تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٧

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٧

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

فقال له النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : ليس ذلك إليّ ، ذلك إلى الله تبارك وتعالى.

فقال : يا محمّد ، قلبي ما يتابعني على التّوبة ، ولكن أرحل عنك. فدعا براحلته فركبها ، فلمّا صار بظهر المدينة أتته جندلة فرضّت هامته (١).

ثمّ أتى الوحي إلى النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال : سأل سائل بعذاب واقع ، للكافرين بولاية علي ليس له دافع ، من الله ذي المعارج.

قال : قلت : جعلت فداك ، إنّا لا نقرأها هكذا.

فقال : هكذا ، والله ، نزل بها جبرئيل على محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ وهكذا هو ، والله ، مثبت في مصحف فاطمة ـ عليها السّلام ـ.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لمن حوله من المنافقين : انطلقوا إلى صاحبكم فقد أتاه ما استفتح به ، قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ).

وفي كتاب التّوحيد (٢) ، بإسناده إلى الحسن بن الصّباح قال : حدّثني أنس ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال : (كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) من أبى أن يقول : لا إله إلّا الله.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣). في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : العنيد المعرض عن الحقّ.

(مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ) : أي : بين يدي هذا الجبّار نار جهنّم ، فانّه مرصد بها واقف على شفيرها (٤) في الدّنيا ، مبعوث إليها في الآخرة.

وقيل (٥) : من وراء حياته ، وحقيقته ما توارى عنك.

(وَيُسْقى مِنْ ماءٍ) : عطف على محذوف ، تقديره : من ورائه جهنّم يلقي فيها [ما يلقى] (٦) ويسقى من ماء.

(صَدِيدٍ) (١٦) : عطف بيان «لماء».

__________________

(١) الجندلة ـ واحدة الجندل ـ : الصّخر العظيم. ورضّ الشيء : دقّه وجرشه والهامة : الرّأس.

(٢) التوحيد / ٢٠ ـ ٢١ ، ح ٩.

(٣) تفسير القمّي ١ / ٣٦٨.

(٤) أي : واقف على شفير جهنّم في الدّنيا باعتبار القرب واستعداده لحصوله فيها.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٥٢٧.

(٦) من المصدر.

٤١

قيل (١) : هو ما يسيل من جلود أهل النّار.

في مجمع البيان (٢) : (وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ) ، أي : ويسقى ممّا يسيل من الدّم والقيح من فروج الزّواني في النّار. عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ.

وروى أبو أمامة (٣) ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال : يقرّب إليه فيكرهه.

فإذا ادني منه شوى وجهه (٤) ووقعت (٥) فروة رأسه ، فإذا شرب قطّع أمعاءه حتّى يخرج من دبره ، يقول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ) ويقول : (وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ).

وقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : من شرب الخمر لم تقبل صلاته أربعين يوما ، فإن مات وفي بطنه شيء من ذلك كان حقّا على الله ـ عزّ وجلّ ـ أن يسقيه من طينة خبال ، وهو صديد أهل النّار وما يخرج من فروج الزّناة ، فيجتمع ذلك في قدور جهنّم ، فيشربه أهل النّار فيصهر به ما في بطونهم والجلود. رواه شعيب (٦) بن واقد ، عن الحسين بن يزيد ، عن الصّادق ، عن آبائه ـ عليهم السّلام ـ ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٧) : قال يقرّب إليه فيكرهه ، وإذا ادني منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه ، فإذا شرب تقطّعت أمعاؤه وفرقت (٨) تحت قدميه ، وأنّه يخرج من أحدهم مثل الوادي صديدا وقيحا.

ثمّ قال : وإنّهم ليبكون حتّى تسيل من دموعهم [فوق] (٩) وجوههم جداول ، ثمّ تنقطع الدّموع فتسيل الدّماء ، حتّى لو أنّ السّفن لو أجريت فيها لجرت ، وهو قوله : (وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ).

(يَتَجَرَّعُهُ) : يتكلّف جرعه (١٠).

وهو صفة «الماء» ، أو حال من الضّمير في «يسقى».

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) المجمع ٣ / ٣٠٨.

(٣) المجمع ٣ / ٣٠٨.

(٤) ليس في أ ، ب ، ر.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : وقع.

(٦) كذا في المصدر وتنقيح المقال ٢ / ٨٨. وفي النسخ : شبيب.

(٧) تفسير القمّي ١ / ٣٦٨.

(٨) المصدر : «مزّقت إلى». والأظهر : مرقت ، أي : خرجت ، أو : ذهبت.

(٩) من المصدر.

(١٠) كذا في أ ، ب. وفي سائر النسخ : جرعته.

٤٢

(وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ) : ولا يقارب أن يسيغه ، فكيف يسيغه بل يغصّ به فيطول عذاب.

و «السّوغ» جواز الشّراب على الحلق بسهولة.

(وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ) ، أي : أسبابه من الشّدائد ، فتحيط به من جميع الجهات.

وقيل (١) : من كل مكان [من جسده ، حتّى] (٢) من أصول شعره وإبهام رجله.

(وَما هُوَ بِمَيِّتٍ) : فيستريح.

(وَمِنْ وَرائِهِ) : ومن بين يديه.

(عَذابٌ غَلِيظٌ) (١٧) : أي : يستقبل في كلّ وقت [عذابا أشدّ ممّا هو] (٣) عليه.

وقيل (٤) : هو الخلود في النّار.

وقيل (٥) : حبس الأنفاس.

وقيل (٦) : الآية منقطعة عن قصّة الرّسل ، نازلة في أهل مكّة ، طلبوا الفتح الّذي هو المطّر في سنيهم الّتي أرسل الله ـ تعالى ـ عليهم بدعوة رسله ، فخيّب رجاءهم فلم يسقهم ، ووعد لهم أن يسقيهم في جهنّم بدل سقياهم صديد أهل النّار.

وفي تفسير العيّاشي (٧) : عن مسعدة بن صدقة ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه ـ عليهم السّلام ـ قال : قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : إنّ أهل النّار لمّا غلى الزّقوم والضّريع في بطونهم ، كغلي الحميم ، سألوا الشّراب ، فاتوا بشراب غسّاق (صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ) وحميم تغلي به جهنّم منذ خلقت (كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً).

(مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ) : مبتدأ خبره محذوف ، أي : فيما يتلى عليكم صفتهم الّتي هي مثل في الغرابة. أو قوله : (أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ). وهو على الأوّل جملة مستأنفة لبيان مثلهم.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٢٧.

(٢) ليس في أ ، ب ، ر.

(٣) ليس في أ ، ب ، ر.

(٤ و ٥ و ٦) أنوار التنزيل ١ / ٥٢٨.

(٧) تفسير العياشي ٢ / ٢٢٣ ، ح ٧.

٤٣

وقيل (١) : «أعمالهم» بدل من «المثل» والخبر «كرماد».

(اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ) : حملته وأسرعت الذّهاب به.

وقرأ (٢) نافع : «الريّاح».

(فِي يَوْمٍ عاصِفٍ).

«العصوف» اشتداد الرّيح ، وصف به زمانه للمبالغة ، كقولهم : نهاره صائم وليله قائم.

شبّه صنائعهم ، من الصّدقة ، وصلة الرّحم ، وإغاثة الملهوف ، وعتق الرّقاب ، ونحو ذلك من مكارمهم في حبوطها وذهابها لبنائها على غير أساس من معرفة الله ـ تعالى ـ والتّوجّه بها إليه ، أو أعمالهم للأصنام ، كرماد طيّرته الرّيح العاصفة.

وفي أصول الكافي (٣) : محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن صفوان بن يحيى ، عن علا بن رزين ، عن محمّد بن مسلم قال : قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : اعلم ، يا محمّد ، أنّ أئمّة الجور وأتباعهم لمعزولون (٤) عن دين الله ، قد ضلّوا وأضلّوا ، فأعمالهم الّتي يعملونها (كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ).

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) : قال : من لم يقرّ بولاية أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ بطل عمله ، مثله مثل الرّماد الّذي تجيء الرّيح فتحمله.

(لا يَقْدِرُونَ) : يوم القيامة.

(مِمَّا كَسَبُوا) : من أعمالهم.

(عَلى شَيْءٍ) : لحبوطه ، فلا يرون له أثرا من الثّواب. وهو فذلكة (٦) التّمثيل.

(ذلِكَ) : إشارة إلى ضلالهم مع حسبانهم أنّهم محسنون.

(هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ) (١٨) : فإنّه الغاية في البعد عن طريق الحقّ.

(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ) : خطاب للنّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ والمراد به : أمّته.

__________________

(١ و ٢) أنوار التنزيل ١ / ٥٢٨.

(٣) الكافي ١ / ٣٧٥ ، ح ٢.

(٤) كذا في ب ، ر ، المصدر. وفي سائر النسخ : لمعزلون.

(٥) تفسير القمّي ١ / ٣٦٨.

(٦) الفذلكة : مجمل ما فصّل وخلاصته.

٤٤

وقيل (١) : لكلّ واحد من الكفرة على التّلوين (٢).

(خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) : بالحكمة والوجه الّذي يحقّ أن تخلق عليه ، ولم يخلقها عبثا باطلا.

وقرأ (٣) حمزة والكسائي : «خالق السماوات».

(إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) (١٩) : يعدمكم ويخلق خلقا آخر مكانكم.

رتّب ذلك على كونه خالقا للسّماوات والأرض استدلالا به عليه ، فإنّ من خلق أصولهم وما يتوقف عليه تخليقهم ، ثمّ كوّنهم بتبديل الصّور وتغيير الطّبائع ، قدر أن يبدلهم بخلق آخر ولم يمتنع عليه ذلك ، كما قال : (وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ) (٢٠) : بمتعذّر أو متعسّر ، فإنّه قادر لذاته لا اختصاص له بمقدور دون مقدور ، ومن هذا شأنه كان حقيقا بأن يعبد ويؤمن به رجاء لثوابه وخوفا من عقابه يوم الجزاء.

(وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً) ، أي : يبرزون من قبورهم يوم القيامة لأمر الله ومحاسبته.

أو لله على ظنّهم (٤) ، فإنّهم يخفون ارتكاب الفواحش ويظنّون أنّها تخفى على الله ، فإذا كان يوم القيامة انكشفوا لله عند أنفسهم (٥).

وإنّما ذكر بلفظ الماضي لتحقّق وقوعه.

(فَقالَ الضُّعَفاءُ) : الأتباع. جمع ضعيف ، يريد به : ضعفاء الرّأي.

وإنّما كتبت بالواو ، على لفظ من يفخّم الألف قبل الهمزة فيميلها إلى الواو.

(لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) : لرؤسائهم الّذين استتبعوهم واستغووهم.

وفي كتاب مصباح المتهجّد (٦) لشيخ الطّائفة ـ قدّس سرّه ـ خطبة لأمير المؤمنين ـ عليه

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٢٨.

(٢) أي : تغيير الكلام من طور إلى طور آخر ، وهو هاهنا الالتفات من الغيبة إلى الخطاب.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٥٢٨.

(٤) فيه : أنّه لزم أن يكون المعنى : برزوا يوم القيامة لله على ظنهم ، يكون البروز لله مظنونا لهم يوم القيامة ، لكنّ البروز المذكور معلوم لهم لا مظنون إلّا أن يقال الظّنّ بمعنى : العلم.

والاولى أن يقال : برزوا لله على علمهم ، أو برزوا على خلاف ظنّهم في الدنيا.

(٥) أي : يتيقنوا في تلك الحالة أنّهم مكشوفون لله ـ تعالى ـ.

(٦) مصباح المتهجّد / ٧٠١.

٤٥

السّلام ـ خطب بها يوم الغدير ، وفيها يقوم ـ عليه السّلام ـ : وتقرّبوا إلى الله بتوحيده وطاعته من أمركم أن تطيعوه ، ولا تمسكوا بعصم الكوافر ، ولا يخلج بكم البغي فتضلّوا عن سبيل الرّشاد باتّباع أولئك الّذين ضلّوا وأضلّوا ، قال الله ـ عزّ من قائل ـ في طائفة ذكرهم بالذّمّ في كتابه : (إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا).

... إلى قوله ـ عليه السّلام ـ : وقال ـ تعالى ـ : (وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا) (١) (مِنْ عَذابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ) (٢) أفتدرون الاستكبار ما هو؟ هو ترك الطّاعة لمن أمروا بطاعته ، والتّرفع على من ندبوا إلى متابعته ، والقرآن ينطق من هذا عن كثير ، إن تدبّره متدبّر زجره ووعظه.

(إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً) : في تكذيب الرّسل والإعراض عن نصائحهم.

وهو جمع تابع ، كغائب وغيب. أو مصدر نعت به للمبالغة ، أو على إضمار المضاف.

(فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا) : دافعون عنّا.

(مِنْ عَذابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ).

«من» الأولى للبيان ، واقعة موقع الحال. والثّانية للتّبعيض ، واقعة موقع المفعول ، أي : بعض الشّيء الّذي هو عذاب الله ـ تعالى ـ.

ويجوز أن يكونا للتّبعيض ، أي : بعض شيء هو بعض عذاب الله ـ تعالى ـ.

والإعراب ما سبق (٣).

ويحتمل أن تكون الأولى مفعولا. والثّانية مصدرا ، أي : فهل أنتم مغنون بعض العذاب بعض الإغناء.

(قالُوا) ، أي : الّذين استكبروا ، جوابا عن معاتبة الأتباع والاعتذار عمّا فعلوا بهم.

(لَوْ هَدانَا اللهُ) : للإيمان ووفّقنا له (لَهَدَيْناكُمْ) ، ولكن ضللنا فأضللناكم ، أي : اخترنا لكم ما اخترناه لأنفسنا. أو لو هدانا الله طريق النّجاة من العذاب لهديناكم

__________________

(١) المؤمن / ٤٧.

(٢) إبراهيم / ٢١.

(٣) بأن يكون «من عذاب» حالا ، و «من شيء» مفعولا.

٤٦

وأغنيناه عنكم ، كما عرّضناكم له ، لكن سدّدوننا طريق الخلاص.

(سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا) : مستويان علينا الجزع والصّبر.

(ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ) (٢١) : منجى ومهرب من العذاب. من الحيص ، وهو العدول على جهة الفرار.

وهو يحتمل أن يكون مكانا ، كالمبيت. أو مصدرا ، كالمغيب.

(وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ) قيل (١) : احكم وفرغ منه ، وادخل أهل الجنّة الجنّة وأهل النّار النّار ، خطيبا في الأشقياء من الثّقلين.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : أي : لمّا فرغ من أمر الدّنيا من أوليائه.

وفيه ، وفي تفسير العيّاشي (٣) : عن حريز ، عمّن ذكره ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : كلّما في القرآن (وَقالَ الشَّيْطانُ) يريد به : الثّاني.

(إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِ) : وعدا من حقّه أن ينجز. أو وعدا أنجزه ، وهو وعد البعث والجزاء ، فوفى لكم بما وعدكم (٤).

(وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ) : جعل تبيين خلف وعده ، كالإخلاف منه.

(وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ) : تسلّط ، فالجئكم إلى الكفر والمعاصي.

(إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ) : إلّا دعائي إياكم إليهما (٥) بتسويلي ووسوستي. وهو ليس من جنس السّلطان ، ولكنّه على طريقة قولهم :

تحيّة بينهم ضرب وجيع (٦)

ويجوز أن يكون الاستثناء منقطعا.

(فَاسْتَجَبْتُمْ لِي) : أسرعتم إجابتي.

(فَلا تَلُومُونِي) : بوسوستي ، فإنّ من صرّح العداوة (٧) لا يلام بأمثال ذلك.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٢٩.

(٢) تفسير القمّي ١ / ٣٦٨.

(٣) تفسير العياشي ٢ / ٢٢٣ ، ح ٨. ولم نعثر عليه في تفسير القمّي.

(٤) فالأوّل باعتبار استحقاقه للإنجاز والثاني باتّصافه بالإنجاز بالفعل.

(٥) أي : الكفر والمعاصي.

(٦) فتكون الدعوة سلطنة تقديرا ، كما يقدّر الضرب تحيّة.

(٧) أ ، ب : بالعداوة.

٤٧

(وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ) : حيث اغتررتم بي وأطعتموني إذ دعوتكم ، ولم تطيعوا ربّكم لمّا دعاكم.

وفي نهج البلاغة (١) : قال ـ عليه السّلام ـ : دعاهم ربّهم فنفروا (٢) وولّوا ، ودعاهم الشّيطان فاستجابوا وأقبلوا.

(ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ) : بمغيثكم من العذاب.

(وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَ) : بمغيثيّ.

وقرأ (٣) حمزة ، بكسر الياء.

قيل (٤) : إمّا على الأصل في التقاء السّاكنين ، وهو أصل مرفوض في مثله ، لما فيه.

من اجتماع ياءين وثلاث كسرات مع أنّ حركة ياء الإضافة الفتح ، فإذا لم تكسر وقبلها ألف فبالحريّ أن لا تكسر وقبلها ياء (٥). أو على لغة من يزيد ياء على ياء الإضافة ، إجراء لها مجرى الهاء والكاف (٦) في «ضربته ، وأعطيتكه» وحذف الياء اكتفاء بالكسرة.

(إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ).

قيل (٧) : «ما» إمّا مصدريّة و «من» متعلّقة «بأشركتموني» ، أي : أنّي كفرت اليوم بإشراككم إيّاي (٨) من قبل هذا اليوم ، أي : في الدّنيا ، بمعنى : تبرّأت منه واستنكرته ، كقوله : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ).

أو موصولة ، بمعنى : من نحو ما في قولهم : سبحانه ما سخركنّ لنا ، و «من» متعلّقة «بكفرت» ، أي : كفرت بالّذي أشركتمونيه ، وهو الله ـ تعالى ـ بطاعتكم إيّاي فيما دعوتكم إليه من عبادة الأصنام وغيرها «من قبل» إشراككم حين رددت أمره بالسّجود لآدم.

__________________

(١) نهج البلاغة / ٢٠٢ الخطبة ١٤٤.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : فتفرّقوا.

(٣ و ٤) أنوار التنزيل ١ / ٥٢٩.

(٥) أي : إذا لم تكسر ياء الإضافة وقبلها ألف في مثل : غلاماي ، فبطريق الأولى أن لا تكسر وقبلها ياء لزيادة الثقل.

(٦) فكما أنّه يزاد الواو والياء بعد الهاء والكاف تمّ حذف الياء واكتفي بالكسر ، كذلك حذف الهاء هاهنا واكتفي بالكسر.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٥٢٩.

(٨) إشراكهم الشّيطان باعتبار أنّ عبادة الأصنام في الحقيقة عبادة الشيطان لأنّه أوقعهم في عبادتها.

٤٨

و «أشرك» منقول من : شركت زيدا ، للتّعدية إلى مفعول ثان.

وفي الخبر ما يؤيّد الأوّل ، ففي أصول الكافي (١) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن بكر بن صالح ، عن القاسم بن يزيد ، عن أبي عمرو الزّبيريّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : والوجه الخامس من الكفر كفر البراءة.

قال : قال : يذكر إبليس وتبرّيه من أوليائه من الإنس يوم القيامة (إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ).

والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

وفي كتاب التّوحيد (٢) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، يقول فيه ـ عليه السّلام ـ وقد ذكر قوله ـ تعالى ـ : (يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) : والكفر في هذه الآية البراءة ، يقول : فيبرأ بعضهم من بعض. ونظيرها في سورة إبراهيم قول الشّيطان : (إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ). وقول إبراهيم خليل الرّحمن : (كَفَرْنا بِكُمْ) ، يعني : تبرّأنا منكم.

(إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٢٢) : تتمّة كلامه ، أو ابتداء كلام من الله ـ تعالى ـ. وفي حكاية أمثال ذلك لطف للسّامعين ، وإيقاظ لهم ، حتّى يحاسبوا أنفسهم ويتدبّروا عواقبهم.

وفي تفسير العيّاشي (٣) : عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : أنّه إذا كان يوم القيامة يؤتى بإبليس في سبعين غلّا وسبعين كبلا (٤) ، فينظر الأوّل إلى زفر في عشرين ومائة كبل وعشرين ومائة غلّ ، فينظر إبليس فيقول : من هذا (٥) الّذي أضعف (٦) الله له العذاب ، وأنا أغويت هذا الخلق جميعا؟

فيقال : هذا زفر.

فيقول : بما حدّد (٧) له هذا العذاب؟

فيقال (٨) : ببغيه على عليّ ـ عليه السّلام ـ.

فيقول له إبليس : ويل لك وثبور لك ، أما علمت أنّ الله أمرني بالسّجود لآدم

__________________

(١) الكافي ٢ / ٣٩٠ ، ح ١.

(٢) التوحيد / ٢٦٠ ، ح ٥.

(٣) تفسير العياشي ٢ / ٢٢٣ ، ح ٩.

(٤) الكبل : القيد.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : هو.

(٦) المصدر : أضعفه.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : جدّد.

(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : فيقول.

٤٩

فعصيته ، وسألته أن يجعل بالسّجود لآدم فعصيته ، وسألته أن يجعل لي سلطانا على محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ وأهل بيته وشيعته فلم يجبني إلى ذلك وقال : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) وما عرفتهم حين استثناهم (١) (وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ)؟ فمنّتك به نفسك غرورا.

فيوقف بين يدي الخلائق ، فيقال (٢) له : ما الّذي كان منك إلى عليّ ، وإلى الخلق الّذي اتّبعوك على الخلاف؟

فيقول الشّيطان ، وهو زفر ، لإبليس : أنت أمرتني بذلك.

فيقول له إبليس : فلم عصيت ربّك وأطعتني؟

فيردّ زفر عليه ما قال الله : (إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ) (الآية).

(وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) : بإذن الله وأمره. والمدخلون الملائكة.

وقرئ (٣). «ادخل» على التّكلّم ، فيكون قوله : «بِإِذْنِ رَبِّهِمْ» متعلّقا بقوله : (تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) (٢٣) ، أي : تحيّيهم الملائكة بالسّلام بإذن ربّهم.

(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً) : كيف اعتمده ووضعه.

(كَلِمَةً طَيِّبَةً) : قولا حقّا ، ودعاء إلى صلاح.

(كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ) : يطيب ثمرها ، كالنّخلة ، أي : جعل كلمة طيّبة ، كشجرة طيّبة. وهو تفسير لقوله : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً).

ويجوز أن تكون «كلمة» بدلا من «مثلا» و «كشجرة» صفتها ، أو خبر مبتدأ محذوف ، أي : هي كشجرة. وأن تكون أوّل مفعولي «ضرب» إجراء لها مجرى «جعل».

وقد قرئت (٤) ، بالرّفع ، على الابتداء.

وفي مجمع البيان (٥) : (كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ) روى أنس ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : من استثناءهم.

(٢) المصدر : فقال.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٠.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٠.

(٥) المجمع ٣ / ٣١٢.

٥٠

وآله ـ : أنّ هذه الشّجرة الطّيّبة [هي] (١) النّخلة.

(أَصْلُها ثابِتٌ) : في الأرض ، ضارب بعروقه فيها.

(وَفَرْعُها) : وأعلاها (فِي السَّماءِ) (٢٤).

قيل (٢) : يجوز أن يريد : وفروعها ، أي : أفنانها ، على الاكتفاء بلفظ الجنس لاكتسابه الاستغراق من الإضافة.

(تُؤْتِي أُكُلَها) : تعطي ثمرها.

(كُلَّ حِينٍ) : وقّته الله لأثمارها.

(بِإِذْنِ رَبِّها) : بإرادة خالقها وتكوينه.

(وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (٢٥) : لأنّ في ضربها زيادة إفهام وتذكير ، فإنّه تصوير للمعاني وإدناء لها من الحسّ.

وفي أصول الكافي (٣). عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن سيف ، عن أبيه ، عن عمرو بن حريث قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله : (كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ).

قال : فقال : رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أصلها ، وأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ فرعها ، والأئمّة من ذرّيّتهما أغصانها ، وعلم الأئمّة ثمرها ، وشيعتهم المؤمنون ورقها ، [هل فيها فضل؟

قال : قلت : لا ، والله] (٤).

قال : والله ، إنّ المؤمن ليولد فتورق ورقة ، [فيها] (٥) ، وأنّ المؤمن ليموت فتسقط ورقة منها.

وفي كتاب الخصال (٦) : عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : خلق النّاس من شجر (٧) شتّى ، وخلقت أنا وابن أبي طالب من شجرة واحدة ، أصلي عليّ وفرعي جعفر.

__________________

(١) من المصدر.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٥٣٠.

(٣) الكافي ١ / ٤٢٨ ، ح ٨٠.

(٤ و ٥) من المصدر.

(٦) الخصال ١ / ٢١ ، ح ٧٢.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : شجرة.

٥١

وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة (١) ، بإسناده إلى عبد الرّحمن بن حمّاد : عن عمر بن سالم صاحب السّابريّ (٢) قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن هذه الآية (أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ).

قال : أصلها رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وفرعها أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ ، والحسن والحسين ثمرها ، وتسعة من ولد الحسين أغصانها ، والشّيعة ورقها. والله ، إنّ الرّجل منهم ليموت فتسقط ورقة من تلك الشّجرة.

قلت : قوله : (تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها).

قال : ما يخرج من علم الإمام إليكم في كلّ سنة من حجّ وعمرة (٣).

وفي الخرائج والجرائح (٤) : وروي عن الحلبيّ ، عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ وذكر حديثا طويلا ، وفي آخره : يقول الباقر ـ عليه السّلام ـ : وأخبركم عمّا أردتم أن تسألوا عنه في قوله ـ تعالى ـ : شجرة (أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ) نحن نعطي شيعتنا ما نشاء من العلم.

وفي كتاب علل الشّرائع (٥) ، بإسناده إلى السّكونيّ : عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ـ عليهما السّلام ـ : أنّ عليّا ـ عليه السّلام ـ قال في رجل نذر أن يصوم زمانا ، قال : الزّمان خمسة أشهر ، والحين ستّة أشهر ، لأنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول : (تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها).

وفي الكافي (٦) ، مثله سواء.

وفي كتاب معاني الأخبار (٧) : حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق قال : حدّثنا [محمّد بن] (٨) عبد العزيز بن يحيى قال : حدّثني عبد الله بن محمّد الضّبيّ (٩) قال : حدّثنا

__________________

(١) كمال الدين / ٣٤٥ ، ح ٣٠.

(٢) كذا في المصدر وتنقيح المقال ٢ / ٣٤٤. وفي النسخ : عمر بن صالح السابريّ.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : من كلّ فجّ عميق.

(٤) الخرائج ٢ / ٥٩٧ ، ح ٨.

(٥) العلل / ٣٨٧ ، ح ١.

(٦) الكافي ٤ / ١٤٢ ، ح ٥.

(٧) المعاني / ٤٠٠ ، ح ٦١.

(٨) ليس في المصدر.

(٩) ب : زيادة قال : حدثني عبد الله بن هلال.

٥٢

محمد (١) بن هلال قال : حدّثنا نائل (٢) بن نجيج قال : حدّثنا عمرو بن شمر ، عن جابر الجعفيّ قال : سألت أبا جعفر ، محمّد بن عليّ الباقر عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها).

قال : [أمّا] (٣) الشّجرة فرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ، وفرعها عليّ ـ عليه السّلام ـ ، وغصن الشّجرة فاطمة بنت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ، وثمرها أولادها ـ عليهم صلوات الله ـ ، وورقها شيعتنا.

ثمّ قال : إنّ المؤمن من شيعتنا ليموت فتسقط من الشّجرة ورقة ، وأنّ المولود من شيعتنا ليولد فتورق (٤) الشّجرة ورقة.

وفي مجمع البيان (٥) : وروي عن ابن عبّاس قال : قال جبرئيل للنّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : أنت الشّجرة ، وعليّ غصنها ، وفاطمة ورقها ، والحسن والحسين ثمارها.

[(تُؤْتِي أُكُلَها) ، أي : تخرج هذه الشجرة ما يؤكل منها] (٦).

(كُلَّ حِينٍ) ، أي : في كلّ ستّة أشهر. عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ.

وفي الكافي (٧) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن الحسن بن محبوب ، عن خالد بن جرير ، عن أبي الرّبيع ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه سئل عن رجل قال : لله عليّ أن أصوم حينا ، وذلك في شك (٨) شكر.

فقال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : قد اتي عليّ ـ عليه السّلام ـ في مثل هذا ، فقال : صم ستّة أشهر ، فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول : (تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها) ، يعني : ستّة أشهر.

محمّد بن يحيى (٩) ، رفعه ، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ قال : تقول إذا غرست أو زرعت : مثل كلمة طيبة (كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها).

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : عبد.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : قابل.

(٣) من المصدر.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : فتوقع.

(٥) المجمع ٣ / ٣١٢.

(٦) من المصدر.

(٧) الكافي ٤ / ١٤٢ ، ح ٦.

(٨) ليس في المصدر.

(٩) الكافي ٥ / ٢٦٣ ، ح ٦.

٥٣

وفي كتاب الاحتجاج (١) للطّبرسيّ ـ رضي الله عنه ـ : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، وفيه : وجعل أهل الكتاب المقيمين به والعالمين (٢) بظاهره وباطنه من شجرة أصلها ثابت وفرعها في السّماء تؤتي أكلها كلّ حين بإذن ربّها ، أي : يظهر مثل هذا العلم المحتملة في الوقت [بعد الوقت] (٣) ، ولو علم المنافقون ـ لعنهم الله ـ ما عليهم من ترك هذه الآيات الّتي بيّنت لك تأويلها لأسقطوها مع ما أسقطوا [منه.] (٤)

وفي تفسير العيّاشي (٥) : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله : (مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً) (الآية) : هذا مثل ضربه الله لأهل بيت نبيّه ولمن عاداهم.

(وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ) : قول باطل ، ودعاء إلى ضلال وفساد.

(كَشَجَرَةٍ) : كمثل شجرة.

(خَبِيثَةٍ) : لا يطيب ثمرها ، كالحنظل مثلا.

(اجْتُثَّتْ) : استؤصلت وأخذت جثّتها بالكلّيّة.

(مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ) : لأنّ عروقها قريبة منها.

(ما لَها مِنْ قَرارٍ) (٢٦) : استقرار.

وفي مجمع البيان (٦) : عن الباقر ـ عليه السّلام ـ : أنّ هذا مثل بني أميّة.

وفي تفسير العيّاشي (٧) : عن محمّد بن عليّ الحلبيّ ، عن زرارة وحمران ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ وأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله الله : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ) قال : يعني : النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ [والائمّة من بعده هم] (٨) الأصل الثّابت ، والفرع والولاية لمن دخل فيها.

عن عبد الرّحمن بن سالم الأشلّ (٩) ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ) (الآيتين) قال : هذا مثل ضربه الله لأهل بيت نبيّه ، ولمن عاداهم هو (مَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ) (الآية).

__________________

(١) الاحتجاج ١ / ٢٥٢ ـ ٢٥٣.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : القائمين به والعاملين.

(٣ و ٤) من المصدر.

(٥) تفسير العياشي ٢ / ٢٢٥ ، ح ١٥.

(٦) المجمع ٣ / ٣١٣.

(٧) تفسير العياشي ٢ / ٢٢٤ ، ح ١٠.

(٨) من المصدر.

(٩) تفسير العياشي ٢ / ٢٢٥ ، ح ١٥.

٥٤

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : حدثني أبي ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي جعفر الأحول ، عن سلام بن المستنير ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن قول الله ـ تعالى ـ : (مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً) (٢) (الآية).

قال : الشّجرة السّلام (٣) رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ (٤) ونسبه ثابت في بني هاشم ، وفرع الشّجرة عليّ بن أبي طالب ، وغصن الشّجرة فاطمة ـ عليهما السّلام ـ ، وثمرها (٥) الأئمّة من ولد عليّ وفاطمة ـ عليهما السّلام ـ ، [والأئمة من أولادها أغصانها] (٦) وشيعتهم (٧) ورقها. وإنّ المؤمن من شيعتنا ليموت فتسقط من الشّجرة ورقة ، وأنّ المؤمن ليولد فتورق الشّجرة.

قلت : أرأيت قوله : (تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها).

قال : يعني بذلك : ما يفتون به الأئمّة شيعتهم في كلّ حجّ وعمرة من الحلال والحرام ، ثمّ ضرب الله لأعداء آل (٨) محمّد [مثلا] (٩) فقال : (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ).

وفي رواية أبي الجارود (١٠) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : كذلك الكافرون لا تصعد أعمالهم إلى السّماء ، وبنو أميّة لا يذكرون الله في مسجد ولا في مجلس ولا تصعد أعمالهم إلى السّماء إلّا قليل منهم.

وفي مصباح الكفعميّ (١١) : عن عليّ ـ عليه السّلام ـ : من به الثّؤلول (١٢) فليقرأ عليها هذه الآيات سبعا في نقصان الشّهر (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ) (وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا ، فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا).

(يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ) : الّذي ثبت بالحجّة عندهم ، وتمكنّ

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ٣٦٩.

(٢) أ ، ب ، ر : خبيثة.

(٣) ليس في المصدر. وفي ب : «الإسلام» بدل «السلام».

(٤) المصدر : «أصلها» بدل «و».

(٥) المصدر : ثمرتها.

(٦) ليس في المصدر.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : شيعتها.

(٨) ليس في المصدر.

(٩) من المصدر.

(١٠) تفسير القمّي ١ / ٣٦٩.

(١١) مصباح الكفعميّ / ١٥٨.

(١٢) الثؤلول : خراج يكون بجسد الإنسان ناتئ صلب مستدير.

٥٥

في قلوبهم ، واطمأنّت إليه أنفسهم.

(فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) : فلا يضلّون إذا افتتنوا في دينهم.

(وَفِي الْآخِرَةِ) : فلا يتلعثمون إذا سُئلوا عن معتقدهم في الموقف ، ولا تدهشهم أهوال القيامة.

(وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ) : الّذين ظلموا أنفسهم بالجحود والاقتصار على التّقليد ، فلا يهتدون إلى الحقّ ، ولا يثبتون في موافق الفتن.

(وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ) (٢٧) : من تثبيت المؤمنين ، وخذلان الكافرين.

وفي الكافي (١) : علي بن إبراهيم [عن أبيه] (٢) ، عن عمرو (٣) بن عثمان. وعدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن [محمد بن] (٤) أبي نصر والحسن بن عليّ ، جميعا ، عن أبي جميلة ، مفضّل بن صالح ، عن جابر ، عن عبد الأعلى ، وعليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن إبراهيم عن (٥) عبد الأعلى ، عن سويد بن غفلة قال : قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : إنّ ابن آدم إذا كان في آخر يوم من أيّام الدّنيا وأوّل يوم من أيّام الآخرة مثّل له ماله وولده وعمله ، فيلتفت إلى ماله فيقول : والله ، إنّي كنت عليك لحريصا شحيحا ، فما لي عندك؟

فيقول : خذ منّي كفنك.

قال : فيلتفت إلى ولده فيقول : والله ، إنّي كنت لكم لمحبّا وإنّي كنت عليكم لمحاميا ، فما (٦) لي عندكم؟

فيقولون : نؤدّيك إلى حفرتك (٧) ونواريك فيها.

قال : فيلتفت إلى عمله فيقول (٨) : إنّي كنت فيك لزاهدا (٩) وأنّك (١٠) كنت عليّ لثقيلا ، فما لي (١١) عندك؟

__________________

(١) الكافي ٣ / ٢٣١ ـ ٢٣٣ ، ح ١.

(٢) من المصدر.

(٣) كذا في المصدر وتنقيح المقال ٢ / ٣٣٥. وفي النسخ : عمر.

(٤) من المصدر.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : بن.

(٦) المصدر : زيادة ذا.

(٧) ليس في المصدر.

(٨) المصدر : زيادة «والله».

(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : لزاهد.

(١٠) المصدر : وإن.

(١١) المصدر : فما ذا.

٥٦

فيقول : أنا قرينك في قبرك ويوم نشرك ، حتّى اعرض أنا وأنت على ربّك.

قال : فإن كان لله وليا (١) أتاه أطيب خلق الله (٢) ريحا وأحسنهم منظرا وأحسنهم رياشا ، فيقول (٣) : أبشر بروح وريحان وجنّة نعيم ، ومقدمك خير مقدم.

فيقول له : من أنت؟

فيقول : أنا عملك الصّالح ارتحل من الدّنيا إلى الجنّة.

وإنّه ليعرف غاسله ، ويناشد حامله أن يعجّله. فإذا ادخل قبره أتاه ملكا القبر يجرّان أشعارهما ويخدّان الأرض بأقدامهما (٤) ، وأصواتهما كالرّعد القاصف ، وأبصارهما كالبرق الخاطف فيقولان له : من ربّك ، وما دينك ، ومن نبيّك ، [ومن إمامك؟] (٥).

فيقول : الله ربّي ، والإسلام ديني ، ونبيّي محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ [وإمامي عليّ] (٦).

فيقولان له : ثبّتك الله فيما يحبّ ويرضى (٧).

وهو قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ).

ثمّ يفسحان له في قبره مدّ بصره ، ثمّ يفتحان له بابا إلى الجنّة ، ثمّ يقولان له : نم قرير العين نوم الشّابّ النّاعم ، فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول : (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً).

قال : وإذا كان لله عدوّا (٨) [فإنّه] (٩) يأتيه أقبح [من] (١٠) خلق الله [زيّا ورؤيا] (١١) وأنتنه (١٢) ريحا ، فيقول له : أبشر بنزل من حميم وتصلية جحيم.

وإنّه ليعرف غاسله ، ويناشد حملته أن يحبسوه. فإذا ادخل قبره (١٣) و (١٤) أتاه ملكا

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : وليّ.

(٢) المصدر : خلق النّاس.

(٣) المصدر : فقال.

(٤ و ٥ و ٦) ليس في المصدر.

(٧) المصدر : تحبّ وترضى.

(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : عدوّ.

(٩ و ١٠) من المصدر.

(١١) من المصدر. وفي النسخ : «ريشا» بدل «زيّا ورؤيا».

(١٢) المصدر : أنته.

(١٣) المصدر : القبر.

(١٤) ليس في المصدر.

٥٧

القبر (١) فألقيا أكفانه ، ثمّ يقولان له : من ربّك ، وما دينك ، ومن نبيّك ، [ومن إمامك؟] (٢).

فيقول : لا أدري.

فيقولان له (٣) : لا دريت ولا هديت. ويضربان يا فوخه بمرزبة (٤) معهما ضربة ما خلق الله من دابّة إلّا وتذعر (٥) لها ما خلا الثقلين (٦) ، ثمّ يفتحان له بابا إلى النّار ، ثمّ يقولان له : نم (٧) بسوء حال فيه. ويكون (٨) فيه من الضّيق مثل ما فيه القنا (٩) من الزّجّ (١٠) ، حتّى أنّ دماغه ليخرج من بين ظفره ولحمه ، ويسلّط الله عليه حيّات الأرض وعقاربها وهو امّها فتنهشه حتّى يبعثه الله من قبره ، و [أنّه] (١١) يتمنّى قيام السّامة ممّا (١٢) هو فيه من الشّرّ ، نعوذ بالله من عذاب القبر.

محمّد بن يحيى (١٣) ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمّد ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ المؤمن إذا اخرج (١٤) من بيته شيّعته الملائكة إلى قبره يزدحمون عليه ، حتّى إذا انتهي به إلى قبره قالت له الأرض : مرحبا بك وأهلا ، أما والله لقد كنت أحبّ أن يمشي عليّ مثلك ، لترينّ ما أصنع بك (١٥). فتوسع له مدّ بصره ، ويدخل عليه في قبره ملكا القبر ، وهما قعيدا القبر ، منكر ونكير ، فيلقيان فيه الرّوح إلى حقويه (١٦) ، فيقعدانه ويسألانه ، فيقولان له : من ربّك؟

__________________

(١) المصدر : ممتحنا القبر.

(٢ و ٣) ليس في المصدر.

(٤) المرزبة : عصاة كبيرة من حديد تتخذ لتكسير المدر.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : «ترعد» بدل «وتذعر».

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : الثقلان.

(٧) ليس في أ ، ب.

(٨) ليس في المصدر.

(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : «من القناة».

(١٠) كذا في المصدر. وفي أ ، ب ، ر : البرج. وفي سائر النسخ : البرخ. والزّجّ : الحديدة في طرف الرّمح.

(١١) من المصدر.

(١٢) المصدر : فيما.

(١٣) الكافي ٣ / ٢٣٩ ـ ٢٤٠ ، ح ١٢.

(١٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : خرج.

(١٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : به.

(١٦) الحقو : الخصر.

٥٨

فيقول : الله.

فيقولان : ما دينك؟

فيقول : الإسلام.

فيقولان : ومن نبيّك؟

فيقول : محمّد.

فيقولان : ومن إمامك؟

فيقول : فلان.

قال : فينادي مناد من السّماء : صدق عبدي ، افرشوا له في قبره من الجنّة ، وافتحوا له [في قبره] (١) بابا إلى الجنّة ، وألبسوه من ثياب الجنّة حتّى يأتينا وما عندنا خير له.

ثمّ يقال له : نم نومة [عروس ، نم نومة] (٢) لا حلم فيها.

قال : وإن كان كافرا خرجت الملائكة تشيّعه إلى قبره يلعنونه ، حتّى إذا انتهى (٣) إلى قبره قالت له الأرض : لا مرحبا بك ولا أهلا ، أما والله لقد كنت أبغض أن يمشي عليّ مثلك ، لا جرم لترينّ ما أصنع بك اليوم. فتضيق عليه حتّى تلتقي جوانحه (٤).

قال : ثمّ يدخل عليه ملكا القبر ، وهما قعيدا القبر ، منكر ونكير.

قال أبو بصير : قلت (٥) : جعلت فداك ، يدخلان على المؤمن والكافر في صورة واحدة؟

قال : لا.

قال : فيقعدانه ويلقيان فيه الرّوح إلى حقويه ، فيقولان له : من ربّك؟

فيتلجلج (٦) ، ويقول : قد سمعت النّاس يقولون (٧).

فيقولان له : لا دريت (٨). ويقولان له : ما دينك؟

فيتلجلج.

فيقولان له : لا دريت. ويقولان له : من نبيّك؟

__________________

(١ و ٢) من المصدر.

(٣) المصدر : زيادة «به».

(٤) الجوانح : الأضلاع الّتي تحت الترائب ، وهي ممّا يلي الصّدر ، كالضّلوع مما يلي الظهر.

(٥) ليس في المصدر.

(٦) التلجلج : التردّد في الكلام.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : يقول.

(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : لادريته.

٥٩

فيقول : قد سمعت النّاس [يقولون] (١).

فيقولان له : لا دريت. ويسأل (٢) عن إمام زمانه.

قال : فينادي مناد من السّماء : كذب عبدي ، افرشوا له في قبره من النّار ، وألبسوه من ثياب النّار ، وافتحوا له بابا إلى النّار حتّى يأتينا وما عندنا شرّ له. فيضربانه بمرزبة ثلاث ضربات ، ليس منها ضربة إلّا يتطاير قبره نارا ، لو ضرب بتلك المرزبة جبال تهامة (٣) لكانت رميما.

وقال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : ويسلّط الله عليه في قبره الحيّات تنهشه نهشا ، والشّيطان يغمّه غمّا.

قال : ويسمع عذابه من خلق الله إلّا الجنّ والأنس (٤) ، وأنّه ليسمع خفق نعالهم ونفض (٥) أيديهم ، وهو قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ).

وفي من لا يحضره الفقيه (٦) : وقال الصّادق ـ عليه السّلام ـ : إنّ الشّيطان ليأتي الرّجل من أوليائنا عند موته عن يمينه وعن شماله ليضلّه عمّا هو عليه ، فيأبى الله ـ عزّ وجلّ ـ له ذلك ، وذلك قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ).

وفي تفسير العيّاشي (٧) : عن زرارة وحمران ومحمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام ـ قالا : إذا وضع الرّجل في قبره أتاه ملكان : ملك عن يمينه وملك عن يساره ، وأقيم الشّيطان بين يديه عيناه من نحاس.

فيقال : ما تقول في هذا الرّجل الّذي خرج (٨) بين ظهرانيكم ، يزعم أنّه رسول الله؟

فيفزع لذلك فزعة ، ويقول إن كان مؤمنا : محمّد رسول الله.

فيقال له عند ذلك : نم نومة لا حلم فيها.

__________________

(١) من المصدر.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : يسألان.

(٣) تهامة : من أسماء مكّة المكرّمة.

(٤) المصدر : زيادة «قال».

(٥) المصدر : ونقض.

(٦) الفقيه ١ / ٨٠ ـ ٨١ ، ح ٣٦٣.

(٧) تفسير العياشي ٢ / ٢٢٥ ، ح ١٧.

(٨) المصدر : زيادة «من».

٦٠