تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٧

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٧

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

وقت ، أو لأنّهم امتنعوا من الأكل.

و «الوجل» اضطراب النّفس لتوقّع ما تكره.

(قالُوا لا تَوْجَلْ) وقرئ (١) : «لا تأجل». و «لا توجل» من ، أوجله. و «تواجل» من ، واجله ، بمعنى : أوجله.

(إِنَّا نُبَشِّرُكَ) : استئناف في معنى التّعليل للنّهي عن الوجل ، فإنّ المبشّر لا يخاف منه.

وقرأ (٢) حمزة : «نبشرك» [بفتح النّون والتّخفيف] (٣) من البشر.

(بِغُلامٍ).

قيل (٤) : هو إسحاق لقوله : (فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ).

(عَلِيمٍ) (٥٣) : إذا بلغ.

وفي تفسير العيّاشي (٥) : عن محمّد بن القاسم ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ سارة قالت لإبراهيم ـ عليه السّلام ـ : قد كبرت ، فلو دعوت الله أن يرزقني (٦) ولدا فتقرّ أعيننا (٧) ، فإنّ الله قد اتّخذك خليلا وهو مجيب دعوتك إن شاء (٨) الله.

فسأل إبراهيم ربّه أن يرزقه غلاما عليما (٩) ، فأوحى الله إليه : إنّي واهب لك غلاما حليما (١٠) ، ثمّ أبلوك (١١) فيه بالطّاعة لي.

قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : فمكث إبراهيم بعد البشارة ثلاث سنين ، ثمّ جاءته البشارة من الله بإسماعيل مرّة أخرى بعد ثلاث سنين.

ولا ينافي ذلك الخبر كون إسماعيل من هاجر ، لجواز أن يكون سؤال إبراهيم ولدا مطلقا لا من سارة بخصوصها ، وأعطاه الله إيّاه بسؤاله الولد من هاجر لحكمة له فيه.

__________________

(١ و ٢) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٣.

(٣) من المصدر.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٣.

(٥) تفسير العياشي ٢ / ٢٤٤ ، ح ٢٥.

(٦) المصدر : يرزقك.

(٧) كذا في ب ، المصدر. وفي النسخ : اغتر عينان.

(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : سألت.

(٩) المصدر : حليما.

(١٠) كذا في المصدر. وفي ب : غلاما لك عليما. وفي سائر النسخ : «لك عليما» بحذف غلاما.

(١١) كذا في المصدر. وفي النسخ : أشكرك.

١٤١

ولا ينافي ذلك ـ أيضا ـ تعجّب سارة حين وقوع البشارة بقولها : (أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ) لجواز ظنّها حينئذ كون الولد واستبشارها به ، وإن لم يكن ظنّها موافقا للواقع.

(قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ) : تعجّب من أنّ يولد له مع مسّ الكبر إيّاه ، وإنكار لأن يبشّر به في مثل هذه الحال ، وكذلك قوله : (فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) (٥٤) ، أي : فبأيّ أعجوبة تبشّروني. أو فبأيّ شيء تبشّروني ، فإنّ البشارة ممّا لا يتصوّر وقوعه عادة بغير شيء.

وقرأ (١) ابن كثير ، بكسر النّون مشدّدة ، في كلّ القرآن ، على إدغام نون الجمع في نون الوقاية. ونافع ، بكسرها مخفّفة ، على حذف نون الجمع استثقالا ، لاجتماع المثلين ودلالة بإبقاء نون الوقاية على الياء.

(قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِ) ، أي : بما يكون لا محالة. أو باليقين الّذي لا لبس فيه.

أو بطريقة هي حقّ ، وهو قول الله وأمره.

(فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ) (٥٥) : من الآيسين من ذلك ، فإنّه ـ تعالى ـ قادر على أن يخلق بشرا من غير أبوين ، فكيف من شيخ فان وعجوز عاقر. وكان استعجاب إبراهيم ـ عليه السّلام ـ باعتبار العادة دون القدرة ، ولذلك (قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) (٥٦) ، أي : المخطئون طريق المعرفة ، فلا يعرفون سعة رحمه الله ـ تعالى ـ وكمال علمه وقدرته ، كما قال : (لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ).

وقرأ (٢) أبو عمرو والكسائيّ «يقنط» بالكسر.

وقرئ (٣) ، بالضّمّ ، وماضيهما «قنط» بالفتح.

وفي تفسير العيّاشي (٤) : عن صفّوان الجمال قال : صلّيت خلف أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ فأطرق ، ثمّ قال : اللهم (٥) ، لا تقنطني من رحمتك.

ثمّ قال : (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ).

وفي كتاب التّوحيد (٦) ، بإسناده إلى معاذ بن جبل ، حديث طويل : عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول فيه : قال الله : يا ابن آدم ، بإحساني إليك قويت على

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٣.

(٢ و ٣) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٤.

(٤) تفسير العياشي ٢ / ٢٤٧ ، ح ٢٧.

(٥) كذا في ب ، المصدر. وفي النسخ : الله.

(٦) التوحيد / ٣٤٤ ، ح ١٣.

١٤٢

طاعتي ، وبسوء ظنّك بي قنطت من رحمتي.

(قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ) (٥٧) ، أي : فما شأنكم الّذي أرسلتم لأجله سوى البشارة.

ولعلّه علم أنّ كمال المقصود ليس البشارة ، لأنّهم كانوا عددا والبشارة لا تحتاج إلى العدد ، ولذلك اكتفى بالواحد في بشارة زكرياء ومريم ـ عليهما السّلام ـ. أو لأنّهم بشّروه في تضاعيف الحال لإزالة الوجل ، ولو كانت تمام المقصود لابتدؤوا بها.

(قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ) (٥٨) ، يعني : قوم لوط.

(إِلَّا آلَ لُوطٍ) : إن كان استثناء من «قوم» كان منقطعا (١) إذ القوم مقيّد بالإجرام ، وإن كان استثناء من الضّمير في «مجرمين» كان متّصلا ، والقوم والإرسال شاملين للمجرمين ، وآل [لوط المؤمنين به. وكأنّ المعنى : إنّا أرسلنا إلى قوم أجرم كلّهم إلّا أنّ آل] (٢) لوط منهم ، لنهلك المجرمين وننجّي آل لوط. ويدلّ عليه قوله : (إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ) (٥٩) ، أي : ممّا نعذّب به القوم. وهو استئناف إذا اتّصل الاستثناء ، ومتّصل «بآل لوط» جار مجرى خبر لكن إذا انقطع. وعلى هذا جاز أن يكون قوله : (إِلَّا امْرَأَتَهُ) : استثناء من «آل لوط» أو من ضميرهم ، وعلى الأوّل لا يكون إلّا من ضميرهم لاختلاف الحكمين ، اللهم إلّا أن يجعل (إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ) اعتراضا.

وقرأ (٣) حمزة والكسائي : «لمنجوهم» مخفّفا.

(قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ) (٦٠) : الباقين مع الكفرة لتهلك معهم.

وقرأ (٤) أبو بكر : «قدرنا» هاهنا وفي النّمل بالتّخفيف ، وإنّما علّق والتّعليق من خواصّ أفعال القلوب لتضمّنه معنى العلم. ويجوز أن يكون «قدّرنا» اجري مجرى «قلنا» ، لأنّ التّقدير بمعنى القضاء ، وأصله جعل الشّيء على مقدار غيره. وإسنادهم إيّاه إلى

__________________

(١) لأن «آل لوط» لم يكونوا مجرمين ، والمستثنى منه القوم المجرمون فيكون المعنى : إنا مرسلون إلى الجماعة المجرمين إلّا آل لوط فإنا نرسل إليهم فيكون آل لوط داخلا في الجماعة المجرمين حتى يمكن إخراجهم بالاستثناء وأمّا إذا كان مستثنى من ضمير «مجرمين» يكون استثناء آل لوط من المتصفين بالاجرام فالاستثناء يفيد عدم اتصافهم به إذ المعنى : جماعة متصفة بالاجرام جميعهم إلّا آل لوط.

(٢) ليس في أ.

(٣ و ٤) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٤.

١٤٣

أنفسهم ، وهو فعل الله ـ تعالى ـ لما لهم من القرب والاختصاص به.

(فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ) (٦١) (قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) (٦٢) :

تنكركم نفسي وتنفر عنكم مخافة أن تطرقوني بشرّ.

(قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ) (٦٣) ، أي : ما جئناك بما تنكرنا لأجله ، بل جئناك بما يسرّك ويشفي لك من عدوّك ، وهو العذاب الّذي توعّدتهم به فيمترون فيه.

(وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِ) : باليقين من عذابهم.

(وَإِنَّا لَصادِقُونَ) (٦٤) : فيما أخبرناك به.

(فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ) : فأذهب بهم في اللّيل.

وقرأ (١) الحجازيّان ، بوصل الألف ، من «السّرى» وهما بمعنى.

وقرئ (٢) : «فسر» من السّير.

(بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) : في طائفة من اللّيل.

وقيل (٣) : في آخره.

(وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ) : وكن على أثرهم تذودهم وتسرع بهم وتطّلع على حالهم.

(وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ) : لينظر ما وراءه ، فيرى من الهول ما لا يطيقه ، أو فيصيبه العذاب.

وقيل (٤) : نهوا عن الالتفات ليوطّنوا نفوسهم على المهاجرة.

وفي تفسير العيّاشي (٥) : عن أبي بصير ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ لوطا لبث في قومه ثلاثين سنة يدعوهم إلى الله ويحذّرهم عقابه.

قال : وكانوا قوما لا يتنظفون (٦) من الغائط ولا يتطهّرون من الجنابة ، [وكان لوط وآله يتنظفون من الغائط ويتطهّرون من الجنابة] (٧) وكان لوط ابن خالة إبراهيم وإبراهيم ابن خالة لوط ، وكانت امرأة إبراهيم سارة ، أخت لوط ، وكان إبراهيم ولوط نبيّين مرسلين منذرين ، وكان لوط رجلا سخيّا كريما يقري (٨) الضّيف إذا نزل به ويحذّره قومه.

__________________

(١ و ٢ و ٣) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٤.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٤.

(٥) تفسير العياشي ٢ / ٢٤٥ ـ ٢٤٦ ، ح ٢٦.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : لا ينتظفون.

(٧) من المصدر.

(٨) قرى الضيف : أضافه وأجاره وأكرمه.

١٤٤

قال : فلمّا رأى قوم لوط ذلك (قالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ) لا تقري ضيفا ينزل بك ، فإنّك إن فعلت فضحنا ضيفك وأخزيناك فيه. وكان لوط وإبراهيم لا يتوقّعان نزول العذاب على قوم لوط ، وكانت لإبراهيم ولوط منزلة من الله شريفة ، وأنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ كلّما كان هم بعذاب قوم لوط أدركته فيهم مودّة إبراهيم وخلّته ومحبّة (١) لوط ، فيراقبهم فيه فيؤخّر عذابهم.

قال أبو جعفر : فلمّا اشتدّ أسف الله على قوم لوط وقدّر عذابهم وقضاه ، أحبّ أن يعوّض إبراهيم بعذاب قوم لوط بغلام عليم (٢) فيسلّي به مصابه بهلاك قوم لوط. فبعث الله رسلا إلى إبراهيم يبشّرونه بإسماعيل ، فدخلوا عليه ليلا ففزع منهم وخاف أن يكونوا سرّاقا.

قال : فلمّا أن رأته الرّسل فزعا وجلا قالوا سلاما قال سلام (قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ ، قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ).

قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : والغلام العليم (٣) هو إسماعيل من هاجر. فقال إبراهيم للرّسل : (أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ ، قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ). فقال إبراهيم للرّسل بعد البشارة : (فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ ، قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ) (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) (٤) لننذرهم عذاب ربّ العالمين.

قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : فقال إبراهيم للرّسل : (إِنَّ فِيها لُوطاً) (الآية).

(قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ) (فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ ، قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ ، قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ). يقول : من عذاب الله لننذر قومك العذاب. (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ) يا لوط إذا مضى من يومك هذا سبعة أيّام ولياليها (٥) (بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ) إلّا امرأتك أنّه مصيبها ما أصابهم.

قال أبو جعفر : فقضوا إلى لوط (ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ).

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : محبّته.

(٢) المصدر : حليم.

(٣) المصدر : الحليم.

(٤) النمل / ١٢ وغيره.

(٥) المصدر : بلياليها.

١٤٥

قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : فلمّا كان يوم الثّامن مع طلوع الفجر ، قدّم الله رسلا إلى إبراهيم يبشّرونه بإسحاق ويعزونه بهلاك قوم لوط. (الحديث).

(وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ) (٦٥) : إلى حيث (١) أمركم الله بالمضيّ إليه.

قيل (٢) : وهو الشّام ، أو مصر. فعدّي «وامضوا» إلى «حيث» ، و «تؤمرون» إلى ضميره المحذوف على الاتّساع.

(وَقَضَيْنا إِلَيْهِ) ، أي : وأوحينا إليه مقضيّا. ولذلك عدّي «بإلى».

(ذلِكَ الْأَمْرَ) : مبهم يفسّره (أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ). ومحلّه النّصب على البدل منه ، وفي ذلك تفخيم للأمر وتعظيم له (٣).

وقرئ (٤) ، بالكسر ، على الاستئناف. والمعنى : أنّهم يستأصلون عن آخرهم حتّى لا يبقى منهم أحد.

(مُصْبِحِينَ) (٦٦) : داخلين في الصّبح.

وهو حال من «هؤلاء». وهو أحد المواضع الثّلاثة الّتي يجوز فيها الحال من المضاف إليه.

وقيل (٥) : أو من الضّمير في «مقطوع». وجمعه للحمل على المعنى ، فإنّ (دابِرَ هؤُلاءِ) في معنى : مدبري هؤلاء.

(وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ) : مدينة سدوم.

(يَسْتَبْشِرُونَ) (٦٧) : بأضياف لوط طمعا فيهم.

(قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ) (٦٨) : بفضيحة ضيفي ، فإنّ من اسيء إلى ضيفه فقد اسيء إليه.

(وَاتَّقُوا اللهَ) : في ركوب الفاحشة.

(وَلا تُخْزُونِ) (٦٩) : ولا تذلّوني بسببهم. من الخزي ، وهو الهوان.

أو لا تخجلوني فيهم. من الخزاية ، وهو الحياء.

__________________

(١) يعني : الأصل أن يقال : وامضوا إلى حيث تؤمرون ، لأنّ معنى مضى : ذهب ، فحذف «إلى» وعدّى الفعل بنفسه للاتّساع.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٤.

(٣) لأنّ التعيين بعد الإبهام إنّما هو ليتقرّر في ذهن المخاطب ولا يكون ذلك إلّا فيما يهتمّ المتكلّم بشأنه.

(٤ و ٥) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٤.

١٤٦

(قالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ) (٧٠) : عن أن تجير منهم أحدا. أو تمنع بيننا وبينهم ، فإنّهم كانوا يتعرّضون لكلّ أحد وكان لوط ـ عليه السّلام ـ يمنعهم عنه بقدر وسعة. أو عن ضيافة النّاس وإنزالهم.

(قالَ هؤُلاءِ بَناتِي) ، يعني : نساء القوم ، فإنّ نبيّ كلّ أمّة بمنزلة أبيهم. وفيه وجوه ذكرت في الهود (١).

(إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) (٧١) : قضاء الوطر. أو ما أقول لكم.

(لَعَمْرُكَ) : قسم بحياة المخاطب ، وهو النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

في تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : أي : وحياتك ، يا محمّد. قال : فهذه فضيلة لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ على الأنبياء.

وقيل (٣) : لوط. قالت الملائكة له ذلك ، والتّقدير : لعمرك قسمي. وهو لغة في العمر يختصّ به القسم لإيثار الأخفّ فيه ، لأنّه كثير الدّور على ألسنتهم.

(إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ) : لفي غوايتهم. أو شدّة غلمتهم (٤) الّتي أزالت عقولهم وتمييزهم بين خطئهم وصوابهم الّذي يشار به إليهم.

(يَعْمَهُونَ) (٧٢) : يتحيّرون ، فكيف يسمعون نصحك.

وقيل (٥) : الضّمير لقريش ، والجملة اعتراض.

(فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ) ، يعني : صيحة هائلة مهلكة.

وقيل (٦) : صيحة جبرئيل ـ عليه السّلام ـ.

(مُشْرِقِينَ) (٧٣) : داخلين في وقت شروق الشّمس.

(فَجَعَلْنا عالِيَها) : عالي المدينة ، أو عالي قراهم.

(سافِلَها) : وصارت منقلبة بهم.

(وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) (٧٤) : من طين متحجّر.

قيل : أو طين عليه كتاب ، من السّجّل.

وقد سبق مزيد بيان لهذه القصّة في سورة هود ـ عليه السّلام ـ.

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٥ : سورة هود.

(٢) تفسير القمّي ١ / ٣٧٧.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٥.

(٤) الغلمة : شدّة الشهوة للجماع.

(٥ و ٦) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٥.

١٤٧

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) (٧٥) : للمتفكّرين المتفرّسين ، الّذين يتثبّتون في نظرهم حتّى يعرفوا حقيقة الشّيء بسمته.

(وَإِنَّها) : وإنّ المدينة ، أو القرى.

(لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ) (٧٦) : ثابت يسلكه النّاس ويرون آثارها. وهو تنبيه لقريش ، كقوله : (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ).

وفي أصول الكافي (١) : أحمد بن مهران ، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنيّ ، عن ابن أبي عمير قال : أخبرني أسباط بيّاع الزّطي قال : كنت عند أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ فسأله رجل عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ، وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ).

قال (٢) : نحن المتوسّمون ، والسّبيل فينا مقيم.

محمّد بن يحيى (٣) ، عن سلمة بن الخطّاب ، عن يحيى بن إبراهيم قال : حدّثني أسباط بن سالم قال : كنت عند أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ فدخل عليه رجل من أهل هيت (٤) ، فقال له : أصلحك الله ، ما تقول في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ)؟

قال : نحن المتوسّمون والسّبيل فينا مقيم.

محمّد بن إسماعيل (٥) ، عن الفضل بن شاذان ، عن حمّاد بن عيسى ، عن ربعي بن عبد الله ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) قال : هم الأئمّة ـ عليهم السّلام ـ. قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : اتّقوا فراسة المؤمن فإنّه ينظر بنور الله ـ عزّ وجلّ ـ في قول الله (٦) ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ).

محمّد بن يحيى (٧) ، عن الحسن بن عليّ الكوفيّ ، عن عبيس بن هشام ، عن عبد الله بن سليمان ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ)

__________________

(١) الكافي ١ / ٢١٨ ، ح ١.

(٢) المصدر : زيادة «فقال».

(٣) الكافي ١ / ٢١٨ ، ح ٢.

(٤) هيت : بلدة بالعراق.

(٥) الكافي ١ / ٢١٨ ، ح ٣.

(٦) متعلق بقوله : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ.

(٧) الكافي ١ / ٢١٨ ، ح ٤.

١٤٨

فقال : هم الأئمّة.

(وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ) قال : لا يخرج منّا أبدا.

محمّد بن يحيى (١) ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن أسلم ، عن إبراهيم بن أيّوب ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في قوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) قال : كان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ المتوسّم ، وأنا من بعده والأئمّة من ذرّيّتي المتوسّمون.

وفي نسخة أخرى : عن أحمد بن مهران ، عن محمّد بن عليّ ، عن محمّد بن أسلم ، عن إبراهيم بن أيّوب ، بإسناده ، مثله.

أحمد بن إدريس (٢) ومحمّد بن يحيى ، عن الحسن بن عليّ الكوفيّ ، عن عبيس بن هشام ، عن عبد الله بن سليمان ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن الإمام فوّض الله إليه ، كما فوّض إلى سليمان بن داود؟

فقال : نعم.

وذلك أنّ رجلا سأله عن مسألة فأجابه فيها ، وسأله آخر عن تلك المسألة فأجابه بغير جواب الأوّل ، ثمّ سأله آخر فأجابه بغير جواب الأوّلين ، ثمّ قال : هذا عطاؤنا فامنن أو أعط (٣) بغير حساب وهكذا هي في قراءة عليّ ـ عليه السّلام ـ.

قال : فقلت : أصلحك الله ، فحين أجابهم بهذا الجواب يعرفهم الإمام؟

قال : سبحان الله ، أما تسمع الله يقول : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) وهم الأئمّة (وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ) لا يخرج منّا أبدا.

ثمّ قال لي : نعم ، إنّ الإمام إذا أبصر إلى الرّجل عرفه وعرف لونه ، وإن سمع كلامه من خلف حائط عرفه وعرف ما هو ، إنّ الله يقول : (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ) (٤) وهم العلماء ، فليس يسمع شيئا من الأمر ينطق به إلّا عرفه ناج أو هالك ، فلذلك يجيبهم بالّذي يجيبهم.

وفي روضة الواعظين (٥) للمفيد ـ رحمه الله ـ بعد أن ذكر الصّادق ـ عليه السّلام ـ

__________________

(١) الكافي ١ / ٢١٨ ، ح ٥.

(٢) الكافي ١ / ٤٣٨ ، ح ٣.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : أمسك.

(٤) الروم / ٢٢.

(٥) روضة الواعظين ٢ / ٢٦٦.

١٤٩

وروى عنه حديثا : وقال ـ عليه السّلام ـ : إذا قام قائم آل محمّد ـ عليه السّلام ـ حكم بين النّاس بحكم داود ، لا يحتاج إلى بيّنة ، يلهمه الله ـ تعالى ـ فيحكم بعلمه ، ويخبر كلّ قوم ما استنبطوه ، ويعرف وليّه من عدوّه بالتّوسّم ، قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ، وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ).

وفي مجمع البيان (١) : وقد صحّ عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه قال : اتّقوا فراسة المؤمن فإنّه ينظر بنور الله.

قال : إنّ لله عبادا يعرفون النّاس بالتّوسّم ، ثمّ قرأ هذه الآية.

وروي عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : نحن المتوسّمون ، والسّبل فينا مقيم ، والسّبيل طريق (٢) الجنّة. ذكره عليّ بن إبراهيم في تفسيره (٣).

وفي عيون الأخبار (٤) ، في باب ما جاء عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ في وجه دلائل الأئمّة والرّدّ على الغلاة والمفوّضة ـ لعنهم الله ـ : حدّثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشيّ ـ رضي الله عنه ـ قال : حدّثني أبي قال : حدّثنا أحمد بن عليّ الأنصاريّ ، عن الحسن بن الجهم قال : حضرت مجلس المأمون يوما ، وعنده عليّ بن موسى الرّضا ـ عليه السّلام ـ وقد اجتمع الفقهاء وأهل الكلام من الفرق المختلفة ، فسأله بعضهم ، فقال له : يا ابن رسول الله ، بأيّ شيء تصحّ الإمامة لمدّعيها؟

قال : بالنّصّ والدّليل.

قال له : فدلالة الإمام فيما هي؟

قال : في العلم واستجابة الدّعوة.

قال : فما وجه إخباركم ممّا يكون (٥)؟

قال : ذلك بعهد معهود إلينا من رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

قال : فما وجه إخباركم ممّا في قلوب النّاس؟

قال له : ما بلغك (٦) قول رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : اتّقوا فراسة المؤمن فإنّه ينظر بنور الله؟

__________________

(١) المجمع ٣ / ٣٤٣.

(٢) ب : بطريق.

(٣) تفسير القمّي ١ / ٣٧٧.

(٤) العيون ٢ / ٢٠٠ ، ح ١.

(٥) أ ، ب ، ر : تكون.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : ما بلغكم.

١٥٠

[قال : بلى.

قال : وما من مؤمن إلّا وله فراسة ينظر بنور الله] (١) على قدر إيمانه ومبلغ استبصاره وعلمه ، وقد جمع الله للأئمّة (٢) منّا ما فرّقه في جميع المؤمنين ، وقال ـ عزّ وجلّ ـ في كتابه العزيز : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ). فأوّل المتوسّمين رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ، ثمّ أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ من بعده ، ثمّ الحسن ، ثمّ الحسين ، والأئمّة من ولد الحسين ـ عليه السّلام ـ إلى يوم القيامة.

قال : فنظر إليه المأمون فقال له : يا أبا الحسن ، زدنا ممّا جعل الله لكم أهل البيت.

فقال الرّضا ـ عليه السّلام ـ : إنّ الله ـ تعالى ـ قد أيّدنا بروح منه مقدّسة مطهّرة ، ليست بملك ، لم تكن مع أحد ممّن مضى إلّا مع رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ، وهي مع الأئمّة منّا تسدّدهم وتوفّقهم ، وهو عمود من نور بيننا وبين الله ـ تعالى ـ.

وفي كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة (٣) ، بإسناده إلى أبان بن تلب قال : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : إذا قام القائم ـ عليه السّلام ـ لم يقم بين يديه أحد من خلق الرّحمن إلّا عرفه ، صالح هو أو (٤) طالح ، و [لأنّ] (٥) فيه آية للمتوسّمين ، وهي السّبيل (٦) المقيم.

وفي كتاب معاني الأخبار (٧) : الهلاليّ أمير المدينة يقول : سألت جعفر بن محمّد ـ عليه السّلام ـ فقلت له : يا ابن رسول الله ، في نفسي مسألة أريد أن أسألك عنها.

قال : إن شئت أخبرتك بمسألتك قبل أن تسألني ، وإن شئت فاسأل.

فقلت له : يا ابن رسول الله ، وبأيّ شيء تعرف ما في نفسي قبل سؤال عنه؟

قال : بالتّوسّم والتّفرّس (٨) ، أما سمعت قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ). قول رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : اتّقوا فراسة المؤمن فإنّه ينظر بنور الله.

__________________

(١) من المصدر.

(٢) المصدر : في الائمّة.

(٣) كمال الدين / ٦٧١ ، ح ٢٠.

(٤) المصدر : أم.

(٥) من المصدر.

(٦) المصدر : بسبيل.

(٧) المعاني / ٣٥٠ ، ح ١.

(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : التفريس.

١٥١

وفي تفسير العيّاشي (١) : عن عبد الرّحمن (٢) بن سالم الأشلّ ، رفعه قال : هم آل محمّد الأوصياء ـ عليه السّلام ـ.

عن أبي بصير (٣) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : في الإمام آية للمتوسمين ، وهو السّبيل المقيم ، ينظر بنور الله وينطق عن الله ، لا يعزب عنه شيء ممّا أراد.

عن جابر بن يزيد الجعفيّ (٤) قال : قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : بينما أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ جالس في مسجد الكوفة قد احتبى (٥) بسيفه وألقى برنسه (٦) وراء ظهره إذ أتته امرأة مستعدية على زوجها ، فقضى للزّوج على المرأة ، فغضبت.

فقالت : لا ، والله ، ما هو كما قضيت. لا ، والله ، ما تقضي [بالسوية] (٧) ولا تعدل في الرّعيّة ولا قضيّتك عند الله بالمرضيّة.

قال : فنظر إليها أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ فتأمّلها ، ثمّ قال لها : كذبت (٨) ، يا جريّة يا بذيّة ، أيا سلسع أيا سلفع (٩) ، أيا الّتي تحيض من حيث لا تحيض النّساء.

قال فولّت هاربة وهي تولول ، وتقول : يا ويلي يا ويلي يا ويلي ، ثلاثا.

قال : فلحقها عمرو بن حريث (١٠) ، فقال لها : يا أمة الله أسألك.

فقالت : ما للرّجال والنّساء في الطّرقات؟

فقال : إنّك استقبلت أمير المؤمنين عليّا ـ عليه السّلام ـ بكلام سررتني به ، ثمّ

__________________

(١) تفسير العياشي ٢ / ٢٤٧ ، ح ٣٠.

(٢) كذا في ب ، المصدر ، جامع الرواة ١ / ٤٥٠. وفي النسخ : عبد الله.

(٣) تفسير العياشي ٢ / ٢٤٨ ، ح ٣١.

(٤) تفسير العياشي ٢ / ٢٤٨ ـ ٢٤٩ ، ح ٣٢.

(٥) احتبى : جمع بين ظهره وساقيه بعمامة ونحوها ونحوها ليستند إذ لم يكن للعرب في البوادي جدران تستند إليها في مجالسها.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : بريشه. والبرنس : قلنسوة طويلة كانت تلبس في صدر الإسلام ، وهو كلّ ثوب رأسه ملتزق به.

(٧) من المصدر.

(٨) المصدر : أكذبت.

(٩) البذيّة : الفحّاشة. والسّلفع : السّليط. وامرأة سلفع يستوي فيه المذكّر والمؤنّث. يقال : سليطة جريئة. ولم أجد للسّلسع معنى في كتب اللّغة.

(١٠) عمرو بن حريث القرشيّ المخزوميّ من أعداء أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وأولياء بني أميّة.

ويظهر من هذا الحديث خبثه وزندقته وعداوته له ـ عليه السّلام ـ. وقد ورد في ذمّه روايات كثيرة فراجع تنقيح المقال وغيره.

١٥٢

قرّعك أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ بكلمة فولّيت مولولة؟

فقالت : إنّ ابن أبي طالب ، والله ، استقبلني فأخبرني بما هو [فيّ ، وبما] (١) كتمته من بعلي منذ ولي عصمتي ، لا والله ما رأيت طمثا من حيث تراه (٢) النّساء.

قال : فرجع عمرو بن حريث إلى أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ [فقال له : يا أمير المؤمنين ، ما نعرفك بالكهانة.

فقال : وما ذلك ، يا ابن حريث؟

فقال له : يا أمير المؤمنين] (٣) إنّ هذه المرأة ذكرت أنّك أخبرتها (٤) بما هو فيها ، وأنها لم تر طمثا قطّ من حيث تراه النّساء.

فقال له : ويلك ، يا ابن حريث ، إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ خلق الأرواح قبل الأبدان بألفي عام ، وركّب الأرواح في الأبدان ، فكتب بين أعينها : كافر ومؤمن ، وما هي مبتلاة به إلى يوم القيامة ، ثمّ أنزل بذلك قرآنا على محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) فكان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ المتوسّم ، ثمّ أنا من بعده ، ثمّ الأوصياء من ذرّيّتي من بعدي ، إنّي لمّا رأيتها تأمّلتها فأخبرتها بما هو فيها ، ولم أكذب.

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) (٧٧) : بالله ورسله.

(وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ) (٧٨) : هم قوم شعيب ـ عليه السّلام ـ كانوا يسكنون الغيضة ، فبعثه الله ـ تعالى ـ إليهم فكذّبوه ، فاهلكوا بالظّلّة.

و «الأيكة» الشّجرة المتكاثفة.

(فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ) : بالإهلاك.

(وَإِنَّهُما).

قيل (٥) : يعني : سدوم والأيكة.

وقيل (٦) : الأيكة ومدين ، فإنّه كان مبعوثا إليهما ، وكان ذكر أحدهما منبّها على الأخرى.

__________________

(١) من المصدر.

(٢) كذا في أ ، وفي سائر النسخ : ترينه.

(٣) نور الثقلين ٣ / ٢٦ ، ح ٩٤.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : لخبرتها.

(٥ و ٦) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٥.

١٥٣

(لَبِإِمامٍ مُبِينٍ) (٧٩) : لبطريق واضح.

و «الإمام» اسم ما يؤتمّ به. فسمّي به اللّوح ، ومطمر البناء ، والطّريق ، لأنّهما ما يؤتّم به.

(وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ) (٨٠) ، يعني : ثمود كذّبوا صالحا.

ومن كذّب واحدا من الرّسل ، فقد كذّب الجميع.

ويجوز أن يراد بالمرسلين : صالح ومن معه من المؤمنين.

و «الحجر» واد بين المدينة والشّام يسكنونه.

(وَآتَيْناهُمْ آياتِنا فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ) (٨١) ، يعني : آيات الكتاب المنزل على نبيّهم. أو معجزاته ، كالنّاقة وسقيها وشربها ودرّها. أو ما نصب لهم من الأدلّة.

(وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ) (٨٢) : من الانهدام ، ونقب اللّصوص ، وتخريب الأعداء لوثاقتها. أو من العذاب لفرط غفلتهم ، أو حسبانهم أنّ الجبال تحميمهم منه.

(فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ) (٨٣) (فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٨٤) : من بناء البيوت الوثيقة ، واستكثار الأموال والعدد.

(وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ) : متلبّسا بالحقّ ، لا يلائم استمرار الفساد ودوام الشّرور. فلذلك اقتضت الحكمة إهلاك أمثال هؤلاء ، وإزاحة فسادهم من الأرض.

(وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ) : فينتقم الله فيها ممّن كذّبك.

(فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) (٨٥) : ولا تعجل بالانتقام منهم ، وعاملهم معاملة الصفوح الحليم (١).

وقيل (٢) : هو منسوخ بآية السّيف.

وفي عيون الأخبار (٣) : عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، وفيه قال ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) قال : العفو من غير عتاب.

__________________

(١) كذا في أنوار التنزيل ١ / ٥٤٦. وفي النسخ : «الحكيم المقصود المخالفة» بدل «الصفوح الحليم».

(٢) نفس المصدر والموضع.

(٣) العيون ١ / ٢٢٩ ، ح ٥٠.

١٥٤

وفي أمالي الصّدوق ـ رحمه الله ـ (١) بإسناده : عن الصّادق ، جعفر بن محمّد ، عن أبيه ـ عليهما السّلام ـ قال : قال عليّ بن الحسين زين العابدين ـ عليه السّلام ـ مثله.

(إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ) : الّذي خلقك وخلقهم ، وبيده أمرك وأمرهم.

(الْعَلِيمُ) (٨٦) : بحالك وحالهم ، فهو حقيق بأن تكل ذلك إليه ليحكم بينكم. أو هو الّذي خلقكم وعلم الأصلح لكم ، وقد علم أنّ الصّفح اليوم أصلح.

و «الخلّاق» يختصّ بالكثير.

(وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً) : سبع آيات ، وهي الفاتحة.

وقيل (٢) : سبع سور ، وهي الطّوال ، وسابعتها الأنفال والتّوبة فإنّهما في حكم سورة واحدة ، ولذلك لم يفصل بينهما بالتّسمية.

وقيل (٣) : التّوبة.

وقيل (٤) : يونس. أو الحواميم السّبع.

وقيل (٥) : سبع صحائف ، وهي الأسباع.

(مِنَ الْمَثانِي) : بيان للسّبع.

و «المثاني» من التّثنية ، أو الثّناء ، فإنّ كلّ ذلك مثنى تكرّر قراءته أو ألفاظه أو قصصه ومواعظه. أو مثنى عليه بالبلاغة والإعجاز. أو مثن على الله ـ تعالى ـ بما هو أهله من صفاته العظمى وأسمائه الحسنى.

ويجوز أن يراد بالمثاني : القرآن ، أو كتب الله كلّها فيكون من للتّبعيض.

(وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) (٨٧) : إن أريد بالسّبع الآيات أو السّور ، فمن عطف الكلّ على البعض أو العامّ على الخاصّ. وإن أريد الأسباع ، فمن عطف أحد الوصفين على الآخر.

وفي تهذيب الأحكام (٦) : محمّد بن عليّ بن محبوب ، عن العبّاس ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن أبي أيّوب ، عن محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن السّبع المثاني والقرآن العظيم ، هي الفاتحة؟

قال : نعم.

__________________

(١) أمالي الصدوق / ٦٨ ، ح ٤.

(٢ و ٣ و ٤) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٦.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٦.

(٦) التهذيب ٢ / ٢٨٩ ، ح ١١٥٧.

١٥٥

قلت : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) آية (١) من السّبع المثاني؟

قال : نعم ، هي أفضلهنّ.

وفي تفسير العيّاشيّ (٢) : ابن عبد الرّحمن ، عمن رفعه قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ).

قال : هي سورة الحمد ، وهي سبع آيات منها (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ). وإنّما سمّيت المثاني ، لأنّها تثنّى في الرّكعتين.

عن أبي بكر الحضرميّ (٣) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قال : إذا كان لك حاجة ، فاقرأ المثاني وسورة [أخرى] (٤) وصلّ ركعتين وادع الله.

قلت : أصلحك الله ، وما المثاني؟

قال : فاتحة الكتاب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ).

عن سورة (٥) بن كليب (٦) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : سمعته يقول : نحن المثاني الّتي أعطى نبيّنا.

عن يونس بن عبد الرّحمن (٧) ، عمّن [ذكره] (٨) رفعه قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ).

قال : إنّ ظاهرها الحمد ، وباطنها ولد الولد ، والسّابع منها القائم ـ عليه السّلام ـ.

قال حسّان (٩) : سألت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن قول الله : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ).

قال : [(ليس)] (١٠) هكذا تنزيلها ، إنّما هي : ولقد آتيناك سبعا من المثاني [نحن هم] (١١) والقرآن العظيم ولد الولد.

عن القسم بن عروة (١٢) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله :] (١٣)

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) تفسير العياشي ١ / ١٩ ، ح ٣.

(٣) نفس المصدر ٢ / ٢٤٩ ، ح ٣٥.

(٤) من المصدر.

(٥) نفس المصدر والموضع ، ح ٣٦.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : «بنت كليب» بدل «سورة بن كليب».

(٧) تفسير العياشي ٢ / ٢٥٠ ، ح ٣٧.

(٨) من المصدر. (٩) نفس المصدر والموضع ، ح ٣٨.

(١٠) من المصدر. (١١) من المصدر. ويوجد المعقوفتان فيه أيضا.

(١٢) نفس المصدر والموضع ، ح ٣٩. (١٣) ما بين المعقوفتين ليس في ب.

١٥٦

(وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ).

قال : سبعة أئمّة والقائم.

عن السّديّ (١) ، عمّن سمع عليّا ـ عليه السّلام ـ يقول : (سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي) فاتحة الكتاب.

عن سماعة (٢) [قال :] (٣) قال أبو الحسن ـ عليه السّلام ـ : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ). قال : لم يعط الأنبياء إلّا محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ. وهم السّبعة الأئمّة الّذين يدور عليهم الفلك. (وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

عن محمّد بن مسلم (٤) ، عن أحدهما ـ عليهما السّلام ـ قال : سألته عن قوله : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ).

قال : فاتحة الكتاب يثنّى فيها القول.

في كتاب الاحتجاج (٥) للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ : روي عن موسى بن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن الحسين بن عليّ ـ عليهما السّلام ـ قال : قال عليّ ـ عليه السّلام ـ لبعض أحبار اليهود في أثناء كلام طويل ، يذكر فيه مناقب النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : وزاد الله ـ عزّ ذكره ـ محمّدا ـ صلّى الله عليه وآله ـ السّبع الطّوال وفاتحة الكتاب ، وهي السّبع المثاني والقرآن العظيم.

وفي عيون الأخبار (٦) : عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. وفي آخره : وقيل لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : أخبرنا عن (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) هي من فاتحة الكتاب؟

فقال : نعم ، كان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقرأها ويعدّها آية منها ، ويقول : فاتحة الكتاب ، وهي السّبع المثاني.

وبإسناده (٧) إلى الحسن بن عليّ : عن أبيه ، عن (٨) عليّ بن محمّد ، عن أبيه ، عن (٩) محمّد بن عليّ ، عن أبيه الرّضا ، عن آبائه ، عن عليّ ـ عليهم السّلام ـ أنّه قال : إنّ

__________________

(١) تفسير العياشي ٢ / ٢٥١ ، ح ٤٠.

(٢) نفس المصدر والموضع ، ح ٤١.

(٣) من المصدر.

(٤) تفسير العياشي ٢ / ٢٤٩ ، ح ٣٤.

(٥) الاحتجاج ١ / ٣٢٠.

(٦) العيون ١ / ٣٠١ ، ذيل ح ٥٩.

(٧) نفس المصدر والموضع ، ح ٦٠.

(٨ و ٩) ليس في المصدر.

١٥٧

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) آية من فاتحة الكتاب ، وهي سبع آيات تمامها (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ). سمعت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول : إنّ الله ـ تعالى ـ قال لي : يا محمّد (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ). فأفرد الامتنان عليّ بفاتحة الكتاب ، وجعلها بإزاء القرآن العظيم.

وفي كتاب التّوحيد (١) ، بإسناده إلى أبي سلام : عن بعض أصحابنا ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : نحن المثاني الّتي أعطاها الله نبيّنا ـ صلّى الله عليه وآله ـ. ونحن وجه الله نتقلّب في الأرض بين أظهركم ، عرفنا من عرفنا ، ومن جهلنا فأمامه اليقين (٢).

قال الصّدوق ـ رحمه الله ـ : قوله : «نحن المثاني» ، أي : نحن الّذين قرننا النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ بالقرآن وأوصى بالتّمسّك بالقرآن وبنا ، فأخبر أمّته أنّا لا نفترق حتّى نرد حوضه.

قيل (٣) : لعلّهم ـ عليهم السّلام ـ عدوّا سبعا باعتبار أسمائهم ، فإنّها سبعة. وعلى هذا فيجوز أن يجعل المثاني من الثّناء ، وأن يجعل من التّثنية باعتبار تثنيتهم مع القرآن ، وأن يجعل كناية عن عددهم الأربعة عشر ، بأن يجعل نفسه واحدا منهم بالتّغاير الاعتباريّ بين المعطي والمعطى له.

وفي مجمع البيان (٤) : السبع المثاني هي فاتحة الكتاب. وهو قول عليّ ـ عليه السّلام ـ. وروي ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما السّلام ـ.

وفي أصول الكافي (٥) : عليّ بن إبراهيم ، عن صالح بن السّنديّ ، عن جعفر بن بشير ، عن سعد الإسكاف قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : أعطيت السّور الطّوال مكان التّوراة ، وأعطيت المئين مكان الإنجيل ، وأعطيت المثاني مكان الزّبور.

أبو عليّ الأشعريّ (٦) ، عن الحسن بن عليّ بن [عبد الله ، وحميد بن زياد عن

__________________

(١) العيون / ١٥١ ، ذيل ح ٦.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : النبيّين. وفي هامش نور الثقلين ٣ / ٢٩ : كذا في النسخ ، لكن تفسير العياشي وتفسير القمّي والمنقول عنهما في البحار وغيره : «فأمامه السعير» وهو الأظهر ويحتمل التصحيف أيضا.

(٣) تفسير الصافي ٣ / ١٢١.

(٤) المجمع ٣ / ٣٤٤.

(٥) الكافي ٢ / ٦٠١ ، ح ١٠.

(٦) نفس المصدر والمجلّد / ٦٠٤ ، ح ٥.

١٥٨

الخشاب جميعا عن الحسن بن علي بن] (١) يوسف ، عن معاذ بن ثابت ، عن عمرو بن جميع ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : ومن أوتي القرآن ، فظنّ أنّ أحدا من النّاس أوتي أفضل ممّا أوتي ، فقد عظّم ما حقّر الله وحقّر ما عظّم الله.

عليّ بن إبراهيم (٢) ، عن أبيه وعليّ بن محمّد القاسانيّ جميعا ، عن القاسم بن محمّد ، عن سليمان بن داود ، عن سفيان بن

عيينة ، عن الزّهريّ ، عن عليّ بن الحسين ـ عليهما السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : من أعطاه الله القرآن ، فرأى أنّ رجلا اعطي أفضل ممّا اعطي ، فقد صغّر عظيما وعظّم صغيرا.

والحديثان طويلان أخذت منهما موضع الحاجة.

(لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ) : لا تطمح ببصرك طموح راغب.

(إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ) : أصنافا من الكفّار. فإنّه مستحقر بالإضافة إلى ما أوتيته ، فإنّه كمال مطلوب بالذّات مفض إلى دوام اللّذّات.

(وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) : إنّهم لم يؤمنوا.

وقيل (٣) : إنّهم المتمتّعون به.

(وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) (٨٨) : وتواضع لهم وارفق بهم.

في تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : أخبرنا أحمد بن إدريس قال : حدّثنا أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن سنان ، عن المفضّل بن عمر ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : لمّا نزلت هذه الآية (لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : من لم يتعزّ بعزاء الله ، تقطّعت نفسه على الدّنيا حسرات. ومن رمى ببصره (٥) إلى ما في أيدي (٦) غيره ، كثر همّه ولم يشف غيظه.

ومن لم يعلم أنّ لله عليه نعمة إلّا في مطعم أو ملبس ، فقد قصر علمه ودنا عذابه. ومن أصبح على الدّنيا حزينا ، أصبح على الله ساخطا. ومن شكا مصيبة نزلت به ، فإنّما يشكو ربّه. ومن دخل النّار من هذه الأمّة ممّن قرأ القرآن ، فهو ممّن يتّخذ آيات الله

__________________

(١) من المصدر.

(٢) الكافي ٢ / ٦٠٥ ، ح ٧.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٦.

(٤) تفسير القمّي ١ / ٣٨١.

(٥) المصدر : بنظره.

(٦) المصدر : يد.

١٥٩

هزوا. ومن أتى ذا ميسرة فتخشّع له طلب ما في يديه (١) ، ذهب ثلثا دينه.

وفي مجمع البيان (٢) : وكان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لا ينظر إلى ما يستحسن من الدّنيا.

(وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ) (٨٩) : أنذركم ببيان وبرهان أنّ عذاب الله نازل بكم إن لم تؤمنوا.

(كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ) (٩٠) ، مثل العذاب الّذي أنزلنا عليهم. وهو وصف لمفعول «النّذير» أقيم مقامه.

و «المقتسمون» هم الاثنا عشر الّذين اقتسموا مداخل مكّة أيّام الموسم ، لينفّروا النّاس عن الإيمان بالرّسول ، فأهلكهم الله ـ تعالى ـ يوم بدر. أو الرّهط الّذين اقتسموا ، أي : تقاسموا على أن يبيّتوا صالحا ـ عليه السّلام ـ.

وقيل (٣) : هو صفة مصدر محذوف لقوله (وَلَقَدْ آتَيْناكَ). فإنّه بمعنى : أنزلنا إليك.

والمقتسمون هم [اهل الكتاب] (٤) (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) حيث قالوا عنادا : بعضه حقّ موافق للتّوراة والإنجيل وبعضه باطل مخالف لهما. أو قسّموه إلى شعر وسحر وكهانة وأساطير الأوّلين. أو أهل الكتاب آمنوا ببعض كتبهم وكفروا ببعض ، على أنّ القرآن ما يقرءونه من كتبهم ، فيكون ذلك تسلية لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

وقوله : «لا تمدّنّ» (إلى آخره) اعتراضا ممدّا (٥) لها.

(الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) (٩١) : أجزاء. جمع ، عضة. وأصلها : عضوة.

من عضّى الشّاة : إذا جعلها أعضاء.

وقيل (٦) : هي فعلة ، من عضهته : إذا بهتّه.

وفي الحديث (٧) النّبويّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : لعن رسول الله العاضهة والمستعضهة (٨).

__________________

(١) المصدر : يده.

(٢) المجمع ٣ / ٣٤٥.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٧.

(٤) من المصدر.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : تمهيدا.

(٦ و ٧) أنوار التنزيل ١ / ٥٤٧.

(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : المستضعهة.

١٦٠