تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٧

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٧

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

كلمة المحقق

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين والصلواة والسلام على نبينا وآله الطيبين الطاهرين ولا سيما بقية الله في الأرضين واللعنة الدائمة على أعدائه وأعدائهم أجمعين.

النسخ التي استفندنا عنها في تحقيق الربع الثاني من تفسير كنز الدقائق وبحر الغرائب (من أول سورة الأنعام الى آخر سورة الكهف) :

١ ـ نسخة مكتوبة في حياة المؤلف سنة ١١٠٥ هـ. ق في مكتبة آية الله العظمى النجفي المرعشي العامة ، قم ، رقم ١٢٨٣ مذكورة في فهرسها ١/٣٥٠ ، (رمز ب).

٣ ـ نسخة في مكتبة ، مدرسة الشهيد المطهري ، رقم ٢٠٥٤ ، مذكورة في فهرسها ١/١٦٢ ، مكتوبة في سنة ١٢٤٠ هـ. ق. (رمزس).

٤ ـ نسخة في مكتبة مجلس الشورى الاسلامي (١) ، رقم ١٢٠٧٣ ، مكتوبة في حياة المؤلف وعلى ظهرها تفريض العلامة المجلسي ـ رحمة الله تعالى عليه ـ. (رمزر).

والحمدالله أولاً وآخراً

٢١
٢٢

تَفسير

سُورَةِ إبراهيم

٢٣
٢٤

سورة إبراهيم

مكّيّة ، إلّا آيتين نزلتا في قتلى بدر من المشركين : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً ـ إلى قوله ـ فَبِئْسَ الْقَرارُ).

قاله ابن عبّاس وقتادة والحسن (١).

وهي إحدى وخمسون آية.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

في كتاب ثواب الأعمال (٢) ، بإسناده إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : من قرأ سورة إبراهيم والحجر في ركعتين جميعا ، في كلّ جمعة ، لم يصبه فقر أبدا ولا جنون ولا بلوى.

وفي مجمع البيان (٣) : أبيّ بن كعب قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : من قرأ سورة إبراهيم ، أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من يعبد (٤) الأصنام وبعدد من لم يعبدها.

(الر كِتابٌ) ، أي : هو كتاب.

(أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ) : بدعائك إيّاهم إلى ما تضمّنه (٥).

(مِنَ الظُّلُماتِ) : من أنواع الضّلال.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٢٤.

(٢) ثواب الأعمال / ١٣٣ ، ح ١.

(٣) المجمع ٣ / ٣٠١.

(٤) المصدر : عبد.

(٥) أي : إلى ما تضمّنه الكتاب.

٢٥

(إِلَى النُّورِ) : إلى الهدى والإيمان.

(بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) : بتوفيقه وتسهيله. مستعار من الإذن ، الّذي هو تسهيل الحجّاب (١).

وهو صلة «لتخرج». أو حال من فاعله ، أو مفعوله (٢).

(إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (١) : بدل من قوله : «إلى النّور» بتكرير العامل. أو استئناف (٣) ، على أنّه جواب لمن يسأل عنه.

وإضافة الصّراط إلى الله ، إمّا لأنّه مقصده ، أو المظهر له.

وتخصيص الوصفين (٤) ، للتّنبيه على أنّه لا يذلّ سالكه ولا يخيب سائله.

(اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) على قراءة نافع وابن عامر مبتدأ وخبر ، أو «الله» خبر مبتدأ محذوف (٥) و «الّذي» صفته.

وعلى قراءة الباقين عطف بيان «للعزيز» ، لأنّه كالعلم لاختصاصه بالمعبود بالحقّ (٦).

(وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ) (٢) : وعيد لمن كفر بالكتاب ، ولم يخرج به من الظّلمات إلى النّور.

و «الويل» الهلاك ، نقيض «الوأل» وهو النّجاة. وأصله النّصب ، لأنّه مصدر إلّا أنّه لم يشتقّ منه لكنّه رفع لإفادة الثّبات.

__________________

(١) أي : تسهيل ما تعذّر. وفيه : أنّ اللّازم ممّا ذكر استعمال المقيد الّذي هو الإذن بمعنى تسهيل الحجاب في المطلق ، فيكون مجازا مرسلا لا استعارة.

(٢) فعلى الأوّل يكون التقدير : ليخرج النّاس ملتبسا بإذن ربّهم وعلى الثاني : ملتبسين به.

(٣) كأنّ سائلا قال : إلى أيّ نور الإخراج؟ فقيل : إلى صراط العزيز الحميد.

(٤) إمّا عدم إذلال السّالك فلأنّ العزّة والغلبة تناسب إعزاز من قصد السّلوك في سبيله ، وإمّا عدم التّخييب فلأنّ الحميد بمعنى : المحمود ، والمحمود من أوصل النّعمة إلى الغير حتّى يستحقّ أن يحمد ، إذ الحميد من كان كاملا في حدّ ذاته مستحقا للحمد وهو يناسب عدم تخييب السّائل.

(٥) فيكون التّقدير : هو الله الذي. ومرجع الضّمير (الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ).

(٦) هذا يدلّ على أنّ عطف البيان يجب أن يكون علما أو في حكمه في الإختصاص.

٢٦

(الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ) : يختارونها عليها ، فإنّ المختار للشّيء يطلب من نفسه أن يكون أحبّ إليها من غيره (١).

(وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) : بتعويق النّاس عن الإيمان.

وقرئ (٢) : «ويصدّون» ، من أصدّه ، وهو منقول صدّ صدودا ، إذا تنكّب (٣).

وليس فصيحا (٤) ، لأنّ في صدّه مندوحة عن تكلّف التّعدية [بالهمزة] (٥).

(وَيَبْغُونَها عِوَجاً) : ويبغون لها زيغا ونكوبا عن الحقّ ، ليقدحوا فيه. فحذف الجارّ ، وأوصل الفعل إلى الضّمير.

والموصول بصلته يحتمل الجرّ صفة «للكافرين» ، والنّصب على الذّم ، والرّفع عليه (٦). أو على أنّه مبتدأ خبره (أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) (٣) ، أي : ضلّوا عن الحقّ ووقعوا عنه بمراحل.

و «البعد» في الحقيقة للضّالّ ، فوصف به فعله للمبالغة. أو للأمر الّذي به الضّلال ، فوصف به لملابسته.

(وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) : الّذي هو منهم وبعث فيهم.

(لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) : ما أمروا به ، فيفقهوه عنه بيسر وسرعة.

وقرئ (٧) : «بلسن» وهو لغة فيه ، كريش ورياش. و «لسن» بضمّتين ، وضمة وسكون ، على الجمع ، كعمد وعمد.

وفي كتاب الخصّال (٨) : عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ في حديث : ومنّ عليّ ربّي ، وقال : يا محمّد ، قد أرسلت كلّ رسول إلى أمّته (٩) بلسانها ، وأرسلتك إلى كلّ أحمر

__________________

(١) فيكون «يستحبّون» مجازا مرسلا من باب إطلاق اسم اللازم على ملزومه.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٥٢٤.

(٣) تنكّب ، أي : مال عن الحقّ.

(٤) لأنّ الفعل المتعدّي إذا وجد لا حاجة إلى تعدية اللّازم ، لأنّه تكلّف. وتبع في هذا صاحب الكشّاف ، وفيه : أنّ القراءات تؤخذ من الرّواية لا من الدّراية ، فلا وجه للقول بأنّ في صدّه مندوحة عن تكلّف التّعدية.

(٥) من المصدر.

(٦) فعلى الأوّل : أذمّ الذين يستحبّون الحياة الدنيا. وعلى الثاني : بئس الّذين يستحبّون.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٥٢٤.

(٨) الخصال ١ / ٤٢٥ ، ح ١.

(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : امّة.

٢٧

وأسود من خلقي.

وقيل (١) : الضّمير في «قومه» لمحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ و [أنّ الله تعالى] (٢) أنزل (٣) الكتب كلّها بالعربيّة ثمّ [تر] (٤) جمعها جبرئيل ـ عليه السّلام ـ. أو كل نبيّ بلغة المنزل عليهم.

ويؤيّده ما رواه في كتاب علل الشّرائع (٥) ، بإسناده إلى مسلم بن خالد المكّيّ : عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ـ عليهما السّلام ـ قال : ما أنزل الله ـ تبارك وتعالى ـ كتابا ولا وحيا إلّا بالعربيّة ، [فكان يقع في مسامع الأنبياء ـ عليهم السّلام ـ بألسنة قومهم ، وكان يقع في مسامع نبيّنا ـ صلّى الله عليه وآله ـ بالعربيّة ، فإذا كلّم به قومه (٦) كلّمهم] (٧) بالعربيّة فيقع في مسامعهم بلسانهم. وكان احد (٨) لا يخاطب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بأيّ لسان خاطبه إلّا وقع في مسامعه بالعربيّة ، وكلّ ذلك يترجم جبرئيل ـ عليه السّلام ـ عنه تشريفا من الله ـ عزّ وجلّ ـ له ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

(فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ) : فيخذله عن الإيمان.

(وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) : بالتّوفيق له.

(وَهُوَ الْعَزِيزُ) : فلا يغلب على مشيئته.

(الْحَكِيمُ) (٤) : الّذي لا يفعل ما يفعل إلّا بحكمة.

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا) ، يعني : اليد والعصا وسائر معجزاته.

(أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) ، بمعنى : أي : أخرج ، لأنّ في الإرسال معنى القول. أو بأن أخرج ، فإنّ صيغ الأفعال سواء في الدّلالة على المصدر ، فيصحّ أن يوصل بها «أن» النّاصبة.

(وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ).

قيل (٩) : بوقائعه الّتي وقعت على الأمم الدّارجة. وأيّام العرب : حروبها.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٢٥.

(٢) من المصدر.

(٣) أ ، ب : وإنزال.

(٤) من المصدر.

(٥) العلل ١ / ١٢٦ ، ح ٨.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : قومهم.

(٧) ليس في ب.

(٨) المصدر : أحدنا.

(٩) أنوار التنزيل ١ / ٥٢٥.

٢٨

وقيل (١) : بنعمائه وبلائه.

وفي تفسير العيّاشي (٢) : عن إبراهيم عن عمر (٣) ، عمّن ذكره عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله : (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ) قال : بآلاء الله ، يعني : بنعمه.

وفي كتاب الخصال (٤) : عن مثنّى الخيّاط (٥) قال : سمعت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول : أيام الله يوم يقوم القائم ، ويوم الكرّة ، ويوم القيامة.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٦) : أيام الله ثلاثة : أيام (٧) يوم يقوم (٨) القائم ، ويوم الموت ، ويوم القيامة.

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) (٥) : يصبر على بلائه ويشكر لنعمائه ، فإنّه إذا سمع بما نزل على من قبله من البلاء وأفيض عليهم من النّعماء ، اعتبر وتنبّه لما يجب عليه من الصّبر والشّكر.

(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) ، أي : اذكروا نعمته وقت إنجائه إيّاكم.

ويجوز أن ينتصب «بعليكم» إن جعلت مستقرّة ، غير صلة «للنّعمة» (٩) وذلك إذا اريدت بها العطيّة دون الإنعام. ويجوز أن يكون بدلا من «نعمة الله» بدل الاشتمال.

(يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ) : أحوال من «آل فرعون» ، أو من ضمير المخاطبين.

والمراد بالعذاب ـ هاهنا ـ غير المراد في سورة البقرة والأعراف ، لأنّه مفسّر بالتّذبيح

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) تفسير العياشي ٢ / ٢٢٢ ، ح ٢.

(٣) كذا في المصدر ، وجامع الرواة ١ / ٢٩. وفي النسخ : عمرو.

(٤) الخصال ١ / ١٠٨ ، ح ٧٥.

(٥) كذا في المصدر ، ورجال النجاشي / ١١٠٦. وفي النسخ : الخيّاط.

(٦) تفسير القمّي ١ / ٣٦٧.

(٧) ليس في المصدر.

(٨) يوجد في ب.

(٩) أي : يجوز نصب «إذ أنجاكم» ب «عليكم» إذا جعلت «عليكم» ظرفا مستقرّا ، لأنّه حينئذ مقدّر بالفعل فيصلح أن يكون عاملا ، أمّا إذا كان صلة «للنّعمة» فلا يصلح أن يكون عاملا إذ ليس مقدّرا بالفعل وحينئذ تكون «النّعمة» بمعنى : العطيّة ، لا بمعنى الإنعام ، إذ لو كان بمعنى الإنعام لكان «عليكم» صلة له.

٢٩

والقتل ثمّة (١) ، ومعطوف عليه التّذبيح ـ هاهنا ـ. وهو إمّا جنس العذاب (٢) ، أو استعبادهم واستعمالهم بالأعمال الشّاقّة.

(وَفِي ذلِكُمْ) : من حيث أنّه بإقدار الله إيّاهم وإمهالهم فيه.

(بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) (٦) : ابتلاء منه.

ويجوز أن تكون الإشارة إلى الإنجاء ، والمراد بالبلاء : النّعمة.

(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ) : أيضا من كلام موسى ـ عليه السّلام ـ.

و «تأذّن» بمعنى : آذن ، كتوعّد وأوعد ، غير أنّه أبلغ لما في التّفعّل من معنى التّكلّف والمبالغة ، أي : أعلم ربّكم.

(لَئِنْ شَكَرْتُمْ) : يا بني إسرائيل ، ما أنعمت عليكم من الإنجاء وغيره بالإيمان والعمل الصّالح.

(لَأَزِيدَنَّكُمْ) : نعمة إلى نعمة.

(وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ) (٧) : فلعلّي أعذبكم على الكفران عذابا شديدا. ومن عادة أكرم الأكرمين أن يصرّح بالوعد ، ويعرّض بالوعيد (٣).

والجملة مفعول قول مقدّر (٤). أو مفعول «تأذن» على أنّه يجري مجرى «قال» ، لأنّه ضرب منه.

في كتاب الخصّال (٥) : عن معاوية بن وهب (٦) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : يا معاوية ، من اعطي ثلاثة لم يحرم ثلاثة : من أعطي الدّعاء أعطي الإجابة ومن اعطي الشكر اعطي الزيادة ، ومن اعطي التّوكل اعطي الكفاية. فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول في كتابه : (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ). ويقول : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) ويقول : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ).

__________________

(١) ثمّة : هناك.

(٢) وعلى هذا فعطف «يذبّحون» عليه عطف الخاصّ على العام.

(٣) فإنّه ـ تعالى ـ صرح بالوعد فقال : (لَأَزِيدَنَّكُمْ) ، وعرض بالوعيد فقال : (إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ) من جهة أنّه لم يقل : وإن كفرتم عذّبتكم.

(٤) فيكون التقدير : وإذ تأذّن ربّكم قائلا : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ) ... الخ.

(٥) الخصال ١ / ١٠١ ، ح ٥٦.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : مسعود بن عمّار.

٣٠

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : أيّما عبد أنعم الله عليه بنعمة ، فعرفها بقلبه وحمد الله عليها بلسانه ، لم ينفد (٢) كلامه حتّى يأمر الله له بالزّيادة ، وهو قوله : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ).

وفي روضة الكافي (٣) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمّد ، [وعليّ بن محمد ، عن القاسم بن محمّد] (٤) ، عن سليمان بن داود المنقريّ ، عن حفص بن غياث ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : إنّ من عرف نعمة الله بقلبه ، استوجب المزيد من الله ـ عزّ وجلّ ـ قبل أن يظهر شكرها على لسانه.

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

سهل (٥) عن عبيد الله ، عن أحمد بن عمر قال : دخلت على أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ أنا وحسين بن (٦) ثوير بن أبي فاختة فقلت له : جعلت فداك ، إنّا كنّا في سعة من الرّزق وغضارة من العيش ، فتغيّرت الحال بعض التّغييّر ، فادع لنا (٧) الله ـ عزّ وجلّ ـ أن يردّ ذلك إلينا.

فقال : أي شيء تريدون ، تكونون ملوكا ، أيسرّك أن تكون مثل (٨) طاهر (٩) وهرثمة وأنّك على خلاف ما أنت عليه؟

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ٣٦٨.

(٢) المصدر : لم تنفد.

(٣) الكافي : ٨ / ١٢٨ ، ح ٩٨.

(٤) من المصدر.

(٥) الكافي ٨ / ٣٤٦ ، ح ٥٤٦.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : بن.

(٧) ليس في المصدر.

(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : مثله.

(٩) الطاهر هو أبو الطيّب ، أو أبو طلحة ، طاهر بن الحسين المعروف ب «ذو اليمينين» والي خراسان ، كان من أكبر قوّاد المأمون والمجاهدين في تثبيت دولته ، وهو الّذي سيّره المأمون من خراسان إلى محاربة أخيه الأمين ، محمد بن زبيدة.

وكان طاهر من أصحاب الرضا ـ عليه السّلام ـ وكان متشيّعا ، وينسب التشيع إلى آل طاهر ـ أيضا ـ وكان طاهر هو الّذي أسّس دولة آل طاهر في خراسان وما والاها سنة ٢٠٥ ـ ٢٥٩ ، وله عهد إلى ابنه وهو من أحسن الرسائل.

وأمّا هرثمة ، فهو هرثمة بن أعين الذي يروي عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ كثيرا وهو ـ أيضا ـ من قوّاد المأمون وفي خدمته ، وكان مشهورا بالتشيّع ومحبّا لأهل البيت ـ عليهم السلام ـ وهو من أصحاب الرّضا ـ عليه السّلام ـ بل من خواصّه وأصحاب سرّه ، كما يظهر من كتاب العيون.

٣١

قلت : لا ، والله ، ما يسرّني أنّ لي الدّنيا بما فيها ذهبا وفضّة وأنّي على خلاف ما أنا عليه.

قال : فقال : فمن أيسر منكم فليشكر الله ، إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ).

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي تفسير العيّاشي (١) : عن أبي عمرو (٢) المدائنيّ قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : أيّما عبد أنعم الله عليه بنعمة فعرفها بقلبه ـ وفي رواية أخرى ـ فأقرّ بها بقلبه وحمد الله عليها بلسانه ، لم ينفد كلامه حتّى يأمر الله له بالزّيادة.

وفي رواية أبي إسحاق المدائنيّ (٣) : حتّى يأذن الله له بالزّيادة ، وهو قوله : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ).

وعن أبي ولّاد (٤) ، قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : أرأيت هذه النّعمة الظّاهرة علينا (٥) من الله ، أليس إن شكرناه عليها وحمدناه (٦) زادنا ، كما قال الله في كتابه : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)؟

فقال : نعم ، من حمد الله على نعمته وشكره وعلم أنّ ذلك منه لا من غيره [زاد الله نعمه] (٧).

وفي أمالي شيخ الطّائفة (٨) ـ قدّس سرّه ـ بإسناده إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : تلقّوا النّعم ، يا سدير ، بحسن مجاورتها ، واشكروا من أنعم عليكم وأنعموا على من شكركم ، فإنّكم إذا كنتم كذلك استوجبتم من الله الزّيادة ومن إخوانكم المناصحة. ثمّ تلا : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ).

وفي أصول الكافي (٩) : أبو عليّ الأشعريّ ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن صفوان ، عن إسحاق بن عمّار ، عن رجلين [من أصحابنا] (١٠) سمعاه ، عن أبي عبد الله ـ عليه

__________________

(١) تفسير العياشي ٢ / ٢٢٢ ، ح ٣.

(٢) كذا في جامع الرواة ٢ / ٤٠٧ وفي المصدر : أبي عمر.

(٣) تفسير العياشي ٢ / ٢٢٢ ، ح ٤.

(٤) نفس المصدر والموضع ، ح ٥.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : إلينا.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : عليه وحمدته.

(٧) من المصدر مع المعقوفتين.

(٨) أمالي الطوسي ١ / ٣٠٩.

(٩) الكافي ٢ / ٩٥ ، ح ٩.

(١٠) من المصدر.

٣٢

السّلام ـ قال : ما أنعم الله على عبد من نعمة ، فعرفها بقلبه وحمد الله ظاهرا بلسانه فتمّ كلامه ، حتّى يؤمر له بالمزيد.

عدّة من أصحابنا (١) ، عن أحمد بن [محمد بن] (٢) خالد ، عن إسماعيل بن مهران ، عن سيف عن عميرة ، عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : هل للشّكر حدّ إذا فعله العبد كان شاكرا؟

قال : نعم.

قلت : وما هو؟

قال : يحمد الله على كلّ نعمة عليه في أهل ومال ، وإن كان فيما أنعم [عليه] (٣) في ماله حقّ أدّاه.

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

محمّد بن يحيى (٤) ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن معمّر بن خلّاد قال : سمعت أبا الحسن ـ عليه السّلام ـ يقول : من حمد الله على النّعمة فقد شكره ، وكان الحمد أفضل من تلك النّعمة.

محمّد [بن يحيى (٥)] (٦) ، عن أحمد ، عن عليّ بن الحكم ، عن صفوان الجمّال ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قال لي : ما أنعم الله على عبد بنعمة صغرت أو كبرت ، فقال : الحمد لله ، إلّا أدّى شكرها.

أبو عليّ الاشعريّ (٧) ، عن عيسى بن أيّوب ، عن عليّ بن مهزيار ، عن القاسم بن محمّد ، عن إسماعيل بن أبي الحسن (٨) ، عن رجل ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : [من أنعم الله عليه بنعمة فعرفها بقلبه ، فقد أدّى شكرها]

(٩)

[عدة من أصحابنا (١٠) ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن بعض أصحابنا ، عن محمد بن هشام ، عن ميسر ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال] (١١) شكر النعمة اجتناب المحارم ، وتمام الشّكر قول الرّجل : الحمد لله ربّ العالمين.

__________________

(١) الكافي ٢ / ٩٥ ـ ٩٦ ، ح ١٢.

(٢ و ٣) من المصدر.

(٤) الكافي ٢ / ٩٦ ، ح ١٣.

(٥) نفس المصدر والموضع ، ح ١٤.

(٦) من المصدر.

(٧) الكافي ٢ / ٩٦ ، ح ١٥.

(٨) ب : إسماعيل بن محمد.

(٩) من المصدر.

(١٠) الكافي ٢ / ٩٥ ، ح ١٠.

(١١) من المصدر.

٣٣

وفي كتاب الخصّال (١) : عن سعيد (٢) بن علاقة قال : سمعت أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ يقول : شكر المنعم (٣) يزيد في الرّزق.

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي أمالي شيخ الطّائفة ـ قدّس سرّه ـ (٤) بإسناده إلى مالك بن أعين الجهنيّ قال : أوصى عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ بعض ولده فقال : يا بنيّ اشكر من أنعم عليك وأنعم على من شكرك ، فإنّه لا زوال للنّعمة إذا شكرت ولا بقاء لها إذا كفرت ، والشاكر بشكره أسعد منه بالنّعمة الّتي وجب عليه الشّكر لها. وتلا ، يعني : عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ [قول الله ـ تعالى ـ] (٥) (إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ).

وفي كتاب علل الشّرائع (٦) ، بإسناده إلى عليّ بن الحسين (٧) بن عليّ بن فضّال ، عن أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال : السّجدة بعد الفريضة شكر الله ـ تعالى ـ ذكره على ما وفّق العبد من أداء فرائضه (٨) ، وأدنى ما يجزي فيها من القول أن يقال : شكرا لله شكرا لله ، ثلاث مرّات.

قلت : فما معنى قوله : شكرا لله؟

قال : يقول : هذه السّجدة منّي شكرا لله على ما وفّقني له من خدمته وأداء فرضه. والشّكر موجب للزّيادة ، فإن كان في الصّلاة تقصير تمّ بهذه السّجدة.

وفي مجمع البيان (٩) : قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : إذا أقبلت عليكم أطراف النّعم ، فلا تنفروا وأقصاها (١٠) بقلّة الشّكر.

وفي أصول الكافي (١١) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن بكر بن صالح ، عن القاسم بن يزيد ، عن أبي عمرو الزّبيريّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال في تفسير وجوه الكفر : الوجه الثّالث من الكفر كفر النّعم ، قال : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ).

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

__________________

(١) الخصال ٢ / ٥٠٥ ، ح ٢.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : سعد.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : النعم.

(٤) أمالي الطوسي ٢ / ١١٥.

(٥) ليس في أ ، ب.

(٦) العلل / ٣٦٠ ، ح ١.

(٧) كذا في المصدر ، ورجال النجاشي / ٧٢. وفي النسخ : الحسن

(٨) المصدر : فرضه.

(٩) نور الثقلين ٢ / ٥٢٩ ، ح ٢٨.

(١٠) كذا في المصدر. وفي النسخ : اقتضاها. (١١) الكافي ٢ / ٣٩٠ ، ح ١.

٣٤

(وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) : من الثّقلين.

(فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌ) : عن شكركم.

(حَمِيدٌ) (٨) : مستحقّ للحمد في ذاته ، محمود تحمده الملائكة وينطق بنعمته ذرّات المخلوقات ، فما ضررتم بالكفران إلّا أنفسكم حين حرمتموها مزيد الإنعام وعرّضتموها للعذاب الشّديد.

(أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ) : من كلام موسى ـ عليه السّلام ـ. أو كلام مبتدأ من الله ـ تعالى ـ (وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللهُ) : جملة وقعت اعتراضا (١). (وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ) عطف على ما قبله ، و (لا يَعْلَمُهُمْ) اعتراض.

والمعنى : أنّهم لكثرتهم لا يعلم عددهم إلّا الله. ولذلك قال ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : كذب النّسّابون (٢).

(جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ).

قيل (٣) : فعضّوها غيظا ممّا جاءت به الرّسل ، كقوله : (عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ). أو وضعوها عليها [تعجّبا منه ، أو] (٤) استهزاء عليه ، كمن غلبه الضّحك (٥). أو إسكاتا للأنبياء ، وأمرا لهم بإطباق الأفواه. أو أشاروا بها إلى ألسنتهم وما نطقت به ، من قولهم : (إِنَّا كَفَرْنا) تنبيها على أنّ لا جواب لهم سواه. أو ردّوها في أفواه الأنبياء يمنعونهم من التّكلّم ، وعلى هذا يحتمل أن يكون تمثيلا (٦).

وقيل (٧) : الأيدي بمعنى : الأيادي ، أي : ردّوا أيادي الأنبياء الّتي هي مواعظهم وما أوحي إليهم من الحكم والشّرائع في أفواههم ، لأنّهم إذ كذّبوها ولم يقبلوها فكأنّهم

__________________

(١) لأنّ مجموع هذا الكلام لا يصحّ أن يجعل معطوفا على ما قبله.

(٢) المراد من النّسّابين : الّذين يدّعون العلم بالآباء الموجودين في تلك الأزمنة المتقدّمة ، وإنّما كذّبهم لأنّ الله ـ تعالى ـ نفى علم الآباء المذكورة عنهم ، أي : عن النّسّابين.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٥٢٦.

(٤) ليس في ب.

(٥) ب : زيادة «أو تعجبا منه».

(٦) أي : يحتمل أن يكون استعارة بأن يكون المراد من ردّ الأيدي في الأفواه منعهم عن التكلّم من غير اعتبار المعنى الحقيقي لليد.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٥٢٦.

٣٥

ردّوها إلى حيث جاءت منه.

(وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ) : على زعمكم.

(وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ) : من الإيمان.

وقرئ (١) : «تدعونا» بالإدغام.

(مُرِيبٍ) (٩) : موقع في الرّيبة. أو ذي ريبة ، وهي قلق النّفس وأن لا تطمئنّ إلى شيء.

(قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌ) ادخلت همزة الإنكار على الظّرف ، لأنّ الكلام في المشكوك فيه لا في الشّكّ (٢) ، أي : إنّما ندعوكم إلى الله ، وهو لا يحتمل الشّكّ لكثرة الأدّلة وظهور دلالتها عليه. وأشار إلى ذلك بقوله : (فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : وهو صفة. أو بدل ، و «شكّ» مرتفع بالظّرف.

(يَدْعُوكُمْ) : إلى الإيمان ببعثه إيّاناً (٣) (لِيَغْفِرَ لَكُمْ). أو يدعوكم إلى المغفرة ، كقولك : دعوته لينصرني. على إقامة المفعول له مقام [المفعول] (٤) به (٥).

(مِنْ ذُنُوبِكُمْ).

قيل (٦) : أي : بعض ذنوبكم ، وهو ما بينكم وبينه ـ تعالى ـ. فإنّ الإسلام يجبّه دون المظالم.

وقيل (٧) : جيء «بمن» في خطاب الكفّار دون المؤمنين في جميع القرآن ، تفرقة بين الخطابين. ولعلّ المعنى فيه : أنّ المغفرة حيث جاءت في خطاب الكفّار مرتّبة على الإيمان ، وحيث جاءت في خطاب المؤمنين مشفوعة بالطّاعة والتّجنّب عن المعاصي ونحو ذلك ، فتتناول الخروج عن المظالم (٨).

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٢٦.

(٢) لأنّ القاعدة أن يلي الهمزة ما يتعلّق به الغرض وهو الله تعالى.

(٣) كذا في أنوار التنزيل ١ / ٥٢٦. وفي النسخ : «ببعثه إلى الإيمان» بدل «إلى الايمان ببعثه إيّانا».

(٤) من المصدر.

(٥) فتكون «اللّام» بمعنى «إلى» والفعل بمعنى المصدر.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٥٢٦.

(٧) نفس المصدر والموضع.

(٨) أي : تتناول خطاب المؤمنين الخروج عن

٣٦

(وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) : إلى وقت سمّاه الله وجعله آخر أعماركم.

(قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) : لا فضل لكم علينا ، فلم تخصّون بالنّبوّة دوننا ، ولو شاء الله أن يبعث إلى البشر رسلا لبعث من جنس أفضل.

(تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا) : بهذه الدّعوة.

(فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) (١٠) : يدلّ على فضلكم واستحقاقكم لهذه المزيّة. أو على صحّة ادّعائكم النّبوّة ، كأنّهم لم يعتبروا ما جاؤوا به من البيّنات والحجج ، واقترحوا عليهم آية أخرى تعنّتا ولجاجا.

(قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) : سلّموا مشاركتهم في الجنس ، وجعلوا الموجب لاختصاصهم بالنّبوّة فضل الله ومنّه عليهم بخصائص فيهم ليست في أبناء جنسهم.

(وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) ، أي : ليس إلينا الإتيان بالآيات ولا تستبدّ به استطاعتنا حتّى نأتي بما اقترحتموه ، وإنّما هو أمر يتعلّق بمشيئة الله فيخصّ كلّ نبيّ بنوع من الآيات.

(وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (١١) : فلنتوكّل عليه في الصّبر على معاندتكم [ومعاداتكم] (١).

عمّموا الأمر للإشعار بما يوجب التّوكّل عليه (٢) ، وهو الإيمان ، وقصدوا به أنفسهم قصدا أوّليّا. ألا ترى قوله : (وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ) ، أي : أيّ عذر لنا في أن لا نتوكّل عليه (وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا) : الّتي بها نعرفه ، ونعلم أنّ الأمور كلّها بيده.

(وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا) : جواب قسم محذوف ، أكّدوا به توكّلهم وعدم مبالاتهم بما يجري من الكفّار عليهم.

(وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) (١٢) : فليثبت المتوكّلون على ما استحدثوه

__________________

المظالم فلم يبق عليهم سوى ما يتعلّق بحقّ الله ـ تعالى ـ فإذا تابوا يغفر الله جميع ذنوبهم ، وأمّا الإيمان فلا يحصل منه الخروج من المظالم ، فيغفر ما سواها ، ولذا دخل «من» على مغفرة ذنوبهم ليدلّ على التبعيض.

(١) من أنوار التنزيل ١ / ٥٢٧.

(٢) أي : عممّوا الحكم بأنّ على جميع المؤمنين التوكّل على الله لكنّ المقصود بالذّات الرسل ، فكأنّما قالوا : إنّ عليهم التوكّل.

٣٧

من توكّلهم المسبّب عن إيمانهم.

وفي مجمع البيان (١) : وروى الواقديّ ، بإسناده ، [عن أبي مريم] (٢) عن أبي الدّرداء ، قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : إذا آذاك البراغيث ، فخذ قدحا من ماء ، فاقرأ عليه سبع مرّات : (وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ) (الآية) [وقل :] (٣) فإن كنتم آمنتم بالله فكفّوا شرّكم وأذاكم عنّا. ثمّ ترشّ الماء حول فراشك ، فإنّك تبيت تلك اللّيلة آمنا من شرّها.

وفي من لا يحضره الفقيه (٤) : وسئل ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ).

قال : الزّارعون.

وفي تفسير العيّاشي (٥) : عن الحسن بن ظريف ، عن محمّد بن أبي عبد الله ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ مثله.

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) : حلفوا على أن يكون أحد الأمرين ، إمّا إخراجهم للرّسل ، أو عودهم إلى ملّتهم. وهو بمعنى الصّيرورة ، لأنّهم لم يكونوا على ملّتهم قطّ.

ويجوز أن يكون الخطاب لكلّ رسول ولمن آمن معه ، فغلّبوا الجماعة على الواحد.

(فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ) ، أي : إلى الرّسل.

(لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ) (١٣) : على إضمار القول. أو إجراء الإيحاء مجراه ، لأنّه نوع منه.

(وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ) ، أي : أرضهم وديارهم (مِنْ بَعْدِهِمْ).

وقرئ (٦) : «ليهلكنّ» ، و «ليسكننّكم» بالياء اعتبارا لأوحى ، كقولك : أقسم زيد ليخرجنّ.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٧) : حدّثني أبي ، رفعه ، إلى النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال : من آذى جاره طمعا في مسكنه ورثه الله داره ، وهو قوله :

__________________

(١) المجمع ٣ / ٣٠٧.

(٢ و ٣) من المصدر.

(٤) الفقيه ٣ / ١٦٠ ، ح ٧٠٣.

(٥) تفسير العياشي ٢ / ٢٢٢ ، ح ٦.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٥٢٧.

(٧) تفسير القمي ١ / ٣٦٨.

٣٨

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا ـ إلى قوله ـ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ ، وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ).

وفي مجمع البيان (١) : جاء في الحديث : من آذى جاره ورثه الله داره.

(ذلِكَ) : إشارة إلى الموحى به ، وهو إهلاك الظّالمين وإسكان المؤمنين.

(لِمَنْ خافَ مَقامِي) : موقفي ، وهو الموقف الّذي يقيم فيه العباد للحكومة يوم القيامة. أو قيامي عليه وحفظي لأعماله.

وقيل (٢) : المقام مقحم.

(وَخافَ وَعِيدِ) (١٤) : أي : وعيدي بالعذاب. أو عذابي الموعود للكفّار.

وفي كتاب جعفر بن محمّد الدّوريسي (٣) : عن ابن مسعود قال : لمّا نزلت هذه الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) تلاها رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ على أصحابه فخرّ فتى مغشيّا عليه ، فوضع النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ يده على فؤاده فوجده يكاد يخرج من مكانه.

فقال : يا فتى ، قل : لا إله إلّا الله. فتحرّك الفتى ، فقالها ، فبشّره النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ بالجنّة.

فقال القوم : يا رسول الله ، من بيننا؟

فقال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : أما سمعتم الله يقول : (ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ).

(وَاسْتَفْتَحُوا) : سألوا من الله الفتح على أعدائهم. أو القضاء بينهم وبين أعدائهم ، من الفتاحة بمعنى : الحكومة ، كقوله : (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِ).

وهو معطوف على «فأوحى» والضّمير للأنبياء.

وقيل (٤) : للفريقين.

وقيل (٥) : للكفرة ، فإنّ كلّهم سألوه أن ينصر المحقّ ويهلك المبطل.

وقرئ (٦) ، بلفظ الأمر ، عطفا على «لنهلكنّ».

(وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) (١٥) ، أي : ففتح لهم فأفلح المؤمنون ، وخاب كلّ

__________________

(١) المجمع ٣ / ٣٠٨.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٥٢٧.

(٣) نور الثقلين ٢ / ٥٣٠ ، ح ٣٥.

(٤ و ٥ و ٦) أنوار التنزيل ١ / ٥٢٧.

٣٩

عات متكبّر على الله معاند للحقّ فلم يفلح. ومعنى الخيبة إذا كان الاستفتاح من الكفرة أو من القبيلين كان أوقع (١).

وفي روضة الكافي (٢) : عدّة من أصحابنا ، سهل بن زياد ، عن محمّد بن سليمان ، عن أبيه ، عن أبي بصير قال : بينا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ذات يوم جالسا إذ أقبل أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ.

فقال له رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : إنّ فيك شبها من عيسى بن مريم ، ولولا أن يقول فيك طوائف من أمّتي ، ما قالت النّصارى في عيسى بن مريم ، لقلت فيك قولا لا تمرّ بملإ من النّاس إلّا أخذوا التّراب من تحت قدميك ، يلتمسون بذلك البركة.

قال : فغضب الأعرابيّان والمغيرة بن شعبة وعدّة من قريش معهم ، فقالوا : ما رضي أن يضرب لابن عمّه مثلا إلّا عيسى بن مريم.

فأنزل الله على نبيّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ : (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ ، وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ، إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ ، وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ) ، يعني : من بني هاشم (مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ).

قال : فغضب الحارث بن عمرو الفهريّ ، فقال : (اللهُمَّ ، إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ) أنّ بني هاشم يتوارثون هرقلا بعد هرقل (٣) (فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ).

فأنزل الله عليه مقالة الحارث ، ونزلت هذه الآية (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ). ثمّ قال له : يا [ابن] (٤) عمرو ، إمّا تبت وإمّا رحلت.

فقال : يا محمّد ، تجعل لسائر قريش ممّا في يدك (٥) فقد ذهبت بنو هاشم بمكرمة العرب والعجم.

__________________

(١) لأنّ تحصيل نقيض ما ادّعوه أشدّ في الخيبة والخسران.

(٢) الكافي ٨ / ٥٧ ـ ٥٨ ، ح ١٨.

(٣) هرقل : اسم ملك الروم أراد أنّ بني هاشم يتوارثون ملكا بعد ملك.

(٤) من المصدر.

(٥) المصدر : يديك.

٤٠