ومن صلّى ثلثي ليلة كان له من الحسنات قدر رمل عالج ، أدناها حسنة أثقل من جبل أحد عشر مرّات.
ومن صلّى ليلة تامّة تاليا لكتاب الله ـ عزّ وجلّ ـ راكعا وساجدا وذاكرا أعطي من الثّواب ما أدناه يخرج من الذّنوب ، كيوم (١) ولدته أمّه ، ويكتب له عدد ما خلق الله ـ عزّ وجلّ ـ من الحسنات ومثلها درجات ، ويثبت النّور في قبره ، وينزع الإثم والحسد في قلبه ، ويجار من عذاب القبر ، ويعطى براءة النّار ، ويبعث من (٢) الآمنين ، ويقول الرّبّ ـ تبارك وتعالى ـ لملائكته : يا ملائكتي ، انظروا إلى عبدي أحيى ليلة ابتغاء مرضاتي ، أسكنوه الفردوس ، وله فيها مائة ألف مدينة ، في كلّ مدينة جميع ما تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين ، ولم يخطر على بال سوى ما أعددت له من الكرامة والمزيد والقربة.
(عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) (٧٩).
قيل (٣) : مقاما يحمده القائم فيه ، وكلّ من عرفه. وهو مطلق في كلّ مقام يتضمّن كرامة ، والمشهور أنّه مقام الشّفاعة.
وانتصابه على الظّرف بإضمار فعله ، أي : فيقيمك مقاما. أو بتضمين «يبعثك» معناه. أو الحال ، بمعنى (٤) : أن يبعثك ذا مقام.
وفي كتاب التّوحيد (٥) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ حديث ، يقول فيه ـ عليه السّلام ـ وقد ذكر أهل المحشر : ثمّ يجتمعون في موطن (٦) آخر يكون فيه مقام محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ. وهو المقام المحمود ، فيثني على الله ـ تبارك وتعالى ـ بما لم يثن عليه أحد قبله ، ثمّ يثني على [على الملائكة كلّهم ، فلا يبقى ملك إلّا أثنى عليه محمّد ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ثمّ يثني على الرسل بما لم يثن عليهم أحد قبله ، ثمّ يثني على] (٧) كلّ مؤمن ومؤمنة يبدأ بالصّديقين والشّهداء ثمّ بالصّالحين ، فتحمده أهل السّماوات وأهل الأرض ، فذلك قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً). فطوبى لمن كان في ذلك اليوم (٨) له
__________________
(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : كما.
(٢) المصدر : مع.
(٣) أنوار التنزيل ١ / ٥٩٤ ـ ٥٩٥.
(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : «والحال» بدل «أو الحال بمعنى».
(٥) التوحيد / ٢٦١.
(٦) ليس في ج.
(٧) من المصدر.
(٨) المصدر : المقام.
حظّ ونصيب (١) ، وويل لمن لم يكن له في ذلك اليوم (٢) حظّ و [لا] (٣) نصيب.
وفي الكافي (٤) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ومحمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان وابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إذا دخلت المدينة.
... إلى أن قال : وأبعثه مقاما محمودا يغبطه به الأوّلون والآخرون.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) : حدّثني أبي ، عن الحسن بن محبوب ، عن زرعة (٦) ، عن سماعة ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن شفاعة النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ يوم القيامة.
فقال : يلجم النّاس يوم القيامة العرق ، فيقولون : انطلقوا بنا إلى آدم ليشفع (٧) لنا [عند ربّنا] (٨). فيأتون آدم (٩) فيقولون : [يا آدم] (١٠) اشفع لنا عند ربّك.
فيقول : إنّ لي ذنبا وخطيئة ، فعليكم بنوح.
فيأتون نوحا فيردّهم إلى من يليه ، ويردّهم كلّ نبيّ إلى من يليه حتّى ينتهوا إلى عيسى ، فيقول ، عليكم بمحمّد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.
فيعرضون أنفسهم عليه ويسألونه ، فيقول : انطلقوا. فينطلق بهم (١١) إلى باب الجنّة ، ويستقبل باب الرّحمن (١٢) ، ويخرّ ساجدا فيمكث ما شاء الله.
فيقول : [الله] (١٣) : ارفع رأسك ، واشفع تشفع وسل تعط. ذلك قوله ـ تعالى ـ : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً).
وحدّثني (١٤) أبي ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن معاوية وهشام ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : لو قد قمت المقام المحمود
__________________
(١) ليس في المصدر.
(٢) المصدر : المقام.
(٣) من المصدر.
(٤) الكافي ٤ / ٥٥٠ ـ ٥٥١ ، صدر وقطعة من ح ١.
(٥) تفسير القمّي ٢ / ٢٥.
(٦) المصدر : زراعة (زرعة ـ خ ل)
(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : فيشفع.
(٨) من المصدر.
(٩) ليس في أ ، ب.
(١٠) من المصدر.
(١١) كذا في المصدر. وفي النسخ : لهم.
(١٢) المصدر : الرّحمة.
(١٣) من المصدر. (١٤) نفس المصدر والموضع.
لشفعت في أبي وأمّي وعمّي وأخ كان لي في الجاهليّة.
حدّثني (١) أبي ، عن حنان بن سدير ، عن أبيه ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : أنّ صفيّة بنت عبد المطّلب مات ابن لها فأقبلت ، فقال لها عمر : غطّي قرطك ، فإنّ قرابتك من رسول الله لا تنفعك شيئا.
قالت له : هل رأيت لي قرطا ، يا ابن اللّخناء. ثمّ دخلت على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فأخبرته بذلك ، وبكت.
فخرج رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فنادى : الصّلاة جامعة. فاجتمع النّاس ، فقال : ما بال أقوام يزعمون أن قرابتي لا تنفع (٢)؟ لو قمت (٣) المقام المحمود ، لشفعت في أحوجكم (٤) ، لا يسألني اليوم أحد من أبوه إلّا أخبرته.
فقام إليه رجل ، فقال : من أبي [يا رسول الله] (٥)؟
فقال : أبوك غير الّذي تدعى له. [أبوك فلان بن فلان.
فقام آخر ، فقال : من أبي ، يا رسول الله؟ فقال : أبوك الّذي تدعى له] (٦).
ثمّ قال رسول الله : ما بال الّذي يزعم أن قرابتي لا تنفع (٧) لا يسألني عن أبيه؟
فقام إليه عمر ، فقال : أعوذ بالله [يا رسول الله] (٨) ، من غضب الله وغضب رسوله ، اعف (٩) عنّي ، عفا الله عنك. فأنزل الله (١٠) : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ).
وفي كتاب الاحتجاج (١١) للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ : روي عن موسى بن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن الحسين بن عليّ ـ عليه السّلام ـ قال : قال عليّ ـ عليه السّلام ـ وقد ذكر مناقب الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ ووعده المقام المحمود : فإذا كان يوم القيامة ، أقعده الله ـ تعالى ـ على العرش. (الحديث)
__________________
(١) نفس المصدر ١ / ١٨٨.
(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : لا تشفع.
(٣) المصدر : لو قد قربت.
(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : خارجكم.
(٥) ليس في المصدر.
(٦) من المصدر.
(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : لا تشفع.
(٨) ليس في المصدر.
(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : اعفى.
(١٠) المائدة / ١٠١.
(١١) الاحتجاج ١ / ٢٢٠.
وفي أمالي شيخ الطّائفة (١) ـ قدّس سرّه ـ بإسناده قال : قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : سمعت النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول : إذا حشر النّاس يوم القيامة نادى مناد : يا رسول الله ، إنّ الله ـ جلّ اسمه ـ قد آمنك (٢) من مجازاة محبّيك ومحبّي أهل بيتك الموالين لهم فيك والمعادين لهم فيك ، فكافئهم بما شئت.
فأقول : يا ربّ ، الجنّة.
فأنادى : بوّئهم (٣) حيث شئت. فذلك المقام المحمود الّذي وعدت به.
وبإسناده (٤) إلى أنس بن مالك قال : رأيت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ [يوما] (٥) مقبلا على عليّ ـ عليه السّلام ـ وهو يتلو هذه الآية : (فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً).
فقال : يا عليّ ، إن ربّي ـ عزّ وجلّ ـ ملكني الشّفاعة (٦) في أهل التّوحيد من أمّتي ، وحظر ذلك على من ناصبك أو (٧) ناصب ولدك من بعدك.
وفي روضة الواعظين (٨) للمفيد ـ رحمه الله ـ : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : إذا قمت المقام المحمود لشفعت (٩) في أصحاب الكبائر من أمّتي فيشفعني (١٠) الله فيهم ، و [الله] (١١) لا تشفّعت فيمن آذى ذرّيّتي.
وفيها ـ أيضا ـ (١٢) : قال الله ـ تعالى ـ [في سورة سبحان] (١٣) : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً). وقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : المقام الّذي أشفع فيه لأمّتي.
وفي تفسير العيّاشي (١٤) : عن خيثمة الجعفيّ قال : كنت عند جعفر بن محمّد ـ عليهما السّلام ـ أنا ومفضّل بن عمر ليلة ، ليس عنده أحد غيرنا.
فقال له مفضّل : جعلت فداك ، حدّثنا حديثا نسرّبه.
__________________
(١) الأمالي ١ / ٣٠٤.
(٢) المصدر : قد أمكنك.
(٣) المصدر : فولّهم.
(٤) نفس المصدر ٢ / ٧٠.
(٥) من المصدر.
(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : بالشفاعة.
(٧) المصدر : و.
(٨) روضة الواعظين / ٢٧٣.
(٩) المصدر : تشفّعت.
(١٠) أ ، ب : فشفّعني.
(١١) من المصدر.
(١٢) نفس المصدر / ٥٠٠.
(١٣) من المصدر. (١٤) تفسير العيّاشي ٢ / ٣١٠.
قال : نعم ، إذا كان يوم القيامة ، حشر الله الخلق (١) في صعيد واحد حفاة عراة غرلا.
قال : فقلت : جعلت فداك ، ما الغرل؟
قال : كما خلقوا أوّل مرّة. فيقفون حتّى يلجمهم العرق ، فيقولون : ليت الله يحكم بيننا ولو إلى النّار. يرون أنّ في النّار راحة ممّا (٢) هم فيه. ثمّ يأتون آدم فيقولون : أنت أبونا ، وأنت نبيّ ، فاسأل ربّك يحكم بيننا ولو إلى النّار.
فيقول [آدم] (٣) : لست بصاحبكم ، خلقني ربّي (٤) بيده ، وحملني على عرشه ، وأسجد لي ملائكته (٥) ، ثمّ أمرني فعصيته ، ولكنّي أدلّكم على (٦) ابني الصّدّيق ، الّذي مكث في قومه ألف سنّة إلّا خمسين عاما [يدعوهم ، كلّما] (٧) كذّبوا اشتدّ تصديقه ، نوح.
قال : فيأتون نوحا ، فيقولون : سل ربّك يحكم بيننا ولو إلى النّار.
قال : فيقول : لست بصاحبكم ، إنّي قلت : (إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) (٨). ولكنّي أدلّكم إلى من اتخذه الله (٩) خليلا في دار الدّنيا ، ائتوا إبراهيم.
قال : فيأتون إبراهيم.
فيقول : لست بصاحبكم ، إنّي قلت : إني سقيم (١٠). ولكنّي أدلّكم على من كلّم (١١) الله تكليما ، موسى.
قال : فيأتون موسى ، فيقولون له.
فيقول : لست بصاحبكم ، إنّي قتلت نفسا ، ولكنّي أدلّكم على من كان يخلق بإذن الله ، ويبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله ، عيسى. فيأتونه ، فيقول : لست بصاحبكم ، ولكنّي أدلكم على من بشرّتكم به في دار الدّنيا ، أحمد.
ثمّ قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : ما من نبيّ ، آدم إلى محمّد ـ صلوات الله عليه وعليهم ـ إلّا وهم تحت لواء محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ.
__________________
(١) المصدر : الخلائق.
(٢) المصدر : فيما.
(٣) من المصدر.
(٤) ليس في أوب.
(٥) المصدر : ملائكة.
(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : إلى.
(٧) ليس في أ ، ب.
(٨) هود / ٤٥.
(٩) من ب. (١٠) الصّافّات / ٨٩.
(١١) المصدر : كلّمه.
قال : فيأتونه ، ثمّ قال : فيقولون : يا محمّد ، سل ربّك يحكم بيننا ولو إلى النّار.
قال : فيقول : نعم ، أنا صاحبكم. فيأتي دار الرّحمن ، وهي عدن ، وأنّ بابها سعتها (١) بعد ما بين المشرق والمغرب ، فيحرّك حلقة من الحلق ، فيقال : من هذا؟ وهو أعلم به. فيقول : إنّي (٢) محمّد. فيقال : افتحوا له.
قال : فيفتح له (٣) قال : فإذا نظرت (٤) إلى ربّي ، مجّدته تمجيدا ، لم يمجّده (٥) أحد كان قبلي ولا أحد كان بعدي ، ثمّ أخرّ ساجدا فيقول : يا محمّد ، أرفع رأسك وقل نسمع (٦) قولك ، واشفع تشفع ، وسل تعط.
[قال :] (٧) فإذا رفعت رأسي ونظرت إلى ربّي مجّدته تمجيدا أفضل من الأوّل ، ثمّ أخّر ساجدا فيقول : ارفع رأسك وقل نسمع قولك ، واشفع تشفع ، وسل تعط.
[قال :] (٨) فإذا رفعت رأسي ونظرت إلى ربّي مجّدته تمجيدا أفضل من الأوّل والثّاني ، ثمّ أخرّ ساجدا فيقول : ارفع رأسك ، [وقل يسمع قولك] (٩) ، واشفع تشفع ، وسل تعط.
فإذا رفعت رأسي أقول : ربّ ، أحكم بين عبادك ولو إلى النّار.
فيقول : نعم ، يا محمّد.
قال ثمّ (١٠) : تؤتى بناقة من ياقوت أحمر وزمامها زبرجد أخضر حتّى أركبها ، ثمّ آتي (١١) المقام المحمود حتّى أقضي عليه ، وهو تلّ من مسك أذفر محاذ بحيال العرش ، ثمّ يدعى إبراهيم فيحمل على مثلها فيجيء حتّى يقف عن يمين رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. ثمّ يرفع (١٢) رسول الله يده يضرب (١٣) على كتف عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ.
قال : ثمّ (١٤) يؤتى ، والله ، بمثلها فيحمل عليها فيجيء حتّى يقف بيني وبين أبيك ، إبراهيم.
__________________
(١) المصدر : سعته.
(٢) المصدر : أنا.
(٣) يوجد في ب ، المصدر.
(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : «فنظرت» بدل «فإذا نظرت».
(٥) أ ، ر ، ج : لا يمجّده.
(٦) المصدر : يسمع.
(٧ و ٨ و ٩) من المصدر.
(١٠) كذا في المصدر. وفي النسخ : «ثمّ قال» بدل «قال ثمّ».
(١١) كذا في المصدر. وفي النسخ : ائتي.
(١٢) المصدر : رفع
(١٣) المصدر : ضرب.
(١٤) المصدر : «ثمّ قال» بدل «قال : ثمّ».
ثمّ يخرج مناد من عند الرّحمن فيقول : يا معشر الخلائق ، أليس العدل من ربّكم أن يولي كلّ قوم ما كانوا يتولّون (١) في دار الدّنيا؟
فيقولون : بلى وأيّ شيء عدل غيره؟
[قال] (٢) فيقوم الشّيطان الّذي أضلّ فرقة [من النّاس ، حتّى زعموا أنّ عيسى هو الله وابن الله ، فيتبعونه إلى النّار. ويقوم الشّيطان الّذي أضلّ فرقة] (٣) من النّاس ، حتّى زعموا أنّ عزيرا ابن الله ، حتّى يتبعونه إلى النّار. ويقوم كلّ شيطان أضلّ فرقة ، فيتبعونه إلى النّار (٤) حتّى تبقى هذ الأمة.
ثمّ يخرج مناد من عند الله فيقول : يا معشر الخلائق ، أليس العدل من ربّكم أن يولّي كلّ فريق من كانوا يتولّون (٥) في دار الدّنيا؟
فيقولون : بلى [وأيّ شيء عدل غيره؟] (٦).
فيقوم شيطان فيتبعه من كان يتولّاه ، [ثمّ يقوم شيطان فيتبعه من كان يتولاه ،] (٧) ثمّ يقوم شيطان ثالث فيتبعه من كان يتولّاه ، ثمّ يقوم معاوية فيتبعه من كان يتولّاه ، ويقوم عليّ فيتبعه من كان يتولّاه ، ثم يقوم يزيد بن معاوية فيتبعه من كان يتولّاه ، ويقوم الحسن فيتبعه من كان يتولّاه ، ويقوم الحسين فيتبعه من كان يتولّاه ، ثمّ يقوم مروان بن الحكم وعبد الملك فيتبعهما من كان يتولّاهما ، ثمّ يقوم عليّ بن الحسين فيتبعه من كان يتولّاه ، ثمّ يقوم الوليد بن عبد الملك [فيتبعه من كان يتولّاه ،] (٨) ويقوم محمّد بن عليّ فيتبعه (٩) من كان يتولّاه (١٠) ، ثمّ أقوم أنا فيتبعني من كان يتولّاني ، وكأنّي بكما معي ،
__________________
(١) المصدر : يقولون.
(٢) من المصدر.
(٣) من ب.
(٤) في أ ، ب ، ر زيادة : من الله حتّى يتبعونه إلى النّار.
(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : يقولون.
(٦) من المصدر مع المعقوفتين.
(٧) من ب.
(٨) من ب. ليس في المصدر أيضا.
(٩) المصدر : فيتبعهما.
(١٠) المصدر : يتولّاهما.
ثمّ يؤتى بنا فنجلس على عرش ربّنا (١) ، ويؤتى بالكتب فتوضع فنشهد على عدوّنا ونشفع (٢) لمن كان [من] (٣) شيعتنا مرهقا.
قال : قلت : جعلت فداك ، فما المرهق؟
قال : المذنب ، فأمّا الّذين اتّقوا من شيعتنا فقد نجّاهم الله بمفازتهم لا يمسّهم السّوء ولا هم يحزنون.
قال : ثمّ جاءته جارية له ، فقالت : إنّ فلان القرشي بالباب.
فقال : ائذنوا له. ثمّ قال لنا : اسكتوا.
عن عيص بن القاسم (٤) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : أنّ أناسا من بني هاشم أتوا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي ، وقالوا : يكون لنا هذا السّهم الّذي جعله الله للعاملين عليها (٥) فنحن أولى به.
فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : يا بني عبد المطّلب ، إن الصّدقة لا تحلّ لي ولا لكم ، ولكنّي وعدت بالشّفاعة.
ثمّ قال : والله ، أشهد أنّه قد وعدها ، فما ظنّكم يا بني عبد المطّلب ، إذ أخذت بحلقة الباب أتروني مؤثّرا عليكم غيركم؟
ثمّ قال : إنّ الجنّ والإنس يجلسون يوم القيامة في صعيد واحد ، فإذا طال بهم الموقف طلبوا الشّفاعة ، فيقولون إلى من؟ فيأتون نوحا فيسألونه الشّفاعة.
فيقول : هيهات ، قد رفعت حاجتي. فيقولون : الى من [فيقال : إلى إبراهيم.
فيأتون إلى إبراهيم فيسألونه الشفاعة.
فيقول : هيهات ، قد رفعت حاجتي.
فيقولون : إلى من؟
فيقال : ائتوا موسى. فيأتونه فيسألونه الشفاعة.
فيقول : هيهات ، قد رفعت حاجتي.
فيقولون : إلى من؟ فيقال : ائتوا عيسى. فيأتونه ويسألونه الشفاعة.
__________________
(١) قال المجلسي (ره) : كناية عن ظهور الحكم والأمر من عند العرش ، وخلق الكلام هناك.
(٢) كذا في المصدر. وفي ب : تشفع. وفي غيرها : تشهد.
(٣) من المصدر.
(٤) تفسير العيّاشي ٢ / ٣١٣.
(٥) المصدر : الّذي جعلته للعالمين عليها.
فيقول : هيهات ، قد رفعت حاجتي (١).
فيقولون : إلى من؟] (٢) فيقال : ائتوا محمّدا. فيأتونه فيسألونه الشفاعة ، فيقوم مدلا حتّى يأتي باب الجنّة ، فيأخذ بحلقة الباب ثمّ يقرعه فيقال : من هذا؟ فيقول : أحمد. فيرحّبون (٣) ويفتحون الباب. فإذا نظر إلى الجنّة خرّ ساجدا يمجّد ربّه ويعظّمه (٤) ، فيأتيه ملك فيقول : ارفع رأسك ، وسل تعط ، واشفع تشفع. [فيرفع رأسه فيدخل من باب (الجنّة) (٥) فيخرّ ساجدا ويمجّد ربّه ويعظّمه ، فيأتيه ملك فيقول : ارفع رأسك ، وسل تعط ، واشفع تشفع.] (٦) [فيمشي في الجنّة ساعة ، ثمّ يخر ساجدا يمجّد ربّه ويعظّمه. فيأتيه ملك فيقول : ارفع رأسك ، وسل تعط ، واشفع تشفع.] (٧) فيقوم فما يسأل شيئا إلّا أعطاه إيّاه.
عن بعض أصحابنا (٨) ، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ قال في قوله : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) قال : [هي الشّفاعة.
عن سماعة بن مهران ، عن أبي إبراهيم في قول الله : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) قال :] (٩) يقوم النّاس يوم القيامة مقدار أربعين عاما ، وتؤمر (١٠) الشّمس فتركب على رؤوس العباد ويلجمهم (١١) العرق ، وتؤمر الأرض لا تقبل من (١٢) عرقهم شيئا ، فيأتون آدم فيشفعون به (١٣) فيدلّهم على نوح ، ويدلّهم (١٤) نوح على إبراهيم ، ويدلّهم إبراهيم على موسى ، ويدلّهم موسى على عيسى ، ويدلّهم عيسى [على محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ] (١٥) فيقول : عليكم بمحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ خاتم النّبيّين.
__________________
(١) قال المجلسي (ره) : «قد رفعت حاجتي» ، أي : إلى غيري. والحاصل : أني ـ أيضا ـ أستشفع من غيري فلا أستطيع شفاعتكم. ويمكن أن يقرأ على بناء المفعول كناية عن رفع الرجاء ، أي : رفع عنّي طلب الحاجة لما صدر منّي من ترك الأولى.
(٢) من المصدر.
(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : فيوجبون.
(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : «العظمة» بدل «ويعظّمه».
(٥) من المصدر.
(٦) ليس في ب.
(٧) من المصدر.
(٨) نفس المصدر / ٣١٤.
(٩) ليس في ب.
(١٠) المصدر : يؤمر. وفي أ ، ب ، ر : فتؤمر.
(١١) كذا في المصدر. وفي النسخ : يلحقهم.
(١٢) المصدر : عن. (١٣) المصدر : له.
(١٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : يدلّ. (١٥) من المصدر.
فيقول محمّد : أنا لها. فينطلق حتّى يأتي باب الجنّة ، فيدقّ ، فيقال : من هذا؟
والله أعلم. فيقول : محمّد. فيقال : افتحوا له. فإذا فتح الباب استقبل ربّه فخرّ ساجدا ، فلا يرفع رأسه حتّى يقال له : تكلّم وسل تعط ، واشفع تشفع. فيرفع رأسه فيستقبل ربّه فيخرّ ساجدا ، فيقال له مثلها ، فيرفع رأسه حتّى أنّه ليشفع من قد احرق بالنّار ، فما أحد من النّاس كان (١) يوم القيامة (٢) في جميع الأمم أوجه من محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ. وهو قول الله : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً).
(وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي) ، أي : في القبر.
(مُدْخَلَ صِدْقٍ) : إدخالا مرضيا.
(وَأَخْرِجْنِي) ، أي : منه عند البعث.
(مُخْرَجَ صِدْقٍ) : إخراجا ملقى بالكرامة.
وقيل (٣) : المراد : إدخال المدينة ، والإخراج من مكّة.
وقيل (٤) : إدخاله مكّة.
ظاهرا عليها ، وإخراجه منها آمنا من المشركين.
وقيل (٥) : إدخاله الغار ، وإخراجه منه سالما. (٦) وقيل (٧) : إدخاله فيما حمله من أعباء (٨) الرّسالة ، وإخراجه منه مؤدّيا حقّه.
وقيل (٩) : إدخاله فيما يلابسه من مكان أو أمر ، وإخراجه منه.
وقرئ (١٠) : «مدخل» و «مخرج» بالفتح ، على معنى : أدخلني ، فأدخل دخولا.
وأخرجني ، فأخرج خروجا.
(وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً) (٨٠) : حجّة تنصرني على من خالفني ، أو ملكا ينصر الإسلام على الكفر ، فاستجاب له بقوله : (فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ) (١١) (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) (١٢) (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ) (١٣).
__________________
(١) ليس في المصدر.
(٢) ليس في أ ، ر.
(٣ و ٤ و ٥) أنوار التنزيل ١ / ٥٩٥.
(٦) ليس في ج.
(٧) نفس المصدر والموضع.
(٨) أ ، ب ، ر : أداء.
(٩ و ١٠) نفس المصدر والموضع
(١١) المائدة / ٦١.
(١٢) التوبة / ٣٣.
(١٣) النور / ٥٤.
وفي أصول الكافي (١) : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن إسماعيل بن مهران ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : هل للشّكر حدّ إذا فعله العبد كان شاكرا؟
قال : نعم.
قلت : ما هو؟
قال : يحمد الله على كلّ نعمة عليه في أهل ومال ، وإن كان فيما أنعم عليه في ماله حقّ أدّاه ، ومن قوله : (رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً).
[والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ (وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ) (٣) (وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً)] (٤) فإنّها نزلت يوم فتح مكّة لمّا أراد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ دخولها ، أنزل الله : قل ، يا محمّد : (أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ) (الآية).
وفي محاسن البرقي (٥) : عنه ، عن أبي عبد الله ، عن حمّاد ، عن حريز ، عن إبراهيم بن نعيم ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إذا دخلت مدخلا تخافه فاقرأ هذه الآية : (رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً).
فإذا (٦) عانيت الّذي تخافه ، فاقرأ آية الكرسيّ.
(وَقُلْ جاءَ الْحَقُ) : الإسلام.
(وَزَهَقَ الْباطِلُ) : وذهب وهلك الشّرك. من زهق روحه : إذا خرج.
(إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) (٨١) : مضمحل غير ثابت.
وفي روضة الكافي (٧) : عليّ بن محمّد ، عن عليّ بن العبّاس ، عن الحسن بن
__________________
(١) الكافي ٢ / ٩٥ ـ ٩٦ ، ح ١٢.
(٢) تفسير القمّي ٢ / ٢٦.
(٣) من المصدر.
(٤) ليس في ب.
(٥) المحاسن / ٣٦٧ ، ح ١١٨.
(٦) المصدر : وإذا.
(٧) الكافي ٨ / ٢٨٧ ، ح ٤٣٢.
عبد الرّحمن ، عن عاصم بن حميد (١) [عن أبي حمزة] (٢) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله : (وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ) قال : إذا قام القائم ذهبت دولة الباطل.
وفي كتاب الاحتجاج (٣) للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ ، بإسناده إلى محمّد بن عليّ الباقر ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، يذكر فيه خطبة الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ يوم الغدير ، وفيها : معاشر النّاس ، لا تضلّوا عنه ولا تنفروا منه ولا تستنكفوا (٤) من ولايته ، فهو الّذي يهدي إلى الحقّ ويعمل به ويزهق الباطل وينهى عنه.
وفي مجمع البيان (٥) : قال ابن مسعود : دخل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ مكّة وحول البيت ثلاثمائة وستّون صنما ، فجعل يطعنها [بعود في يده] (٦) ويقول : (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً).
وفي الخرائج والجرائح (٧) : عن حكيمة خبر طويل ، وفيه : ولمّا ولد القائم كان نظيفا مفروغا منه ، وعلى ذراعه الأيمن مكتوب : (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً).
وفي أمالي شيخ الطّائفة (٨) ـ قدّس سرّه ـ ، بإسناده إلى سليمان بن خالد (٩) قال : حدّثنا عليّ بن إبراهيم (١٠) ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن آبائه قال : دخل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يوم فتح مكّة والأصنام حول الكعبة ، وكانت ثلاثمائة وستّين صنما (١١) ، فجعل يطعنها بمخصرة (١٢) في يده ، ويقول : (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) (وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ) فجعلت تنكبّ (١٣) لوجهها.
وفي شرح الآيات الباهرة (١٤) : ذكر الشّيخ أبو جعفر الطوسيّ ـ رحمه الله ـ في معنى تأويله حديثا بإسناده ، عن رجاله ، عن نعيم بن حكيم ، عن أبي مريم الثّقفيّ (١٥) ، عن
__________________
(١) ب : عبد حميد.
(٢) من المصدر.
(٣) الاحتجاج ١ / ٦٠.
(٤) المصدر : لا تستكبروا [تستنكفوا ـ خ ل].
(٥) المجمع ٣ / ٤٣٥.
(٦) ليس في المصدر.
(٧) نور الثقلين ٣ / ٢١٣ ، ح ٤١٠. (٨) أمالي الطّوسي ١ / ٣٤٦.
(٩) المصدر : بلال. (١٠) ب ، المصدر : موسى. (١١) ليس في أ. (١٢) المخصرة : ما يتوكّأ عليها ، كالعصا. (١٣) المصدر : تكبت. (١٤) تأويل الآيات الباهرة ١ / ٢٨٦ ـ ٢٨٧.
(١٥) ليس في ب.
أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ قال : انطلق بي رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ حتّى أتى بي إلى الكعبة [فقال لي : اجلس. فجلست إلى جنب الكعبة] (١) فصعد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ على منكبي ، ثمّ قال لي : انهض. فنهضت ، فلمّا رأى منّي ضعفا قال : اجلس. فنزل [وجلس] (٢) ، ثمّ قال لي : يا عليّ ، اصعد على منكبي. فصعدت على منكبه ، ثمّ نهض بي رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. [فلمّا نهض بي] (٣) خيّل لي أن لو شئت لنلت أفق السّماء ، فصعدت فوق الكعبة وتنحّى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وقال لي : ألق صنمهم الأكبر [صنم قريش] (٤). وكان من نحاس موتّد بأوتاد من حديد [إلى الأرض] (٥) فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : عالجه. فعالجته (٦) ورسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قول : [إيه إيه] (٧) (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) فلم أزل أعالجه حتّى استمكنت منه ، فقال لي : اقذفه. فقذفته فتكسّر ونزلت (٨) من فوق الكعبة ، وانطلقت أنا ورسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ [نسعى] (٩) وخشينا (١٠) [من ابتداء الفتنة] (١١) أن يرانا أحد من قريش وغيرهم (١٢).
وروي (١٣) في معنى حمل النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ لعليّ ـ عليه السّلام ـ عند حطّ الأصنام عن البيت الحرام خبر حسن أحببنا ذكره هاهنا ، لأنّ هذا التّأويل يحتاج إليه ، وهو : ما روي بحذف الإسناد ، عن الرّجال الثّقات ، عن عبد الجبّار (١٤) بن كثير التّميميّ اليمانيّ قال : قلت لمولاي ، جعفر بن محمّد الصّادق ـ عليهما السّلام ـ : يا ابن رسول الله ، في نفسي مسألة أريد أن أسألك عنها.
فقال : إن شئت أخبرتك بمسألتك قبل أن تسألني ، وإن شئت فاسأل.
__________________
(١) من المصدر مع المعقوفتين. أضافها مصحّح المصدر من مصباح الشيخ.
(٢) من المصدر.
(٣) من المصدر. وفي النسخ بدلها : «و».
(٤ و ٥) من المصدر.
(٦) ليس في المصدر.
(٧) من المصدر.
(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : فكسر فنزلت.
(٩) من المصدر المعقوفتين ، نقلا من المصباح والمناقب.
(١٠) كذا في المصدر. وفي النسخ : خشيت.
(١١) من المصدر.
(١٢) أضاف هنا مصحّح المصدر عن الناقب : «قال عليّ ـ عليه السّلام ـ : فما صعدته حتّى السّاعة.».
(١٣) نفس المصدر / ٢٨٧ ـ ٢٨٩.
(١٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : عبد الجبابة.
قال (١) : فقلت : يا ابن رسول الله ، وبأيّ شيء تعلم ما في نفسي قبل سؤالي؟
قال : بالتّوسّم والتّفرّس ، أما سمعت قول الله (٢) ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ). وقول رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : اتّقوا فراسة المؤمن فإنّه ينظر بنور الله.
فقلت : يا ابن رسول الله ، أخبرني بمسألتي.
فقال : مسألتك عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : لم لم يطق حمله عليّ بن أبي طالب عند حطّه الأصنام عن سطح الكعبة ، مع قوّته وشدّته وما ظهر منه في قلع [باب] (٣) خيبر ورميها (٤) أربعين ذراعا ، وكان لا يطيق حملها (٥) أربعون رجلا ، وكان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يركب النّاقة والفرس والبغلة والحمار وركب البراق ليلة المعراج ، وكلّ ذلك دون عليّ ـ عليه السّلام ـ في القوّة والشّدة؟
قال : فقلت له : عن هذا أردت أن أسألك (٦) ، يا ابن رسول الله ، فأخبرني.
فقال : نعم ، إنّ عليّا ـ عليه السّلام ـ برسول الله شرّف وبه ارتفع وبه (٧) فضّل ، وبه وصل إلى إطفاء [نار] (٨) الشرّك وإبطال كلّ معبود من دون الله ، ولو علاه النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ لكان النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ بعليّ مرتفعا شريفا وواصلا (٩) في حطّ الأصنام ، ولو كان ذلك لكان عليّ أفضل من النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ.
ألا ترى أنّ عليّا لمّا علا ظهر النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال : شرفت وارتفعت حتّى لو شئت أن أنال السّماء لنلتها؟
أو (١٠) ما علمت أنّ المصباح هو الّذي يهتدى به في الظّلم وانبعاث فرعه من أصله؟
وقال عليّ ـ عليه السّلام ـ : أنا من أحمد ، كالضّوء من الضّوء.
أو ما علمت أنّ محمّدا وعليّا (١١) كانا نورا بين يدي الله ـ عزّ وجلّ ـ قبل أن يخلق
__________________
(١) ليس في ب.
(٢) الحجر / ٧٥.
(٣) من المصدر.
(٤) المصدر : ورمى بها ما رماه.
(٥) المصدر : حمله.
(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : أسأل.
(٧) ليس في المصدر.
(٨) من المصدر.
(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : وأصلا.
(١٠) من المصدر.
(١١) كذا في المصدر. وفي النسخ : «وما محمّد وعليّ إلّا» بدل هذه العبارة.
الخلق بألفي عام ، وأنّ الملائكة لمّا رأت ذلك النّور أنّ له أصلا قد انشقّ (١) منه شعاع لامع قالت : إلهنا وسيّدنا ، ما هذا النّور؟
فأوحى الله ـ تبارك وتعالى ـ إليهم (٢) : هذا نور أصله نبوّة وفرعه إمامة ، أمّا النّبوة فلمحمّد عبدي ورسولي ، وأمّا الإمامة فلعليّ نجيّي (٣) ووليي ، ولولاهما ما خلقت خلقي.
او ما علمت أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ رفع بيد عليّ ـ عليه السّلام ـ في غدير خمّ حتّى نظر النّاس إلى بياض إبطيهما ، فجعله أمير المؤمنين وإمامهم (٤)؟
وحمل الحسن والحسين يوم حظيرة بني النّجّار ، فقال له بعض أصحابه : ناولني أحدهما ، يا رسول الله.
فقال : نعم المحمولان ونعم الرّاكبان ، وأبو هما خير منهما.
وكان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يصلّي بأصحابه فأطال سجدة من سجداته ، فلمّا سلّم قيل له : يا رسول الله ، لقد أطلت هذه السّجدة؟
فقال : رأيت [ابني] (٥) الحسين قد علا ظهري ، فكرهت أن أعالجه حتّى ينزل (٦) من قبل نفسه ، فأراد بذلك رفعهم وتشريفهم.
فالنّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ رسول نبيّ ، وعليّ إمام ليس برسول ولا نبيّ ، فهو غير مطيق لحمل (٧) أثقال النّبوّة.
قال (٨) : فقلت : زدني ، يا ابن رسول الله.
فقال : نعم ، إنّك لأهل للزّيادة (٩). اعلم أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ حمل عليّا على ظهره يريد بذلك أنّه أبو ولده ، وأنّ الأئمّة من ولده ، كما حوّل رداءه (١٠) في صلاة الاستسقاء ليعلم أصحابه بذلك أنّه لطلب (١١) الخصب.
فقلت : يا ابن رسول الله ، زدني.
__________________
(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : أنّ له أصلا تنشقّ.
(٢) ليس في المصدر.
(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : محبّي.
(٤) المصدر : فجعل أمير المؤمنين إمامهم.
(٥) من المصدر.
(٦) كذا في أ ، ب ، المصدر. وفي غيرها : نزل.
(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : حمل.
(٨) ليس في ج.
(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : زيادة.
(١٠) ليس في ب.
(١١) كذا في المصدر. وفي النسخ : يطلب.
فقال : نعم ، حمل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عليّا ـ عليه السّلام ـ يريد به أن يعلم قومه أنه هو الّذي يخفّف عن ظهره ما عليه من الديون (١) والعدات (٢) والأداء عنه ما حمل من بعده.
فقلت : يا ابن رسول الله ، زدني.
فقال : حمله ليعلم بذلك أنّه ما حمله (٣) إلّا لأنّه معصوم لا يحمل وزرا ، فتكون أفعاله عند النّاس حكمة وصوابا.
وقد قال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ لعليّ : يا عليّ ، إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ حمّلني ذنوب شيعتك ثمّ غفرها [لي] (٤) ، وذلك قوله (٥) ـ تعالى ـ : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ).
ولمّا أنزل الله (٦) ـ تبارك وتعالى ـ : (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ). قال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : وعليّ نفسي وأخي ، فإنّه مطهّر معصوم ولا يضلّ ولا يشقي. ثمّ تلا هذه الآية (٧) : (قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ).
ولو أخبرتك بما في حمل النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ لعليّ ـ عليه السّلام ـ من المعاني الّتي أرادها به لقلت : إنّ جعفر بن محمّد مجنون! فحسبك من ذلك ما قد سمعت.
قال : فقمت إليه وقبّلت رأسه ويديه ، وقلت : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ).
(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) : ما هو في تقويم دينهم واستصلاح نفوسهم ، كالدّواء الشّافي للمرضى.
و «من» للبيان ، فإنّه كلّه كذلك.
وقيل (٨) : إنّه للتّبعيض ، والمعنى : أنّ منه ما يشفي من المرض ، كالفاتحة وآيات الشّفاء.
وقرأ (٩) البصريّان : «وننزل» بالتّخفيف.
__________________
(١) كذا في ب وفي غيرها والمصدر : الدّين.
(٢) المصدر : العداة.
(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : حمل.
(٤) من المصدر.
(٥) الفتح / ٢.
(٦) المائدة / ١٠٤.
(٧) النّور / ٥٣.
(٨ و ٩) أنوار التنزيل ١ / ٥٩٥.
(وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً) (٨٢) : لتكذيبهم وكفرهم به.
وفي تفسير العيّاشي (١) : عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، يقول فيه (٢) : وإنّما الشّفاء (٣) في علم القرآن ، لقوله : (نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ [لِلْمُؤْمِنِينَ) فهو شفاء ورحمة] (٤) لأهله لا شكّ فيه ولا مرية ، وأهله [أئمّة (٥) الهدى الّذين قال الله (٦) : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا).
عن مسعدة بن صدقة (٧) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال (٨) : إنّما الشّفاء في علم القرآن ، لقوله : (ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) لأهله لا شكّ فيه ولا مرية] (٩) * إلى آخر ما سبق.
عن محمّد بن أبي حمزة (١٠) ، رفعه إلى أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : نزل جبرئيل على محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ : (وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ) آل محمّد حقّهم (إِلَّا خَساراً).
وفي كتاب طبّ الأئمّة (١١) ـ عليهم السّلام ـ : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : ما اشتكى أحد من المؤمنين شكاية (١٢) قطّ وقال بإخلاص نيّة ومسح موضع العلّة : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ [لِلْمُؤْمِنِينَ]) (١٣) (وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً) إلّا عوفي من تلك العلّة أيّة علّة كانت ، ومصداق ذلك في الآية حيث يقول : (شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ).
وبإسناده (١٤) إلى عبد الله بن سنان : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : يا ابن سنان لا بأس بالرّقية والعوذة والنّشرة إذا كانت من القرآن ، ومن لم يشفه القرآن فلا شفاه الله ، وهل شيء أبلغ في (١٥) هذه الأشياء من القرآن ، أليس الله يقول : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)؟
__________________
(١) تفسير العيّاش ٢ / ٢٦٤ ، ضمن ح ٤٣.
(٢) أ ، ب : «قال» بدل «حديث طويل يقول فيه».
(٣) يوجد في أ ، ب ، المصدر.
(٤) من المصدر مع المعقوفتين. يوجد «للمؤمنين» أ ، ب.
(٥) المصدر : الائمّة.
(٦) فاطر / ٢٩.
(٧) نفس المصدر / ٣١٥ ، ح ١٥٤.
(٨) ليس في ب.
(٩) ليس في أ.
(١٠) نفس المصدر والموضع.
(١١) طبّ الأئمّة / ٢٨.
(١٢) المصدر : شكاة.
(١٣) من المصدر.
(١٤) نفس المصدر / ٤٨. (١٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : من.
وفي شرح الآيات الباهرة (١) : قال محمّد بن العبّاس : حدّثنا محمّد بن خالد البرقيّ ، عن محمّد بن عليّ الصّيرفيّ ، عن ابن فضيل (٢) ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ ـ ظالمي آل محمّد حقّهم (٣) ـ إِلَّا خَساراً).
وقال ـ أيضا ـ (٤) : حدّثنا محمّد بن همام ، عن محمّد بن إسماعيل العلويّ ، عن عيسى بن داود ، عن أبي الحسن ، موسى ، عن أبيه ـ عليهما السّلام ـ قال : نزلت هذه الآية (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ ـ لآل محمّد ـ إِلَّا خَساراً).
(وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ) : بالصّحّة والسّعة.
(أَعْرَضَ) : عن ذكر الله.
(وَنَأى بِجانِبِهِ) : لوى عطفه وبعد بنفسه عنه ، [كأنّه مستغن] (٥) مستبدّ بأمره.
ويجوز أن يكون كناية عن الاستكبار ، لأنّه من عادة المستكبرين.
وقرأ (٦) ابن عامر برواية ابن (٧) ذكوان هنا وفي فصّلت : «وناء» على القلب ، أو على أنّه بمعنى : نهض.
وأمال الكسائي وخلف فتحة النّون والهمزة في السّورتين. وأمال خلّاد والبسوسي فتحة الهمزة فيهما فقط. وأمال أبو بكر فتحة الهمزة هاهنا ، وأخلص فتحتها هناك.
وورش على أصله وذرأت الياء.
(وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ) : من مرض أو فقر.
(كانَ يَؤُساً) (٨٣) : شديد اليأس من روح الله.
(قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) : قل كلّ أحد يعمل على طريقته الّتي تشاكل حاله في الهدى والضّلالة ، أو جوهر روحه وأحواله التّابعة لمزاج بدنه.
(فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً) (٨٤) : أسدّ طريقا وأبين منهجا.
وقد فسرّت «الشّاكلة» بالطّبيعة ، والعادة ، والدّين.
__________________
(١) تأويل الآيات الباهرة ١ / ٢٩٠.
(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : أبي فضيل.
(٣) ليس في ب.
(٤) نفس المصدر والموضع.
(٥) ليس في ب.
(٦) أنوار التنزيل ١ / ٥٩٥.
(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : «ورواية» بدل «برواية ابن».
وفي أصول الكافي (١) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمّد ، عن المنقريّ ، عن سفيان بن عينيه ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : النّيّة أفضل من العمل ، ألا وإنّ النّيّة هي العمل. ثمّ تلا قوله ـ تعالى ـ : (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) ، يعني : على نيّته.
والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.
عليّ بن إبراهيم (٢) ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمّد ، عن المنقريّ ، عن أحمد بن يونس ، عن أبي هاشم قال : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : إنّما خلّد أهل النّار في النّار لأنّ نيّاتهم كانت في الدّنيا [أن] (٣) لو خلّدوا فيها أن يعصوا الله أبدا ، وإنّما خلّد أهل الجنّة في الجنّة لأنّ نيّاتهم كانت في الدّنيا أن لو بقوا فيها (٤) أن يطيعوا الله أبدا ، فبالنّيّات خلّد هؤلاء وهؤلاء. ثمّ تلا قوله ـ تعالى ـ : (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ).
وفي من لا يحضره الفقيه (٥) : وقال صالح بن الحكم : سئل الصّادق ـ عليه السّلام ـ عن الصّلاة في البيع والكنائس.
فقال : صلّ فيها.
قلت : أصلّي فيها وإن كانوا يصلّون فيها؟
قال : نعم ، أما تقرأ القرآن (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً). صلّ على القبلة ودعهم.
وفي تهذيب الأحكام (٦) : الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن حمّاد الناب (٧) ، عن الحكم (٨) بن الحكم قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول ، وسئل عن الصّلاة في البيع والكنائس.
فقال : صلّ فيها ، قد رأيتها ما أنظفها! قلت : أصلي فيها وإن كانوا يصلّون فيها؟
فقال : نعم ، أما تقرأ القرآن (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً)
__________________
(١) الكافي ٢ / ١٦ ، ذيل ح ٤
(٢) نفس المصدر / ٨٥ ، ح ٥.
(٣) من المصدر.
(٤) ج : في الدنيا.
(٥) الفقيه ١ / ١٥٧ ، ح ٧٣١.
(٦) التهذيب ٢ / ٢٢٢ ، ح ٨٧٦.
(٧) كذا في المصدر. وجامع الرواة ١ / ٢٧١. وفي النسخ : حماد بن ناصب.
(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : الحكيم.
صلّ على القبلة وغرّبهم.
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : وقوله ـ عزّ وجلّ ـ : (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) ، أي (٢) : على نيّته.
(فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً)
فإنّه حدّثني أبي ، عن جعفر بن إبراهيم ، عن أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال : إذا كان يوم القيامة ، أوقف المؤمن بين يديه فيكون هو الّذي يتولّى حسابه ، فيعرض عليه عمله فينظر في صحيفته ، فأوّل ما يرى سيّئاته فيتغيّر لذلك لونه وترتعد (٣) فرائصه وتفزع نفسه ، ثمّ يرى حسناته فتقرّ عينه وتسرّ نفسه وتفرح روحه ، ثمّ ينظر إلى ما أعطاه من الثّواب فيشتدّ فرحه ، ثمّ يقول الله ـ عزّ وجلّ ـ للملائكة : هلمّوا بالصّحف (٤) الّتي فيها الأعمال الّتي لم يعملوها.
قال : فيقرءونها ثمّ يقولون (٥) : وعزّتك ، إنّا لنعلم أنّا لم نعمل منها شيئا.
فيقول : صدقتم نويتموها فكتبناها لكم. ثمّ يثابون عليها.
(وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) ، أي : الّذي يحيا به بدن الإنسان ويدبّره.
(قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) : من الابداعيّات الكائنة «بكن» من غير مادّة ، وتولد من أصل ، كأعضاء جسده. أو وجد بأمره وحدث بتكوينه ، على أنّ السّؤال عن قدمه وحدوثه.
وقيل (٦) : ممّا استأثره الله ـ تعالى ـ بعلمه ، لما نقل : أنّ اليهود قالوا لقريش : سلوه عن أصحاب الكهف وعن ذي القرنين وعن الرّوح ، فإن أجاب عنها أو سكت فليس بنبيّ ، وإن أجاب عن بعض وسكت عن بعض فهو نبيّ. فبيّن لهم القصّتين ، وأبهم أمر الرّوح ، وهو مبهم في التّوراة.
__________________
(١) تفسير القمّي ٢ / ٢٦.
(٢) المصدر : قال.
(٣) المصدر : ترتعش.
(٤) أ ، ب ، ر : بالصحيفة. وفي المصدر. الصحف.
(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : فيقرأها فيقولون.
(٦) أنوار التنزيل ١ / ٥٩٦.