصلّون بين تلك السواري في مسجد الكوفة؟
قال : قلت : نعم.
قال : أولئك (١) شيعة أبي ، عليّ ، هذه صلاة الأوّابين ، إنّ الله يقول : (فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً).
عن أبي بصير (٢) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول في قوله : (فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً) قال : هم التّوّابون المتعبّدون.
عن أبي بصير (٣) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : يا أبا محمّد ، عليكم بالورع والاجتهاد وأداء الأمانة وصدق الحديث وحسن الصحبة لمن صحبكم وطول السّجود ، وكان ذلك من سنن الأوّابين. قال أبو بصير : «الأوّابون» التّوّابون.
عن هشام بن سالم (٤) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : من صلّى أربع ركعات [فقرأ] (٥) في كلّ ركعة خمسين مرة (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) كانت صلاة فاطمة ـ صلوات الله عليها ـ وهي صلاة الأوّابين.
عن محمّد بن حفص (٦) [بن عمر] (٧) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : كانت صلاة الأوّابين خمسين صلاة ، كلّها بقل هو الله أحد.
__________________
(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : هؤلاء.
(٢) نفس المصدر ، ح ٤٢.
(٣) نفس المصدر ، ح ٤٣.
(٤) نفس المصدر ، ح ٤٤.
(٥) من المصدر مع المعقوفتين.
(٦) نفس المصدر / ٢٨٧ ، ح ٤٥.
(٧) من المصدر.
وفي مجمع البيان (١) : (فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً) الأوّاب التّوّاب.
... إلى قوله : وقيل : إنّهم الّذين يصلّون بين المغرب والعشاء. روي ذلك مرفوعا.
(وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ) : من صلة الرّحم وحسن المعاشرة والبرّ عليهم.
وقيل (٢) : المراد بذي القربى : أقارب الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ.
وقيل (٣) : في تفسير العامّة : وصّى ـ سبحانه ـ بغير الوالدين من القرابات والمساكين وأبناء السّبيل بأن تؤتى حقوقهم بعد أن وصّى بهما.
وفي عيون الأخبار (٤) ، في باب ذكر مجلس الرّضا ـ عليه السّلام ـ مع المأمون في الفرق بين العترة والأمّة حديث طويل ، وفيه : قالت العلماء : فأخبرنا هل فسّر الله ـ تعالى ـ الاصطفاء في الكتاب؟
فقال الرّضا ـ عليه السّلام ـ : فسّر الاصطفاء في الظّاهر سوى الباطن في اثني عشر موطنا وموضعا ، فأوّل ذلك قوله ـ عزّ وجلّ ـ.
... إلى أن قال ـ عليه السّلام ـ : والآية الخامسة قول الله ـ تعالى ـ : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) خصوصية خصّصهم (٥) الله العزيز الجبّار بها ، واصطفاهم على الأمّة. فلمّا نزلت هذه الآية على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال : ادعوا لي فاطمة.
فدعيت له ، فقال : يا فاطمة.
قالت : لبّيك ، يا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.
فقال ـ صلّى الله عليه وآله ـ : هذه فدك هي ممّا لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، وهي لي (٦) خاصّة دون المسلمين ، فقد جعلتها (٧) لك لما أمرني الله به ، فخذيها لك ولولدك.
فهذه الخامسة.
وفي أصول الكافي (٨) : محمّد بن الحسين وغيره ، عن سهل ، عن محمّد بن عيسى ، ومحمّد بن يحيى ومحمّد بن الحسين ، جميعا ، عن محمّد بن سنان ، عن إسماعيل بن جابر
__________________
(١) المجمع ٣ / ٤١٠.
(٢) أنوار التنزيل ١ / ٥٨٣.
(٣) نفس المصدر / ٥٨٢ ـ ٥٨٣.
(٤) العيون ١ / ١٨١ ـ ١٨٣ ، ح ١.
(٥) المصدر : خصّهم.
(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : له.
(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : جعلها.
(٨) الكافي ١ / ٢٩٣ ـ ٢٩٤ ، ح ٣.
وعبد الكريم عن عمرو ، عن عبد الحميد بن أبي الدّيلم ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، يقول فيه : ثمّ قال ـ جلّ ذكره ـ : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ). وكان عليّ ـ عليه السّلام ـ وكان حقّه الوصيّة الّتي جعلت له ، والاسم الأكبر ، وميراث العلم وآثار علم (١) النّبوّة.
عليّ بن محمّد بن عبد الله (٢) ، عن بعض أصحابنا أظنّه السّياريّ ، عن عليّ بن أسباط قال : لمّا ورد أبو الحسن ، موسى ـ عليه السّلام ـ على المهديّ رآه يردّ المظالم.
فقال : يا أمير المؤمنين ، ما بال مظلمتنا لا تردّ؟
فقال له : وما ذاك ، يا أبا الحسن؟
قال : إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ لمّا فتح على نبيّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ فدك وما والاها ، ممّا (٣) لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب (٤) ، فانزل الله على نبيّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ). ولم يدر رسول الله من هم ، [فراجع في ذلك جبرئيل ـ عليه السّلام ـ] (٥) وراجع جبرئيل ربّه.
فأوحى الله إليه : أن ادفع فدك إلى فاطمة ـ عليها السّلام ـ.
فدعاها رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال لها : يا فاطمة ، [إنّ الله] (٦) أمرني أن أدفع إليك فدك.
فقالت : قد قبلت ، يا رسول الله ، من الله ومنك.
فلم يزل وكلاؤها فيها حياة رسول الله ، فلمّا ولي أبو بكر أخرج عنها وكلاءها ، فأتته فسألته أن يردّها عليها.
فقال لها : ائتيني بأسود وأحمر يشهد لك بذلك.
فجاءت بأمير المؤمنين (٧) ـ عليه السّلام ـ وأمّ أيمن فشهدا لها ، فكتب لها بترك التّعرّض ، فخرجت والكتاب معها فلقيها (٨) عمر.
__________________
(١) ليس في ب.
(٢) نفس المصدر ١ / ٥٤٣ ، ح ٥.
(٣) ليس في المصدر.
(٤) الإيجاف : السّير الشديد. وفي قوله تعالى :(فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ). قالوا : المعنى : ما أوجفتم على تحصيله وتغنيمه خيلا ولا ركابا وإنّما مشيتم على أرجلكم ، فلم تحصلوا أموالهم بالغلبة والقتال ولكنّ الله سلّط رسله عليه وحواه أموالهم.
(٥ و ٦) ليس في ب.
(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : أمير المؤمنين.
(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : فلقاها.
فقال : ما هذا معك ، يا بنت محمّد؟
قالت : كتاب كتبه لي ابن أبي قحافة.
قال : أرينيه. فأبت ، فانتزعه من يدها ونظر فيه ، ثمّ تفل فيه ومحاه وخرقه ، وقال لها : هذا لم يوجف عليه أبوك بخيل ولا ركاب ، فضعي الجبال (١) في رقابنا.
فقال له المهدي : [يا أبا الحسن ،] (٢) حدّها لي.
فقال : حدّ منها جبل أحد ، وحدّ منها عريش (٣) مصر ، وحدّ منها سيف البحر ، وحدّ منها دومة الجندل (٤).
فقال له : كلّ هذا؟
قال : نعم ، يا أمير المؤمنين ، هذا كلّه. [إنّ هذا] (٥) ممّا لم يوجف على أهله (٦) رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بخيل ولا ركاب.
فقال : كثير ، أنظر (٧) فيه.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٨) : قوله : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ) ، يعني : قرابة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ونزلت (٩) في فاطمة ـ عليها السّلام ـ فجعل لها فدك ، والمسكين من ولد فاطمة ـ عليها السّلام ـ ، وابن السّبيل من آل محمّد وولد
__________________
(١) المصدر : الحبال. قال المجلسيّ (ره) في مرآة العقول : في بعض النّسخ بالحاء المهملة ، أي : ضعي الحبال لترفعنا إلى حاكم ، قاله تحقيرا وتعجيزا ، وقاله تقريعا على المحال بزعمه ، أي : أنّك إذا أعطيت ذلك وضعت الحبل على رقابنا وجعلتنا عبيدا لك أو أنّك إذا حكمت على ما لم يوجف عليها أبوك بأنّها ملكت فاحكمي على رقابنا ـ أيضا بالملكيّة. وفي بعض النسخ بالمعجمة ، أي : إن قدرت على وضع الجبال على رقابنا فضعي.
(٢) ليس في أ ، ب.
(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : عرش.
(٤) قال ياقوت : «عريش» مدينة كانت أوّل عمل مصر من ناحية الشام على ساحل بحر الرّوم في وسط الرّمل. ثمّ ذكر بعد كلام له وجه تسميته بالعريش فراجع.
وسيف البحر : ساحله. ودومة الجندل : حصن بين المدينة والشام يقرب من تبوك وهي إلى الشام أقرب ، سمّيت بدوم بن إسماعيل بن إبراهيم (ع) ، وسمّيت دومة الجندل لأنّ حصنها مبنيّ بالجندل.
(٥) من المصدر.
(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : لم يوجف أهله على.
(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : النظر.
(٨) تفسير القمّي ٢ / ١٨.
(٩) المصدر : أنزلت.
فاطمة.
وفي كتاب الاحتجاج (١) للطّبرسي ـ رضي الله عنه ـ : عن عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ حديث طويل ، يقول فيه لبعض الشّاميّين : أما قرأت هذه الآية : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ [وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ (٢)])؟
قال : نعم.
قال ـ عليه السّلام ـ : فنحن أولئك الّذين أمر الله ـ عزّ وجلّ ـ نبيّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ أن يؤتيهم حقّهم.
وفي مجمع البيان (٣) : وأخبرنا السّيّد أبو الحمد.
... إلى قوله : عن أبي سعيد الخدريّ قال : لمّا نزل قوله : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) أعطى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فاطمة فدك (٤).
قال عبد الرّحمن بن صالح : كتب المأمون إلى عبيد الله (٥) بن موسى يسأله عن قصّة فدك ، فكتب إليه عبيد الله (٦) بهذا الحديث ، رواه عن الفضيل (٧) بن مرزوق عن عطيّة ، فردّ المأمون فدك على (٨) ولد فاطمة ـ عليها السّلام ـ.
وفي تفسير العيّاشيّ (٩) : عن عبد الرّحمن ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : لمّا أنزل الله (وَآتِ) (١٠) (ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ) قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : يا جبرئيل ، قد عرفت المسكين ، فمن ذو القربى؟
قال : هم أقاربك.
فدعا حسنا وحسينا وفاطمة ، فقال : إنّ ربّي أمرني أن أعطيكم ممّا أفاء الله (١١) عليّ قال : أعطيتكم (١٢) فدكا.
عن أبان بن تغلب (١٣) قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : أكان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أعطى فاطمة فدكا؟
__________________
(١) الاحتجاج / ٣٠٧.
(٢) ليس في المصدر.
(٣) المجمع ٣ / ٤١١.
(٤) المصدر : فدكا.
(٥ و ٦) المصدر : عبد الله.
(٧) ب : الفضل.
(٨) المصدر : فدكا إلى.
(٩) تفسير العيّاشي ٢ / ٢٨٧ ، ح ٤٦.
(١٠) المصدر : فآت.
(١١) ليس في المصدر.
(١٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : أعطيكم.
(١٣) نفس المصدر ، ح ٤٧.
قال : كان وقفها ، فانزل الله (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) فأعطاها رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ حقّها.
قلت : رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أعطاها؟
قال : بل الله أعطاها (١).
عن جميل بن درّاج (٢) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : أتت فاطمة أبا بكر تريد فدكا.
قال : هاتي أسود أو أحمر يشهد بذلك.
قال : فأتت بأمّ (٣) أيمن.
فقال لها : تشهدين؟
قالت : أشهد أنّ جبرئيل أتى محمّدا ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال : إنّ الله يقول : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ). فلم يدر محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ من هم ، فقال : يا جبرئيل ، سل ربّك من هم؟ فقال : فاطمة ذو القربى ، فأعطاها فدكا.
فزعموا أنّ عمر محا الصّحيفة ، وقد كان كتبها أبو بكر.
عن أبي الطّفيل (٤) ، عن عليّ ـ عليه السّلام ـ قال يوم (٥) الشّورى : أفيكم أحد تمّ نوره من السّماء حين قال : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ)؟
قالوا : لا.
(وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً) (٢٦) : بصرف المال فيما لا ينبغي ، وإنفاقه على وجه الإسراف.
وأصل التّبذير ، التّفريق.
وفي محاسن البرقيّ (٦) : عنه ، عن أبيه ، عن عليّ بن حديد ، عن منصور بن يونس ، عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ تعالى ـ : (لا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً) قال : لا تبذّر (٧) ولاية عليّ ـ عليه السّلام ـ.
__________________
(١) كذا في المصدر. وفي النسخ بدل العبارة الأخيرة : نعم.
(٢) نفس المصدر ، ح ٤٩.
(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : أمّ.
(٤) نفس المصدر / ٢٨٨ ، ح ٥٢.
(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : قوم.
(٦) المحاسن / ٢٥٧ ، ح ٢٩٨.
(٧) المصدر : لا تبذّروا.
وفي الكافي (١) : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن الحسن بن محبوب ، عن مالك بن عطيّة ، عن عامر بن جذاعة قال : جاء رجل إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ فقال له ـ عليه السّلام ـ : اتّق الله ولا تسرف ولا تقتّر ولكن بين ذلك قواما ، إنّ التّبذير من الإسراف ، قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً).
وفي تفسير العيّاشيّ (٢) : عن عبد الرّحمن بن الحجّاج قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قوله : (وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً).
قال : من أنفق شيئا في غير طاعة الله ، فهو مبذّر ، ومن أنفق في سبيل الله ، فهو مقتصد.
عن أبي بصير (٣) قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله : (وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً).
قال : لا تبذّر في ولاية عليّ ـ عليه السّلام ـ.
عن بشر بن مروان (٤) قال : دخلنا على أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ فدعا برطب ، فأقبل بعضهم يرمي النّوى.
قال : فأمسك أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ يده ، فقال : لا تفعل ، إنّ هذا من التّبذير ، وإنّ الله لا يحبّ الفساد.
وفي مجمع البيان (٥) : (وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً)
وروي عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّ أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ قال لعناية (٦) : كن زاملة (٧) للمؤمنين فإنّ خير المطايا أمثلها وأسلمها ظهرا ، ولا تكن من المبذّرين.
(إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ) : أمثالهم في الشّرارة ، فإنّ التّضييع والإتلاف شرّ. أو أصدقاءهم وأتباعهم ، لأنّهم يطيعونهم في الإسراف والصّرف في
__________________
(١) الكافي ٣ / ٥٠١ ، ح ١٤.
(٢) تفسير العيّاشي ٢ / ٢٨٨ ، ح ٥٣.
(٣) نفس المصدر ، ح ٥٧. إلّا أنّ الحديث سنده هكذا عن جميل ، عن إسحاق بن عمار.
(٤) كذا في المصدر. ح ٥٨. وفي النسخ : موزون.
(٥) المجمع ٣ / ٤١١.
(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : لعامة.
(٧) الزّاملة ـ مؤنث الزّامل ـ : ما يحمل عليه من الإبل وغيرها. وتسند إلى العقلاء ، فيقال : هو زاملة من زوامل القلم والدّواة ، أو الشّعر والنّثر ، على التّشبيه في التّحمّل أو عدم الدّراية.
المعاصي.
نقل (١) : أنّهم كانوا ينحرون الإبل ويتياسرون عليها ويبذّرون أموالهم في السّمعة ، فنهاهم الله ـ تعالى ـ عن ذلك وأمرهم بالإنفاق في القربات.
(وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً) (٢٧) : مبالغا في الكفر به ، فينبغي أن لا يطاع.
(وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ) : وإن أعرضت عن ذي القربى والمسكين وابن السّبيل حياء من الرّدّ.
ويجوز أن يراد بالإعراض عنهم : أن لا ينفعهم ، على سبيل الكناية.
(ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها) : لانتظار رزق من الله ترجوه أن يأتيك فتعطيه ، أو منتظرين له (٢).
وقيل (٣) : معناه : لفقد رزق من ربّك ترجوه أن يفتح لك. فوضع الابتغاء موضعه ، لأنّه مسبّب عنه.
ويجوز أن يتعلّق بالجواب الّذي هو قوله : (فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً) (٢٨) : قولا ليّنا ابتغاء رحمة الله برحمتك عليهم بإجمال القول لهم.
و «الميسور» من يسر الأمر ، مثل : سعد الرّجل ونحس.
وقيل : «القول [الميسور] (٤)» الدّعاء لهم بالميسور ، وهو اليسر ، مثل : أغناكم الله ، ورزقنا الله وإيّاكم.
وفي مجمع البيان (٥) : (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ) (الآية)
وروي أنّ النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ كان لمّا نزلت هذه الآية ، إذا سئل ولم يكن عنده ما يعطي قال : يرزقنا الله وإيّاكم من فضله.
وفي كتاب المناقب (٦) لابن شهر آشوب ، بعد ذكر فاطمة ـ عليها السّلام ـ وما تلقى
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٨٣.
(٢) قوله : «أو منتظرين له» ، يعني : أنّ «ابتغاء» إمّا مفعول له وإمّا حال من ضمير ذوي القربى وغيرهم فيكون المعنى : وإمّا تعرضنّ عن ذوي القربى وغيرهم حال كونهم منتظرين.
(٣) نفس المصدر والموضع.
(٤) ليس في ب.
(٥) المجمع ٣ / ٤١١.
(٦) المناقب ٣ / ٣٤١ ـ ٣٤٢.
من الطّحن : من كتاب الشّيرازيّ ، أنّها لمّا ذكرت حالها وسألت جارية بكى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال : يا فاطمة ، والّذي بعثني بالحقّ ، إنّ في المسجد أربعمائة رجل مالهم طعام ولا ثياب ، ولو لا خشيتي خصلة لأعطيتك يا فاطمة ما سألت ، إنّي لا أريد أن ينفكّ عنك (١) أجرك إلى الجارية ، وإنّي أخاف أن يخصمك عليّ بن أبي طالب يوم القيامة بين يدي الله ـ عزّ وجلّ ـ إذا طلب حقّه منك.
ثمّ علّمها صلاة التّسبيح ، فقال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : مضيت تريدين من رسول الله الدّنيا فأعطانا الله ثواب الآخرة.
قال أبو هريرة (٢) : فلمّا خرج رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ من عند فاطمة ، أنزل الله على رسوله (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً) ، يعني : عن قرابتك وابنتك فاطمة. (ابْتِغاءَ) ، يعني : طلب (رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ) ، يعني (٣) رزق من ربّك. (تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً) ، يعني : قولا حسنا. فلمّا نزلت هذه الآية أنفذ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إليها جارية للخدمة ، وسمّاها فضّة.
(وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) : تمثيلان لمنع الشحيح وإسراف المبذّر (٤) ، نهى عنهما آمرا بالاقتصاد بينهما الّذي هو الكرم.
(فَتَقْعُدَ مَلُوماً) : فتصير ملوما عند الله وعند النّاس بالإسراف وسوء التّدبير.
(مَحْسُوراً) (٢٩) : نادما. أو منقطعا بك (٥) لا شيء عندك ، من حسره السّفر : إذا بلغ منه (٦).
وفي الكافي (٧) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة (٨) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ) (الآية)
__________________
(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : «لا ينفكّ» بدل «ينفكّ عنك».
(٢) نفس المصدر والموضع.
(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ بعدها زيادة : طالب.
(٤) قوله : «تمثيلان لمنع الشحيح وإسراف المبذّر» الظاهر من كلامه أنّ هاهنا استعارتين تمثيليّتين ، فالمشبّه في الأوّل هو بخل الشّخص بما في يده وتصرّفه إلى الغاية والمشبّه به جعل اليد مغلولة إلى العنق ، فاستعمل ما هو موضوع الثّاني في الأوّل وقس عليه التّمثيل الثّاني.
(٥) قوله : «أو منقطعا بك» على صيغة المفعول.
(٦) قوله : «إذا بلغ منه» يقال : بلغ منه المرض : إذا أثّر فيه تأثيرا تامّا.
(٧) الكافي ٤ / ٥٥ ، ح ٦.
(٨) المصدر : يزيد.
قال : «الإحسار» الفاقة.
عليّ بن محمّد (١) ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن النّضر بن سويد ، عن موسى بن بكر ، عن عجلان قال : كنت عند أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ فجاء سائل فقام إلى مكتل (٢) فيه تمر فملأ يده فناوله ، ثمّ جاء آخر فسأله فقام فأخذ بيده فناوله ، ثمّ جاء آخر فسأله فقام فأخذ بيده فناوله ، [ثمّ جاء آخر فسأله ، فقام فأخذ بيده فناوله] (٣) ، ثمّ جاء آخر فقال : الله رازقنا وإيّاكم (٤).
ثم قال : إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ كان لا يسأله أحد من الدّنيا شيئا إلّا أعطاه ، فأرسلت إليه امرأة ابنا لها فقال : انطلق إليه فاسأله ، فإن قال لك : ليس عندنا شيء. فقل : أعطني قميصك.
قال : فأخذ قميصه فرمى به إليه. وفي نسخة أخرى : فأعطاه. فأدّبه الله ـ تبارك وتعالى ـ على القصد [فقال :] (٥) (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً).
عدّة من أصحابنا (٦) ، عن سهل بن زياد وأحمد بن محمّد ، عن الحسن [بن محبوب] (٧) ، عن عبد الله بن سنان [عن عبد الله ـ عليه السّلام ـ] (٨) في قوله ـ تبارك وتعالى ـ : (الَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً). فبسط كفّه وفرّق أصابعه وحناها شيئا.
وعن قوله ـ تعالى ـ : (وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) فبسط راحته وقال : هكذا.
وقال : «القوام» ما يخرج من بين الأصابع ويبقى في الرّاحة منه شيء.
عليّ بن إبراهيم (٩) ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، يقول فيه : ثمّ علّم الله ـ جلّ اسمه ـ نبيّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ كيف ينفق ، وذلك أنّه كانت عنده أوقيّة من الذهب [فكره أن تبيت عنده ،
__________________
(١) نفس المصدر ، ح ٧.
(٢) المكتل : زنبيل من خوص.
(٣) من المصدر.
(٤) المصدر : إيّاك.
(٥) من المصدر.
(٦) نفس المصدر / ٥٦ ، ح ٩.
(٧) ليس في ب.
(٨) ليس في المصدر.
(٩) نفس المصدر ٥ / ٦٧ ـ ٦٨ ، ح ١.
فتصدّق بها ، فأصبح وليس عنده شيء ، فجاءه من يسأله] (١) ، فلم يكن عنده ما يعطيه ، فلامه السّائل واغتمّ هو حيث لم يكن عنده ما يعطيه ، وكان رحيما رقيقا (٢) ـ صلّى الله عليه وآله ـ ، فأدّب الله ـ عزّ وجلّ ـ نبيّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ بأمره فقال : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً) يقول : إنّ النّاس قد يسألونك ولا يعذرونك ، فإذا أعطيت جميع ما عندك من المال كنت قد حسرت (٣) من المال.
وفي تفسير العيّاشيّ (٤) : عن الحلبيّ ، عن بعض أصحابه ، عنه قال : قال أبو جعفر لأبي عبد الله ـ عليهما السّلام ـ : يا بنيّ ، عليك بالحسنة بين الشّيئين تمحوهما.
قال : وكيف ذلك ، يا أبة؟
قال : مثل [قوله : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ).
والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.
عن ابن سنان (٥) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في] (٦) قوله : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ) قال : فضمّ يده وقال : هكذا.
عن محمّد بن يزيد (٧) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ (٨) في قوله : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً). قال : «الإحسار» الإقتار.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٩) : وقوله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً). فإنّه كان سبب نزولها : أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ كان لا يردّ أحدا يسأله شيئا عنده ، فجاءه رجل فسأله فلم يحضره شيء.
فقال : يكون ـ إن شاء الله تعالى ـ.
__________________
(١) من المصدر.
(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : رفيقا.
(٣) حسر الرّجل : أعيا ، وكلّ ، وانقطع.
(٤) نور الثقلين ٣ / ١٥٩ ، ح ١٧٩.
(٥) تفسير العيّاشي ٢ / ٢٨٩ ، ح ٦٠.
(٦) ليس في أ.
(٧) نفس المصدر ، ح ٦١.
(٨) في المصدر بعدها : قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.
(٩) تفسير القمّي ٢ / ١٨ ـ ١٩.
فقال : يا رسول الله ، أعطني (١) قميصك. وكان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لا يردّ أحدا عمّا عنده فأعطاه قميصه ، فأنزل الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) فهنأه [الله ـ عزّ وجلّ ـ] (٢) أن يبخل أو يسرف ويقعد محسورا من الثّياب.
فقال الصّادق ـ عليه السّلام ـ : «المحسور» العريان.
وفي تهذيب الأحكام (٣) : الحسن بن محمّد بن سماعة ، عن محمّد بن زياد ، عن عبد الله بن سنان في قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ). قال : ضمّ يده وقال : هكذا.
(وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) قال : بسط راحته وقال : هكذا.
(إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) : يوسّعه ويضيّقه بمشيئته التّابعة للحكمة ، فليس ما يرهقك من الإضافة إلّا لمصلحتك (٤).
(إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) (٣٠) : يعلم سرّهم وعلنهم ، فيعلم (٥) من مصالحهم ما يخفى عليهم.
ويجوز أن يراد : أنّ البسط والقبض من أمر الله ـ تعالى ـ العالم بالسّرائر والظّواهر ، فأمّا العباد فعليهم أن يقتصدوا. أو أنّه ـ تعالى ـ يبسط تارة ويقبض أخرى ، فاستنّوا بسنّته ولا تقبضوا كلّ القبض ولا تبسطوا كلّ البسط.
وفي نهج البلاغة (٦) : قال ـ عليه السّلام ـ : وقدّر الأرزاق فكثّرها وقلّلها وقسّمها على الضّيق والسّعة ، فعدل فيها ليبتلي من أراد بميسورها ومعسورها ، وليختبر بذلك الشّكر والصّبر من غنيّها وفقيرها.
وفي أصول الكافي (٧) : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن داود الرّقيّ ، عن أبي عبيدة الحذّاء ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : قال
__________________
(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : أعط.
(٢) ليس في المصدر.
(٣) التهذيب ٧ / ٢٣٦ ، ح ١٠٣١.
(٤) قوله : «فليس ما يرهقك من الإضافة إلّا لمصلحتك» ، أي : ليس ما يغشاك من الإضافة ، أي : التّضييق في المال والعيش إلّا لمصلحتك وإن كانت خافية عليك.
(٥) ليس في ب.
(٦) النهج / ١٣٤ ، الخطبة ٩١.
(٧) الكافي ٢ / ٦٠ ، ح ٤.
رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : إنّ من عبادي المؤمنين عبادا (١) لا يصلح لهم أمر دينهم إلّا بالغنى والسّعة والصّحّة في البدن ، فأبلوهم بالغنى والسّعة وصحّة البدن [فيصلح عليهم أمر دينهم] (٢). وإنّ من عبادي المؤمنين لعبادا لا يصلح لهم أمر دينهم إلّا بالفاقة [والمسكنة] (٣) والسّقم في أبدانهم ، فأبلوهم بالفاقة والمسكنة والسّقم فيصلح عليهم أمر دينهم ، وأنا أعلم بما يصلح عليه أمر دين عبادي المؤمنين.
والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.
(وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) : مخافة الفاقة. وقتلهم أولادهم هو وأدهم بناتهم مخافة الفقر ، فنهاهم الله عنه وضمن لهم أرزاقهم.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : مخافة الفقر والجوع ، فإنّ العرب كانوا يقتلون أولادهم لذلك.
وفي تفسير العيّاشي (٥) : عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي إبراهيم قال : لا يملق حاجّ أبدا.
قلت : وما الإملاق؟
قال : قول الله : (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ).
عن إسحاق بن عمّار (٦) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : الحاج لا يملق أبدا.
قال : قلت : ما الإملاق؟
قال : الإفلاس وتلا هذه الآية.
(نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً) (٣١) : ذنبا كبيرا ، لما فيه من قطع التّناسل وانقطاع النّوع.
و «الخطأ» الإثم ، يقال : خطئ خطأ ، كأثم إثما.
__________________
(١) ليس في ب.
(٢) من المصدر.
(٣) ليس في أ ، ب.
(٤) تفسير القمّي ٢ / ١٩.
(٥) تفسير العيّاشي ٢ / ٢٨٩ ، ح ٦٢.
(٦) نفس المصدر ، ح ٦٣.
وقرأ (١) ابن عامر : «خطأ» وهو اسم من «أخطأ» يضادّ الصّواب.
وقيل (٢) : لغة فيه ، كمثل ومثل ، وحذر وحذر.
وقرأ (٣) ابن كثير : «خطاء» بالمدّ والكسر ، وهو إمّا لغة فيه ، أو مصدر «خاطأ» ، وهو وإن لم يسمع ولكنّه جاء تخاطأ في قوله :
تخاطأه القنّاص حتّى وجدته |
|
وخرطومه في منقع الماء راسب |
وهو مبنيّ عليه (٤).
وقرئ (٥) : «خطاء» بالفتح والمدّ. و «خطا» بحذف الهمزة مفتوحا ومكسورا.
(وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى) : بالعزم والإتيان بالمقدّمات ، فضلا عن أن تباشروه.
(إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً) : فعلة ظاهرة القبح زائدته (٦).
(وَساءَ سَبِيلاً) (٣٢) : وبئس طريقا طريقه ، وهو الغصب على الأبضاع المؤدّي إلى قطع الأنساب وهيج الفتن.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٧) : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله : (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً) يقول : معصية ومقتا ، فإنّ الله يمقته ويبغضه.
قال (٨) : (وَساءَ سَبِيلاً) وهو أشدّ النّاس عذابا. والزّنا من أكبر الكبائر.
وفي عيون الأخبار (٩) ، في باب ذكر ما كتب به الرّضا إلى محمّد بن سنان في جواب مسائله في العلل : وحرّم الزّنا لما فيه من الفساد من قتل الأنفس ، وذهاب الأنساب ، وترك التّربية للأطفال ، وفساد المواريث ، وما أشبه ذلك من وجوه الفساد.
وفي كتاب الخصال (١٠) : عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه قال في وصيّة له : يا عليّ ،
__________________
(١ و ٢ و ٣) أنوار التنزيل ١ / ٥٨٤.
(٤) أي : تخاطؤ ، من باب التفاعل ، مبنىّ على «خطأ» الذي هو من باب المفاعلة.
(٥) نفس المصدر والموضع.
(٦) ليس في ب.
(٧) تفسير القمّي ٢ / ١٩.
(٨) المصدر : قوله.
(٩) العيون ٢ / ٩٠ ، ح ١.
(١٠) الخصال / ٣٢٠ ـ ٣٢١ ، ح ٣.