تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٧

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٧

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

ويتكبّرون عليهم ، أو الملائكة.

(إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ) : الذّلّة والعذاب.

(عَلَى الْكافِرِينَ) (٢٧).

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) (الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) الأئمّة. يقولون لأعدائهم : أين شركاؤكم ومن أطعتموهم في الدّنيا.

وفائدة قولهم : إظهار الشّماتة وزيادة الإهانة ، وحكايته لأن يكون لطفا لمن سمعه.

(الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) وقرأ (٢) حمزة ، بالياء.

وقرئ (٣) ، بإدغام التّاء في التّاء. وموضع الموصول يحتمل الأوجه الثّلاثة.

(ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) : بأن عرّضوها للعذاب المخلّد.

(فَأَلْقَوُا السَّلَمَ) : فسالموا وأخبتوا حين عاينوا العذاب ، أو الموت.

(ما كُنَّا) : قائلين ما كنا.

(نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ) : كفر وعدوان. جحدوا ما عملوا منهما.

قيل (٤) : ويجوز أن يكون تفسيرا «للسّلم». على أنّ المراد به : القول الدّال على الاستسلام.

(بَلى) : ردّ عليهم من أولي العلم.

(إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٢٨) : وهو يجازيكم عليه. وهذا ـ أيضا ـ من الشّماتة.

وقيل (٥) : قوله : (فَأَلْقَوُا السَّلَمَ) (إلى آخر الآية) استئناف ورجوع إلى شرح حالهم يوم القيامة. وعلى هذا أوّل من لم يجوّز الكذب يومئذ (ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ) بأنّا لم نكن في زعمنا واعتقادنا عاملين سوءا. واحتمل أن يكون الرّادّ عليهم هو الله ـ تعالى ـ والملائكة.

(فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ)

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ٣٨٥ ـ ٣٨٤.

(٢ و ٣) أنوار التنزيل ١ / ٥٥٣.

(٤ و ٥) أنوار التنزيل ١ / ٥٥٣.

٢٠١

قيل (١) : كلّ صنف بابها المعدّ له.

وقيل (٢) : أبواب جهنّم أصناف عذابها.

(خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) (٢٩) : جهنم.

(وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا) ، يعني : المؤمنين.

(ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً) ، أي : أنزل خيرا.

وفي نصبه دليل على أنّهم لم يتلعثموا في الجواب ، وأطبقوه على السّؤال معترفين بالإنزال على خلاف الكفرة.

ونقل (٣) : أنّ أحياء العرب كانوا يبعثون أيّام الموسم من يأتيهم بخبر النّبيّ. فإذا جاء الوافد (٤) : المقتسمين قالوا له ما قالوا. وإذا جاء المؤمنين ، قالوا له ذلك.

(لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ) : مكافأة في الدّنيا.

(وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ) ، أي : ولثوابهم في الآخرة خير منها. وهو عدة للّذين اتّقوا على قولهم.

ويجوز أن يكون بما بعده حكاية لقولهم ، بدلا وتفسيرا «لخيرا» على أنّه منتصب «بقالوا».

(وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ) (٣٠) : دار الآخرة ، فحذفت لتقدّم ذكرها. وقوله : (جَنَّاتُ عَدْنٍ) : خبر مبتدأ محذوف. ويجوز أن يكون المخصوص بالمدح.

(يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ) : من أنواع المشتهيات. وفي تقديم الظّرف تنبيه على أنّ الإنسان لا يجد جميع ما يريده إلّا في الجنّة.

(كَذلِكَ يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ) (٣١) ، مثل هذا الجزاء يجزيهم فيها.

وفي أمالي الصّدوق (٥) : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ : عليكم بتقوى الله ، فإنّها تجمع الخير ولا خير غيرها ، ويدرك بها من الخير مالا يدرك بغيرها من خير الدّنيا والآخرة.

قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا) وتلا هذه الآية.

وفي تفسير العيّاشي (٦) : ابن مسكان ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قوله :

__________________

(١ و ٢) نفس المصدر والموضع.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٥٥٤.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : الموافد.

(٥) بل في أمالي الطوسي ١ / ٢٥ ، ونور الثقلين ٣ / ٥٢ ، ذيل ح ٧٥ عنه.

(٦) تفسير العياشي ٢ / ٢٥٨ ، ح ٢٤.

٢٠٢

(وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ) الدّنيا.

(الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ) قيل (١) : أي : طاهرين من ظلم أنفسهم بالكفر والمعاصي. لأنّه في مقابلة «ظالمي أنفسهم».

وقيل (٢) : فرحين ببشارة الملائكة إيّاهم بالجنّة. أو طيّبين بقبض أرواحهم لتوجّه نفوسهم بالكلّيّة إلى حضرة القدس.

(يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) : لا يحيقكم بعد مكروه.

(ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٣٢) : حين تبعثون ، فإنّها معدّة لكم على أعمالكم.

وقيل (٣) : هذا التّوفّي وفاة الحشر ، لأنّ الأمر بالدّخول حينئذ.

وفي كتاب التّوحيد (٤) ، حديث طويل عن عليّ ـ عليه السّلام ـ. يقول فيه وقد سأله رجل عمّا اشتبه عليه من الآيات. وأما قوله : (يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ).

وقوله : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها). وقوله : (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ). وقوله : (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ). وقوله : (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) فإنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ يدبّر الأمور كيف يشاء ، ويوكل من خلقه [من يشاء بما يشاء ، أمّا ملك الموت فإن الله يوكّله بخاصّة من يشاء من خلقه ويوكّل رسله من الملائكة خاصّة بمن يشاء من خلقه والملائكة الّذين سمّاهم الله ـ عزّ ذكره ـ وكلّهم بخاصّة من يشاء من خلقه. إنّه ـ تبارك وتعالى ـ] (٥) يدبّر الأمور كيف يشاء. وليس كلّ العلم يستطيع صاحب العلم أن يفسّره لكلّ النّاس لأنّ فيهم القويّ والضعيف ، ولأنّ منه ما يطاق حمله ومنه ما لا يطاق حمله إلّا لمن سهّل الله له (٦) حمله وأعانه عليه من خاصّة أوليائه.

وإنّما يكفيك أن تعلم أنّ الله هو المحيي والمميت وأنّه يتوفّى الأنفس على يد من يشاء من خلقه من ملائكة وغيرهم.

وفي كتاب الاحتجاج (٧) للطّبرسيّ ـ رضي الله عنه ـ : عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ

__________________

(١ و ٢) أنوار التنزيل ١ / ٥٥٤.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٥٥٤.

(٤) التوحيد / ٢٦٨ ، ذيل ح ٥.

(٥) من المصدر.

(٦) ليس في ب.

(٧) الاحتجاج ١ / ٣٦٤ و ٣٦٧ ـ ٣٦٨.

٢٠٣

حديث طويل. يقول مجيبا لبعض الزّنادقة ـ وقد قال : أجد الله ـ تعالى ـ يقول : (يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) (١) و (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) (٢) و (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ) (٣) وما أشبه ذلك. فمرّة يجعل الفعل لنّفسه ومرّة لملك الموت ومرّة للملائكة ـ : فأمّا قوله (٤) ـ عزّ وجلّ ـ : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها). وقوله (يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ). و (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا) و (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ). و (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) فهو ـ تبارك وتعالى ـ أجلّ وأعظم من أن يتولّى ذلك بنفسه ، وفعل رسله وملائكته فعله لأنّهم بأمره يعملون. فاصطفى ـ تعالى ذكره ـ من الملائكة رسلا وسفرة بينه وبين خلقه ، وهم الّذين قال الله فيهم : (اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ). فمن كان من أهل الطّاعة تولّت قبض روحه ملائكة الرّحمة ، ومن كان من أهل المعصية تولّت قبض روحه ملائكة العذاب والنّقمة. ولملك الموت أعوان من ملائكة الرّحمة والنّقمة يصدرون عن أمره ، وفعلهم فعله ، وكلّ ما يأتونه منسوب إليه. وإذا كان فعلهم فعل ملك الموت وفعل ملك الموت فعل الله لأنّه يتوفّى الأنفس على يد من يشاء ويعطى ويمنع ويثيب.

وفي من لا يحضره الفقيه (٥) : وسئل الصّادق ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : [(اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) (٦) وعن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) (٧) وعن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ] (٨) (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ) و (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) (٩) وعن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا) (١٠) وعن قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ) (١١) وقد يموت [في الدنيا] (١٢) في الساعة الواحدة في جميع الآفاق ما لا يحصيه إلّا الله ـ عزّ وجلّ ـ. فكيف هذا؟

فقال : إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ جعل لملك الموت أعوانا من الملائكة يقبضون

__________________

(١) السجدة / ١١.

(٢) الزمر / ٤٢.

(٣) النحل / ٣٢.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : وأمّا قول الله.

(٥) الفقيه ١ / ٨٢ ، ح ٣٧١.

(٦) الزمر / ٤٢.

(٧) السجدة / ١١.

(٨) من المصدر. (٩) النحل / ٢٨.

(١٠) الانعام / ٦١.

(١١) الانفال / ٥٠. (١٢) ليس في المصدر.

٢٠٤

الأرواح ، بمنزلة صاحب الشّرطة له أعوان من الأنس يبعثهم في حوائجه. فتتوفاهم (١) الملائكة ، ويتوفّاهم ملك الموت من الملائكة مع ما يقبض هو ، ويتوفّاها الله ـ تعالى ـ من ملك الموت.

وفي أمالي شيخ الطّائفة (٢) ـ قدّس سرّه ـ ، بإسناده إلى أمير المؤمنين حديث طويل.

يقول فيه ـ عليه السّلام ـ : إنّه ليس من أحد من النّاس تفارق روحه جسده حتّى يعلم إلى أيّ المنزلين (٣) يصير ، إلى الجنّة أم إلى النّار ، أعدوّ هو لله أو وليّ. فإن كان وليّا [لله] (٤) فتحت له أبواب الجنّة وشرع طرقها ، ونظر إلى ما أعدّ الله له فيها ، ففرغ من كلّ شغل ووضع عنه كلّ ثقل. وإن كان عدوّا لله فتحت له أبواب النّار وشرع له طرقها ، ونظر إلى ما أعدّ الله له فيها ، فاستقبل كلّ مكروه وترك كلّ سرور (٥). كلّ هذا يكون عند الموت ، وعنده يكون بيقين. قال الله ـ تعالى ـ : (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ـ إلى قوله ـ فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ).

ويقول (٦) ـ عليه السّلام ـ أيضا : عليكم بتقوى الله ، فإنّها تجمع الخير ولا خير غيرها ، ويدرك بها من الخير ما لا يدرك بغيرها من خير الدّنيا والآخرة. قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا) (الآية).

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٧) : قوله : (طَيِّبِينَ). قال : هم المؤمنون الّذين طابت مواليدهم [في الدنيا] (٨).

وفيه (٩) قوله : (الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ). قال : [البشرى] (١٠) في الحياة الدّنيا (١١) الرّؤيا الحسنة يراها المؤمن ، وفي الآخرة عند الموت. وهو قوله : (تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ).

(هَلْ يَنْظُرُونَ) : ما ينتظر الكفّار المارّ ذكرهم.

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : فتوفتهم.

(٢) أمالي الشيخ ١ / ٢٧ ـ ٢٦.

(٣) ليس في أ ، ب.

(٤) من المصدر.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : ونزل كل مكروب.

(٦) أمالي الشيخ ١ / ٢٥.

(٧) تفسير القمّي ١ / ٣٨٥.

(٨) من المصدر.

(٩) نفس المصدر والمجلّد / ٣١٤.

(١٠) من المصدر. (١١) ليس في ب.

٢٠٥

(إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ) : لقبض أرواحهم.

وقرأ (١) حمزة والكسائي ، بالياء.

(أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ) : القيامة. أو العذاب المستأصل.

(كَذلِكَ) ، مثل ذلك الفعل من الشّرك والتّكذيب.

(فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) : فأصابهم ما أصابهم.

(وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ) : بتدميرهم.

(وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (٣٣) : بكفرهم ، ومعاصيهم المؤدّية إليه.

(فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا) ، أي : جزاء سيّئات أعمالهم. على حذف المضاف ، أو تسمّية الجزاء باسمها.

(وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (٣٤) : وأحاط بهم جزاؤه. والحيق لا يستعمل إلّا في الشّرّ.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) من العذاب في الرّجعة.

(وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) : إنّما قالوا ذلك استهزاء أو منعا للبعثة والتّكليف ، متمسّكين بأنّ ما شاء الله يجب وما لم يشأ يمتنع ، فما الفائدة فيهما. أو إنكارا لقبح ما أنكر عليهم من الشّرك وتحريم البحائر ونحوها ، محتجّين بأنّها لو كانت مستقبحة لما شاء الله صدورها عنهم وشاء خلافه ، ملجئا إليه لا اعتذارا إذ لم يعتقدوا قبح أعمالهم.

(كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) : فأشركوا بالله ، وحرموا حلّه ، وردّوا رسله.

(فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) (٣٥) : الموضح للحقّ.

(وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) : يأمر بعبادة الله واجتناب الطّاغوت.

(فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ) : وفّقهم للإيمان بإرشادهم.

(وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ) : إذ لم يوفّقهم ، لتصميمهم على الكفر.

وفي تفسير العيّاشي (٣) : عن خطّاب بن مسلمة قال : قال أبو جعفر ـ عليه السّلام ـ :

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٥٥٤.

(٢) تفسير القمّي ١ / ٣٨٥.

(٣) تفسير العياشي ٢ / ٢٥٨ ، ح ٢٥.

٢٠٦

ما بعث الله نبيّا قطّ إلّا بولايتنا والبراءة من عدوّنا. وذلك قول الله ـ عزّ وجلّ ـ في كتابه : (وَلَقَدْ بَعَثْنا) (الآية) إلى قوله : (عَلَيْهِ الضَّلالَةُ) ، يعني بتكذيبهم آل محمّد ـ صلوات الله عليهم ـ.

(فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) : يا معشر قريش.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) [أي : انظروا] (٢) في أخبار من هلك قبله.

(فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (٣٦) : من عاد وثمود وغيرهم. لعلّكم تعتبرون.

(إِنْ تَحْرِصْ) : يا محمّد.

(عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُ) : من يخذله ، وهو المعنيّ : بمن (حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ).

(وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) (٣٧) : من ينصرهم ويدفع العذاب عنهم.

(وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ) : عطف على (وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) إيذانا بأنّهم ، كما أنكروا التّوحيد أنكروا البعث ، مقسمين عليه زيادة في البتّ على فساده. ولقد ردّ الله عليهم أبلغ ردّ فقال : «بلى» : يبعثهم.

(وَعْداً) : مصدر مؤكّد لنفسه ، وهو ما دلّ عليه «بلى». فإنّ «يبعث» موعد من الله.

(عَلَيْهِ) : إنجازه لامتناع الخلف في وعده أو لأنّ البعث مقتضي حكمته.

(حَقًّا) : صفة أخرى للوعد.

(وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (٣٨) : أنّهم يبعثون. إمّا لعدم علمهم بأنّهم من مواجب الحكمة الّتي جرت عادته بمراعاتها ، وإمّا لقصور نظرهم بالمألوف فيتوهّمون امتناعه.

ثمّ أنّه ـ تعالى ـ بيّن الأمرين ، فقال : (لِيُبَيِّنَ لَهُمُ) ، أي : يبعثهم ليبيّن لهم.

(الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ) : وهو الحقّ.

(وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ) (٣٩) : فيما كانوا يزعمون. وهو إشارة إلى السّبب الدّاعي إلى البعث المقتضي له من حيث الحكمة ، وهو التّميز بين الحقّ

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ٣٨٥.

(٢) من المصدر.

٢٠٧

والباطل والمحقّ والمبطل بالثّواب والعقاب.

ثمّ قال : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٤٠) : وهو بيان إمكانه وتقريره ، أنّ تكوين الله بمحض قدرته ومشيئته لا توقف له على سبق الموادّ والمدد والإلزام والتّسلسل. فكما أمكن له تكوين الأشياء ابتداء بلا سبق مادّة ومثال ، أمكن له تكوينها إعادة بعده.

ونصب ابن عامر والكسائي هنا وفي بس «فيكون» عطفا على «نقول» ، أو جوابا للأمر.

وفي تفسير العيّاشي (١) : عن صالح بن ميثم قال : سألت أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ عن قول الله : (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً).

قال : [ذلك حين يقول ـ عليه السّلام ـ : أنا أولى النّاس] (٢) بهذه الآية (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ ـ إلى قوله ـ : كاذِبِينَ).

عن سيرين (٣) ، قال : كنت عند أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ إذ قال : ما يقول النّاس في هذه الآية (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ)؟

قال : يقولون : لا قيامة ولا بعث ولا نشور (٤).

فقال : كذبوا ، والله ، إنّما ذلك إذا قام القائم ـ عليه السّلام ـ وكرّ معه المكرّون.

فقال أهل خلافكم : قد ظهرت دولتكم ، يا معشر الشّيعة ، وهذا من كذبكم ، يقولون : رجع فلان [وفلان] (٥) وفلان تعظيما (٦) ، لا والله (لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ). ألا ترى أنّه (٧) قال (٨) : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ). كان المشركون أشدّ تعظيما (٩) للّات والعزّى من أن يقسموا بغيرها ، فقال الله : (بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا) (الآية).

وفي روضة الكافي (١٠) : عن سهل ، عن محمّد ، عن أبيه ، عن أبي بصير قال : قلت

__________________

(١) تفسير العياشي ٢ / ٢٥٩ ، ح ٢٧.

(٢) ليس في المصدر. ويوجد في البرهان ٢ / ٣٦٨. أيضا.

(٣) تفسير العياشي ٢ / ٢٥٩ ، ح ٢٨.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : نشر.

(٥) من المصدر.

(٦) ليس في المصدر.

(٧) أ ، ب ، ر : إذ.

(٨) المصدر : أنّهم قالوا.

(٩) ليس في أ ، ب ، ر.

(١٠) الكافي ٨ / ٥٠ ، ح ١٤.

٢٠٨

لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : قوله ـ تبارك وتعالى ـ : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ) (الآية).

قال : فقال لي : يا أبا بصير ، ما تقول في هذه الآية؟

قال : قلت : إنّ المشركين يزعمون ويحلفون لرسول الله [إنّ الله] (١) لا يبعث الموتى.

قال : فقال : تبّا لمن قال هذا. سلهم هل كان المشركون يحلفون بالله أم باللّات والعزّى؟

قال : قلت : جعلت فداك ، فأوجدنيه.

قال : فقال (٢) : يا أبا بصير ، لو (٣) قد قام قائمنا بعث الله قوما من شيعتنا قباع سيوفهم (٤) على عواتقهم. فيبلغ ذلك قوما من شيعتنا لم يموتوا فيقولون : [بعث فلان وفلان من قبورهم ، وهم مع القائم. فيبلغ ذلك قوما من عدوّنا فيقولون :] (٥) يا معشر ، الشّيعة ، ما أكذبكم (٦) هذه دولتكم وأنتم تقولون فيها الكذب ، لا والله ما عاش هؤلاء ولا يعيشون إلى يوم القيامة.

قال : فحكى (٧) الله قولهم ، فقال : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ).

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٨) : وقوله : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ) (الآية). فإنّه حدّثني أبي ، عن بعض رجاله رفعه (٩) إلى أبي عبد الله قال : ما يقول النّاس فيها؟

قال : يقولون : نزلت في الكفّار.

قال : إنّ الكفّار لا يحلفون بالله ، وإنّما نزلت في قوم من أمّة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ. قيل لهم : ترجعون (١٠) بعد الموت قبل القيامة فيحلفون (١١) أنّهم لا يرجعون ، فردّ الله عليهم فقال : (لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ) ، يعني :

__________________

(١) من المصدر.

(٢) المصدر : زيادة «لي».

(٣) ليس في ب.

(٤) قباع السيف : ما علا طرف مقبضه.

(٥) ليس في أ ، ب ، ر.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : ما أكذبتم.

(٧) أ ، ب : يحكي.

(٨) تفسير القمّي ١ / ٣٨٥.

(٩) المصدر : يرفعه.

(١٠) أ ، ب ، ر : يرجعون.

(١١) المصدر : فحلفوا.

٢٠٩

في الرّجعة ، يردّهم فيقتلهم ويشفي صدور المؤمنين منهم (١).

[قال ـ عزّ من قائل ـ : إنما أمرنا (لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).] (٢).

(وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا) قيل (٣) : هم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وأصحابه المهاجرون ، ظلمهم قريش فهاجر بعضهم إلى الحبشة ثمّ إلى المدينة ، وبعضهم إلى المدينة. أو المحبوسون المعذّبون بمكّة بعد هجرة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. وهم بلال وصهيب وخبّاب وعمّار وعابس وأبو جندل وسهيل. وقوله : «في الله» ، أي : في حقّه ولوجهه.

(لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً) : مباءة حسنة ، وهي المدينة حيث آواهم الأنصار ونصروهم أو تبوئة حسنة.

وفي مجمع البيان (٤) : وروي عن عليّ «لنثوّئنّهم» بالثّاء المثلثة (٥).

(وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ) : ممّا يعجّل لهم في الدّنيا.

(لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (٤١) : الضّمير للكفّار ، أي : لو علموا أنّ الله يجمع (٦) لهؤلاء المهاجرين خير الدّارين لوافقوهم ، أو للمهاجرين [، أي : لو علموا ذلك لزادوا في اجتهادهم وصبرهم (الَّذِينَ صَبَرُوا) : على الشّدائد ،] (٧) كأذى الكفرة ومفارقة الوطن.

ومحله النّصب ، أو الرّفع على المدح.

(وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (٤٢) : منقطعين إلى الله ، مفوّضين إليه الأمر كلّه.

(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ) قيل (٨) : ردّ لقول قريش : الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا ، أي : جرت السّنّة الإلهيّة بأن لا يبعث للدّعوة العامّة إلّا بشرا يوحى إليه على ألسنة الملائكة. والحكمة في ذلك قد ذكرت في سورة الأنعام عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

__________________

(١) المصدر : فيهم.

(٢) ليس في المصدر. ولكن يوجد في نور الثقلين ٣ / ٥٥.

(٣) أنوار التنزيل ١ / ٥٥٦.

(٤) المجمع ٣ / ٣٦١.

(٥) ليس في المصدر.

(٦) ب : مجمع.

(٧) ليس في أ ، ب ، ر.

(٨) أنوار التنزيل ١ / ٥٥٦.

٢١٠

(فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ).

قيل (١) : أهل الكتاب ، أو علماء الأحبار ، ليعلّموكم.

(إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٤٣).

قيل (٢) : وفي الآية دليل على أنّه ـ تعالى ـ لم يرسل امرأة ولا صبية للدّعوة (٣) العامّة. وأما قوله : (جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً) معناه : رسلا إلى (٤) الملائكة ، إلى الأنبياء.

وقيل (٥) : لم يبعثوا إلى الأنبياء إلّا متمثلّين بصورة الرّجال. وردّ بما نقل (٦) : أنّه ـ عليه السّلام ـ رأى جبرئيل ـ عليه السّلام ـ على صورته الّتي هو عليها مرّتين.

وعلى وجوب المراجعة إلى العلماء فيما لا يعلم.

وفي أصول الكافي (٧) : محمّد ، عن أحمد ، عن ابن فضّال ، عن ابن بكير (٨) ، عن مره بن الطّيّار أنّه عرض على أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ بعض خطب أبيه ، حتّى إذا بلغ موضعا منها فقال له : كفّ واسكت.

ثمّ قال (٩) أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ : لا يسعكم فيما ينزل بكم ممّا لا تعلمون ، إلّا الكفّ عنه والتّثبّت والرّدّ إلى (١٠) الائمّة الهدى. حتّى يحملوكم فيه على القصد ، ويجلوا عنكم فيه العمى ، ويعرّفوكم فيه الحقّ. قال الله ـ تعالى ـ : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ).

الحسين بن محمّد (١١) ، عن معلى بن محمّد ، عن الوشّاء ، عن عبد الله عجلان ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ).

قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : الذّكر أنا ، والأئمّة ـ عليهم السّلام ـ أهل الذّكر.

الحسين [بن محمّد (١٢) ، عن معلى بن محمّد بن أورمة ، عن عليّ بن حسّان ، عن

__________________

(١ و ٢) نفس المصدر والموضع.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : ولا ملكا لدعوة.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : أي.

(٥) نفس المصدر والموضع.

(٦) المصدر : روى.

(٧) الكافي ١ / ٥٠ ، ح ١٠.

(٨) ب : ابن أبي بكير.

(٩) أ ، ب : زيادة «له».

(١٠) كذا في المصدر. وفي النسخ : على.

(١١) الكافي ١ / ٢١٠ ، ح ١.

(١٢) الكافي ١ / ٢١٠ ، ح ٢.

٢١١

عمّه ، عبد الرّحمن] (١) بن كثير قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ).

قال : الذّكر محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ. ونحن أهله (٢) المسئولون.

الحسين بن محمّد (٣) ، عن معلى بن محمّد ، عن الوشّاء قال : سألت الرّضا ـ عليه السّلام ـ فقلت (٤) : جعلت فداك (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ).

فقال : نحن أهل الذّكر ، ونحن المسئولون.

فقلت : أنتم المسئولون ونحن السّائلون؟

قال : نعم.

قلت : حقّا علينا أن نسألكم؟

قال : نعم.

قلت : حقّا عليكم أن تجيبونا؟

قال : لا ذاك (٥) إلينا ، إن شئنا فعلنا وإن شئنا لم نفعل. ألم تسمع قول الله ـ تبارك وتعالى ـ : (هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ).

عدّة من أصحابنا (٦) ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النّضر بن سويد ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ في قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ). فرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ الذّكر. وأهل بيته ـ عليهم السّلام ـ المسئولون ، وهم أهل الذّكر.

محمّد بن يحيى (٧) ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن منصور بن يونس ، عن أبي بكر الحضرميّ قال : كنت عند أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ ودخل عليه الورد ، أخو الكميت.

فقال : جعلني الله فداك ، اخترت لك سبعين مسألة له تحضرني منها مسألة واحدة.

__________________

(١) ليس في أ ، ب ، ر.

(٢) ليس في أ ، ب.

(٣) نفس المصدر والموضع ، ح ٣.

(٤) المصدر : زيادة «له».

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : «ذلك» بدل «لا ذاك».

(٦) الكافي ١ / ٢١١ ، ح ٤.

(٧) الكافي ١ / ٢١١ ، ح ٦.

٢١٢

قال : ولا واحدة ، يا ورد.

قال : بلى ، قد حضرني منها واحدة.

قال : وما هي؟

قال : قول الله ـ تبارك وتعالى ـ : «فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون». من هم؟

قال : نحن.

قال : قلت : علينا أن نسألكم؟

قال : نعم.

قلت : عليكم أن تجيبونا؟

قال : ذاك إلينا.

محمّد بن يحيى (١) ، عن محمّد بن الحسين ، عن صفوان بن يحيى ، عن العلى بن رزين ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : إنّ من عندنا يزعمون أنّ قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) أنّهم اليهود والنّصارى.

قال : إذا يدعونكم إلى دينهم. ثمّ قال (٢) بيده إلى صدره (٣) : [قال و] (٤) نحن أهل الذّكر ، ونحن المسئولون.

عدّة من أصحابنا (٥) ، عن أحمد بن محمّد ، عن الوشّاء ، عن أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال : سمعته يقول : قال عليّ بن الحسين ـ عليه السّلام ـ : على الأئمّة من الفرض ما ليس على شيعتهم ، وعلى شيعتنا ما ليس علينا ، أمرهم الله ـ عزّ وجلّ ـ أن يسألونا.

قال : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ). فأمرهم أن يسألونا وليس علينا الجواب ، إن شئنا أجبنا وإن شئنا أمسكنا.

أحمد بن محمّد (٦) [عن أحمد بن محمد] (٧) بن أبي نصر قال : كتبت إلى الرّضا ـ عليه السّلام ـ كتابا. فكان في بعض ما كتبت : قال الله ـ عزّ وجلّ ـ :

__________________

(١) الكافي ١ / ٢١١ ، ح ٧.

(٢) المصدر : زيادة «قال».

(٣) أي : أشار.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) الكافي ١ / ٢١٢ ، ح ٨.

(٦) نفس المصدر والموضع ، ح ٩.

(٧) من المصدر.

٢١٣

(فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ). وقال الله : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ). فقد فرضت عليهم المسألة ، ولم يفرض عليكم الجواب؟

قال : قال الله ـ تبارك وتعالى ـ : (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ) (١).

محمّد بن الحسين وغيره (٢) ، عن سهل ، عن (٣) محمّد بن عيسى ومحمّد بن يحيى ومحمّد بن الحسين جميعا ، عن محمّد بن سنان ، عن إسماعيل بن جابر وعبد الكريم بن عمرو ، عن عبد الحميد بن أبي الدّيلم ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ ونقل حديثا طويلا. وفيه يقول ـ عليه السّلام ـ : وقال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ).

قال : الكتاب [هو] (٤) الذّكر. وأهله آل محمّد ـ عليهم السّلام ـ. أمر الله ـ عزّ وجلّ ـ بسؤالهم ، ولم يؤمروا بسؤال الجهّال. وسمّى الله ـ عزّ وجلّ القرآن ـ ذكرا ، فقال ـ تبارك وتعالى ـ : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ).

وفي عيون الأخبار (٥) ، في باب ذكر مجلس الرّضا ـ عليه السّلام ـ مع المأمون في الفرق بين العترة والأمّة حديث طويل. وفيه قالت العلماء : فأخبرنا ، هل فسّر الله ـ تعالى ـ الاصطفاء في الكتاب؟

فقال الرّضا ـ عليه السّلام ـ : فسّر الاصطفاء في الظّاهر سوى الباطن في اثني عشر موطنا وموضعا. فأوّل ذلك قوله ـ عزّ وجلّ ـ.

إلى أن قال : وأمّا التّاسعة ، فنحن أهل الذّكر الّذين قال الله ـ تعالى ـ : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ). فنحن أهل الذّكر فاسألونا إن كنتم لا تعلمون.

فقالت العلماء : إنّما عنى بذلك : اليهود والنّصارى.

__________________

(١) قال في الوافي : «ولم يفرض عليكم الجواب» استفهام استبعاد ، كأنّه استفهم السرّ فيه ، فأجابه الإمام بالآية. ولعلّ المراد : أنّه لو كنّا نجيبكم عن كلّ ما سألتم ، فربّما يكون في بعض ذلك ما لا تستجيبوننا فيه فتكونون من أهل هذه الآية.

(٢) الكافي ١ / ٢٩٥.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : بن.

(٤) يوجد في المصدر مع المعقوفتين.

(٥) العيون ١ / ٢٣١ و ٢٣٩.

٢١٤

فقال أبو الحسن ـ عليه السّلام ـ : سبحان الله ، وهل يجوز ذلك؟

إذا يدعونا إلى دينهم ويقولون (١) : إنّه أفضل من دين الإسلام.

فقال المأمون : فهل عندك في ذلك شرح بخلاف ما قالوه (٢). يا أبا الحسن؟

فقال ـ عليه السّلام ـ : نعم ، الذّكر رسول الله ونحن أهله. وذلك بيّن في كتاب الله ـ عزّ وجلّ ـ حيث يقول في سورة الطّلاق : (فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً ، رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ) (٣) فالذّكر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ونحن أهله. فهذه التّاسعة.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) : حدّثنا محمّد بن جعفر [قال : حدّثنا عبد الله بن محمّد ،] (٥) عن أبي داود ، عن سليمان بن سفيان (٦). عن ثعلبة ، عن زرارة ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) من المعنيّون (٧) بذلك؟

فقال : نحن ، والله.

فقلت : فأنتم المسئولون؟

قال : نعم.

قلت : ونحن السّائلون؟

قال : نعم.

قلت : فعلينا أن نسألكم؟

قال : نعم.

قلت : وعليكم أن تجيبونا؟

قال : ذلك إلينا ، إن شئنا فعلنا وإن شئنا تركنا. ثمّ قال : (هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ).

وفي روضة الكافي (٨) : حدّثني عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن فضّال ، عن

__________________

(١) ب : فيقولون.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : قالوا.

(٣) الطلاق / ١٠ ـ ١١.

(٤) تفسير القمّي ٢ / ٦٨.

(٥) ليس في أ ، ب.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : عن داود بن سليمان بن ثفير.

(٧) المصدر : المعنون.

(٨) الكافي ٨ / ٥ ، ذيل ح ١.

٢١٥

حفص المؤذّن ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ أنّه قال في رسالة طويلة إلى أصحابه : واعلموا أنّه ليس من علم الله ولا من (١) أمره ، أن يأخذ أحد من خلق الله في دينه بهوى ولا رأي ولا مقائيس. فقد أنزل الله القرآن ، وجعل فيه تبيان كلّ شيء ، وجعل للقرآن وتعلّم القرآن أهلا ، لا يسع أهل علم القرآن الّذين آتاهم الله علمه أن يأخذوا فيه بهوى ولا رأي ولا مقايس ، أغناهم الله عن ذلك بما آتاهم من علمه وخصّهم به ووضعه عندهم ، كرامة من الله أكرمهم بها. وهم أهل الذّكر الّذين أمر الله هذه الأمّة بسؤالهم ، وهم الّذين من سألهم ـ وقد سبق في علم الله أن يصدّقهم ويتّبع أثرهم ـ أرشدوه وأعطوه من علم القرآن ما يهتدى به إلى الله بإذنه إلى جميع سبل الحقّ. وهم الّذين لا يرغب عنهم وعن مسألتهم وعن علمهم (٢) ، الّذين أكرمهم الله به وجعله عندهم ، إلّا من سبق عليه في علم الله الشّقاء في أصل الخلق تحت الأظلّة ، فأولئك الّذين يرغبون عن سؤال أهل الذّكر.

والّذين آتاهم [الله] (٣) علم القرآن ووضعه عندهم وأمر بسؤالهم. وأولئك الّذين يأخذون بأهوائهم (٤) ومقاييسهم حتّى دخلهم الشّيطان ، لأنّهم جعلوا أهل الإيمان في علم القرآن عند الله كافرين ، وجعلوا أهل الضّلالة في علم القرآن عند الله مؤمنين (٥). وحتّى جعلوا ما أحلّ الله في كثير من الأمر حراما ، وجعلوا ما حرّم الله في كثير من الأمر حلالا ، فذلك أصل ثمرة أهوائهم.

وفيها خطبة (٦) لأمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وهي الخطبة الطّالوتية. قال فيها ـ عليه السّلام ـ : إذا ذكر الأمر سألتم أهل الذّكر. فإذا أفتوكم ، قلتم : هو العلم بعينه. فكيف وقد تركتموه ونبذتموه وخالفتموه.

وفي تفسير العيّاشي (٧) : عن أحمد بن محمّد بن أبي الحسن الرّضا ـ عليه السّلام ـ قال : كتب إليّ إنّما (٨) شيعتنا من تابعنا ولم يخالفنا ، وإذا خفنا خاف ، وإذا أمنا أمن.

__________________

(١) ليس في ب.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : علمه.

(٣) من المصدر.

(٤) المصدر : زيادة «وآرائهم».

(٥) أ ، ب ، ر : مرضيين.

(٦) الكافي ٨ / ٣٢ ، ذيل ح ٥.

(٧) تفسير العياشي ٢ / ٣٦١ ، ح ٣٣.

(٨) المصدر : عن أحمد بن محمد ، قال : كتب إليّ أبو الحسن الرضا ـ عليه السّلام ـ : عافانا الله وإيّاك أحسن عافية. إنّما الخ.

٢١٦

قل الله : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ). [قال :] (١) (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ) (الآية). فقد فرضت (٢) عليكم المسألة والرّدّ إلينا ، ولم يفرض علينا الجواب.

(بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ) ، أي : أرسلناهم بالبيّنات والزّبر ، أي : المعجزات والكتب ، كأنّه جواب قائل : بم أرسلوا؟

ويجوز أن يتعلّق ب «ما أرسلنا» داخلا في الاستثناء مع «رجالا» ، أي : وما أرسلنا إلّا رجالا بالبيّنات. أو «بنوحي» ، كقولك : ما ضربت إلّا زيدا بالسّوط. أو صفة لهم ، أي : رجالا ملتبسين بالبيّنات. أو «بنوحي» على المفعوليّة ، أو الحال من القائم مقام فاعله. على أن قوله : «فاسألوا» اعتراض. أو ب «لا تعلمون» على أنّ الشّرط للتّبكيت والإلزام.

(وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ) ، أي : القرآن. وإنّما سمّي ذكرا ، لأنّه موعظة وتنبيه (٣).

(لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) : في الذّكر ، بتوسّط إنزاله إليك ممّا (٤) أمروا به ونهوا عنه ، أو (٥) ممّا تشابه عليهم.

(وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (٤٤) : وإرادة أن يتأمّلوا فيه فيتنبّهوا للحقائق.

(أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ) ، أي : المكرات السّيّئات. وهم الّذين احتالوا لهلاك الأنبياء ، أو الّذين مكروا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وراموا صدّ أصحابه عن الإيمان.

(أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ) : كما خسف بقارون.

(أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) (٤٥) : بغتة من جانب السّماء ، كما فعل بقوم لوط.

(أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ) ، أي : متقلّبين في مسايرهم ومتاجرهم.

(فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ) (٤٦) (أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ) : على مخافة بأن يهلك قوما قبلهم ، فيتخوّفوا فيأتيهم العذاب وهم متخوّفون. أو على أن ينقصهم شيئا فشيئا في

__________________

(١) من المصدر.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : قد فرض.

(٣) ليس في ب.

(٤) ب : ما.

(٥) ب ، أ ، ر : و.

٢١٧

أنفسهم وأموالهم حتّى يهلكوا. من تخوّفته : إذا تنقّصته.

وفي تفسير العيّاشي (١) : عن إبراهيم بن عمر ، عمّن سمع أبا جعفر ـ عليه السّلام ـ يقول : إنّ عهد نبيّ الله صار عند عليّ بن الحسين ، ثمّ صار عند محمّد بن عليّ ، ثمّ يفعل الله ما يشاء. فألزم هؤلاء. فإذا خرج رجل منهم معه ثلاثمائة رجل ومعه راية رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عامدا إلى المدينة حتّى يمرّ بالبيداء ، فيقول : هذا مكان القوم الّذين خسف بهم وهي الآية الّتي قال الله : (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ ـ) إلى قوله ـ : (فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ).

عن ابن سنان (٢) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ سئل عن قول الله : (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ).

قال : هم أعداء الله ، وهم يمسخون ويقذفون ويسيحون في الأرض.

وفي روضة الكافي (٣) ، كلام لعليّ بن الحسين ـ عليه السّلام ـ في الوعظ والزّهد في الدّنيا : ولا تكونوا من الغافلين المائلين إلى زهرة الدّنيا ، الّذين مكروا السيّئات. [فإنّ الله يقول في محكم كتابه : (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ]) (٤) (أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ). [أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون أو يأخذهم في تقلّبهم فما هم ، بمعجزين أو يأخذهم على تخوّف] (٥) فاحذروا ما حذّركم الله بما فعل بالظّلمة في كتابه ، ولا تأمنوا أن ينزل بكم بعض (٦) ما توعّد به القوم الظّالمين في الكتاب. والله ، لقد وعظكم الله في كتابه بغيركم. فإنّ السّعيد من وعّظ بغيره.

(فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) (٤٧) : حيث لا يعاجلكم بالعقوبة.

(أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) : استفهام إنكار ، أي : قد رأوا أمثال هذه الصّنائع ، فما بالهم لم يتفكّروا فيها؟ ليظهر لهم كمال قدرته وقهره ، فيخافوا منه.

و «ما» موصولة مبهمة ، بيانها (يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ) ، أي : أو لم ينظروا إلى المخلوقات الّتي لها ظلال متفيّئة.

وقرأ (٧) حمزة والكسائي : «تروا» بالتّاء. وأبو عمرو : «تتفيّؤ» بالتّاء.

__________________

(١) تفسير العياشي ٢ / ٢٦١ ، ح ٣٤.

(٢) تفسير العياشي ٢ / ٢٦١ ، ح ٣٥.

(٣) الكافي ٨ / ٧٤ ، ح ٢٠٩.

(٤ و ٥) من المصدر.

(٦) أ ، ر : بعضكم.

(٧) أنوار التنزيل ١ / ٥٥٧.

٢١٨

(عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ) ، أي : عن أيمانها وعن شمائلها ، أي : عن جانبي كلّ واحد منها. استعارة من يمين الإنسان وشماله.

ولعلّ توحيد «اليمين» وجمع «الشّمائل» باعتبار اللّفظ والمعنى ، كتوحيد الضّمير في «ظلاله» وجمعه في قوله : (سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ) (٤٨). وهما حالان من الضّمير في «ظلاله».

والمراد من السّجود ، الاستسلام ، سواء كان بالطّبع أو الاختيار. يقال : سجدت النّخلة : إذا مالت ، لكثرة الحمل. وسجد البعير : إذا طأطأ رأسه ، ليركب.

أو و «سجّدا» حال من «الظّلال» ، «وهم داخرون» حال من الضّمير ، والمعنى : يرجع الظّلال ، بارتفاع الشّمس وانحدارها باختلاف مشارقها ومغاربها ، بتقدير الله ـ تعالى ـ من جانب إلى جانب منقادة لما قدّر لها من التّفيّؤ. أو واقعة على الأرض ملتصقة بها على هيئة السّاجد. والأجرام في أنفسها ـ أيضا ـ داخرة ، أي : صاغرة منقادة لأفعال الله ـ تعالى ـ فيها.

وجمع «داخرون» بالواو ، لأنّ من جملتها من يعقل ، أو (١) لأنّ الدّخور من أوصاف العقلاء.

وقيل (٢) : المراد باليمين والشّمائل : يمين الفلك ، وهو جانبه الشّرقي ، لأنّ الكواكب تظهر منه آخذة في الارتفاع والسّطوع. و [شماله ، وهو] (٣) الجانب الغربي المقابل له [من الأرض] (٤). فإنّ الظّلال في أوّل النّهار تبتدئ من المشرق واقعة على الرّبع الغربي ، وعند الزّوال تبتدئ من المغرب واقعة على الرّبع الشّرقي من الأرض.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) : قال : تحويل كلّ ظلّ خلقه الله فهو سجود لله. لأنّه ليس شيء إلّا له ظلّ يتحرّك يتحريكه ، وتحويله (٦) سجوده.

(وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) ، أي : ينقاد انقيادا. يعمّ الانقياد لإرادته وتأثيره طبعا ، والانقياد لتكليفه وأمره طوعا. ليصحّ إسناده إلى عامّة أهل السّماوات والأرض. وقوله : (مِنْ دابَّةٍ) : بيان لهما. لأنّ الدّبيب : هو الحركة

__________________

(١) ليس في ب.

(٢) أنوار التنزيل ١ / ٥٥٧.

(٣ و ٤) من المصدر.

(٥) تفسير القمّي ١ / ٣٨٦.

(٦) المصدر : تحريكه.

٢١٩

الجسمانيّة ، سواء كان في أرض أو سماء.

(وَالْمَلائِكَةُ) : عطف على المبيّن به عطف جبرئيل على الملائكة ، للتّعظيم.

أو عطف المجرّدات على الجسمانيّات ، وبه احتجّ من قال : إنّ الملائكة أرواح مجرّدة.

أو بيان لما في الأرض ، والملائكة لما في السّماوات وتعيين له ، أجلالا وتعظيماً.

أو المراد بها : ملائكتها من الحفظة وغيرهم.

و «ما» لمّا استعمل للعقلاء ، كما استعمل لغيرهم ، كان استعماله حيث اجتمع القبيلان أولى من إطلاق «من» تغليبا للعقلاء.

(وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) (٤٩) : من عبادته.

(يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ) : يخافونه أن يرسل عليهم عذابا من فوقهم. أو يخافونه وهو فوقهم بالقهر ، كقوله : (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ).

والجملة حال من الضّمير في «لا يستكبرون». أو بيان له وتقرير ، لأنّ من خاف الله لم يستكبر عن عبادته.

(وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) (٥٠) : من الطّاعة والتّدبير. وفيه دليل على أنّ الملائكة مكلّفون ، مدارون بين الخوف والرّجاء.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (١) : قال : الملائكة ما قدّر الله لهم يمرّون فيه.

وفي مجمع البيان (٢) : قد صحّ عن النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه (٣) قال : إنّ لله ملائكة في السّماء السّابعة سجودا منذ خلقهم إلى يوم القيامة ، ترعد فرائصهم من مخافة الله ، لا تقطر من دموعهم قطرة إلا صارت ملكا. فإذا كان يوم القيامة ، رفعوا رؤوسهم وقالوا : ما عبدناك حقّ عبادتك. أورده الكلبي في تفسيره.

(وَقالَ اللهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ) ذكر العدد مع أنّ المعدود يدلّ عليه دلالة ، على أنّ مساق النّهي إليه ، أو إيماء بأن الاثنينيّة تنافي الإلهيّة ، كما ذكر الواحد في قوله : (إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ). للدّلالة على أنّ المقصود إثبات الوحدانيّة دون الإلهيّة ، أو للتّنبيه على أنّ الوحدة من لوازم

__________________

(١) تفسير القمّي ١ / ٣٨٦.

(٢) المجمع ٣ / ٣٦٥.

(٣) ليس في ب ، أ.

٢٢٠