تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٧

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ٧

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٤

وفي أصول الكافي (١) : عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمّد الجوهريّ ، عن عليّ بن أبي حمزة قال : سأل أبو بصير أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ وأنا حاضر ، فقال : جعلت فداك ، كم عرج برسول الله؟

فقال : مرّتين ، فأوقفه جبرئيل ـ عليه السّلام ـ موقفا ، فقال له : مكانك ، يا محمّد ، فلقد وقفت موقفا ما وقفه ملك قطّ ولا نبيّ ، إنّ ربّك يصلّي.

فقال : يا جبرئيل ، وكيف يصلّي؟

فقال : يقول : سبوح قدّوس أنا ربّ الملائكة والرّوح ، سبقت رحمتي غضبي.

فقال : اللهمّ ، عفوك عفوك.

قال : وكان كما قال الله : (قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى).

فقال له أبو بصير : جعلت فداك ، ما قاب قوسين أو أدنى؟

فقال : ما بين سيتها (٢) إلى رأسها ، فقال : كان بينهما حجاب يتلألأ يخفق (٣) ، ولا أعلمه إلّا وقد قال : زبرجد ، فنظر في مثل سمّ إبرة (٤) إلى ما شاء الله من نور العظمة.

فقال الله ـ تبارك وتعالى ـ : يا محمّد.

قال : لبّيك ، ربّي.

قال : من لأمّتك من بعدك؟

قال : الله أعلم.

قال : عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين وسيّد الوصيّين (٥) وقائد الغرّ المحجّلين.

ثمّ قال أبو عبد الله ـ عليه السّلام ـ لأبي بصير : يا أبا محمّد ، والله ، ما جاءت ولاية عليّ من الأرض ، ولكن جاءت من السّماء مشافهة.

وفي كتاب علل الشّرائع (٦) ، بإسناده إلى عليّ بن سالم : عن أبيه ، عن ثابت بن دينار قال : سألت زين العابدين ، عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ـ عليهم

__________________

(١) الكافي ١ / ٤٤٢ ـ ٤٤٣.

(٢) كذا في المصدر. وفي أ ، ر : يسها. وفي غيرهما : يثبها. والسّية من القوس ـ بكسر المهملة قبل المثنّاة التّحتانيّة المخفّفة ـ ويخفق : ما عطف من طرفيها.

(٣) كذا في المصدر. وفي ب : بحقق. وفي سائر النسخ : تحقق. ويخفق : أي : يتحرّك ويضطرب.

(٤) سمّ الإبرة : ثقبها.

(٥) المصدر : المسلمين.

(٦) العلل / ١٣١ ، ح ١.

٣٠١

السّلام ـ عن الله ـ جلّ جلاله ـ : هل يوصف بمكان؟

فقال : تعالى عن ذلك.

قلت : فلم أسرى بنبيّه محمّد (١) ـ صلّى الله عليه وآله ـ [إلى السّماء] (٢)؟

قال : ليريه ملكوت السّماوات وما فيها من عجائب صنعه وبدائع خلقه.

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وبإسناده (٣) إلى أبان بن عثمان : عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل ، يقول فيه : إنّ النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ دفع إلى عليّ لمّا حضرته الوفاة القميص الّذي اسري به.

وفي كتاب التّوحيد (٤) ، بإسناده إلى يونس بن عبد الرّحمن قال : قلت لأبي الحسن ، موسى بن جعفر ـ عليهما السّلام ـ : لأيّ علّة عرج الله ـ عزّ وجلّ ـ نبيّه إلى السّماء ، ومنها إلى سدرة المنتهى ، ومنها إلى حجب النّور ، وخاطبه وناجاه هناك ، والله لا يوصف بمكان؟

فقال ـ عليه السّلام ـ : إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ لا يوصف بمكان ولا يجري عليه زمان ، ولكنّه ـ عزّ وجلّ ـ أراد أن يشرّف به ملائكته وسكّان سماواته ويكرمهم بمشاهدته ويريه من عجائب عظمته ما يخبر به بعد هبوطه ، وليس ذلك على ما يقوله المشبّهون.

سبحان الله وتعالى عمّا يشركون.

وفي روضة الكافي (٥) : أبان ، عن عبد الله بن عطاء ، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ قال : أتى جبرئيل رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بالبراق ، أصغر من البغل وأكبر من الحمار ، مضطرب الأذنين ، عينيه (٦) في حافره وخطاه مدّ بصره ، فإذا (٧) انتهى إلى جبل قصرت يداه وطالت رجلاه ، فإذا هبط طالت يداه وقصرت رجلاه ، أهدب العرف الأيمن (٨) ، له جناحان من خلفه.

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : أسري نبيّه.

(٢) من المصدر.

(٣) نفس المصدر / ١٦٧ ، ح ١.

(٤) التوحيد / ١٧٥ ، ح ٥.

(٥) الكافي ٨ / ٣٧٦ ، ح ٥٦٧.

(٦) كذا في المصدر. وليس في أ ، ب ، ر. وفي عيرها : عينه.

(٧) المصدر : وإذا.

(٨) أي : طويلة ، وكان مرسلا في الجانب الأيمن.

٣٠٢

وفي عيون الأخبار (١) ، بإسناده قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : إنّ الله ـ تعالى ـ سخّر لي البراق ، وهي دابّة من دوابّ الجنّة ، ليست بالقصير ولا بالطّويل ، فلو أنّ الله ـ تعالى ـ أذن لها لجالت الدّنيا والآخرة في جرية واحدة ، وهي أحسن الدّوابّ لونا.

وفي تفسير العيّاشي (٢) : عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : لمّا اسري بالنّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ اتي بالبراق ومعه (٣) جبرئيل وميكائيل وإسرافيل.

قال : فأمسك له واحد بالرّكاب ، وأمسك الآخر باللّجام ، وسوىّ عليه الآخر ثيابه. فلمّا ركبها تضعضعت ، فلطمها جبرئيل وقال لها : قرّي ، يا براق ، فما ركبك أحد قبله مثله ، ولا يركبك أحد مثله بعده (٤) ، إلّا أنّه تضعضعت عليه.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٥) : وروى الصّادق ـ عليه السّلام ـ عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال : بينا أنا راقد بالأبطح (٦) وعليّ بن يميني ، وجعفر بن يساري ، وحمزة بين يديّ وإذا أنا بخفق (٧) بحفيف أجنحة الملائكة ، وقائل منهم يقول : إلى أيّهم بعثت يا جبرئيل؟

فقال : إلى هذا ـ وأشار إليّ ـ وهو سيّد ولد آدم (٨) ، وهذا وصيّه ووزيره وختنه وخليفته في أمّته ، وهذا عمّه وسيّد الشّهداء (٩) ، حمزة ، وهذا ابن عمّه ، جعفر ، له جناحان خضيبان يطير بهما في الجنّة مع الملائكة. دعه فلتنم عيناه ولتسمع أذناه ، وليع (١٠) قلبه ، واضربوا له مثلا ملك بنى دارا واتّخذ مائدة (١١) وبعث داعيا.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : فالملك الله ، والدّار الدّنيا ، والمائدة (١٢) الجنّة ، والدّاعي أنا.

قال : ثمّ أركبه جبرئيل البراق (١٣) ، وأسرى به إلى بيت المقدس ، وعرض عليه محاريب الأنبياء وآيات الأنبياء ، فصلّى فيها وردّه من ليلته إلى مكّة ، فمرّ في رجوعه بعير (١٤)

__________________

(١) العيون ٢ / ٣١ ، ح ٣٩.

(٢) تفسير العيّاشي ٢ / ٢٧٦ ، ح ٤.

(٣) المصدر : معها.

(٤) المصدر : أحد بعده مثله.

(٥) تفسير القمّي ٢ / ١٣.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : في الأبطح.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : بحفيف.

(٨) المصدر : آدم وحوّاء.

(٩) المصدر : عمّه سيّد الشهداء.

(١٠) المصدر : ليعي. (١١ و ١٢) المصدر : مأدبة.

(١٣) المصدر : ثمّ أدركه جبرئيل بالبراق. (١٤) العير : الإبل تحمل الميرة. ثم غلب على كلّ قافلة.

٣٠٣

قريش ، وإذا لهم ماء في آنية ، فشرب منه وأهرق (١) باقي ذلك ، وقد كانوا أضلّوا بعيرا لهم وكانوا يطلبونه.

فلمّا أصبح قال لقريش : إنّ الله قد أسرى بي في هذه اللّيلة إلى بيت المقدس ، فعرض عليّ محاريب الأنبياء وآيات الأنبياء ، وإنّي مررت بعير لكم في موضع كذا وكذا ، وإذا لهم (٢) ماء في آنية فشربت منه وأهرقت باقي ذلك ، وقد كانوا أضلّوا بعيرا لهم.

فقال أبو جهل : قد أمكنتكم (٣) الفرصة من محمّد ، اسألوه : كم الأساطين فيه (٤) والقناديل؟

فقالوا : يا محمّد ، إنّ هاهنا من قد دخل بيت المقدس ، فصف لنا كم أساطينه وقناديله ومحاريبه.

فجاء جبرئيل [فعلّق] (٥) صورة بيت المقدس تجاه وجهه ، فجعل يخبرهم بما يسألونه.

فلمّا أخبرهم ، قالوا : حتّى تجيء العير ونسألهم عمّا قلت.

فقال لهم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : وتصديق ذلك أنّ العير تطلع عليكم مع طلوع الشّمس ، يقدمها جمل أحمر.

فلمّا أصبحوا أقبلوا (٦) ينظرون إلى العقبة ، وهم يقولون (٧) : هذه الشّمس تطلع السّاعة. فبيناهم كذلك ، إذ طلعت العير مع طلوع الشّمس ، يقدمها جمل أحمر. فسألوهم عمّا قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

فقالوا : لقد كان هذا ، ضلّ لنا جمل في موضع كذا وكذا ، ووضعنا ماء وأصبحنا وقد أهريق الماء.

فلم يزدهم إلّا عتوّا.

وفي روضة الكافي (٨) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن أبان بن عثمان ، عن حديد ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : لمّا اسري

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : صبّ.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : لكم.

(٣) المصدر : أمكنكم.

(٤) المصدر : فيها.

(٥) من المصدر.

(٦) المصدر : وأقبل.

(٧) المصدر : ويقولون.

(٨) الكافي ٨ / ٢٦٢ ، ح ٣٧٦.

٣٠٤

برسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أصبح فقعد فحدّثهم بذلك.

فقالوا له : صف لنا بيت المقدس.

قال : فوصف لهم ، وإنّما دخله ليلا فاشتبه عليه النّعت ، فأتاه جبرئيل فقال له : أنظر هاهنا. فنظر إلى بيت (١) المقدس فوصفه وهو ينظر إليه ، ثمّ نعت لهم [ما كان] (٢) من عير لهم فيما بينهم وبين الشّام ، ثمّ قال : هذه عير بني فلان تقدم مع طلوع الشّمس ، يتقدّمها جمل أورق (٣) أو أحمر (٤).

قال : وبعثت قريش رجلا على فرس ليردّها (٥).

قال : وبلغ مع طلوع الشّمس ، قال قرطة بن عبد عمرو : يا لهفا ، أن لا أكون لك جذعا (٦) حين تزعم أنّك أتيت بيت المقدس ورجعت من ليلتك.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٧) : حدّثني أبي ، عن إبراهيم بن محمّد الثّقفيّ ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي داود ، عن أبي بردة الأسلميّ قال : سمعت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ يقول لعليّ ـ عليه السّلام ـ : إنّ الله أشهدك معي في سبع مواطن.

أمّا أوّل ذلك ، فليلة اسري بي إلى السّماء.

قال لي جبرئيل : أين أخوك؟

فقلت : خلّفته ورائي.

قال : ادع الله فليأتك به.

فدعوت الله ، وإذا مثالك (٨) معي ، وإذا (٩) الملائكة وقوف صفوف.

فقلت : يا جبرئيل ، من هؤلاء؟

قال : هم الّذين يباهيهم الله بك يوم القيامة.

فدنوت ، ونطقت بما كان وما يكون إلى يوم القيامة.

والثّاني ، حين أسري بي في المرّة الثّانية.

__________________

(١) المصدر : البيت.

(٢) ليس في أ ، ب.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : أزرق. والأورق من الإبل : ما في لونه بياض إلى سواد.

(٤) التّرديد من الرّاوي.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : ليردّوها.

(٦) الجذع : الشّابّة من الإبل والمعز. والظّاهر أنّ كلامه ـ لعنه الله ـ هذا جار مجرى الاستهزاء.

(٧) تفسير القمّي ٢ / ٣٣٥ ـ ٣٣٦.

(٨) كذا في المصدر. وفي النسخ : بمثالك.

(٩) المصدر : إذ.

٣٠٥

فقال لي جبرئيل : أين أخوك؟

فقلت : خلّفته ورائي.

فقال : ادع الله فليأتك به.

فدعوت الله (١) ، فإذا مثالك معي ، فكشط عن سبع سماوات حتّى رأيت سكّانها وعمّارها وموضع كلّ ملك منها.

... إلى قوله : وأمّا السّادس ، لمّا اسري بي إلى السّماء ، جمع الله لي النّبيّين.

فصلّيت بهم ، ومثالك خلفي.

وفي كتاب علل الشّرائع (٢) ، بإسناده إلى عيسى بن عبد الله (٣) الأشعريّ : عن الصّادق ، جعفر بن محمّد قال : حدّثني أبي ، عن جدّي ، عن أبيه ـ عليهم السّلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : لمّا اسري بي إلى السّماء ، حملني جبرئيل على كتفه الأيمن. فنظرت إلى بقعة بأرض الجبل حمراء أحسن لونا من الزّعفران ، وأطيب ريحا من المسك. [فإذا فيها شيخ على رأسه برنس.

فقلت لجبرئيل : ما هذه البقعة الحمراء الّتي هي أحسن لونا من الزّعفران وأطيب ريحا من المسك] (٤).

قال : بقعة لشيعتك وشيعة وصيّك ، عليّ.

فقلت : من الشّيخ ، صاحب البرنس؟

قال : إبليس.

قلت : فما يريد منهم؟

قال : يريد أن يصدّهم عن ولاية أمير المؤمنين ، ويدعوهم إلى الفسق والفجور.

قلت : يا جبرئيل ، أهو بنا [إليهم.

فأهوى بناء إليهم] (٥) أسرع من البرق الخاطف والبصر اللّامح.

فقلت : قم ، يا (٦) ملعون ، فشارك أعداءهم في أموالهم وأولادهم ونسائهم. فإنّ

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) العلل / ٥٧٢ ، ح ١.

(٣) كذا في المصدر وجامع الرواة ١ / ٦٥٢. وفي النسخ : عبيد الله.

(٤) من المصدر. وفي النسخ بدل ما بين المعقوفتين : «قلت : لمن البقعة؟».

(٥) من ب. وفي النسخ بدلها : إليه.

(٦) من هنا إلى موضع نذكره بعد صفحات ليس في أ.

٣٠٦

شيعتي وشيعة عليّ ليس لك عليهم سلطان. [فسمّيت «قم»] (١).

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) : حكى أبي ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : جاء جبرئيل وميكائيل وإسرافيل بالبراق إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ، فأخذ واحد باللّجام ، وواحد بالرّكاب ، وسوّى الاخر عليه ثيابه. فتضعضعت البراق. فلطمها جبرئيل ، ثمّ قال لها : اسكني ، يا براق ، فما ركبك نبيّ قبله ، ولا يركبك بعده مثله.

قال : فرقت به (٣) ، ورفعته ارتفاعا ليس بالكثير ، ومعه جبرئيل ، يريه الآيات من السّماء والأرض.

قال : فبينا أنا في مسيرتي (٤) ، إذ نادى مناد عن يميني : يا محمّد. فلم أجبه ولم ألتفت إليه. ثمّ نادى مناد عن يساري : يا محمّد. فلم أجبه ، ولم ألتفت إليه. ثمّ استقبلتني امرأة كاشفة عن ذراعيها عليها من كلّ زينة الدّنيا ، فقالت : يا محمّد ، انظرني حتّى أكلّمك. فلم ألتفت إليها. ثمّ سرت فسمعت صوتا أفزعني [فجاوزت به] (٥). فنزل بي جبرئيل فقال : صلّ. فصلّيت.

فقال : أتدري أين صلّيت؟

فقلت : لا.

فقال : صلّيت [بطيبة وإليها مهاجرك (٦).

ثمّ ركبت فمضينا ما شاء الله ، ثمّ قال لي : أنزل فصلّ ، فنزلت وصلّيت.

فقال لي : أتدري أين صلّيت؟

فقلت : لا.

فقال : صلّيت] (٧). بطور سيناء حيث كلّم الله موسى تكليما.

ثمّ ركبت فمضينا ما شاء الله ، ثمّ قال : أنزل فصلّ ، فنزلت وصلّيت.

فقال لي : أتدري أين صلّيت؟

__________________

(١) من المصدر.

(٢) تفسير القمّي ٢ / ٣ ـ ١٢.

(٣) أي : صعدت البراق بالنّبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ.

(٤) المصدر : مسيري.

(٥) من المصدر.

(٦) المصدر : مهاجرتك.

(٧) لا يوجد في ب.

٣٠٧

فقلت : لا.

فقال : صلّيت ببيت (١) لحم ، وبيت لحم بناحية بيت المقدس ، حيث ولد عيسى بن مريم ـ عليه السّلام ـ.

ثمّ ركبت. فمضينا حيث انتهينا إلى بيت المقدس. فربطت البراق بالحلقة الّتي [كانت] (٢) الأنبياء تربط بها ، فدخلت المسجد ومعي جبرئيل إلى جنبي ، فوجدنا إبراهيم وموسى وعيسى فيمن شاء الله من أنبياء الله قد جمعوا إليّ ، وأقمت الصّلاة ولا أشكّ إلّا وجبرئيل سيتقدّمنا (٣) ، فلما استووا أخذ جبرئيل بعضدي فقدّمني وأممتهم (٤) ولا فخر. ثمّ أتاني الخازن بثلاثة أواني : إناء فيه لبن ، وإناء فيه ماء ، وإناء فيه خمر.

فسمعت قائلا يقول : إن أخذ الماء غرق وغرقت أمّته ، وإن أخذ الخمر غوي وغويت أمّته ، وإن أخذ اللّبن هدي وهديت أمّته.

قال : فأخذت اللّبن وشربت منه.

فقال لي جبرئيل : هديت وهديت أمّتك.

ثمّ قال لي : ما ذا رأيت في مسيرك؟

فقلت : ناداني مناد عن يميني.

فقال لي : او أجبته؟

فقلت : لا ، ولم ألتفت إليه.

فقال : ذلك داعي اليهود ، ولو أجبته لتهوّدت أمّتك من بعدك.

ثمّ قال : ما ذا رأيت [في مسيرك] (٥)؟

فقلت : ناداني مناد عن يساري.

فقال : او أجبته؟

فقلت : لا ، ولم ألتفت إليه.

قال : ذلك داعي النّصارى (٦) ، ولو أجبته لتنصّرت (٧) أمّتك من بعدك.

__________________

(١) المصدر : في بيت.

(٢) من المصدر.

(٣) المصدر : استقدمنا.

(٤) المصدر : فأممتهم.

(٥) ليس في ب والمصدر.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : النصارنى.

(٧) كذا في المصدر. وفي النسخ : لنصرت.

٣٠٨

ثمّ قال لي : ما ذا استقبلك؟

فقلت : لقيت امرأة كاشفة عن ذراعيها ، عليها من كلّ زينة الدّنيا (١) ، فقالت : يا محمّد ، أنظرني حتّى أكلّمك.

فقال لي : أفكلّمتها؟

فقلت : لم أكلّمها ، ولم ألتفت إليها.

فقال : تلك الدّنيا. ولو كلّمتها ، لاختارت أمّتك الدّنيا على الآخرة.

ثمّ سمعت صوتا أفزعني.

فقال لي جبرئيل : تسمع ، يا محمّد؟

قلت : نعم.

قال : هذه صخرة قذفتها عن شفير جهنّم منذ سبعين عاما ، فهذا حين استقرّت.

قالوا : فما ضحك رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ حتّى قبض.

قال : فصعد جبرئيل وصعدت معه إلى السّماء الدّنيا ، وعليها ملك يقال له : إسماعيل ، وهو صاحب الخطفة الّتي قال الله ـ عزّ وجلّ ـ : (إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ). وتحته سبعون ألف ملك ، [تحت كلّ ملك سبعون ألف ملك] (٢).

فقال : يا جبرئيل ، من هذا معك؟

فقال : محمّد.

قال : أوقد بعث؟

قال : نعم.

ففتح (٣) الباب وسلّمت عليه وسلّم عليّ ، واستغفرت له واستغفر لي ، وقال : مرحبا بالأخ الصّالح (٤) والنّبيّ الصّالح. وتلقّتني الملائكة حتّى دخلت سماء الدّنيا ، فما لقيني ملك إلا [كان] (٥) ضاحكا مستبشرا ، حتّى لقيني ملك من الملائكة لم أر أعظم خلقا منه كريه المنظر ظاهر الغضب ، فقال لي مثل ما قالوا من الدّعاء إلّا أنّه لم يضحك ولم أر فيه من الاستبشار ما رأيت (٦) ممّن ضحك من الملائكة.

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) ليس في ب.

(٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : ثمّ فتح.

(٤) المصدر : الناصح.

(٥) من المصدر.

(٦) المصدر : وما رأيت.

٣٠٩

فقلت : من هذا ، يا جبرئيل ، فإنّي قد فزعت منه (١)؟

فقال : يجوز أن تفزع منه فكلّنا نفزع منه. إنّ هذا مالك خازن النّار. لم يضحك قطّ ، ولم يزل منذ ولّاه الله جهنّم يزداد كلّ يوم غضبا وغيظا على أعداء الله وأهل معصيته فينتقم الله به منهم. ولو ضحك إلى أحد كان (٢) قبلك ، أو كان ضاحكا إلى أحد (٣) بعدك ، لضحك إليك ، ولكنّه لا يضحك.

فسلّمت عليه فردّ السّلام عليّ ، وبشّرني بالجنّة. فقلت لجبرئيل ـ وجبرئيل بالمكان الّذي وصفه الله (٤) : (مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ) ـ : ألا تأمره أن يريني النّار؟

فقال له جبرئيل (٥) : يا مالك ، أر محمّداً النّار.

فكشف عنها غطاءها (٦) ، وفتح بابا منها. فخرج منها لهب ساطع في السّماء ، وفارت وارتفعت (٧) حتّى ظننت لتناولني (٨) ممّا رأيت. فقلت : يا جبرئيل ، قل له فيردّ (٩) عليها غطاءها.

فأمرها ، فقال لها : ارجعي. فرجعت إلى مكانها الّذي خرجت منه.

ثمّ مضيت فرأيت رجلا آدما جسيما ، فقلت : من هذا ، يا جبرئيل؟

فقال : هذا أبوك ، آدم. فإذا هو تعرض عليه ذرّيّته فيقول : روح طيّب وريح طيّبة من جسد طيّب.

ثمّ تلا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ سورة المطفّفين على رأس سبع عشرة آية (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ، وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ ، كِتابٌ مَرْقُومٌ ، يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ) إلى آخرها.

قال : فسلّمت على أبي ، آدم وسلّم عليّ واستغفرت له واستغفر لي ، فقال لي : مرحبا بالابن الصّالح والنّبيّ الصّالح والمبعوث في الزّمن الصّالح.

__________________

(١ و ٢) ليس في المصدر.

(٣) المصدر : ضاحكا لأحد.

(٤) التكوير / ٢١.

(٥) ليس في ب.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : غطاء.

(٧) المصدر : فارتعدت.

(٨) المصدر : ليتناولني.

(٩) المصدر : فليردّ.

٣١٠

ثمّ مررت بملك من الملائكة ، وهو جالس [على مجلس] (١) ، وإذا جميع الدّنيا بين ركبتيه ، وإذا بيده لوح من نور [ينظر فيه ، مكتوب] (٢) فيه [كتاب ينظر فيه ،] (٣) لا يلتفت يمينا ولا شمالا ، مقبلا عليه (٤) ، كهيئة الحزين.

فقلت : من هذا ، يا جبرئيل؟

فقال : هذا ملك الموت ، دائب في قبض الأرواح.

فقلت : يا جبرئيل ، ادنني منه حتّى أكلّمه. فأدناني منه ، فسلّمت عليه.

فقال له جبرئيل : هذا [محمّد] (٥) نبيّ الرّحمة ، الّذي أرسله الله إلى العباد.

فرحّب بي وحيّاني بالسّلام ، وقال : أبشر ، يا محمّد ، فإنّي أرى الخير كلّه في أمّتك. فقلت : الحمد لله المنّان ذي النّعم على عباده. ذلك من فضل ربّي ورحمته عليّ.

فقال جبرئيل : هو أشدّ الملائكة عملا.

فقلت (٦) : أكلّ من مات ، أو هو ميّت فيما بعد ، [هذا] (٧) تقبض روحه؟

قال : نعم.

قلت : وتراهم حيث كانوا ، وتشهدهم بنفسك؟

فقال : نعم. فقال ملك الموت : ما الدّنيا كلّها عندي فيما سخّرها الله لي ومكّنني عليها (٨) ، إلّا كالدرّهم في كفّ الرّجل يقلّبه كيف يشاء. وما من دار إلّا وأنا أتصفّحه كلّ يوم خمس مرّات ، وأقول إذا بكى أهل الميّت على ميّتهم : لا تبكوا عليه ، فإنّ لي فيكم عودة وعودة حتّى لا يبقى (٩) أحد منكم.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : كفى بالموت طامّة (١٠) ، يا جبرئيل.

فقال جبرئيل : إنّ ما بعد الموت أطمّ وأطمّ من الموت.

قال : ثمّ مضيت ، فإذا أنا بقوم بين أيديهم موائد من لحم طيّب ولحم خبيث ،

__________________

(١ و ٢) ليس في المصدر.

(٣) ليس في ب.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : ولا شمالا ولا مقبلا.

(٥) من المصدر.

(٦) ليس في ب.

(٧) من المصدر.

(٨) المصدر : منها.

(٩) كذا في المصدر. وفي النسخ : عود وعود لا يبقى.

(١٠) الطّامّة : الدّاهية تفوق ما سواها.

٣١١

فيأكلون الخبيث ويدعون الطّيّب ، فقلت : من هؤلاء ، يا جبرئيل؟

فقال : هؤلاء الّذين يأكلون الحرام ويدعون الحلال ، وهم من أمّتك ، يا محمّد.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : ثمّ رأيت ملكا من الملائكة جعل الله أمره عجبا ، نصف جسده نار والنّصف الآخر ثلج ، فلا النّار تذيب الثّلج ولا الثّلج يطفئ النّار ، وهو ينادي بصوت رفيع يقول : سبحان الّذي كفّ حرّ هذه النّار فلا يذيب (١) الثّلج ، وكفّ برد هذا الثّلج فلا يطفئ حرّ هذه النّار. اللهمّ ، يا مؤلّف بين الثّلج والنّار ، ألّف بين قلوب عبادك المؤمنين.

فقلت : من هذا ، يا جبرئيل؟

فقال : هذا ملك وكلّه الله بأكناف السّماء (٢) وأطراف الأرضين ، وهو أنصح ملائكة الله (٣) لأهل الأرض من عباده المؤمنين ، يدعو لهم بما تسمع منذ خلق ، وملكان يناديان في السّماء : أحدهما يقول : الّلهمّ ، أعط كلّ منفق خلفا ، والآخر يقول : الّلهمّ ، أعط كلّ ممسك تلفا.

ثمّ مضيت ، فإذا أنا بأقوام لهم مشافر كمشافر الإبل ، يقرض اللّحم من جنوبهم ويلقى في أفواههم ، [ويخرج من أدبارهم] (٤). فقلت : من هؤلاء ، يا جبرئيل؟

فقال : هؤلاء الهمّازون اللّمّازون.

ثمّ مضيت فإذا أنا بأقوام ترضخ (٥) رؤوسهم (٦) بالصّخر ، فقلت : من هؤلاء يا جبرئيل؟

فقال : هؤلاء الّذين ناموا (٧) عن صلاة العشاء.

ثمّ مضيت فإذا أنا بأقوام تقذف النّار في أفواههم وتخرج من أدبارهم ، فقلت : من هؤلاء ، يا جبرئيل؟

فقال : هؤلاء الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلما (٨) ، إنّما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا.

__________________

(١) المصدر : فلا تذيب.

(٢) المصدر : السموات.

(٣) ب : أنصح الملائكة.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) ب ، ر : ترضّ.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : وجوههم.

(٧) المصدر : ينامون.

(٨) ليس في ب.

٣١٢

ثمّ مضيت فإذا أنا بأقوام يريد أحدهم يقوم فلا يقدر من عظم بطنه ، فقلت : من هؤلاء ، يا جبرئيل؟

فقال : هؤلاء الّذين يأكلون الرّبا ، لا يقومون إلا كما يقوم الّذي يتخبّطه الشّيطان من المسّ.

وإذا هم بسبيل (١) آل فرعون ، يعرضون على النّار غدوّا وعشيّا و (٢) يقولون : ربّنا متّى تقوم السّاعة.

قال : ثمّ مضيت فإذا أنا بنسوان معلّقات بثديهنّ ، فقلت : من هؤلاء ، يا جبرئيل؟

فقال : هؤلاء اللّواتي يورثن أموال أزواجهنّ أولاد غيرهم (٣).

ثمّ قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : اشتدّ غضب الله على امرأة أدخلت على قوم في نسبهم من ليس منهم ، فاطّلع على عوراتهم وأكل خزائنهم.

قال : ثمّ مررنا (٤) بملائكة من ملائكة الله ـ عزّ وجلّ ـ خلقهم الله [على هيئات مختلفة] (٥) كيف شاء ، ووضع وجوههم كيف شاء ، ليس شيء من أطباق أجسادهم إلّا وهو يسبّح الله ويحمّده من كلّ ناحية بأصوات مختلفة ، أصواتهم مرتفعة بالتّحميد والبكاء من خشية الله ، فسألت جبرئيل ـ عليه السّلام ـ عنهم.

فقال : كما ترى خلقوا ، إنّ الملك منهم إلى جنب صاحبه ما كلّمه قطّ ، ولا رفعوا رؤوسهم إلى ما فوقها ولا خفضوها إلى ما تحتها (٦) خوفا من الله وخشوعا.

فسلّمت عليهم ، فردّوا عليّ إيماء برءوسهم (٧) ولا ينظرون (٨) إليّ من الخشوع.

فقال لهم جبرئيل : هذا محمّد (٩) نبيّ الرّحمة. أرسله الله إلى العباد رسولا ونبيّا ، وهو خاتم النّبيّين وسيّدهم ، أفلا تكلّمونه!؟

__________________

(١) المصدر : مثل.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) أي : يزنين ، ويلحقن أولاد الزّنا بالأزواج فيرثون من أزواجهنّ كما قاله في البحار.

(٤) ب ، المصدر : ثمّ قال : مررنا.

(٥) ليس في المصدر.

(٦) المصدر : تحتهم.

(٧) ليس في المصدر.

(٨) إلى هنا من موضع ذكرناه قبل صفحات ، لا يوجد في أ.

(٩) ليس في أ ، ب.

٣١٣

قال : فلمّا سمعوا ذلك من جبرئيل ، أقبلوا عليّ بالسّلام ، وأكرموني ، وبشّروني بالخير لي ولأمّتي.

قال : ثمّ صعد بي إلى السّماء الثّانية ، فإذا فيها رجلان متشابهان ، فقلت : من هذان يا جبرئيل؟

فقال لي : ابنا الخالة ، عيسى (١) ويحيى.

فسلّمت عليهما وسلّما عليّ ، واستغفرت لهما واستغفر لي ، وقالا : مرحبا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصّالح. وإذا فيها من الملائكة [مثل ما في السّماء الأولى] (٢) وعليهم الخشوع ، وقد وضع الله وجوههم كيف شاء ، ليس منهم ملك إلّا يسبّح الله ويحمّده بأصوات مختلفة.

ثمّ صعدنا إلى السّماء الثّالثة ، فإذا فيها رجل فضل حسنه على سائر الخلق ، كفضل القمر ليلة البدر على سائر النّجوم ، فقلت : من هذا ، يا جبرئيل؟

فقال : هذا أخوك ، يوسف.

فسلّمت عليه وسلّم عليّ ، واستغفرت له واستغفر لي ، وقال : مرحبا بالنّبيّ الصّالح والأخ الصّالح والمبعوث في الزّمان (٣) الصّالح. فإذا فيها ملائكة عليهم من الخشوع مثل ما وصفت في السّماء الأولى والثّانية ، وقال لهم جبرئيل في أمري ما قال للآخرين ، وصنعوا بي مثل ما صنع الآخرون.

ثمّ صعدنا إلى السّماء الرّابعة وإذا فيها رجل ، فقلت : من هذا ، يا جبرئيل؟

فقال : هذا إدريس رفعه الله مكانا عليّا.

فسلّمت عليه وسلّم عليّ ، واستغفرت له واستغفر لي ، وإذا فيها من الملائكة عليهم من الخشوع مثل ما في السّماوات فبشّروني بالخير لي ولأمّتي. ثمّ رأيت ملكا جالسا على سرير ، تحت يديه سبعون ألف ملك ، تحت كلّ ملك سبعون ألف ملك ، فوقع في نفس رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه هو ، فصاح به جبرئيل فقال : قم. فهو قائم إلى يوم القيامة.

ثمّ صعدنا إلى السّماء الخامسة ، فإذا فيها رجل كهل عظيم العين لم أر كهلا

__________________

(١) المصدر : عيسى بن مريم.

(٢) من المصدر.

(٣) المصدر : الزّمن.

٣١٤

أعظم منه ، حوله ثلّة (١) من أمّته فأعجبتني (٢) كثرتهم ، فقلت : من هذا ، يا جبرئيل؟

فقال : هذا المجيب في قومه ، هارون بن عمران.

فسلّمت عليه وسلّم عليّ ، واستغفرت له واستغفر لي ، وإذا فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السّماوات.

قال : ثمّ صعدنا إلى السّماء السّادسة ، فإذا فيها رجل آدم طويل كأنّه من شبوة (٣) ، ولو [لا] (٤) أنّ عليه قميصين ، لنفذ شعره منهما. فسمعته يقول : يزعم بنو إسرائيل أنّي (٥) أكرم ولد آدم على الله ، وهذا رجل أكرم على الله منّي.

فقلت : من هذا ، يا جبرئيل؟

فقال : هذا أخوك ، موسى بن عمران.

فسلّمت عليه وسلّم عليّ ، واستغفرت له واستغفر لي ، وإذا فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السّماوات.

قال : ثمّ صعدنا إلى السّماء السّابعة ، فما مررت بملك من الملائكة إلّا قالوا : يا محمّد ، احتجم وامر أمّتك بالحجامة. وإذا فيها رجل أشمط (٦) الرّأس واللّحية جالس على كرسي ، فقلت : يا جبرئيل ، من هذا الّذي في السّماء السّابعة على باب البيت المعمور في جوار الله ـ تعالى ـ؟

فقال : [يا محمّد] (٧) هذا أبوك ، إبراهيم ، وهذا محلّك ومحلّ من اتّقى من أمّتك.

ثمّ قرأ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ).

__________________

(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : ثلاثة.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : أعجبني.

(٣) المصدر : رجل آدم طويل عليه سمرة. وشبوة : أبو قبيلة ، وموضع بالبادية ، وحصن باليمن.

وعن شرح القاموس : أنّ شبوة بطن من القحطانيّة ، وهو شبوة بن ثوبان بن عبس بن شحارة بن غالب بن عبد الله بن عكّ.

وعن الثّعلبيّ أنّه ذكر في وصفه (ع) : كأنّه من رجال أزد شنوءة. وقال الفيروزآبادي : أزد شنوءة : قبيلة سمّيت لشنآن بينهم.

وقال المجلسيّ (ره) بعد نقل الأقوال : وعلى التّقادير شبّهه (ص) بإحدى تلك الطّوائف في الأدمة وطول القامة.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) كذا في المصدر. وفي النسخ : في.

(٦) الشّمط : بياض في الرّأس يخالطه سواد.

(٧) ليس في المصدر.

٣١٥

[قال :] (١) فسلّمت عليه وسلّم عليّ ، وقال : مرحبا بالنّبيّ الصّالح والابن الصّالح والمبعوث في الزّمان (٢) الصّالح. وإذا فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السّماوات ، فبشّروني بالخير لي ولأمّتي.

قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : ورأيت في السّماء السّابعة بحارا من نور يتلألأ يكاد تلألؤها يخطف بالأبصار ، وفيها بحار من ظلمة وبحار من ثلج ترعد (٣) ، فلمّا (٤) فزعت ورأيت هؤلاء سألت جبرئيل.

فقال : أبشر ، يا محمّد ، واشكر كرامة ربّك واشكر الله بما صنع إليك.

قال : فثبّتني الله بقوّته وعونه حتّى كثر قولي لجبرئيل وتعجّبي.

فقال جبرئيل : يا محمّد ، أتعظّم ما ترى؟ إنّما هذا خلق من خلق ربّك ، فكيف بالخالق الّذي خلق ما ترى؟ وما لا ترى أعظم من هذا! إنّ بين الله وبين خلقه سبعين (٥) ألف [حجاب. وأقرب الخلق إلى الله أنا وإسرافيل ، وبيننا وبينه أربعة حجب] (٦) : حجاب من نور ، وحجاب من ظلمة ، وحجاب من الغمام ، وحجاب من الماء.

قال : ورأيت من العجائب الّتي خلق الله وسخّر (٧) على ما أراده ديكا (٨) رجلاه في تخوم الأرضين السّابعة ورأسه عند العرش ، وملكا من ملائكة الله خلقه الله (٩) ، كما أراد ، رجلاه في تخوم الأرضين السّابعة ، ثمّ أقبل مصعدا حتّى خرج في الهواء إلى السّماء السّابعة ، وانتهى فيها مصعدا حتّى انتهى (١٠) قرنه إلى قرب العرش ، وهو يقول : سبحان ربيّ حيث ما كنت ، لا تدري (١١) أين ربّك من عظم شأنه. و (١٢) له جناحان في منكبيه (١٣) ، إذا نشرهما جاوزا الشّرق والغرب ، فإذا كان في السّحر ، نشر [ذلك الدّيك] (١٤) جناحيه وخفق بهما وصرخ بالتّسبيح يقول : سبحان الله الملك القدّوس ، سبحان الله الكبير

__________________

(١) من المصدر.

(٢) المصدر : الزّمن.

(٣) المصدر : وفيها بحار مظلمة وبحار ثلج ورعد.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : فكلّما.

(٥) المصدر : سبعون (تسعون ـ خ ل)

(٦) من المصدر.

(٧) المصدر : سخّر به.

(٨) أ ، ب : ملكا.

(٩) ليس في المصدر.

(١٠) المصدر : استقرّ.

(١١) كذا في المصدر. وفي النسخ : لا تدرك.

(١٢) ليس في أ ، ب ، ر ، المصدر.

(١٣) كذا في المصدر. وفي النسخ : منكبه.

(١٤) من المصدر.

٣١٦

المتعال ، لا إله إلّا هو (١) الحيّ القيّوم. فإذا قال ذلك سبّحت ديوك الأرض كلّها وخفقت بأجنحتها وأخذت في الصّراخ (٢) ، وإذا سكت ذلك الدّيك في السّماء ، سكتت ديوك الأرض كلّها. ولذلك الدّيك زغب (٣) أخضر وريش أبيض ، كأشد [بياض ما رأيته قطّ ، وله زغب أخضر ـ أيضا ـ تحت ريشه الأبيض ، كأشدّ] (٤) خضرة ما رأيتها.

قال : ثمّ مضيت مع جبرئيل فدخلت البيت (٥) المعمور فصلّيت فيه ركعتين ، ومعي أناس من أصحابي عليهم ثياب جدد وآخرون (٦) عليهم ثياب خلقان (٧) ، فدخل أصحاب الجدد وحبس أصحاب الخلقان. ثمّ خرجت فانقاد إليّ نهران : نهر يسمّى : الكوثر ، ونهر يسمّى : الرّحمة ، فشربت من الكوثر واغتسلت من الرّحمة. ثمّ انقادا إليّ جميعا حتّى دخلت الجنّة ، فإذا على حافيتها بيوتي وبيوت أزواجي ، وإذا ترابها كالمسك ، وإذا جارية تنغمس في أنهار الجنّة.

فقلت : لمن أنت ، يا جارية؟

فقال : لزيد بن حارثة.

فبشّرته بها حين أصبحت ، وإذا بطيرها البخت (٨) ، وإذا رمّانها مثل الدّلاء (٩) العظام ، وإذا شجرة لو أرسل طائر في أصلها ما دارها تسعمائة سنة وليس في الجنّة منزل إلّا وفيها قتر (١٠) منها ، فقلت : ما هذه الشّجرة (١١) ، يا جبرئيل؟

فقال : هذه شجرة طوبى ، قال الله (١٢) ـ تعالى ـ : (طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ).

قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : فلمّا دخلت الجنّة رجعت إليّ نفسي ، فسألت جبرئيل عن تلك البحار وهو لها وأعاجيبها.

فقال : هي سرادقات الحجب الّتي احتجب الله ـ تبارك وتعالى ـ بها ، ولو لا تلك

__________________

(١) من ب. وفي المصدر : الله.

(٢) كذا في المصدر. وفي النسخ : أخذت بالصّراخ.

(٣) الزغب : صغار الريش.

(٤) ليس في أ ، ب.

(٥) كذا في المصدر. وفي أ ، ب : في البيت. وفي غيرهما : بالبيت.

(٦) كذا في المصدر. وفي النسخ : آخرين.

(٧) أي : بالية.

(٨) البخت : الإبل الخراسانيّة.

(٩) الدّلاء : جمع الدّلو.

(١٠) القتر : النّاحية والجانب. وفي المصدر : فرع.

(١١) ليس في المصدر.

(١٢) الرّعد / ٢٩.

٣١٧

الحجب ، لتهتّك (١) نور العرش و (٢) كلّ شيء فيه.

وانتهيت إلى سدرة المنتهى ، فإذا الورقة منها تظلّ (٣) أمّة من الأمم ، فكنت منها ، كما قال الله (٤) ـ تبارك وتعالى ـ : (قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) فناداني : (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ). (٥) وقد كتبنا ذلك في سورة البقرة.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : يا ربّ ، أعطيت أنبياءك فضائل فأعطني.

فقال الله ـ عزّ وجلّ ـ : قد أعطيتك فيما أعطيتك كلمتين من تحت عرشي : لا حول ولا قوة إلّا بالله [العليّ العظيم] (٦) ولا منجا منك إلّا إليك.

قال : وعلّمتني الملائكة قولا أقوله إذا أصبحت وأمسيت : «الّلهمّ ، إنّ ظلمي أصبح مستجيرا بعفوك ، وذنبي أصبح مستجيرا بمغفرتك ، وذلّي أصبح مستجيرا بعزّتك ، وفقري أصبح مستجيرا بغناك ، ووجهي الفاني البالي أصبح مستجيرا بوجهك الدّائم الباقي الّذي لا يفنى» (٧).

ثمّ سمعت الأذان ، فإذا ملك يؤذّن لم ير في السّماء قبل تلك اللّيلة ، فقال : الله أكبر ، الله أكبر.

فقال الله ـ عزّ وجلّ ـ : صدق عبدي ، أنا أكبر [من كلّ شيء] (٨).

فقال : أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن لا إله إلّا الله.

فقال ـ عزّ وجلّ ـ : صدق عبدي ، أنا الله لا إله غيري.

قال : أشهد أن محمّدا رسول الله ، أشهد أنّ محمّدا رسول الله.

فقال ـ عزّ وجلّ ـ : صدق عبدي ، أنّ محمّدا عبدي ورسولي ، أنا بعثته وانتجبته.

فقال : حيّ على الصّلاة. حيّ على الصّلاة.

فقال الله ـ عزّ وجلّ ـ : صدق عبدي ، دعا إلى فريضتي. فمن مشى إليها راغبا فيها محتسبا ، كانت له كفّارة لما مضى من ذنوبه.

__________________

(١) المصدر : لهتك.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) المصدر : تظلّ به.

(٤) النّجم / ٩.

(٥) البقرة / ٢٨٥.

(٦) ليس في المصدر.

(٧) يوجد هنا في جميع النسخ زيادة : وأقول ذلك إذا أمسيت.

(٨) ليس في المصدر.

٣١٨

فقال : حيّ على الفلاح. حيّ على الفلاح.

فقال الله : هي الصّلاح والفلاح والنّجاح.

ثمّ أممّت الملائكة في السّماء ، كما أمّمت الأنبياء ـ عليهم السّلام ـ في بيت المقدس. ثمّ غشيتني صبابة (١) فخررت ساجدا ، فناداني ربّي : إنّي قد فرضت على كلّ نبيّ [كان] (٢) قبلك خمسين صلاة ، وفرضتها عليك وعلى أمّتك ، فقم بها أنت في أمّتك.

فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : فانحدرت حتّى مررت على إبراهيم ـ عليه السّلام ـ فلم يسألني عن شيء ، حتّى انتهيت إلى موسى ـ عليه السّلام ـ فقال : ما صنعت ، يا محمّد؟

فقلت : قال ربّي : قد فرضت على كلّ نبيّ كان قبلك خمسين صلاة ، وفرضتها عليك وعلى أمّتك.

فقال : موسى (٣) ـ عليه السّلام ـ : يا محمّد ، إنّ أمّتك آخر الأمم وأضعفها ، وإنّ ربّك لا يردّ عليك شيئا (٤) وإنّ أمّتك لا تستطيع أن تقوم بها ، فارجع إلى ربّك فأسأله التّخفيف لأمّتك.

فرجعت إلى ربّي حتّى انتهيت إلى سدرة المنتهى ، فخررت ساجدا ، ثمّ قلت : فرضت عليّ وعلى أمّتي خمسين صلاة ، ولا أطيق ذلك ولا أمّتي ، فخفّف عنّي ، فوضع عنّي عشرا (٥) ، فرجعت إلى موسى ـ عليه السّلام ـ فأخبرته.

فقال : ارجع إليه لا تطيق.

[فرجعت إلى ربّي ، فوضع عنّي عشرا ، فرجعت إلى موسى ـ عليه السّلام ـ فأخبرته.

فقال : ارجع إليه ، لا تطيق] (٦).

فوضع عنّي عشرا ، فرجعت إلى موسى فأخبرته.

فقال : ارجع.

__________________

(١) الصّبابة : رقّة الشّوق وحرارته.

(٢) من المصدر.

(٣) ليس في أ ، ب ، ر.

(٤) كذا في المصدر. وفي النسخ : وإنّ ربّك لا يزيده شيء.

(٥) المصدر : عشرة.

(٦) ليس في أ ، ب ، ر ، المصدر.

٣١٩

وفي كلّ رجعة أرجع إليه أخرّ ساجدا حتّى رجع إلى عشر صلوات ، فرجعت إلى موسى فأخبرته.

فقال : لا تطيق.

فرجعت إلى ربّي فوضع عنّي خمسا ، فرجعت إلى موسى ـ عليه السّلام ـ فأخبرته (١).

فقال : لا تطيق.

فقلت : قد استحييت من ربّي ، ولكن أصبر عليها.

فناداني مناد : كما صبرت عليها ، فهذه الخمس بخمسين صلاة (٢) ، كلّ صلاة بعشر (٣). ومن همّ من أمّتك بحسنة يعملها فعملها (٤) ، كتبت له عشرا ، وإن لم يعمل ، كتبت عليه واحدة ، وإن لم يعملها ، لم تكتب (٥) عليه.

قال الصّادق ـ عليه السّلام ـ : جزى الله موسى عن هذه الأمّة خيرا. فهذا تفسير قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) (الآية).

وفي من لا يحضره الفقيه (٦) ، بعد أن نقل عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ حديثا : وقال ـ عليه السّلام ـ : إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لمّا اسري به أمره ربّه بخمسين صلاة ، فمرّ على النّبيّين نبيّ نبيّ لا يسألونه عن شيء ، حتّى انتهى إلى موسى بن عمران فقال : بأيّ شيء أمرك ربّك؟

فقال : بخمسين صلاة.

فقال : اسأل ربّك التّخفيف ، فإنّ أمّتك لا تطيق ذلك.

فسأل ربّه ـ عزّ وجلّ ـ فحطّ عنه عشرا ، ثمّ مرّ بالنّبيّين نبيّ نبيّ لا يسألونه عن شيء ، حتّى مرّ بموسى بن عمران فقال : بأي شيء أمرك ربّك؟

فقال : بأربعين صلاة.

فقال : اسأل ربّك التّخفيف ، فإنّ أمّتك لا تطيق ذلك.

فسأل ربّه ـ عزّ وجلّ ـ فحطّ عنه عشرا ، ثمّ مرّ بالنّبيين نبيّ نبيّ لا يسألونه عن شيء ، حتّى مرّ بموسى فقال : بأيّ شيء أمرك ربّك؟

__________________

(١) ليس في أ ، ب ، ر.

(٢ و ٣ و ٤) ليس في المصدر.

(٥) المصدر : أكتب.

(٦) الفقيه ١ / ١٢٥ ـ ١٢٦ ، ح ٦٠٢.

٣٢٠