شرح ابن طولون - ج ٢

أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]

شرح ابن طولون - ج ٢

المؤلف:

أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]


المحقق: الدكتور عبد الحميد جاسم محمّد الفيّاض الكبيسي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-3522-8
الصفحات: ٥٤٤
الجزء ١ الجزء ٢

ويجوز مجيء فاعله مضمرا كفاعل «نعم» ، نحو «مررت برجل (١) فهم رجلا».

وبعضهم يسكّن عينه ، فيقول : «حسن» ، وبعضهم ينقل حركتها مع التّسكين (٢) إلى الفاء ، فيقول : «حسن» (٣).

ويختصّ بجواز جرّ فاعله بالباء ، كقوله :

١٦١ ـ حبّ بالزّور (٥) الّذي لا يرى

 ...

أصله «حبب» فأريد تسكين أوّل المثلين للإدغام فنقلت حركته إلى الحاء.

ثمّ قال :

ومثل نعم حبّذا الفاعل ذا

وإن ترد ذمّا فقل لا حبّذا /

قد اجتمعت دلالته على المدح والذّمّ (٦) في قوله :

١٦٢ ـ ألا حبّذا عاذري في الهوى

ولا حبّذا الجاهل العاذل

__________________

(١) في الأصل : رجل.

(٢) في الأصل : السكين.

(٣) انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ٩٩ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ١١١٨ ـ ١١١٩ ، شرح المرادي : ٣ / ١١٢ ـ ١١٣ ، شرح الأشموني : ٣ / ٤٢ ، الهمع : ٥ / ٥٢ ، شرح الرضي : ٢ / ٣١٩.

١٦١ ـ من المديد ، للطرماح بن حكيم في ديوانه (٩٧) ، وعجزه :

منه إلّا صفحة أو لمام

الزور : بمعنى الزائر. وصفحة كل شيء : جانبه. اللمام : جمع لمة ، وهي الشعر الذي يجاوز شحمة الأذن ، فإذا بلغ المنكبين فهو جمة ، وإذا لم يبلغ شحمة الأذن سمي وفرة ، وتجمع على «لمم» أيضا. والشاهد فيه زيادة الباء في «حب» ، وأدغمت إحدى الباءين من «حبب» في الأخرى ، حيث أن «حب» أصله : «حبب» فأريد تسكين أول المثلين للإدغام فنقلت حركته وهي الضمة إلى الحاء بعد سلب حركتها ، فصار «حب».

انظر شرح الأشموني : ٣ / ٣٩ ، الشواهد الكبرى : ٤ / ١٥ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٩٩ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٥٨٩ ، ٦٠٨ ، الدرر اللوامع : ٢ / ١١٩ ، اللسان : (زور) ، تذكرة النحاة : ٦٨٧ ، أوضح المسالك : ١٧٢ ، النكت الحسان : ١٣٩ ، المقرب : ١ / ٧٨ ، شرح الشاطبي للألفية (رسالة دكتوراه) : ١ / ٦٥.

(٤) في الأصل : بالزوار.

(٥) في الأصل : أخّر الناسخ كلمة «والذم» إلى ما بعد «ألا حبذا» وما أثبته الصواب.

١٦٢ ـ من المتقارب ، ولم أعثر على قائله. عاذري : من عذره فيما صنع ، وضده «عذله» : إذا لامه فيما صنع. والشاهد في قوله : «حبذا» و «لا حبذا» حيث الأولى للمدح ، والثانية للذم.

انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ٩٩ ، الشواهد الكبرى : ٤ / ١٦ ، الهمع (رقم) : ١٤٤٠ ، أوضح المسالك : ١٧٢ ، الدرر اللوامع : ٢ / ١١٧ ، فتح رب البرية : ١ / ٧٣ ، الدرة المضية (رسالة ماجستير) : ٣٦٠.

٤١

والفعل منهما «حبّ» ، و «ذا» هو الفاعل (١).

وقيل : الجميع فعل ، والفاعل ما بعده (٢).

وقيل : الجميع اسم مبتدأ ، وما بعده خبره (٣).

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وأول (٤) ذا المخصوص أيا كان لا

تعدل بذا فهو يضاهي المثلا

قد تقرّر أنّ «ذا» هو فاعل «حبّ» ، فالمرفوع بعده هو المخصوص.

ولا يغيّر «ذا» عن هيئة الإفراد والتّذكير ، ولو اختلف أحوال المخصوص ، بل يقال : «حبّذا الزّيدان ، وحبّذا الزّيدون» ، لأنّه جرى في كلامهم مجرى المثل ، كما يخاطبون (٥) بقولهم : «الصّيف ضيّعت اللّبن» (٦) ـ بكسر التّاء ـ كلّ أحد (٧).

__________________

(١) وهو ظاهر مذهب سيبويه ، قال ابن خروف ـ بعد أن مثل بـ «حبذا زيد» ـ «حب» فعل ، و «ذا» فاعلها ، و «زيد» مبتدأ وخبره «حبذا». هذا قول سيبويه وأخطأ عليه من زعم غير ذلك. انتهى. قال المرادي : وهو المختار.

انظر الكتاب : ١ / ٣٠٢ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ١١١٧ ، شرح المرادي : ٣ / ١٠٨ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٩٩ ، الهمع : ٥ / ٤٥ ، شرح الأشموني : ٣ / ٤٠ ، شرح الرضي : ٢ / ٣١٨ ، شرح ابن عقيل : ٢ / ٤٥ ، الفوائد الضيائية : ٢ / ٣١٦ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٦١٠ ، التسهيل : ١٢٩.

(٢) وهو المخصوص. وإليه ذهب قوم منهم الأخفش وابن درستويه.

انظر شرح المرادي : ٣ / ١٠٨ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٩٩ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ١١٧ ، الهمع : ٥ / ٤٦ ، شرح الأشموني : ٣ / ٤٠ ، شرح الرضي : ٢ / ٣١٨ ، شرح ابن عقيل : ٢ / ٤٥ ، التسهيل : ١٢٩.

(٣) وهو مذهب المبرد وابن السراج وابن هشام اللخمي ، ووافقهما ابن عصفور ونسبه إلى سيبويه. وأجاز بعضهم كون «حبذا» خبرا مقدما ، والمخصوص مبتدأ مؤخرا. وضعف هذين الرأيين ابن مالك في شرح الكافية.

انظر الكتاب : ١ / ٣٠٢ ، المقتضب : ٢ / ١٤٣ ، الأصول : ١ / ١١٥ ، شرح المرادي : ٣ / ١٠٨ ، جمل الزجاجي : ١١٠ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ١١١٧ ، التسهيل : ١٢٩ ، شرح الأشموني : ٣ / ٤٠ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٦١٠ ، شرح ابن عقيل : ٢ / ٤٥ ، شرح الرضي : ٢ / ٣١٨ ، شرح الجمل لابن هشام : ١٩١ ، الهمع : ٥ / ٤٥ ـ ٤٦ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٩٩.

(٤) في الأصل : وأل. انظر الألفية : ١٠٥.

(٥) في الأصل : في لهبون.

(٦) هذا مثل يضرب للرجل يضيع الأمر ثم يريد استدراكه ، وهو في الأصل خوطبت به امرأة وهي : دختنوس بنت لقيط بن زرارة ، كانت تحت عمرو بن عمرو بن عدس ، وكان شيخا كبيرا ، فكرهته فطلقها ، ثم تزوجت فتى جميل الوجه ، وأجدبت ، فبعثت إلى عمرو تطلب منه حلوبة ، فقال عمرو : «الصيف ضيعت اللبن» ، وبعث إليها بلقحة ـ وهي الناقة الحلوب ـ.

٤٢

ويختصّ «حبّذا» بعدم جواز تقدّم المخصوص عليه ، لما ذكر من أنّه جار مجرى المثل.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وما سوى ذا ارفع بحبّ أو فجر

بالبا ودون ذا انضمام الحاكثر

إذا قيل : «حبّ الرّجل زيد» دون «ذا» ، فلك أن تأتي بـ «الرّجل» مرفوعا ، لأنّه هو الفاعل ، ولك أن تجرّه بالباء ، فتقول : «حبّ بالرّجل» ، ولك في أوّله ـ وهو الحاء ـ الفتح والضّمّ.

وهذه المسألة لا تختصّ بـ «حبّ» ، بل هو من جملة ما بني على «فعل» ، للدّلالة على المدح أو الذّمّ ، وقد سبق أنّ في صيغته ثلاث لغات ، وأنّ في الاسم الّذي بعده وجهان (١) / ، فإفراد المصنّف لها بالذّكر يوهم اختصاص الحكمين بها ، وليس كذلك.

وكذلك إفراده (٢) «ساء» بالذّكر ليس بشيء ، فإنّها من جملة هذا القسم ، فإنّ أصلها «سوء» قلبت واوها ألفا لتحرّكها ، وانفتاح ما قبلها ، فهي كـ «جاد الرّجل زيد» و «فاق الّرجل زيد».

__________________

وإنما خص الصيف لأن سؤالها الطلاق كان في الصيف ، أو أن الرجل إذا لم يطرق ماشيته في الصيف كان مضيعا لألبانها عند الحاجة. ويروى : «في الصّيف ضيّعت اللّبن».

انظر مجمع الأمثال للميداني : ٢ / ٤٣٤ ، جمهرة الأمثال للعسكري : ١ / ٥٧٥ ، اللسان (ضيع) ، التصريح على التوضيح : ٢ / ١٠٠ ، شرح ابن عقيل : ٢ / ٤٥ ، شرح الألفية للشاطبي (رسالة دكتوراه) : ١ / ٦٣ ، الخزانة : ٤ / ١٠٥ ، الفاخر : ٩٠.

في الأصل : إحدى. وهذا رأي ابن مالك والأكثرين ونسب للخليل وسيبويه. وقال ابن كيسان : إنما لم يختلف «ذا» لأنه إشارة أبدا إلى مذكر محذوف ، والتقدير في «حبذا هند» : «حبذا حسن هند» ، وكذا باقي الأمثلة. ورد بأنه دعوى بلا دليل. وقال الفارسي في البغداديات : لأن «ذا» جنس شائع فالتزم فيه الإفراد كفاعل «نعم وبئس» المضمر ، ولهذا يجامع التمييز ، فيقال : «حبذا زيد رجلا».

انظر الكتاب : ١ / ٣٠٢ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ١١١٧ ، المسائل المشكلة (البغداديات) : ٢٠١ ، شرح المرادي : ٣ / ١١٠ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ١٠٠ ، شرح الأشموني : ٣ / ٤١ ، الهمع : ٥ / ٤٥ ـ ٤٦.

(١) انظر ص ٤٠ / ج ٢ من هذا الكتاب.

(٢) في الأصل : افراه.

٤٣

الباب السابع والثلاثون

أفعل التفضيل

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

أفعل التّفضيل (١)

صغ من مصوغ منه للتّعجّب

أفعل للتّفضيل وأب اللّذ أبي

أفعل التّفضيل : اسم ، لدخول علامات الأسماء عليه من الجرّ والإضافة و «أل» ، ممتنع الصّرف ، للزوم الوصفيّة ، ووزن الفعل (٢) ، ولا يتصرّف عن صيغة (٣) «أفعل» ، إلّا أنّ الهمزة حذفت في الأكثر من «خير ، وشرّ» ، لكثرة الاستعمال (٤) ، وقد يعامل معاملتهما في (٥) ذلك «أحبّ» ، كقوله :

١٦٣ ـ ...

وحبّ شيء إلى الإنسان ما منعا

__________________

(١) هو اسم مصوغ للدلالة على أن شيئين اشتركا في صفة وزاد أحدهما على الآخر فيها. وقال الأزهري : هو الوصف المبني على «أفعل» لزيادة صاحبه على غيره. وقال ابن الحاجب : اسم التفضيل ما اشتق من فعل الموصوف بزيادة على غيره ، وهو «أفعل».

انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ١٠٠ ، شرح الكافية للرضي : ٢ / ٢١٢ ، تاج علوم الأدب : ٣ / ٨٨٢ ، الفوائد الضيائية : ٢ / ٢١١ ، حاشية الخضري : ٢ / ٤٦ ، معجم المصطلحات النحوية : ١٧٤ ، معجم النحو : ١١.

(٢) ويجوز صرفه في ضرورة الشعر عند البصريين خلافا للكوفيين. انظر الإنصاف (مسألة : ٦٩) : ٢ / ٤٨٨.

(٣) في الأصل : صيغته.

(٤) وقال الأخفش : لأنهما لما لم يشتقا من فعل خولف لفظهما. انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ١٠١.

(٥) في الأصل : في معاملتها. تقديم وتأخير. راجع الأشموني : ٣ / ٤٣.

١٦٣ ـ من البسيط للأحوص في ديوانه (١٣٣) ، وصدره :

وزادني كلفا بالحبّ أن منعت

ويروى : «وحب شيئا» بدل «وحب شيء». والشاهد في قوله : «وحب» حيث حذفت منه الهمزة ، والأصل فيه «أحب» ، وذلك معاملة له معاملة «خير وشر» في حذف الهمزة منهما لكثرة الاستعمال.

٤٤

وقد يستعمل «خير ، وشرّ» على الأصل كقراءة (١) بعضهم : (مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ)(٢) [القمر : ٢٦] ، ونحو :

١٦٤ ـ بلال خير (النّاس) (٤) وابن الأخير

ولا يصاغ أفعل التّفضيل إلا ممّا يصاغ منه أفعل التعجّب (بالشّروط المتقدّمة ، وما امتنع صوغ أفعل التّعجّب) (٥) منه لفقدها أو فقد بعضها ـ امتنع صوغ أفعل التّفضيل منه ، ولذلك حكم بندور قولهم : «ألصّ من شظاظ» (٦) ، وقوله (٧) :

١٦٥ ـ ...

فأنت أبيضهم سربال طبّاخ

__________________

انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ١٠١ ، شرح الأشموني : ٣ / ٤٣ ، تذكرة النحاة : ٤٨ ، ٦٠٤ ، نوادر أبي زيد : ١٩٨ ، الأغاني : ٤ / ٧٣ ، الهمع (رقم) : ١٧٦٦ ، الدرر اللوامع : ٢ / ٢٢٤ ، اللسان (حبب) ، العقد الفريد : ٣ / ١٤١.

(١) في الأصل : كقرة.

(٢) وذلك بتشديد الراء من «الأشرّ» وهو أفعل من الشر ، وهو شاذ ، وهو الأصل المرفوض لـ «شر» ، وهي قراءة أبي قلابة.

انظر القراءات الشاذة : ١٤٧ ، إملاء ما من به الرحمن : ٢ / ٢٥٠ ، المحتسب : ٢ / ٤٠٩ ، شرح الأشموني : ٣ / ٤٣ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ١٠١ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ١١٢٧ ، الهمع : ٦ / ٤٥.

١٦٤ ـ من الرجز ، نسب في البحر المحيط (٨ / ١٨٠) لرؤبة (وليس في ديوانه). والشاهد في قوله : «الأخير» حيث جاء «خير» على الأصل بدون حذف همزته ، وهو قليل ، والأكثر حذفها.

انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ١٠١ ، شرح الأشموني : ٣ / ٤٣ ، الهمع (رقم) : ١٧٦٤ ، الدرر اللوامع : ٢ / ٢٢٤ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ١١٢٧ ، تذكرة النحاة : ٤٧ ، الدرة المضية (رسالة ماجستير) : ٣٦٤.

(٣) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر المراجع المتقدمة.

(٤) ما بين القوسين ساقط من الأصل. راجع شرح ابن عقيل : ٢ / ٤٦.

(٥) هذا مثل يضرب في المبالغة والتناهي. وشظاظ : هو شظاظ الضبي ، وكان لصا يقطع الطريق مع مالك بن الرّيب المازني. ويروى : «ألصّ من شظاظ ومن سرحان» ، ويروى أيضا : «أسرق من شظاظ».

انظر مجمع الأمثال : ٢ / ١٣١ ، ٣ / ٢٣٠ ، المستقصى في الأمثال : ١ / ٣٢٨ ، جمهرة الأمثال : ٢ / ١٨٠ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ١١٢٣ ، الخزانة : ٢ / ٢١٠ ، شرح المرادي : ٣ / ١١٤ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ١٠١ ، شرح أبيات المغني : ٥ / ١٥ ، الدرة المضية (رسالة ماجستير) : ٣٦٥.

(٦) في الأصل : وقولهم.

١٦٥ ـ من البسيط لطرفة بن العبد من قصيدة له في ديوانه (١٥) ، يهجو بها عمرو بن هند ، وصدره :

٤٥

وقولهم : «هو أشغل من ذات النّحيين» (١).

إذ الأوّل : لا فعل له ، والثّاني : فعله زائد على الثلاثيّ ، والثّالث : فعله لازم البناء للمفعول.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى / :

وما به إلى تعجّب وصل

لمانع به إلى التّفضيل صل

أي : ما وصل به إلى التعجّب ممّا لا يصحّ بناء فعله منه ـ يتوصّل به إلى التّفضيل ممّا لا يسوغ (٢) بناء أفعل التّفضيل منه ، فيقال : «هذا أكثر لصوصيّة ، وأشدّ انطلاقا ، وأعظم كونا في الدّار» ، ونحوه.

__________________

إذا الرّجال شتوا واشتدّ أكلهم

ويروى :

أمّا الملوك فأنت اليوم ألأمهم

لؤما وأبيضهم سربال طبّاخ

ويروى :

إن قلت نصر فنصر كان شرّفني

قدما وأبيضهم سربال طبّاخ

شتوا : أي : صاروا في زمن الشتاء ، وهو عندهم زمان الجدب والقحط ، وفيه يظهر كرم الكرام وبخل البخلاء. والمراد بقوله : «اشتد أكلهم» أنه تعسر على أكثرهم الحصول على ما يأكلون. والمراد بقوله : «فأنت أبيضهم ... الخ» أنه قليل الطبخ ، فسرباله نقي من دهن اللحم وغيره ، وهذا كناية عن شدة البخل. والشاهد في قوله : «أبيضهم» حيث جاء أفعل التفضيل مما فعله زائدا على الثلاثة ، وهو «أبيض» وذلك نادر.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٣٢٥ ، جمل الزجاجي : ١٠٢ ، الحلل : ١٣٦ ، الإنصاف : ١٤٩ ، شرح ابن يعيش : ٦ / ٩٣ ، المقرب : ١ / ٧٣ ، حاشية يس : ٢ / ١٠٦ ، اللسان (بيض ، عمي) ، معاني الفراء : ٢ / ١٢٨ ، تاج علوم الأدب : ٣ / ٨٨٣ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٥٧٨ ، المقتصد : ١ / ٣٨١ ، شرح الجمل لابن هشام : ١٨٥ ، تذكرة النحاة : ٤٦٧ ، أمالي المرتضى : ١ / ٩٢ ، الخزانة : ٨ / ٢٣٠ ، ٢٣٧.

(١) هذا مثل. وذات النحيين : امرأة من بني تيم الله بن ثعلبة ، كانت تبيع السمن في الجاهلية ، فأتاها خوات بن جبير الأنصاري قبل إسلامه يبتاع منها سمنا ، فلم ير عندها أحدا ، وساومها فحلت له نحيا مملوءا ، فقال : أمسكيه حتى أنظر إلى غيره ، ثم حل آخر وقال لها : أمسكيه ، فلما شغل يديها ساورها فلم تقدر على دفعه حتى قضى ما أراد وهرب ، ثم أسلم فشهد بدرا رضي‌الله‌عنه.

انظر مجمع الأمثال : ٢ / ١٨٤ ، المستقصى في الأمثال : ١ / ١٩٦ ، جمهرة الأمثال : ٢ / ٣٢٢ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ١١٢٧ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ١٠١ ، الإرشاد للكيشي : ١٠١ ، اللسان (نحا) ، شرح الأشموني : ٣ / ٤٤ ، الفاخر : ٧٠ ، الهمع : ٦ / ٤٢ ، ٤٣.

(٢) في الأصل : يصوغ.

٤٦

ثمّ قال رحمه‌الله :

وأفعل التّفضيل صله أبدا

تقديرا او لفظا بمن إن جرّدا

لا يستقيم معنى التّفضيل إلّا من مفضّل ومفضّل عليه ، ولفظ دالّ على التّفضيل ، ولذلك وجب أن يوصل أفعل التّفضيل ـ إذا جرّد من «أل» والإضافة ـ باسم مجرور بـ «من» (١) يكون هو المفضّل عليه ، فإن ظهر في اللّفظ ، نحو (أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً) [ق : ٣٦] ، وإلا قدّر نحو (أَكْثَرُ أَمْوالاً) [سبأ : ٣٥] ، تقديره : منكم.

وأكثر ما يحذف إذا كان «أفعل» خبرا ـ كما مثّل ـ ويقلّ إذا كان صفة أو حالا (٢).

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وإن لمنكور يضف أو جرّدا

ألزم تذكيرا وأن يوحّدا

وتلو أل طبق وما لمعرفه

أضيف ذو وجهين عن ذي معرفه

هذا إذا نويت معنى من وإن

لم تنو فهو طبق ما به قرن

لأفعل التّفضيل ثلاثة أحوال :

أحدها : أن يضاف إلى نكرة ، أو يجرّد من الإضافة ، ويؤتى بالمفضّل عليه مجرورا بـ «من» / : إمّا في اللّفظ ، وإمّا في التّقدير ، فيلزم لفظ الإفراد والتّذكير ،

__________________

(١) اختلف في «من» المصاحبة لـ «أفعل» التفضيل : فذهب المبرد ومن وافقه إلى أنها لابتداء الغاية. وذهب سيبويه إلى أنها لابتداء الغاية أيضا ، وأشار إلى أنها مع ذلك تفيد معنى التبعيض ، فقال في «هو أفضل من زيد» : فضله على بعض ولم يعم. وذهب في شرح التسهيل إلى أنها لمعنى المجاوزة ، فإن القائل : «زيد أفضل من عمرو» كأنه قال : جاوز زيد عمرا في الفضل.

انظر المقتضب : ٤ / ١٨٢ ، الكتاب : ٢ / ٣٠٧ ، شرح المرادي : ٣ / ١١٥ ، شرح الأشموني : ٣ / ٤٥.

(٢) مثال الصفة قوله :

تروّحي أجدر أن تقيلي

غدا بجنبي بارد ظليل

أي : تروحي وأتي مكانا أجدر من غيره بأن تقيلي فيه. ومثال الحال قوله :

دنوت وقد خلناك كالبدر أجملا

فظلّ فؤادي في هواك مضلّلا

أي : دنوت أجمل من البدر وقد خلناك كالبدر.

انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ١٠٣ ، شرح ابن عقيل : ٢ / ٤٧ ، شرح الأشموني : ٣ / ٤٥ ـ ٤٦ ، شرح ابن الناظم : ٤٨٠.

٤٧

وإن اختلف أحوال المفضّل عليه ، نحو (أَنَا أَكْثَرُ (مِنْكَ)(١) مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً [الكهف : ٣٤] ، (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى) [الضحى : ٤] ، (لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا) [يوسف : ٨] ، (أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ) [الحديد : ١٠] ، وفي الحديث : «هنّ أغلب» (٢).

إلّا أنّ المضاف إلى نكرة يجب فيه وقوع المطابقة بالمضاف إليه (٣) ، نحو «هند أفضل امرأة ، والزّيدان أفضل رجلين ، والزّيدون أفضل رجال ، ونساءك أفضل نساء».

فأمّا قوله : (وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ) [البقرة : ٤١] فتقديره : أوّل فريق كافر به.

الثّاني (٤) : أن يكون معرّفا بـ «أل» فيجب مطابقته (٥) لما قبله من موصوف أو مبتدأ ، نحو «زيد الأفضل ، وهند الفضلى ، والزّيدان الأفضلان ، والهندان الفضليان ، والزّيدون الأفضلون ، والهندات الفضليات» ، وإن شئت «الفضل».

الثّالث (٦) : أن يضاف إلى معرفة ، فيجوز فيه الوجهان : عدم المطابقة ، وهو الأكثر ، نحو (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ) [البقرة : ٩٦] ، والمطابقة ، نحو (أَكابِرَ مُجْرِمِيها) [الأنعام : ١٢٣] ، وإنّما يجوز الوجهان إذا كان «أفعل» باقيا على معنى المفاضلة ، بأن تكون «من» مقدّرة فيه ، أمّا إن أوّل «أفعل» بما لا يفضّل فيه على غيره ، نحو «النّاقص والأشجّ / أعدلا بني مروان» (٧) وجبت المطابقة.

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط من الأصل.

(٢) روى ابن ماجه في سننه (حديث رقم : ٩٤٨) : عن أمّ سلمة قالت : كان النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلّي في حجرة أمّ سلمة فمرّ بين يديه عبد الله أو عمر بن أبي سلمة ، فقال بيده ، فرجع ، فمرّت زينب بنت أمّ سلمة فقال بيده هكذا ، فمضت ، فلمّا صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «هنّ أغلب». وانظر مسند أحمد : ٦ / ٢٩٤ ، كنز العمال رقم : ٢٢٥٩٩.

(٣) أي : يجب فيه مطابقة المضاف إليه الموصوف. انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ١٠٤ ، شرح الأشموني : ٣ / ٤٨.

(٤) في الأصل : الثانية.

(٥) في الأصل : مطابقة.

(٦) في الأصل : الثالثة.

(٧) أي : عادلاهم.

انظر شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ١١٤٣ ، المقرب : ١ / ٢١٢ ، شرح ابن عقيل : ٢ / ٤٨ ، البهجة المرضية : ١٢٠ ، شرح المرادي : ٣ / ١٢١ ، شرح الأشموني : ٣ / ٤٩ ، شرح ابن

٤٨

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وإن تكن بتلو من مستفهما

فلهما كن أبدا مقدّما

كمثل ممّن أنت خير ولدى

إخبار التّقديم نزرا وجدا

إذا كان المفضّل عليه مجرورا بـ «من» ـ وجب تقديمه على أفعل التّفضيل ، إن كان اسم استفهام أو مضافا إليه ، نحو «ممّن أنت خير ، ومن غلام من أنت أفضل» ، لما تقدّم (١) من أنّ الاستفهام له صدر الكلام ، وفي غير ذلك فتأخيره (٢) واجب ، وقد يتقدّم قليلا ، نحو :

١٦٦ ـ ... وزوّدت

جنى النّحل بل ما زوّدت منه أطيب

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

__________________

الناظم : ٤٨٣ ، شرح دحلان : ١٢٠ ، شرح المكودي : ٢ / ٤ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ١٠٥ ، شرح الألفية للشاطبي (رسالة دكتوراه) : ١ / ٩٠ ، التحفة المكية (رسالة ماجستير) : ١٨١.

والناقص : هو يزيد بن الوليد بن عبد الملك ، لقب بذلك لأن سلفه الوليد كان قد زاد في أعطيات الجند ، فلما ولي يزيد نقص الزيادة ، ويقال : أول من لقبه بذلك مروان بن محمد.

انظر البداية والنهاية : ١٠ / ١١ ، تذكرة النحاة : ٤٢٠ ، حاشية الخضري : ٢ / ٤٨ ، حاشية ابن حمدون : ٢ / ٥ ، الأعلام : ٨ / ١٩١.

والأشج : هو عمر بن عبد العزيز بن مروان ، لقب بذلك لأثر حافر فرس شجه في جبهته وهو صغير. انظر شذرات الذهب : ١ / ١١٩ ، الأعلام : ٥ / ٥٠ ، حاشية الخضري : ٢ / ٤٨ ، حاشية ابن حمدون : ٢ / ٤.

(١) في الأصل : تقدر.

(٢) في الأصل : فتأخره.

١٦٦ ـ من الطويل ، للفرزدق من قصيدة له في ديوانه (٣٢) ، وتمامه :

فقالت لنا أهلا وسهلا وزوّدت

جنى النّحل بل ما زوّدت منه أطيب

ويروى : «وقالت» بدل «فقالت» ، ويروى «أو ما زودت هو أطيب» وعليها فلا شاهد فيه ، ويروى : «أو ما زودت منه أطيب». جنى النحل : أي ما يجنى منه ، وهو العسل. والشاهد في قوله : «منه أطيب» حيث قدم «من» ومجرورها على أفعل التفضيل مع أن المجرور بـ «من» غير استفهام ، وهو قليل ، والمعنى : بل الريق الذي زودته أطيب من جنى النحل.

انظر المكودي مع ابن حمدون : ٢ / ٥ ، شرح الأشموني : ٣ / ٥٢ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ١١٣٣ ، تذكرة النحاة : ٤٧ ، الشواهد الكبرى : ٤ / ٤٣ ، شرح ابن يعيش : ٢ / ٦٠ ، الهمع (رقم) : ١٥٠٤ ، الدرر اللوامع : ٢ / ١٣٧ ، شرح ابن عقيل : ٢ / ٤٩ ، شواهد الجرجاوي : ١٩٧ ، شرح المرادي : ٣ / ١٢٧ ، كاشف الخصاصة : ٢٢٢ ، شواهد العدوي : ١٩٧.

٤٩

ورفعه الظاهر نزر ومتى

عاقب فعلا فكثيرا ثبتا

كلن ترى في النّاس من رفيق

أولى به الفضل من الصّدّيق

فاعل أفعل التّفضيل لا يكون إلّا ضميرا مستترا ، ولا يرفع اسما ظاهرا ، ولا ضميرا منفصلا ، إلّا قليلا ، كـ «مررت برجل أفضل منه أبوه» ، و «ما أفضل من زيد إلّا هو» ، وهي لغة ذكرها سيبويه (١).

أما متى عاقب الفعل ـ بأن يقع بعد نفي ، ويكون مرفوعه أجنبيّا مفضّلا على نفسه باعتبارين ـ فإنّ رفعه الظّاهر حينئذ كثير مطّرد ، كالمثال الذي مثّل به النّاظم (٢) / ، وكقولهم : «ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد» (٣).

__________________

(١) فيرفع بأفعل التفضيل الظاهر مطلقا ، وذلك بخفض أفعل بالفتحة على أنه صفة لـ «رجل» وبرفع «الأب» و «هو» على الفاعلية بـ «أفعل» على معنى فاقه في الفضل أبوه أو هو ، وأكثر العرب يوجب رفع «أفضل» في ذلك على أنه خبر مقدم ، و «أبوه» أو «هو» مبتدأ مؤخر وفاعل «أفضل» ضمير مستتر فيه عائد على المبتدأ ، والجملة من المبتدأ والخبر في موضع خفض نعت له «رجل» ورابطها ما حل محله. وأجمعوا على أنه لا ينصب المفعول به ، فإن ورد ما يوهم جواز ذلك جعل نصبه بفعل مقدر يفسره أفعل ، كقوله تعالى : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) ، فـ «حيث» هنا مفعول به لا مفعول فيه ، وهو في موضع نصب بفعل مقدر يدل عليه «أعلم».

انظر الكتاب : ١ / ٢٣٢ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ١١٤١ ، شرح المرادي : ٣ / ١٢٧ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ١٠٦ ، شرح الأشموني : ٣ / ٥٣.

(٢) وهو «لن ترى في الناس من رفيق أولى به الفضل من الصديق» ، قال ابن هشام : «والأصل : «من ولاية الفضل بالصديق» ، ثم «من فضل الصديق» ، ثم «من الصديق». انتهى. قال ابن حمدون : «وتقدير الموضح مضافين بأن قال : «من ولاية الفضل بالصديق» فاسد ولا معنى له ، لأن الضمير في منه في الأصل لا يعود على «أولى» وإنما يعود على «الفضل» كما رده بعض حواشيه». انتهى. وقال المرادي : «والأصل : «أولى به الفضل منه بالصديق» فاختصر. انتهى. فوقع الاسم الظاهر بين ضميرين أحدهما للموصوف ، وهو «به» ، وثانيهما للاسم الظاهر ، وهو «منه» ، فحذفت الباء من «بالصديق» ، وجعل موضع الضمير اسم ظاهر موافق لمعاده ، وأضيف ذلك الظاهر إلى ما بعده ، ولهذا أبدل الضمير ظاهرا ، فصار «أولى به الفضل من فضل الصديق» ، ثم حذف المضاف الذي هو «فضل» ، فدخلت «من» على «الصديق». قال ابن حمدون : «فيكون المقدر بين «من» و «الصديق» مضافا واحدا ، وهو «فضل». هذا هو الصواب ، كما في المرادي». انتهى. والمراد بـ «الصّدّيق» أبو بكر الصّدّيق رضي‌الله‌عنه.

انظر في ذلك أوضح المسالك : ١٧٦ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ١٠٧ ، المكودي مع ابن حمدون : ٢ / ٦ ، شرح المرادي : ٣ / ١٢٨ ، شرح الأشموني : ٣ / ٥٥ ، البهجة المرضية : ١٢١.

(٣) فـ «أحسن» أفعل تفضيل ، وهو صفة لـ «رجل» وهو اسم جنس مسبوق بنفي ، ومرفوعه

٥٠

فالأوّل واقع موقع قولك : لن ترى (١) في النّاس (من) (٢) رفيق يلي به الفضل كولايته (٣) الصّدّيق.

والثّاني موقع : ما رأيت رجلا يحسن في عينه الكحل كحسنه في عين زيد».

__________________

«الكحل» وهو أجنبي من الموصوف ، لكونه لم يتصل بضميره ، فلو رفع على الابتداء لفصل «أحسن» بينه وبين معموله ـ وهو منه ـ بأجنبي وهو «الكحل» ، و «الكحل» مفضل على نفسه باعتبارين : فباعتبار كونه في عين زيد فاضل ، وباعتبار كونه في عين غيره مفضول ، والمعنى : أن الكحل في عين زيد أحسن من نفسه في عين غيره من الرجال. ونقل عن الرماني جواز ذلك في المثبت نحو «مررت برجل أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد».

قال الرضي : والسماع لم يثبت إلا في المنفي ، وقال : ولا منع أن يستعمل في ذلك ما يفيد النفي وإن لم يكن صريحا فيه نحو «قلما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل» وقاس ابن مالك على النفي : النهي والاستفهام.

انظر الكتاب : ١ / ٢٣٢ ، المقتضب : ٣ / ٢٤٨ ـ ٢٤٩ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ١١٤٠ ، الهمع : ٥ / ١٠٧ ـ ١٠٨ ، شرح الألفية للشاطبي (رسالة دكتوراه) : ١ / ٩٦ ، شرح المرادي : ٣ / ١٢٧ ، الوضع الباهر ورفع أفعل الظاهر لابن الصائغ : ٢٦ ـ ٢٧ ، تاج علوم الأدب : ٣ / ٨٨٥ ، شرح الرضي : ٢ / ٢١٩ ، ٢٢١ ، التحفة المكية (رسالة ماجستير) : ١٨٤ ، شرح الأشموني : ٣ / ٥٤ ، شرح ابن عقيل : ٢ / ٥٠ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ١٠٦.

(١) في الأصل : لمن يرى.

(٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل.

(٣) في الأصل : كولاية.

٥١

الباب الثامن والثلاثون

النعت

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

النّعت

يتبع في الإعراب الاسماء الأول

نعت وتوكيد وعطف وبدل

التّابع : هو التّالي لما قبله ، مشاركا له في إعرابه وعامله (١).

وأصول التّوابع أربعة ، إلّا أنّها باعتبار انقسام العطف إلى : بيان ونسق ، والتّأكيد إلى : لفظيّ ومعنويّ ـ تصير ستّة.

ثمّ هذه التّوابع إنّما تتبع ما قبلها ، فلا يتقدّم التّابع على متبوعه :

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

فالنّعت تابع متمّ ما سبق

بوسمه أو وسم ما به اعتلق

تابع : جنس ، يشمل جميع التّوابع ، خرج بالفصل الأوّل : وهو كونه متمّما لمتبوعه : النّسق ، وبكون التّتميم يرجع إلى معناه تارة ، وإلى معنى ما يتعلّق به أخرى : التّأكيد ، وعطف البيان ، ودخل قسما النّعت : الموضّح لمعنى في متبوعه ، نحو «جاءني زيد الكريم» ، والموضّح (٢) لمعنى فيما يتعلّق بمتبوعه ، نحو «رأيت الرّجل الكريم (أبوه) (٣)» (٤).

__________________

(١) وقال ابن مالك : هو ما ليس خبرا من مشارك ما قبله في إعرابه وعامله مطلقا. وفي شرح المرادي : هو المشارك ما قبله في إعرابه الحاصل والمتجدد غير خبر. وقال المرتضي : هو ما أفاد تأكيد سابقه أو إيضاحه أو مشاركته في الحكم.

انظر في ذلك التسهيل : ١٦٣ ، شرح المرادي : ٣ / ١٣٠ ، تاج علوم الأدب : ٣ / ٩١٢ ، شرح الأشموني : ٣ / ٥٧ ، شرح المكودي : ٢ / ٧ ، شرح دحلان : ١٢١ ، شرح ابن عقيل : ٢ / ٥١ ، شرح الرضي : ١ / ٢٩٨ ، الفوائد الضيائية : ٢ / ٣٠ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ١١٤٦.

(٢) في الأصل : والموضع.

(٣) ما بين القوسين ساقط من الأصل. راجع التصريح : ٢ / ١٠٨.

(٤) انظر شرح المرادي : ٣ / ١٣٢ ، شرح المكودي : ٢ / ٨ ، شرح الأشموني : ٣ / ٥٩ ، شرح ابن عقيل : ٢ / ٥١ ، شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١١٥٣ ـ ١١٥٤ ، التصريح على التوضيح :

٥٢

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وليعط في التّعريف والتّنكير ما

لما تلا كامرر بقوم كرما /

وهو لدى التّوحيد والتّذكير أو

سواهما كالفعل فاقف ما قفوا

يجب موافقة النّعت في التّعريف والتّنكير المنعوت (١) مطلقا ، كما يجب تبعيّته (٢) في أحد ألقاب الإعراب الثّلاثة مطلقا ، كالبسملة ، و (٣) (قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ) [غافر : ٢٨] ، (وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً) [الكهف : ٣١].

وأمّا مطابقته له في التّوحيد ـ والمراد به : الإفراد ـ وضدّيه ـ وهما : التّثنية والجمع ـ والتّذكير وضدّه ـ وهو التّأنيث ـ ، فهو فيها بمنزلة الفعل.

فإن (٤) رفع (الوصف) (٥) ضمير موصوفه المستتر ـ سمّي جاريا على من هو له ، وتعيّنت المطابقة نحو (فِي مَقامٍ أَمِينٍ) [الدخان : ٥١] ، (فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) [الحاقة : ٢١] ، (كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ) [التحريم : ١٠] ، (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) [النمل : ١٢] ، (تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ) [الإسراء : ١٠١] ، كما تقول في الفعل «زيد قام ، وهند قامت ، والزّيدان قاما ، والزّيدون قاموا ، والهندات قمن».

وإن رفع الوصف اسما ظاهرا ، أو ضميرا بارزا ـ سمّي جاريا على غير من هو له ، ولزم صيغة الإفراد والتّذكير ، إلا حيث يصحّ إلحاق الفعل علامة التّأنيث ، نحو «مررت برجل كريم أبوه ، والمرأة الكريم أبوها ، ورأيت رجلين كريما

__________________

٢ / ١٠٨. وقال ابن مالك في التسهيل : التابع المقصود بالاشتقاق وضعا أو تأويلا مسوقا لتخصيص أو تعميم أو تفصيل أو مدح أو ذم أو ترحم أو إيهام أو توكيد. وقال ابن الحاجب : النعت تابع يدل على معنى في متبوعه مطلقا. وقال ابن عصفور : النعت عند النحويين عبارة عن اسم أو ما هو في تقدير اسم يتبع ما قبله لتخصيص نكرة أو لإزالة اشتراك عارض في معرفة أو مدح أو ذم أو توهم أو تأكيد مما يدل على حليته أو نسبه أو فعله أو خاصة من خواصه.

انظر التسهيل : ١٦٧ ، شرح الكافية للرضي : ١ / ٣٠١ ، التعريفات : ٢٤٢ ، شرح ابن عصفور : ١ / ١٩٣ ، الهمع : ٥ / ١٧١ ، معجم المصطلحات النحوية : ٢٢٦ ، معجم مصطلحات النحو : ٢٨٣ ، الفوائد الضيائية : ٢ / ٣٣ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٥٧٩ ، معجم النحو : ٢٠٤.

(١) في الأصل : النعت والتنكير. بدل : المنعوت.

(٢) في الأصل : تبيعته.

(٣) في الأصل : الواو. ساقط.

(٤) في الأصل : إن.

(٥) ما بين القوسين ساقط من الأصل. راجع التصريح : ٢ / ١٠٩.

٥٣

أبواهما ، ورجالا كريما آبائهم» ، كما تقول : «مررت برجل قام أبوه ، وبامرأة قام أبوها» إلّا أنّك تقول : «بالرّجل الكريمة أمّه».

ومن قال في الفعل : «قاما أبواك ، وقاموا إخوتك» قال / في الوصف : «مررت برجلين قائمين أبواهما ، وبرجال قائمين إخوتهم».

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وانعت بمشتقّ كصعب وذرب

وشبهه كذا وذي والمنتسب

أصل النّعت أن يكون بالمشتقّ ، وهو ما دلّ على الحدث (١) وصاحبه ، كاسم الفاعل ، واسم المفعول ، والصّفة المشبّهة ، وأفعل التّفضيل ، نحو (هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ) [الحشر : ٢٤] ، (ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ) [هود : ١٠٣] ، و «مررت برجل صعب ، وبرجل ذرب ـ وهو الماهر في الأمور (٢) ـ ، ومررت برجل أفضل منك».

وينعت بشبه المشتقّ ، وهو ما أوّل به ، كـ «ذا» ، وغيره من أسماء الإشارة (٣) ، نحو «مررت بأخيك هذا ، وبأختك تلك» ، و «ذي» بمعنى : صاحب ، نحو «يمرّ (٤) راكب ذو شارة» ، والمنسوب نحو «وإن تأمّر عليكم عبد حبشيّ» (٥).

__________________

(١) في الأصل : الحديث.

(٢) قال المكودي : والذّرب ـ بالذال المعجمة ـ هو الحاذق من كل شيء ، وقال ابن حمدون : ويصح أن يكون بالمهملة ، ومعناه : الخبير بالأشياء المجرب لها. وفي اللسان : الذرب : الحاد من كل شيء ، وذرب الرجل إذا فصح لسانه بعد حصره ، ولسان ذرب : حديد الطرف ، وفيه ذرابة أي : حدة ، ويقال : قد ذرب لسان الرجل يذرب إذا فسد ، وذربت معدته إذا فسدت.

انظر المكودي مع ابن حمدون : ٢ / ٩ ، اللسان : ٣ / ١٤٩٢ (ذرب) ، المصباح المنير : ١ / ٢٠٧ (ذرب) ، حاشية الصبان : ٣ / ٦٢.

(٣) هذا مذهب البصريين واختاره ابن مالك. وذهب الكوفيون وتبعهم السهيلي إلى أن أسماء الإشارة لا ينعت بها لجمودها ، وهو مذهب الزجاج.

انظر شرح المرادي : ٣ / ١٣٩ ، شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١١٥٨ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ١١١ ، الهمع : ٥ / ١٧٧ ، نتائج الفكر : ٢١٤ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٥٨٦ ، المقتضب : ٤ / ٢١٩.

(٤) في الأصل : تمر.

(٥) روى البخاري في صحيحه (٩ / ٧٨) عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأنّ رأسه زبيبة».

٥٤

إذ الأوّل في تأويل : الحاضر ، والثّاني في تأويل : صاحب ، والثّالث في تأويل : منسوب إلى الحبشة ، إلى غير ذلك ممّا يؤول بالمشتقّ (١).

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

ونعتوا بجملة منكّرا

فأعطيت ما أعطيته خبرا

تختصّ النّكرات بجواز نعتها بالجمل ، سواء كان تنكيرها لفظا ومعنى ، نحو (فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى) [طه : ٢٠] ومعنى لا لفظا ، نحو (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) [يس : ٣٧] ونحوه من المعرّف بـ «أل» الجنسيّة.

ويلزم الجملة / ما يلزمها إذا وقعت خبرا من الاشتمال على ضمير مطابق ، (إمّا ملفوظ ـ كما مثّل ـ) (٢) ، وإمّا مقدّر ، نحو (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) [البقرة : ٤٨] أي : فيه.

والظّرف (٣) والجارّ والمجرور بمنزلة الجملة في أنّه لا ينعت بهما إلّا النّكرات ، لأنّهما في معنى الجملة.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وامنع هنا إيقاع ذات الطّلب

فإن أتت فالقول أضمر تصب

الجملة المنعوت بها بمنزلة المخبر بها ، فلا تكون طلبيّة لعدم الفائدة ، فإن أتى ما يوهم ذلك ، كقوله :

١٦٧ ـ جاؤوا بمذق هل رأيت الذئب قط

__________________

وانظر مسند أحمد : ٣ / ١١٤ ، سنن البيهقي : ٨ / ٥٥ ، فتح الباري : ١٣ / ١٢١ ، الدر المنثور : ٢ / ١٧٦ ، مشكاة المصابيح (رقم) : ٣٦٦٣ ، إتحاف السادة المتقين : ٦ / ١٢١ ، كنز العمال (رقم) : ١٤٧٩٩ ، رياض الصالحين : ٢٩٥. وروي : «اسمعوا وأطيعوا وإن أمّر عليكم ...» في مسند أحمد : ٦ / ٤٠٢ ، ٤٠٣ ، وتلخيص الحبير : ٤ / ٤٣.

(١) في الأصل : المشتق.

(٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل. راجع الأشموني : ٣ / ٦٣ ، والذي مثل به هو قوله تعالى : (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ).

(٣) في الأصل : الواو. ساقط.

١٦٧ ـ من الرجز للعجاج في ملحقات ديوانه (٨١) ، من أبيات له يصف فيها قوما أضافوه ، وأطالوا عليه ، ثم أتوه بلبن مخلوط بالماء ، حتى أن لونه في العشية يشبه لون الذئب ، وقبله :

حتّى إذا جنّ الظّلام واختلط

ويروى : «بضيح» بدل «بمذق» ، وهو اللبن الرقيق الكثير الماء. والمذق : هو اللبن الممزوج بالماء فيقل بياضه بمزجه بالماء فيشبه بلون الذئب. والشاهد فيه واضح كما ذكره المؤلف.

انظر المكودي مع ابن حمدون : ٢ / ١٠ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ١١٢ ، الشواهد

٥٥

أوّل على إضمار القول ، فيكون التّقدير : بمذق مقول فيه.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

ونعتوا بمصدر كثيرا

فالتزموا الإفراد والتّذكيرا

استعملت العرب المصدر في نعت الذّوات كثيرا ، كقولهم : «رجل عدل» ، إلّا أنهم ألزموه فقط الإفراد والتّذكير ، وإن اختلفت أحوال منعوته ، نحو «مررت برجلين عدل ، وبامرأة رضى ، وبرجال صوم».

ثمّ هل ذلك وصف بالمصدر على ظاهره تنزيلا للذّات منزلة (المعنى) (١) مبالغة ، أو المصدر مؤوّل بالوصف ، أي : عادل ، ونحوه ، أو على حذف مضاف تقديره : ذو عدل ، فيه للنحاة ثلاثة أقوال (٢).

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

ونعت غير واحد إذا اختلف

فعاطفا (٣) فرّقه لا إذا ائتلف /

إذا كان المنعوت غير واحد (٤) ونعوته مختلفة ـ وجب تفريقها بالعطف ، سواء كان تعدّده (٥) من حيث اللّفظ ، نحو «جاءني زيد وعمرو ، الكاتب والشّاعر» ، أو من حيث المعنى ، نحو «مررت برجلين ، كاتب وشاعر».

__________________

الكبرى : ٤ / ٦١ ، المقتصد : ٢ / ٩١٢ ، شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١١٥٩ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٥٨٤ ، شواهد الجرجاوي : ٢٠٢ ، الدرر اللوامع : ٢ / ١٤٨ ، أبيات المغني : ٥ / ٥ ، ٢٢٥ ، الخزانة : ٢ / ١٠٩ ، شواهد المفصل والمتوسط : ١ / ٢٤٠ ، الإرشاد للكيشي : ٣٤٩ ، شرح ابن يعيش : ٣ / ٥٣ ، مغني اللبيب (رقم) : ٤٤٧ ، ٩٩٤ ، شواهد المغني : ٢ / ٦٢٧ ، شرح ابن الناظم : ٤٩٥ ، شرح ابن عصفور : ١ / ١٩٣ ، أمالي ابن الشجري : ٢ / ١٤٩ ، شرح الأشموني : ٣ / ٦٤ ، الهمع (رقم) : ١٥٣٦ ، الإنصاف : ١ / ١١٥ ، شرح ابن عقيل : ٢ / ٥٣ ، شرح المرادي : ٣ / ١٤٤ ، ٤ / ١٠١ ، شواهد العدوي : ٢٠٢ ، المقرب : ١ / ٢٢٠ ، تاج علوم الأدب : ٣ / ٩٢٤ ، المحتسب : ٢ / ١٦٥ ، اللسان (ضيح) ، كاشف الخصاصة : ٢٣٦ ، فتح رب البرية : ٢ / ٣٢٣.

(١) في الأصل : العين. راجع التصريح : ٢ / ١١٣.

(٢) ذهب إلى الثاني منها الكوفيون ، وإلى الثالث البصريون ، وإلى الأول بعضهم. قال أبو حيان : في الوصف به طريقان : أحدهما : أن تريد المبالغة لكثرة وقوعه من الموصوف به ، نحو «مررت برجل ضرب» أو لا يريدها فيكون على حذف مضاف أي : ذي زور وذي عدل.

والكوفيون يجعلون «ضربا وعدلا» واقعين موقع ضارب وعادل.

انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ١١٣ ، شرح المرادي : ٣ / ١٤٥ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٥٨٧ ـ ٥٨٨ ، شرح ابن الناظم : ٤٩٥ ، شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١١٦٠ ، شرح الأشموني : ٣ / ٦٤ ، شرح ابن عصفور : ١ / ١٩٨ ، شرح ابن عقيل : ٢ / ٥٣.

(٣) في الأصل : معاطفا. انظر الألفية : ١١٠.

(٤) في الأصل : المنعوت واحدا.

(٥) أي : تعدد المنعوت.

٥٦

قال الشّاعر :

١٦٨ ـ بكيت وما بكى رجل حزين

على ربعين مسلوب وبالي

وإن ائتلف معنى النّعوت (٢) ـ أتي بها مثنّاة ، أو مجموعة ، بحسب منعوتها ، نحو «مررت بزيد وعمرو ، الفاضلين ، وبإخوتك الفضلاء».

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

ونعت معمولي وحيدي معنى

وعمل أتبع بغير استثنا

إذا تعدّد المنعوت ، واتّحد معنى النّعت ـ كما سبق تمثيله ـ ، نظرت : فإن اتّحد معنى العامل فيهما فأتبعهما (٣) للمنعوت ، سواء اتّحد لفظ العامل ـ كالمتعاطفين ـ ، أو اختلف لفظه ، نحو «جاء زيد وأتى عمرو العاقلان» ، و «هذا زيد وتلك هند القائمان» ، وسواء كانا مرفوعين ـ كما مثّل ـ ، أو غير مرفوعين ، نحو «رأيت أخاك وأبصرت أباك الكريمين».

وبعضهم خصّص ذلك بالمرفوعين (٤).

وإلى خلافه أشار المصنّف بقوله : «بغير استثنا».

__________________

١٦٨ ـ من الوافر ، ثاني بيتين لابن ميادة في شواهد ابن السيرافي (١ / ٦٠٣) ، وقبله :

أمن طلل بمدفع ذي طلال

أمحّ جديده قدم اللّيالي

ونسب في الكتاب لرجل من باهلة. ويروى : «حليم» بدل «حزين» ، ويروى أيضا «نزيع» بدل «حزين» ، وهو بمعنى منتزع. الربع : المنزل. المسلوب : الذي سلب بهجته لخلائه من أهله. البالي : الذي ذهبت آثاره. والشاهد في قوله : «على ربعين مصلوب وبالي» حيث جاء المنعوت متعددا معنى ، والنعت مفرقا بالعطف.

انظر الكتاب : ١ / ٢١٤ ، المقتضب : ٤ / ٢٩١ ، المقرب : ١ / ٢٢٥ ، مغني اللبيب (رقم) : ٦٥٨ ، شواهد الأعلم : ١ / ٢١٤ ، أبيات المغني : ٦ / ٧٨ ، شواهد المغني : ٢ / ٧٧٤ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ١١٤.

(١) في الأصل : المنعوت. راجع التصريح : ٢ / ١١٤.

(٢) في الأصل : أتبعهما.

(٣) قال الأزهري : وخصص بعضهم جواز الاتباع بكون المتبوعين فاعلي فعلين كـ «جاء زيد وأتى عمرو الظريفان» ، أو خبري مبتدأين كـ «هذا زيد وذاك عمرو العاقلان» أخذا من كلام سيبويه فإنه إنما تكلم بالنص على ذلك فأوهم الاختصاص قاله ابن مالك في شرح التسهيل ، ثم قال : والظاهر تعميم الحكم إذ لا فرق في القياس بين قولك : «ذهب زيد وانطلق عمرو العاقلان» ، وقولك : «أحببت زيدا ووددت عمرا العاقلين» وقولك : «مررت بزيد ومررت بعمرو العاقلين» فإذا جاز الأول جاز هذا. انتهى وجزم به في النظم.

انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ١١٥ ، شرح المرادي : ٣ / ١٥٠ ، شرح ابن الناظم : ٤٩٦ ، شرح الأشموني : ٣ / ٦٦.

٥٧

أمّا لو اختلف المنعوتان في عمل العاملين / ، نحو «هذا موجع زيد ومؤلم عمرا القائمين» ـ وجب القطع ، إمّا إلى الرّفع ، وإمّا إلى النّصب ، وامتنع الإتباع (١).

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى (٢) :

واقطع أو اتبع إن يكن معيّنا

بدونها أو بعضها اقطع معلنا (٣)

إذا كان المنعوت معيّنا (٤) بدون النّعت ، وإنّما سيق النّعت لمجرّد المدح ، نحو «بسم الله الرّحمن الرّحيم» ، أو لمجرّد الذّمّ ، نحو «أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم اللّعين» ، فلك في النّعوت الإتباع ـ كما مثّل ـ ، وإتباع البعض ، وقطع (الآخر) (٥) ، من (ثمّ) (٦) جاز في «الرّحمن الرّحيم» في البسملة ستّة أوجه أخر (٧).

__________________

(١) لأنه يؤدي إلى تسليط عاملين مختلفي العمل على معمول واحد من جهة واحدة ، بناء على أن العامل في المنعوت هو العامل في النعت. انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ١١٥ ، شرح المرادي : ٣ / ١٥٠ ، شرح الأشموني : ٣ / ٦٦.

(٢) أغفل المؤلف شرح قول الناظم :

وإن نعوت كثرت وقد تلت

مفتقرا لذكرهنّ أتبعت

قال ابن عقيل في شرحه (٢ / ٥٥): «إذا تكرّرت النّعوت وإن كان المنعوت لا يتّضح إلا بها جميعها وجب إتباعها كلّها ، فتقول : «مررت بزيد الفقيه الشّاعر الكاتب». انتهى.

وانظر شرح ابن الناظم : ٤٩٦ ، شرح المكودي : ٢ / ١٢ ، شرح المرادي : ٣ / ١٥٠ ، البهجة المرضية : ١٢٢ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ١١٧ ، شرح الأشموني : ٣ / ٦٨ ، كاشف الخصاصة : ٢٢٧ ، شرح دحلان : ٢ / ١٢ ، شرح الهواري : (١٣٨/ ب).

(٣) في الأصل : معينا. انظر الألفية : ١١٠.

(٤) في الأصل : مبنيا.

(٥) ما بين القوسين ساقط من الأصل.

(٦) ما بين القوسين ساقط من الأصل.

(٧) قال العطار في حاشيته على الأزهرية : و (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*) نعتان ، واشتهر فيهما بحسب الإعراب تسعة أوجه : جرهما ورفعهما ونصبهما ، ورفع الأول ونصب الثاني ، وبالعكس ، ورفع الثاني ونصبه مع جر الأول ، ويمتنع منها جر «الرحيم» مع نصب «الرحمن» أو رفعه. انتهى.

وقال الصبان في الرسالة الكبرى على البسملة : أسلفنا القول على أن الراجح أن «الرحمن» صفة ، وقيل : علم. وفائدة الخلاف أن «الرحمن الرحيم» على الأول نعتان لله ، ويجوز رفعهما على الخبرية لمبتدأ محذوف وجوبا أي : هو الرحمن الرحيم ، ويجوز نصبهما على المفعولية لفعل محذوف وجوبا ، أي : أمدح الرحمن الرحيم ، وجر الأول على التبعية مع رفع الثاني أو نصبه ، ورفع الأول ونصب الثاني والعكس ، وكذا جر الثاني على التبعية مع رفع

٥٨

أمّا إذا كان المنعوت محتاجا في بيانه إلى بعض النّعوت دون البعض ـ وجب إتباع ما يحصل به البيان ، ولك في الباقي ما ذكر من القطع.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وارفع أو انصب إن قطعت مضمرا

مبتدأ أو ناصبا لن يظهرا

حقيقة قطع النّعت أن يعدل عن إتباع النّعت لمنعوته في الإعراب ، ويوالى ما يوافقه في اللّفظ ، مثل أن يكون المنعوت مرفوعا فيقطع إلى الرّفع بإضمار مبتدأ لائق بالخبر ، أو منصوبا فيقطع إلى النّصب بإضمار فعل ناصب ، نحو :

أعني ، أو أذكر ، أو أمدح ـ إن كان معناه المدح ـ ، أو أذمّ ـ إن / كان معناه الذّمّ (١) ـ.

وأكثر ما يظهر أثر القطع عند المخالفة في لفظ الإعراب.

ثمّ هذا المبتدأ والفعل واجبا الإضمار ، لدلالة الحال عليهما ، وحصول الإطالة بذكرهما (٢).

ثمّ قال :

وما من المنعوت والنّعت عقل

يجوز حذفه وفي النّعت يقل

إذا علم النّعت أو المنعوت جاز حذفه ، إلّا أنّ ذلك في المنعوت أكثر منه في النّعت ، كقوله تعالى : (أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ) [سبأ : ١١] ، أي : دروعا سابغات ، (وَاعْمَلُوا صالِحاً) [المؤمنون : ٥١] ، أي : عملا صالحا.

__________________

الأول أو نصبه على قول ضعيف من جواز الاتباع بعد القطع. وعلى الثاني ـ بدل من «الله» أو عطف بيان ، والرحيم نعت له لا لـ «الله» ، لئلا يلزم من تقديم البدل أو البيان على النعت ، مع أن النعت هو المقدم عند اجتماعه مع غيره ، ويجوز رفعه ونصبه على ما مرّ ، وكذا الرحمن على أنه بدل لجواز قطع البدل بخلاف البيان على ما نقله بعضهم ، ونقل آخر جواز قطع البيان أيضا ، وعليه يجوز رفع الرحمن ونصبه على أنه بيان أيضا. وقال : وفي المقام احتمالات أخر لا تخلو عن بعد وتعسف.

انظر حاشية العطار على الأزهرية : ٣ ، الرسالة الكبرى على البسملة : ٤٨ ـ ٤٩ ، إعراب النحاس : ١ / ١٦٨ ، إملاء ما منّ به الرحمن : ١ / ٥ ، إعراب الألفية : ٣.

(١) أو «أرحم» إن كان معناه الترحم. وخالف يونس في الترحم فلا يجوز فيه القطع. انظر شرح المرادي : ٣ / ١٥٢ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ١١٧.

(٢) في الأصل : يذكرها.

٥٩

ومن مجيء ذلك في النّعت قوله تعالى : (يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً) [الكهف : ٧٩] ، أي : صالحة (١) ، و (فَصِيامُ)(٢) ثَلاثَةِ أَيَّامٍ [البقرة : ١٩٦] ، أي : متتابعات ، وقد أثبتها ابن مسعود (٣) ، وغيره (٤).

__________________

(١) قال الأزهري : بدليل أنه قرئ كذلك. انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ١١٩ ، حاشية الصبان : ٣ / ٧١.

(٢) في الأصل : صيام.

(٣) هو عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي ، أبو عبد الرحمن ، من أكابر الصحابة فضلا وعقلا وقربا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو من أهل مكة ومن السابقين إلى الإسلام ، وكان خادم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الأمين وصاحب سره ، ولي بعد وفاته صلى‌الله‌عليه‌وسلم مال الكوفة ، ثم قدم المدينة في خلافة عثمان ، فتوفي فيها عن نحو ستين عاما سنة ٣٢ ه‍ ، وله ٨٤٨ حديثا.

انظر ترجمته في الإصابة ترجمة رقم : ٤٩٥٥ ، طبقات القراء : ١ / ٤٥٨ ، صفة الصفوة : ١ / ١٥٤ ، حلية الأولياء : ١ / ١٢٤ ، الأعلام : ٤ / ١٣٧ ، المحبر : ١٦١.

(٤) أخرج الحاكم في المستدرك عن أبيّ بن كعب أنّه كان يقرؤها : فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات.

انظر المستدرك للحاكم : ٢ / ٢٧٦ ، الدر المنثور للسيوطي : ١ / ٢١٦ ، وانظر التصريح على التوضيح : ٢ / ١١٩.

٦٠