تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٧

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٧

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

ويفسح (١) له في قبره تسعة أذرع ، ويرى مقعده من الجنّة ، وهو قول الله : (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ).

وإن كان كافرا ، قالوا : من (٢) هذا الرّجل الّذي كان بين ظهرانيكم ، يقول : إنّه رسول الله؟

فيقول : ما أدري. فيخلّى بينه وبين الشّيطان.

عن محمّد بن مسلم (٣) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : إذا وضع (٤) الرّجل في قبره أتاه ملكان : ملك عن يمينه وملك عن شماله ، وأقيم الشّيطان بين يديه (٥) عيناه من نحاس.

فيقال له : كيف تقول في هذا الرّجل الّذي خرج بين ظهرانيكم؟

قال : فيفزع لذلك ، فيقول إن كان مؤمنا : عن محمّد تسألان؟

فيقولان له عند ذلك : نم نومة لا حلم فيها. ويفسح (٦) له في قبره سبعة (٧) أذرع ، ويرى مقعده من الجنّة.

وإن كان كافرا قيل له : ما تقول : في هذا الرّجل الّذي [خرج] (٨) بين ظهرانيكم؟

فيقول : ما أدري. ويخلّى بينه وبين الشّيطان ، ويضرب بمرزبة من حديد (٩) يسمع صوته كلّ شيء ، وهو قول الله : (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ).

وفي عيون الأخبار (١٠) : عن محمّد بن سنان قال : دخلت على أبي الحسن ـ عليه السّلام ـ قبل أن يحمل إلى العراق بسنة ، وعليّ ، ابنه ـ عليه السّلام ـ بين يديه.

فقال لي (١١) : يا محمّد.

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : ويفتح.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : ما.

(٣) تفسير العياشي ٢ / ٢٢٧ ، ح ١٩.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : وقع.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : يده.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : يفتح.

(٧) بعض نسخ المصدر : خمسة.

(٨) من المصدر.

(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : خدّيه.

(١٠) العيون ١ / ٢٦ ـ ٢٧ ، ح ٢٩.

(١١) كذا في المصدر. وفي النسخ : «فيقال» بدل «فقال لي».

٦١

قلت : لبّيك.

قال : إنّه سيكون في هذه السّنة حركة فلا تجزع منها. ثمّ أطرق ونكت بيده بالأرض (١) ، ورفع رأسه إليّ وهو يقول : (وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ).

قلت : وما ذاك ، جعلت فداك؟

قال : من ظلم ابني هذا حقّه وجحد إمامته من بعدي كان ، كمن ظلم عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ حقّه وجحد إمامته من [بعد] (٢) محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وبإسناده إلى الرّيّان بن الصّلت (٣) قال سمعت الرّضا ـ عليه السّلام ـ يقول : ما بعث الله ـ عزّ وجلّ ـ نبيّا إلّا بتحريم الخمر ، وأن يقرّ له بإنّ الله يفعل ما يشاء ، وأن يكون من تراثه الكندر (٤).

وفي كتاب التّوحيد (٥) ، بإسناده إلى عبد الله بن الفضل الهاشميّ قال : سألت أبا عبد الله ، جعفر بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً).

فقال : إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ يضلّ الله (٦) الظّالمين يوم القيامة عن دار كرامته ، ويهدي أهل الإيمان والعمل الصّالح إلى جنّته ، كما قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ) ، وقال ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ).

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً) ، أي : شكر نعمته كفرا ، بأن وضعوه مكانه. أو بدّلوا نفس النّعمة كفرا ، فإنّهم لمّا كفروها سلبت منهم ، فصاروا تاريكن لها محصّلين للكفر بدلها.

(وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ) : الّذين تابعوهم في الكفر.

(دارَ الْبَوارِ) (٢٨) : دار الهلاك بحملهم على الكفر.

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : إلى الأرض.

(٢) من المصدر.

(٣) العيون ٢ / ١٤ ، ح ٣٣.

(٤) الكندر : اللّبان ، وهو نبات من الفصيلة البخوريّة يفرز صمغا.

(٥) التوحيد / ٢٤١ ، ح ١ ، ونور الثقلين ٢ / ٥٤٢ ، ح ٧٨.

(٦) ليس في نور الثقلين.

٦٢

(جَهَنَّمَ) : عطف بيان لها.

(يَصْلَوْنَها) : حال منها. أو من القوم ، أي : داخلين فيها مقاسين لحرّها. أو مفسّر لفعل مقدّر ناصب لجهنّم.

(وَبِئْسَ الْقَرارُ) (٢٩) ، أي : وبئس المقرّ جهنّم.

وفي أصول الكافي (١) : الحسين بن محمّد ، عن المعلّى بن محمّد ، عن بسطام بن مرّة ، عن إسحاق بن حسّان ، عن الهيثم بن واقد ، عن عليّ بن الحسين العبديّ ، عن سعد الإسكاف ، عن الأصبغ قال : قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : ما بال أقوام غيّروا سنّة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وعدلوا عن وصيّه ، لا يتخوّفون أن ينزل بهم العذاب.

ثمّ تلا هذه الآية [(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ جَهَنَّمَ)] (٢) ثمّ قال : نحن النّعمة التي أنعم الله بها على عباده ، وبنا يفوز من فاز يوم القيامة.

الحسين بن محمّد (٣) ، عن معلّى بن محمّد [محمد] (٤) بن أورمة ، عن علي بن حسّان ، عن عبد الرّحمن بن كثير قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ) (الآية).

قال : عنى بها : قريشا قاطبة ، الّذين عادوا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ونصبوا له الحرب ، وجحدوا وصيّه (٥).

وفي روضة الكافي (٦) : الحسين بن محمّد الأشعريّ ، عن معلّى بن محمّد ، عن الوشّاء ، عن أبان بن عثمان ، عن الحرث النّصريّ قال : سألت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً).

قال : ما يقولون (٧) في ذلك؟

قلت : يقولون (٨) : هم الأفجران من قريش ، بنو أميّة ، وبنو المغيرة.

قال : ثمّ قال : هي ، والله ، قريش قاطبة ، إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ خاطب نبيّه

__________________

(١) الكافي ١ / ٢١٧ ، ح ١.

(٢) من المصدر.

(٣) الكافي ١ / ٢١٧ ، ح ٤.

(٤) من المصدر.

(٥) المصدر : وجحدوا وصيّة وصيّه.

(٦) الكافي ٨ / ١٠٣ ، ح ٧٧.

(٧) المصدر : تقولون.

(٨) المصدر : نقول.

٦٣

ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال : إنّي فضّلت قريشا على العرب ، وأتممت عليهم نعمتي ، وبعثت إليهم رسولا (١) «فبدلوا نعمتي كفرا وأحلّوا قومهم دار البوار».

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : حدّثني أبي ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن عثمان بن عيسى ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن هذه الآية.

قال : نزلت في الأفجرين من قريش (٣) ، بني أميّة ، وبني المغيرة. فأمّا بنو المغيرة فقطع الله دابرهم يوم بدر ، وأمّا بنو أميّة فمتّعوا إلى حين.

ثمّ قال : ونحن ، والله ، نعمة الله الّتي أنعم بها على عباده ، وبنا يفوز من فاز.

حدّثني أبي (٤) ، عن إسحاق بن الهيثم ، عن سعد بن ظريف ، عن الأصبغ بن نباتة ، عن عليّ ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : إنّ الشّجر لم يزل حصيدا كلّه حتّى دعي للرّحمن ولد ، [عزّ الرحمن و] (٥) جلّ أن يكون له ولد فكادت السّموات يتفطّرن منه وتنشقّ الأرض وتخرّ الجبال هدّا ، فعند ذلك اقشعرّ الشّجر وصار له شوك حذار أن ينزل به العذاب ، فما بال أقوام (٦) غيّروا سنّة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. وذكر إلى آخر ما نقلت عن أصول الكافي سواء.

وفي تفسير العيّاشي (٧) : عن الأصبغ بن نباتة قال : قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في هذه الآية : نحن نعمة الله الّتي أنعم الله (٨) بها على العباد.

وفي رواية زيد الشّحّام (٩) ، عنه ـ عليه السّلام ـ قال : قلت له : بلغني أنّ أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ سئل عنها ، فقال : عني بذلك : الأفجران من قريش ، أميّة ومخزوم. أمّا مخزوم فقتلها الله يوم بدر ، وأمّا أميّة فمتّعوا إلى حين.

فقال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : عنى الله ، والله ، بها : قريشا قاطبة ، الّذين عادوا الله ونصبوا له الحرب.

عن ذريح (١٠) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سمعته يقول : جاء ابن الكوّاء

__________________

(١) المصدر : رسولي.

(٢) تفسير القمّي ١ / ٣٧١.

(٣) المصدر : زيادة «ومن».

(٤) تفسير القمّي ١ / ٨٥ ـ ٨٦.

(٥) من المصدر.

(٦) المصدر : قوم.

(٧) تفسير العياشي ٢ / ٢٢٩ ، ح ٢٤.

(٨) يوجد في أ ، ب.

(٩) نفس المصدر والموضع ، ح ٢٣.

(١٠) تفسير العياشي ٢ / ٢٢٩ ، ح ٢٥.

٦٤

إلى أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ فسأله عن قول الله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ ، جَهَنَّمَ).

قال : تلك (١) قريش بدّلوا نعمة الله كفرا ، وكذّبوا نبيّهم يوم بدر.

عن محمّد بن سابق بن طلحة الأنصاري (٢) قال (٣) : ممّا قال هارون لأبي الحسن ، موسى ـ عليه السّلام ـ حين ادخل عليه : ما هذه الدّار ، ودار من هي؟

قال : لشيعتنا فترة ، ولغيرهم فتنة.

قال : فما بال صاحب (٤) الدّار لا يأخذها؟

قال : أخذت منه عامرة ، ولا يأخذها إلّا معمورة.

فقال : أين شيعتك؟

فقرأ له أبو الحسن ـ عليه السّلام ـ : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ).

قال له : فنحن كفّار؟

قال : [لا] (٥) ولكن كما قال الله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ). فغضب عند ذلك وغلظ عليه.

عن مسلم (٦) المشوب (٧) ، عن عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ في قوله : (وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ) قال : هما الأفجران من قريش ، بنو أميّة وبنو المغيرة.

وفي مجمع البيان (٨) : واختلف في المعنى بالآية ، فعن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : [أنّهم كفّار قريش ، كذّبوا نبيّهم ونصبوا له الحرب والعداوة.

وسأل رجل أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ] (٩) عن هذه ، فقال : هما الأفجران من قريش ، بنو أميّة وبنو المغيرة. فأمّا بنو أميّة فمتّعوا إلى حين ، وأمّا بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر.

__________________

(١) أ ، ب ، ر : ذاك.

(٢) تفسير العياشي ٢ / ٢٣٠ ، ح ٢٦.

(٣) المصدر : كان.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : فما لصاحب.

(٥) من المصدر.

(٦) تفسير العياشي ٢ / ٢٣٠ ، ح ٢٨.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : المشوف.

(٨) المجمع ٣ / ٣١٤.

(٩) من المصدر.

٦٥

وروي (١) من طريق العامّة : أنّهما الأفجران من قريش ، بنو المغيرة وبنو أميّة. فأمّا بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر ، وأمّا بنو أميّة فمتّعوا حتّى حين.

فما ورد في أخبارنا موافقا لذلك محمول على وروده على موافقتهم ، مع أنّه بيان ، فإنّ بين إرادة جميع قريش وتخصيص الأفجرين في بعض الأخبار لاختصاصهم بالتّفضيل.

(وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ) : الّذي هو التّوحيد.

وقرأ (٢) ابن كثير وأبو عمرو ورويس ، عن يعقوب ، بفتح الياء.

وليس الضّلال ولا الإضلال غرضهم في اتّخاذ الأنداد ، لكن لمّا كان نتيجته جعل ذلك كالغرض.

(قُلْ تَمَتَّعُوا) : بشهواتكم. أو بعبادة الأوثان ، فإنّها من قبيل الشّهوات الّتي يتمتّع بها.

وفي التّهديد بصيغة الأمر إيذان بأنّ المهدّد عليه كالمطلوب لإفضائه إلى المهدّد به ، وأنّ الأمرين كائنان لا محالة ، ولذلك علّله بقوله : (فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ) (٣٠) : وأنّ المخاطب لانهماكه فيه كالمأمور به من آمر مطاع.

(قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا) : خصّهم بالإضافة تنويها لهم ، وتنبيها على أنّهم المقيمون لحقوق العبوديّة.

ومفعول «قل» محذوف يدلّ عليه جوابه ، أي : قل لعبادي الّذين آمنوا أقيموا الصّلاة وأنفقوا (يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ) ، فيكون إيذانا بأنّهم لفرط مطاوعتهم الرّسول بحيث لا ينفكّ فعلهم عن أمره ، وأنّه كالسّبب الموجب له.

ويجوز أن يقدّر بلام الأمر ، ليصحّ تعلّق القول بهما (٣). وإنّما حسن ذلك هاهنا ولم يحسن في قوله :

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٣١.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٥٣١.

(٣) المراد من «تعلّق القول بهما» أن يكونا مقول القول ، فيكونا مثل قوله ـ تعالى ـ : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ) بقراءة الياء على الغيبة فيكون المعنى على أن يحكي أمر الله لهم بإقامة الصّلاة.

وعبارة الكشّاف : وجوّزوا أن يكون (يُقِيمُوا) ...

(وَيُنْفِقُوا) بمعنى : ليقيموا ... فيكون هذا هو المقول. وإنّما جاز حذف اللّام لأنّ الأمر الذي هو «قل» عوض عنه.

٦٦

محمّد تفد نفسك كلّ نفس

إذا ما خفت من أمر تبالا

لدلالة «قل» عليه.

وقيل (١) : هما جوابا أقيموا ، وأنفقوا مقامين مقامهما. وهو ضعيف (٢) ، لأنّه لا بدّ من مخالفة ما بين الشّرط وجوابه ، ولأنّ أمر المواجهة لا يجاب بلفظ الغيبة إذا كان الفاعل واحدا.

(سِرًّا وَعَلانِيَةً) : منتصبان على المصدر ، أي : إنفاق سرّ وعلانية. أو على الحال ، أي : ذوي سرّ وعلانية. أو على الظّرف ، أي : وقتي سرّ وعلانية.

وفي تفسير العيّاشي (٣) : عن زرعة ، عن سماعة قال : إنّ الله فرض للفقراء في مال الأغنياء فريضة لا يحمدون بأدائها وهي الزّكاة ، بها (٤) حقنوا دماءهم وبها سمّوا مسلمين ، ولكنّ الله فرض في الأموال [حقوقا] (٥) غير الزّكاة ، وقد قال الله ـ تبارك وتعالى ـ : (وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً).

(مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ) : فيبتاع المقصّر ما يتدارك به تقصيره ، أو يفدي به نفسه.

(وَلا خِلالٌ) (٣١) : ولا مخالّة ، فيشفع لك خليل.

قيل (٦) : أو من قبل أن يأتي يوم لا انتفاع فيه بمبايعة ولا مخالّة (٧) ، وإنّما ينتفع فيه بالإنفاق لوجه الله.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٨) : أي : لا صداقة.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٣١.

(٢) إذ لو كانا جوابي «أقيموا» و «أنفقوا» لكان المعنى : أقيموا الصّلاة ان تقيموا الصّلاة يقيموا وينفقوا ، فلزم الأمران المذكوران ، أحدهما اتّحاد الشّرط والجزاء ، والثاني أن يكون الشرط بصيغة الغيبة. فعلم ممّا ذكر أن يقيموا الصلاة ... الخ جواب «لقل» ، أي : قل لهم : أقيموا ، أو لتقل لهم : أقيموا يقيموا.

(٣) تفسير العياشي ٢ / ٢٣٠ ، ح ٢٩.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : منها.

(٥) من المصدر.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٥٣١.

(٧) أي : كما في المبايعة والمخالّة الواقعين في الدنيا.

(٨) تفسير القمّي ١ / ٣٧١.

٦٧

وقرا (١) ابن كثير وابو عمرو ويعقوب ، بالفتح ، فيهما على النّفي العام.

(اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) : مبتدأ وخبره.

(وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ) : تعيشون به ، وهو يشمل المطعوم والملبوس ، مفعول «لأخرج» و «من الثّمرات» بيان له وحال منه قدّم عليه لتنكيره ، ويحتمل عكس ذلك (٢).

ويجوز أن يراد به المصدر ، فينتصب بالعلّة ، قيل (٣) : أو المصدر (٤) ، لأنّ «أخرج» في معنى : رزق.

(وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ) : بمشيئته إلى حيث توجّهتم.

(وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ) (٣٢) : فجعلها معدّة لانتفاعكم وتصرّفكم.

وقيل (٥) : تسخير هذه الأشياء تعليم كيفيّة اتّخاذها.

والحمل على العموم أولى.

(وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ) : يد أبان في سيرهما وإنارتهما ، وإصلاح ما يصلحانه من المكوّنات.

وفي نهج البلاغة (٦) : قال ـ عليه السّلام ـ : والشّمس والقمر دائبان (٧) في مرضاته ، يبليان كلّ جديد ويقرّبان كلّ بعيد (٨).

(وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) (٣٣) : يتعاقبان لسباتكم ومعاشكم.

(وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ) قيل (٩) : أي : بعض جميع ما سألتموه ، يعني : من كلّ شيء سألتموه شيئا ، فإنّ الموجود من كلّ صنف بعض ما في قدرة الله.

ولعلّ المراد «بما سألتموه» : ما كان حقيقا بأن يسأل ، لاحتياج النّاس إليه ، سئل أو لم يسأل.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٣١.

(٢) بأن يكون «من الثمرات» بمعنى : بعض الثمرات مفعولة ، و «رزقا» حالا.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٢.

(٤) أي : فينتصب بالعلّة أو المصدر.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٢.

(٦) النهج / ١٢٣ ، الخطبة ٩٠.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : دائبين.

(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : بعد.

(٩) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٢.

٦٨

و «ما» يحتمل أن تكون موصولة وموصوفة ، ومصدريّة ويكون المصدر بمعنى المفعول (١).

ويجوز أن تكون «ما» نافية في موقع الحال ، أي : وآتاكم من كلّ شيء غير سائليه.

ويؤيّده (٢) ما رواه العيّاشي (٣) : عن حسين بن هارون ، شيخ من أصحاب أبي جعفر ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : سمعته يقرأ هذه الآية (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ).

قال : ثمّ قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : الثّوب و (٤) الشّيء لم تسأله إيّاه أعطاك.

وفي مجمع البيان (٥) : قرأ محمّد بن عليّ الباقر وجعفر بن محمّد الصّادق ـ عليهما السّلام ـ : (مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ) بالتّنوين.

(وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها) : لا تحصروها ولا تطيقوا عدّ أنواعها ، فضلا عن أفرادها ، فإنّها غير متناهية.

وقيل (٦) : فيه دليل على أنّ المفرد يفيد الاستغراق بالإضافة (٧).

وفيه نظر ، لجواز استفادة الاستغراق من قرينة الجواب ، لا من نفس الإضافة.

وفي روضة الكافي (٨) : عليّ بن محمّد ، عن بعض أصحابه ، رفعه قال : كان عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ إذا قرأ هذه الآية [(وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها]) (٩) يقول : سبحان من لم يجعل في أحد من معرفة نعمه إلّا المعرفة بالتّقصير عن معرفتها ، كما لم يجعل في أحد من معرفة إدراكه أكثر من العلم أنّه لا يدركه ، شكر ـ جلّ وعزّ ـ معرفة

__________________

(١) فعلى الأوّل : وآتاكم من كلّ الذي سألتموه. وعلى الثاني المعنى : آتاكم من كلّ سؤلكم ، أي : مسؤولكم.

(٢) أي : ويؤيّد جواز أن يكون «ما» نافية ... الخ.

(٣) تفسير العياشي ٢ / ٢٣٠ ، ح ٣٠.

(٤) المصدر : «هو» بدل «و».

(٥) المجمع ٣ / ٣١٥.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٢.

(٧) فيه نظر ، لأنّ هذا يفهم بسبب الحكم بعدم الإحصاء ، فهيهنا شيء يدلّ على عمومه معنى لا أنّه يحصل من مجرّد الإضافة.

(٨) الكافي ٨ / ٣٩٤ ، ح ٥٩٢.

(٩) من المصدر.

٦٩

العارفين بالتّقصير عن معرفة (١) شكره ، فجعل معرفتهم بالتّقصير شكرا ، كما علم علم العالمين أنّهم لا يدركونه فجعله إيمانا ، علما منه أنّه قد وسع العباد فلا يتجاوز ذلك ، فإن شيئا من خلقه لا يبلغ مدى عبادته ، وكيف يبلغ مدى عبادته من لا مدى له ولا كيف؟! تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.

وفي تهذيب الأحكام (٢) : سعد بن عبد الله ، عن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن سنان ، عن أبي إسماعيل القمّاط ، عن بشّار ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : من كان معسرا ، فلم يتهيّأ له حجّة الإسلام ، فليأت قبر أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ فليعرّف (٣) عنده ، فذلك يجزئه عن حجّة الإسلام. [أما إنّي لا أقول يجزئ ذلك عن حجّة الإسلام] (٤) إلّا المعسر ، فأمّا الموسر إذا كان قد حجّ حجّة الإسلام ، فأراد أن يتنفّل بالحجّ والعمرة فمنعه من ذلك شغل دنياه أو عائق فأتى الحسين بن عليّ ـ عليه السّلام ـ في يوم عرفة ، أجزأه ذلك عن أداء حجّته وعمرته ، وضاعف الله له بذلك أضعافا مضاعفة.

قلت : كم تعدل حجّة ، وكم تعدل عمرة؟

قال : لا يحصى ذلك.

قلت : مائة؟

قال : ومن يحصي ذلك؟

قلت : ألف؟

قال : وأكثر.

ثمّ قال : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها).

(إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ) : يظلم النّعمة بإغفال شكرها. أو بظلم نفسه ، بأن يعرّضها للحرمان.

(كَفَّارٌ) (٣٤) : شديد الكفران.

وقيل (٥) : ظلوم في الشّدّة يشكو ويجزع ، كفّار في النّعمة يجمع ويمنع.

(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ) : بلد مكّة.

__________________

(١) ليس في أ ، ر.

(٢) التهذيب ٦ / ٥٠ ، ح ١١٤.

(٣) من عرّف الحجّاج : إذا وقفوا بعرفات.

(٤) ليس في ب.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٢.

٧٠

(آمِناً) : ذا أمن لمن فيها.

قيل (١) : والفرق بينه وبين قوله : (اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً) أنّ المسئول في الأوّل إزالة الخوف عنه وتصييره آمنا ، وفي الثّاني جعله من البلاد الآمنة (٢).

(وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَ) : بعّدني وإيّاهم (أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) (٣٥) ، واجعلنا منها في جانب.

وقرئ (٣) : «وأجنبني» وهما على لغة نجد. وأمّا أهل الحجاز فيقولون : جنّبني شرّه.

قال البيضاويّ : وهو بظاهره لا يتناول أحفاده وجميع ذرّيّته ، وزعم ابن عينية أنّ أولاد إسماعيل ـ عليه السّلام ـ لم يعبدوا الصّنم محتجّا به ، وإنّما كانت لهم حجارة يدورون بها ويسمّونها : الدّوّار ، ويقولون : البيت حجر ، فحيث ما نصبنا حجرا فهو بمنزلته.

ويؤيّد قول ابن عينية ما رواه العيّاشي (٤) ، عن الزّهري قال : أتى رجل أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ فسأله عن شيء ، فلم يجبه.

فقال له الرّجل : فإن كنت ابن أبيك فإنّك من أبناء (٥) عبدة الأصنام.

فقال له : كذبت ، إنّ الله أمر إبراهيم أن ينزل إسماعيل بمكّة ، ففعل ، فقال إبراهيم : (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) فلم يعبد أحد من ولد إسماعيل صنما ، ولكنّ العرب عبدة الأصنام ، وقالت بنو إسماعيل : هؤلاء شفاؤنا [عند الله] (٦). فكفرت ، ولم تعبد الأصنام.

وما رواه الطّبرسيّ في كتاب الاحتجاج (٧) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ من حديث طويل ، وفيه يقول ـ عليه السّلام ـ : قد حظر على من مسّه (٨) الكفر تقلّد ما فوضّه إلى

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٢.

(٢) أي : قوله ـ تعالى ـ : (اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً) يدلّ على أنّه سأل جعله بلدا ذا أمن ، لأنّ البلد مفعول «يجعل» وقوله ـ تعالى ـ : (اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً) يدلّ على أنّه سأل جعله ذا أمن لا جعله بلدا.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٢.

(٤) تفسير العياشي ٢ / ٢٣٠ ، ح ٣١.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : ابن.

(٦) من المصدر.

(٧) الإحتجاج ١ / ٢٥١.

(٨) المصدر : ماسّه.

٧١

أنبيائه وأوليائه ، بقوله (١) لإبراهيم : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) ، أي : المشركين. لأنّه سمّى الشّرك ظلما بقوله : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ). فلمّا علم إبراهيم ـ عليه السّلام ـ أنّ عهد الله ـ تبارك وتعالى ـ بالإمامة لا ينال عبدة الأصنام قال : (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ).

وما يتراءى من الحديث الأوّل «من أنّ بني إسماعيل كفرت بقولهم : هؤلاء شفعاؤنا. من المنافاة لما هو مشهور ، والمجمع عليه من أنّ آباء الأنبياء كانوا مؤمنين» فمدفوع بأنّ قول بني إسماعيل ذلك لا يستلزم أن يكون كلّ أحد منهم قائلا ، وهو محمول على أنّ القائل غير أب النّبيّ ، فلا منافاة.

وفي أمالي شيخ الطّائفة ـ قدّس سرّه (٢) ـ بإسناده إلى عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : أنا دعوة أبي إبراهيم.

قلنا : يا رسول الله ، وكيف صرت دعوة أبيك إبراهيم؟

قال : أوحى الله ـ عزّ وجلّ ـ إلى إبراهيم : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) فاستخفّ إبراهيم الفرح.

فقال : يا ربّ ، (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) أئمّة مثلي؟

فأوحى الله ـ عزّ وجلّ ـ : أن يا إبراهيم ، إنّي لا أعطيك عهدا لا أوفي لك به.

قال : يا ربّ ، ما العهد الّذي لا تفي لي به؟

قال : لا أعطيك لظالم من ذرّيّتك.

قال : يا ربّ ، ومن الظّالم من ولدي الّذي لا ينال عهدك؟

قال : من سجد لصنم من دوني لا أجعله إماما أبدا ، ولا يصحّ أن يكون إماما.

قال إبراهيم : (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ ، رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ).

قال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : فانتهت الدّعوة إليّ وإلى أخي ، لم يسجد أحد منّا لصنم قطّ ، فاتّخذني الله نبيّا وعليّا وصيّا.

(رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ) : صرن سببا لإضلالهم ، كقوله : (وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا).

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : يقول.

(٢) أمالي الشيخ ١ / ٣٨٨.

٧٢

(فَمَنْ تَبِعَنِي) : على ديني.

(فَإِنَّهُ مِنِّي) ، أي : بعضي ، لا ينفكّ عنّي في أمر الدّين.

(وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٣٦) : تقدر أن تغفر له وترحمه.

وفي روضة الكافي (١) : ابن محبوب ، عن عبد الله بن غالب ، عن أبيه ، عن سعيد (٢) بن المسيّب قال : سمعت عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ يقول : إنّ رجلا جاء إلى أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ فقال : أخبرني ، إن كنت عالما ، عن النّاس وعن أشباه النّاس وعن النّسناس.

فقال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : يا حسين ، أجب الرّجل.

فقال الحسين ـ عليه السّلام ـ : أمّا قولك : «أشباه النّاس» فهم شيعتنا وهم موالينا وهم منّا ، ولذلك قال إبراهيم ـ عليه السّلام ـ : (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي).

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي كتاب الاحتجاج للطّبرسيّ ـ رحمه الله (٣) ـ : خطبة لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وفيها : قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُ). وقال ـ عزّ وجلّ ـ : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) فنحن أولى النّاس بإبراهيم ، ونحن ورثناه ، ونحن أولوا الأرحام الّذين ورثنا الكعبة ، ونحن آل إبراهيم ، أفترغبون عن ملّة إبراهيم وقد قال الله ـ تعالى ـ : (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي)؟

وفي أمالي شيخ الطّائفة ـ قدّس سرّه (٤) ـ بإسناده إلى عمر بن يزيد [قال : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : يا ابن يزيد] (٥) : أنت ، والله ، منّا أهل البيت.

قلت : جعلت فداك ، من آل محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ؟

قال : إي ، والله ، من أنفسهم.

قلت : من أنفسهم ، جعلت فداك (٦)؟

قال : إي ، والله ، من أنفسهم. يا عمر ، أما تقرأ كتاب الله ـ عزّ وجلّ ـ :

__________________

(١) الكافي ٨ / ٢٤٤ ، ح ٣٣٩.

(٢) أ ، ب ، ر : سعد.

(٣) الإحتجاج ١ / ١٦٠.

(٤) أمالي الشيخ ١ / ٤٤. ونور الثقلين ٢ / ٥٤٧ ، ح ١٠١.

(٥) من نور الثقلين.

(٦) ليس في المتن ، ر. والظاهر أنه زائد. هنا زيادة في النسخ. وهي : من آل محمد.

٧٣

(إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) او ما تقرأ قول الله ـ عزّ اسمه ـ : (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)؟

وفي تفسير العيّاشي (١) : عن أبي عبيدة ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : من أحبّنا فهو منّا ، أهل البيت.

قلت : جعلت فداك ، منكم؟

قال : منّا ، والله. أما سمعت قول إبراهيم ـ عليه السّلام ـ : (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي)؟

عن محمّد الحلبّي (٢) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : من اتّقى الله منكم وأصلح فهو منّا ، من (٣) أهل البيت.

قال : منكم ، أهل البيت؟

قال : منّا ، أهل البيت. قال فيها إبراهيم : (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي).

قال عمر بن يزيد : قلت له : من آل محمّد؟

قال : إي والله من آل محمّد ، و (٤) إي والله [من آل محمّد] (٥) من أنفسهم. أما تسمع الله يقول : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ). وقول إبراهيم : (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي).

عن أبي عمير الزّبيريّ (٦) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : من تولّى الله محمّد وقدّمهم على جميع النّاس بما قدّمهم من قرابة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ، فهو من آل محمد بمنزلة (٧) آل محمّد ، لا أنّه من القوم بأعيناهم. وإنّما هو منهم بتولّيه إليهم واتّباعه إيّاهم ، وكذلك حكم الله في كتابه : (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) (٨). وقول إبراهيم : (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

(رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي) ، أي : بعض ذرّيّتي. أو ذرّيّة من ذرّيّتي ،

__________________

قال : أي والله من أنفسهم ـ جعلت فداك ـ.

(١) تفسير العياشي ٢ / ٢٣١ ، ح ٣٢.

(٢) نفس المصدر والموضع ، ح ٣٣.

(٣) ليس في المصدر.

(٤ و ٥) ليس في المصدر.

(٦) تفسير العياشي ٢ / ٢٣١ ، ح ٣٤.

(٧) المصدر : «لتوليه» بدل «بمنزلة».

(٨) المائدة / ٥١.

٧٤

فحذف المفعول ، وهم إسماعيل ومن ولد منه ، فإنّ إسكانه متضمّن لإسكانهم.

في تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : حدّثني أبي ، عن حنان ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : نحن ، والله ، بقيّة تلك العترة وفي تفسير العيّاشي (٢) : عنه ـ عليه السّلام ـ قال : نحن هم ، ونحن بقيّة تلك الذّرّيّة.

(بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ) ، يعني : وادي مكّة ، فإنّها حجريّة لا تنبت.

(عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ) : الّذي حرّمت التّعرّض له والتّهاون به. أو لم يزل معظّما ممنعا يهابه الجبابرة. أو منع منه الطّوفان فلم يستول عليه ، ولذلك سمّي عتيقا ، أي : أعتق منه.

(رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ).

«اللّام» لام «كي» وهي متعلّقة «بأسكنت» ، أي : ما أسكنتهم بهذا الوادي البلقع من كلّ مرتفق ومرتزق إلّا لإقامة الصّلاة عند بيتك المحرّم. وتكرير النّداء وتوسيطه (٣) للإشعار بأنّها المقصودة بالذّات من إسكانهم ثمّة ، والمقصود من الدّعاء توفيقهم لها.

وقيل (٤) : لام الأمر ، والمراد هو الدّعاء لهم بإقامة الصّلاة ، كأنّه طلب منهم الإقامة وسأل من الله ـ تعالى ـ أن يوفّقهم لها.

(فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ) ، أي : أفئدة من أفئدة النّاس.

و «من» للتّبعيض ، ولذلك قيل (٥) : لو قال : أفئدة النّاس ، لازدحمت عليهم عليهم فارس والرّوم ، ولحجّت اليهود والنّصارى. أو للابتداء ، كقولك : القلب منّي سقيم ، أي أفئدة النّاس.

وقرئ (٦) : «آفدة» وهو يحتمل أن يكون مقلوب أفئدة كآدر ، في أدؤر. وأن يكون

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ٣٧١.

(٢) تفسير العياشي ٢ / ٢٣١ ، ح ٣٥.

(٣) أي : إيراد لفظ «ربّنا» على «ليقيموا الصلاة» دل على ان مجرد الإقامة مقصود بالذّات دون الإسكان بخلاف ما لو لم تكرّر. والظاهر أنّه لو لم يكرّر ولم يوسّط لدلّ الكلام على ذلك ، لكن حصل من التكرار قوة الدّلالة.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٣.

(٥ و ٦) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٣.

٧٥

اسم فاعل ، من أفدت الرّحلة (١) : إذا عجّلت ، أي جماعة يعجلون. و «أفدة» (٢) بطرح الهمزة للتّخفيف.

(تَهْوِي إِلَيْهِمْ) : تسرع إليهم شوقا وودادا.

وقرئ (٣) : «تهوى» على البناء للمفعول ، من أهوى إليه غيره. وتهوى.

وفي كتاب الاحتجاج (٤) للطبرسيّ ـ رحمه الله ـ : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : والأفئدة من النّاس تهوي إلينا (٥) ، وذلك دعوة إبراهيم حيث قال : (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ).

وفي بصائر الدّرجات (٦) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ في حديث : وجعل (٧) أفئدة من النّاس تهوى إلينا.

من هوي يهوى : إذا أحبّ. وتعديته «بإلى» لتضمنه (٨) معنى النّزوع.

ونسبها في الجوامع (٩) إلى أهل البيت ـ عليهم السّلام ـ.

(وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ) : مع سكناهم واديا لا نبات فيه.

(لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) (٣٧) : تلك النّعمة. فأجاب الله دعوته ، فجعله حرما آمنا يجيء إليه ثمرات كلّ شيء ، حتّى توجد فيه الفواكه الرّبيعيّة والصّيفيّة والخريفيّة والشّتائيّة في يوم واحد.

في تفسير عليّ بن إبراهيم (١٠) : حدّثني أبي ، عن النّضر بن سويد ، عن هشام ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ إبراهيم ـ عليه السّلام ـ كان نازلا في بادية الشّام.

فلمّا ولد له من هاجر إسماعيل اغتمّت سارة من ذلك غمّا شديدا ، لأنّه لم يكن له منها ولد ، و (١١) كانت تؤذي إبراهيم في هاجر وتغمّه. فشكى إبراهيم ـ عليه السّلام ـ ذلك إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ.

__________________

(١) ب : الرحل.

(٢) أي : وقرئ : «أفدة».

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٣.

(٤) الإحتجاج ١ / ١٦٠.

(٥) أ ، ب ، ر : إليها.

(٦) البصائر / ١٤٩ ، ح ٢.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : واجعل.

(٨) كذا في أنوار التنزيل ١ / ٥٣٣.

(٩) الجوامع / ٢٣٤.

(١٠) تفسير القمّي ١ / ٦٠ ـ ٦١.

(١١) ليس في المصدر.

٧٦

فأوحى الله إليه : إنّما مثل المرأة مثل الضّلع العوجاء ، إن تركتها استمتعت (١) بها ، وإن أقمتها كسرتها. ثمّ أمره أن يخرج إسماعيل وأمّه عنها (٢).

فقال : يا ربّ ، إلى أيّ مكان؟

قال : إلى حرمي وأمني ، وأوّل بقعة خلقتها من الأرض ، وهي مكّة.

فأنزل الله عليه جبرئيل ـ عليه السّلام ـ بالبراق ، فحمل هاجر وإسماعيل وإبراهيم ـ عليه السّلام ـ عليها (٣) ، وكان إبراهيم لا يمرّ بموضع حسن فيه شجر ونخل وزرع إلّا (٤) وقال : يا جبرئيل ، إلى هاهنا إلى هاهنا؟ فيقول جبرئيل ـ عليه السّلام ـ : لا ، امض امض.

حتّى وافى (٥) مكّة ، فوضعه في موضع البيت.

وقد كان إبراهيم ـ عليه السّلام ـ عاهد سارة ألّا ينزل حتّى يرجع إليها. فلمّا نزلوا في ذلك المكان كان فيه شجرة ، فألقت هاجر على (٦) ذلك الشّجر كساء كان معها ، فاستظلّوا تحته.

فلمّا سرّحهم إبراهيم ووضعهم وأراد الانصراف منهم إلى سارة ، قالت له هاجر : يا إبراهيم ، لم تدعنا في موضع ليس فيه أنيس ولا ماء ولا زرع؟

فقال إبراهيم : الله ، الّذي أمرني أن أضعكم في هذا المكان ، حاضر عليكم.

ثمّ انصرف عنهم. فلمّا بلغ كداء (٧) ، وهو جبل بذي طوى ، التفت إليهم إبراهيم فقال : (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ) (الآية). ثمّ مضى وبقيت هاجر.

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة ، وقد مضى تمامه في سورة البقرة.

وفي تفسير العيّاشي (٨) : عن الفضل بن موسى الكاتب ، عن أبي الحسن ، موسى جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ إبراهيم ـ صلوات الله عليه ـ لمّا أسكن إسماعيل ـ عليه السّلام ـ وهاجر مكّة ، وودّعهما لينصرف عنهما ، بكيا.

فقال لهما إبراهيم ـ عليه السّلام ـ : ما يبكيكما ، فقد خلّفتكما في أحبّ الأرض إلى الله وفي حرم الله؟

__________________

(١) المصدر : استمتعتها.

(٢) ليس في المصدر.

(٣ و ٤) ليس في المصدر.

(٥) المصدر : أتى.

(٦) ب : في.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : كدى.

(٨) تفسير العياشي ٢ / ٢٣٢ ، ح ٣٧.

٧٧

فقالت له هاجر : يا إبراهيم ، ما كنت أرى أنّ نبيّا مثلك يفعل ما فعلت.

قال : وما فعلت؟

قالت : إنّك خلّفت امرأة ضعيفة وغلاما ضعيفا لا حيلة لهما بلا أنيس من بشر ، ولا ماء يظهر ، لا زرع قد بلغ ، ولا ضرع يحلب.

قال : فرّق إبراهيم ودمعت عيناه عند ما سمع منها ، فأقبل حتّى انتهى إلى باب بيت الله الحرام فأخذ بعضادتي الكعبة ، ثمّ قال : (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي) (الآية).

قال أبو الحسن ـ عليه السّلام ـ : فأوحى الله إلى إبراهيم : أن اصعد أبا قبيس فناد في النّاس : يا معشر الخلائق ، إنّ الله يأمركم بحجّ هذا البيت الّذي بمكّة محرّما من استطاع إليه سبيلا فريضة من الله.

[قال :] (١) فمدّ الله لإبراهيم في صوته ، حتّى أسمع به أهل المشرق والمغرب ، وما بينهما من جميع ما قدّر الله وقضى في أصلاب الرّجال من النّطف ، وجميع ما قدّر الله وقضى في أرحام النّساء إلى يوم القيامة. فهناك [يا فضل] (٢) وجب الحجّ على جميع الخلائق والتّلبية من الحاجّ في أيّام الحجّ ، هي إجابة لنداء إبراهيم ـ عليه السّلام ـ يومئذ بالحجّ عن الله.

وفي أصول الكافي (٣) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ان أذينة ، عن الفضيل ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : أنّه (٤) نظر إلى النّاس يطوفون حول الكعبة ، فقال : هكذا كانوا يطوفون في الجاهليّة ، انّما أمروا أن يطّوّفوا بها ، ثمّ ينفروا إلينا فيعلمونا ولايتهم ومودّتهم ويعرضوا علينا نصرتهم. ثمّ قرأ هذه الآية : (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ).

وفي روضة الكافي (٥) : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن محمّد بن سنان ، عن زيد الشّحّام قال : قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ لقتادة (٦) : من

__________________

(١ و ٢) من المصدر.

(٣) الكافي ١ / ٣٩٢ ، ح ١.

(٤) المصدر : قال.

(٥) الكافي ٨ / ٣١١ ، ح ٤٨٥.

(٦) قتادة بن دعامة ، من مشاهير محدّثي العامّة ومفسّريهم ، روى عن أنس بن مالك وأبي الطفيل وسعيد بن المسيّب والحسن البصريّ وغيرهم.

٧٨

خرج من بيته بزاد وراحلة وكراء حلال يروم هذا البيت عارفا بحقّنا يهوانا قلبه ، كما قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) ولم يعن : البيت ، فيقول : إليه. فنحن والله دعوة إبراهيم ـ عليه السّلام ـ ممّن هوانا قلبه قبلت حجّته وإلّا فلا ، يا قتادة ، فإذا كان كذلك كان آمنا من عذاب جهنّم يوم القيامة.

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي كتاب الاحتجاج (١) للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ : خطبة لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وفيها : والأفئدة من النّاس تهوي إلينا ، وذلك دعوة إبراهيم ـ عليه السّلام ـ [حيث] (٢) قال : (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ).

وفي تفسير العيّاشي (٣) : عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) : أما إنّه لم يعن : النّاس كلّهم. أنتم أولئك ونظراؤكم ، و (٤) إنّما مثلكم في النّاس مثل الشّعرة البيضاء في الثّور الأسود (٥) ، أو مثل الشّعرة السّوداء في الثّور الأبيض.

عن ثعلبة بن ميمون (٦) ، عن ميسر ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ أبانا إبراهيم كان ممّا اشترط على ربّه ، فقال : (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ).

[وفي رواية أخرى (٧) : عنه ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ أبانا إبراهيم ـ صلوات الله عليه ـ كان فيما اشترط على ربّه أن قال : (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ)] (٨) أما إنّه لم يعن (٩) : النّاس كلّهم. أنتم أولئك ، رحمكم الله (١٠) ، ونظراؤكم ، إنّما مثلكم في النّاس مثل الشّعرة البيضاء في الثّور الأسود ، أو الشّعرة السّوداء في الثّور الأبيض.

وفي عوالي اللّئالي (١١) : وقال الصّادق ـ عليه السّلام ـ في تفسير قوله ـ تعالى ـ : (وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ) : هو ثمرات القلوب.

__________________

(١) الإحتجاج ١ / ١٦٠.

(٢) من المصدر.

(٣) تفسير العياشي ٢ / ٢٣٣ ، ح ٣٩.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : السّوداء.

(٦) تفسير العياشي ٢ / ٢٣٣ ـ ٢٣٤ ، ح ٤٠.

(٧) نفس المصدر والموضع ، ح ٤١.

(٨) ليس في أ ، ب.

(٩) المصدر : لم يقل.

(١٠) كذا في المصدر. وفي النسخ : رجحكم الله.

(١١) العوالي ٢ / ٩٨ ، ح ٢٥٧.

٧٩

وقال الصّادق ـ عليه السّلام ـ (١) : إنّ الثّمرات تحمل إليهم من الآفاق ، وقد استجاب الله له حتّى لا يوجد في بلاد الشّرق والغرب ثمرة لا توجد فيها ، حتّى حكي أنّه يوجد (٢) فيها في يوم واحد فواكه ربيعيّة وصيفيّة وخريفيّة وشتائيّة.

(رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ) : تعلم سرّنا ، كما تعلم علننا.

والمعنى : أنّك أعلم بأحوالنا ومصالحنا وأرحم بنا منّا بأنفسنا ، فلا حاجة لنا إلى الطّلب ، لكنّا ندعوك أظهارا لعبوديتك وافتقارا إلى رحمتك واستعجالا لنيل ما عندك.

وقيل (٣) : ما نخفي من وجد الفرقة ، وما نعلن من التّضرّع إليك والتّوكل عليك.

وتكرير النّداء للمبالغة في التّضرّع ، واللّجأ إلى الله.

وفي تفسير العيّاشي (٤) : عن السّديّ (٥) قال : سمعت (٦) أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول (٧) : (رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْ شَيْءٍ) من شأن إسماعيل ، وما أخفى أهل البيت.

وفي أصول الكافي (٨) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي عبد الله الفرّاء ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ يعلم ما يريد العبد إذا دعاه ، ولكنّه يحبّ أن تبثّ إليه الحوائج. فإذا دعوت ، فسمّ حاجتك.

وفي حديث آخر (٩) قال : قال : إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يعلم حاجتك وما تريد ، ولكن يحبّ أن تبثّ إليه الحوائج.

(وَما يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) (٣٨) : لأنّه العالم بعلم ذاتيّ ، يستوي نسبته إلى كلّ معلوم (١٠).

و «من» للاستغراق.

__________________

(١) نفس المصدر والموضع ، ح ٢٥٨ ، وفي نور الثقلين ٢ / ٥٥١ ، ح ١١٨ وتفسير الصافي ٣ / ٩١ الباقر بدل الصادق ـ عليهما السّلام ـ.

(٢) أ ، ب ، ر : وجد.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٣.

(٤) تفسير العياشي ٢ / ٢٣٤ ، ح ٤٤.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : الثرى.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : سمعنا.

(٧) المصدر : يقرأ.

(٨) الكافي ٢ / ٤٧٦ ، ح ١.

(٩) الكافي ٢ / ٤٧٦ ، ح ١.

(١٠) الأولى أن يقال : إنّ كلّ شيء موجود بإرادته ـ تعالى ـ فيجب أن يكون علمه محيطا بها.

٨٠