تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٧

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٧

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

في الزّنا ستّ خصال : ثلاث منها في الدّنيا ، وثلاث في الآخرة ، فأمّا الّتي في الدّنيا فيذهب بالبهاء ويعجّل الفناء ويقطع الرّزق ، وأمّا الّتي في الآخرة فسوء الحساب وسخط الرّحمن والخلود في النّار.

وعن أبي عبد الله (١) ـ عليه السّلام ـ قال : للزّاني [ستّ خصال ،] (٢) ثلاث في الدّنيا ، وثلاث في الآخرة. وذكر نحوه.

عن حذيفة اليمانيّ (٣) قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : يا معشر المسلمين ، إيّاكم والزّنا فإنّ فيه ستّ خصال. وذكر نحوه ـ أيضا ـ.

عن أبي عبد الله (٤) ـ عليه السّلام ـ : إذا فشت أربعة ظهرت أربعة ، إذا فشا الزّنا ، ظهرت الزّلازل. (الحديث)

وعن عليّ (٥) ـ عليه السّلام ـ : أربعة لا تدخل (٦) واحدة منهنّ بيتا إلّا خرب ولم يعمر : الخيانة ، والسّرقة ، وشرب الخمر ، والزّنا.

عن الحلبّي (٧) قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : المؤمن لا تكون سجيّته الكذب ولا البخل ولا الفجور ، ولكن ربّما ألمّ من هذا بشيء فلا يدوم عليه.

قيل له : أفيزني؟

[قال : نعم ،] (٨) هو مفتن (٩) توّاب ولكن لا يولد له من تلك النّطفة.

عن جعفر بن محمّد (١٠) ـ عليه السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : ما عجّت الأرض إلى ربّها كعجيجها من ثلاثة : من دم حرام يسفك عليها ، واغتسال من زنا (١١) ، والنّوم عليها قبل طلوع الشّمس.

(وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِ) قيل (١٢) : إلّا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان ، وزنا بعد إحصان ، وقتل مؤمن

__________________

(١) نفس المصدر / ٣٢١ ، ح ٤.

(٢) من المصدر.

(٣) نفس المصدر / ٣٢٠ ، ح ٢.

(٤) نفس المصدر / ٢٤٢ ، ح ٩٥.

(٥) نفس المصدر / ٢٣٠ ، ح ٧٣.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : أربعة لا يدن منهنّ واحدة بيتا.

(٧) نفس المصدر / ١٢٩ ، ح ١٣٤.

(٨) من المصدر.

(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : مفتر.

(١٠) نفس المصدر / ١٤١ ، ح ١٦٠.

(١١) المصدر : أو.

(١٢) أنوار التنزيل ١ / ٥٨٤.

٤٠١

معصوم عمدا.

وفي من لا يحضره الفقيه (١) : روي عن عليّ بن حسّان الواسطيّ ، عن عمّه ، عبد الرّحمن بن كثير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : الكبائر سبع فينا أنزلت ومنّا استحلّت.

... إلى قوله : وأمّا قتل النّفس الّتي حرّم الله ، فقد قتلوا الحسين بن عليّ ـ عليه السّلام ـ وأصحابه.

وفي تفسير العيّاشيّ (٢) : عن معلّى بن خنيس ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سمعته يقول : [من] (٣) قتل النّفس الّتي حرّم الله ، فقد قتل (٤) الحسين ـ عليه السّلام ـ في أهل بيته.

(وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً) : غير مستوجب للقتل.

(فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ) : الّذي يلي أمره بعد وفاته ، وهو الوارث.

(سُلْطاناً) : تسلّطا بالمؤاخذة بمقتضى القتل على من عليه. أو بالقصاص على القاتل ، فإنّ قوله : «مظلوما» يدلّ على أنّ القتل عمدا عدوان ، فإنّ الخطأ لا يسمّى ظلما.

(فَلا يُسْرِفْ) [، أي : القاتل] (٥) (فِي الْقَتْلِ) : بأن يقتل من لا يحقّ قتله ، فإنّ العاقل لا يفعل ما يعود عليه بالهلاك. أو الوليّ بالمثلة. أو قتل غير القاتل.

ويؤيد الأوّل قراءة أبيّ : «فلا تسرفوا» (٦). وقراءة حمزة والكسائيّ : «فلا تسرف» على خطاب أحدهما (٧).

(إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً) (٣٣) : علّة النّهى على الاستئناف.

__________________

(١) الفقيه ٣ / ٣٦٦ ، ح ١٧٤٥.

(٢) تفسير العيّاشي ٢ / ٢٩٠ ، ح ٦٤.

(٣) من المصدر.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : قتلوا.

(٥) ليس في ب.

(٦) قوله : «ويؤيّد الأول قراءة أبيّ : فلا تسرفوا» فإنّ «لا تسرفوا» يناسب أن يكون الخطاب للنّاس حتّى يوجب نهيهم عن القتل ، أمّا إذا كان الخطاب للوليّ فينبغي أن يكون الفعل للواحد الغائب لا للجمع. وإنّما قال : يؤيد الأول ، ولم يقل : نصّ فيه ، لأنّه يمكن أن يكون جمع الضّمير باعتبار تعدّد الأولياء.

(٧) قوله : «على خطاب أحدهما» ، أي : القاتل ، أو الوليّ.

٤٠٢

والضّمير إمّا للمقتول فإنّه منصور في الدّنيا بثبوت القصاص بقتلة وفي الآخرة بالثّواب ، وإمّا لوليّه فإن الله نصره حيث أوجب القصاص له وأمر الولاة بمعونته ، وإمّا للّذي يقتله الوليّ إسرافا بإيجاب القصاص أو التّعزير والوزر على المسرف.

وفي الكافي (١) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن القاسم بن عروة ، عن أبي العبّاس وغيره ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إذا اجتمعت العدّة على قتل رجل واحد ، حكم الوالي (٢) أن يقتل أيّهم شاءوا وليس لهم أن يقتلوا أكثر من واحد ، إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ).

عليّ بن محمّد (٣) ، عن بعض أصحابه ، عن محمّد بن سليمان ، عن سيف بن عميرة ، عن إسحاق بن عمّار قال : قلت لأبي الحسن ـ عليه السّلام ـ : إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول في كتابه : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً) فما هذا الإسراف الّذي نهى الله عنه؟

قال : نهى أن يقتل غير قاتله ، أو يمثّل بالقاتل.

قلت : فما معنى قوله : (إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً)؟

قال : وأيّ نصرة أعظم من أن يدفع القاتل إلى ولي المقتول فيقتله ، لا تبعة تلزمه من قتله في دين ولا دنيا.

وفي روضة الكافي (٤) : عليّ بن محمّد ، عن صالح عن الحجّال ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) (٥).

قال : نزلت في الحسين ـ عليه السّلام ـ ، لو قتل أهل الأرض به ما كان سرفا.

وفي تفسير العيّاشيّ (٦) : عن جابر ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : نزلت هذه الآية في الحسين ـ عليه السّلام ـ (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ)

__________________

(١) الكافي ٧ / ٢٨٤ ـ ٢٨٥ ، ح ٩.

(٢) ب : الولي.

(٣) نفس المصدر / ٣٧٠ ، ح ٧.

(٤) نفس المصدر ٨ / ٢٥٥ ، ح ٣٦٤.

(٥) كذا في المصدر والمصحف. وفي النسخ : بالقتل.

(٦) تفسير العياشي ٢ / ٢٩٠ ، ح ٦٩.

٤٠٣

(١) قاتل (٢) الحسين ـ عليه السّلام ـ.

(إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً) قال : الحسين ـ عليه السّلام ـ.

عن سلام بن المستنير (٣) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً) قال : هو الحسين بن عليّ ـ عليهما السّلام ـ قتل مظلوما ونحن أولياؤه ، والقائم منّا إذا قام (٤) طلب بثأر الحسين فيقتل حتّى يقال : قد أسرفت (٥) في القتل. وقال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : المقتول الحسين ووليّه القائم ، والإسراف في القتل أن يقتل غير قاتله (إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً) فإنّه لا يذهب من الدّنيا حتّى ينتصر برجل من آل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما (٦).

عن أبي العبّاس (٧) قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن رجلين قتلا رجلا.

قال : يخيّر وليّه أن يقتل أيّهما شاء ويغرم الباقي نصف الدّية ، أعني : دية المقتول فيردّ على ذرّيّته (٨) : وكذلك إن قتل رجل امرأة إن قبلوا دية المرأة فذاك ، وإن أبي أولياؤها إلّا قتل قاتلها غرموا نصف دية الرّجل وقتلوه ، وهو قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ).

عن حمران (٩) ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ أنّه قال : وقد قال الله : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً) نحن أولياء الحسين بن علي ـ عليه السّلام ـ (١٠) [والقائم منّا] (١١).

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

(وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ) : فضلا أن تتصرّفوا فيه.

(إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) : إلّا بالطّريقة الّتي هي أحسن.

(حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) : غاية لجواز التّصرّف الّذي دلّ عليه الاستثناء.

__________________

(١) كذا في المصدر والمصحف. وفي النسخ : بالقتل.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : فقال.

(٣) نفس المصدر ، ح ٦٧.

(٤) المصدر : قام منّا.

(٥) أسرف.

(٦) ب ، المصدر : ظلما وجورا.

(٧) نفس المصدر / ٢٩١ ، ح ٦٨.

(٨) المصدر : ورثته.

(٩) نفس المصدر ، ح ٦٩.

(١٠) ب : نحن أولياؤه.

(١١) من ب.

٤٠٤

وفي من لا يحضره الفقيه (١) : روى منصور بن حازم ، عن هشام ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : [انقطاع اليتيم الاحتلام وهو أشدّه.

وروى الحسن بن عليّ الوشّاء (٢) ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال :] (٣) إذا بلغ الغلام أشدّه ثلاث عشرة سنة ودخل في الأربع عشرة سنة وجب عليه ما وجب على المحتلمين ، احتلم أو لم يحتلم ، فكتبت (٤) عليه السيئات وكتبت له الحسنات ، وجاز له كلّ شيء إلّا أن يكون ضعيفا أو سفيها.

وفي تفسير العيّاشي (٥) : عنه ـ عليه السّلام ـ ما يقرب منه.

(وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ) : بما عاهدكم الله من تكاليفه. أو بما عاهدتموه وغيره.

(إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً) (٣٤) : مطلوبا ، يطلب من المعاهد أن لا يضيّعه ويفي به. أو مسؤولا عنه ، يسأل النّاكث [ويعاتب عليه] (٦). أو يسأل العهد : لم نكثت؟

تبكيتا للنّاكث ، كما يقال للموءودة : «بأيّ ذنب قتلت» (٧) فيكون تخييلا (٨). ويجوز أن يراد ، أنّ صاحب العهد كان مسؤولا.

وفي كتاب الخصال (٩) : عن عنبسة (١٠) بن مصعب قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ يقول : ثلاثة لم يجعل الله لأحد من النّاس فيهنّ رخصة.

... إلى قوله ـ عليه السّلام ـ : والوفاء (١١) بالعهد للبرّ والفاجر.

(وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ) : ولا تبخسوا فيه.

(وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ) : بالميزان السّويّ. وهو روميّ معرّب ، ولا يقدح ذلك في عربيّة القرآن ، لأنّ العجميّ إذا استعملته العرب وأجرته مجرى كلامهم في

__________________

(١) الفقيه ٤ / ١٦٣ ، ح ٥٦٩.

(٢) نفس المصدر / ١٦٤ ، ح ٥٧١.

(٣) ما بين المعقوفتين لا يوجد في النسخ. ولعلّ المصنّف (ره) أسقطها عند نقل الحديث من تفسير نور الثقلين.

(٤) المصدر : وكتب.

(٥) تفسير العيّاشي ٢ / ٢٩١ ، ح ٧٠.

(٦) ليس في ب.

(٧) التكوير / ٩.

(٨) قوله : «فيكون تخييلا» ، أي : لا يسأل العهد حقيقة ، إذ العهد غير عاقل حتّى يسأل عن الشيء ، بل المراد مجرّد تخييل للسّؤال تعييرا وتوبيخا للنّاكث.

(٩) الخصال / ١٢٨ ، ح ١٢٩.

(١٠) كذا في المصدر وجامع الرواة ١ / ٦٤٦. وفي النسخ : عتبة.

(١١) المصدر : وفاء.

٤٠٥

الإعراب والتّعريف والتّنكير ونحوها ، صار عربيّا.

وقرأ (١) حمزة والكسائي وحفص ، بكسر القاف ، هنا وفي الشّعراء.

(ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (٣٥) : وأحسن عاقبة (٢). تفعيل ، من آل : إذا رجع.

(وَلا تَقْفُ) : ولا تتّبع.

وقرئ (٣) : «ولا تقف» من قاف أثره : إذا قفاه. ومنه القافة.

(ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) : ما لم يتعلّق به علمك تقليدا ، أو رجما بالغيب.

واحتجّ به من منع اتّباع الظّنّ ، وأجيب : بأنّ المراد بالعلم هو الاعتقاد الرّاجح المستفاد من سند ، سواء كان قطعا أو ظنّا ، واستعماله بهذا المعنى شائع.

وقيل (٤) : إنّه مخصوص بالعقائد.

وقيل (٥) : بالرّمي وشهادة الزّور. ويؤيّده قوله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : من قفا مؤمنا بما ليس فيه حبسه الله في ردغة الخبال (٦) ، حتّى يأتي بالمخرج.

وقول الكميت :

ولا أرمي البريء بغير ذنب

ولا أقفو الحواصن إن قفينا

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٧) : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : القسطاس المستقيم هو الميزان الّذي له لسان.

وفيه (٨) : قوله : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) قال : لا ترم [أحدا] (٩) بما ليس لك به علم ، وقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : من بهت (١٠) مؤمنا أو مؤمنة أقيم في طينة خبال ، أو يخرج ممّا قال.

(إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ) ، أي : كلّ هذه الأعضاء. فأجراها مجرى العقلاء لمّا كانت مسؤولة عن أحوالها ، شاهدة على صاحبها ، هذا وإنّ «أولاء»

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٨٥.

(٢) ليس في ب.

(٣) نفس المصدر والموضع.

(٤ و ٥) نفس المصدر والموضع.

(٦) الرّدغة : الوحل الكثير. وردغة الخبال : ما سال من جلود أهل النّار يوم القيامة.

(٧) تفسير القمّي ٢ / ١٩.

(٨) نفس المصدر والموضع.

(٩) من المصدر.

(١٠) كذا في المصدر. وفي النسخ : نهر.

٤٠٦

وإن غلب في العقلاء لكنّه من حيث أنّه اسم (١) جمع ، لذا وهو يعمّ القبيلين ، جاء لغيرهم ، كقوله :

والعيش بعد أولئك الأيام

(كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) (٣٦).

في ثلاثتها ضمير «كلّ» (٢) ، أي : كان كلّ واحد منها مسؤولا عن نفسه ، يعني : عمّا فعل به صاحبه.

ويجوز أن يكون الضّمير في «عنه» لمصدر «لا تقف» ، أو لصاحب السّمع والبصر.

وقيل (٣) : «مسؤولا» مسند إلى «عنه» ، كقوله : «غير المغضوب عليهم» والمعنى : يسأل صاحبه عنه. وهو خطأ ، لأنّ الفاعل وما يقوم مقامه لا يتقدّم.

قيل (٤) : وفيه دليل على أن العبد مؤاخذ بعزمه على المعصية.

وقرئ (٥) : «والفواد» بقلب الهمزة واوا بعد الضّمّة ، ثمّ إبدالها بالفتح.

وفي من لا يحضره الفقيه (٦) : وقال رجل للصّادق ـ عليه السّلام ـ : إنّ لي جيرانا ولهم جوار يتغنّين ويضر بن بالعود ، فربّما دخلت المخرج فأطيل الجلوس استماعا منّي لهنّ.

فقال له الصّادق ـ عليه السّلام ـ : [لا تفعل.

فقال : والله ما هو شيء آتيه برجلي ، إنّما هو سماع أسمعه بأذني.

فقال له ـ عليه السّلام ـ :] (٧) يا لله أنت (٨). أما سمعت الله يقول : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً).

فقال الرّجل : كأنّي لم أسمع بهذه الآية من كتاب الله ـ عزّ وجلّ ـ من عربيّ ولا عجميّ ، ولا جرم أنّي قد تركتها ، وأنا استغفر الله ـ تعالى ـ.

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

__________________

(١) ليس في ب.

(٢) قوله : «في ثلاثتها ضمير كلّ» ، أي : في «كان» و «عنه» و «مسؤولا» ضمير راجع إلى «كلّ».

(٣ و ٤ و ٥) أنوار التنزيل ١ / ٥٨٥.

(٦) الفقيه ١ / ٤٥ ، ح ١٧٧.

(٧) من المصدر.

(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : تا الله أنت.

٤٠٧

وفي عيون الأخبار (١) ، بإسناده إلى عبد العظيم بن عبد الله الحسنيّ قال : حدّثني سيّدي ، عليّ بن محمّد بن عليّ الرّضا ، عن [أبيه ، محمّد بن عليّ ، عن أبيه ، الرّضا ، عن] (٢) آبائه ، عن الحسين بن عليّ ـ عليهم السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : إنّ أبا بكر منّي بمنزلة السّمع ، وإنّ عمر منّي بمنزل البصر ، وإنّ عثمان منّي بمنزل الفؤاد.

فلمّا كان من الغد دخلت عليه ، وعنده أمير المؤمنين وأبو بكر وعمر وعثمان ، فقلت له : يا أبة ، سمعتك تقول في أصحابك هؤلاء قولا ، فما هو؟

فقال ـ صلّى الله عليه وآله ـ : نعم. ثمّ أشار إليهم ، فقال : هم السّمع والبصر والفؤاد ، سيسألون (٣) عن وصيّي هذا. وأشار إلى عليّ بن أبي طالب.

ثمّ قال : إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً).

ثمّ قال ـ صلّى الله عليه وآله ـ : وعزّة ربّي ، إنّ جميع أمّتي موقوفون يوم القيامة ومسؤولون عن ولايته ، وذلك قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ).

وفي كتاب علل الشّرائع (٤) : محمّد بن موسى بن المتوكّل ـ رضي الله عنه ـ قال : حدّثنا عليّ بن الحسين (٥) السّعدآباديّ ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقيّ (٦) ، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنيّ قال : حدّثني عليّ بن جعفر ، عن أخيه ، موسى بن جعفر ، عن أبيه ـ عليهما السّلام ـ قال : قال عليّ بن الحسين ـ عليه السّلام ـ : ليس لك أن تتكلّم بما شئت ، لأنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) ولأن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال : رحم الله عبدا قال خيرا فغنم ، أو صمت فسلم. وليس لك أن تسمع ما شئت ، لأنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول :] (٧) (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً).

والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

__________________

(١) العيون ١ / ٢٤٤ ، ح ٨٦.

(٢) ليس في ب.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : يسألون.

(٤) العلل / ٦٠٦ ، ح ٨٠.

(٥) المصدر : الحسن.

(٦) يوجد في جميع النسخ هنا زيادة : عن عبد الله البرقي.

(٧) ليس في ب.

٤٠٨

وفي أصول الكافي (١) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن بكر بن صالح ، عن القاسم بن بريد (٢) قال : حدّثنا أبو عمرو الزّبيريّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ وذكر حديثا طويلا ، يقول فيه ـ عليه السّلام ـ بعد أن قال : إن الله ـ تبارك وتعالى ـ فرض الإيمان على جوارح ابن آدم وقسّمه عليها وفرّقه فيها ـ : ثمّ نظّم ما فرض على القلب واللّسان والبصر في آية أخرى فقال : (وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ) ، يعني بالجلود : الفروج والأفخاذ. وقال : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً). فهذا ما فرض على العينين من غضّ البصر عمّا حرم الله ، وهو عملهما ، وهو من الإيمان.

عدّة من أصحابنا (٣) ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه. ومحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، جميعا عن البرقيّ ، عن النّضر بن سويد ، عن يحيى بن عمران الحلبيّ ، عن عبد الله ، عن الحسن بن (٤) هارون قال : قال لي أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً).

قال : يسأل السّمع عمّا سمع ، والبصر عمّا نظر إليه ، والفؤاد عمّا عقد عليه.

وفي الكافي (٥) : عليّ بن إبراهيم ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن زياد قال : كنت عند أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ فقال له رجل : بأبي أنت وأمّي ، إنّي أدخل كنيفا (٦) لي ولي جيران وعندهم جوار يتغنّين. وذكر إلى آخر ما نقلنا عن من لا يحضره الفقيه.

وفي تفسير العيّاشيّ (٧) : عن أبي جعفر قال : كنت عند أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ فقال له رجل : بأبي أنت وأمّي ، إنّي أدخل كنيفا لي ولي جيران وعندهم جوار يتغنّين.

ذكر إلى آخر ما نقلت عنه ـ أيضا ـ.

__________________

(١) الكافي ٢ / ٣٣ ـ ٣٦ ، ح ١.

(٢) كذا في المصدر وجامع الرواة ٢ / ١٥. وفي النسخ : يزيد.

(٣) نفس المصدر / ٣٧ ، ح ٢.

(٤) المصدر : «عبيد الله بن [الحسن ، عن الحسن بن]» بدل «عبد الله ، عن الحسن بن».

(٥) نفس المصدر ٦ / ٤٣٢ ، ح ١٠.

(٦) الكنيف : حظيرة من خشب أو شجر تتّخذ للإبل والغنم تقيها الرّيح والبرد. أو : المرحاض.

(٧) تفسير العيّاشي ٢ / ٢٩٢ ، ح ٧٦.

٤٠٩

[عن الحسن (١)] (٢) قال : كنت أطيل الجلوس (٣) في المخرج لأسمع غناء بعض الجيران.

قال : فدخلت على أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ فقال لي : يا حسن (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً).

قال : السّمع وما وعى ، والبصر وما رأى ، والفؤاد وما عقد عليه.

عن الحسن بن هارون (٤) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً). قال : [يسأل] (٥) السّمع عمّا يسمع ، والبصر عمّا يطرف ، والفؤاد عمّا عقد (٦) عليه.

وفي مصباح الشّريعة (٧) : قال الصّادق ـ عليه السّلام ـ : ومن نام بعد فراغه من أداء الفرائض والسّنن والواجبات من الحقوق ، فذلك نوم محمود ، وإنّي لا أعلم لأهل زماننا هذا [شيئا] (٨) إذا أتوا بهذه الخصال أسلم من النّوم ، لأنّ الخلق تركوا مراعاة دينهم ومراقبة أحوالهم وأخذوا شمال الطّريق ، والعبد إن اجتهد أن لا يتكلّم كيف يمكنه أن لا يسمع إلّا ما هو مانع له من ذلك ، وإنّ النّوم من إحدى تلك الآلات (٩) ، قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً).

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١٠) : حدّثني أبي ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي حمزة الثّماليّ ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : لا تزول (١١) قدم عبد يوم القيامة من بين يدي الله حتّى يسأله عن أربع خصال : عمرك فيما أفنيته ، وجسدك فيما أبليته ، ومالك من أين اكتسبته (١٢) وأين وضعته ، وعن حبّنا أهل البيت.

__________________

(١) نفس المصدر ، ح ٧٤.

(٢) من المصدر.

(٣) المصدر : القعود.

(٤) نفس المصدر ، ح ٧٥. وفيه : الحسين بن هارون.

(٥) من المصدر.

(٦) المصدر : يعقد.

(٧) مصباح الشريعة / ٤٥.

(٨) من المصدر.

(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : من أحد الآلات.

(١٠) تفسير القمّي ٢ / ١٩ ـ ٢٠.

(١١) المصدر : لا يزول. وفي ب : تزلّ.

(١٢) المصدر : كسبته.

٤١٠

(وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) ، أي : ذا مرح ، وهو الاختيال.

وقرئ (١) : «مرحا» ، وهو باعتبار الحكم أبلغ وإن كان المصدر آكد من صريح النّعت (٢).

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٣) : أي : بطرا و (٤) فرحا.

(إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ) : لن تجعل فيها خرقا بشدّة وطأتك.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) : أي : لم تبلغها كلّها.

(وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً) (٣٧) : بتطاولك. وهو تهكّم بالمختال ، وتعليل للنّهي بأنّ الاختيال حماقة مجرّدة لا تعود بجدوى ليس في التّذلّل.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٦) : أي : لا تقدر أن تبلغ قلل الجبال.

وفي أصول الكافي (٧) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن بكر بن صالح ، عن القاسم بن بريد (٨) قال : حدّثنا أبو عمرو الزّبيريّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ وذكر حديثا طويلا ، يقول فيه ـ عليه السّلام ـ بعد أن قال : إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ فرض الإيمان على جوارح ابن آدم وقسّمه عليها وفرّقه فيها ـ : وفرض على الرّجلين أن لا يمشى بهما إلى شيء من معاصي الله ، وفرض عليهما المشي إلى ما يرضي الله ـ عزّ وجلّ ـ فقال : (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً).

وفي من لا يحضره الفقيه (٩) : قال أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ لابنه محمّد بن الحنفيّة : وفرض على الرّجلين أن تنقلهما في طاعته وأن لا تمشي بهما مشية عاص ، فقال

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٨٥.

(٢) قوله : «وهو باعتبار الحكم أبلغ ... الخ» ، أي : قراءة «مرحا» حتّى يكون أبلغ وآكد باعتبار الحكم ، أي باعتبار النّهي عن المرح ، فإنّ قراءة «مرحا» يدلّ على النّهي عن المرح ، أي : الاختيال مطلقا ، وأمّا قراءة «مرحا» بفتح الرّاء فليس في مرتبة ذلك التّأكيد ، لأنّه يدلّ على النّهي عن المبالغة في المرح والاختيال لأنّه في الظاهر عن أن يكون الماشي عين المرح وان كان نهى الاتّصاف بالمصدر آكد من الاتّصاف بالصفّة.

(٣) تفسير القمّي ٢ / ٢٠.

(٤) المصدر : أو.

(٥) نفس المصدر والموضع.

(٦) نفس المصدر والموضع.

(٧) الكافي ٢ / ٣٣ ـ ٣٦ ، ح ١.

(٨) كذا في المصدر وجامع الرواة ٢ / ١٥. وفي النسخ : يزيد.

(٩) نور الثقلين ٣ / ١٦٧ ، ح ٢١٨ نقل الوصيّة في الفقيه ٤ / ٢٧٥ ، ح ٨٣٠ ، ولكن لا يوجد فيها هذه الفقرة.

٤١١

ـ عزّ وجلّ ـ : (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ) (الآية).

(كُلُّ ذلِكَ) : إشارة إلى الخصال الخمس والعشرين المذكورة من قوله : (وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ).

وعن ابن عبّاس (١) : أنّها مكتوبة في ألواح عيسى وموسى (٢).

(كانَ سَيِّئُهُ) ، يعني : المنهيّ عنه ، فإنّ المذكورات مأمورات ومناه.

وقرأ (٣) الحجازيّان والبصريّان : «سيّئة» على أنّه خبر «كان» والاسم ضمير «كلّ» و «ذلك» إشارة إلى ما نهى عن ذلك خاصّة ، وعلى هذا قوله : (عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً) (٣٨) : بدل من «سيّئة» ، أو صفة لها محمولة على المعنى (٤) ، فإنّه بمعنى : «سيأ» وقد قرئ به.

ويجوز أن ينتصب «مكروها» على الحال من المستكنّ في «كان» ، أو في الظّرف على أنّه صفة «سيّئة» والمراد به : المبغوض المقابل للمرضيّ لا ما يقابل المراد لقيام القاطع ، على أنّ الحوادث كلّها واقعه بإرادته ـ تعالى ـ (٥).

(ذلِكَ) : إشارة إلى الأحكام المقدّمة.

(مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ) : الّتي هي معرفة الحقّ لذاته والخير للعمل به.

(وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) :

كرّره للتّنبيه على أنّ التّوحيد مبدأ الأمر ومنتهاه ، فإنّ من لا قصد له بطل عمله ، ومن قصد بفعله أو تركه غيره ضاع سعيه ، وأنّه رأس الحكمة وملاكها.

ورتّب عليه أوّلا ما هو عائدة الشّرك في الدّنيا (٦) ، وثانيا ما هو نتيجته في العقبى ،

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٨٥.

(٢) ب : ألواح عيسى وموسى.

(٣) نفس المصدر والموضع.

(٤) أي : «عند ربّك مكروها» صفة محمولة على المعنى وإلّا لوجب بحسب اللّقط أن يقال : مكروهة لأنّه صفة «السّيئة» التي هي المؤنث.

(٥) أي : ليست الكراهة بالمعنى المقابل للإرادة ، كما هو مذهب المعتزلة ، لأنّ كل ما وقع فهو مراد الله ـ تعالى ـ عند أهل الحقّ ، فيجب أن تكون الكراهة بمعنى : المقت والبغض وعدم الرضا ، وحاصله الاعتراض والمؤاخذة بفعله.

(٦) قوله : «رتّب عليه أوّلا ما هو عائدة الشرك في الدنيا» حيث قال في أوّل الآيات : (لا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً).

٤١٢

فقال : (فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً) : تلوم نفسك. (مَدْحُوراً) (٣٩) : مبعدا من رحمة الله ـ تعالى ـ.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : فالمخاطبة للنّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ والمعنى للنّاس.

(أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ) : خطاب لمن قالوا : الملائكة بنات الله.

و «الهمزة» للإنكار ، والمعنى : أفخصّكم ربّكم بأفضل الأولاد ، وهم البنون.

(وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً) : لنفسه ، وهذا خلاف ما عليه عقولكم وعادتكم.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : هو ردّ على قريش فيما قالوا : إنّ الملائكة هي بنات الله.

(إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً) (٤٠) : بإضافة الأولاد إليه وهو خاصّة بعض الأجسام لسرعة زوالها ، ثمّ بتفضيل أنفسكم عليه (٣) حيث تجعلون له ما تكرهون ، ثمّ بجعل الملائكة الّذين هم من أشرف خلق الله أدونهم.

وفي عيون الأخبار (٤) ، في باب مجلس الرّضا ـ عليه السّلام ـ عند المأمون في عصمة الأنبياء ـ عليهم السّلام ـ حديث طويل ، فيه : إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قصد دار زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبيّ في أمر أراده ، فرأى امرأته تغتسل ، فقال لها : سبحان الّذي خلقك. وإنّما أراد بذلك تنزيه الله (٥) ـ تعالى ـ عن قول من زعم ، أن الملائكة بنات الله ، فقال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً). فقال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ لمّا رآها تغتسل : سبحان الّذي خلقك أن يتّخذ ولدا يحتاج إلى هذا التّطهير والاغتسال.

(وَلَقَدْ صَرَّفْنا) : ولقد كرّرنا هذا المعنى بوجوه من التّقرير.

(فِي هذَا الْقُرْآنِ) : في مواضع منه.

__________________

(١) تفسير القمّي ٢ / ٢٠.

(٢) نفس المصدر والموضع.

(٣) عطف على قوله : بإضافة الأولاد إليه. وكذا قوله : ثمّ بجعل الملائكة. وأمّا قوله : لسرعة زوالها ، أي : لسرعة زوال ذلك البعض حتى يكون ولده قائما مقامه ويمكن أن يقال الأولاد خاصّة لبعض الأجسام الذي هو في قوّة النقص والله ـ تعالى ـ في غاية الكمال.

(٤) ليس في أ.

(٥) المصدر : البارئ.

٤١٣

ويجوز أن يراد ب «هذا القرآن» : إبطال إضافة البنات إليه (١) ، بتقدير : ولقد صرّفنا القول في هذا المعنى ، أو أوقعنا التّصريف فيه (٢).

وقرئ (٣) : «صرفنا» بالتّخفيف.

(لِيَذَّكَّرُوا) :

وقرأ (٤) حمزة والكسائيّ هنا وفي الفرقان : «ليذكروا» من الذّكر ، الّذي هو بمعنى : التّذكّر.

(وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً) (٤١) : عن الحقّ وقلّة طمانينة إليه.

وفي تفسير العيّاشيّ (٥) : عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ) ، يعني : [ولقد] (٦) ذكرنا عليّا ـ عليه السّلام ـ في القرآن ، وهو الذكر (٧) ، فما زادهم إلّا نفورا.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٨) : قوله : (وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً) قال : إذا سمعوا القرآن ينفرون منه ويكّذبونه.

(قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ) : أيّها المشركون.

وقرأ (٩) ابن كثير وحفص ، بالياء ، فيه وفي ما بعده ، على أنّ الكلام مع الرّسول ، ووافقهما نافع وابن عامر وأبو عمرو وأبو بكر ويعقوب في الثّانية ، على أنّ الأولى ممّا أمر الرّسول أن يخاطب به المشركين ، والثّانية ممّا نزّه به نفسه عن مقالتهم.

(إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً) (٤٢) : جواب عن قولهم ، وجزاء «للو».

والمعنى : لطلبوا إلى من هو مالك الملك سبيلا للمعازّة ، كما يفعل الملوك بعضهم مع

__________________

(١) قوله : «ويجوز أن يراد بهذا القرآن : إبطال إضافة البنات إليه» فيكون من باب إطلاق الشيء على ما يفهم منه ، وهو قريب من إطلاق اسم المحلّ على الحال.

(٢) قوله : «أوقعنا التّصريف فيه» معناه : أنّه جعلناه مكانا للتكرير ، والغرض ما ذكر.

(٣ و ٤) أنوار التنزيل ١ / ٥٨٦.

(٥) تفسير العيّاشي ٢ / ٢٩٣ ، ح ٧٨.

(٦) من المصدر.

(٧) من ب.

(٨) تفسير القمّي ٢ / ٢٠.

(٩) أنوار التنزيل ١ / ٥٨٦.

٤١٤

بعض. أو بالتّقرّب إليه والطّاعة لعلمهم بقدرته وعجزهم ، كقوله (١) : (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ).

(سُبْحانَهُ) : ينزّه تنزيها.

(وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً) (٤٣) : متباعدا غاية البعد عمّا يقولون فإنّه ـ سبحانه وتعالى ـ في أعلى مراتب الوجود ، وهو كونه واجب الوجود والبقاء لذاته واتّخاذ الولد من أدنى مراتبه فإنّه من خواصّ ما يمتنع (٢) بقاؤه.

(تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) : ينزّهه ممّا هو من لوازم الإمكان وتوابع الحدوث بلسان الحال ، حيث تدلّ بإمكانها وحدوثها على الصّانع القديم الواجب لذاته.

(وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) : أيّها المشركون ، لاخلالكم بالنّظر الصّحيح الّذي به يفهم تسبيحهم.

ويجوز أن يحمل التّسبيح على المشترك بين اللّفظ والدّلالة لإسناده إلى ما يتصوّر منه اللّفظ وإلى ما لا يتصوّر منه (٣) ، وعليهما عند من جوّز إطلاق اللّفظ على معنييه.

وقرأ (٤) ابن كثير وابن عامر وأبو بكر : «يسبّح» بالياء.

وفي الكافي (٥) : عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن عليّ بن أسباط ، عن داود الرّقيّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ).

قال : تنقضّ الجدر تسبيحها (٦).

وفي تفسير العيّاشيّ (٧) : عن أبي الصّباح ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قلت : قول الله : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ).

__________________

(١) الإسراء / ٥٧.

(٢) كذا في ر. وفي غيرها : يمنع.

(٣) قوله : «ويجوز أن يحمل التّسبيح ...» ، أي : معنى مشتركا بينهما. والأولى أن يقال : على معنى مشترك بين دلالة اللّفظ ودلالة الحال ، وهو مطلق الدّلالة.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٥٨٦.

(٥) الكافي ٦ / ٥٣١ ، ح ٤.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : فنقض الجدر بتسبيحها.

(٧) تفسير العيّاشي ٢ / ٢٩٣ ، ح ٧٩.

٤١٥

قال : كلّ شيء يسبّح بحمده ، وإنّا لنرى أن تنقضّ الجدار وهو تسبيحها (١).

وفي رواية الحسين بن سعيد (٢) ، عنه (وَإِنْ) (٣) (مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) قال : كلّ شيء يسبّح بحمده.

[وقال :] (٤) وإنّا لنرى أن ينقضّ الجدار وهو تسبيحها.

عن زرارة (٥) قال : سألت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن قول الله : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ).

فقال : ما ترى أن تنقضّ الحيطان تسيحها (٦).

عن الحسن (٧) [عن] (٨) النّوفليّ ، عن السّكونيّ ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ـ عليهما السّلام ـ قال : نهى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عن أن توسم (٩) البهائم في وجوهها وأن تضرب وجوهها ، لأنّها تسبّح بحمد ربّها.

عن إسحاق بن عمّار (١٠) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : ما من صيد (١١) يصاد [في برّ ولا بحر ، ولا شيء يصاد من الوحش] (١٢) إلّا بتضييعه التّسبيح.

عن مسعدة بن صدقة (١٣) ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ـ عليهما السّلام ـ أنّه دخل عليه رجل فقال له : فداك أبي وأمّي ، إنّي أجد الله يقول في كتابه : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ ، إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ).

فقال له : هو كما قال.

فقال : أتسبّح الشّجرة اليابسة؟

فقال : نعم ، أمّا سمعت خشب البيت كيف ينقضّ؟ وذلك تسبيحه ، فسبحان (١٤) الله على كلّ حال.

__________________

(١) المصدر : لنرى أن ينقضّ الجدر هو تسبيحها.

(٢) نفس المصدر / ٢٩٤ ، ح ٨٠.

(٣) المصدر : وما.

(٤) ليس في أ ، ب.

(٥) نفس المصدر ، ح ٨١.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : بتسبيحها.

(٧) نفس المصدر ، ح ٨٢.

(٨) من المصدر مع المعقوفتين.

(٩) يوجد في النسخ بعدها زيادة : بسم.

(١٠) نفس المصدر ، ح ٨٣.

(١١) المصدر : طير.

(١٢) من المصدر.

(١٣) نفس المصدر ، ح ٨٤.

(١٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : سبحان.

٤١٦

(إِنَّهُ كانَ حَلِيماً) : حين لم يعاجلكم بالعقوبة على غفلتكم وشرككم.

(غَفُوراً) (٤٤) : لمن تاب منكم.

(وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً) : يحجبهم عن فهم ما تقرأه عليهم.

(مَسْتُوراً) (٤٥) : ذا ستر ، كقوله (١) : «وعده مأتيّا» (٢) ، وقولهم : سيل مفعم. أو مستورا عن الحسّ. أو بحجاب آخر ، لا يفهمون ، ولا يفهمون أنّهم لا يفهمون.

نفى عنهم أن يفهموا ما أنزل عليهم من الآيات ، بعد ما نفى عنهم التفقه للدّلالات المنصوبة في الأنفس والآفاق ، تقريرا له وبيانا لكونهم مطبوعين على الضّلالة ، كما صرّح به بقوله : (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً) : تكنّها وتحول دونها عن إدراك الحقّ وقبوله.

(أَنْ يَفْقَهُوهُ) : كراهة أن يفقهوه.

ويجوز أن يكون مفعولا لما دلّ عليه قوله : (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً) ، أي : منعناهم أن يفقهوه.

(وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) : يمنعهم عن استماعه. ولمّا كان القرآن معجزا من حيث اللّفظ والمعنى ، أثبت لمنكريه ما يمنع عن فهم المعنى وإدراك اللّفظ.

(وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ) : واحدا غير مشفوع به آلهتهم. مصدر وقع موقع الحال ، وأصله : يحد وحده ، بمعنى : واحدا وحده.

(وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً) (٤٦) : هربا من استماع التّوحيد ونفرة ، أو تولية.

ويجوز أن يكون جمع نافر ، كقاعد وقعود.

وفي كتاب الاحتجاج (٣) للطّبرسيّ ـ رضي الله عنه ـ : عن موسى بن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه ـ عليهم السّلام ـ ، عن الحسين بن عليّ ـ عليهما السّلام ـ قال : إنّ يهوديّا من يهود

__________________

(١) مريم / ٦١.

(٢) قوله : ذا ستر كقوله : (وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) إنّما حمل على ذلك ، لأنّ المستور معناه الحقيقيّ : ما يستره شيء ، لكنّ الجواب ليس كذلك ، فمعناه : ذو ستر ، أي : صاحب السّتر ، على معنى أن يتّصف بأن يستر شيئا ، كما في قوله : (وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) فإنّ المأتيّ ما أتاه شيء ، لكن الوعد ليس كذلك بل هو الآتي ، فمعناه : ذو إتيان ، أي : اتّصف به.

(٣) الاحتجاج / ٢١٣.

٤١٧

الشّام وأحبارهم قال لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : فإنّ إبراهيم ـ عليه السّلام ـ حجب عن نمرود بحجب ثلاث.

قال عليّ ـ عليه السّلام ـ : لقد كان كذلك ، ومحمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ حجب عمّن أراد قتله بحجب خمس.

... إلى قوله : [ثمّ قال :] (١) (وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً). فهذا الحجاب الرابع. وستقف على تمام الكلام ـ إنشاء الله تعالى ـ عند قوله (٢) : (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا) (الآية).

وفي مجمع البيان (٣) ، عند قوله ـ تعالى ـ : (فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) : عن سعيد بن المسيّب ويروى عن أسماء بنت أبي بكر قالت : لمّا نزلت هذه السّورة ، أقبلت العوراء ، أمّ جميل بنت حرب ، ولها ولولة وفي يدها فهر (٤) وهي تقول : «مذمّما أبينا ، ودينه قلينا ، وأمره عصينا» والنّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ جالس في المسجد ومعه أبو بكر.

فلمّا رآها أبو بكر قال : يا رسول الله ، قد أقبلت وأنا أخاف أن تراك.

قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : إنّها لا تراني (٥). وقرأ قرآنا فاعتصم به ، كما قال (٦) : (وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً). فوقفت على أبي بكر ولم تر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ (الحديث).

وفي أصول الكافي (٧) : عليّ بن محمّد ، عن إبراهيم الأحمر ، عن عبد الله بن حمّاد ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : اقرؤوا القرآن بألحان العرب وأصواتها ، وإيّاكم ولحون أهل الفسوق (٨) وأهل الكبائر (٩) فإنّه سيجيء من بعدي أقوام يرجّعون القرآن ترجيع الغناء ، والنّوح والرّهبانيّة ، لا يجوز تراقيهم ، قلوبهم مقلوبة (١٠) وقلوب من يعجبه شأنهم.

__________________

(١) ليس في أ ، ب.

(٢) يس / ٩.

(٣) المجمع ٥ / ٥٦٠.

(٤) الفهر : الحجر قدر ما يدقّ به الجوز أو يملأ الكفّ.

(٥) المصدر : لن تراني.

(٦) يوجد في النسخ بعدها زيادة : وقرأ.

(٧) الكافي ٢ / ٦١٤ ، ح ٣.

(٨) المصدر : الفسق.

(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : الكتاب.

(١٠) كذا في المصدر. وفي النسخ : مثلوبة.

٤١٨

عليّ بن إبراهيم (١) ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عمّن ذكره ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ القرآن نزل بالحزن ، فاقرؤوه بالحزن.

عليّ بن إبراهيم (٢) ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير قال : قلت لأبي جعفر ـ عليه السّلام ـ : إذا قرأت القرآن فرفعت به صوتي جاءني الشّيطان.

فقال : إنّما ترائي بهذا أهلك والنّاس.

قال : يا أبا محمّد ، اقرأ قراءة ما بين القراءتين تسمع أهلك ، ورجّع بالقرآن صوتك فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يحبّ الصّوت الحسن يرجّع به ترجيعا.

عليّ بن إبراهيم (٣) ، عن أبيه ، عن النّوفليّ ، عن السّكونيّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : قال النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ : إنّ الرّجل الأعجمي من أمّتي ليقرأ القرآن بعجميّة (٤) فترفعه الملائكة على عربيّة (٥).

عدّة من أصحابنا (٦) ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن سليمان ، عن بعض أصحابه ، عن أبي الحسن ـ عليه السّلام ـ قال : قلت له : جعلت فداك ، إنّا نسمع [الآيات] (٧) في القرآن ليس هي عندنا ، كما نسمعها ، ولا نحسن أن نقرأها ، كما بلغنا عنكم ، فهل نأثم؟

فقال : لا ، اقرؤوا كما تعلّمتم ، فسيجيئكم من يعلّمكم.

محمّد بن يحيى (٨) ، عن محمّد بن الحسين ، عن عبد الرّحمن بن أبي هاشم ، عن سالم بن سلمة (٩) قال : قرأ رجل على أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ وأنا أسمع (١٠) حروفا من القرآن ليس [على] (١١) ما يقرؤها النّاس.

فقال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : كفّ عن هذه القراءة ، اقرأ كما يقرأ النّاس

__________________

(١) نفس المصدر ، ح ٢.

(٢) نفس المصدر / ٦١٦ ، ح ١٣.

(٣) نفس المصدر / ٦١٩ ، ح ١.

(٤) في غير أ : بعجميّته.

(٥) في غير أ : عربيّته.

(٦) نفس المصدر ، ح ٢.

(٧) من المصدر.

(٨) نفس المصدر / ٦٣٣ ، ح ٢٣.

(٩) كذا في المصدر وجامع الرواة ١ / ٣٤٨. وفي النسخ : مسلمة.

(١٠) المصدر : استمع.

(١١) من المصدر.

٤١٩

حتّى يقوم القائم ـ عليه السّلام ـ. فإذا قام القائم ، قرأ (١) كتاب الله ـ عزّ وجلّ ـ على حدّه ، وأخرج المصحف الّذي كتبه عليّ ـ عليه السّلام ـ.

وقال : أخرجه عليّ ـ عليه السّلام ـ إلى النّاس حين فرغ منه وكتبه ، فقال لهم : هذا كتاب الله ـ عزّ وجلّ ـ كما أنزله الله على محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ قد جمعته من اللّوحين.

فقالوا : هو ذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن ، لا حاجة لنا فيه.

فقال : أما ، والله ، لا ترونه بعد يومكم هذا أبدا ، إنّما كان عليّ أن أخبركم حين جمعته لتقرؤوه.

عدّة من أصحابنا (٢) ، عن أحمد بن محمّد ، [عن الحسن بن عليّ] (٣) عن الحسن بن الجهم ، عن إبراهيم بن مهزم ، عن رجل سمع أبا الحسن ـ عليه السّلام ـ يقول : إذا خفت أمرا فاقرأ مائة آية من القرآن من حيث شئت ، ثمّ قل : الّلهمّ ، اكشف عنّي البلاء [ـ ثلاث مرّات ـ] (٤).

عليّ بن إبراهيم (٥) ، عن أبيه عن القاسم بن محمّد ، عن سليمان بن داود المنقريّ ، عن حفص قال : سمعت موسى بن جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول لرجل : أتحبّ البقاء في الدّنيا؟

فقال : نعم.

فقال : ولم؟

قال : لقراءة «قل هو الله أحد».

فسكت عنه ، فقال له بعد ساعة : يا حفص ، من مات من أوليائنا وشيعتنا ولم يحسن القرآن ، علّم في قبره ليرفع الله به من درجته ، فإنّ درجات الجنّة على عدد (٦) آيات القرآن ، يقال له : اقرأ وارق. فيقرأ ثمّ يرقى (٧).

قال حفص : فما رأيت أحدا أشدّ خوفا على نفسه من موسى بن جعفر ـ عليه

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : اقرأ.

(٢) نفس المصدر / ٦٢١ ، ح ٨.

(٣ و ٤) من المصدر.

(٥) نفس المصدر / ٦٠٦ ، ح ١٠.

(٦) المصدر : قدر.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : يرق.

٤٢٠