السّلام ـ ولا أرجأ للنّاس (١) منه ، وكانت قراءته حزنا ، فإذا قرأ فكأنّه يخاطب إنسانا.
عليّ بن إبراهيم (٢) ، عن أبيه. وعدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد وسهل بن زياد ، جميعا ، عن ابن محبوب ، عن مالك بن عطيّة ، عن يونس بن عمّار قال : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : إنّ الدّواوين يوم القيامة ثلاثة : ديوان فيه النّعم ، وديوان فيه الحسنات ، وديوان فيه السّيّئات. فيقابل بين ديوان النّعم وديوان الحسنات فتستغرق [النعم] (٣) عامّة الحسنات ، ويبقى ديوان السّيّئات ، فيدعى بابن آدم المؤمن للحساب ، فيتقدّم (٤) القرآن أمامه في أحسن صورة فيقول : يا ربّ ، أنا القرآن ، وهذا عبدك المؤمن قد كان يتعب نفسه بتلاوتي ويطيل ليله (٥) بترتيلي وتفيض عيناه إذا تهجّد ، فأرضه ، كما ارضاني.
قال : فيقول العزيز الجبّار : عبدي ، ابسط يمينك. فيملأها من رضوان الله العزيز الجبّار ويملأ شماله من رحمة الله. ثمّ يقال : هذه الجنّة مباحة لك ، اقرأ واصعد. فإذا قرأ آية ، صعد درجة.
وفي كتاب الخصال (٦) : عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ قال : سبعة لا يقرءون القرآن : الرّاكع ، والسّاجد ، وفي الكنيف ، وفي الحمّام ، والجنب ، والنّفساء ، والحائض.
وفي عيون الأخبار (٧) ، في باب ما جاء عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ من خبر الشّاميّ وما سأل عنه أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في جامع الكوفة حديث طويل. وفيه : سأله : كم حجّ آدم من حجّة؟
فقال له : سبعين حجّة ماشيا على قدميه (٨) ، وأوّل حجّة حجّها كان معه الصّرد يدلّه على مواضع الماء ، وخرج معه من الجنّة ، وقد نهي عن أكل الصّرد والخطّاف (٩).
__________________
(١) المصدر : النّاس.
(٢) نفس المصدر / ٦٠٢ ، ح ١٢.
(٣) من المصدر.
(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : فيقدم.
(٥) ليس في ب.
(٦) الخصال / ٣٥٧ ، ح ٤٢.
(٧) العيون ١ / ١٩٠ ـ ١٩١.
(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : قدمه.
(٩) الصّرد : طائر ضخم الرّأس يصطاد العصافير. الخطّاف : طائر إذا رأى ظلّه في الماء أقبل إليه ليتخطّفه.
وسأله : ما باله لا يمشي؟
قال (١) : لأنّه ناح على بيت المقدس فطاف حوله أربعين عاما يبكي عليه ، ولم يزل يبكي مع آدم ، فمن هناك سكن البيوت ، ومعه آيات من كتاب الله ـ تعالى ـ ممّا كان آدم يقرأ (٢) في الجنّة وهي إلى يوم القيامة ، ثلاث آيات من أوّل الكهف ، وثلاث آيات من سبحان [الّذي أسرى ، وهي :] (٣) (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ) وثلاث آيات من يس (٤) [وهي :] (٥) (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا) (الآية).
وفي كتاب الاحتجاج (٦) للطبّرسيّ ـ رضي الله عنه ـ : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، وفيه : ولو علم المنافقون ـ لعنهم الله ـ ما عليهم من ترك هذه الآيات الّتي بيّنت لك تأويلها لأسقطوها مع ما أسقطوا منه ، ولكنّ الله ـ تبارك اسمه ـ ماض حكمه بإيجاب الحجّة على خلقه ، كما قال (٧) : (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) أغشى أبصارهم وجعل على قلوبهم أكنّة عن تأمّل ذلك فتركوه بحاله (٨) ، وحجبوا عن تأكيده الملتبس بإبطاله ، فالسّعداء يتنبّهون عليه والأشقياء يعمهون (٩) عنه.
وفي روضة الكافي (١٠) : أحمد بن محمّد الكوفيّ ، عن عليّ بن الحسين (١١) بن عليّ ، عن عبد الرّحمن بن أبي نجران ، عن هارون ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قال (١٢) لي : كتموا (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) فنعم ، والله ، الأسماء كتموها ، كان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إذا دخل إلى منزله واجتمعت عليه قريش يجهر ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ويرفع بها صوته ، فتولّي قريش فرارا ، فأنزل الله ـ عزّ وجلّ ـ في ذلك : (وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً).
وفي مجمع البيان (١٣) : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : إنّ الله ـ تعالى ـ منّ عليّ
__________________
(١) المصدر : قاله.
(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : يقرأ بها.
(٣) من المصدر.
(٤) يس / ٩.
(٥) من المصدر.
(٦) الاحتجاج / ٢٥٣.
(٧) الأنعام / ١٤٩.
(٨) من ب.
(٩) المصدر : يعمون. والعمه : التّحيّر والتّردّد بحيث لا يدري أين يتوجّه ، وهو في البصيرة كالعمى في البصر.
(١٠) الكافي ٨ / ٢٦٦ ، ح. ٣٨٧. (١١) المصدر : الحسن.
(١٢) ليس في أ ، ب. (١٣) المجمع ١ / ٣١.
بفاتحة الكتاب ، فيها من كنز الجنّة (١) (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) الآية الّتي يقول الله ـ تعالى ـ : (وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً) (٢).
في تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : وعن ابن أذينة قال : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) أحقّ ما أجهر به ، وهي الآية الّتي قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً).
وفيه (٤) : قال : كان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إذا صلّى تهجّد بالقرآن ويستمع له قريش لحسن صوته ، فكان إذا قرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) فرّوا عنه.
وفي تفسير العيّاشيّ (٥) : عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : كان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يجهر ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ويرفع صوته بها ، وإذا سمعها المشركون ولّوا مدبرين ، فأنزل الله (وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً).
عن زيد بن عليّ (٦) قال : دخلت على أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ فذكر (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ).
فقال : أ(٧) تدري ما نزل في (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)؟
فقلت : لا.
فقال : إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ كان أحسن النّاس صوتا [بالقرآن] (٨) ، وكان يصلّي بفناء الكعبة فرفع صوته ، وكان عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو جهل بن هشام وجماعة منهم يستمعون قراءته.
قال : وكان يكثر قراءة (٩) (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) فيرفع بها صوته.
__________________
(١) المصدر : الجنّة فيها.
(٢) يوجد في النسخ هاهنا زيادة : وفيه قال كان رسول الله.
(٣) تفسير القمّي ١ / ٢٨.
(٤) نفس المصدر ٢ / ٢٠.
(٥) نور الثقلين ٣ / ١٧٣ ، ح ٢٤٧.
(٦) تفسير العيّاشي ٢ / ٢٩٥ ، ح ٨٥.
(٧) ليس في المصدر.
(٨) من المصدر.
(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : ترداد.
قال : فيقولون : إنّ محمّدا ليردّد اسم ربّه تردادا ، إنّه ليحبّه (١). فيأمرون من يقوم فيتسمّع عليه ويقولون : إذا جاز (٢) (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) فأعلمنا حتّى نقوم فنستمع قراءته. فأنزل الله [في ذلك] (٣) : (وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ) بسم الله الرّحمن الرّحيم (وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً).
عن زرارة (٤) ، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ قال : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (٥) هو أحقّ ما جهر به ، وهي الآية الّتي قال الله : (وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ) بسم الله الرّحمن الرّحيم (وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً). كان المشركون يستمعون إلى قراءة النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ فإذا قرأ : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) نفروا وذهبوا ، وإذا فرغ منه ، عادوا وتسمّعوا.
عن منصور بن حازم (٦) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : كان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إذا صلّى بالنّاس (٧) جهر (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) فتخلّف (٨) من خلفه من المنافقين عن الصّفوف ، فإذا جازها في السّورة (٩) ، عادوا إلى مواضعهم ، وقال بعضهم لبعض : إنّه ليردّد (١٠) اسم ربّه تردادا ، إنّه ليحبّ ربّه. فأنزل الله (وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً).
عن أبي حمزة الثّماليّ (١١) قال : قال لي أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : يا ثماليّ ، إنّ الشّيطان ليأتي قرين الإمام فيسأله : هل ذكر ربّه؟ فإن قال : نعم. اكتسع (١٢) وذهب ، وإن قال : لا. ركب كتفه (١٣) ، وكان إمام القوم حتّى ينصرفوا.
قال : قلت : جعلت فداك ، وما معنى قوله : ذكر ربّه؟
قال : الجهر ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ).
__________________
(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : بدل العبارة الأخيرة إنّ محمّدا لردّ اسم ربّه مرارا به لمحمّد.
(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : جاءت.
(٣) من المصدر.
(٤) نفس المصدر ، ح ٨٦.
(٥) في المصدر بعدها زيادة : قال.
(٦) نفس المصدر ، ح ٨٧.
(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : النّاس.
(٨) المصدر : فيخلف.
(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : بالسورة.
(١٠) كذا في المصدر. وفي النسخ : ليردّ.
(١١) نفس المصدر / ٢٩٦ ، ح ٨٨.
(١٢) اكتسع الخيل بأذنابها : أدخلها بين رجليه. واللّفظ كناية.
(١٣) المصدر : كتفيه.
(نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ) : بسببه ولأجله ، من الهزء بك وبالقرآن.
(إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) : ظرف «لأعلم» وكذا (وَإِذْ هُمْ نَجْوى) ، أي : نحن أعلم بغرضهم من الاستماع حين هم مستمعون إليك مضمرون له ، وحين هم ذو ونجوى يتناجون به.
و «نجوى» مصدر ، ويحتمل أن يكون جمع «نجيّ».
(إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً) (٤٧) : مقدر «با ذكر». أو بدل من «إذ هم نجوى» على وضع «الظّالمون» موضع الضّمير ، للدّلالة على أنّ تناجيهم بقولهم هذا [من باب الظّلم] (١).
و «المسحور» هو الّذي سحر به فزال عقله.
وقيل (٢) : الّذي له سحر ، وهو الرّئة ، أي : إلّا رجلا يتنفّس ويأكل ويشرب مثلكم.
(انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ) : مثّلوك بالشّاعر والسّاحر والكاهن والمجنون.
(فَضَلُّوا) : عن الحقّ في جميع ذلك.
(فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً) (٤٨) : إلى طعن موجّه ، فيتهافتون ويخبطون كالمتحيّر في أمره لا يدري ما يصنع. أو إلى الرّشاد.
(وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً) : وحطاما.
(أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً) (٤٩) : على الإنكار والاستبعاد ، لما بين غضاضة الحيّ ويبوسة الرّميم من المباعدة والمنافاة (٣).
والعامل في «إذا» ما دلّ عليه «مبعوثون» (٤) لا نفسه ، لأنّ ما بعد «إنّ» لا يعمل فيما قبلها. و «خلقا» مصدر أو حال.
__________________
(١) من أنوار التنزيل ١ / ٥٨٧.
(٢) نفس المصدر والموضع.
(٣) قوله : «لما بين غضاضة الحيّ ويبوسة الرّميم من المباعدة والمنافاة» الأولى أن يقال : لما بين العظام والأجزاء المتفتّتة المنتشرة في الأطراف والبدن المجتمعة والأجزاء الّتي فيها الحياة والقوى والآثار الحيوانيّة والإنسانيّة من التّباعد والتّنافر.
(٤) قوله : «ما دلّ عليه مبعوثون» فالمعنى : انبعث إذا متنا وكنا ترابا.
وفي تفسير العيّاشي : عن الحلبيّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : جاء أبيّ بن خلف (١) فأخذ عظما باليا من حائط ففتّه (٢) ، ثمّ قال : يا محمّد (أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً). فأنزل الله : (مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ).
(قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً) (٥٠) (أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ) قيل (٣) : أي : ممّا يكبر عندكم عن قبول الحياة لكونه أبعد شيء منها ، فإنّ قدرته ـ تعالى ـ لا تقصر عن إحيائكم لاشتراك الأجسام في قبول الأعراض ، فكيف إذا كنتم عظاما مرفوته وقد كانت غضّه موصوفة بالحياة قبل ، والشّيء أقبل لما عهد فيه ممّا لم يعهد.
وفي تفسير (٤) عليّ بن إبراهيم (٥) : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه
__________________
(١) أبيّ بن خلف من مشركي مكّة واعداء رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. وهو الّذي قال له ـ صلى الله عليه وآله ـ يوما بمكّة : إنّ عندي فرسا أعلفه كلّ يوم فرقا ـ وهو مكيال ـ من ذرة أقتلك عليه.
فقال له رسول الله : بل أنا أقتلك ـ إن شاء الله.
فكان من قصّته : أنّه خرج إلى المدينة مع من خرج لحرب المسلمين في وقعة أحد ، فلمّا هزم المسلمون وبقي مع رسول الله (ص) من بقي أدركه ابيّ بن خلف وهو يقول : أين محمّد ، لا نجوت إن نجوت؟ فقال القوم : يا رسول الله ، أيعطف عليه رجل منا؟ قال : دعوه. فلمّا دنا تناول (ص) حربة رجل من أصحابه ، وهو الحارث بن الصّمّة ، ثمّ استقبله فطعنه في عنقه طعنة تحرّك منها عن فرسه مرارا ، فرجع إلى قريش وهو يخور ، كما يخور الثور ، وقد خدش في عنقه خدشا غير كبير ، فاحتقن الدّم وقال : قتلني ، والله ، محمّد. قالوا : ذهب ، والله فؤادك ، والله ، ما بك بأس! قال : لو كانت الطعنة بربيعة ومضر لقتلهم ، أليس أنّه قد كان بمكّة قال لي : أنا أقتلك؟ فو الله ، لو بصق بعد تلك المقالة لقتلني. فلم يلبث إلّا يوما أو بعض يوم حتى مات. فقيل : مات بسرف ، وهو موضع على ستّة أميال من مكّة. وفي ذلك يقول حسان بن ثابت الأنصاريّ شاعر النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ :
لقد ورث الضّلالة من أبيه |
|
أبيّ حين بارزه الرسول |
أتيت إليه تحمل منه عضوا |
|
وتوعده وأنت به جهول |
وفي نسخة :
[أجئت محمّدا عظيما رميما |
|
لتكذبه وأنت به جهول] |
وقد نالت بنو النّجّار منكم |
|
أميّة إذ يغوث يا عقيل |
إلى آخر الأبيات.
راجع ديوانه ص : ٣٤٠ ط مصر.
(٢) فتّ الشيء : دقّه وكسره بالأصابع.
(٣) أنوار التنزيل ١ / ٥٨٧.
(٤) يوجد في النسخ هنا زيادة : العيّاشي.
(٥) تفسير القمّي ٢ / ٢١.
السّلام ـ قال : الخلق الّذي يكبر في صدورهم (١) الموت.
(فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) : وكنتم ترابا ، وما هو أبعد شيء من الحياة.
(فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ) : فسيحرّكونها نحوك تعجّبا واستهزاء.
(وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً) (٥١) : فإنّ كلّ ما هو آت قريب.
وانتصابه على الخبر. أو الظّرف ، أي : يكون في زمان قريب.
و «أن يكون» اسم «عسى». أو خبره ، والاسم مضمر.
(يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ) ، أي : يوم يبعثكم فتنبعثون. استعار لهما الدّعاء والاستجابة للتّنبيه على سرعتهما وتيسّر أمرهما ، وإنّ المقصود منهما الإحضار للمحاسبة والجزاء.
(بِحَمْدِهِ) : حال منهم ، أي : حامدين الله على كمال قدرته ، كما قيل : إنّهم ينفضون التّراب عن رؤوسهم ويقولون : سبحانك الّلهمّ وبحمدك. أو منقادين لبعثه انقياد الحامدين له.
وفي الجوامع (٢) : روي أنّهم ينفضون التّراب عن رؤوسهم ويقولون : سبحانك الّلهمّ وبحمدك.
(وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً) (٥٢) : وتستقصرون مدّة لبثكم في القبور ، (كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ). أو مدّة حياتكم لما ترون من الهول.
(وَقُلْ لِعِبادِي) ، يعني : المرضيّين.
(يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) : الكلمة الّتي هي أحسن ، ولا يخاشنوا المشركين.
(إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ) : يهيّج بينهم المراء والشّرّ ، فلعلّ المخاشنة بهم تفضي إلى العناد وازدياد الفساد.
(إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً) (٥٣) : ظاهر العداوة.
(رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ) : تفسير «للّتي هي
__________________
(١) المصدر : صدوركم.
(٢) لا يوجد العبارة المنقولة في جوامع الجامع بعينها. ولكن يوجد ما بمضمونه في ص ٢٥٦ منه.
أحسن» وما بينهما اعتراض ، أي : قولوا لهم هذه الكلمة ونحوها ولا تصرّحوا بأنّهم من أهل النّار ، فإنّ ذلك يهيّجهم على الشّرّ ، مع أنّ ختام أمرهم غيب لا يعلمه إلّا الله.
(وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) (٥٤) : موكولا إليك أمرهم حتّى تقسرهم على الإيمان ، وإنّما أرسلناك مبشّرا ونذيرا ، فدارهم ومر أصحابك بالاحتمال منهم.
(وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : وبأحوالهم ، فيختار منهم لنبوّته وولايته من يشاء. وهو ردّ لاستبعاد قريش أن يكون يتيم أبي طالب نبيّا ، وأن يكون العراة والجوّع أصحابه.
(وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ) : بالفضائل النّفسانيّة والتبرّي عن العلائق الجسمانيّة لا بكثرة الأموال والأتباع ، حتّى داود فإنّ شرفه بما أوحى إليه من الكتاب لا بما أوتي من الملك.
وقيل (١) : هو إشارة إلى تفضيل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. وقوله : (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) (٥٥) : تنبيه على (٢) وجه تفضيله ، وهو أنّه خاتم الأنبياء وأمّته خير الأمم المدلول عليه بما كتب في الزّبور من (أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها) (٣) (عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) (٤).
وتنكيره هاهنا وتعريفه في قوله : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ) لأنّه في الأصل فعول للمفعول ، كالحلوب ، أو المصدر ، كالقبول ، ويؤيّده قراءة حمزة ، بالضّمّ ، فهو كالعبّاس أو الفضل (٥). أو لأنّ المراد : وآتينا داود بعض الزّبور ، أو بعضا من الزّبور فيه ذكر الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ.
وفي كتاب علل الشّرائع (٦) ، بإسناده إلى عبد السّلام (٧) بن صالح : [عن عليّ بن
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٨٨.
(٢) يوجد في النسخ هنا زيادة : أنّ.
(٣) يوجد هاهنا في ب زيادة : من يشاء.
(٤) الأنبياء / ١٠٥.
(٥) قوله : «كالعبّاس أو الفضل» ، أي : يجوز في الزّبور التّعريف والتّنكير ، كما يجوز في العبّاس أو الفضل.
(٦) العلل / ٥ ، ح ١.
(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : عبد الله.
موسى الرضا ـ عليه السّلام ـ] (١) عن أبيه ، عن آبائه ، عن عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : ما خلق الله خلقا أفضل منّي ولا أكرم [عليه] (٢) منّي.
قال عليّ ـ عليه السّلام ـ : فقلت : يا رسول الله ، أفأنت أفضل أم جبرئيل؟
فقال : [يا عليّ] (٣) إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ فضّل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقرّبين ، وفضّلني على جميع النّبيّين والمرسلين ، والفضل بعدي لك ، يا عليّ ، وللأئمّة من ولدك (٤) ، فإنّ (٥) الملائكة لخدّامنا وخدّام محبّينا.
والحديث طويل أخذت. منه موضع الحاجة.
وبإسناده (٦) إلى صالح بن سهل : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ بعض قريش قال لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : بأيّ شيء سبقت الأنبياء وفضّلت عليهم ، وأنت بعثت آخرهم وخاتمهم؟
قال : إنّي كنت أوّل من أقرّ بربّي ـ جلّ جلاله ـ وأوّل من أجاب حيث أخذ الله ميثاق النّبيّين (وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) فكنت أوّل نبيّ قال : بلى ، فسبقتهم إلى الإقرار بالله ـ عزّ وجلّ ـ.
وفي أصول الكافي (٧) : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن [محمّد ، عن] (٨) محمّد بن يحيى الخثعميّ ، عن هشام ، عن ابن أبي يعفور قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : سادة النّبيّين والمرسلين خمسة ، وهم أولوا العزم من الرّسل وعليهم دارت الرّحا : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ وعلى جميع الأنبياء.
وفي الخرائج والجرائح (٩) ، بإسناده إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ الله فضّل أولي العزم من الرّسل على الأنبياء بالعلم ، [وأورثنا علمهم] (١٠) وفضّلنا عليهم في فضلهم ، وعلّم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ما لا يعلمون ، وعلّمنا علم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فروينا لشيعتنا ، فمن قبله منهم فهو أفضلهم ، وأينما نكون فشيعتنا معنا.
__________________
(١ و ٢ و ٣) من المصدر.
(٤) المصدر : من بعدك.
(٥) المصدر : وإنّ.
(٦) نفس المصدر / ١٢٤ ، ح ١.
(٧) الكافي ١ / ١٧٥ ، ح ٣.
(٨) من المصدر.
(٩) نور الثقلين ٣ / ١٧٦ ، ح ٢٥٧.
(١٠) من ب.
وفي عيون الأخبار (١) ، بإسناده إلى الرّضا ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، يقول فيه ـ عليه السّلام ـ وقد ذكر نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدا ـ صلوات الله عليهم ـ : فهؤلاء الخمسة أولوا العزم ، وهم أفضل الأنبيّاء والرّسل ـ عليهم السّلام.
(قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ) : أنّها آلهة.
(مِنْ دُونِهِ) ، كالملائكة والمسيح وعزير.
(فَلا يَمْلِكُونَ) : فلا يستطيعون.
(كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ) ، كالمرض والفقر والقحط.
(وَلا تَحْوِيلاً) (٥٦) : ولا تحويل ذلك منكم إلى غيركم.
وفي أصول الكافي (٢) : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عبد الرّحمن بن أبي نجران وابن فضّال ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : كان يقول عند العلّة : الّلهمّ ، إنّك عيّرت أقواما فقلت : قلت ادعوا الّذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف ضرّي (٣) ولا تحويله عنّي أحد غيره ، صلّ (٤) على محمّد وآله ، واكشف ضرّي ، وحوّله إلى من يدعو معك إلها آخر ، لا إله غيرك.
(أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ) ، أي يدعونهم.
(يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ) : هؤلاء الآلهة يبتغون إلى الله (٥) القربة بالطّاعة.
(أَيُّهُمْ أَقْرَبُ) : بدل من واو «يبتغون» ، أي : يبتغي من هو أقرب منهم إلى الله الوسيلة ، فكيف بغير الأقرب.
(وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ) : كسائر العباد ، فكيف تزعمون ، أنّهم آلهة.
وفي أصول الكافي (٦) : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن [حديد ، عن] (٧) منصور بن يونس ، عن الحارث بن المغيرة أو أبيه ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قلت له : ما كان في وصيّة لقمان؟
__________________
(١) العيون ٢ / ٧٩ ، ح ١٣.
(٢) الكافي ٢ / ٥٦٤ ، ح ١.
(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : الضرّ.
(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : صلى.
(٥) ب : ربّهم.
(٦) الكافي ٢ / ٦٧ ، ح ١.
(٧) من المصدر.
قال : كان فيها الأعاجيب ، وكان أعجب ما فيها أن قال لابنه : خف الله ـ عزّ وجلّ ـ خيفة لو جئته ببرّ الثّقلين لعذّبك ، وأرج الله رجاء لو جئته بذنوب الثّقلين لرحمك.
ثمّ قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : كان أبي يقول : إنّه ما من عبد مؤمن إلّا وفي قلبه نوران : نور خيفة ونور رجاء ، لو وزن هذا لم يزد على هذا. [ولو وزن هذا لم يزد على هذا] (١).
محمّد بن يحيى (٢) ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن الهيثم بن واقد قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول (٣) : من خاف الله ، أخاف الله منه كلّ شيء ، ومن لم يخف الله أخافه الله من كلّ شيء.
عدّة من أصحابنا (٤) ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن حمزة بن عبد الله الجعفريّ ، عن جميل بن درّاج ، عن أبي حمزة قال : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : [من عرف الله ، خاف الله ، ومن خاف الله سخت نفسه عن الدنيا (٥).
عنه (٦) ، عن ابن أبي نجران ، عمّن ذكره ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ] (٧) قال : قلت له : قوم يعملون بالمعاصي ، ويقولون : نرجو ، فلا يزالون كذلك حتّى يأتيهم الموت.
فقال : هؤلاء قوم يترجّحون في الأمانيّ (٨). كذبوا ليسوا براجين ، من رجا شيئا طلبه ، ومن خاف من شيء هرب منه.
ورواه عليّ بن محمّد (٩) ، رفعه ، قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : إنّ قوما
__________________
(١) من المصدر.
(٢) نفس المصدر / ٦٨ ، ح ٣.
(٣) ليس في أ.
(٤) نفس المصدر ، ح ٤.
(٥) أي : تركها.
(٦) نفس المصدر ، ح ٥.
(٧) من المصدر. والظّاهر أنّ المؤلّف (ره) أسقطها عند نقل الحديث لتوالي الحديثين في المصدر.
(٨) قال المحدّث الكاشاني (ره) في الوافي : الترجّح : الميل ، يعني : مالت بهم عن الاستقامة أمانيّهم الكاذبة.
(٩) نفس المصدر ، ح ٦.
من مواليك يلمّون (١) بالمعاصي ، ويقولون : نرجو.
فقال : كذبوا ، ليسوا لنا بموال ، أولئك قوم ترجّحت بهم الأمانيّ ، من رجا شيئا عمل له ، ومن خاف من شيء هرب منه.
عدّة من أصحابنا (٢) ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن بعض أصحابه ، عن صالح بن حمزة ، رفعه ، قال : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : إنّ حبّ الشّرف (٣) والذّكر لا يكونان (٤) في قلب الخائف الرّاهب.
محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن نعمان ، عن حمزة بن حمران قال : (٥) سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : إنّ ممّا حفظ من خطب النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه قال : أيّها النّاس ، إنّ لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم ، وإنّ لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم. ألا إنّ المؤمن يعمل بين مخافتين : بين أجل قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه ، وبين أجل قد بقي لا يدري ما الله قاض فيه ، فليأخذ العبد المؤمن [من] (٦) نفسه [لنفسه] (٧) ، ومن دنياه لآخرته ، وفي الشّبيبة قبل الكبر ، وفي الحياة قبل الممات.
فو الّذي نفس محمّد بيده ، ما بعد الدّنيا من مستعتب (٨) ، وما بعدها من دار إلّا الجنّة أو النّار.
محمّد بن يحيى (٩) ، عن أحمد بن محمّد (١٠) ، عن ابن سنان ، عن ابن مسكان ، عن الحسين بن أبي سارة قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : لا يكون [المؤمن] (١١) مؤمنا حتّى يكون خائفا راجيا ، ولا يكون راجيا حتّى يكون عاملا لما يخاف ويرجو.
عليّ بن إبراهيم (١٢) ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن فضيل بن عثمان ، عن
__________________
(١) لمّ به وألمّ : نزل. وألمّ بالذّنب : قارب أو باشر اللّمم. واللّمم : صغار الذّنوب.
(٢) نفس المصدر / ٦٩ ، ح ٧. والحديث طويل.
(٣) ر : الترف.
(٤) يوجد في النسخ هاهنا زيادة : إلّا.
(٥) نفس المصدر / ٧٠ ، ح ٩.
(٦ و ٧) من المصدر.
(٨) المستعتب : موضع الاستعتاب ، أي : طلب الرّضا.
(٩) نفس المصدر / ٧١ ، ح ١١.
(١٠) كذا في المصدر. وفي النسخ : عن أحمد بن محمّد بن محمّد.
(١١) من المصدر.
(١٢) نفس المصدر ، ح ١٢.
أبي عبيدة الحذّاء ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : المؤمن بين مخافتين : ذنب قد مضى لا يدري ما صنع الله فيه ، وعمر قد بقي لا يدري ما يكتسب (١) فيه من المهالك ، فهو لا يصبح إلّا خائفا ، ولا يصلحه إلّا الخوف.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : حدّثنا أحمد بن محمّد ، عن المعلّى بن محمّد ، عن عليّ بن محمّد ، عن بكر بن صالح ، عن جعفر بن يحيى ، عن عليّ بن النّضر ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ وذكر حديثا طويلا ، يذكر فيه لقمان ووعظه لابنه ، وفيه : يا بنيّ ، لو استخرج قلب المؤمن فشقّ لوجد فيه نوران : نور للخوف ونور للرّجاء ، لو وزنا لما رجح أحدهما على الآخر بمثقال ذرّة.
(إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً) (٥٧) : حقيقا بأن يحذره كلّ أحد حتّى الرّسل والملائكة.
(وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ) : بالموت والاستئصال.
(أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً) ، نحو القتل وأنواع البليّة.
(كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ) : في اللّوح المحفوظ.
(مَسْطُوراً) (٥٨) : مكتوبا.
وفي من لا يحضره الفقيه (٣) : وسئل الصّادق ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ [إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها).
قال : هو الفناء (٤) بالموت.
العيّاشيّ (٥) : عن محمّد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر (٦) ـ عليه السّلام ـ (وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها) (٧) (الآية).
قال : إنّما (٨) أمّة محمّد من الأمم فمن (٩) مات فقد هلك.
__________________
(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : يكتب.
(٢) تفسير القمّي ٢ / ١٦٤ ـ ١٦٥.
(٣) الفقيه ١ / ١١٨ ، ح ٥٦٢.
(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : الفن.
(٥) تفسير العيّاشي ٢ / ٢٧٩ ، ح ٩٠.
(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : قال : عن الباقر.
(٧) يوجد في ب ، والمصدر.
(٨) المصدر : إمّا.
(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : ممن.
عن ابن سنان (١) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله : (وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ) قال : بالقتل والموت وغيره.
(وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ) : وما صرفنا عن إرسال الآيات الّتي اقترحتها قريش.
(إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ) : إلّا تكذيب الّذين هم أمثالهم في الطّبع ، كعاد وثمود ، وأنّها لو أرسلت لكذّبوا بها تكذيب أولئك ، واستوجبوا الاستئصال على ما مضت به سنّتنا ، وقد قضينا أن لا نستأصلهم لأنّ فيهم من يؤمن أو يلد من يؤمن.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله : (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ) وذلك أنّ محمّدا ـ صلّى الله عليه وآله ـ تسأله قومه أن يأتيهم [بآية] (٣) ، فنزل جبرئيل فقال : إنّ الله يقول : (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ ـ إلى قوله ـ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ). وكنّا إذا أرسلنا إلى قرية آية فلم يؤمنوا بها أهلكناهم ، فلذلك أخّرنا عن قومك الآيات.
(وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ) : بسؤالهم.
(مُبْصِرَةً) : بيّنة ذات إبصار ، أو بصائر (٤) ، أو جاعلتهم ذوي بصائر.
وقرئ (٥) ، بالفتح.
(فَظَلَمُوا بِها) : فكفروا بها. أو فظلموا أنفسهم بسبب عقرها.
(وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً) (٥٩) : بالآيات المقترحة من نزول العذاب المستأصل ، فإن لم يخافوا نزل العذاب. أو بغير المقترحة ، كالمعجزات وآيات القرآن ، إلّا تخويفا بعذاب الآخرة ، فإنّ أمر من بعثت إليهم مؤخّر إلى يوم القيامة.
و «الباء» مزيدة. أو في موقع الحال ، والمفعول محذوف (٦).
__________________
(١) نفس المصدر ، ح ٩٢.
(٢) تفسير القمّي ٢ / ٢١.
(٣) من المصدر.
(٤) قوله : «ذات إبصار أو بصائر» ، أي : سبب للإبصار أو البصيرة ، فإنّ حقّ من ظهر له مثل هذه الآية أن يرى آثار صنعه أو يدركها بقلبه أن يؤمن بها.
(٥) أنوار التنزيل ١ / ٥٨٩.
(٦) قوله : «والباء مزيدة أو في موقع الحال والمفعول محذوف» ، أي : إمّا أن تكون «بالآيات» مفعولا فتكون الباء مزيدة ، أو غيره فتكون حالا والمفعول محذوف والمعنى : وما نرسل النبيّ ملتبسا بالآيات ...
(وَإِذْ قُلْنا لَكَ) : واذكر إذ أوحينا إليك.
(إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ) : فهم في قبضة قدرته. أو أحاط بقريش ، بمعنى : أهلكهم ، من : أحاط بهم العدوّ ، فهو بشارة بوقعة بدر ، والتّعبير بلفظ الماضي لتحقّق وقوعه.
(وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ).
قيل (١) : ليلة المعراج ، وتعلّق به من قال : إنّه كان في المنام ، ومن قال : إنّه كان في اليقظة ، فسرّ الرّؤيا بالرّؤية. أو عام الحديبية حين رأى أنّه دخل مكّة ، وفيه أنّ الآية مكّيّة ، إلّا أن يقال : رآها بمكّة وحكاها حينئذ.
وقيل (٢) : لعلّ رؤيا رآها في وقعة بدر ، لقوله : (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً) ، ولما نقل : أنّه لمّا ورد ماءه قال : والله ، لكأنّي أنظر إلى مصارع القوم ، هذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان. فتسامعت به قريش ، واستسخروا منه.
وقيل : (٣) رأى قوما من بني أميّة يرقون منبره وينزون (٤) عليه نزو القردة ، فقال : هو حظّهم من الدّنيا يعطونه بإسلامهم.
وفي الأخبار عن الأئمّة ـ عليهم السّلام ـ ما يوافق هذا القول ، كما سيأتي.
وعلى هذا كان المراد بقوله : (إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) : ما حدث في أيّامهم من الابتلاء.
(وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) : عطف على «الرّؤيا» وهي شجرة الزّقّوم.
لمّا سمع المشركون ذكرها قالوا : إنّ محمّدا يزعم أنّ الجحيم تحرق الحجارة ، ثمّ يقول : ينبت فيها الشّجر. ولم يعلموا أنّ من قدر أن يحمي وبر السّمندل من أن تأكله النّار ، وأحشاء النّعامة من أذى الجمر وقطع الحديد المحماة الحمر الّتي تبتلعها ، قدر أن يخلق في النّار شجرة لا تحرقها. (٥) ولعنها في القرآن لعن طاعميها ، وصفت به على المجاز للمبالغة. أو وصفها بأنّها في أصل الجحيم ، فإنّه أبعد مكان من الرّحمة. أو بأنّها مكروهه مؤذية ، من قولهم : طعام
__________________
(١ و ٢) أنوار التنزيل ١ / ٥٨٩ ـ ٥٩٠.
(٣) نفس المصدر والموضع.
(٤) نزا : وثب.
(٥) طائر بالهند لا يحترق بالنّار فيما زعموا. ونسيج من ريش بعض الطيور لا يحترق.
ملعون ، لمّا كان ضارّا. ولقد أوّلت بالشّيطان وأبي جهل والحكم بن أبي العاصي.
وقرئ (١) على الابتداء والخبر محذوف ، أي : والشّجرة الملعونة في القرآن كذلك.
(وَنُخَوِّفُهُمْ) : بأنواع التّخويف.
(فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً) (٦٠) : إلّا عتوّا متجاوز الحدّ.
وفي كتاب الاحتجاج (٢) للطّبرسيّ : عن الحسن بن عليّ ـ عليهما السّلام ـ حديث طويل ، يقول لمروان بن الحكم : أمّا أنت ، يا مروان ، فلست أنا سبتك ولا سبت (٣) أباك ، ولكن الله ـ عزّ وجلّ ـ لعنك ولعن أباك (٤) وأهل بيتك وذرّيّتك ، وما خرج من صلب أبيك (٥) إلى يوم القيامة على لسان نبيّه محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ. [والله ،] (٦) يا مروان ، ما تنكر أنت ولا أحد ممّن حضر هذه اللّعنة من رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لك ولأبيك من قبلك ، وما زادك الله ، يا مروان ، بما خوّفك إلّا طغيانا كبيرا ، وصدق الله وصدق رسوله ، يقول الله ـ تبارك وتعالى ـ : (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ [وَنُخَوِّفُهُمْ]) (٧) (فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً). وأنت ، يا مروان ، وذرّيّتك الشّجرة الملعونة في القرآن.
وعن أمير المؤمنين (٨) ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، وفيه : وجعل أهل الكتاب القائمين (٩) به والعاملين بظاهره وباطنه من شجرة أصلها ثابت وفرعها في السّماء تؤتي أكلها كلّ حين بإذن ربّها ، أي : يظهر مثل هذا العلم المحتملة في الوقت بعد الوقت ، وجعل أعداءها أهل الشّجرة الملعونة الّذين حاولوا إطفاء نور الله بأفواههم ويأبى (١٠) الله إلّا أن يتمّ نوره ، ولو علم المنافقون ـ لعنهم الله ـ ما عليهم من ترك هذه الآيات الّتي بيّنت لك تأويلها ، لأسقطوها مع ما أسقطوا منه.
وفي تفسير العيّاشيّ (١١) : عن حريز ، عمّن سمع ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً) لهم ليعمهوا فيها (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) ،
__________________
(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٩٠.
(٢) الاحتجاج ٢ / ٢٧٩.
(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : سبيتك ولا سبيت.
(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : آباءك.
(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : ابنك.
(٦) ليس في ب.
(٧) ليس في أ ، ب.
(٨) نفس المصدر / ٢٥٢ ـ ٢٥٣.
(٩) المصدر : المعيمين.
(١٠) المصدر : فأبى. (١١) تفسير العيّاشي ٢ / ٢٩٧ ، ح ٩٣.
يعني : بني أميّة.
عن عليّ بن سعيد (١) قال : كنت بمكّة ، فقدم (٢) علينا معروف بن خربوذ ، فقال : قال (٣) لي أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : إنّ عليّا ـ عليه السّلام ـ قال لعمر : يا أبا حفص ، ألا أخبرك بما نزل في بني أميّة؟
قال : بلى.
قال : فإنّه نزل فيهم (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ).
قال : فغضب عمر وقال : كذبت ، بنو أميّة خير منك وأوصل للرّحم.
عن الحلبيّ (٤) ، عن زرارة وحمران ومحمّد بن مسلم قالوا : سألناه عن قوله : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ).
قال إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ رأى أنّ رجالا على المنابر يردّون (٥) النّاس ضلّالا ، زريق (٦) وزفر.
وقوله : (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) قال : هم بنو أميّة.
وفي رواية أخرى (٧) ، عنه : أن رسول ا ـ صلّى الله عليه وآله ـ قد رأى رجالا من نار على منابر من نار يردّون النّاس على أعقابهم القهقرى ، ولسنا نسميّ أحدا.
وفي رواية سلام الجعفيّ (٨) ، عنه أنّه قال : إنّا لا نسمّي الرّجال بأسمائهم ، ولكنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ رأى قوما على منبره يضلّون النّاس بعده عن الصّراط القهقرى.
عن القاسم (٩) بن سليمان ، عن عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال (١٠) : أصبح رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يوما حاسرا حزينا.
فقيل له : مالك ، يا رسول الله؟
__________________
(١) نفس المصدر ، ح ٩٤.
(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : يقدم.
(٣) ليس في المصدر.
(٤) نفس المصدر ، ح ٩٥.
(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : يريدون.
(٦) المصدر : رزيق.
(٧) نفس المصدر / ٢٩٨ ، ح ٩٦.
(٨) نفس المصدر ، ح ٩٧.
(٩) كذا في المصدر وجامع الرواة ٢ / ١٦. وفي النسخ : عمر.
(١٠) نفس المصدر ، ح ٩٨.
فقال : إنّي رأيت اللّيلة صبيان بني أميّة يرقون على منبري هذا ، فقلت : يا ربّ ، معي؟
فقال : لا ، ولكن بعدك.
عن أبي الطّفيل (١) قال : كنت في مسجد الكوفة فسمعت عليّا ـ عليه السّلام ـ يقول وهو على المنبر ، وناداه ابن الكواء وهو في مؤخّر (٢) المسجد فقال : يا أمير المؤمنين ، أخبرني عن قول الله ـ تعالى ـ : (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ).
فقال : الأفجران من قريش وبني أميّة.
عن عبد الرّحيم القصير (٣) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ). قال : أري رجالا من بني تميم وعدي على المنابر يردّون النّاس عن الصّراط القهقرى.
قلت : (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ).
قال : هم بنو أميّة ، يقول [الله] (٤) : (وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً).
عن يونس بن عبد الرّحمن الأشلّ (٥) قال : سألته عن قول الله : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) (الآية).
فقال : إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ نام فرأى أنّ بني أميّة يصعدون المنابر (٦) ، كلمّا صعد منهم رجل رأى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ الذّلّة والمسكنة ، فاستيقظ جزوعا من ذلك ، وكان الّذين رآهم (٧) اثني عشر رجلا من بني أميّة ، فأتاه جبرئيل بهذه الآية.
ثمّ قال جبرئيل : إنّ بني أميّة لا يملكون شيئا إلّا ملك أهل البيت ضعفيه (٨).
وفي مجمع البيان (٩) : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ) (الآية) فيه أقوال.
__________________
(١) نفس المصدر ، ح ٩٩.
(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : آخر.
(٣) نفس المصدر ، ح ١٠٠.
(٤) من المصدر.
(٥) نفس المدر ، ح ١٠١.
(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : نام فرأى بني أميّة يصدّون الناس.
(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : «فكان الّذين هم رآهم» بدل العبارة الأخيرة.
(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : ضعفة.
(٩) المجمع ٣ / ٤٢٤.
... إلى قوله : وثالثها ، أنّ ذلك رؤيا رآها النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ في منامه وأنّ قرودا تصعد منبره وتنزل ، فساءه ذلك واغتمّ به ، رواه (١) سهل بن سعيد ، عن أبيه ، أنّ النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ رأى ذلك ، وقال : إنّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ لم يستجمع بعد ذلك ضاحكا حتّى مات ، ورواه (٢) سعيد بن يسار ـ أيضا ـ. وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام ـ.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : وقال عليّ بن إبراهيم في قوله : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) قال : نزلت لمّا رأى النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ في نومه كأنّ قرودا تصعد منبره فساءه ذلك وغمّه غمّا شديدا ، فأنزل الله : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) ليعمهوا فيها (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) كذا نزلت وهم بنو أميّة.
وفي كتاب الخصال (٤) : عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ ، عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، يقول فيه وقد ذكر معاوية بن حرب (٥) : ويشترط عليّ شروطا لا يرضاها الله ـ تعالى ـ ورسوله [ولا المسلمون] (٦) ، ويشترط (٧) في بعضها أن أدفع إليه أقواما من أصحاب محمّد (٨) أبرارا ، فيهم عمّار بن ياسر ، وأين مثل عمّار؟ والله ، لقد رأيناه (٩) مع النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ وما يعدّ (١٠) منّا خمسة إلّا كان سادسهم ولا أربعة إلّا كان خامسهم ، اشترط دفعهم (١١) إليه ليقتلهم ويصلبهم ، وانتحل دم عثمان ، ولعمر (١٢) الله ، ما ألّب على عثمان ولا جمع (١٣) النّاس على قتله إلّا هو (١٤) وأشباهه من أهل بيته ، أغصان الشّجرة الملعونة في القرآن.
(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ
__________________
(١ و ٢) المصدر : روى.
(٣) تفسير القمّي ٢ / ٢١.
(٤) الخصال / ٣٧٩ ، ح ٥٨.
(٥) كذا. والصحيح : معاوية بن أبي سفيان بن حرب.
(٦) ليس في أ ، ب.
(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : يشترط عليّ.
(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : أن أدفع إليه قواما من أصحابه محمّد.
(٩) المصدر : رأيتنا.
(١٠) كذا في المصدر. وفي النسخ : لم يعدّ.
(١١) ليس في أ ، ب.
(١٢) المصدر : ولعمرو.
(١٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : أجمع.
(١٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : هن.
طِيناً) (٦١) : لمن خلقته من طين ، فنصب بنزع الخافض.
ويجوز أن يكون حالا من الرّاجع إلى الموصول ، أي : خلقته وهو طين.
أو منه (١) ، أي : أأسجد له وأصله من طين.
وفيه على الوجوه الثّلاثة إيماء بعلّة الإنكار.
(قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَ) «الكاف» لتأكيد الخطاب لا محلّ له من الإعراب ، و «هذا» مفعول أوّل ، و «الّذي» صفته ، والمفعول الثّاني محذوف لدلالة صلته عليه ، والمعنى : أخبرني عن هذا الّذي كرّمته عليّ بأمري بالسّجود له ، لم كرّمته عليّ؟
(لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) : كلام مبتدأ ، واللّام موطّئة للقسم ، وجوابه (لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً) (٦٢) ، أي : لاستأصلنّهم بالإغواء إلّا قليلا لا أقدر أن أقاوم شكيمتهم. من احتنك الجراد الأرض : إذا جرد ما عليها أكلا. مأخوذ من الحنك.
وإنّما علم أنّ ذلك يتسهّل له ، إمّا استنباطا من قول الملائكة : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) مع التّقرير ، أو تفرّسا من خلقه ذا شهوة ووهم وغضب.
(قالَ اذْهَبْ) : امض لما قصدته ، وهو طرد وتخلية بينه وبين ما سوّلت له نفسه.
(فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ) : جزاؤك وجزاؤهم ، فغلّب المخاطب على الغائب.
ويجوز أن يكون الخطاب للتّابعين ، على الالتفات.
(جَزاءً مَوْفُوراً) (٦٣) : متكمّلا. من قولهم : فر لصاحبك عرضه (٢) فرة.
وانتصاب «جزاء» على المصدر بإضمار فعله ، أو بما في «جزاؤكم» من معنى : تجازون ، أو حال موطّئة لقوله : «موفورا» (٣).
(وَاسْتَفْزِزْ) : واستخفف.
(مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ) : أن تستفزّه.
__________________
(١) أي : أو حال من الموصول نفسه لا من الرّاجع إليه. ويجوز أن يكون الخطاب للتابعين على الالتفات ، فيكون المعنى : فإنّ جهنّم جزاؤكم يا أتباعه ، حتّى يحصل الرّبط.
(٢) أي : صن ، أو أحم عرضه.
(٣) قوله : «أو حال موطّئة لقوله : موفورا» قال بعضهم : والمعنى : ذوي جزاء موفورا ، فيكون حالا من الضّمير في «يجزون».