تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٧

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٧

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

فقال : إن كان محمّد قاله ، فنعم ما قال. وإن قاله ربّه ، فنعم ما قال.

فأنزل الله (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى وَأَعْطى قَلِيلاً وَأَكْدى) ، يعني : قوله : نعم ما قال. ومعنى قوله : (وَأَكْدى) (١) أنّه لم يقم على ما قاله وقطعه.

وعن عكرمة (٢) قال : إنّ النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ قرأ هذه الآية على الوليد بن المغيرة.

فقال : يا بن أخي ، أعد.

فأعاد.

فقال : إنّ له حلاوة ، وأنّ عليه لطلاوة (٣) ، وأنّ أعلاه لمثمر ، وأنّ أسفله لمغدق ، وما هو قول البشر.

وفي روضة الواعظين (٤) : وقال ـ صلّى الله عليه وآله ـ : جماع التّقوى في قوله : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) (الآية).

وفي الكافي (٥) : محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النّضر بن سويد ، عن يحيى الحلبيّ ، عن يزيد بن معاوية ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في خطبة له يوم الجمعة ، الخطبة الأولى : الحمد لله نحمده ونستعينه.

وذكر خطبة طويلة وآخرها. ويكون آخر كلامه : إنّ الله يقول : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ). ثمّ يقول : الّلهمّ اجعلنا ممّن يذّكّر فتنفعه الذّكرى. ثمّ ينزل.

(وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ) قيل (٦) : يعني البيعة لرسول الله على الإسلام لقوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ).

وقيل (٧) : كلّ أمر يجب الوفاء به.

وقيل (٨) : النّذور.

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : والّذي.

(٢) المجمع ٣ / ٣٨٠ ـ ٣٨١.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : لطلاقة.

(٤) روضة الواعظين / ٤٣٧.

(٥) الكافي ٣ / ٤٢٢ و ٤٢٤ ، صدر وذيل ح ٦.

(٦ و ٧ و ٨) أنوار التنزيل ١ / ٥٦٨.

٢٦١

وقيل (١) : الإيمان بالله.

(وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ) : أيمان البيعة ، أو مطلق الأيمان.

(بَعْدَ تَوْكِيدِها) : بعد توثيقها بذكر الله ـ تعالى ـ. ومنه : أكّد ، بقلب الواو همزة.

(وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً) : شاهدا بتلك البيعة. فإنّ الكفيل مراع لحال المكفول به ، رقيب عليه.

(إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) (٩١) : في نقض الأيمان والعهود.

وفي تفسير العيّاشي (٢) : عن زيد بن الجهم ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سمعته يقول : لمّا سلّموا على عليّ ـ عليه السّلام ـ بإمرة المؤمنين ، قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ للأوّل : قم فسلّم على عليّ بإمرة المؤمنين.

فقال : أمن الله أو من رسوله؟

قال : نعم ، من الله ومن رسوله.

ثمّ قال لصاحبه : قم فسلّم على عليّ بإمرة المؤمنين.

فقال : أمن الله أو من رسوله؟

[قال : نعم من الله ومن رسوله] (٣).

ثمّ قال : يا مقداد ، قم فسلّم على عليّ بإمرة المؤمنين.

قال : فلم يقل ما قال صاحباه.

ثمّ قال : قم ، يا أبا ذرّ ، فسلّم على عليّ بإمرة المؤمنين.

فقام وسلّم.

ثمّ قال : يا سلمان ، قم وسلّم على عليّ بإمرة المؤمنين.

فقام وسلّم حتّى إذا خرجا وهما يقولان : لا والله ، لا نسلّم له ما قال الله (٤) فأنزل الله ـ تبارك وتعالى ـ على نبيّه (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً) بقولكم : أمن الله ومن رسوله. (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ).

__________________

(١) نفس المصدر والموضع.

(٢) تفسير العياشي ٢ / ٢٦٨ ، ح ٦٤.

(٣) ليس في أ ، ب.

(٤) ليس في المصدر. وفيه : «أبدا» بدل «الله».

٢٦٢

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : أنّه حدّثني أبي رفعة قال : قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : لمّا نزلت الولاية ، وكان من قول رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بغدير خم : سلّموا على عليّ بإمرة المؤمنين.

فقالا (٢) : أمن الله ورسوله (٣)؟

فقال لهما (٤) : الّلهمّ (٥) نعم ، حقّا من الله ومن رسوله. إنّه أمير المؤمنين ، وإمام المتّقين ، وقائد الغرّ المحجّلين. يقعده الله يوم القيامة على الصّراط ، فيدخل أولياءه الجنّة ويدخل أعداءه النّار.

فأنزل (٦) الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً ، إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) ، يعني : قول رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : من الله ومن رسوله.

(وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها) : ما غزلته ، مصدر ، بمعنى المفعول.

(مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ) : متعلّق ب «نقضت» [، أي : نقضت غزلها] (٧) من بعد إبرام وإحكام.

(أَنْكاثاً) : طاقات ، نكثت فتلها. جمع ، نكث. وانتصابه على الحال من «غزلها». أو المفعول الثّاني «لنقضت» ، فإنّه بمعنى : صيّرت.

قيل (٨) : المراد به : تشبيه النّاقض بمن هذا شأنه.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٩) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : الّتي نقضت غزلها امرأة من بني تميم (١٠) بن مرّة ، يقال لها : ريطة بنت كعب بن سعد بن تميم (١١) بن [كعب ابن] (١٢) لؤيّ بن غالب. كانت حمقاء ، تغزل الشّعر. فإذا غزلته نقضته ، ثمّ عادت فغزلته.

فقال الله : (كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها) (الآية).

إنّ الله أمر بالوفاء ونهى عن نقض العهد ،

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ٣٨٩.

(٢) المصدر : فقالوا.

(٣) أ : ومن رسوله.

(٤) المصدر : لهم.

(٥) ليس في المصدر.

(٦) المصدر : وأنزل.

(٧) ليس في ب.

(٨) أنوار التنزيل ١ / ٥٦٨.

(٩) تفسير القمّي ١ / ٣٨٩.

(١٠ و ١١) تيم.

(١٢) من المصدر.

٢٦٣

فضرب لهم مثلا.

(تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ) : حال من الضّمير في «ولا تكونوا». أو في الجارّ الواقع موقع الخبر ، أي : ولا تكونوا متشبّهين بامرأة هذا شأنها ، متّخذي أيمانكم مفسدة ودخلا بينكم.

وأصل الدّخل : ما يدخل في الشّيء ، ولم يكن منه.

(أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ) : بأن تكون جماعة أزيد عددا وأوفر مالا من جماعة.

والمعنى : لا تغدروا بقوم لكثرتكم وقلّتهم ، أو لكثرة منابذتهم (١) وقوّتهم ، كقريش. فإنّهم كانوا إذا رأوا شوكة في أعادي حلفائهم ، نقضوا عهدهم وحالفوا أعداءهم.

(إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ) : الضّمير ل (أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ) لأنّه بمعنى المصدر ، أي : يختبركم بكونهم أربى. لينظر أتتمسّكون بحبل الوفاء بعهد الله وبيعة رسوله ، أم تغترّون بكثرة قريش وشوكتهم وقلّة المؤمنين [وضعفهم] (٢).

وقيل (٣) : الضّمير للأربى (٤).

وقيل (٥) : للأمر بالوفاء.

(وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (٩٢) : إذا جازاكم على أعمالكم بالثّواب والعقاب.

(وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) : متّفقة على الإسلام.

(وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ) : بالخذلان.

(وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) : بالتّوفيق.

(وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٩٣) : سؤال تبكيت ومجازاة.

(وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ) : تصريح بالنّهي عنه ، بعد التّضمين تأكيدا ومبالغة في قبح المنهيّ.

__________________

(١) كذا في أنوار التنزيل ١ / ٥٦٨. وفي النسخ : منابذيهم.

(٢) ليس في ب.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٥٦٨.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : للرّبو.

(٥) نفس المصدر والموضع.

٢٦٤

(فَتَزِلَّ قَدَمٌ) ، أي : عن حجّة الإسلام.

(بَعْدَ ثُبُوتِها) : عليها ، والمراد : أقدامهم. وإنّما وحّد ونكّر للدّلالة على أنّ زلل قدم واحدة عظيم ، فكيف بأقدام كثيرة.

(وَتَذُوقُوا السُّوءَ) : العذاب في الدّنيا.

(بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) : بسبب صدوركم عن الوفاء. أو صدّكم غيركم عنه ، فإنّه من نقض البيعة وارتدّ جعل ذلك سنّة لغيره.

(وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) (٩٤) : في الآخرة.

وفي الجوامع (١) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ : نزلت هذه الآية (٢) في ولاية عليّ والبيعة له حين قال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : سلّموا على عليّ بإمرة المؤمنين.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ أن تكون أئمة هي أزكى من أئمتكم.

فقيل : يا ابن رسول الله ، نحن نقرؤها (٤) : (هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ).

قال : ويحك ، وما أربى. وأومأ بيده فطرحها.

قال : (إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ) ، يعني : بعليّ بن أبي طالب يختبركم. (وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ ـ إلى قوله ـ : لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً). قال : على مذهب واحد وأمر واحد. (وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ) قال : يعذّب بنقض العهد. (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ). قال : يثبت.

(وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).

قوله : (وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ). قال : هو مثل لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ. (فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها) ، يعني : بعد مقالة النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ فيه.

(وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) ، يعني : عن عليّ. (وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ).

[وفي تفسير العيّاشي (٥) ، في الحديث السّابق : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها) بعد ما سلّمتم على عليّ بإمرة المؤمنين. (وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ)

__________________

(١) الجوامع / ٢٤٩.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : الآيات.

(٣) تفسير القمي ١ / ٣٨٩ ـ ٣٩٠.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : نقرأ.

(٥) تفسير العياشي ٢ / ٢٦٨ ـ ٢٦٩ ، ح ٦٤.

٢٦٥

، يعني : عليا. (وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ)] (١).

عن عبد الرّحمن (٢) [قال ابن عبّاس] (٣) بن سالم الأشلّ ، عنه قال : (كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً) عائشة ، هي نكثت أيمانها.

وفي أصول الكافي (٤) ، [محمد بن يحيى عن] (٥) محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن منصور بن يونس ، عن زيد بن الجهم الهلاليّ (٦) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سمعته يقول : لمّا نزلت ولاية عليّ بن أبي طالب وكان من قول رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ للنّاس : سلّموا على عليّ بإمرة المؤمنين ، فكان مما أكّد الله ـ سبحانه ـ عليهما في ذلك اليوم ، يا زيد ، قول رسول الله [لهما] (٧) فسلّما عليه بإمرة المؤمنين.

فقالا : أمن الله أو من رسوله ، يا رسول الله؟

فقال لهما رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : من الله ومن رسوله.

فأنزل الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) ، يعني به : قول رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لهما ، وقولهما : أمن الله أو من رسوله. (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ) هي أزكى من أئمتكم.

قال : قلت : جعلت فداك ، أئمّة؟

قال : اي ، والله ، أئمّة.

قلت : فإنا نقرأ : «أربى».

قال : ما أربى ـ وأومأ بيده فطرحها. (إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ) ، يعني : بعليّ ـ عليه السّلام ـ. (وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ، وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَلَتُسْئَلُنَ) يوم القيامة (عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ، وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ) [أئمة هي أزكى من أئمّتكم.

قال : قلت : ـ جعلت فداك ـ إنّما نقرأها أن تكون أمّة هي أربى من أمّة فقال :

__________________

(١) ليس في أ ، ب ، ر.

(٢) تفسير العياشي ٢ / ٢٦٩ ، ح ٦٥.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) الكافي ١ / ٢٩٢ ، ح ١.

(٥) من المصدر.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : الهمداني.

(٧) من المصدر.

٢٦٦

ويحك يا زيد! وما أربى ان تكون ـ والله ـ أزكى من أئمّتكم (إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ) ، يعني : عليا. (وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ]) (١) (فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها) ، يعني : مقالة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في عليّ ـ عليه السّلام ـ. (وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) ، يعني به : عليّا. (وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ).

(وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ) : ولا تستبدلوا بعهد الله وبيعة رسوله.

(ثَمَناً قَلِيلاً) : عوضا يسيرا من متاع الدّنيا.

(إِنَّما عِنْدَ اللهِ) : من النّصر والتّنعّم في الدّنيا والثّواب في الآخرة.

(هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) : مما يعدونكم.

(إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٩٥) : إن كنتم من أهل العلم والتّمييز.

(ما عِنْدَكُمْ) : من أعراض الدّنيا.

(يَنْفَدُ) : ينقضي ويفنى.

(وَما عِنْدَ اللهِ) : من خزائن رحمته.

(باقٍ) : لا ينفذ. وهو تعليل للحكم السّابق ، ودليل على أنّ نعيم أهل الجنّة باق.

(وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ) : على مشاقّ التّكاليف.

(بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٩٦) : بجزاء أحسن من أعمالهم.

(مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى) : بيّنه بالنّوعين ، دفعا للتّخصيص.

(وَهُوَ مُؤْمِنٌ) : إذ لا اعتداد بأعمال الكفرة في استحقاق الثّواب.

(فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً) : في الدّنيا يعيش عيشا طيّبا. فإنّه إن كان موسرا فظاهر ، وإن كان معسرا كان يطيب عيشه بالقناعة والرّضا بالقسمة وتوقع الأجر العظيم في الآخرة. بخلاف الكافر ، فإنّه إن كان معسرا فظاهر ، وإن كان موسرا لم يدعه الحرص وخوف الفوات أن يتهنّأ بعيشه.

وقيل (٢) : في الآخرة.

__________________

(١) ليس في المصدر ، ب.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٥٦٩.

٢٦٧

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : قوله : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً).

قال : القنوع بما رزقه الله.

وفي مجمع البيان (٢) : [وسئل ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ تعالى ـ : (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً).] (٣) فيه أقوال ـ إلى قوله ـ : ثانيها ،

أنّها القناعة والرّضا بما قسم الله ـ تعالى ـ.

وروي ذلك عن النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

قال ابن عباس (٤) : إنّ رجلا من حضر موت يقال له : عبدان الأشرع (٥).

قال : يا رسول الله ، إنّ امرأ القيس الكنديّ جاورني في أرضي فاقتطع من أرضي فذهب بها منّي ، والقوم يعلمون أنّي لصادق لكنّه أكرم عليهم منّي.

فسأل رسول الله امرأ القيس عنه.

فقال : لا أدري ما يقول.

فأمره أن يحلف.

فقال عبدان (٦) : إنّه فاجر لا يبالي أن يحلف.

فقال : إن لم يكن لك شهود ، فخذ بيمينه.

فلمّا قام ليحلف ، أنظره فانصرفا. فنزل (٧) قوله : (وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ) (الآيتان).

فلمّا قرأها رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال امرأ القيس : أمّا ما عندي فينفد وهو صادق فيما يقول ، لقد اقتطعت أرضه ولا أدري (٨) كم هي. فليأخذ من أرضي ما شاء ومثلها معها بما أكلت من ثمرتها.

فنزل فيه : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً) (الآية).

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ٣٩٠.

(٢) المجمع ٣ / ٣٨٤.

(٣) ليس في المصدر. وفيه : «قيل» بدل ما بين المعقوفتين.

(٤) نفس المصدر والموضع.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : العيدان الأسرع.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : عيدان.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : فأنزل الله في بدل «فنزل».

(٨) المصدر : لم أدر.

٢٦٨

وفي كتاب معاني الأخبار (١) : حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قيل له : أنّ أبا الخطّاب يذكر عنك أنّك قلت له : إذا عرفت الحقّ ، فاعمل ما شئت.

[قال : لعن الله أبا الخطّاب ، والله ما قلت هكذا. ولكنّي قلت له : إذا عرفت الحقّ ، فاعمل ما شئت] (٢) من خير يقبل منك. إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ) (٣). ويقول ـ تبارك وتعالى ـ : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً)

(وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٩٧) : من الطّاعة.

(فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ) : إذا أردت قراءته ، كقوله : «إذا قمتم إلى الصّلاة».

(فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) (٩٨) : فاسأل الله أن يعيذك من وساوسه ، لئلّا يوسوسك في القراءة.

وفي الكافي (٤) : محمّد بن يحيى ، عن عليّ بن الحسن بن عليّ ، عن عبّاد بن يعقوب ، عن عمرو بن مصعب ، عن فرات بن أحنف ، عن أبي جعفر (٥) ـ عليه السّلام ـ قال : سمعته يقول : أوّل كل كتاب نزل من السّماء (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ). فإذا قرأت (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، فلا تبالي ألّا تستعيذ. وإذا قرأت (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ). سترتك (٦) فيما بين السّماء والأرض.

وفي روضة الكافي (٧) ، في خطبة طويلة لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ. يقول فيها : أستعيذ بالله من الشّيطان الرّجيم (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) (إلى آخر السّورة).

وفي عوالي اللّئالي (٨) : وروى عبد الله بن مسعود قال : قرأت على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فقلت : أعوذ بالله السّميع العليم.

__________________

(١) المعاني / ٣٨٨ ، ح ٢٦.

(٢) ليس في أ ، ر.

(٣) غافر / ٤٠.

(٤) الكافي ٣ / ٣١٣ ، ح ٣.

(٥) أ ، ب ، ر : أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : ستر بك.

(٧) الكافي ٨ / ١٧٥ ، ذيل ح ١٩٤.

(٨) عوالي اللئالي ٢ / ٤٧ ، ح ١٢٤.

٢٦٩

فقال لي : قل (١) : أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم. هكذا اقرأنيه جبرئيل ، [عن القلم ، عن اللّوح المحفوظ] (٢).

وفي قرب الإسناد (٣) للحميريّ ، بإسناده إلى حنان بن سدير قال : صلّيت خلف أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ المغرب.

قال : فتعوّذ بإجهار (٤) : أعوذ بالله السّميع العليم من الشّيطان الرّجيم ، وأعوذ بالله أن يحضرون. ثمّ جهر ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ).

وفي تهذيب الأحكام (٥) : محمّد بن عليّ بن محبوب ، عن عبد الصّمد بن محمّد ، عن حنان بن سدير ، مثله.

وفي كتاب الاحتجاج (٦) للطّبرسيّ ، بإسناده إلى محمّد بن عليّ ، الباقر ـ عليه السّلام ـ حديث. يقول فيه حاكيا عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : فأوحي إليّ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) (الآية).

وفي تفسير العيّاشي (٧) : عن سماعة ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ).

قلت : فكيف أقول؟

قال : تقول : أستعيذ بالله (٨) السّميع العليم من الشّيطان الرّجيم.

قال : إنّ الرّجيم أخبث الشّياطين.

قال : قلت : لم سمّي الرّجيم؟

قال : لأنّه يرجم.

قلت : فما ينفلت منه شيء؟

قال : لا.

قلت : فكيف سمّي الرّجيم ولم يرجم بعد؟

قال : يكون في العلم أنّه رجيم.

__________________

(١) المصدر : يا ابن امّ عبد قل.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) قرب الاسناد / ٥٨.

(٤) بعض نسخ المصدر : جهارا.

(٥) التهذيب ٢ / ٢٨٩ ، ح ١٤.

(٦) الاحتجاج ١ / ٧٣.

(٧) تفسير العياشي ٢ / ٢٧٠ ، ح ٦٧.

(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : بالسميع.

٢٧٠

عن الحلبيّ (١) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن التّعوّذ من الشّيطان ، عند كلّ سورة نفتحها؟

قال : نعم ، فتعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم.

وذكر : أنّ الرّجيم أخبث الشّياطين.

فقلت : لم سمّي الرّجيم؟

قال : لأنّه يرجم؟

فقلت (٢) : هل ينفلت شيئا إذا رجم؟

قال : لا ، ولكن يكون في العلم أنّه رجيم.

وفي كتاب معاني الأخبار (٣) ، بإسناده إلى عبد العظيم بن عبد الله الحسنيّ قال : سمعت أبا الحسن ، عليّ بن محمّد العسكريّ ـ عليهما السّلام ـ يقول : معنى الرّجيم : أنّه مرجوم باللّعن مطرود من [مواضع] (٤) الخير ، لا يذكره مؤمن إلّا لعنه. وأنّ في علم [الله] (٥) السّابق [أنّه] (٦) إذا خرج القائم ـ عليه السّلام ـ لا يبقى مؤمن في زمانه إلّا رجمه بالحجارة ، كما كان قبل ذلك مرجوما باللّعن.

وفي مصباح الشّريعة (٧) : قال الصّادق ـ عليه السّلام ـ في كلام طويل : فقارئ القرآن يحتاج إلى ثلاثة أشياء : قلب جامع (٨) ، وبدن فارغ ، وموضع خال. فإذا خشع لله قلبه ، فرّ منه الشّيطان الرّجيم. قال الله ـ تعالى ـ : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ).

وفي مجمع البيان (٩) : والاستعاذة عند التّلاوة [مستحبة غير] (١٠) واجبة بلا خلاف ، في الصّلاة وخارج الصّلاة.

(إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ) : تسلّط وولاية.

(عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (٩٩) : على أولياء الله المؤمنين به

__________________

(١) تفسير العياشي ٢ / ٢٧٠ ، ح ٦٨.

(٢) المصدر : فقلنا.

(٣) المعاني / ١٣٩ ، ح ١.

(٤) من المصدر.

(٥ و ٦) من المصدر.

(٧) مصباح الشريعة / ٩٧.

(٨) ب : خاشع.

(٩) المجمع ٣ / ٣٨٥.

(١٠) يوجد في ب والمصدر.

٢٧١

والمتوكّلين. فإنّهم لا يطيعون أوامره ولا يقبلون وساوسه ، إلّا فيما يحتقرون على ندور وغفلة. ولذلك أمروا بالاستعاذة ، لئلّا يتوهّم منه أنّ له سلطانا.

(إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ) : يحبّونه ويطيعونه.

(وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) (١٠٠) : بالله ، أو بسبب الشّيطان.

وفي الكافي (١) : عليّ بن محمّد ، عن عليّ بن العبّاس (٢) ، [عن الحسن بن عبد الرّحمن] (٣) ، عن منصور بن يونس ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قلت له : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ ، إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ).

فقال : يا أبا محمّد ، يسلّط والله من المؤمن على بدنه ولا يسلّط على دينه. [وقد سلّط على أيّوب فشوّه خلقه ، ولم يسلّط على دينه.] (٤) وقد يسلّط من المؤمنين على أبدانهم ، ولا يسلّط على دينهم.

قلت : قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ).

قال : (الَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) يسلّط على أبدانهم وعلى أديانهم.

وفي تفسير العيّاشي (٥) : عن حمّاد بن عيسى ، رفعه إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن قول الله : (إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ).

قال : ليس له أن يزيلهم عن الولاية. فأمّا الذّنوب وأشباه ذلك ، فإنّه ينال منهم ، كما ينال من غيرهم.

(وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ) : بالنّسخ ، فجعلنا الآية النّاسخة مكان المنسوخة لفظا أو حكما.

(وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ) : من المصالح. فلعلّ ما يكون مصلحة في وقت يصير مفسدة بعده ، فينسخه. وما لا يكون مصلحة حينئذ يكون مصلحة الآن ، فيثبته مكانه.

وقرأ (٦) ابن كثير وأبو عمرو : «ينزل» بالتّخفيف.

__________________

(١) الكافي ٨ / ٢٨٨ ، ح ٤٣٣.

(٢) المصدر : الحسن.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) ليس في أ ، ر.

(٥) تفسير العياشي ٢ / ٢٧٠ ، ح ٦٩.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٥٧٠.

٢٧٢

(قالُوا) ، أي : الكفرة.

(إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ) : متقوّل على الله ، تأمر بشيء ثمّ يبدو لك فتنهى عنه.

وهو جواب «إذا». «وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ» اعتراض لتوبيخ الكفّار على قولهم ، والتّنبيه على فساد سندهم. ويجوز أن يكون حالا.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : وقوله : (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ).

قال : كان إذا نسخت آية ، قالوا لرسول الله : (إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ). فردّ الله عليهم.

(بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (١٠١) : حكمة الأحكام ، ولا يميّزون الخطأ من الصّواب.

(قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ) ، يعني : جبرئيل. وإضافة الرّوح إلى القدس ، وهو الطّهر ، كقولهم : حاتم الجود.

وقرأ (٢) ابن كثير : «روح القدس» بالتّخفيف ، وفي «ينزّل» و «نزّله» تنبيه على أنّ إنزاله مدرجا على حسب (٣) المصالح بما يقتضي التّبديل.

(مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِ) : ملتبسا بالحكمة.

(لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا) : على الإيمان بأنّه كلامه. وأنّهم إذا سمعوا النّاسخ وتدبّروا ما فيه من رعاية الصّلاح والحكمة ، رسخت عقائدهم واطمأنّت قلوبهم.

(وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ) (١٠٢) : المنقادين لحكمه. وهما معطوفان على محلّ «ليثبّت» ، أي : تثبيتا وهداية وبشارة. وفيه تعريض بحصول أضداد ذلك لغيرهم.

وقرئ (٤) : «ليثبت» بالتّخفيف.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) : وفي رواية أبي الجارود ، [عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ] (٦) في قوله : (رُوحُ الْقُدُسِ [مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِ) ، يعني : جبرئيل ـ عليه

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ٣٩٠.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٥٧٠.

(٣) ب : مندرجا بحسب.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٥٧٠.

(٥) تفسير القمّي ١ / ٣٩٠.

(٦) ليس في المصدر.

٢٧٣

السّلام ـ.] (١) و «القدس» الطّاهر (لِيُثَبِّتَ) الله (الَّذِينَ آمَنُوا) هم آل محمّد. (وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ).

وفي تفسير العيّاشي (٢) : عن محمّد بن عرامة الصّيرفيّ ، عمّن أخبره ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ خلق روح القدس ، فلم يخلق خلقا أقرب إليه منها ، وليست بأكرم خلقه عليه. فإذا أراد الله (٣) أمرا ألقاه إليها ، فألقاه (٤) إلى النّجوم فجرت به.

(وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) قيل (٥) : يعنون : جبرا (٦) الرّوميّ ، غلام عامر بن الحضرميّ.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٧) : وهو [لسان أبي فكيهة] (٨) مولى ابن الحضرميّ.

وقيل (٩) : جبرا (١٠) ويسارا كانا يصنعان السّيوف بمكّة ، ويقرآن التّوراة والإنجيل ، وكان الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ يمرّ عليهما ويسمع ما يقرءانه (١١).

وقيل (١٢) : عائشا ، غلام حويطب بن عبد العزّى ، قد أسلم وكان صاحب كتب.

وقيل (١٣) : سلمان الفارسيّ.

(لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌ) : لغة الرّجل الّذي يميلون قولهم عن الاستقامة إليه. مأخوذ من : لحد القبر.

وقرأ (١٤) حمزة والكسائيّ : «يلحدون» بفتح الياء والحاء. لسان أعجمي غير بيّن.

(وَهذا) : وهذا القرآن.

__________________

(١) ليس في المصدر. وفيه : «قال : هو جبرئيل» بدل ما بين المعقوفتين.

(٢) تفسير العياشي ٢ / ٢٧٠ ، ح ٧٠.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : فألقته.

(٥) أنوار التنزيل ١ / ٥٧٠.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : خترا.

(٧) تفسير القمّي ١ / ٣٩٠.

(٨) من المصدر.

(٩) أنوار التنزيل ١ / ٥٧٠.

(١٠) كذا في المصدر. وفي النسخ : خترا.

(١١) كذا في المصدر. وفي النسخ : بقراءتهما.

(١٢ و ١٣ و ١٤) أنوار التنزيل ١ / ٥٧٠.

٢٧٤

(لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) (١٠٣) : ذو بيان وفصاحة.

والجملتان مستأنفتان ، لابطال طعنهم. وتقريره يحتمل وجهين : أحدهما ، أنّ ما سمعه منه كلام أعجميّ ، لا يفهمه هو ولا أنتم. والقرآن عربيّ تفهمونه بأدنى تأمّل ، فكيف يكون تلقّفه منه.

وثانيهما ، هب أنّه تعلّم منه المعنى باستماع كلامه ، ولكن لم يتلقّف منه اللّفظ. لأنّ ذلك أعجميّ وهذا عربيّ. والقرآن ، كما هو معجز باعتبار المعنى ، فهو معجز باعتبار اللّفظ. مع أنّ العلوم الكثيرة الّتي في القرآن ، لا يمكن تعلّمها إلّا بملازمة معلّم فائق في تلك العلوم مدّة متطاولة. فكيف تعلّم جميع ذلك من غلام سوقيّ ، سمع منه بعض المنقولات ، مرتّبا على كلمات أعجميّة لعلّه لا يعرف معناها؟! وطعنهم بالقرآن بأمثال هذه الكلمات الرّكيكة ، دليل على غاية عجزهم.

(إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ) : لا يصدّقون أنّها من عند الله.

(لا يَهْدِيهِمُ اللهُ) : إلى الحقّ.

(وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (١٠٤) : في الآخرة. هدّدهم على كفرهم بالقرآن بعد ما أماط شبهتهم وردّ طعنهم فيه ، ثمّ قلب الأمر عليهم فقال : (إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ) : لأنّهم لا يخافون عقابا يردعهم عنه.

(وَأُولئِكَ) : إشارة إلى الّذين كفروا ، أو إلى قريش.

(هُمُ الْكاذِبُونَ) (١٠٥) ، أي : الكاذبون على الحقيقة.

أو الكاملون في الكذب ، [لأنّ تكذيب آيات الله والطّعن فيها بهذه الخرافات أعظم الكذب.] (١).

أو الّذين عادتهم الكذب ، لا يصرفهم عنه دين ولا مروءة.

أو الكاذبون في قولهم : (إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) (٢).

(مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ) : بدل من (الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) ، وما بينهما اعتراض. أو من «أولئك». أو من «الكاذبون». أو مبتدأ خبره محذوف ، دلّ عليه قوله : (فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ).

ويجوز أن ينتصب بالذمّ ، وأن تكون «من» شرطيّة محذوفة الجواب ، دلّ عليه

__________________

(١) ليس في أ ، ب ، ر.

(٢) النحل / ١٠٣.

٢٧٥

قوله : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ) : على الافتراء. أو كلمة الكفر استثناء متّصل ، لأنّ الكفر لغة يعمّ القول والعقد ، كالإيمان.

(وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) : لم تتغيّر عقيدته.

(وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً) : اعتقده وطاب به نفسا.

(فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) (١٠٦) : إذ لا أعظم من جرمه.

وفي كتاب التّوحيد (١) ، بإسناده إلى داود بن القاسم قال : سمعت عليّ بن موسى ، الرّضا ـ عليه السّلام ـ يقول : من شبّه الله بخلقه ، فهو مشرك. ومن وصفه بالمكان ، فهو كافر. ومن نسب إليه ما نهى عنه ، فهو كاذب. ثمّ تلا هذه الآية : (إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ ، وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ).

وفي تفسير العيّاشي (٢) : عن العبّاس بن هلال ، عن أبي الحسن ، الرّضا ـ عليه السّلام ـ أنّه ذكر رجلا كذّابا ، ثمّ قال : فقال الله : (إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ).

عن معمّر بن يحيى بن مسلم (٣) قال : قلت لأبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : إنّ أهل الكوفة يروون عن عليّ ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : ستدعون إلى سبّي والبراءة منّي. فإن دعيتم إلى سبّي فسبّوني ، وإن دعيتم إلى البراءة منّي فلا تتبرّءوا منّي. فإنّي على دين محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

فقال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ : ما أكثر ما يكذبون على عليّ. إنّما قال : إنّكم ستدعون إلى سبّي والبراءة منّي. فإن دعيتم إلى سبّي فسبّوني ، وإن دعيتم إلى البراءة منّي فإنّي على دين محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ. ولم يقل : فلا تتبرّءوا منّي.

قلت : جعلت فداك ، فإن أراد الرّجل يمضي على القتل ولا يتبرأ؟

فقال : لا والله ، إلّا على الّذي مضى عليه عمّار. إنّ الله يقول : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ).

عن أبي بكر (٤) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قال بعضنا : جذّ (٥) الرّقاب

__________________

(١) التوحيد / ٦٨ ، ح ٢٥.

(٢) تفسير العياشي ٢ / ٢٧١ ، ح ٧١.

(٣) نفس المصدر والموضع ، ح ٧٣.

(٤) تفسير العياشي ٢ / ٢٧٢ ، ح ٧٤.

(٥) المصدر : مدّ.

٢٧٦

أحبّ إليك أم البراءة من عليّ؟

فقال : الرّخصة أحبّ إليّ. أما سمعت قول الله في عمّار : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ).

عن عبد الله بن عجلان (١) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سألته ، فقلت له : إنّ الضّحّاك قد ظهر بالكوفة ويوشك أن ندعى إلى البراءة من عليّ ، فكيف نصنع؟

قال : فأبرأ منه.

قال : قلت : أيّ شيء أحبّ إليك؟

قال : أن يمضوا (٢) على ما مضى عليه عمّار بن ياسر ، أخذ بمكّة ، فقالوا له : ابرأ من رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فبرأ منه. فأنزل الله عذره (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ).

وفي أصول الكافي (٣) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن بكر بن صالح ، عن القاسم بن بريد (٤) قال : حدّثنا أبو عمرو الزّبيريّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : فأمّا ما فرض الله (٥) على القلب من الإيمان ، فالإقرار والمعرفة والعقد والرّضا والتّسليم بأن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له إلها واحدا لم يتّخذ صاحبة ولا ولدا وأن محمّدا عبده ورسوله ، والإقرار بما جاء به (٦) من عند الله من نبي أو كتاب. فذلك ما فرض الله على القلب من الإقرار والمعرفة [، وهو عمله.] (٧) وهو قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً). وقال : (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).

فذلك ما فرض الله ـ عزّ وجلّ ـ على القلب من الإقرار والمعرفة ، وهو عمله ، وهو رأس الإيمان.

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

ابن محبوب (٨) ، عن خالد بن نافع البجلّي ، عن محمّد بن مروان قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ [يقول] (٩) : إنّ رجلا أتى النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

__________________

(١) تفسير العياشي ٢ / ٢٧٢ ، ح ٧٦.

(٢) المصدر : يمضون.

(٣) الكافي ٢ / ٣٤ و ٣٥ ، ذيل ح ١.

(٤) أ ، ب ، ر : القاسم بن يزيد.

(٥) ليس في المصدر.

(٦) ليس في المصدر.

(٧) ليس في ب.

(٨) الكافي ٢ / ١٥٨ ، ح ٢.

(٩) من المصدر.

٢٧٧

فقال : يا رسول الله ، أوصني.

فقال : لا تشرك بالله شيئا وإن أحرقت (١) بالنّار وعذّبت ، إلّا وقلبك مطمئنّ بالإيمان ،

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

عليّ بن إبراهيم (٢) ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة قال : قيل لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : إنّ النّاس يروون ، أنّ عليّا ـ عليه السّلام ـ قال على منبر الكوفة : أيّها النّاس ، إنّكم ستدعون إلى سبّي فسبّوني ، ثمّ تدعون إلى البراءة منّي فلا تبرّؤوا (٣) منّي.

قال : ما أكثر ما يكذب النّاس على عليّ ـ عليه السّلام ـ.

ثمّ قال : إنّما قال : إنّكم ستدعون إلى سبّي فسبّوني ، ثمّ تدعون إلى البراءة منّي وإنّي لعلى دين محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ. ولم يقل : ولا تبرّؤوا (٤) منّي.

فقال له السّائل : أرأيت إن اختار القتل دون البراءة؟

فقال : والله ، ما ذلك عليه وماله ، إلّا ما مضى عليه عمّار بن ياسر حيث أكرهه (٥) أهل مكّة وقلبه مطمئنّ بالإيمان. فأنزل الله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ).

فقال له النّبيّ عندها : يا عمّار ، إن عادوا فعد ، فقد أنزل الله ـ عزّ وجلّ ـ عذرك وأمرك أن تعود إن عادوا.

عليّ (٦) ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل ، عن محمّد بن مروان قال : قال لي أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : ما منع ميثم ـ رحمه الله ـ من التّقيّة؟

فو الله ، لقد علم أنّ هذه الآية نزلت في عمّار وأصحابه (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) (٧).

الحسين بن محمّد (٨) ، عن معلّى بن محمّد ، عن أبي داود المسترقّ قال : حدّثني عمرو

__________________

(١) أ ، ب ، ر : احترقت. المصدر : حرّقت.

(٢) الكافي ٢ / ٢١٩ ، ح ١٠.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : فلا تتبرّءوا.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : لا تبرّؤوا.

(٥) أ ، ب : كرهه.

(٦) الكافي ٢ / ٢٢٠ ، ح ١٥.

(٧) هنا قطعة هي نفسها ذيل الحديث السابق وقد كررت فحذفناها.

(٨) الكافي ٢ / ٤٦٢ ، ح ١.

٢٧٨

بن مروان قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : رفع عن أمّتي أربع خصال : خطأها ، ونسيانها ، وما أكرهوا عليه ، وما لا يطيقون (١). وذلك قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا. رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا ، رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ).

وقوله : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ).

وفي من لا يحضره الفقيه (٢) : قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ في وصيّته لابنه محمّد بن الحنفيّة : وفرض الله على القلب ، وهو أمير الجوارح الّذي به تعقل وتفهم وتصدر عن أمره ورأيه. فقال ـ عزّ وجلّ ـ : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) (الآية).

وفي قرب الإسناد (٣) للحميريّ ، بإسناده إلى أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ التّقيّة ترس (٤) المؤمن. ولا إيمان لمن لا تقيّة له.

قلت : جعلت فداك ، أرأيت قول الله : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ).

قال : وهل التّقيّة إلّا هذا؟

وفي مجمع البيان (٥) : قيل : نزل قوله : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) في جماعة أكرهوا ، وهم عمّار ، وياسر ، أبوه ، وأمّه ، سميّة ، وصهيب ، وبلال ، وخبّاب (٦).

عذّبوا ، وقتل أبو عمّار وأمّه. فأعطاهم عمّار بلسانه ما أرادوا منه ، ثمّ أخبر بذلك رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

فقال قوم : كفر عمّار.

فقال ـ صلّى الله عليه وآله ـ : كلّا ، إنّ عمّارا مليء إيمانا من قرنه إلى قدمه واختلط الإيمان بلحمه ودمه. وجاء عمّار إلى رسول الله ، وهو يبكي.

فقال ـ صلّى الله عليه وآله ـ : ما وراءك؟

فقال : شرّ (٧) ، يا رسول الله ، ما تركت حتّى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير.

فجعل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يمسح عينيه ويقول : إن عادوا لك ،

__________________

(١) المصدر : ما لم يطيقوا.

(٢) الفقيه ٢ / ٣٨٢ ، ذيل ١٦٢٧.

(٣) قرب الاسناد / ١٧.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : دين.

(٥) المجمع ٣ / ٣٨٧.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : جناب.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : سنة.

٢٧٩

فعد لهم بما قلت.

فنزلت الآية. عن ابن عبّاس وقتادة.

(ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ) : بسبب أنّهم آثروها عليها.

(وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) (١٠٧) ، أي : الكافرين في علمه إلى ما يوجب ثبات الإيمان ولا يعصمهم عن الزّيغ.

(أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ) : فأبت عن إدراك الحقّ والتّأمّل فيه.

(وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) (١٠٨) : الكاملون في الغفلة ، إذ أغفلتهم الحالة الرّاهنة عن تدبّر العواقب.

(لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ) (١٠٩) : إذ ضيّعوا أعمارهم ، وصرفوها فيما أفضى بهم إلى العذاب المخلّد.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : قوله : (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) فهو عمّار بن ياسر ، أخذته قريش بمكّة فعذّبوه بالنّار حتّى أعطاهم بلسانه ما أرادوا وقلبه مطمئنّ (٢) بالإيمان [وأمّا] (٣).

قوله : (وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً) فهو عبد الله بن سعد بن أبي سرح بن الحارث ، من بني لؤيّ. يقول الله : [(فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ* ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) (٤)] (٥). ذلك بأنّ الله ختم على سمعهم وأبصارهم وقلوبهم (وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ* لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ) (٦). هكذا في قراءة ابن مسعود [وقوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ) الآية هكذا في القراءة المشهورة] (٧) هذا كلّه في عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، كان عاملا لعثمان بن عفّان على مصر.

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ٣٩٠ ـ ٣٩١.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : مقرّ.

(٣) من المصدر.

(٤) النحل / ١٠٦ ـ ١٠٧.

(٥) ليس في المصدر.

(٦) النحل / ١٠٨ ـ ١٠٩.

(٧) من المصدر.

٢٨٠