تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٧

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٧

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

السّلام ـ عن قول الله : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ).

قال : ينادي مناد يوم القيامة يسمع الخلائق : إنّه لا يدخل الجنّة إلّا مسلم. ثمّ يودّ سائر الخلق أنّهم كانوا مسلمين.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : حدّثني أبي ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن رفاعة ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إذا كان يوم القيامة نادى مناد من عند الله : لا يدخل الجنّة إلّا مسلم. فيومئذ (يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ).

وفي مجمع البيان (٢) ، ما في معناه.

وفيه (٣) : مرفوعا ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ [قال] (٤) : إذا اجتمع أهل النّار في النّار ، ومعهم من شاء الله من أهل القبلة ، قال الكفّار للمسلمين : ألم تكونوا مسلمين؟

قالوا : بلى.

قالوا : فما أغنى عنكم إسلامكم ، وقد صرتم معنا في النّار.

قالوا : كانت لنا ذنوب فأخذنا بها. فيسمع الله ـ عزّ اسمه ـ ما قالوا ، فأمر من كان في النّار من أهل الإسلام فاخرجوا منها ، فحينئذ يقول الكفّار : يا ليتنا كنّا مسلمين.

(ذَرْهُمْ) : دعهم.

(يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا) : بدنياهم.

(وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ) : ويشغلهم توقّعهم لطول الأعمار واستقامة الأحوال عن الاستعداد للمعاد.

(فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (٣) : سوء صنيعهم إذا عاينوا جزاءه.

والغرض إقناط الرّسول من ارعوائهم (٥) ، وإيذانه بأنّهم من أهل الخذلان ، وأنّ نصحهم بعد اشتغال بما لا طائل تحته.

وفيه إلزام للحجّة ، وتحذير عن إيثار التّنعّم وما يؤدّي إليه طول الأمل.

في أصول الكافي (٦) : الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الوشّاء ، عن

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ٣٧٢ ـ ٣٧٣.

(٢ و ٣) المجمع ٣ / ٣٢٨.

(٤) من المصدر.

(٥) ارعوائهم : زجرهم وصرفهم عمّا هم عليه.

(٦) الكافي ٢ / ٣٣٥ ـ ٣٣٦ ، ح ٣.

١٠١

عاصم بن حميد ، عن أبي حمزة ، عن يحيى بن عقيل قال : قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : إنّما أخاف عليكم اثنتين : اتّباع الهوى ، وطول الأمل. أمّا اتّباع الهوى فإنّه يصدّ عن الحقّ ، وأمّا طول الأمل فينسي الآخرة.

عدّة من أصحابنا (١) ، عن أحمد بن محمّد ، عن عمر بن عثمان ، عن عليّ بن عيسى ، رفعه قال : فيما ناجى الله ـ عزّ وجلّ ـ به موسى ـ عليه السّلام ـ : يا موسى ، لا تطوّل في الدّنيا أملك فيقسو قلبك ، والقاسي القلب منّي بعيد.

وفي الكافي (٢) : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن النّعمان ، عن ابن مسكان ، عن داود بن فرقد ، عن ابن أبي شيبة (٣) الزّهريّ ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : إذا استحقّت ولاية الله والسّعادة جاء الأجل بين العينين وذهب الأمل وراء الظّهر ، وإذا استحقّت ولاية الشّيطان والشّقاوة جاء الأمل بين العينين وذهب الأجل وراء الظّهر.

قال (٤) : وسئل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : أيّ المؤمنين أكيس؟

فقال : أكثرهم ذكرا للموت وأشدّهم له استعدادا.

محمّد بن يحيى (٥) ، عن الحسين بن إسحاق ، عن عليّ بن مهزيار ، عن فضالة ، عن إسماعيل بن أبي زياد ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : [ما أنزل الموت حقّ منزلته من عدّ غدا من أجله.

قال : وقال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ :] (٦) ما أطال عبد الأمل إلّا أساء العمل.

وكان يقول : لو رأى العبد أجله وسرعته إليه ، لأبغض العمل من طلب الدّنيا.

وفي نهج البلاغة (٧) : قال ـ عليه السّلام ـ : واعلموا أنّ الأمل يسهي القلب ، وينسي الذّكر. فأكذبوا الأمل فإنّه غرور ، وصاحبه مغرور.

وفي كتاب الخصال (٨) : عن عبد الله بن حسن [بن حسن] (٩) بن عليّ ، عن أمّه

__________________

(١) الكافي ٢ / ٣٢٩ ، ح ١.

(٢) الكافي ٣ / ٢٥٧ ـ ٢٥٨ ، ح ٢٧.

(٣) كذا في المصدر ، وجامع الرواة ٢ / ٤٢٨. وفي النسخ : أبي شيبة.

(٤) الكافي ٣ / ٢٥٨ ، ح ٢٧.

(٥) نفس المصدر والمجلّد / ٢٥٩ ، ح ٣٠.

(٦) ليس في أ ، ب.

(٧) النهج / ١١٨ ، الخطبة ٨٦.

(٨) الخصال ١ / ٧٩ ، ح ١٢٨.

(٩) ليس في ب ، نور الثقلين ٣ / ٣ ، ح ١١.

١٠٢

[فاطمة] (١) بنت الحسين ، عن أبيها ـ عليه السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : إنّ صلاح أوّل هذه الأمّة بالزّهد واليقين ، وهلاك آخرها بالشّحّ (٢) والأمل.

(وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) (٤) : أجل مقدّر كتب في اللّوح.

والمستثنى جملة واقعة صفة «لقرية» ، والأصل أن لا يدخلها الواو ، كقوله : (إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ). ولكن لمّا شابهت صورتها صورة (٣) الحال أدخلت عليها ، تأكيدا للصوقها بالموصوف (٤).

(ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ) (٥) ، أي : وما يستأخرون عنه.

وتذكير ضمير «أمّة» (٥) فيه ، للحمل على المعنى (٦).

(وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ) : نادوا به النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ على التّهكّم. ألا ترى الى ما نادوه له وهو قولهم (٧) : (إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) (٦) : لتقول قول المجانين حين تدعي أن نزّل عليك الذّكر ، أي : القرآن.

(لَوْ ما تَأْتِينا) ركّب «لو» مع «ما» ، كما ركّبت مع «لا» لمعنيين : لامتناع الشّيء لوجود غيره ، والتّحضيض (٨).

(بِالْمَلائِكَةِ) : ليصدّقوك ويعضدوك على الدّعوة ، كقوله : (لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً). أو للعقاب على تكذيبنا ، كما أتت الأمم المكذّبة من قبل.

(إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (٧) : في دعواك.

(ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ) : بالياء مسندا إلى ضمير اسم الله.

__________________

(١) من المصدر.

(٢) الشحّ : البخل.

(٣) ب : بصورة.

(٤) لأنّ الواو للوصلة بين الشيئين.

(٥) وهو الضمير في «يستأخرون».

(٦) لأنّ الغالب من الامّة مذكّرون.

(٧) كذا في أنوار التنزيل ١ / ٥٣٨. وفي النسخ : لقوله تعالى.

(٨) يدلّ على أنّ «لو ما» لها معنيان : أحدهما امتناع الشيء لوجود غيره ، والثاني التحضيض.

وعبارة الكشّاف أصرح منه ، فإنّه قال : «لو» ركّب مع «لا» و «ما» لمعنيين : أحدهما امتناع الشيء لوجود غيره كقول الشاعر :

لولا الحياء ولو لا الدّين عبتكما

ببعض ما فيكما إذ عبتما عوري

والثاني التّحضيض.

١٠٣

وقرأ (١) حمزة والكسائي وحفص ، بالنّون. وأبو بكر ، بالتّاء والبناء للمفعول ، ورفع الملائكة.

وقرئ (٢) : «ما تنزّل» بمعنى تتنزّل.

(إِلَّا بِالْحَقِ) : إلّا تنزيلا متلبّسا بالحقّ.

قيل (٣) : أي : بالوجه الّذي قدّره واقتضته حكمته ، ولا حكمة في أن تأتيكم بصورة تشاهدونها فإنّه لا يزيدكم إلّا لبسا ، ولا في معاجلتكم بالعقوبة فإنّ منكم ومن ذراريّكم من سبقت كلمتنا له بالإيمان.

وقيل (٤) : «الحقّ» الوحي. أو العذاب.

(وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ) (٨) : جزاء لشرط مقدّر ، أي : ولو نزّلنا الملائكة ما كانوا منظرين.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) : فقال (٦) : لو أنزلنا الملائكة لم ينظروا ، وهلكوا.

وجملة (ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ) وما عطف عليه (٧) في موضع الحال من فاعل «قالوا» ، والرّابطة الضّمير في المعطوف. ويحتمل الاستئناف بالرّدّ عليهم.

(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ) : ردّ لإنكارهم واستهزائهم ، ولذلك أكدّه من وجوه (٨) وقرره بقوله : (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (٩) ، أي : من التّحريف والزّيادة والنّقص ، بأن جعلناه معجزا مباينا لكلام البشر بحيث لا يخفى تغيير نظمه على أهل اللّسان. أو نفي تطرّق الخلل إليه في الدّوام بضمان الحفظ له ، كما نفى أن يطعن فيه بأنّه المنزل له.

وقيل (٩) : الضّمير في «له» للنّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

وفي كتاب المناقب لابن شهر آشوب (١٠) ، بعد أن ذكر قوله ـ تعالى ـ : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) ، ثمّ قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) : يوسف القطّان (١١) ،

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٨.

(٢ و ٣) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٨.

(٤) نفس المصدر والموضع.

(٥) تفسير القمّي ١ / ٣٧٣.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : قالوا.

(٧) الأظهر : عليها.

(٨) الأوّل : إيراد «إنّ» ، الثاني : إيراد الجملة الاسميّة ، الثالث : تكرير الإسناد.

(٩) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٨.

(١٠) المناقب ٤ / ١٧٨ ـ ١٧٩.

(١١) كذا في رجال النجاشي / ١٢٠٩. وفي أ ، ب ، ر : القطاح.

١٠٤

ووكيع بن الجرّاح ، وإسماعيل السّدي (١) ، وسفيان الثّوريّ أنّه قال الحارث : سألت أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ عن هذه الآية. قال : والله ، إنّا لنحن أهل الذّكر ، نحن أهل العلم ، نحن معدن التّأويل والتّنزيل (٢).

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ) (١٠) : في فرقهم. جمع ، شيعة ، وهي الفرقة المتّفقة على طريقة ومذهب. من شاعه [: إذا تبعه] (٣).

وأصل «الشّياع» الحطب الصّغار توقد به الكبار.

والمعنى : نبّأنا رجالا منهم ، وجعلناهم رسلا فيما بينهم.

(وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ) : حكاية حال ماضية.

(إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (١١) ، كما يفعل هؤلاء. وهو تسلية للنّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

و «ما» للحال ، لا يدخل إلّا مضارعا بمعناه (٤) ، أو ماضيا قريبا منه.

(كَذلِكَ نَسْلُكُهُ) : ندخله (فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) (١٢).

«السّلك» إدخال الشّيء في الشّيء ، كالخيط في المخيط ، والرّمح في المطعون.

والضّمير ، قيل (٥) : للاستهزاء. وفيه دليل على أنّه ـ تعالى ـ يوجد الباطل في قلوبهم.

وقيل (٦) : للذّكر ، فإنّ الضّمير الآخر في قوله : (لا يُؤْمِنُونَ بِهِ) : له.

وهو حال من هذا الضّمير. والمعنى : مثل ذلك السّلك نسلك الذّكر في قلوب المجرمين مكذّبا غير مؤمن به.

أو بيان للجملة المتضمّنة له.

وضعف القائل الأوّل هذا الاحتجاج ، بأنّه لا يلزمه من تعاقب الضّمائر توافقها في المرجوع إليه ، ولا يتعيّن أن تكون الجملة حالا من الضّمير لجواز أن تكون حالا من «المجرمين» (٧) ، ولا ينافي كونها مفسّرة للمعنى الأوّل بل يقوّيه.

__________________

(١) كذا في جامع الرواة ٢ / ٤٤٦. وفي النسخ : السرىّ.

(٢) ليس في ب.

(٣) ليس في ب.

(٤) بمعناه ، أي : بمعنى الحال.

(٥ و ٦) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٨.

(٧) الأولى أن يقال : يجوز أن يكون حالا من قلوب المجرمين إذ هو مفعول به بواسطة.

١٠٥

وفيه : أنّ ذلك القائل جعل ذلك مؤيّدا لا احتجاجا ولا شبهة في تأييده ، وعلى تقدير تسليم رجع الضّمير إلى الاستهزاء لا دلالة فيه على أنّه ـ تعالى ـ يوجد الباطل في قلوبهم ، كيف والإدخال أعمّ ولا يستلزم الإيجاد.

(وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) (١٣) ، أي : سنّة الله فيهم ، بأن خذلهم وسلك الكفر في قلوبهم. أو بإهلاك من كذّب الرّسل ، فيكون وعيدا لأهل مكّة.

(وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ) : على هؤلاء المقترحين.

(فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ) (١٤) : يصعدون إليها ويرون عجائبها طول نهارهم ، مستوضحين لما يرون. أو تصعد الملائكة ، وهم يشاهدونهم (١).

(لَقالُوا) : من غلوّهم في العناد ، وتشكيكهم في الحقّ.

(إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا) : سدّت عن الإبصار بالسّحر ، من السّكر. أو حيرت من السّكر.

وقرأ (٢) ابن كثير بالتخّفيف.

(بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) (١٥) : قد سحرنا محمّد بذلك ، كما قالوه عند ظهور غيره من الآيات.

وفي كلمتي الحصر والإضراب ، دلالة على البتّ بأنّ ما يرونه لا حقيقة له ، بل هو باطل خيّل إليهم بنوع من السّحر.

(وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً) : اثني عشر ، مختلفة الهيئات والخواصّ على ما دلّ عليه الرّصد والتّجربة مع بساطة السّماء (٣).

وفي مجمع البيان (٤) : هي اثنا عشر برجا.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) : عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : «البروج» الكواكب. والبروج الّتي للرّبيع والصّيف : الحمل والثّور والجوزاء والسّرطان والأسد والسّنبلة. وبروج الخريف والشّتاء : الميزان والعقرب والقوس والجدي والدّلو والحوت ،

__________________

(١) ب : يشاهدونها.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٩.

(٣) أراد أنّ حصول البروج المختلفة في الخواصّ مع الحادها في الحقيقة لبساطة السّماء ، دالّ على الصانع القدير.

(٤) المجمع ٣ / ٣٣١.

(٥) تفسير القمّي ٢ / ١١٥ ـ ١١٦.

١٠٦

وهي اثنا عشر برجا.

وأمّا ما روي عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ (١) : أنّ للشّمس ثلاثمائة وستّين برجا ، كلّ برج منها مثل جزيرة من جزائر العرب ، تنزل كلّ يوم على برج منها ، فإذا غابت انتهت إلى حدّ بطنان العرش ، فلم تزل ساجدة إلى الغد ، ثمّ تردّ إلى موضع مطلعها ومعها ملكان يهتفان معها (٢).

فقد قيل (٣) فيه : إنّ سير الشّمس إنّما يكون في كلّ برج من البروج الاثني عشر ثلاثين يوما تقريبا ، فبهذا الاعتبار ينقسم كلّ منها إلى ثلاثين برجا ، فيصير ثلاثمائة وستّين.

و «البروج» القصور العالية ، سمّيت الكواكب بها لأنّها للسّيّارات ، كالمنازل لسكّانها. واشتقاقه من البرج لظهوره.

(وَزَيَّنَّاها).

في مجمع البيان (٤) : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : بالكواكب النّيّرة.

(لِلنَّاظِرِينَ) (١٦) : للمعتبرين المستدلّين بها على قدرة مبدعها ، وتوحيد صانعها.

(وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ) (١٧) : فلا يقدر أن يصعد إليها ، ويوسوس إلى أهلها ، ويتصرّف في أمرها ، ويطّلع على أحوالها.

(إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ) : بدل من «كلّ شيطان».

واستراق السّمع : اختلاسه سرّا.

وقيل (٥) : الاستثناء منقطع ، أي : ولكن من استرق السّمع.

قيل (٦) : استراق السّمع من سكّان السّموات ، إمّا لما بينهم من المناسبة في الجوهر ، أو بالاستدلال من أوضاع الكواكب وحركاتها.

والظّاهر من الأخبار الآتية ، أنّ الاستراق بالاختراق والاستماع.

(فَأَتْبَعَهُ) : فتبعه ولحقه.

(شِهابٌ مُبِينٌ) (١٨) : ظاهر للمبصرين.

__________________

(١) الكافي ٨ / ١٥٧ ، ح ١٤٨.

(٢) ليس في ب.

(٣) تفسير الصافي ٣ / ١٠٣.

(٤) المجمع ٣ / ٣٣١.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٩.

(٦) نفس المصدر والموضع.

١٠٧

و «الشّهاب» شعلة نار ساطعة. وقد يطلق للكواكب والسّنان لما فيها من البريق.

وفي قرب الإسناد (١) للحميريّ ، بإسناده إلى موسى بن جعفر ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، يذكر فيه آيات الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول فيه مخاطبا لنفر من اليهود : أمّا أوّل ذلك ، فإنّكم أنتم تقرءون أنّ الجنّ كانوا يسترقون السّمع قبل مبعثه ، فتمنّعت في أول رسالته بالرّجوم وانقضاض النّجوم وبطلان الكهنة والسّحرة (٢).

وفي تفسير العيّاشي (٣) : عن بكر بن محمّد الأزديّ ، عن عبد السّلام ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قال : يا عبد السّلام ، احذر النّاس ونفسك.

فقلت : بأبي أنت وأمّي ، أمّا النّاس فقد أقدر على أن أحذرهم ، فأمّا نفسي فكيف؟

قال : إنّ الخبيث المسترق السّمع يجيئك فيسترق ، ثمّ يخرج في صورة آدميّ.

فقال عبد السّلام : فقلت : بأبي أنت وأمّي ، هذا مالا حيلة له.

قال : هو ذلك.

وفي أمالي الصّدوق (٤) : قال : حدّثنا عليّ بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقيّ قال : حدّثني أبي ، عن جدّه ، أحمد بن أبي عبد الله ، عن أحمد بن [محمد بن] (٥) أبي نصر البزنطيّ ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي عبد الله الصّادق ـ عليه السّلام ـ قال : كان إبليس ـ لعنه الله ـ يخترق السّموات السّبع ، فلمّا ولد عيسى ـ عليه السّلام ـ حجب من ثلاث سموات وكان يخترق أربع سموات ، فلمّا ولد رسول الله حجب عن السّبع كلّها ، ورميت الشّياطين بالنّجوم.

وقالت قريش : هذا قيام السّاعة ، كنّا نسمع أهل الكتب يذكرونه.

وقال عمرو بن أميّة ، وكان من أزجر أهل الجاهليّة : انظروا هذه النّجوم الّتي يهتدى بها ويعرف بها أزمان الصّيف والشّتاء ، فإن كان رمي بها فهو هلاك كلّ شيء ، وإن كانت تثبت ورمي بغيرها فهو أمر حدث (٦).

__________________

(١) قرب الاسناد / ١٣٣.

(٢) ب : السحر.

(٣) تفسير العياشي ٢ / ٢٣٩ ، ح ٣.

(٤) أمالي الصدوق / ٢٣٥ ـ ٢٣٦ ، ح ١.

(٥) ب : زيادة «في».

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : حديث.

١٠٨

وأصبحت الأصنام كلّها صبيحة مولد (١) النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ ليس منها صنم (٢) إلّا وهو منكبّ على وجهه.

وارتجس في تلك اللّيلة إيوان كسرى ، وسقطت منه أربع عشرة شرفة.

وغارت (٣) بحيرة ساوة ، [وفاض وادي السماوة] (٤).

وخمدت نيران فارس ، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام.

ورأى المؤبّدان (٥) في تلك اللّيلة في المنام إبلا صعابا (٦) تقود خيلا عرابا ، قد قطعت دجلة وانسربت في بلادهم ، وانقصم طاق الملك كسرى (٧) من وسطه وانخرقت عليه دجلة العوراء (٨).

وانتشر في تلك اللّيلة نور من قبل الحجاز ، ثمّ استطار حتّى بلغ المشرق ، ولم يبق سرير ملك من ملوك (٩) الدّنيا إلّا أصبح منكوسا والملك مخرسا لا يتكلم يومه ذلك.

وانتزع علم الكهنة ، وبطل سحر السّحرة ، ولم تبق كهانة (١٠) في العرب إلّا حجبت عن صاحبها ، وعظمت قريش في العرب وسمّوا : آل الله ـ عزّ وجلّ ـ.

قال أبو عبد الله الصّادق ـ عليه السّلام ـ : أنّما سمّوا : آل الله ، لأنّهم في بيت الله الحرام.

وقالت آمنة : إنّ ابني ، والله ، سقط فاتّقى (١١) الأرض بيديه (١٢) ، ثمّ رفع رأسه إلى السّماء فنظر إليها ، ثمّ خرج منّا (١٣) نور أضاء له كلّ شيء ، وسمعت في الضّوء قائلا يقول :

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : ولد.

(٢) ليس في أ ، ب.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : جمدت. وليس في أ ، ر. وفي أ ، ب : «وروم» بدل «و».

(٤) من المصدر.

(٥) المؤبدان : فقيه الفرس وحاكم المجوس ، وهو للمجوس كقاضي القضاة للمسلمين.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : صغارا.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : «الكسرى» بدل «الملك كسرى».

(٨) قال في البحار في بيان الحديث : أنّ كسرى كان سكّر بعض الدّجلة ، أي : سدّ ، وبنى عليه بناء. فلعلّه لذلك وصفوا الدّجلة بعد ذلك بالعوراء ، لأنّه عور وطمّ بعضها فانخرقت عليه. ورأيت في بعض المواضع بالغين المعجمة من إضافة الموصوف إلى الصفة ، أي : العميقة.

(٩) المصدر : مملوك.

(١٠) كذا في ب. وفي سائر النسخ : كاهنة.

(١١) ب : فالتقى.

(١٢) المصدر : بيده.

(١٣) المصدر : منّي.

١٠٩

إنّك قد ولدت سيّد النّاس ، فسمّيه محمّدا.

واتي به عبد المطّلب لينظر إليه ، وقد بلغه ما قالت أمّه ، فأخذه فوضعه في حجره ، ثمّ قال :

الحمد لله الذي أعطاني

هذا الغلام الطّيّب الأردان

قد ساد في المهد على الغلمان

ثمّ عوّذه بأركان الكعبة ، وقال فيه أشعارا.

قال : وصاح إبليس ـ لعنه الله ـ في أبالسته ، فاجتمعوا إليه.

فقالوا : ما الّذي أفزعك ، يا سيّدنا؟

فقال لهم : ويلكم ، لقد أنكرت السّموات والأرض منذ اللّيلة ، لقد حدث في الأرض حدث عظيم ما حدث مثله منذ ولد (١) عيسى بن مريم ، فاخرجوا وانظروا ما هذا الحدث الّذي قد حدث.

فافترقوا ثم اجتمعوا إليه ، فقالوا : ما وجدنا شيئا.

فقال إبليس ـ لعنه الله ـ : أنا لهذا الأمر. ثمّ انغمس (٢) في الدّنيا فجالها حتّى انتهى إلى الحرم ، فوجد الحرم محفوفا (٣) بالملائكة ، فذهب ليدخل فصاحوا به فرجع ، ثمّ صار مثل العصفور (٤) فدخل من قبل حراء (٥).

فقال له جبرئيل : وراك (٦) ، لعنك الله.

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : رفع.

(٢) كذا في المصدر. وفي ب : انغمز. وفي سائر النسخ : انغمر.

(٣) المصدر : محفوظا.

(٤) المصدر : الصر (الصرد) وهو العصفور بدل العصفور.

(٥) كذا في المصدر. وفي ب : الحرم وفي سائر النسخ : الحرا.

(٦) كذا في المصدر. وفي ب : ورراك. وفي سائر النسخ : وأراك.

١١٠

فقال له : حرف أسألك عنه ، يا جبرئيل ، ما هذا الحدث [الّذي حدث] (١) منذ اللّيلة في الأرض؟

فقال له : ولد محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

فقال له : هل لي فيه نصيب؟

قال : لا.

قال : ففي أمّته؟

قال : نعم.

[قال رضيت] (٢).

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : قال : لم تزل الشّياطين تصعد إلى السّماء تتجسّس حتّى ولد النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ. ثم ذكر مقالة عمرو بن أميّة ونسبها إلى الوليد بن المغيرة.

ثمّ قال : وكان بمكّة يهوديّ يقال له : يوسف ، فلمّا رأى النّجوم تتحرّك وتسير في السّماء خرج إلى نادي قريش.

فقال : يا معشر قريش ، هل ولد فيكم (٤) اللّيلة مولود؟

فقالوا : لا.

فقال : أخطأتم ، والتّوراة ، قد ولد في هذه اللّيلة آخر الأنبياء وأفضلهم ، وهو الّذي نجده في كتبنا أنّه إذا ولد ذلك النّبيّ رجمت الشّياطين وحجبوا (٥) من السّماء.

فرجع كلّ واحد إلى منزله يسأل أهله (٦) ، فقالوا : قد ولد لعبد الله بن عبد المطّلب بن عبد مناف. (الحديث).

(وَالْأَرْضَ مَدَدْناها) : بسطناها.

(وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ) : جبالا ثوابت.

(وَأَنْبَتْنا فِيها) : في الأرض. أو فيها وفي الجبال.

(مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) (١٩).

__________________

(١ و ٢) من المصدر.

(٣) تفسير القمّي ١ / ٣٧٣ ـ ٣٧٤.

(٤) المصدر : منكم.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : كبّوا.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : «فسأل» بدل «يسأل أهله».

١١١

قيل (١) : أي : مقدّر بمقدار معيّن تقتضيه حكمته. أو مستحسن مناسب ، من قولهم : كلام موزون. أو ما يوزن ويقدّر له. أو له وزن في أبواب النّعمة والمنفعة.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في هذه الآية : إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ أنبت في الجبال الذّهب والفضّة والجوهر والصّفر والنّحاس والحديد والرّصاص والكحل والزّرنيخ وأشباه هذه ، لا يباع إلّا وزنا.

(وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ) : تعيشون بها من المطاعم والملابس.

وقرئ (٣) ، بالهمزة ، على التّشبيه «بشمائل».

(وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ) (٢٠) : عطف على «معايش». أو على محلّ «لكم» ، والمراد به : العيال والخدّام والمماليك وسائر ما يظنّون أنّهم يرزقونهم ظنّا كاذبا ، فإنّ الله يرزقهم [وإيّاهم] (٤).

قيل (٥) : وفذلكة (٦) الآية ، الاستدال بجعل الأرض ممدودة بمقدار وبشكل معيّنين مختلفة الأجزاء في الوضع ، محدثة فيها أنواع النّبات والحيوان المختلفة خلقة وطبيعة ، مع جواز أن لا تكون كذلك على كمال قدرته وتناهي حكمته ، والتّفرّد في الألوهيّة والامتنان على العباد بما أنعم عليهم في ذلك ، ليوحّدوه ويعبدوه.

(وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ) قيل (٧) : أي : وما من شيء إلّا ونحن قادرون على إيجاده وتكوينه أضعاف ما وجد منه ، فضرب الخزائن مثلا لاقتداره. أو شبّه مقدوراته بالأشياء المخزونة الّتي لا يحوج إخراجها إلى كلفة واجتهاد.

(وَما نُنَزِّلُهُ) : من بقاع (٨) القدرة.

(إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) (٢١) : حدّه الحكمة وتعلّقت به المشيئة ، فإنّ تخصيص بعضها بالإيجاد في بعض الأوقات مشتملا على بعض الصّفات والحالات ، لا بدّ له من مخصّص حكيم.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٩.

(٢) تفسير القمّي ١ / ٣٧٤ ـ ٣٧٥.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٩.

(٤) ليس في أ ، ب ، ر.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٩.

(٦) الفذلكة : مجمل ما فصّل وخلاصته.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٩.

(٨) كذا في نفس المصدر. وفي النسخ : كمال.

١١٢

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : قال في قوله : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) قال : «الخزانة» الماء الّذي ينزل من السّماء ، فينبت لكلّ ضرب من الحيوان ما قدّر الله له من الغذاء.

وفي روضة الواعظين (٢) للمفيد ـ رحمه الله ـ : وروي جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه ـ عليهم السّلام ـ أنّه قال : في العرش تمثال جميع ما خلق الله من البرّ والبحر.

قال : وهذا تأويل قوله : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ).

(وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ) قيل (٣) : حوامل ، شبّه الرّيح الّتي جاءت بخير من إنشاء سحاب (٤) ماطر بالحامل ، كما شبّه ما لا يكون كذلك بالعقيم. أو ملقّحات للشّجر والسّحاب ، ونظيره الطّوائح ، بمعنى : المطيحات ، في قوله :

ومختبط ممّا تطيح الطوائح.

وقرئ (٥) : «وأرسلنا الرّيح» على تأويل الجنس.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٦) : قال : الّتي تلقّح الأشجار.

وفي تفسير العيّاشي (٧) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : لا تسبّوا الرّيح ، فإنّها [بشر ، وإنّها نذر ،] (٨) وإنّها لواقح ، فاسألوا الله من خيرها وتعوّذوا به من شرّها.

(فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ) : فجعلناه لكم سقيا.

(وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ) (٢٢) : قادرين متمكّنين من إخراجه ، نفى عنهم ما أثبته لنفسه.

أو حافظين في الغدران والعيون والآبار ، وذلك ـ أيضا ـ يدلّ على تدبير المدبّر ، كما تدلّ حركة الماء في بعض الأوقات من بعض الجهات على وجه ينتفع به النّاس ، فإنّ طبيعة الماء تقتضي الغور ، فوقوفه دون حدّ لا بدّ له من سببب مخصّص.

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ٣٧٥.

(٢) روضة الواعظين ١ / ٤٧.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٠.

(٤) أ ، ب : حجاب.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٠.

(٦) تفسير القمّي ١ / ٣٧٥.

(٧) تفسير العياشي ٢ / ٢٣٩ ، ح ٤.

(٨) ليس في ب.

١١٣

(وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي) : بإيجاد الحياة في بعض الأجسام المقابلة لها.

(وَنُمِيتُ) : بإزالتها.

وقد أوّل الحياة بما يعمّ الحيوان والنّبات.

وتكرير الضّمير (١) ، للدّلالة على الحصر.

(وَنَحْنُ الْوارِثُونَ) (٢٣).

في تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : أي : نرث الأرض ومن عليها.

(وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ) (٢٤).

قيل (٣) : من استقدم ولادة وموتا ، ومن استأخر. أو من خرج من أصلاب الرّجال ، ومن لم يخرج بعد. أو من تقدّم في الإسلام والجهاد وسبق إلى الطاعة ، أو تأخّر ، لا يخفى علينا شيء من أحوالكم. وهو بيان لكمال علمه بعد الاحتجاج على كمال قدرته ، فإنّ ما يدلّ على قدرته دليل على علمه.

وقيل (٤) : رغّب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في الصّف الأوّل ، فازدحموا عليه ، فنزلت.

وقيل (٥) : إنّ امرأة حسناء تصلّي خلف رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ، فتقدّم بعض القوم لئّلا ينظر إليها ، وتأخّر بعض ليبصرها ، فنزلت.

وفي تفسير العيّاشي (٦) : عن أبي بصير (٧) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : هم المؤمنون من هذه الأمّة.

(وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ) : لا محالة للجزاء.

وتوسيط الضّمير ، للدّلالة على أنّه القادر والمتولّي لحشرهم لا غير.

وتصدير الجملة «بأنّ» لتحقيق الوعد.

(إِنَّهُ حَكِيمٌ) : باهر الحكمة ، متّقن في أفعاله.

__________________

(١) أي : تكرير ضمير المتكلّم للدلالة على أنّ الإحياء والإماتة منحصران في الله ـ تعالى ـ لا يتّصف غيره بشيء منهما ، فإن «نحن» من قبيل ضمير المنفصل.

(٢) تفسير القمّي ١ / ٣٧٥.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٠.

(٤ و ٥) نفس المصدر والموضع.

(٦) تفسير العياشي ٢ / ٢٤٠ ، ح ٦.

(٧) المصدر : جابر.

١١٤

(عَلِيمٌ) (٢٥) : وسع علمه كلّ شيء.

(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ) : من طين يابس يصلصل ، أي : يصوّت إذا نقر ، وهو غير مطبوخ. فإذا طبخ ، فهو فخار.

وقيل (١) : وهو من صلصل : إذا نتن ، تضعيف «صل».

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : قال : الماء المتصلصل بالطّين.

(مِنْ حَمَإٍ) : من طين تغيّر واسودّ من طول مجاورة الماء. وهو صفة «صلصال» ، أي : كائن من حمأ.

(مَسْنُونٍ) (٢٦) : مصوّر ، مأخوذ من سنّة الوجه.

أو مصبوب مفرّغ ، كالجواهر المذابة تصبّ في القوالب. من السّنّ وهو الصّبّ ، كأنّه افرغ الحمأ فصوّر منها تمثال إنسان أجوف فيبس ، حتّى إذا نقر صلصل ، ثمّ غيّر ذلك طورا بعد طور حتّى سوّاه ونفخ فيه من روحه.

أو منتن. من سننت الحجر على الحجر : إذا حككته به. فإنّ ما يسيل بينهما يكون منتنا ، ويسمّى : السّنين.

في حديث خلق آدم (٣) : فاغترف ـ جلّ جلاله ـ غرفة من الماء ، فصلصلها فجمدت. (الحديث).

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : (حَمَإٍ) متغيّر (٥).

وفي نهج البلاغة (٦) : ثمّ جمع ـ سبحانه ـ من حزن الأرض وسهلها ، وعذبها وسبخها ، تربة سنّها بالماء حتّى خلصت ، ولاطها بالبلّة حتّى لزبت ، فجبل منها صورة ذات أحناء ووصول ، وأعضاء وفصول ، أجمدها حتّى استمسكت (٧) ، وأصلدها حتّى صلصلت ، لوقت معدود وأجل معلوم. ثمّ نفخ فيها من روحه فمثلت إنسانا ذا أذهان

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٠.

(٢) تفسير القمّي ١ / ٣٧٥.

(٣) تفسير نور الثقلين ٣ / ٩ ، ح ٢٨ ، نقلا عن علل الشرائع.

(٤) تفسير القمّي ١ / ٣٧٥.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : يتغيّر.

(٦) نهج البلاغة / ٤٢ ، الخطبة ١.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : استمسك.

١١٥

يجيلها ، وفكر يتصرّف بها ، وجوارح يختدمها (١) ، وأدوات يقلّبها (٢) ، ومعرفة يفرق بها بين [الحقّ والباطل و] (٣) الأذواق (٤) والمشامّ والألوان والأجناس ، معجونا بطينة الألوان المختلفة ، والأشباه المؤتلفة (٥) والأضداد المتعادية ، والأخلاط المتباينة ، من الحرّ والبرد والبلّة والجمود. [والمسناة والسّرور] (٦) (الحديث).

وفي أصول الكافي (٧) : محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسن ، عن النّضر بن شعيب ، عن عبد الغفّار الجازيّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سمعته يقول : طينة النّاصب من حمأ مسنون.

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

ويحمل الحمأ المسنون في هذا الخبر على معنى أخصّ ممّا أريد به في الآية ، جمعا بين الأخبار.

(وَالْجَانَ) : أبا الجنّ.

وقيل (٨) : إبليس. ويجوز أن يراد به الجنس ، كما هو الظّاهر من الإنسان ، لأنّ تشعّب الجنس لمّا كان من شخص [واحد] (٩) خلق من مادة واحدة كان الجنس بأسره مخلوقا منها.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١٠) : قال : هو أبو إبليس.

وانتصابه بفعل ، يفسّره. (خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ) : خلق الإنسان.

(مِنْ نارِ السَّمُومِ) (٢٧) : من نار الحرّ الشّديد ، النّافذ في المسام.

ولا يمتنع خلق الحياة في الأجرام البسيطة ، كما لا يمتنع خلقها في الجواهر المجرّدة ، فضلا عن الأجساد المؤلّفة الّتي الغالب فيها الجزء النّاريّ ، فإنّها أقبل لها من الّتي الغالب فيها الجزء الأرضي (١١).

__________________

(١) كذا في ب ، المصدر. وفي سائر النسخ : يختد منها.

(٢) كذا في ب ، المصدر. وفي سائر النسخ : يقبلها.

(٣) من المصدر.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : الأدواء.

(٥) أ ، ب : المختلفة. وفي ر : المختلقة.

(٦) ليس في المصدر.

(٧) الكافي ٢ / ٣ ، ح ٢.

(٨) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٠.

(٩) من المصدر.

(١٠) تفسير القمّي ١ / ٣٧٥.

(١١) جواب سؤال مقدّر ، وهو أنّه : كيف يخلق الحياة في النّار وهو جرم بسيط ، لكنّ المشاهدة

١١٦

وقوله : «من نار» باعتبار الغالب ، كقوله : (خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ).

ومساق الآية ، كما هو للدّلالة على كمال قدرة الله وبيان بدء خلق الثّقلين ، فهو للتّنبيه على المقدّمة الثّانية الّتي يتوقّف عليها إمكان الحشر ، وهو قبول الموادّ للجمع والإحياء.

وفي عيون الأخبار (١) ، في باب ما جاء عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ في هاروت وماروت حديث طويل ، وفيه بعد أن مدح ـ عليه السّلام ـ الملائكة وقال : معاذ الله من ذلك ، إنّ الملائكة معصومون محفوظون من الكفر والقبائح بألطاف الله ـ تعالى ـ.

قالا : قلنا له : فعلى هذا لم يكن إبليس ـ أيضا ـ ملكا؟

فقال : لا ، بل كان من الجنّ. أما تسمعان الله يقول : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِ)؟ فأخبر ـ عزّ وجلّ ـ أنّه كان من الجنّ ، وهو الّذي قال الله ـ تعالى ـ : (وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ).

وفي كتاب الخصال (٢) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : الآباء ثلاثة : آدم ولد مؤمنا ، والجانّ ولد [مؤمنا و] (٣) كافرا ، وإبليس ولد كافرا ، وليس فيهم نتاج إنّما يبيض ويفرخ ، وولده ذكور ليس فيهم إناث.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : قال : الجنّ من ولد الجانّ ، منهم مؤمنون و [منهم] (٥) كافرون ويهود ونصارى ، وتختلف أديانهم. والشّياطين من ولد إبليس ، وليس فيهم مؤمن إلّا واحد ، اسمه : هام بن هيم بن لا قيس بن إبليس ، جاء إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فرآه جسيما عظيما وامرأ مهولا.

فقال له : من أنت؟

قال : أنا هام بن هيم بن لاقيس بن إبليس ، كنت يوم قتل قابيل غلاما ابن أعوام ، أنهي عن الاعتصام وآمر بإفساد الطّعام.

__________________

والقياس أن الحياة لا تكون إلّا في المركّب؟ فأجاب : بأنّا لا نسلّم امتناع خلق الحياة في الجسم البسيط ، كما لا يمتنع خلقها في المجرّدات مع أنّها أبعد من الحياة من الجسم.

(١) العيون ١ / ٢١٠ ، ح ١.

(٢) الخصال ١ / ١٥٢ ، ح ١٨٦.

(٣) من المصدر.

(٤) تفسير القمّي ١ / ٣٧٥ ـ ٣٧٦.

(٥) من المصدر.

١١٧

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : بئس لعمري الشّابّ المؤمل والكهل المؤمر.

فقال : دع عنك هذا ، يا محمّد ، فقد جرت توبتي على يد نوح ، ولقد كنت معه في السّفينة فعاتبته على دعائه على قومه ، ولقد كنت مع إبراهيم حين القي في النّار فجعلها الله عليه بردا وسلاما ، ولقد كنت مع موسى حين أغرق (١) الله فرعون ونجّى بني إسرائيل ، ولقد كنت مع هود حين دعا على قومه فعاتبته ، ولقد كنت مع صالح فعاتبته على دعائه على قومه ، ولقد قرأت الكتب فكلّها تبشّرني بك ، والأنبياء يقرءونك السّلام ، ويقولون : أنت أفضل الأنبياء وأكرمهم ، فعلّمني ممّا أنزل الله عليك شيئا.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : علّمه.

فقال هام : يا محمّد ، إنّا لا نطيع إلّا نبيّا أو وصيّ نبيّ ، فمن هذا؟

قال : أخي ووصيّي ووزيري ووارثي ، عليّ بن أبي طالب.

قال : نعم ، نجد اسمه في الكتب إليا.

فعلّمه أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ. فلمّا كانت ليلة الهرير بصفين جاء إلى أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ.

(وَإِذْ قالَ رَبُّكَ) : واذكر وقت قوله (لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) (٢٨) ، (فَإِذا سَوَّيْتُهُ) : عدّلت خلقته ، وهيّأته لنفخ الرّوح فيه.

(وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) : حتّى جرى آثاره في تجاويف أعضائه فحيي.

وأصل «النّفخ» إجراء الرّيح في تجويف جسم آخر. ولمّا كان الرّوح يتعلّق أوّلا بالبخار اللّطيف المنبعث من القلب ، وتفيض عليه القوّة الحيوانيّة فيسرى حاملا لها في تجاويف الشّرايين إلى أعماق البدن ، جعل تعليقه بالبدن نفخا. فهو تمثيل لما يحصل به الحياة ، وذلك لأنّ الرّوح ليس من عالم الحسّ والشّهادة ، وإنّما هو من عالم الملكوت والغيب ، والبدن بمنزلة قشر وغلاف وقالب له ، وإنّما حياته به وهو الخلق الآخر المشار إليه بقوله ـ سبحانه ـ : (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) لا يشبه هذا الخلق.

وإضافة الرّوح إلى نفسه قد مرّ وجهها (٢).

(فَقَعُوا لَهُ) : فاسقطوا له (ساجِدِينَ) (٢٩). أمر ، من وقع ، يقع.

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : غرّق.

(٢) أي : في سورة النّساء.

١١٨

في كتاب علل الشّرائع (١) : عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، وفيه : قال الله ـ جلّ جلاله ـ للملائكة : (إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ، فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ). وكان ذلك من الله ـ عزّ وجلّ ـ تقدمة منه (٢) إلى الملائكة في آدم ـ عليه السّلام ـ من قبل أن يخلقه احتجاجا منه عليهم.

قال : فاغترف ـ تبارك وتعالى ـ غرفة من الماء العذب الفرات فصلصلها فجمدت ، ثمّ قال لها : منك أخلق النّبيّين والمرسلين وعبادي الصّالحين والأئمّة المهديّين (٣) الدّعاة إلى الجنّة وأتباعهم إلى يوم القيامة ولا أبالي ، ولا اسال عمّا أفعل وهم يسألون ، يعني بذلك : خلقه أنّه [يسألهم. ثمّ] (٤).

اغترف من الماء المالح الأجاج فصلصلها فجمدت ، ثمّ قال لها : منك أخلق الجبّارين والفراعنة والعتاة ، إخوان الشّياطين والدّعاة إلى النّار إلى يوم القيامة وأتباعهم [ولا أبالي] (٥) ولا اسال عمّا أفعل وهم يسألون.

قال : وشرط في ذلك البداء ، ولم يشترط في أصحاب اليمين البداء.

ثمّ خلط الماءين فصلصلها ، ثمّ ألقاهما قدّام عرشه ، وهما سلالة (٦) من طين ، ثمّ أمر الملائكة الأربعة : الشّمال والدّبور والصّبا والجنوب ، أن جولوا على هذه السلالة (٧) الطّين ، وأبروها وانسموها ، ثمّ جزّوها وفصّلوها ، وأجروا إليها الطّبائع الأربعة : الرّيح والمرّة والدّم والبلغم.

قال : فجالت (٨) الملائكة عليها ، وهي الشّمال والصّبا والجنوب والدّبور ، فأجروا فيها الطّبائع الأربعة.

قال : والرّيح في الطّبائع الأربعة في البدن من ناحية الشّمال.

قال : والبلغم في الطّبائع الأربعة في البدن من ناحية الصّبا (٩). والمرّة في الطّبائع

__________________

(١) العلل ١ / ١٠٤ ـ ١٠٦ ، ح ١.

(٢) المصدر : «تقدم» بدل «تقدمة منه».

(٣) المصدر : المهتدين.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) من المصدر.

(٦) كذا في المصدر. وفي ب : ثلة.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : الثلاثة.

(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : فجاءت.

(٩) المصدر : زيادة «قال».

١١٩

الأربعة في البدن من ناحية الجنوب (١). والدّم في الطّبائع الأربعة في البدن من ناحية الدّبور (٢).

قال فاستقلّت النّسمة وكمل البدن.

قال : فلزمه من ناحية الرّيح حبّ الحياة وطول الأمل والحرص ، ولزمه من ناحية البلغم حبّ الطّعام والشّراب واللّين والرّفق ، ولزمه من ناحية المرّة الغضب والسّفه والشّيطنة والتّجبّر والتّمرّد والعجلة ، ولزمه من ناحية الدّم حبّ (٣) النّساء واللّذّات وركوب المحارم والشّهوات.

قال عمرو : أخبرني جابر ، أنّ أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : وجدناه في كتاب من كتب عليّ ـ عليه السّلام ـ.

وبإسناده (٤) إلى إسحاق القمّي : عن أبي جعفر الباقر ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، يقول فيه ـ عليه السّلام ـ : لمّا كان الله متفردا بالوحدانيّة ابتدأ الأشياء لا من شيء ، فأجرى الماء العذب على أرض طيّبة طاهرة سبعة أيّام مع لياليها ، ثمّ نضب الماء عنها ، فقبض من صفاء (٥) ذلك الطين ، وهي طينتنا (٦) أهل البيت ، ثمّ قبض قبضة من أسفل ذلك الطّين (٧) ، وهي طينة شيعتنا ، ثمّ اصطفانا لنفسه ، فلو أنّ طينة شيعتنا تركت ، كما تركت طينتنا ، لما زنى أحد منهم ولا سرق ولا لاط ولا شرب المسكر ولا ارتكب (٨) شيئا ممّا ذكرت.

ولكنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ أجرى الماء المالح على أرض ملعونة سبعة أيّام ولياليها ، ثمّ نضب الماء عنها ، ثمّ قبض قبضة ، وهي طينة ملعونة من حمأ مسنون ، وهي طينة خبال ، وهي طينة أعدائنا ، فلو أنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ ترك طينتهم ، كما أخذها ، لم تروهم في خلق الآدميّين ، ولم يقرّوا بالشّهادتين ، ولم يصوموا ولم يصلّوا ولم يزكّوا ولم يحجّوا البيت ، ولم تروا أحدا منهم بحسن خلق.

ولكنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ جمع الطّينتين : طينتكم وطينتهم ، فخلطهما وعركهما

__________________

(١) المصدر : الدبور. وفيه : زيادة «قال».

(٢) المصدر : الجنوب.

(٣) يوجد في المصدر ، ن.

(٤) العلل / ٤٩٠ ـ ٤٩١ ، ح ١.

(٥) المصدر : صفوة.

(٦) المصدر : طينة.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : الطينة.

(٨) المصدر : اكتسب.

١٢٠