تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٧

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٧

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

الإلهيّة.

وفي تفسير العيّاشي (١) : عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : (لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) ، يعني بذلك : ولا تتّخذوا إمامين ، إنّما هو إمام واحد.

(فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) (٥١).

نقل من الغيبة إلى التّكلّم ، مبالغة في التّرهيب وتصريحا بالمقصود ، كأنّه قال : فأنا ذلك الإله الواحد ، فإيّاي فارهبون لا غير.

(وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : خلقا وملكا.

(وَلَهُ الدِّينُ) ، أي : الطّاعة.

(واصِباً) : لازما.

لما تقرّر من أنّه الإله وحده ، والحقيق بأن يرهب منه.

وقيل (٢) : «واصبا» من الوصب ، أي : وله الدّين ذا كلفة.

وقيل (٣) : «الدّين» الحزاء ، [أي : وله الجزاء] (٤) دائما ، لا ينقطع ثوابه لمن آمن وعقابه لمن كفر.

وفي تفسير العيّاشي (٥) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ قال : واجبا.

(أَفَغَيْرَ اللهِ تَتَّقُونَ) (٥٢) : ولا ضارّ سواه ، كما لا نافع غيره ، كما قال : (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) ، أي : وأيّ شيء اتّصل بكم من نعمة فهو من الله.

و «ما» شرطيّة. أو موصولة متضمّنة معنى الشّرط. باعتبار الإخبار دون الحصول فإنّ استقرار النّعمة بهم يكون سببا للإخبار بأنّها من الله ، لا لحصولها منه.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٦) : عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ حديث طويل.

وفيه يقول : ومن لم يعلم أنّ لله عليه نعمة إلّا في مطعم أو ملبس ، فقد قصر عمله (٧) ودنى عذابه.

__________________

(١) تفسير العياشي ٢ / ٢٦١ ، ح ٣٦.

(٢ و ٣) أنوار التنزيل ١ / ٥٥٨.

(٤) من المصدر.

(٥) تفسير العياشي ٢ / ٢٦٢ ، ح ٣٧ بتلخيص.

(٦) تفسير القمّي ١ / ٣٨٦.

(٧) أ ، ب : علمه.

٢٢١

وفيه : «النّعمة» [هي] (١) الصّحة والسّعة والعافية.

وفي أصول الكافي (٢) : محمّد بن يحيى ، عن عليّ بن الحسين الدّقاق ، عن عبد الله بن محمّد ، عن أحمد بن عمر ، عن زيد القتّات ، عن أبان بن تغلب قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : ما من عبد أذنب ذنبا فندم عليه ، إلّا غفر الله له قبل أن يستغفر. وما من عبد أنعم الله عليه نعمة فعرف (٣) أنّها من عند الله ، إلّا غفر الله له قبل أن يحمده.

(ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ) (٥٣) : فما تتضرّعون إلّا إليه.

و «الجوار» رفع الصوت في الدّعاء والاستغاثة.

(ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) (٥٤) : هم كفّاركم.

(لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ) : من نعمة الكشف عنهم ، كأنّهم قصد وبشركهم كفران النّعمة وإنكار كونها من الله.

(فَتَمَتَّعُوا) : أمر تهديد.

(فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) (٥٥) : أغلظ وعيده.

وقرئ (٤) : «فيمتعوا» مبنيّا للمفعول ، عطفا على «ليكفروا». وعلى هذا جاز أن تكون «اللّام» لام الأمر الوارد للتّهديد ، و «الفاء» للجواب.

(وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ) ، أي : لآلهتهم الّتي لا علم لها ، لأنّها جماد ، فيكون الضّمير ل «ما» أو الّتي لا يعلمونها ، فيعتقدون فيها جهالات ، مثل أنّها تنفعهم وتشفع لهم ، على أنّ العائد إلى «ما» محذوف. أو لجهلهم (٥) ، على أنّ «ما» مصدريّة ، والمجعول له محذوف للعلم به.

(نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ) : من الزّروع والأنعام.

(تَاللهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ) (٥٦) : من أنّها آلهة حقيقة بالتّقرّب إليها.

وهو وعيد لهم عليه.

__________________

(١) من المصدر.

(٢) الكافي ٢ / ٤٢٨ ، ح ٨.

(٣) ب : فيعرف.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٥٥٨.

(٥) أ ، ب : بجهلهم.

٢٢٢

(وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ) قيل (١) : كانت خزاعة وكنانة يقولون : الملائكة بنات الله.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : قالت قريش : الملائكة بنات الله.

(سُبْحانَهُ) : تنزيه له من قولهم ، وتعجّب منه.

(وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ) (٥٧) : يعني : البنين.

ويجوز في «ما يشتهون» الرّفع على الابتداء ، والنّصب على العطف على «البنات». على أنّ الجعل بمعنى : الاختيار.

وهو وإنّ أفضى إلى أن يكون ضمير الفاعل والمفعول لشيء واحد ، لكنّه لم يبعد تجويزه في المعطوف.

(وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى) : اخبر بولادتها.

(ظَلَّ وَجْهُهُ) : صار ، أو دام النّهار كلّه.

(مُسْوَدًّا) : من الكآبة والحياء من النّاس. واسوداد الوجه كناية عن الاغتمام.

(وَهُوَ كَظِيمٌ) (٥٨) : مملوء غيضا من المرأة.

(يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ) : يستخفي منهم.

(مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ) : المبشَّر به عرفا.

(أَيُمْسِكُهُ) : محدّثا نفسه ، متفكّرا في أن يتركه.

(عَلى هُونٍ) : ذلّ.

(أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ) : يخفيه فيه ويئده. وتذكير الضّمير للفظ «ما».

وقرئ (٣) ، بالتّأنيث ، فيهما.

(أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ) (٥٩) : حيث يجعلون لمن تعالى عن الولد ما هذا محلّه عندهم.

في كتاب ثواب الأعمال (٤) : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : البنات حسنات ، والبنون نعمة. والحسنات يثاب عليها.

قال : إنّه بُشّر النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ بفاطمة ـ عليها السّلام ـ. فنظر في وجوه

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٥٩.

(٢) تفسير القمّي ١ / ٣٨٦.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٥٥٩.

(٤) ثواب الأعمال / ٢٣٩ ، ح ١ و ٢.

٢٢٣

أصحابه ، فرأى الكراهة (١) فيهم.

فقال : ما لكم ، ريحانة أشمّها ورزقها على الله.

(لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ) : [صفة السّوء ،] (٢) وهو الحاجة إلى الولد المنادية بالموت واستبقاء الذّكور ، استظهارا بهم. وكراهة الإناث ووأدهنّ ، خشية الإملاق.

(وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى) : وهو الوجوب الذّاتيّ ، والغنى المطلق ، والجود الفائق ، والنّزاهة عن صفات المخلوقين.

(وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٦٠) : المتفرّد بكمال القدرة والحكمة.

(وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ) : بكفرهم ومعاصيهم.

(ما تَرَكَ عَلَيْها) : على الأرض. وإنّما أضمرها من غير ذكر ، لدلالة النّاس والدّابّة عليها.

(مِنْ دَابَّةٍ) : قطّ ، بشؤم ظلمهم.

وعن ابن مسعود (٣) كاد الجعل بذلك يهلك في جحره بذنب ابن آدم ، أو من دابّة ظالمة.

وقيل (٤) : لو أهلك الآباء بكفرهم ، لم يكن الأبناء.

(وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) : سمّاه لأعمارهم ، أو لعذابهم ، كي يتوالدوا.

(فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) (٦١) : بل هلكوا ، أو عذّبوا حينئذ لا محالة. ولا يلزم من عموم النّاس ، وإضافة الظّلم إليهم ، أن يكون كلّهم ظالمين حتّى الأنبياء ـ عليهم السّلام ـ لجواز أن يضاف إليهم ما شاع فيهم وصدر عن أكثرهم.

(وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ) ، أي : ما يكرهونه لأنفسهم من البنات والشّركاء في الرّئاسة ، والاستخفاف بالرّسل وأراذل الأموال (٥).

(وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ) : مع ذلك.

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : الكراهية.

(٢) ليس في أ ، ب ، ر.

(٣ و ٤) أنوار التنزيل ١ / ٥٥٩.

(٥) ب : الأموات.

٢٢٤

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : يقول : ألسنتهم الكاذبة.

(أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى) ، أي : عند الله ، كقوله : (وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى) (٢).

وقرئ (٣) : «الكُذُب» جمع ، كذوب. صفة للألسنة.

(لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ) : ردّ لكلامهم ، وإثبات لضدّه (٤).

(وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ) (٦٢) : مقدمون إلى النّار. من أفرطته في طلب الماء : إذا قدّمته.

وقرأ (٥) نافع ، بكسر الرّاء. على أنّه من الإفراط في المعاصي.

وقرئ (٦) ، بالتّشديد مفتوحا ، من فرطته في طلب الماء. ومكسورا ، من التّفريط في الطّاعات.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٧) ، أي : معذّبون.

(تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) : فأصرّوا على قبائحها ، وكفروا بالمرسلين.

(فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ) : في الدّنيا ، وعبرّ باليوم عن زمانها. أو فهو وليّهم حين كان يزيّن لهم. أو يوم القيامة على أنّه حكاية حال ماضية ، أو آتية.

ويجوز أن يكون الضّمير لقريش ، أي : زيّن الشّيطان للكفرة المتقدّمين أعمالهم ، وهو وليّ هؤلاء اليوم يغويهم. وإن يقدّر مضاف ، أي : فهو ولي أمثالهم ، و «الوليّ» القرين والنّاصر ، فيكون نفيا للنّاصر لهم على أبلغ الوجوه.

(وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٦٣) : في القيامة.

(وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ) : للنّاس.

(الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ) : من المبدأ والمعاد ، والحلال والحرام.

(وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٦٤) : معطوفان على محلّ «لتبيّن» ، فإنّهما فعلا المنزل بخلاف التّبيين.

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ٣٨٦.

(٢) فصّلت / ٥٠.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٥٦٠.

(٤) ب : إثبات ضدّه.

(٥ و ٦) أنوار التنزيل ١ / ٥٦٠.

(٧) تفسير القمّي ١ / ٣٨٦.

٢٢٥

(وَاللهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) : أنبت فيها أنواع النّبات بعد يبسها.

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) (٦٥) : سماع تدبّر وإنصاف.

(وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً) : دلالة يعبر بها من الجهل إلى العلم.

(نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ) : استئناف لبيان العبرة.

وإنّما ذكّر الضّمير ووحّده هاهنا للّفظ ، وأنّثه في سورة المؤمنين للمعنى. فإنّ الأنعام اسم جمع. ولذلك عدّه سيبويه في المفردات المبنيّة على أفعال ، كأخلاق وأكياش (١). ومن قال : إنّه جمع نعم ، جعل الضّمير للبعض ، فإنّ اللّبن لبعضها دون جميعها. أو لواحدة أوّله على المعنى ، فإنّ المراد به الجنس.

وقرأ (٢) نافع وابن عامر وأبو بكر ويعقوب : «نسقيكم» بالفتح ، هاهنا وفي «المؤمنون».

(مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً) : فإنّه يخلق من بعض أجزاء الدّم المتولّد من الأجزاء اللّطيفة الّتي في الفرث ، وهو الأشياء المأكولة المنهضمة بعض الانهضام في الكرش.

وعن ابن عباس (٣) : أنّ البهيمة إذا اعتلفت وانطبخ العلف في كرشها ، كان أسفله فرثا وأوسطه لبنا وأعلاه دما.

قيل (٤) : ولعلّه إن صح ، فالمراد : أنّ أوسطه [يكون] (٥) مادة اللّبن ، وأعلاه مادة الدّم الّذي يغذّي البدن. لأنّهما لا يتكوّنان في الكرش والكبد (٦) ، بل الكبد يجذب صفاوة الطّعام المنهضم في الكرش ويبقى ثفله ، وهو الفرث ، ثمّ يمسكها ريثما يهضمها هضما ثانيا. فيحدث أخلاطا أربعة معها مائيّة ، فتميّز القوّة المميّز تلك المائيّة بما زاد على قدر الحاجة من المرّتين وتدفعها إلى الكلية والمرارة والطّحال. ثمّ يوزع الباقي على الأعضاء بحسبها (٧) ، فيجري إلى كلّ حقّه على ما يليق به بتقدير الحكيم العليم. ثمّ إن كان الحيوان أنثى زاد أخلاطها على قدر غذائها لأستيلاء [البرد والرطوبة على مزاجها

__________________

(١) ب : كأخلاق واكباش.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٥٦٠.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٥٦٠ ـ ٥٦١.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٥٦١.

(٥) من المصدر.

(٦) ليس في المصدر : والكبد.

(٧) المصدر : يحسبها.

٢٢٦

فيندفع] (١) الزّائد أوّلا إلى الرّحم (٢) لأجل الجنين. فإذا انفصل ، انصبّ ذلك الزّائد أو بعضه إلى الضّروع. فيبيضّ بمجاورة لحومها الغدديّة البيض ، فيصير لبنا. ومن تدبّر في (٣) صنع الله ـ تعالى ـ في إحداث الأخلاط والألبان وإعداد مقارّها (٤) ومجاريها والأسباب المولّدة لها والقوى المتصرّفة (٥) فيها كلّ وقت على ما يليق به ، اضطرّ إلى الإقرار بكمال حكمته وتناهي رحمته.

و «من» الأولى تبعيضيّة ، لأنّ اللّبن بعض ما في بطونها. والثّانية ابتدائيّة ، كقولك : سقيت من الحوض. لأنّ بين الفرث والدّم المحلّ الّذي يبتدأ منه الإسقاء.

وهي متعلّقة «بنسقيكم». أو حال من «لبنا» قدّمت عليه ، لتنكيره وللتّنبيه على أنّه موضع العبرة.

(خالِصاً) : صافيا ، لا يستصحب لون الدّم ولا رائحة الفرث. أو مصفّى عمّا يصحبه من الأجزاء الكثيفة ، بتضييق مخرجه.

(سائِغاً لِلشَّارِبِينَ) (٦٦) : سهل المرور في حلقهم (٦).

وقرئ (٧) : «سيغا» بالتّشديد والتّخفيف.

وفي الكافي (٨) : عليّ بن إبراهيم ، عن النّوفليّ ، عن السّكونيّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : ليس أحد يغصّ بشرب اللبّن ، لأنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ جعله لبنا خالصا سائغا للشّاربين.

الحسين بن محمّد (٩) ، عن السياري (١٠) ، عن عبيد الله (١١) بن أبي عبد الله الفارسيّ ، عمّن ذكره ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قال رجل : إني أكلت لبنا فضرّني.

قال : فقال أبو عبد الله [ـ عليه السّلام ـ : لا والله ،] (١٢) ما يضرّ لبن قطّ. ولكنّك

__________________

(١) من المصدر.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : أو الى الرحم.

(٣) يوجد في أ ، ب.

(٤) أ ، ب : مقاربها.

(٥) أ ، ب ، ر : المنصرفة.

(٦) أ ، ب ، ر : سقيهم.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٥٦١.

(٨) الكافي ٦ / ٣٣٦ ، ح ٥.

(٩) نفس المصدر والموضع ، ح ٤.

(١٠) كذا في المصدر. وفي النسخ : يساوي.

(١١) كذا في المصدر وجامع الرواة ١ / ٥٢٧. وفي النسخ : عبد الله.

(١٢) ليس في أ ، ب ، ر.

٢٢٧

أكلته مع غيره فضرّك (١) الّذي أكلته ، وظننت أنّ اللّبن الّذي ضرّك.

عدّة من أصحابنا (٢) ، عن أحمد بن محمّد ، عن عثمان بن عيسى ، عن خالد بن نجيح ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : اللّبن طعام المرسلين.

محمّد بن يحيى (٣) ، عن سلمة (٤) بن خطّاب ، عن عبّاد بن يعقوب ، عن عبيد بن محمّد ، عن محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : لبن الشّاة السّوداء خير من لبن حمراء (٥) ، ولبن البقر الحمراء خير من لبن السّوداء (٦).

عليّ بن إبراهيم (٧) ، عن أبيه ، عن النّوفليّ ، عن السّكونيّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ ألبان البقر دواء.

عدّة من أصحابنا (٨) ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن يحيى بن إبراهيم بن أبي البلاد ، عن أبيه ، عن جدّه قال : شكوت إلى أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ ذربا (٩) وجدته.

فقال لي : ما يمنعك من شرب ألبان البقر؟

وقال لي : أشربتها قطّ؟

فقلت له : نعم مرارا.

فقال لي : كيف وجدتها؟

فقلت : وجدتها تدبغ المعدة وتكسو الكليتين الشّحم وتشهّي الطّعام.

فقال لي : لو كانت أيّامه ، لخرجت أنا وأنت إلى ينبع (١٠) حتّى نشربه (١١).

محمّد بن يحيى (١٢) ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن بكر بن صالح.

[عن الجعفري قال : سمعت أبا الحسن ، موسى ـ عليه السّلام ـ يقول : أبوال الإبل

__________________

(١) المصدر : «فظننت أنّ ذلك من اللبن» بدل «وظننت أنّ اللّبن الذي ضرّك».

(٢) الكافي ٦ / ٣٣٦ ، ح ٦.

(٣) نفس المصدر والموضع ، ح ٢.

(٤) كذا في المصدر ، وجامع الرواة ١ / ٣٧٢. وفي النسخ : مسلمة.

(٥) المصدر : حمراوين.

(٦) المصدر : سوداوين.

(٧) الكافي ٦ / ٣٣٧ ، ح ١.

(٨) نفس المصدر والموضع ، ح ٢.

(٩) الذّرب : فساد المعدة.

(١٠) ينبع : قرية كبيرة على سبع مراحل من المدينة.

(١١) أ ، ر : تشربه.

(١٢) الكافي ٦ / ٣٣٨ ، ح ١.

٢٢٨

خير من ألبانها ، ويجعل الله ـ عزّ وجلّ ـ الشّفاء في ألبانها.

وفي كتاب الخصال (١) :] (٢) عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ قال : شرب (٣) اللّبن شفاء من كلّ داء إلّا الموت.

(وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ) : متعلّق بمحذوف ، أي : ونسقيكم من ثمرات النّخيل والأعناب ، أي : من عصيرهما.

وقوله : (تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً).

قيل (٤) : خمرا.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) [: الخلّ.

وفي تفسير العيّاشي (٦) :] (٧) عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : أنّها نزلت قبل آية التّحريم ، فنسخت بها.

وفيه دلالة على أنّ المراد به : الخمر. وقد جاء بالمعنيين جميعا. وعلى إرادة الخمر لا يستلزم حلّها في وقت ، لجواز أن يكون عتابا ومنّة قبل بيان تحريمها. ومعنى النّسخ : نسخ السّكوت (٨) عن التّحريم ، فلا ينافي ما جاء في أنّها لم تكن حلالا قطّ. وفي مقابلتها بالرّزق الحسن تنبيه على قبحها.

(وَرِزْقاً حَسَناً) ، كالتّمر والزّبيب والدّبس.

وفي تفسير العيّاشي (٩) : عن سعيد بن يسار ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ أمر نوحا أن يحمل في السّفينة من كلّ زوجين اثنين. فحمل الفحل (١٠) والعجوة (١١) ، فكانا زوجا. فلما نضب الماء ، أمر الله ـ عزّ وجلّ ـ نوحا أن يغرس الجبلة (١٢) ، وهي الكرم. فأتاه إبليس ، فمنعه من غرسها. فأبى إلّا أن يغرسها ، وأبى إبليس أن يدعه يغرسها وقال : ليس لك ولا لأصحابك ، إنّما هي لي ولأصحابي. فتنازعا ما شاء الله ، ثمّ

__________________

(١) الخصال ٢ / ٦٣٦.

(٢) ليس في أ ، ب.

(٣) المصدر : حسو.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٥٦١.

(٥) تفسير القمّي ١ / ٣٨٧.

(٦) تفسير العياشي ٢ / ٢٦٣ ، ذيل ح ٤٠ باختلاف سير.

(٧) ليس في ب.

(٨) أ ، ب : السكون.

(٩) تفسير العياشي ٢ / ٢٦٢ ، ح ٤٠. (١٠) المصدر : النخل. والفحل ، ذكر النخل.

(١١) العجوة : ضرب من أجود التمر. (١٢) المصدر : الحبلة.

٢٢٩

أنّهما اصطلحا على أن جعل نوح لإبليس ثلثيها (١) ولنوح ثلثها (٢). وقد أنزل الله لنبيّه في كتابه ما قد قرأتموه (وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً).

فكان المسلمون بذلك. ثمّ أنزل الله آية التّحريم (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ ـ إلى قوله ـ : مُنْتَهُونَ). يا سعيد ، فهذه آية التّحريم وهي نسخت الآية الأخرى.

٠ (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (٦٧) : يستعملون عقولهم بالنّظر والتّأمّل في الآيات.

(وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) : ألهمها. وقذف في قلوبها.

وقرئ (٣) : «إلى النّحل» بفتحتين (٤).

وفي تفسير العيّاشي (٥) : عن محمّد بن يوسف ، عن أبيه قال : سألت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ).

قال : إلهام.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٦) : قوله : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ).

قال : وحي إلهام ، يأخذ النّحل من جميع النّور (٧) ثمّ تتّخذه عسلا.

وحدّثني أبي (٨) ، عن الحسن بن عليّ الوشّاء ، عن رجل ، عن حريز بن عبد الله ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ).

قال : نحن ، والله (٩) ، النّحل الّذي (١٠) أوحى الله إليه.

(أَنِ اتَّخِذِي) : بأن اتّخذي.

ويجوز أن تكون «أن» مفسّرة ، لأنّ في الإيحاء معنى القول. وتأنيث الضّمير على المعنى ، فإنّ النّحل مذكّر.

(مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ) (٦٨) : ذكر بحرف التّبعيض ، لأنّها لا تبني في كلّ جبل وكلّ شجر وكلّ ما يعرش من كرم أو سقف ولا في كلّ مكان.

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : سهما.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : ثلاثة.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٥٦١.

(٤) ليس في أ ، ب ، ر.

(٥) تفسير العياشي ٢ / ٢٦٣ ، ح ٤١.

(٦) تفسير القمّي ١ / ٣٨٧.

(٧) النور : زهر النبات.

(٨) تفسير القمّي ١ / ٣٨٧.

(٩) ليس في المصدر.

(١٠) المصدر : الّتي.

٢٣٠

وإنّما سمّي ما تبنيه لتتعسّل فيه : بيتا ، تشبيها ببناء الإنسان ، لما فيه من حسن الصّنعة وصحّة القسمة الّتي لا يقوى عليها حذّاق المهندسين إلّا بآلات (١) وأنظار دقيقة : ولعلّ ذكره ، للتّنبيه على ذلك.

وقرأ (٢) عاصم : «بيوتا» بكسر الباء.

وقرأ أبو بكر وابن عامر : «يعرشون» بضمّ الرّاء.

(ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) : تشتهينها ، مرّها وحلوها.

(فَاسْلُكِي) : ما أكلت.

(سُبُلَ رَبِّكِ) : في مسالكه الّتي يحيل (٣) فيها بقدرته النّور المرّ عسلا من أجوافك.

أو فاسلكي الطّرق الّتي ألهمك في عمل العسل.

أو فاسلكي راجعة إلى بيوتك (٤) سبل ربّك ، لا تتوعّر عليك ولا تلتبس.

(ذُلُلاً) : جمع ، ذلول. وهي حال من السّبل ، أي : مذلّلة ، ذلّلها الله وسهّلها لك. أو من الضّمير في «فاسلكي» ، أي : وأنت ذلل منقادة لما أمرت به.

(يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها) : عدل به عن خطاب النّحل إلى خطاب النّاس. لأنّه محلّ الإنعام عليهم ، والمقصود من خلق النّحل وإلهامه لأجلهم.

(شَرابٌ) ، يعني : العسل ، لأنّه ممّا يشرب.

(مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ) : أبيض وأصفر وأحمر وأسود ، لسبب اختلاف سنّ النّحل والفصل.

(فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ) : إمّا بنفسه ، كما في الأمراض البلغميّة. أو مع غيره ، كما في سائر الأمراض ، إذ قلّما يكون معجون إلّا والعسل جزء منه ، مع أنّ التّنكير فيه مشعر بالتّبعيض ويجوز وقيل (٥) : الضّمير للقرآن ، أو لما بيّن الله من أحوال النّحل.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٦) : وحدّثني أبي ، عن الحسن بن عليّ الوشّاء ، عن رجل ، عن حريز بن عبد الله ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ).

__________________

(١) ب ، أ : بالآيات.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٥٦٢.

(٣) ب : يجعل.

(٤) أ ، ب : بيوتات.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٥٦٢.

(٦) تفسير القمّي ١ / ٣٨٧.

٢٣١

قال : نحن ، والله ، النّحل الّذي أوحى الله إليه (١) (أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً) أمرنا أن نتّخذ من العرب شيعة. (وَمِنَ الشَّجَرِ). يقول : من العجم. (وَمِمَّا يَعْرِشُونَ).

يقول : من الموالي. والّذي (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ) أعنى (٢) العلم الّذي يخرج منّا إليكم.

وفي شرح الآيات الباهرة (٣) : وروى الحسن بن أبي الحسن الدّيلميّ ، بإسناده : عن رجاله ، عن أبي بصير في قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ).

قال : ما بلغ بالنّحل أن يوحى إليها ، بل فينا نزلت. فنحن النّحل ، ونحن المقيمون له في أرضه بأمره ، والجبال شيعتنا ، والشّجر النّساء المؤمنات.

وفي كتاب الخصّال (٤) : عن داود بن كثير الرّقّيّ قال : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : لقد اخبرني أبي ، عن جدّي ـ عليهما السّلام ـ : أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ نهى عن قتل ستّة : النّحلة والنّملة والضّفدع والصّرد والهدهد والخطّاف. فأمّا النّحلة ، فإنّها تأكل طيّبا وتضع طيّبا. وهي الّتي أوحى الله إليها ليست من الجنّ والإنس.

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي عيون الأخبار (٥) ، في باب ما جاء عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ من خبر الشّاميّ وما سئل أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في جامع الكوفة حديث طويل. وفيه : وسأله عن شيء أوحى الله إليه ليس من الجنّ ولا من الإنس.

فقال : أوحى الله إلى النّحل.

وفي أصول الكافي (٦) : أبو عليّ الأشعريّ ، عن الحسن بن عليّ الكوفيّ ، عن العبّاس بن عامر ، عن جابر بن (٧) المكفوف ، عن عبد الله بن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : اتّقوا على دينكم واحجبوه بالتّقيّة ، فإنّه لا إيمان لمن لا تقيّة له. إنّما أنتم في النّاس ، كالنّحل في الطّير. لو أنّ الطّير تعلم ما في أجواف النّحل ، ما بقي منها

__________________

(١) المصدر : نحن والنّحل الّتي أوحى الله إليها.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) تأويل الآيات ١ / ٢٥٦ ، ح ١٢.

(٤) الخصال ١ / ٣٢٧ ، ذيل ح ١٨.

(٥) العيون ١ / ٢٤٤.

(٦) الكافي ٢ / ٢١٨ ، ح ٥.

(٧) ليس في المصدر.

٢٣٢

شيء إلّا أكلته. ولو أنّ النّاس علموا ما في أجوافكم أنّكم تحبّونا أهل البيت ، لأكلوكم بألسنتهم ولنحلوكم (١) في السّرّ والعلانية. رحم الله عبدا منكم كان على ولايتنا.

وفي تفسر العيّاشي (٢) : عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ) إلى (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) : فالنّحل الأئمّة ، والجبال العرب ، والشّجر الموالي عتاقه ، وممّا يعرشون ، يعني : الأولاد والعبيد ممّن لم (٣) يعتق وهو يتولّى الله ورسوله والأئمّة ، والثّمرات المختلفة (٤) ألوانه فنون العلم الّذي قد يعلّم الأئمّة شيعتهم ، و (فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ) يقول : في العلم شفاء للنّاس ، والشّيعة هم النّاس وغيرهم الله أعلم بهم ما هم (٥). ولو كان ، كما تزعم (٦) أنّه العسل الّذي يأكله النّاس ، إذا ما أكل منه وما شرب ذو عاهة إلّا شفي (٧) ، لقول الله ـ تعالى ـ : (فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ). ولا خلف لقول الله ، وإنّما الشّفاء في علم القرآن لقوله : (نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ [لِلْمُؤْمِنِينَ) فهو شفاء ورحمة] (٨) لأهله لا شكّ فيه ولا مرية ، وأهله أئمّة الهدى الّذين قال الله : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا).

وفي رواية (٩) أبي الرّبيع الشّاميّ ، عنه في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ).

فقال : رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. (أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً) قال : تزوّج من قريش. (وَمِنَ الشَّجَرِ) قال : في العرب. (وَمِمَّا يَعْرِشُونَ) قال : في الموالي.

(يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ) قال : أنواع العلم. (فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ).

عن سيف بن عميرة (١٠) ، عن شيخ من أصحابنا ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : كنّا عنده ، فسأله شيخ فقال : بي وجع وأنا أشرب له النّبيذ ، ووصفه له الشّيخ.

فقال له : ما ينفعك من الماء الّذي جعل الله منه كلّ شيء حيّ؟

__________________

(١) نحل فلانا : سابّه.

(٢) تفسير العياشي ٢ / ٢٦٣ ، ح ٤٣.

(٣) ب : لا.

(٤) المصدر : المختلف.

(٥) ليس في ب : ما هم.

(٦) المصدر : يزعم.

(٧) المصدر : برأ.

(٨) يوجد في المصدر مع المعقوفتين.

(٩) تفسير العياشي ٢ / ٢٦٤ ، ح ٤٤.

(١٠) تفسير العياشي ٢ / ٢٦٤ ، ح ٤٥.

٢٣٣

قال : لا يوافقني.

قال : فما يمنعك من العسل؟

قال الله : (فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ).

قال : لا أجده.

قال : فما يمنعك من اللّبن الّذي نبت لحمك واشتد عظمك؟

قال : لا يوافقني.

قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : أتريد أن آمرك بشرب الخمر؟ لا [آمرك ، لا] (١) والله لا آمرك (٢).

وفي كتاب الخصال (٣) ، فيما علّم أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أصحابه : لعق العسل شفاء من كلّ داء. قال الله ـ تعالى ـ : (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ).

وفي عيون الأخبار (٤) : عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ بإسناده قال : قال ـ صلّى الله عليه وآله ـ : إن يكن في شيء شفاء ، ففي شرط الحجام (٥) أو في شربة عسل.

وبإسناده (٦) ، قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : لا تردّوا شربة العسل على من (٧) آتاكم بها.

وبإسناده (٨) ، قال : قال عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ : ثلاثة يزدن في الحفظ ويذهبن بالبلغم : [قراءة] (٩) القرآن والعسل واللبّان (١٠).

وفي الكافي (١١) : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد عن القاسم بن يحيى ، عن جدّه ، الحسن بن راشد ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قال

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) أ : زيادة «لا والله».

(٣) الخصال ٢ / ٦٢٣ ضمن ح ١٠.

(٤) العيون ٢ / ٣٥ ، ح ٨٣.

(٥) المصدر : شرطة حجام.

(٦) نفس المصدر والمجلّد / ٣٦ ، ح ٨٤.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : شربة عسل من.

(٨) العيون ٢ / ٣٨ ، ح ١١١.

(٩) من المصدر.

(١٠) اللبان : نبات من الفصيلة البخورية يفرز صمغا ويسمّى الكندر.

(١١) الكافي ٦ / ٣٣٢ ، ح ٢.

٢٣٤

أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : لعق العسل شفاء من كلّ داء. قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ). وهو مع قراءة القرآن ومضغ اللّبان يذيب البلغم.

وفي محاسن البرقيّ (١) : عنه ، عن بعض أصحابنا ، عن عبد الرّحمن بن شعيب ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : لعق العسل فيه شفاء. قال الله : (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ).

وفي تفسير العيّاشي (٢) : عن عبد الله بن قدّاح ، عن أبي عبد الله ، عن أبيه قال : جاء رجل إلى أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ.

فقال : يا أمير المؤمنين ، بي وجع في بطني.

فقال له أمير المؤمنين : ألك زوجة؟

قال : نعم.

قال : استوهب منها [شيئا] (٣) طيّبة به نفسها من مالها ، ثمّ اشتر به عسلا ، ثمّ اسكب عليه من ماء السّماء ، ثمّ اشربه. فإنّي أسمع (٤) الله يقول في كتابه : (وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً). وقال : (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ).

وقال : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً). [فإذا اجتمعت البركة والشّفاء والهني والمري] (٥) شفيت إن شاء الله ـ تعالى ـ. ففعل ذلك ، فشفي.

وفي مجمع البيان (٦) : وفي النّحل والعسل وجوه من الاعتبار منها : اختصاصه بخروج العسل من فيه ، ومنها جعل الشّفاء في موضع السّم فإنّ النّحل يلسع ، ومنها ما ركّب الله من البدائع والعجائب فيه وفي طباعه. ومن أعجبها أن جعل ـ سبحانه ـ لكلّ فئة يعسوبا هو أميرها ، يقدمها ويحامي عنها ويدبّر أمرها ويسوسها وهي تتبعه وتقتفي أثره. ومتى فقدته انحلّ نظامها وزال قوامها وتفرّقت شذر مذر. وإلى هذا المعنى أشار عليّ أمير المؤمنين : أنا يعسوب المؤمنين.

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (٦٩) : فإنّ من تدبّر اختصاص النّحل بتلك

__________________

(١) المحاسن / ٤٩٩ ، ح ٦١١.

(٢) تفسير العياشي ١ / ٢١٨ ، ح ١٥.

(٣) من المصدر.

(٤) بعض نسخ المصدر : سمعت.

(٥) ليس في المصدر.

(٦) المجمع ٣ / ٣٧٢.

٢٣٥

العلوم الدّقيقة والأفعال العجيبة حقّ التّدبّر ، علم قطعا أنّه لا بدّ له من قادر حكيم يلهمها ذلك ويحملها عليه.

(وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ) : بآجال مختلفة.

(وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ) : يعاد.

(إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) : أخسّه وأحقره ، يعني : الهرم الّذي يشابه الطّفوليّة في نقصان القوّة والعقل.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : عن الصّادق ، عن أبيه ـ عليهما السّلام ـ : إذا بلغ العبد مائة سنة ، فذلك أرذل العمر.

وفي مجمع البيان (٢) : وروي (٣) عن عليّ ـ عليه السّلام ـ : أنت أرذل العمر خمسون وسبعون سنة. روي عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ مثل ذلك.

وفي كتاب الخصال (٤) ، بعد أن ذكر حال الإنسان في بلوغ الأربعين والخمسين إلى التّسعين قال : وفي حديث آخر : فإذا بلغ إلى المائة ، فذلك أرذل العمر.

وقد روي : أنّ أرذل العمر أن يكون عقله ، مثل عقل ابن سبع سنين.

(لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً) : إلى حال شبيهة بحال الطّفوليّة في النّسيان وسوء الفهم.

وفي أصول الكافي (٥) : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه رفعه ، عن [محمد بن] (٦) داود الغنويّ ، عن الأصبغ بن نباتة ، عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل (٧). ستقف عليه بتمامه في سورة الواقعة إن شاء الله ـ تعالى ـ. يقول فيه ـ عليه السّلام ـ : ثمّ ذكر أصحاب الميمنة ، وهم المؤمنون حقّا بأعيانهم ، جعل فيهم أربعة أرواح : روح الإيمان ، وروح القوّة ، وروح الشّهوة ، وروح البدن. وقال قبل ذلك : وبروح الإيمان عبدوا الله ، ولم يشركوا به. وبروح القوّة جاهدوا عدوّكم ، وعالجوا معاشهم.

__________________

(١) تفسير القمّي ٢ / ٧٩.

(٢) المجمع ٣ / ٣٧٢.

(٣) ليس في أ ، ب. وفي المصدر : ورووا.

(٤) الخصال ٢ / ٥٤٦ ، ح ٢٥.

(٥) الكافي ٢ / ٢٨٢ ، ٢٨٣ ، ح ١٦.

(٦) من المصدر.

(٧) ليس في أ ، ب ، ر.

٢٣٦

وبروح الشّهوة أصابوا لذيذ الطّعام ، ونكحوا الحلال من شباب النّساء. وبروح البدن دبّوا ودرجوا.

وقال ـ عليه السّلام ـ متّصلا بقوله : «وروح البدن» : فلا يزال العبد يستكمل الأرواح الأربعة حتّى تأتي عليه حالات.

فقال الرّجل : يا أمير المؤمنين ، ما هذه الحالات؟

فقال : أمّا أوّلهنّ (١) فهو ، كما قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً). فهذا ينتقض منه جميع الأرواح ، وليس بالّذي يخرج من دين الله. لأنّ الفاعل به ردّه إلى أرذل عمره ، فهو لا يعرف للصّلاة وقتا ولا يستطيع التّهجّد باللّيل ولا بالنّهار ولا القيام في الصّفّ مع النّاس. فهذا نقصان من روح الإيمان ، وليس يضرّه شيئا.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : قال : إذا كبر ، لا يعلم ما علمه قبل ذلك.

(إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ) : بمقادير أعمارهم.

(قَدِيرٌ) (٧٠) : يميت الشّابّ النّشيط ، ويبقى الهمّ (٣) الفاني.

وفيه تنبيه على أنّ تفاوت آجال النّاس ليس إلّا بتقدير قادر حكيم رتّب أبنيتهم وعدّل أمزجتهم على قدر معلوم. ولو كان ذلك مقتضى الطّباع ، لم يبلغ التّفاوت هذا المبلغ.

(وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ) : فمنكم غنيّ ، ومنكم فقير ، ومنكم موالي يتولّون رزقهم ورزق غيرهم ، ومنكم مماليك حالهم على خلاف ذلك.

(فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ) : بمعطي رزقهم.

(عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) : على مماليكهم. فإنّما يردّون عليهم رزقهم ، الّذي جعله الله في أيديهم.

(فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ) : فالموالي والمماليك سواء في أنّ الله رزقهم.

فالجملة لازمة للجملة المنفيّة ، أو مقررة لها. ويجوز أن يكون واقعة موقع الجواب ، كأنّه قيل : فما الّذين فضّلوا برادّي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فيستووا في الرّزق. على

__________________

(١) المصدر : أولا هنّ.

(٢) تفسير القمّي ١ / ٣٨٧.

(٣) الهمّ : الشيخ الكبير.

٢٣٧

أنّه ردّ وإنكار على مشركين ، فإنّهم يشركون بالله بعض مخلوقاته في الألوهيّة ، ولا يرضون أن يشاركهم عبيدهم فيما أنعم الله عليهم فيساويهم فيه.

(أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ) (٧١) : حيث يتّخذون له شركاء. فإنّه يقتضي أن يضاف إليهم بعض ما أنعم الله عليهم ، ويجحدون أنّه من عند الله. أو حيث أنكروا أمثال هذه الحجج ، بعد ما أنعم الله عليهم بإيضاحها.

و «الباء» لتضمّن الجحود معنى الكفر.

وقرأ (١) أبو بكر : «تجحدون» بالتّاء. لقوله : «خلقكم» و «فضّل بعضكم».

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : قال : لا يجوز للرّجل أن يخصّ نفسه بشيء من المأكول دون عياله.

وفي جوامع الجامع (٣) : ويحكى عن أبي ذرّ ـ رضي الله عنه ـ أنّه سمع النّبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول : إنّما هم إخوانكم ، فاكسوهم مما تكسون (٤) وأطعموهم مما تطعمون.

فما رأي (٥) عبده بعد ذلك ، إلّا ورداءه رداءه وإزاره إزاره من غير تفاوت.

(وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) ، أي : من جنسكم. لتأنسوا بها ، ولتكون أولادكم مثلكم.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٦) ، يعني : حواء خلقت من آدم.

(وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً) : وأولاد أولاد ، أو بنات. فإنّ الحافد ، هو المسرع في الخدمة ، والبنات يخدمن في البيوت.

وقيل (٧) : الرّبائب. ويجوز أن يراد بها البنون أنفسهم. والعطف لتغاير الوصفين.

وفي تفسير العيّاشي (٨) : عن عبد الرّحمن الأشلّ قال : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : في (٩) «الحفدة» بنو البنت. ونحن حفدة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

عن جميل بن درّاج (١٠) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله :

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٦٣.

(٢) تفسير القمي ١ / ٣٨٧.

(٣) الجوامع / ٢٤٦.

(٤) المصدر : تلبسون.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : رئي.

(٦) تفسير القمي ١ / ٣٨٧.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٥٦٣.

(٨) تفسير العياشي ٢ / ٢٦٤ ، ح ٤٦.

(٩) ليس في المصدر.

(١٠) نفس المصدر والموضع ، ح ٤٧.

٢٣٨

(وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً).

قال : هم الحفدة ، وهم العون منهم ، يعني : البنين.

وفي مجمع البيان (١) : عنه ـ عليه السّلام ـ : وهم أختان الرّجل على بناته.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : قال : الأختان.

(وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) : من اللّذائذ. أو من الحلالات.

و «من» للتّبعيض. فإنّ المرزوق في الدّنيا أنموذج منها.

(أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ).

قيل (٣) : هو أنّ الأصنام تنفعهم. أو أنّ من الطّيّبات ما يحرم عليهم ، كالبحائر والسّوائب.

(وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) (٧٢) : حيث أضافوا نعمه إلى الأصنام ، أو حرّموا ما أحلّ الله لهم. وتقديم الصّلة على الفعل إمّا للاهتمام ، أو لإيهام التّخصيص مبالغة ، أو للمحافظة على الفواصل.

وقيل (٤) : يريد (بِنِعْمَتِ اللهِ) : رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ والقرآن والإسلام ، أي : هم (٥) كافرون بها منكرون لها.

(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً) : من مطر ونبات. و «رزقا» إن جعلته مصدرا فشيئا منصوب به ، وإلّا فبدل منه.

(وَلا يَسْتَطِيعُونَ) (٧٣) : أن يتملّكوه ، أو لا استطاعة لهم أصلا.

وجمع الضّمير فيه وتوحيده في «لا يملك» ، لأنّ «ما» مفرد في معنى الآلهة. ويجوز أن يعود إلى الكفّار ، أي : ولا يستطيع هؤلاء مع أنّهم أحياء متصرّفون شيئا من ذلك ، فكيف بالجماد.

(فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ) : فلا تجعلوا له مثلا تشركون به ، أو تقيسونه عليه.

فإنّ ضرب المثل تشبيه حال بحال.

قيل (٦) : كانوا يقولون : إنّ عبادة عبدة الملك أدخل في التّعظيم من عبادته.

__________________

(١) المجمع ٣ / ٣٧٣.

(٢) تفسير القمّي ١ / ٣٨٧.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٥٦٣.

(٤) تفسير الصافي ٣ / ١٤٦.

(٥) المصدر : هو.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٥٦٣ ، وتفسير الصافي

٢٣٩

(إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ) : فساد ما تعوّلون عليه من القياس ، على أنّ عبادة عبيد الملك أدخل في التّعظيم من عبادته وعظم جرمكم فيما تفعلون.

(وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٧٤) : ذلك. ولو علمتموه ، لما جرأتم عليه. فهو تعليل للنّهي. أو أنّه يعلم كنه الأشياء وأنتم لا تعلمونه ، فدعوا رأيكم دون نصّه.

ويجوز أن يراد : فلا تضربوا لله الأمثال ، فإنّه يعلم كيف تضرب الأمثال وأنتم لا تعلمون. ثمّ علّمهم كيف يضرب ، فضرب مثلا لنفسه ولمن دونه فقال : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ) : مثّل ما يشرك به المملوك العاجز عن التّصرّف رأسا ، ومثّل نفسه بالحرّ المالك الّذي رزقه الله مالا كثيرا فهو يتصرّف فيه كيف يشاء. واحتجّ بامتناع الاشتراك والتّسوية بينهما ، مع تشاركهما في الجنسيّة والمخلوقيّة ، على امتناع التّسوية بين الأصنام الّتي هي أعجز المخلوقات وبين الله الغنيّ القادر على الإطلاق.

وقيل (١) : هو تمثيل للكافر المخذول والمؤمن الموفّق. وتقييد العبد بالمملوكية للتّمييز عن الحرّ ، فإنّه ـ أيضا ـ عبد الله. وبسلب القدرة للتّمييز عن المكاتب والمأذون وجعله قسيما للمالك المتصرّف. يدل على أنّ المملوك لا يملك.

قيل : والأظهر أنّ «من» نكرة موصوفة ليطابق «عبدا». وجمع الضّمير في «يستوون» ، لأنّه للجنسين. فإنّ المعنى : هل يستوي الأحرار والعبيد.

(الْحَمْدُ لِلَّهِ) : كلّ الحمد لله لا يستحقّه غيره فضلا عن العبادة ، لأنّه مولى النّعم كلّها.

(بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٧٥) : فيضيفون نعمه إلى غيره ، ويعبدونه لأجلها.

وفي الكافيّ (٢) : محمّد عن أحمد عن ابن فضّال (٣) ، عن مفضّل بن صالح ، عن ليث المراديّ قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن العبد : هل يجوز طلاقه؟

فقال : إن كان أمتك ، فلا. إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول : (عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ). وإن كانت أمة قوم آخرين أو حرّة ، جاز طلاقه.

__________________

٣ / ١٤٦.

(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٦٤.

(٢) الكافي ٦ / ١٦٨ ، ح ٢.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : محمد بن أحمد بن فضّال.

٢٤٠