تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٧

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٧

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

المعجزة على وفق دعواي ، وعلى أنّي بلّغت ما أرسلت به إليكم وأنّكم عاندتم.

و «شهيدا» نصب على الحال ، أو التّمييز.

(إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) (٩٦) : يعلم أحوالهم الباطنة منها والظّاهرة ، فيجازيهم عليه. وفيه تسلية للرّسول ، وتهديد للكفّار.

وفي تفسير العيّاشي (١) : عن عبد الحميد بن أبي الدّيلم ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ (قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً) قالوا : إنّ الجنّ كانوا في الأرض قبلنا فبعث الله إليهم ملكا ، فلو أراد (٢) الله أن يبعث إلينا لبعث (٣) ملكا من الملائكة ، وهو قول الله : (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا) (الآية).

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : قوله : (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا) (الآية) قال : قال الكفّار : لم لم يبعث الله إلينا الملائكة؟ فقال الله : لو بعثنا ملكا ولم يؤمنوا لهلكوا (٥).

ولو كانت الملائكة في الأرض (يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً).

فإنّه حدّثني أبي ، عن أحمد بن النّضر ، عن عمرو بن شمر ، [عن جابر ،] (٦) عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : بينما رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ جالس (٧) وعنده جبرئيل (٨) إذ حانت من جبرئيل نظرة قبل السّماء ، فامتقع لونه (٩) حتّى صار كأنّه كركمة (١٠) ، ثمّ لاذ برسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. [فنظر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ] (١١) إلى حيث نظر جبرئيل فإذا شيء قد ملأ ما بين الخافقين مقبلا ، حتّى كان كقاب قوسين (١٢) من الأرض.

ثمّ قال : يا محمّد ، إنّي رسول الله إليك أخيّرك أن تكون ملكا رسولا أحبّ إليك أو تكون عبدا رسولا.

فالتفت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى جبرئيل ، وقد رجع إليه لونه ، فقال

__________________

(١) تفسير العيّاشي ٢ / ١٣٧ ، ح ١٦٧.

(٢) كذا في المصدر : وفي النسخ : «فأراد» بدل «فلو أراد» ..

(٣) في المصدر زيادة : الله.

(٤) تفسير القمّي ٢ / ٢٨ و ٢٧.

(٥) المصدر : لو بعثنا ملكا ولما آمنوا ولهلكوا.

(٦) ليس في أ ، ب ، ر

(٧ و ٨) ليس في ب.

(٩) امتقع لونه : تغيّر من حزن أو فزع. (١٠) الكركمة : الزّعفران.

(١١) من المصدر. (١٢) ليس في أ ، ب ، ر ، المصدر.

٥٢١

جبرئيل : [بل] (١) كن عبدا رسولا.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : بل أكون عبدا رسولا.

فرفع الملك رجله اليمنى فوضعها في كبد السّماء الدّنيا ، ثمّ رفع الأخرى فوضعها في الثّانية ، ثمّ رفع اليمنى فوضعها في الثّالثة ، ثمّ هكذا حتى انتهى إلى السّابعة ، كلّ سماء خطوة ، وكلّما ارتفع صغر حتّى صار آخر ذلك مثل الصّرّ (٢).

فالتفت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى جبرئيل فقال : لقد رأيتك ذعرا [ما رأيت مثله] (٣) ، وما رأيت شيئا أذعر لي من تغيّر لونك! فقال : يا نبيّ الله ، لا تلمني ، أتدري من هذا؟

قال : لا.

قال : هذا إسرافيل حاجب الرّبّ ، ولم ينزل من مكانه منذ خلق الله السّماوات والأرض. فلمّا رأيته منحطّا ظنّنت أنّه جاء بقيام السّاعة ، فكان الّذي رأيته من تغيّر لوني لذلك ، فلمّا رأيت ما اصطفاك الله به رجع إليّ لوني ونفسي. أما رأيته كلّما ارتفع صغر؟ إنّه ليس شيء يدنو من الرّبّ إلّا صغر (٤) لعظمته. إنّ هذا حاجب الرّبّ وأقرب خلق الله منه واللّوح بين عينيه من ياقوتة حمراء ، فإذا تكلّم الرّبّ ـ تبارك وتعالى ـ بالوحي ضرب اللّوح جبينه فنظر فيه ، ثمّ ألقاه (٥) إلينا فنسعى به في السّماوات والأرض. إنّه لأدنى خلق الرّحمن منه بينه وبينه سبعون حجابا من نور ينقطع دونها الأبصار ما لا يعدّ ولا يوصف ، وأنا لأقرب الخلق منه بيني وبينه [مسيرة ألف عام] (٦).

(وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ) : يهدونهم.

(وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ) : يسحبون عليها ، أو يمشون بها.

وفي مجمع البيان (٧) : عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّ رجلا قال : يا نبيّ الله ، كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة؟

__________________

(١) من المصدر.

(٢) الصّرّ ـ بالكسر ـ : طائر كالعصفور ، أصفر.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : يصغر.

(٥) المصدر : يلقيه.

(٦) من المصدر.

(٧) المجمع ٣ / ٤٤٢.

٥٢٢

قال : إنّ الّذي أمشاه على رجليه [في الدّنيا] (١) قادر على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة.

وفي تفسير العيّاشي (٢) : عن إبراهيم ، [رفعه إلى أحدهما ـ عليهما السّلام ـ] (٣) في قول الله : (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ) قال : على جباههم.

(عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا) : لا يبصرون ما يقرّ أعينهم ، ولا يسمعون ما يلذّ مسامعهم ، ولا ينطقون بما يقبل منهم ، لأنّهم [في دنياهم] (٤) لم يستبصروا بالآيات والعبر ، وتصامّوا عن استماع الحقّ ، وأبوا أن ينطقوا بالصّدق.

ويجوز أن يحشروا بعد الحساب من الموقف إلى النّار مؤوفي القوى والحواسّ.

(مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ) : سكن لهبها ، بأن أكلت جلودهم ولحومهم.

(زِدْناهُمْ سَعِيراً) (٩٧) : توقّدا ، بأن تبدّل جلودهم ولحومهم فتعود ملتهبة مستعرة بهم ، كأنّهم لمّا كذّبوا بالإعادة بعد الإفناء جزاهم الله بأن لا يزالوا على الإعادة والإفناء ، وإليه أشار بقوله : (ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً) (٩٨) : لأنّ الإشارة إلى ما تقدّم من عذابهم.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) : وقوله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا).

قال : على جباههم.

و (مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً) ، أي : كلّما انطفت.

فإنّه حدّثني أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن سيف بن عميرة ، يرفعه إلى عليّ بن الحسين ـ صلوات الله عليهما ـ قال : إنّ في جهنّم واديا يقال له : سعير ، إذا خبت جهنّم فتح سعيرها ، و [هو] (٦) قوله : (كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً) ، أي : كلّما انطفت.

وفي كتاب علل الشّرائع (٧) ، بإسناده إلى عليّ بن سليمان بن راشد ، بإسناده رفعه إلى أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ قال : تحشر المرجئة عميانا إمامهم أعمى ، فيقول بعض من

__________________

(١) من المصدر.

(٢) تفسير القمّي ٢ / ٣١٨.

(٣) يوجد في ب.

(٤) ليس في ب.

(٥) تفسير القمّي ٢ / ٢٩.

(٦) من المصدر.

(٧) العلل / ٦٠٢ ، ح ٦١.

٥٢٣

يراهم من غير أمّتنا : ما يكون (١) أمّة محمّد [إلّا] (٢) عميانا. فأقول لهم : ليسوا من أمّة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ لأنّهم بدّلوا فبدّل [ما] (٣) بهم ، وغيّروا فغيّر ما بهم.

وفي كتاب المناقب (٤) لابن شهر آشوب : أبو ذرّ في خبر ، عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : يا أبا ذر ، يؤتى بجاحد عليّ يوم القيامة أعمى أبكم يتكبكب في ظلمات يوم القيامة ، ينادي : (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ). (٥) وفي عنقه طوق من نار.

(أَوَلَمْ يَرَوْا) : أولم يعلموا.

(أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) : فإنّهم ليسوا أشدّ خلقا منهنّ ، ولا الإعادة أصعب عليه من الإبداء.

(وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ) : هو الموت ، أو القيامة.

(فَأَبَى الظَّالِمُونَ) : مع وضوح الحقّ (إِلَّا كُفُوراً) (٩٩) : إلّا جحودا.

(قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي) : خزائن رزقه وسائر نعمه.

و «أنتم» مرفوع بفعل يفسّره ما بعده ، كقول حاتم : لو ذات سوار لطمتني.

وفائدة هذا الحذف والتّفسير المبالغة مع الإيجاز ، والدّلالة على الاختصاص (٦).

(إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ) : لبخلتم مخافة النّفاد بالإنفاق [إذ لا أحد إلّا] (٧) ويختار النّفع لنفسه ، ولو آثر غيره بشيء ، فإنّما يؤثره لعوض يفوقه ، فهو إذن بخيل بالإضافة إلى جود الله وكرمه ، هذا وأنّ البخلاء أغلب فيهم.

(وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً) (١٠٠) : بخيلا ، لأنّ بناء أمره على الحاجة والضّنّة بما يحتاج إليه وملاحظة العوض فيما يبذل.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٨) : في هذه الآية قال : لو كانت الأمور (٩) بيد النّاس لما أعطوا النّاس شيئا مخافة الفقر (١٠). (وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً) أي : بخيلا.

__________________

(١) أ ، ب : أيكون.

(٢ و ٣) من المصدر.

(٤) عنه في نور الثقلين ٣ / ٢٢٨ ، ح ٤٥٤.

(٥) الزمّر / ٥٦.

(٦) يعني : لو أنتم تملكون خزائن رحمة الرّبّ لمنعتم الصرف منها ولأمسكتموها خشية الإنفاق بخلاف ما لو كان مالكها غيركم ، وهو الله ـ تعالى ـ.

(٧) ليس في أ ، ب.

(٨) تفسير القمّي ٢ / ٢٩.

(٩) المصدر : الأموال.

(١٠) المصدر : النفاد.

٥٢٤

(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ) : وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ) قال : الطّوفان والجراد والقمّل والضّفادع والدّم والحجر والعصا ويده والبحر.

وفي تفسير العيّاشي (٢) : عن سلام ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في هذه الآية ، مثله.

وفي قرب الإسناد (٣) ، بإسناده إلى موسى بن جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : سألني نفر من اليهود عن الآيات التّسع الّتي أوتيها موسى بن عمران ـ عليه السّلام ـ.

فقلت : العصا ، وإخراجه يده من (٤) جيبه بيضاء ، والجراد ، والقمّل ، والضفادع ، والدّم ، ورفع الطّور ، والمنّ والسّلوى آية واحدة ، وفلق البحر.

قالوا : صدقت.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وفي كتاب الخصال (٥) : عن هارون بن حمزة الغنويّ الصّيرفيّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن التّسع آيات (٦) الّتي أوتي موسى.

فقال : الجراد والقمّل والضّفادع والدّم والطّوفان والبحر والحجر والعصا ويده.

وفي الكافي (٧) : عليّ بن محمّد ، عن عبد الله بن إسحاق ، عن الحسن بن عليّ بن سليمان ، عن محمّد بن عمران ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قدم على عليّ أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ يهوديّ من أهل يثرب قد أقرّ له (٨) في يثرب [من اليهود] (٩) أنّه أعلمهم ، وكذلك كانت آباؤه (١٠) من قبل.

قال : وقدم على أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في عدّة من أهل بيته ، فلمّا انتهوا (١١) إلى المسجد الأعظم بالكوفة ، أناخوا رواحلهم ، ثمّ وقفوا على باب المسجد وأرسلوا إلى

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) تفسير العيّاشي ٢ / ٣١٨ ، ح ١٧٠.

(٣) قرب الإسناد / ١٣٢.

(٤) المصدر : في.

(٥) الخصال ٢ / ٤٢٣ ، ح ٢٤.

(٦) المصدر : الآيات.

(٧) الكافي ٤ / ١٨١ ، ح ٧.

(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : «اتّفق» بدل «أقرّ له».

(٩) ليس في أ ، ب.

(١٠) كذا في المصدر. وفي النسخ : أباه.

(١١) كذا في المصدر. وفي النسخ : انتهى.

٥٢٥

أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : إنّا قوم من اليهود قدمنا من الحجاز ولنا إليك حاجة ، فهل تخرج إلينا أم ندخل إليك؟

قال : فخرج إليهم وهو يقول : سيدخلون ويستأنفون (١) باليمين ، فما حاجتكم؟

فقال أعظمهم (٢) : يا ابن أبي طالب ، ما هذه البدعة الّتي أحدثت في دين محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ؟

فقال : أيّة بدعة (٣)؟

فقال له اليهوديّ : زعم قوم من أهل الحجاز ، أنّك عمدت إلى قوم شهدوا أن لا إله إلّا الله ، ولم يقرّوا أنّ محمّدا رسول الله فقتلتهم بالدّخان.

فقال له أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ : فنشدتك بالتّسع آيات (٤) الّتي أنزلت على موسى بطور سيناء وبحقّ الكنائس الخمس القدس وبحقّ السّمت الديّان (٥) ، هل تعلم أنّ يوشع بن نون أتى بقوم بعد وفاة موسى شهدوا أن لا إله إلّا الله ، ولم يقرّوا أنّ موسى رسول الله فقتلهم بمثل هذه القتلة؟

فقال له اليهوديّ : نعم ، أشهد أنّك ناموس موسى ـ عليه السّلام ـ.

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي مجمع البيان (٦) : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ) اختلف في هذه الآيات التّسع.

... إلى قوله : وقيل : إنّها تسع آيات في الأحكام (٧) ، روى عبد الله بن سلمة ، عن عنوان (٨) بن عسّال ، أنّ يهوديّا قال لصاحبه : تعال حتّى نسأل هذا النّبيّ.

فأتى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فسأله عن هذه الآية.

فقال : هو أن لا تشركوا بالله شيئا ، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا النّفس الّتي

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : يستاهون.

(٢) المصدر : عظيمهم.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : قال : وأيّ بدعة.

(٤) المصدر : الآيات.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : الديار. والديان : الحاكم ، القاضي.

(٦) المجمع ٣ / ٤٤٤.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : إنها تسع من الأحكام.

(٨) المصدر : صفوان.

٥٢٦

حرم الله إلّا بالحقّ ، ولا تمشوا بالبريء (١) إلى سلطان ليقتله (٢) ، ولا تسحروا ، ولا تأكلوا الرّبا ، ولا تقذفوا المحصنات ، ولا تولّوا للفرار (٣) يوم الزّحف ، وعليكم خاصّة ، يا يهود ، أن لا تعتدوا في السّبت.

فقبّل يده وقال (٤) : أشهد أنّك نبيّ (٥).

(فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ) : فقلنا له ، أي : لموسى : سلهم من فرعون ليرسلهم معك.

أو سلهم عن حال دينهم ، ويؤيّده قراءة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : «فسأل» على لفظ الماضي (٦) بغير همزة ، وهو لغة قريش. و «إذ» متعلّق «بقلنا» ، أو «سأل» على هذه القراءة.

أو فاسأل ، يا محمّد ، بني إسرائيل عمّا جرى بين موسى وفرعون «إذ جاءهم».

أو عن الآيات ليظهر للمشركين صدقك ، أو لتسلّي نفسك ، أو لتعلم أنّه ـ تعالى ـ لو أتى بما اقترحوا لأصرّوا على العناد والمكابرة ، كمن قبلهم ، أو ليزداد يقينك لأنّ تظاهر الأدلّة يوجب قوّة اليقين وطمأنينة القلب ، وعلى هذا كان نصب «إذ» «بآتينا» ، أو بإضمار «يخبروك» على أنّ جواب الأمر ، أو بإضمار «اذكر» على الاستئناف (٧) (فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً) (١٠١) : سحرت ، فتخبّط عقلك.

(قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ) : يا فرعون.

وقرأ (٨) الكسائي ، بالضّمّ ، على إخباره عن نفسه.

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : بالشيء.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : ليقتل.

(٣) المصدر : الفرار.

(٤) ليس في أ ، ب ، ر.

(٥) يوجد في ج ، / هنا زيادة مربوطة بتفسير اوّل الآية الآتية نقلا عن المجمع. وسنثبتها في محلّها.

(٦) كذا في أنوار التنزيل ١ / ٥٩٩. وفي النسخ هنا : زيادة «بني إسرائيل».

(٧) قوله : «وعلى هذا كان». أي : على أن يكون المراد : سل ، يا محمد ، بني إسرائيل ... الخ ، كان «إذ» منصوبا «بآتينا ... الخ ، إذ لا يمكن جعله متعلّقا بقوله : (فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ) إذ لا معنى لأن يقال : سل ، يا محمّد ، في «إذ جاءهم» ، أي : في زمان مجيء الآيات إيّاهم.

(٨) أنوار التنزيل ١ / ٥٩٩.

٥٢٧

[وروي (١) أنّ عليّا ـ عليه السّلام ـ قال في (عَلِمْتَ) : والله ، ما علم عدوّ الله ، ولكنّ موسى هو الّذي علم] (٢).

(ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ) ، يعني : الآيات.

(إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ) : بيّنات تبصّرك صدقي (٣) ، ولكنّك تعاند.

وانتصابه على الحال.

(وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً) (١٠٢) : مصروفا عن الخير مطبوعا على الشّرّ (٤) ، من قولهم : ما ثبرك عن هذا ، أي : ما صرفك؟

أو هالكا قارع ظنّه بظنّه ، وشتّان ما بين الظّنّين فإنّ ظنّه كذب بحت وظنّ موسى ـ عليه السّلام ـ يحوم حول اليقين من تظاهر أماراته.

وقرئ : «وإن لأخالك يا فرعون لمثبورا» على «إن» المخفّفة و «الّلام» هي الفارقة.

وفي تفسير العيّاشي (٥) : عن العبّاس [بن معروف] (٦) ، عن أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ ذكر قول الله : (يا فِرْعَوْنُ) يا عاصي.

(فَأَرادَ) : فرعون.

(أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ) : أن يستخفّ موسى وقومه ، وينفيهم (مِنَ الْأَرْضِ) أرض مصر ... أو الأرض مطلقا بالقتل والاستئصال.

(فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً) (١٠٣) : فعكسنا عليه مكره ، فاستفززناه وقومه بالإغراق.

(وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ) : من بعد فرعون وإغراقه. (لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ) : الّتي أراد أن يستفزّكم منها.

(فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ) : الكرّة ، أو الحياة ، أو السّاعة ، أو الدّار الآخرة ، يعني قيام القيامة.

__________________

(١) مجمع البيان ٣ / ٤٤٤.

(٢) ليس في ج.

(٣) ليس في أ ، ب ، ر.

(٤) ب : السوء.

(٥) تفسير العيّاشي ٢ / ٣١٨ ، ح ١٧١.

(٦) من المصدر.

٥٢٨

(جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً) (١٠٤) : مختلطين إيّاكم وإيّاهم ، ثمّ نحكم بينكم ونميّز سعداءكم من أشقيائكم.

و «اللّفيف» الجماعات من قبائل شتّى.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله : (فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ) : أراد أن يخرجهم من الأرض ، وقد علم فرعون وقومه ما أنزل تلك الآيات إلّا الله ـ عزّ وجلّ ـ.

وفي رواية [عليّ بن] (٢) إبراهيم (٣) : (فَأَرادَ) ، يعني : فرعون. (أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ) أن يخرجهم من مصر (٤). (فَأَغْرَقْناهُ ـ إلى قوله ـ بِكُمْ لَفِيفاً) ، أي : من كلّ ناحية.

وفيه (٥) قبل قوله : «[وفي رواية] (٦) عليّ بن إبراهيم» متّصل بقوله : «عزّ وجلّ» وقوله : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً) يقول : جميعا.

(وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) ، أي : وما أنزلنا القرآن إلّا متلبّسا (٧) (٨) بالحقّ المقتضي لإنزاله وما نزل إلّا متلبّسا بالحقّ الّذي اشتمل عليه.

وقيل (٩) : وما أنزلناه من السّماء إلّا محفوظا بالرّصد من الملائكة ، وما نزل على الرّسول إلّا محفوظا بهم من تخليط الشّياطين. ولعلّه أراد به نفي اعتراء البطلان (١٠) له أوّل الأمر وآخره.

(وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً) : للمطيع بالثواب. (وَنَذِيراً) (١٠٥) : للعاصي من العقاب ، فلا عليك إلّا التّبشير والإنذار.

(وَقُرْآناً فَرَقْناهُ) : نزّلناه مفرّقا منجّما.

وقيل (١١) : فرقنا فيه الحقّ من الباطل ، فحذف الجارّ ، كما في قوله : ويوما

__________________

(١) تفسير القمّي ٢ / ٢٩.

(٢) ليس في ب.

(٣) نفس المصدر والموضع.

(٤) في ب زيادة : وقد علم.

(٥) نفس المصدر والموضع.

(٦) ليس في ب.

(٧) ليس في أ ، ب.

(٨) أ ، ر : ملتبسا.

(٩) أنوار التنزيل ١ / ٥٩٩ ـ ٦٠٠.

(١٠) كذا في المصدر. وفي النسخ : الشياطين.

(١١) نفس المصدر / ٦٠٠.

٥٢٩

شهدناه.

وفي مجمع البيان (١) : عن عليّ ـ عليه السّلام ـ (فَرَقْناهُ) بالتّشديد.

(لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ) : مهل وتؤدة ، فإنّه أيسر للحفظ وأعون في الفهم.

وقرئ (٢) ، بالفتح ، وهو لغة.

(وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً) (١٠٦) : على حسب الحوادث.

(قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا) : فإنّ إيمانكم بالقرآن (٣) لا يزيده كمالا ، وامتناعكم عنه لا يورثه نقصا (٤) ، وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ) تعليل له ، أي : إن لم تؤمنوا به فقد آمن به من هو خير منكم ، وهو العلماء ، الّذين قرأوا الكتب السّابقة وعرفوا حقيقة الوحي وأمارات النّبوّة وتمكّنوا من الميز بين المحقّ والمبطل ، أو رأوا نعتك وصفة ما أنزل إليك في تلك الكتب.

ويجوز أن يكون تعليلا «لقل» على سبيل التّسلية ، كأنّه قيل : تسلّ بإيمان العلماء عن إيمان الجهلة ، ولا تكترث بإيمانهم وإعراضهم.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) : يعني : من أهل الكتاب الّذين آمنوا برسول الله.

(إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ) ، أي : القرآن.

(يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً) (١٠٧) : يسقطون على وجوههم تعظيما لأمر الله ، أو شكرا لإنجاز وعده في تلك الكتب ببعثه محمّدا ـ صلّى الله عليه وآله ـ على فترة من الرّسل وإنزال القرآن عليه.

وفي الكافي (٦) : عليّ بن محمّد ، بإسناده قال : سئل أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ عمّن بجبهته علّة لا يقدر على السّجود عليها.

قال : يضع ذقنه على الأرض ، إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول : (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً).

__________________

(١) المجمع ٣ / ٤٤٥.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٦٠٠.

(٣) ليس في أ ، ب.

(٤) ر ، ج : نقصانه.

(٥) تفسير القمّي ٢ / ٢٩.

(٦) الكافي ٣ / ٣٣٤ ، ح ٦.

٥٣٠

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : حدّثني أبي ، عن أبي الصّباح (٢) ، عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قلت له : رجل بين عينيه قرحة لا يستطيع أن يسجد عليها.

قال : يسجد ما بين طرف شعره ، فإن لم يقدر سجد على حاجبه الأيمن ، فإن لم يقدر فعلى حاجبه الأيسر ، فإن لم يقدر فعلى ذقنه.

قلت : فعلى ذقنه؟

قال : [نعم ،] (٣) أما تقرأ كتاب الله ـ عزّ وجلّ ـ : (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً).

(وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا) : عن خلف الوعد.

(إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً) (١٠٨) : إنّه كان وعده كائنا لا محالة.

(وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ) : كرّره لاختلاف الحال والسّبب ، فإنّ الأوّل (٤) للشّكر عند إنجاز الوعد ، والثّاني لما أثّر فيهم من مواعظ القرآن حال كونهم باكين من خشية الله.

وذكر الذّقن ، لأنّه أوّل ما يلقي الأرض من وجه السّاجد.

(وَيَزِيدُهُمْ) : سماع القرآن (خُشُوعاً) (١٠٩) ، كما يزيدهم علما ويقينا بالله.

(قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ)

نزل حين سمع المشركون رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول : يا الله ، يا رحمن. فقالوا : إنّه ينهانا (٥) أن نعبد إلهين ، وهو يدعو إلها آخر.

أو قالت اليهود : إنّك لتقلّ ذكر الرّحمن وقد أكثره الله في التّوراة.

فالمراد على الأوّل هو التّسوية بين اللّفظين ، بأنّهما يطلقان على ذات واحدة وإن اختلف اعتبار إطلاقهما ، والتّوحيد إنّما هو للذّات الّذي هو المعبود المطلق (٦). وعلى

__________________

(١) تفسير القمّي ٢ / ٣٠.

(٢) المصدر : الصباح.

(٣) من المصدر.

(٤) كذا في أنوار التنزيل ١ / ٦٠٠. وفي النسخ هنا زيادة : كونهم باكين.

(٥) كذا في أنوار التنزيل ١ / ٦٠٠. وفي النسخ : نهانا.

(٦) كذا في نفس المصدر والموضع. وفي النسخ : هو المقصود المعبود.

٥٣١

الثّاني أنّهما سيّان في حسن الإطلاق والإفضاء إلى المقصود ، وهو أجود (١) لقوله : (أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى).

والدّعاء في الآية بمعنى : التّسمية. وهو يتعدّى إلى مفعولين حذف أوّلهما استغناء عنه ، و «أو» للتّخيير ، والتّنوين في «أيّا» عوض عن المضاف إليه ، و «ما» صلة لتأكيد ما في «أيّا» من الإبهام ، والضّمير في «له» للمسمّى ، لأنّ التّسمية له لا للاسم ، وكان أصل الكلام : أيّا ما تدعوا فهو حسن ، فوضع موضعه «فله الأسماء الحسنى» للمبالغة والدّلالة على ما هو الدّليل عليه ، وكونها حسنى لدلالتها على صفات الجلال والإكرام.

وفي أصول الكافي (٢) : عليّ بن محمّد ، عن صالح بن أبي حمّاد ، عن الحسين بن يزيد ، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة ، عن إبراهيم بن عمر ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ خلق اسما (٣) بالحروف غير مصوّت (٤) ، وباللّفظ غير منطق ، وبالشّخص غير مجسّد ، وبالتّشبيه غير موصوف ، وباللّون غير مصبوغ ، منفيّ عنه الأقطار ، مبعّد عنه الحدود محجوب عنه حسّ (٥) كلّ متوهّم ، مستتر غير مستور ، فجعله (٦) كلمة تامّة على أربعة أجزاء معا ، ليس منها واحد قبل الآخر ، فأظهر منها ثلاثة أسماء لفاقة الخلق إليها ، وحجب منها واحدا وهو الاسم المكنون المخزون ، فهذه الأسماء الّتي ظهرت ، فالظّاهر هو الله ـ تبارك وتعالى ـ.

وسخّر سبحانه لكلّ اسم من هذه الأسماء أربعة أركان ، فذلك اثنا عشر ركنا ، ثمّ خلق لكلّ ركن منها ثلاثين اسما فعلا منسوبا إليها ، فهو الرّحمن ، الرّحيم ، الملك ، القدّوس ، الخالق ، البارئ ، المصوّر ، الحيّ ، القيّوم ، لا تأخذه سنة ولا نوم ، العليم ، الخبير ، السّميع ، البصير ، الحكيم ، العزيز ، الجبّار ، المتكبّر ، العليّ ، العظيم ، المقتدر ، القادر ، السّلام ، المؤمن ، المهيمن ، البارئ (٧) ، المنشئ ، البديع ، الرّفيع ، الجليل ، الكريم ، الرّازق ، المحيي ، المميت ، الباعث ، الوارث. فهذه الأسماء وما كان من الأسماء الحسنى حتّى تتمّ ثلاثمائة وستّين اسما فهي نسبة لهذه الأسماء الثّلاثة ، وهذه

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : جواب.

(٢) الكافي ١ / ١١٢ ، ح ١.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : أسماء.

(٤) المصدر : متصوّت.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : حسن.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : فجعل.

(٧) المصدر : [البادئ].

٥٣٢

الأسماء الثّلاثة أركان وحجب الاسم الواحد (١) المكنون المخزونة بهذه الأسماء الثّلاثة (٢) ، وذلك قوله ـ تعالى ـ : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ : الْأَسْماءُ الْحُسْنى).

أحمد بن إدريس (٣) ، عن الحسين بن عبد الله ، عن محمّد بن عبد الله ، وموسى بن عمر ، والحسن (٤) بن عليّ بن عثمان ، عن ابن سنان قال : سألت أبا الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ : هل كان الله ـ عزّ وجلّ ـ عارفا بنفسه قبل أن يخلق الخلق؟

قال : نعم.

قلت : يراها ويسمعها؟

قال : ما كان محتاجا إلى ذلك لأنّه لم يكن يسألها ولا يطلب منها ، هو نفسه ونفسه هو ، قدرته نافذة ، فليس يحتاج أن يسمّي نفسه ولكنّه اختار لنفسه أسماء لغيره يدعوه بها ، لأنّه إذا لم يدع باسمه لم يعرف ، فأوّل ما اختار لنفسه العليّ العظيم لأنّه أعلى الأشياء كلّها ، فمعناه : الله ، واسمه العلي العظيم ، هو أوّل أسمائه علا على كلّ شيء.

محمد بن يحيى (٥) ، عن عبد الله بن جعفر ، عن السّيّاريّ ، عن محمّد بن بكر ، عن أبي الجارود ، عن الأصبغ بن نباتة ، عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : والّذي بعث محمّدا ـ صلّى الله عليه وآله ـ بالحقّ نبيّا وأكرم أهل بيته ، فإنّه ما من شيء تطلبونه من حرز ، من حرق أو غرق أو سرق أو إفلات دابّة من صاحبها أو ضالّة أو آبق إلّا وهو في القرآن ، فمن أراد ذلك فليسألني عنه.

قال : فقام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين ، أخبرني عن السّرق فإنّه لا يزال قد يسرق لي (٦) الشّيء بعد الشّيء ليلا.

فقال له : اقرأ إذا آويت (٧) إلى فراشك : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ ـ إلى قوله ـ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً).

__________________

(١) ليس في أ ، ب ، ر.

(٢) في ب : زيادة «وهذه الأسماء الثلاثة أركان وحجب الاسم الواحد المكنون»

(٣) نفس المصدر ١١٣ ، ح ٢.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : وموسى بن عمرو عن الحسن.

(٥) نفس المصدر ٢ / ٦٢٤ ، ح ٢١.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : إلّا.

(٧) ب : أتيت.

٥٣٣

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وفي كتاب التّوحيد (١) ، بإسناده إلى الحسين بن سعيد الخزّاز : عن رجاله ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : الله غاية من [غيّاه ، والمغيي غير الغاية ، توحّد بالرّبوبيّة ووصف نفسه بغير محدوديّة به ، فالذّاكر الله غير الله ، والله غير أسمائه ، وكلّ شيء] (٢) وقع عليه اسم شيء سواه فهو مخلوق ، ألا ترى إلى قوله (٣) : العزة لله العظمة لله. وقال (٤) : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها). وقال : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى). فالأسماء مضافة إليه ، وهو التّوحيد الخالص.

وفي من لا يحضره الفقيه (٥) ، في وصيّة النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ لعليّ ـ عليه السّلام ـ : يا عليّ ، أمان لأمّتي من السّرق (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا) (إلى آخر السّورة).

(وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ) : بقراءة صلاتك حتّى تسمع المشركين ، فإنّ ذلك يحملهم على السّبّ واللّغو فيها.

(وَلا تُخافِتْ بِها) : حتّى لا يسمع من خلفك من المؤمنين.

(وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ) : بين الجهر والمخافتة.

(سَبِيلاً) (١١٠) : وسطا ، فإنّ الاقتصاد في جميع الأمور محبوب.

وقيل (٦) : معناه : ولا تجهر بصلاتك [كلّها] (٧) ولا تخافت بها بأسرها وابتغ بين ذلك سبيلا ، بالإخفات ، نهارا والجهر ليلا.

وفي تفسير العيّاشي (٨) : عن سليمان ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها) (٩) قال : الجهر بها رفع الصّوت ، والمخافتة ما لم تسمع أذناك ، وما بين ذلك ما تسمع أذنيك.

__________________

(١) التوحيد / ٥٨.

(٢) ليس في أ ، ب.

(٣) النساء / ١٣٩ ، ويونس / ٦٥.

(٤) الأعراف / ١٧٩.

(٥) الفقيه ٤ / ٢٦٨.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٦٠١.

(٧) من المصدر.

(٨) تفسير العيّاشي ٢ / ٣١٩ ، ح ١٧٧.

(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ زيادة : وابتغ.

٥٣٤

عن الحلبيّ (١) ، عن بعض أصحابنا عنه (٢) قال : قال أبو جعفر لأبي عبد الله ـ عليهما السّلام ـ : [يا بنيّ ،] (٣) عليك بالحسنة بين السّيّئتين تمحوهما.

قال : وكيف ذلك يا أبة؟

قال : مثل [قول الله : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها) لا تجهر بصوتك سيّئة ، ولا تخافت بها سيّئة (وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) حسنة.

عن أبي بصير (٤) ، عن أبي] (٥) جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها) قال : نسختها (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ [وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ)] (٦).

[عن زرارة (٧) وحمران (ومحمّد بن مسلم) (٨) عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ (وأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ) (٩) في قوله : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها]) (١٠) ([وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) قال : كان رسول الله إذا كان بمكّة جهر بصوته فيعلم بمكانه المشركون وكانوا يؤذونه ، فأنزلت هذه الآية عند ذلك] (١١).

وفي من لا يحضره الفقيه (١٢) : وسأل محمّد بن عمران أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ فقال : لأيّ علّة يجهر في صلاة الجمعة وصلاة المغرب وصلاة العشاء الآخرة وصلاة الغداة ، وسائر الصّلوات الظّهر والعصر لا يجهر فيهما؟

قال : لأنّ النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ لمّا أسري به إلى السّماء ، كان أوّل صلاة فرضها (١٣) الله عليه الظّهر يوم الجمعة ، فأضاف الله ـ عزّ وجلّ ـ إليه الملائكة تصلّي خلفه ، وأمر نبيّه ـ صلّى الله عليه وآله ـ أن يجهر بالقراءة ليبيّن لهم فضله. ثمّ فرض [الله] (١٤) عليه العصر ولم يضف إليه أحدا من الملائكة ، وأمره أن يخفي القراءة لأنّه لم يكن وراءه أحد.

__________________

(١) نفس المصدر ، ح ١٧٩.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : عمّن. والضمير راجع إلى أبي بصير راوي الحديث السابق لهذا الحديث في المصدر.

(٣) ليس في أ ، ب.

(٤) نفس المصدر / ٢٥٢ ، ح ٤٥.

(٥) من المصدر.

(٦) ليس في المصدر. والآية في الحجر / ٩٤.

(٧) نفس المصدر / ٣١٨ ـ ٣١٩ ، ح ١٧٥.

(٨) ليس في أ ، ر.

(٩) من المصدر.

(١٠) ليس في ب. (١١) من المصدر. ولا يوجد في ب. وفي غيرها : «قال : نسختها فاصدع بما تؤمر» بدل ما بين المعقوفتين.

(١٢) الفقيه ١ / ٢٠٢ ، ح ٩٢٥. (١٣) المصدر : فرض.

(١٤) من المصدر.

٥٣٥

ثمّ فرض عليه المغرب وأضاف إليه الملائكة ، وأمره بالإجهار ، وكذلك العشاء الآخرة.

فلمّا كان قرب الفجر نزل ففرض الله ـ عزّ وجلّ ـ عليه الفجر ، فأمره بالإجهار ليبيّن للنّاس فضله ، كما بيّن للملائكة ، فلهذه العلّة يجهر فيها.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

وفي قرب الإسناد (١) للحميريّ ، بإسناده إلى عليّ بن جعفر : عن أخيه ، موسى بن جعفر ـ عليهما السّلام ـ قال : سألته عن الرجل يصلّي الفريضة ما يجهر (٢) بالقراءة ، هل عليه أن يجهر؟

قال : إن شاء جهر وإن شاء لم يجهر.

وفي الكافي (٣) : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة قال : سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها).

قال : المخافتة ما دون سمعك ، والجهر أن ترفع صوتك شديدا.

عليّ بن إبراهيم (٤) ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرّحمن ، عن عبد الله بن سنان قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أعلى الإمام أن يسمع من خلفه وإن كثروا؟

قال : ليقرأ قراءة وسطا ، [يقول الله ـ تبارك وتعالى ـ :] (٥) (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها).

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٦) : حدّثني أبي ، عن الصّباح ، عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قوله : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها) قال : [الجهر بها رفع الصّوت ، والتّخافت ما لم تسمع نفسك ، واقرأ ما بين ذلك.

روي ـ أيضا ـ (٧) : عن أبي جعفر الباقر ـ عليه السّلام ـ في قوله (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها) قال :] (٨) الإجهار أن ترفع صوتك حتّى تسمعه من بعد عنك وأن لا تسمع

__________________

(١) قرب الاسناد / ٩٤.

(٢) المصدر : ما يجهر فيه.

(٣) الكافي ٣ / ٣١٥ ، ح ٢١.

(٤) نفس المصدر / ٣١٧ ، ح ٢٧.

(٥) ليس في أ ، ب ، ر.

(٦) تفسير القمّي ٢ / ٣٠.

(٧) نفس المصدر والموضع.

(٨) ليس في ب.

٥٣٦

من معك إلا يسيرا (١).

وفي الاستبصار (٢) : روى حريز ، عن زرارة ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه ، أو أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه.

فقال : أيّ (٣) ذلك فعل متعمّدا فقد نقض صلاته وعليه الإعادة ، وإن فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا شيء عليه ، وقد تمّت صلاته.

وفي تفسير العيّاشي (٤) : عن زرارة وحمران ومحمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام ـ في قوله ـ تعالى ـ (٥) : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها) (٦).

وفيه (٧) : عن أبي حمزة الثّماليّ ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ) (الآية).

قال : تفسيرها ، ولا تجهر بولاية عليّ ولا بما أكرمته به حتّى آمرك بذلك. (وَلا تُخافِتْ بِها) ، يعني : لا تكتمها عليّا وأعلمه بما أكرمته [به] (٨).

عن جابر (٩) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن تفسير هذه الآية في قول الله : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً).

قال : لا تجهر بولاية عليّ ، فهو الصّلاة ، ولا بما أكرمته به حتّى آمرك به ، وذلك قوله : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ).

[وأمّا قوله :] (١٠) (وَلا تُخافِتْ بِها) [فإنّه] (١١) يقول : ولا تكتم ذلك عليّا ، يقول ، أعلمه بما (١٢) أكرمته به.

فأمّا قوله : (وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) يقول : تسألني أن آذن لك (١٣) أن تجهر بأمر عليّ بولايته ، فأذن له بإظهار ذلك يوم غدير خمّ ، فهو قوله يومئذ : الّلهمّ ، من كنت مولاه

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : من معك الاسراء.

(٢) الاستبصار ١ / ٣١٣ ، ح ١١٦٣.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : أيّما.

(٤) تفسير العيّاشي ٢ / ٣١٨ : ح ١٧٥. وفيه ذيل للحديث وقد مرّ بتمامه آنفا.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : «يقولان» بدل «في قوله تعالى».

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : زيادة «بعضهم لبعض لكنه حالهم الّتي هم عليها».

(٧) نفس المصدر والمجلّد / ٣١٩ ، ح ١٧٨.

(٨) من المصدر.

(٩) نفس المصدر ، ح ١٨٠.

(١٠ و ١١) من المصدر.

(١٢) المصدر : ما.

(١٣) المصدر : ذلك.

٥٣٧

فعليّ مولاه ، الّلهمّ ، وال من والاه وعاد من عاداه.

(وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ) : في الألوهيّة.

(وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِ) : وليّ يواليه من أجل مذلّة به ليدفعها بموالاته.

نفى عنه أن يكون له ما يشاركه من جنسه ومن غير جنسه اختيارا أو اضطرارا ، أو ما يعاونه ويقوّيه (١).

ورتّب الحمد (٢) عليه للدّلالة على أنّه الّذي يستحقّ جنس الحمد ، لأنّه كامل الذّات ، المتفرّد بالإيجاد ، المنعم على الإطلاق ، وما عداه ناقص مملوك نعمة أو منعم عليه ، ولذلك عطف عليه قوله : (وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً) (١١١).

وفيه تنبيه على أنّ العبد وإن بالغ في التّنزيه والتّمجيد واجتهد في العبادة والتّحميد ، ينبغي أن يعترف بالقصور عن حقّه في ذلك.

وفي أصول الكافي (٣) : الحسين بن محمّد الأشعريّ ، عن معلّى بن محمّد ، عن الحسن بن عليّ الوشّاء ، عن حمّاد بن عثمان ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : أتى النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ رجل ، فقال : يا نبيّ الله ، الغالب عليّ الدّين ووسوسة الصّدر.

فقال له ـ صلّى الله عليه وآله ـ : قل : توكّلت على الحيّ الّذي لا يموت ، والحمد لله الّذي لم يتّخذ (٤) ولدا ، ولم يكن له شريك في الملك ، ولم يكن له وليّ من الذّل ، وكبّره تكبيرا.

قال : فصبر الرّجل ما شاء الله ، ثمّ مرّ على النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ فهتف به ، فقال : ما صنعت؟

فقال : أدمنت ما قلت لي ، يا رسول الله ، فقضى الله ديني وأذهب وسوسة صدري.

__________________

(١) قوله : «نفى عنه» فنفي الولد يدلّ على عدم الشّريك من الجنس اختيارا ، ونفي الشّريك من الملك يدلّ على عدم الشّريك من غير الجنس اضطرارا ، ونفي الولد نفي الولّي من الذّلّ يدلّ على عدم المعاون.

(٢) ليس في أ ، ب.

(٣) الكافي ٢ / ٥٥٤ ـ ٥٥٥ ، ح ٢.

(٤) المصدر : لم يتّخذ صاحبة ولا ولدا.

٥٣٨

محمّد بن يحيى ، (١) عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن سنان ، عن ابن مسكان ، عن الثّماليّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : جاء رجل إلى النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال : يا رسول الله ، لقد لقيت [شدّة] (٢) من وسوسة الصّدر وأنا رجل مدين معيل محوج.

فقال له : كرّر هذه الكمات : توكّلت على الحيّ الّذي لا يموت ، والحمد لله الّذي لم يتّخذ ولدا (٣) ، ولم يكن له شريك في الملك ، ولم يكن له وليّ من الذّل ، وكبّره تكبيرا.

فلم يلبث أن جاء (٤) ، فقال : أذهب الله عنّي وسوسة (٥) صدري ، وقضى عنّي ديني ، ووسّع عليّ رزقي.

وفي روضة الكافي (٦) : عليّ بن إبراهيم ، عن النّوفليّ ، عن السّكونيّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : فقد النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ رجلا من الأنصار ، فقال : ما غيّبك عنّا؟

فقال : الفقر ، يا رسول الله ، وطول السّقم.

فقال له رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : ألا أعلّمك كلاما إذا قلته ذهب عنك الفقر والسّقم؟

فقال (٧) : بلى يا رسول الله.

فقال : إذ أصبحت وأمسيت فقل : لا حول ولا قوّة إلّا بالله ، توكّلت على الحيّ الّذي لا يموت ، والحمد لله الّذي لم يتّخذ ولدا ، ولم يكن له شريك في الملك ، ولم يكن له وليّ من الذّل ، وكبّره تكبيرا.

فقال الرّجل : [فو الله ،] (٨) ما قلته إلّا ثلاثة أيّام حتّى ذهب عنّي الفقر والسّقم.

وفي تفسير العيّاشي (٩) : عن عبد الله بن سنان قال : شكوت إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ.

__________________

(١) نفس المصدر / ٥٥٥ ، ح ٣.

(٢) من المصدر.

(٣) المصدر : لم يتّخذ صاحبة ولا ولدا.

(٤) المصدر : جاءه.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : بوسوسة.

(٦) نفس المصدر ٨ / ٩٣ ، ح ٦٥.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : فقلت.

(٨) ليس في ب.

(٩) تفسير العيّاشي ٢ / ٣٢٠ ، ح ١٨١.

٥٣٩

فقال : ألا أعلّمك شيئا إذا قلته قضى الله دينك وأنعشك وأنعش حالك؟

فقلت : ما أحوجني إلى ذلك! فعلّمه (١) هذا الدّعاء : قل في دبر صلاة الفجر : توكّلت على الحيّ الّذي لا يموت ، والحمد لله الّذي لم يتّخذ ولدا ، ولم يكن له شريك في الملك ، ولم يكن له وليّ من الذّلّ ، وكبّره تكبيرا ، الّلهمّ ، إنّي أعوذ بك من البؤس والفقر ومن غلبة الدّين والسّقم ، واسألك أن تعينني على أداء حقّك إليك وإلى النّاس.

وفي تهذيب الأحكام (٢) ، في الموثق : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : والرّجل إذا قرأ : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً). أن يقول : الله أكبر ، الله أكبر ، [الله أكبر] (٣).

قلت : فإن لم يقل الرّجل شيئا من هذا إذا قرأ؟

قال : ليس عليه شيء.

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي كتاب التّوحيد (٤) : خطبة لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ يقول فيها : الحمد لله الّذي [لا يموت ولا تنقضي عجائبه ، لأنّه كلّ يوم في شأن من إحداث بديع لم يكن ، الّذي] (٥) لم يولد فيكون في العزّ مشاركا ، ولم يلد فيكون موروثا هالكا.

وبإسناده (٦) إلى المفضّل عن عمر قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : الحمد لله الّذي لم يلد فيورث ، ولم يولد فيشارك.

وبإسناده (٧) إلى يعقوب السّرّاج : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال في حديث له : لم يلد لأن الولد يشبه أباه ، ولم يولد فيشبه من كان قبله.

وبإسناده (٨) إلى حمّاد بن عمرو النّصيبيّ قال : سألت جعفر بن محمّد ـ عليه السّلام ـ عن التّوحيد.

فقال : واحد صمد ، أزليّ صمديّ ، لا ظلّ له يمسكه وهو يمسك الأشياء بأظلّتها ، [عارف بالمجهول ، معروف عند كلّ جاهل ، فردانيّ لا خلقه فيه ولا هو في خلقه ، غير

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : فعلم.

(٢) عنه في نور الثقلين ٣ / ٢٣٧ ، ح ٤٩٤.

(٣) ليس في ب.

(٤) التوحيد / ٣١.

(٥) من المصدر.

(٦) نفس المصدر / ٤٨ ، ح ١٢.

(٧) نفس المصدر / ١٠٣ ، ح ١٩.

(٨) نفس المصدر / ٥٧ ـ ٥٨ ، ح ١٥.

٥٤٠