تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٧

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٧

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

عرك (١) الأديم ، ومزجهما (٢) بالمائين. فما رأيت من أخيك المؤمن من مباشرة لواط (٣) ، أو زنا ، أو شيء ممّا ذكرت من شرب مسكر أو غيره ، فليس من جوهريّته ولا من إيمانه ، إنّما هو بمسحة النّاصب اجترح هذه السّيّئات الّتي ذكرت. وما رأيت من النّاصب من حسن وجه وحسن خلق ، أو صوم أو صلاة أو حجّ بيت الله أو صدقة أو معروف ، فلبس من جوهريّته ، إنّما تلك الأفاعيل من مسحة الإيمان اكتسبها ، وهو اكتساب مسحة الإيمان.

وفي أصول الكافي (٤) : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عن أبن أذينة ، عن الأحول قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن الرّوح الّتي في آدم قوله : (فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي).

قال : هذه روح مخلوقة ، والرّوح الّتي في عيسى مخلوقة.

عدّة من أصحابنا (٥) ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن عبد الله بن بحر (٦) ، عن أبي أيّوب الخزّاز ، عن محمّد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عمّا يروون ، أنّ الله خلق آدم على صورته.

قال : هي صورة محدثة مخلوقة اصطفاها الله واختارها على سائر الصّور المختلفة ، فأضافها إلى نفسه ، كما أضاف الكعبة إلى نفسه والرّوح إلى نفسه ، فقال : «بيتي» ، (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي).

وفي كتاب التّوحيد (٧) ، بإسناده إلى محمّد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي).

قال : روح اختاره الله واصطفاه وخلقه ، وأضافه إلى نفسه وفضّله على جميع الأرواح ، فنفخ منه في آدم.

وبإسناده (٨) إلى أبي جعفر الأصمّ قال : سألت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن الرّوح الّتي في آدم ، والّتي في عيسى ، ما هما؟

قال : روحان مخلوقان اختارهما الله واصطفاهما ، روح آدم وروح عيسى ـ صلوات

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : فركها فرك.

(٢) المصدر : ومزجها.

(٣) المصدر : «شر لفظ» بدل «مباشرة لواط».

(٤) الكافي ١ / ١٣٣ ، ح ١.

(٥) الكافي ١ / ١٣٤ ، ح ٤.

(٦) كذا في جامع الرواة ١ / ٤٧٢. وفي ب : فجر.

(٧) التوحيد / ١٧٠ ، ح ١.

(٨) التوحيد / ١٧٢ ، ح ٤.

١٢١

الله عليهما ـ.

وبإسناده (١) إلى أبي بصير : عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله : (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) قال : من قدرتي.

وبإسناده (٢) إلى عبد الكريم بن عمرو : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) قال : إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ خلق خلقا وخلق روحا ، ثمّ أمر ملكا فنفخ فيه ، فليست بالّتي نقصت من [قدرة] (٣) الله شيئا من قدرته (٤).

وبإسناده (٥) إلى عبد الحميد الطّائي : عن محمّد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) كيف هذا النّفخ؟

فقال : إنّ الرّوح متحرّك كالرّيح ، وإنّما سمّي : روحا ، لأنّه اشتقّ اسمه من الرّيح ، وإنّما أخرجت على لفظة (٦) الرّوح لأنّ الرّوح مجانس للرّيح ، وإنّما أضافه إلى نفسه لأنّه اصطفاه على سائر الأرواح ، كما اصطفى بيت من البيوت ، فقال : «بيتي» ، وقال لرسول من الرّسل : خليلي ، وأشباه ذلك ، كلّ ذلك مخلوق مصنوع محدث مربوب مدّبر.

وفي الكافي (٧) ، مثل هذا الحديث الأخير سواء.

وفي قرب الإسناد (٨) للحميريّ ، بإسناده إلى مسعدة بن زياد قال : حدّثني جعفر بن محمّد ، عن أبيه ـ عليهما السّلام ـ : أنّ روح آدم ـ عليه السّلام ـ لمّا أمرت أن تدخل فكرهته ، فأمرها الله أن تدخل كرها وتخرج كرها.

وفي تفسير العيّاشي (٩) : عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ، فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ).

قال : روح خلقها الله ، فنفخ في آدم منها.

__________________

(١) نفس المصدر والصفحة ، ح ٥.

(٢) التوحيد / ١٧٢ ، ح ٦.

(٣) من المصدر.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : قدرة الله.

(٥) نفس المصدر والصفحة ، ح ٣.

(٦) المصدر : أخرجه على لفظ.

(٧) الكافي ١ / ١٣٣ ـ ١٣٤ ، ح ٣.

(٨) قرب الاسناد / ٣٨.

(٩) تفسير العياشي ٢ / ٢٤١ ، ح ٨.

١٢٢

عن أبي بصير (١) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله : (فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) قال : خلق خلقا وخلق روحا ، ثمّ أمر الملك فنفخ فيه ، وليست بالّتي نقصت من الله شيئا ، هي من قدرته ـ تبارك وتعالى ـ عنه (٢).

وفي رواية سماعة (٣) ، عنه : خلق آدم فنفخ فيه وسألته عن الرّوح ، قال : هي من قدرته من الملكوت.

وفي كتاب بصائر الدّرجات (٤) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ [قال] (٥) : مثل المؤمن وبدنه ، كجوهرة في صندوق ، إذ أخرجت الجوهرة منه طرح الصّندوق ولم يعبأ (٦) به.

وقال : إنّ الأرواح لا تمازج البدن ولا تداخله ، إنّما هي (٧) كالكلل للبدن محيطة به.

وفي كتاب الاحتجاج (٨) : عنه ـ عليه السّلام ـ : الرّوح لا يوصف بثقل ولا خفّة ، هي جسم رقيق البس قالبا كثيفا ، فهي بمنزلة الرّيح في الزّقّ ، فإذا نفخت فيه امتلأ الزّقّ منها ، فلا يزيد في وزن الزّق ولوجها (٩) ولا ينقصه (١٠) خروجها (١١) ، وكذلك الرّوح ليس لها ثقل ولا وزن.

قيل : أفيتلاشى (١٢) الرّوح بعد خروجه عن قالبه ، أم هو باق؟

قال : بل هو باق إلى وقت ينفخ في الصّور ، فعند ذلك تبطل الأشياء وتفنى فلا حسّ ولا محسوس ، ثمّ أعيدت الأشياء ، كما بدأها مدبّرها ، وذلك أربعمائة سنة يسبت (١٣) فيها الخلق ، وذلك بين النّفختين.

وقال ـ عليه السّلام ـ أيضا : إنّ الرّوح مقيمة في مكانها ، و (١٤) روح المحسن في ضياء وفسحة ، وروح المسيء في ضيق وظلمة ، والبدن يصير ترابا. (الحديث).

__________________

(١) تفسير العياشي ٢ / ٢٤١ ، ح ١٠.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) نفس المصدر والموضع ، ح ١١.

(٤) البصائر / ٤٨٣ ، ح ١٢.

(٥) من المصدر.

(٦) المصدر : لم تتعب.

(٧) المصدر : هو.

(٨) الاحتجاج ٢ / ٣٤٩ ـ ٣٥٠.

(٩) أي : دخولها.

(١٠) المصدر : لا ينقصها.

(١١) المصدر : زيادة «منه».

(١٢) المصدر : أفتتلاشى.

(١٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : نسيت.

(١٤) ليس في المصدر.

١٢٣

وروي (١) أنّه قال : وبها يؤمر [البدن] (٢) وينهى ، ويثاب ويعاقب ، وقد تفارقه ، ويلبسها الله ـ سبحانه ـ غيره ، كما تقتضيه حكمته.

وليعلم أنّ الأرواح متعدّدة في بدن الإنسان ، ويزيد عددها بزيادة صاحبها في الفضل والشّرف ، كما استفاض فيه الأخبار عن الأئمّة الأطهار ـ سلام الله عليهم ـ : ففي الكافي (٣) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أنّه جاء رجل إليه ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إنّ أناسا زعموا أنّ العبد لا يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر وهو مؤمن ، ولا يأكل الرّبا وهو مؤمن ، ولا يسفك الدّم وهو مؤمن. فقد ثقل عليّ هذا وحرج منه صدري حين أزعم أنّ هذا العبد يصلّي صلاتي ، ويدعو دعائي ، ويناكحني (٤) وأناكحه ، ويوارثني وأوارثه ، وقد خرج من الإيمان من أجل ذنب يسير أصابه.

فقال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : صدقت (٥) ، سمعت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول : والدّليل عليه كتاب الله ، خلق الله النّاس ثلاث طبقات وأنزلهم ثلاثة منازل (٦) ، وذلك قول الله ـ عزّ وجلّ ـ في الكتاب : (أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) ، و (أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ وَالسَّابِقُونَ).

فأمّا ما ذكره من امرّ (٧) السّابقين فإنّهم أنبياء مرسلون وغير مرسلين ، جعل الله فيهم خمسة أرواح ، روح القدس ، وروح الإيمان ، وروح القوّة ، وروح الشّهوة ، وروح البدن.

__________________

(١) تفسير الصافي ٣ / ١٠٩.

(٢) من المصدر.

(٣) الكافي ٢ / ٢٨١ ـ ٢٨٤ ، ح ١٦.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : ينكاحني.

(٥) أي : صدقوك فيما زعموا ، وليس بالّذي يخرج من دين الله. إن قيل : قد ثبت أنّ الإنسان إنّما يبعث على ما مات عليه ، فإذا مات الكبير على غير معرفة فكيف يبعث عارفا؟ قلت : لما كان مانعه عن الالتفات إلى معارفه أمرا عارضا فلمّا زال ذلك بالموت برزت له معارفه الّتي كانت كامنة في ذاته بخلاف من لم تحصل له المعرفة أصلا فإنّه ليس في ذاته شيء ليبرز له. «الوافي».

(٦) ثلاث منازل عبارة عن ثلاث مراتب مذكورة للأرواح الثّلاثة. وحاصل الجواب أن مرتكب الكبيرة بدون الإصرار ليس داخلا في أصحاب المشأمة فإنّ المذكور في مرتبتهم أنّهم كانوا يصرّون على الحنث العظيم فهم داخلون في أصحاب الميمنة.

(٧) أي : أقوى وأعقل. مأخوذ من المرّة ، وهي القوّة وشدّة العقل.

١٢٤

فبروح القدس بعثوا أنبياء مرسلين وغير مرسلين ، وبها علموا الأشياء.

وبروح الإيمان عبدوا الله ، ولم يشركوا به شيئا.

وبروح القوّة جاهدوا عدوّهم ، وعالجوا معاشهم.

وبروح الشّهوة أصابوا لذيذ الطّعام ، ونكحوا الحلال من شباب النّساء.

وبروح البدن دبّوا (١) ودرجوا. فهؤلاء مغفور لهم مصفوح عن ذنوبهم.

ثم قال : قال الله ـ تعالى ـ : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ). ثمّ قال في جماعتهم : (وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) يقول : أكرمهم بها ففضلهم على من سواهم. فهؤلاء مغفور لهم مصفوح عن ذنوبهم.

ثمّ ذكر أصحاب الميمنة ، وهم المؤمنون حقّا بأعيانهم ، جعل الله فيهم أربعة أرواح : روح الإيمان ، وروح القوّة ، وروح الشّهوة ، وروح البدن. فلا يزال العبد يستكمل هذه الأرواح الأربعة حتّى يأتي عليه حالات.

فقال الرّجل : يا أمير المؤمنين ، ما هذه الحالات؟

فقال : أمّا أولاهنّ ، فهو كما قال الله : (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً) فهذا ينتقص منه جميع الأرواح ، وليس بالّذي يخرج من دين الله ، لأنّ الفاعل به ردّه إلى أرذل العمر (٢) ، فهو لا يعرف للصّلاة وقتا ولا يستطيع التّهجّد باللّيل ولا بالنّهار ولا القيام في الصّف مع النّاس ، فهذا نقصان من روح الإيمان وليس يضرّه شيئا (٣). ومنهم من ينتقص منه روح القوّة ، فلا يستطيع جهاد عدوّه ولا يستطيع طلب المعيشة. ومنهم من ينتقص منه روح الشّهوة ، فلو مرّت به أصبح (٤) بنات آدم لم يحنّ إليها ولم يقم. ويبقى روح البدن فيه فهو يدبّ ويدرج حتّى يأتيه ملك الموت ، فهذا بحال (٥) خير لأنّ الله هو الفاعل به. وقد يأتي عليه حالات في قوّته وشبابه فيهمّ بالخطيئة ، فيشجّعه (٦) روح القوّة ويزين له روح الشّهوة ويقوده روح البدن حتّى يوقعه (٧) في الخطيئة.

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : ربوا.

(٢) المصدر : عمره.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : شيء.

(٤) أي : أجمل.

(٥) المصدر : الحال.

(٦) أ ، ب : فيشخصه.

(٧) المصدر : توقعه.

١٢٥

فإذا لامسها نقص من الإيمان وتفصّى منه ، فليس يعود فيه حتّى يتوب. فإذا تاب تاب الله عليه ، وإن عاد أدخله الله نار جهنّم.

فأمّا أصحاب المشأمة فهم اليهود والنّصارى ، يقول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) يعرفون محمّدا والولاية في التّوراة والإنجيل ، كما يعرفون أبناءهم في منازلهم (وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ، الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) أنّك الرّسول إليهم (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ). فلمّا جحدوا ما عرفوا ابتلاهم [الله] (١) بذلك ، فسلبهم روح الإيمان وأسكن أبدانهم ثلاثة أرواح : روح القوّة ، وروح الشّهوة ، وروح البدن. ثمّ أضافهم إلى الأنعام فقال : (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ) لأنّ الدّابّة إنّما تحمل بروح القوّة ، وتعتلف بروح الشّهوة ، وتسير بروح البدن.

فقال [له] (٢) السّائل : أحييت قلبي بإذن الله ، يا أمير المؤمنين.

وروي (٣) عن كميل بن زياد أنّه قال : سألت مولانا أمير المؤمنين ، عليّا ـ عليه السّلام ـ فقلت : يا أمير المؤمنين ، أريد أن تعرّفني نفسي.

قال : يا كميل ، وأيّ الأنفس تريد أن أعرّفك؟

قلت : يا مولاي ، هل هي إلّا نفس واحدة؟

قال : يا كميل ، إنّما هي أربعة : النّامية النّباتيّة ، والحسّيّة الحوانيّة ، والنّاطقة القدسيّة ، والكلّيّة الإلهيّة.

ولكلّ واحدة من هذه خمس قوى وخاصّيتان : فالنّاميّة النّباتيّة لها خمس قوى : ماسكة ، وجاذبة ، وهاضمة ، ودافعة ، ومربيّة.

ولها خاصيّتان : الزّيادة والنّقصان. وانبعاثها من الكبد.

والحسّيّة الحيوانيّة لها خمس قوى : سمع ، وبصر ، وشمّ ، وذوق ، ولمس. ولها خاصّيتان : الرّضا والغضب. وانبعاثها من القلب.

والنّاطقة القدسيّة لها خمس قوى : فكر ، وذكر ، وعلم ، وحلم ، ونباهة. وليس لها انبعاث ، وهي أشبه الأشياء بالنّفوس الملكيّة. ولها خاصّيتان : النّزاهة والحكمة.

__________________

(١ و ٢) من المصدر مع المعقوفتين.

(٣) لم أجد الحديث في المصادر المعتبرة وانّما أورده العلامة المجلسي في البحار ٦١ / ٨٤ ـ ٨٥. ولم يستند بكتاب وقال : وقد روى بعض الصوفية في كتبهم عن كميل بن زياد.

١٢٦

والكلّيّة الإلهية لها خمس قوى : بقاء في فناء ، ونعيم في شقاء ، وعزّ في ذلّ ، وفقر في غناء ، وصبر في بلاء. ولها خاصّيتان : الرّضا والتّسليم. وهذه هي الّتي مبدؤها من الله وإليه تعود ، قال الله : (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي). وقال ـ تعالى ـ : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ، ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً). والعقل وسط الكلّ.

(فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) (٣٠).

بتأكيدين ، للمبالغة في التّعميم ، ومنع التّخصيص.

وقيل (١) : أكدّ «بالكلّ» للإحاطة ، و «بأجمعين» للدّلالة على أنّهم سجدوا مجتمعين دفعة. واعترض بأنّه لو كان الأمر كذلك ، كان الثّاني حالا لا تأكيدا (٢).

(إِلَّا إِبْلِيسَ) : إن جعل منقطعا اتّصل به قوله : (أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) (٣١) ، أي : ولكنّ إبليس أبى. وإن جعل متّصلا كان استئنافا ، على أنّه جواب سائل قال : هل سجد؟

(قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ) ، أي : أيّ شيء عرض لك في أن لا تكون (مَعَ السَّاجِدِينَ) (٣٢) : لآدم ـ عليه السّلام ـ.

(قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ) «الّلام» لتأكيد النّفي ، أي : لا يصحّ منّي وينافي حالي أن أسجد (لِبَشَرٍ) : جسمانيّ كثيف ، وأنا ملك روحانيّ.

(خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) (٣٣) : وهو أخسّ العناصر ، وخلقتني من نار وهي أشرفها. استنقص آدم باعتبار الأصل ، غرّته الحميّة وغلبت عليه الشّقوة. وقد سبق الجواب في سورة الأعراف.

(قالَ فَاخْرُجْ مِنْها) : من المنزلة الّتي أنت عليها من السّماء. أو زمرة الملائكة.

(فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) (٣٤) : مطرود من رحمة الله والكرامة ، فإنّ من يطرد يرجم بالحجر.

في كتاب معاني الأخبار (٣) ، بإسناده إلى عبد العظيم بن عبد الله الحسنيّ قال : سمعت أبا الحسين ، عليّ بن محمّد العسكريّ ـ عليه السّلام ـ يقول : معنى الرّجيم : أنّه

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٤١.

(٢) يعني : يجب أن يكون «أجمعين» منصوبا بالحاليّة ، لا مرفوعا بأنّه تأكيد.

(٣) المعاني / ١٣٩ ، ح ١.

١٢٧

مرجوم باللّعن مطرود من [مواضع] (١) الخير ، لا يذكره مؤمن إلّا لعنه. وأنّ في علم الله السّابق [أنّه] (٢) إذا خرج القائم ـ عليه السّلام ـ لا يبقى مؤمن في زمانه إلّا رجمه بالحجارة ، كما كان قبل ذلك مرجوما باللّعن (٣).

(وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ) : هذا الطّرد والإبعاد (إِلى يَوْمِ الدِّينِ) (٣٥) : فإنّه منتهى أمد اللّعن ، لأنّه يناسب أيّام التّكليف. ومنه زمان الجزاء وما في قوله : (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) بمعنى آخر ينسى عنده هذه.

وقيل (٤) : إنّما حدّ اللّعن به ، لأنّه أبعد غاية يضر بها النّاس ، أو لأنّه يعذّب فيه بما ينسى اللّعن معه فتصير كالزّائل.

(قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي) : فأخّرني.

و «الفاء» متعلّقة بمحذوف دل عليه (فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ).

والمعنى : إذا طردتني فأخّرني (إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (٣٦).

أراد أن يجد فسحة في الإغواء ، أو نجاة من الموت إذ لا موت بعد أن يجد وقت البعث. فأجابه إلى الأوّل دون الثّاني (قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) (٣٧) (إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) (٣٨) : المسمّى فيه أجلك عند الله.

وفي كتاب الخصال (٥) : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : رنّ (٦) إبليس أربع رنّات : أوّلهنّ يوم لعن ، وحين اهبط إلى الأرض.

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي كتاب علل الشّرائع (٧) ، بإسناده إلى يحيى بن أبي العلاء الرّازيّ : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، يقول فيه وقد سئل عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ لإبليس : (فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ ، إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ).

قال ـ عليه السّلام ـ : ويوم الوقت المعلوم يوم ينفخ في الصّور نفخة واحدة ، فيموت إبليس ما بين النّفخة الأولى والثّانية.

__________________

(١ و ٢) من المصدر.

(٣) ليس في أ ، ب.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٥٤١.

(٥) الخصال ١ / ٢٦٣ ، ح ١٤١.

(٦) رنّ الرجل : صاح ورفع صوته بالبكاء.

(٧) العلل / ٤٠٢ ، ح ٢.

١٢٨

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : عنه ـ عليه السّلام ـ قال : يوم الوقت المعلوم يوم يذبحه رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ على الصّخرة الّتي في بيت المقدّس.

وفي تفسير العيّاشي (٢) : عن وهب بن جميع ، مولى إسحاق بن عمّار قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول إبليس : (فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ، قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ ، إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ). قال له وهب : جعلت فداك ، أيّ يوم هو؟

قال : يا وهب ، أتحسب (٣) أنّه يوم يبعث الله فيه النّاس؟ إنّ الله أنظره إلى يوم يبعث فيه قائمنا ، فإذا بعث الله قائمنا كان في مسجد الكوفة وجاء إبليس حتّى يجثو بين يديه على ركبتيه ، فيقول : يا ويله ، من هذا اليوم. فيأخذ ناصيته فيضرب عنقه ، فذلك يوم الوقت المعلوم.

وبين الأخبار الثّلاثة اختلاف من وجوه : الأوّل ، أنّ في بعضها أنّه يموت بين النّفختين ، وفي بعضها أنّه قتيل. ويمكن دفعه بأنّه يقتل وقت الرّجعة ، ثمّ يحيى ثمّ يموت بالنّفخة ، بناء على بعض أحاديث الرّجعة أنّ كلّ نفس تذوق موتة وقتلة.

الثّاني والثّالث ، أنّ في بعضها أنّه يقتله القائم في مسجد الكوفة ، وفي بعضها أنّه يذبحه رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في بيت المقدس. ويمكن دفعه بحمل القتل على المتعدّد.

عن الحسن بن عطيّة (٤) قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : إنّ إبليس عبد الله في السّماء الرّابعة في ركعتين ستّة آلاف (٥) سنة ، وكان إنظار الله إيّاه إلى يوم الوقت المعلوم ممّا سبق من تلك العبادة.

عن أبان (٦) قال : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : إنّ عليّ بن الحسين إذا أتى الملتزم (٧) قال : اللهم ، إنّ عندي أفواجا من ذنوب وأفواجا من خطايا ، وعندك أفواج من رحمة وأفواج من مغفرة ، يا من استجاب لأبغض خلقه إليه إذ قال : (فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)

__________________

(١) تفسير القمي ٢ / ٢٤٥.

(٢) تفسير العياشي ٢ / ٢٤٢ ، ح ١٤.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : تحب.

(٤) تفسير العياشي ٢ / ٢٤٢ ، ح ١٣.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : الالف.

(٦) نفس المصدر والموضع ، ح ١٢.

(٧) الملتزم : دبر الكعبة. سمي به لأن الناس يعتنقونه ، أي : يضمونه إلى صدورهم.

١٢٩

استجب لي ، وأفعل بي كذا وكذا.

(قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي) قيل (١) : «الباء» للقسم ، و «ما» مصدريّة وجوابه (لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ).

والمعنى : أقسم بإغوائك إيّاي ، وهو تكليفي بما يوقعني في الغواية ، لأزيّننّ لهم المعاصي في الدّنيا الّتي هي دار الغرور.

وقيل (٢) : للسّببيّة.

(وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) (٣٩) : ولأحملنّهم أجمعين على الغواية.

وفي نهج البلاغة (٣) : قال ـ عليه السّلام ـ : لعمري ، لقد فوّق لكم (٤) سهم الوعيد ، وأغرق (٥) إليكم (٦) بالنّزع الشّديد ، ورماكم من مكان قريب فقال : (رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) قذفا بغيب بعيد ورجما بظنّ [غير] (٧) مصيب ، صدّقه به أبناء الحميّة وإخوان العصبيّة وفرسان الكبر والجاهليّة.

(إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (٤٠) : أخلصتهم لطاعتك وطهّرتهم من الشّوائب ، فلا يعمل فيهم كيدي.

وقرأ (٨) ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو ، بالكسر ، في كلّ القرآن ، أي : الّذين أخلصوا نفوسهم لله.

وفي كتاب معاني الأخبار (٩) : حدّثنا أبي ـ رحمه الله ـ قال : حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه قال : جاء جبرئيل إلى النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال له النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : يا جبرئيل ، ما تفسير الإخلاص؟

قال (١٠) : المخلص الّذي لا يسأل النّاس شيئا حتّى يجد ، وإذا وجد رضي ، وإذا بقي عنده شيء أعطاه [في الله] (١١) فإنّ [من] (١٢) لم يسأل المخلوق [فقد] (١٣) أقرّ الله ـ عزّ وجلّ ـ

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٢.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٢.

(٣) نهج البلاغة / ٢٨٧ ، الخطبة ١٩٢.

(٤) ب : عليكم.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : أفوق.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : لكم.

(٧) من المصدر.

(٨) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٢.

(٩) المعاني / ٢٦١ ، ح ١.

(١٠) ب : زيادة «الإخلاص».

(١١ و ١٢ و ١٣) من المصدر.

١٣٠

بالعبوديّة ، وإذا وجد فرضي فهو عند الله راض والله ـ تبارك وتعالى ـ عنه راض ، وإذا أعطى لله ـ عزّ وجلّ ـ فهو على حدّ الثّقة بربّه ـ عزّ وجلّ ـ.

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

(قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَ) : حقّ عليّ أن أراعيه.

(مُسْتَقِيمٌ) (٤١) : لا انحراف عنه.

والإشارة ، إلى ما تضمّنه الاستثناء ، وهو تخليص المخلصين من إغوائه. أو الإخلاص على معنى : أنّه طريق عليّ يؤدّي إلى الوصول إليّ من غير اعوجاج وضلال.

وقرئ (١) : «عليّ (٢)» قيل : علوّ الشرف.

وفي اصول الكافي (٣) : أحمد عن (٤) عبد العظيم ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : (هذا صِراطٌ عَلَيَ) (٥) (مُسْتَقِيمٌ).

وهو يحتمل الرفع والإضافة.

وفي تفسير العيّاشي (٦) : عن أبي جميلة ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن أبي جعفر ، عن أبيه ـ عليهما السّلام ـ (٧) عن قوله : (هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ) قال : هو أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ.

وفي مجمع البيان (٨) : قرأ يعقوب : «هذا صراط عليّ» بالرّفع. وروي ذلك عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ.

(إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) (٤٢) :

تصديق لإبليس فيما استثناه ، وتغيير الوضع لتعظيم المخلصين (٩) ، ولأنّ المقصود بيان عصمتهم وانقطاع مخالب الشّيطان عنهم.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٢.

(٢) أي : بالرفع ، على وزن فعيل.

(٣) الكافي ١ / ٤٢٤ ، ح ٦٣.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : بن.

(٥) يوجد في ب ، المصدر.

(٦) تفسير العياشي ٢ / ٢٤٢ ، ح ١٥.

(٧) المصدر : «عن عبد الله بن أبي جعفر ، عن أخيه» بدل «عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن أبي جعفر ، عن أبيه ـ عليهما السّلام ـ»

(٨) المجمع ٣ / ٣٣٦.

(٩) أي : تغيير وضع النظم ، فإنّ فيما سبق كان المستثنى منه الناس والمستثنى المخلصين وهاهنا العباد المستثنى منه «والغاوين» المستثنى.

١٣١

أو تكذيب له فيما أوهم أنّ له سلطانا على من ليس بمخلص من عباده ، فإنّ منتهى تزيينه التّحريض والتّدليس ، كما قال : (وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي) وعلى هذا يكون الاستثناء منقطعا (١).

وفي كتاب معاني الأخبار (٢) ، بإسناده إلى عليّ بن النّعمان : عن بعض أصحابنا ، رفعه إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) قال : ليس على هذه العصابة خاصّة سلطان.

قال : قلت : وكيف ، جعلت فداك ، وفيهم ما فيهم؟

قال : ليس حيث تذهب ، إنّما قوله : (لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) أن يحبّب إليهم الكفر ، ويبغض إليهم الإيمان.

وفي روضة الكافي (٣) : عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن سليمان ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال لأبي بصير : يا أبا محمّد ، لقد ذكركم الله في كتابه ، فقال : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ). والله ، ما أراد بهذا إلّا الأئمّة ـ عليهم السّلام ـ وشيعتهم.

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي تفسير العيّاشي (٤) : عن جابر ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : قلت : أرأيت قول الله : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) ما تفسير هذه الآية؟

قال : قال الله : إنّك لا تملك أن تدخلهم جنّة ولا نارا.

عن أبي بصير (٥) قال : سمعت جعفر بن محمّد ـ عليه السّلام ـ وهو يقول : نحن أهل [بيت] (٦) الرّحمة وبيت النّعمة وبيت البركة ، ونحن في الأرض بنيان (٧) وشيعتنا عرى (٨) الإسلام ، وما كانت دعوة إبراهيم إلّا لنا ولشيعتنا ، ولقد استثنى الله إلى يوم القيامة على إبليس فقال : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ).

__________________

(١) أي : إذا كان المراد أن ليس له سلطان وحكم عليهم يكون الاستثناء منقطعا ، لأنّه نفى أن يكون له سلطان عليهم مطلقا. فلو كان الاستثناء متّصلا لزم أن يكون له سلطان على الغاوين ، وليس كذلك.

(٢) المعاني / ١٥٨ ، ح ١.

(٣) الكافي ٨ / ٣٥ ، ح ٦.

(٤) تفسير العياشي ٢ / ٢٤٢ ، ح ١٦.

(٥) تفسير العياشي ٢ / ٢٤٣ ، ح ١٨.

(٦) من المصدر.

(٧) كذا في ب ، المصدر. وفي سائر النسخ : نبيّا.

(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : عرس.

١٣٢

عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ (١) : إذا كان يوم القيامة يؤتى بإبليس في سبعين غلّا وسبعين كبلا (٢) ، فينظر الأوّل إلى زفر في عشرين ومائة غلّ ، فينظر إبليس فيقول : من هذا الّذي أضعف الله له العذاب ، وأنا أغويت هذا الخلق جميعا؟

فيقال : هذا زفر. فيقال : بما حدّ له هذا العذاب؟

فيقال : ببغيه على عليّ ـ عليه السّلام ـ.

فيقول له إبليس : ويل لك وثبور لك ، أما علمت أنّ الله أمرني بالسّجود لآدم فعصيته ، وسألته أن يجعل لي سلطانا على محمّد وأهل بيته وشيعته فلم يجبني إلى ذلك ، وقال : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ).

(وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ) : لموعد الغاوين ، أو المتّبعين.

(أَجْمَعِينَ) (٤٣) : تأكيد للضّمير. أو منصوب حال ، والعامل فيها «الموعد» إن جعلته [مصدرا على تقدير مضاف (٣) ، أي : مكان وعدهم. ومعنى الإضافة إن جعلته] (٤) اسم مكان (٥) فإنّه لا يعمل.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٦) : في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ فوقوفهم (٧) على الصّراط.

(لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ) قيل (٨) : يدخلون منها لكثرتهم (٩). أو طبقات (١٠) ينزلونها بحسب مراتبهم في المتابعة : وهي جهنّم ، ثمّ لظى ، ثمّ الحطمة ، ثمّ السّعير ، ثمّ السّقر ، ثمّ الجحيم ، ثمّ الهاوية.

ولعلّ تخصيص العدد ، لانحصار مجامع المهلكات في الرّكون إلى المحسوسات ومتابعة القوّة الشّهويّة والغضبيّة.

أو لأنّ أهلها سبع فرق.

(لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ) : من الأتباع.

__________________

(١) نور الثقلين ٣ / ١٦ ، ح ٥٨.

(٢) الكبل : القيد.

(٣) أي : على «وإن جهنّم لمحلّ موعدهم».

(٤) ليس في أ ، ب ، ر.

(٥) فيقدّر : فعل هكذا موعد ينسب إليهم.

(٦) تفسير القمّي ١ / ٣٧٦.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : وقفوهم.

(٨) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٢.

(٩) أي : لكثرة الداخلين فيها فيناسب تعدّد الأبواب حتّى لا يحتاج دخولهم إلى طول زمان.

(١٠) أي : فتكون الأبواب إشارة للطبقات باعتبار اشتمالها على الأبواب.

١٣٣

(جُزْءٌ مَقْسُومٌ) (٤٤) : افرز له.

وقرأ (١) أبو بكر : «جزء» بالتّثقيل.

وقرئ (٢) : «جز» على حذف الهمزة وإلقاء حركتها على الزّاء ، ثمّ الوقف عليه بالتّشديد ، ثمّ أجرى الوصل مجرى الوقف (٣). و «منهم» حال منه (٤) ، أو من المستكنّ في الظّرف لا في «مقسوم» لأنّ الصّفة لا تعمل فيما تقدّم موصوفها (٥).

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٦) : بلغني ، والله أعلم ، أنّ الله جعلها سبع درجات : أعلاها الجحيم ، اسم جبل من جبال جهنّم ، يقوم أهلها على الصّفا منها ، تغلي أدمغتهم فيها ، كغلي القدور بما فيها.

والثّانية (لَظى ، نَزَّاعَةً لِلشَّوى ، تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى ، وَجَمَعَ فَأَوْعى).

والثّالثة (سَقَرُ ، لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ ، لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ ، عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ).

والرّابعة الحطمة (إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ ، كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ) تدّق من صار إليها مثل الكحل فلا تموت الرّوح ، كلّما (٧) صاروا مثل الكحل عادوا.

والخامسة الهاوية ، فيها مالك (٨) ، يدعون : يا مالك ، أغثنا. فإذا أغاثهم جعل لهم آنية من صفر من نار ، فيها صديد ما (٩) يسيل من جلودهم ، كأنّه مهل ، فإذا رفعوه ليشربوا منه تساقط (١٠) لحم وجوههم (١١) من شدّة حرّها ، وهو قول الله : (وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً). ومن هوى فيها هوى سبعين عاما في النّار ، كلّما احترق جلده بدّل جلدا غيره.

__________________

(١ و ٢) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٢.

(٣) بأن شدّد الرّاء في الوصل.

(٤) وتقديمه على صاحبه ، وهو الجزء ، لكون الحال نكره وكونه حالا منه لأنّ الجزء فاعل الظّرف ، فيكون التقدير : لكل باب جزء مقسوم منهم أو حال من المستكنّ في الظرف وهو «لكل باب» وهذا إذا كان «جزء» مبتدأ قدم عليه الخبر.

(٥) أي : لزم ممّا ذكر أن يكون المقسوم عاملا في الحال الذي هو «منهم» وهو مقدّم على الجزء الذي هو موصوف المقسوم وهذا غير جائز عندهم.

(٦) تفسير القمّي ١ / ٣٧٦ ـ ٣٧٧.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : كلّها.

(٨) المصدر : ملك.

(٩) المصدر : ماء.

(١٠) كذا في المصدر. وفي النسخ : تساقطت.

(١١) المصدر : زيادة «فيها».

١٣٤

والسّادسة هي السّعير ، فيها ثلاثمائة سرادق من نار ، في كلّ سرادق ثلاثمائة قصر من نار ، في كلّ قصر ثلاثمائة بيت من نار ، في كلّ بيت ثلاثمائة لون من العذاب (١) [من غير عذاب النّار] (٢) فيها حيّات من نار وعقارب من نار وجوامع من نار وسلاسل [من نار] (٣) وأغلال من نار ، وهو الّذي يقول الله : (إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالاً وَسَعِيراً).

والسّابعة جهنّم ، وفيها (٤) الفلق ، وهو جبّ في جهنّم إذا فتح أسعر النّار سعرا ، وهو أشدّ النّار عذابا. [وأمّا صعود فجبل من صفر من نار وسط جهنّم ، وأمّا آثاما فهو واد من صفر مذاب يجري حول الجبل ، فهو أشد النّار عذابا] (٥).

وفي كتاب الخصال (٦) ، في سؤال بعض اليهود عليّا ـ عليه السّلام ـ عن الواحد إلى المائة : قال له اليهوديّ : فما السّبعة؟

قال : سبعة أبواب النّار متطابقات.

عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ (٧) ، عن أبيه ، عن جدّه ـ عليهم السّلام ـ قال : إنّ للنّار سبعة أبواب باب يدخل منه فرعون وهامان وقارون. وباب يدخل منه المشركون والكفّار ، من لم يؤمن بالله طرفة عين. وباب يدخل منه بنو أميّة ، هو لهم خاصّة لا يزاحمهم يه أحد (٨) ، وهو باب لظى ، وهو باب سقر ، وهو باب الهاوية تهوي بهم سبعين خريفا ، فكلّما هوى بهم سبعين خريفا فار بهم فورة قذف بهم في أعلاها سبعين خريفا ، ثمّ هوي بهم هكذا سبعين خريفا ، فلا يزالون هكذا أبدا خالدين مخلّدين. وباب يدخل منه مبغضونا ومحاربونا وخاذلونا ، وأنّه لأعظم الأبواب وأشدّها حرّا.

قال محمّد بن الفضيل (٩) الرّزقيّ : فقلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : الباب الّذي ذكرت عن أبيك عن جدّك ـ عليهما السّلام ـ أنّه يدخل منه بنو أميّة ، يدخله من مات منهم على الشّرك أو من أدرك الإسلام منهم؟

__________________

(١) المصدر : عذاب النار.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) ليس في النار.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : فيهم.

(٥) ليس في أ ، ب.

(٦) الخصال ٢ / ٥٩٧ ، ح ١.

(٧) الخصال ٢ / ٣٦١ ، ح ٥١.

(٨) ليس في أ ، ب.

(٩) أ ، ب : الفضل.

١٣٥

فقال : لا أمّ لك ، ألم تسمعه يقول : وباب يدخل منه المشركون والكفّار. فهذا باب يدخل منه (١) كلّ مشرك وكلّ كافر لا يؤمن بيوم الحساب ، وهذا الباب الآخر يدخل منه بنو أميّة هو لأبي سفيان ومعاوية وآل مروان خاصّة ، يدخلون من [ذلك] (٢) الباب فتحطّمهم النّار فيه (٣) حطما لا يسمع لهم (٤) واعية ولا يحيون فيها ولا يموتون.

وفي مجمع البيان (٥) : (لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ) فيه قولان : أحدهما ، ماروي عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : أنّ جهنّم لها سبعة أبواب أطباق بعضها فوق بعض ـ ووضع أحدى يديه على الأخرى ـ فقال : هكذا. وأنّ الله وضع الجنان على العرض ، ووضع النيران بعضها (٦) فوق بعض : فأسفلها جهنّم ، وفوقها لظى ، وفوقها الحطمة ، وفوقها سقر ، وفوقها الجحيم ، وفوقها السّعير ، وفوقها الهاوية.

وفي رواية الكبيّ (٧) : أسفلها الهاوية ، وأعلاها جهنّم.

وفي تفسير العيّاشي (٨) : عن أبي بصير قال : يؤتى بجهنّم لها سبعة أبواب : بابها الأوّل للظالم وهو زريق (٩). وبابها الثّاني لحبتر (١٠) والباب الثّالث للثّالث. والرّابع لمعاوية والخامس لعبد الملك. والسّادس لعسكر بن هوسر (١١) والسّابع لأبي سلامة (١٢). فهم أبواب لمن اتّبعهم.

وفي تهذيب الأحكام (١٣) : محمّد بن عليّ بن محبوب ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن

__________________

(١) المصدر : فيه.

(٢) من المصدر.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) المصدر : زيادة «فيها».

(٥) المجمع ٣ / ٣٣٨.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : بعضا.

(٧) المجمع ٣ / ٣٣٨.

(٨) تفسير العياشي ٢ / ٢٤٣ ، ح ١٩.

(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : للظالمين وهو ذريق. وزريق : كناية عن الأوّل لأنّ العرب تتشأم بزرقة العين.

(١٠) كذا في المصدر. وفي النسخ : لحبش للثاني.

(١١) كذا في المصدر. وفي النسخ : لعكر بن هرس وعسكر بن هوسر : كناية عن بعض خلفاء بني أميّة أو بني العبّاس. ويحتمل أن يكون عسكر كناية عن عائشة وسائر أهل الجمل ، إذا كان اسم جمل عائشة عسكرا. وروي أنّه كان شيطانا. قاله المجلسي.

(١٢) كناية عن أبي جعفر الدّوانيقي. قاله المجلسي.

(١٣) التهذيب ٩ / ٢٠٩ ، ح ٨٢٨.

١٣٦

أبي نصر قال : سألت أبا الحسين ـ عليه السّلام ـ عن رجل أوصى بجزء من ماله.

فقال : واحد من سبعة ، إنّ الله ـ تعالى ـ يقول : (لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ).

أحمد بن محمّد بن عيسى (١) ، عن إسماعيل بن همام الكنديّ ، عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ في رجل أوصى بجزء من ماله. قال : الجزء من سبعة ، إنّ الله ـ تعالى ـ يقول : (لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ).

عنه (٢) ، عن أبي همام ، عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ مثله.

(إِنَّ الْمُتَّقِينَ) : من اتّباعه في الكفر والذنوب.

(فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) (٤٥) : لكلّ واحد جنّة وعين. أو لكلّ عدّة منهما ، كقوله : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ). وقوله : (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ) (٣) (الآية).

قرأ (٤) نافع وأبو عمرو وحفص وهشام : «وعيون» والعيون بضمّ العين حيث وقع.

والباقون بكسرها.

(ادْخُلُوها) : على إرادة القول.

(بِسَلامٍ) : سالمين. أو مسلّمين عليكم.

(آمِنِينَ) (٤٦) : من الآفات والزّوال.

وفي روضة الكافي (٥) : خطبة لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وفيها : ألا وإنّ التّقوى مطايا ذلل حمل عليها [أهلها] (٦) وأعطوا أزمّتها ، فأوردتهم الجنّة ، وفتحت لهم أبوابها ، ووجدوا ريحها وطيبها ، وقيل لهم : (ادْخُلُوها بِسَلامٍ).

وفي كتاب الاحتجاج (٧) للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ : عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ حديث طويل ، يقول فيه ـ صلّى الله عليه وآله ـ وقد ذكر عليّا ـ عليه السّلام ـ وأولاده

__________________

(١) التهذيب ٩ / ٢٠٩ ، ح ٨٢٩.

(٢) نفس المصدر والموضع ، ح ٨٣٠.

(٣) إذ اللّام في «المتّقون» للاستغراق ، فيكون المعنى : مثل الجنّة التي وعد لكلّ من المتّقين فيها أنهار. فيكون لجنّة كل واحد أنهار.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٢.

(٥) الكافي ٨ / ٦٧ ـ ٦٨ ، ح ٢٣.

(٦) من المصدر.

(٧) الاحتجاج / ٦٣.

١٣٧

ـ عليهم السّلام ـ : ألا إنّ أولياءهم الّذين [وصفهم الله ـ عزّ وجلّ ـ فقال : الذين] (١) يدخلون الجنّة آمنين ، وتتلقّاهم الملائكة بالتّسليم أن طبتم فادخلوها خالدين.

وفي أصول الكافي (٢) : عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمّد الأشعريّ ، عن ابن القدّاح ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : كان عليّ ـ عليه السّلام ـ يقول : لا تغضبوا ولا تغضبوا ، أفشوا السّلام وأطيبوا الكلام وصلّوا باللّيل والنّاس نيام تدخلوا الجنّة بسلام. ثمّ تلا عليهم قول الله ـ عزّ وجلّ ـ (السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ).

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

(وَنَزَعْنا) : في الدّنيا بما ألف بين قلوبهم ، أو في الجنّة بتطييب نفوسهم.

(ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ).

قيل (٣) : من حقد كان في الدّنيا. أو من التّحاسد على درجات الجنّة ومراتب القرب.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : من العداوة.

(إِخْواناً) : حال من الضّمير «في جنّات» ، أو فاعل «ادخلوها» ، أو الضّمير في «آمنين» ، أو الضّمير المضاف إليه والعامل فيها معنى الإضافة ، [وهو أحد المواضع الثّلاثة الّتي يجوز فيها وقوع الحال من المضاف إليه] (٥) ، [وكذا قوله] (٦) (عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) (٤٧).

ويجوز أن يكونا صفتين «لإخوانا». أو حالين من ضميره ، لأنّه بمعنى : متصافين (٧). وأن يكون (٨) «متقابلين» حالا من المستقرّ في «على سرر».

في روضة الكافي (٩) : عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن الحسن

__________________

(١) من المصدر.

(٢) الكافي ٢ / ٦٤٥ ، ح ٧.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٣.

(٤) تفسير القمّي ١ / ٣٧٧.

(٥) ليس في أنوار التنزيل ١ / ٥٤٣.

(٦) من نفس المصدر.

(٧) فيكون مشتقّا نظرا إلى المعنى ، ففيه ضمير مستتر. والتصافي التخالص والمراد : خلوص كلّ واحد منهم في المحبّة للأخير لا يخلط محبّته شيء من الكدورة.

(٨) أي : ويجوز أن يكون.

(٩) الكافي ٨ / ٢١٤ ، ح ٢٦٠.

١٣٨

بن شمّون (١) ، عن عبد الله بن عبد الرّحمن ، عن عبد الله بن القاسم ، عن عمرو بن أبي المقدام ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : أنتم ، والله ، الّذين قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ).

عدّة من أصحابنا (٢) ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن زياد ، عن محمّد بن سليمان ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال لأبي بصير : يا أبا محمّد ، لقد ذكركم الله في كتابه فقال : (إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) والله ، ما أراد بهذا غيركم.

والحديثان طويلان أخذت منهما موضع الحاجة.

وفي تفسير العيّاشي (٣) : عن محمّد بن مروان ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : ليس منكم (٤) رجل ولا امرأة إلّا وملائكة الله يأتونه بالسّلام ، وأنتم الّذين قال الله : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ).

وفي شرح الآيات الباهرة (٥) : ومن طريق العامّة روى أبو نعيم الحافظ ، عن رجاله ، عن أبي هريرة قال : قال عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ : يا رسول الله ، أيّما أحبّ إليك أنا أم فاطمة؟

فاطمة أحبّ إليّ [منك] (٦) ، وأنت أعزّ عليّ منها ، وكأنّي بك وأنت على حوضي (٧) تذود عنه النّاس ، وأنّ عليه أباريق عدد نجوم الدّنيا (٨) ، وأنت والحسن والحسين وحمزة وجعفر في الجنّة (إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) وأنت معي وشيعتك. ثمّ قرأ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً).

عدّة من أصحابنا (٩) ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن الحسن بن شمون (١٠) ، عن عبد الله بن عبد الرّحمن ، عن عبد الله بن القاسم ، عن عمرو بن أبي المقدام ، عن أبي

__________________

(١) كذا في المصدر ، ورجال النجاشي / ٨٩٩. وفي النسخ : محمد بن شمعون.

(٢) نفس المصدر والمجلّد / ٣٥ ، ح ٦.

(٣) تفسير العياشي ٢ / ٢٤٤ ، ح ٢٤.

(٤) ر : فيكم.

(٥) تأويل الآيات ٢ / ٢٤٩ ، ح ٤.

(٦) من المصدر.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : حوض.

(٨) المصدر : السماء.

(٩) تأويل الآيات ١ / ٢٤٩ ـ ٢٥٠ ، ح ٦.

(١٠) كذا في المصدر ورجال النجاشي / ٨٩٩. وفي النسخ : شمعون.

١٣٩

عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : [ألا وإنّ] (١) لكلّ شيء جوهرا وجوهر ولد آدم محمّد ونحن وشيعتنا ، [بعدنا] (٢) يا (٣) حبّذا شيعتنا ما أقربهم من عرش الله ، وأحسن صنع الله إليهم يوم القيامة! والله ، لولا أن يتعاظم النّاس ذلك أو يتداخلهم زهو لسلّمت عليهم الملائكة قبلا. والله ، ما من عبد من شيعتنا يتلو القرآن في صلاته قائما إلّا وله بكلّ حرف خمسون حسنة ، ولا في غير صلاة (٤) إلّا وله [بكلّ حرف] (٥) عشر حسنات. وإنّ للصّامت من شيعتنا لأجر من قرأ القرآن كلّه ممّن خالفه [أنتم والله على فرشكم نيام لكم أجر المجاهدين] (٦) وأنتم والله في صلاتكم لكم (٧) أجر الصّافّين في سبيل الله ، وأنتم والله الّذين قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ). إنّما شيعتنا أصحاب الأربع (٨) الأعين : عينان في الرّأس وعينان في القلب. ألا وإنّ الخلائق كلّهم كذلك ، ألا وإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ فتح أبصاركم وأعمى أبصارهم.

(لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ) : تعب وعناء.

والجملة استئناف. أو حال بعد حال من الضّمير في «متقابلين».

(وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ) (٤٨) : فإنّ تمام النّعمة بالخلود.

(نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (٤٩) (وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ) (٥٠) : فارجوا رحمتي ، وخافوا عذابي. وذلك فذلكة (٩) ما سبق من الوعد والوعيد ، وتقرير له.

قيل (١٠) : وفي ذكر المغفرة دليل على أنّه لم يرد بالمتّقين من يتّقي الذّنوب بأسرها كبيرها وصغيرها ، وفي توصيف ذاته بالغفران والرّحمة دون التّعذيب ترجيح الوعد وتأكيده ، وفي عطف : (وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ) (٥١) : على (نَبِّئْ عِبادِي) تحقيق لهما بما يعتبرون به.

(إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً) ، أي : نسلّم عليك سلاما. أو سلّمنا سلاما.

(قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ) (٥٢) : خائفون. وذلك لأنّهم دخلوا بغير إذن وبغير

__________________

(١ و ٢) من المصدر.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : غيره.

(٥ و ٦ و ٧) من المصدر.

(٨) المصدر : الأربعة.

(٩) الفذلكة : مجمل ما فصّل وخلاصته.

(١٠) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٣.

١٤٠