شرح ابن طولون - ج ٢

أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]

شرح ابن طولون - ج ٢

المؤلف:

أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]


المحقق: الدكتور عبد الحميد جاسم محمّد الفيّاض الكبيسي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-3522-8
الصفحات: ٥٤٤
الجزء ١ الجزء ٢

وشمل ما عينه واو مكسورة ، نحو «خاف» ، أصله «خوف» بكسر الواو ، لأنّه من «الخوف» (١) ، وما عينه ياء مفتوحة في الأصل نحو «دان» ، فإنّه من «الدّين» ، وما عينه ياء مكسورة ، نحو «هاب» من «الهيبة» ، وأصله «هيب» ، فتمال الألف من ذلك كلّه ، لأنّه يؤول ـ إذا أسند إلى التّاء ـ إلى «فلت» ، فيقال : «خفت ، ودنت ، وهبت».

واحترز به ممّا لا يؤول إلى «فلت» (ـ بالكسر ـ بل إلى «فلت») (٢) ـ بالضّمّ ـ ، نحو «قال ، وطال» ، لأنّك تقول فيهما : «قلت ، وطلت (٣)».

ثمّ أشار إلى السبب الرّابع فقال :

كذاك تالي الياء ...

 ...

أي : تمال أيضا الألف الّتي (٤) تتلو الياء ، وذلك نحو «سيال» (٥) /. وأوهم كلامه أنّ ذلك فيما اتّصل بالياء ـ كالمثال المتقدّم ـ ، وليس كذلك ، بل تجوز الإمالة وإن فصل بين الياء والألف (فاصل ، وعلى ذلك نبّه بقوله :

 ... والفصل اغتفر

بحرف او مع ها كجيبها أدر

يعني : أنّه قد اغتفر الفصل بين الياء والألف) (٦) الممالة بحرف واحد ، وذلك نحو «شيبان» (٧) ، أو بحرفين أحدهما هاء (٨) ، نحو «أدر جيبها» ، وإنّما اغتفر الفصل بحرف واحد ، لقلّة الفصل ، واغتفر بحرف (٩) مع الهاء لخفاء الهاء.

وفهم منه : أنّ الفصل إذا كان بحرفين وليس ثانيهما هاء ، منع من الإمالة.

__________________

(١) في الأصل : الحروف. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٦٤.

(٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي بحاشية الملوي : ٢٢٢.

(٣) في الأصل : ظلت. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٦٤.

(٤) في الأصل : الذ. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٦٤.

(٥) سيال : موضع بالحجاز ، وقال المرادي وغيره : هو شجر له شوك.

انظر مراصد الاطلاع : ٢ / ٧٦٣ ، شرح المرادي : ٥ / ١٩١ ، حاشية ابن حمدون : ٢ / ١٦٤ ، شرح الأشموني : ٤ / ٢٢٤ ، شرح الشافية للرضي : ٣ / ٩.

(٦) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٦٤.

(٧) شيبان : اسم رجل ، من الشيب. انظر حاشية ابن حمدون : ٢ / ١٦٤ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٣٤٨.

(٨) انظر شرح الكافية لابن مالك : ٤ / ١٩٧٢ ، وقال في التسهيل (٣٢٥): «أو حرفين ثانيهما هاء» ، وانظر التصريح على التوضيح : ٢ / ٣٤٨ ، الهمع : ٦ / ١٨٦.

(٩) في الأصل : بفصل. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٦٤.

٣٨١

ولم يذكر في هذا النّظم الياء سببا إذا كانت بعد الألف نحو «بايع» (١) ، وهو في ذلك موافق لسيبويه (٢).

ثمّ أشار إلى السبب الخامس ، فقال :

كذاك ما يليه كسر أو يلي

تالي كسر أو سكون قد ولي

كسرا (٣) وفصل الها كلا فصل يعد

فدرهماك من يمله لم يصد

فذكر خمس صور :

الأولى : أن يقع الكسر بعد الألف ، وشرطه أن يليها ، نحو «مساجد».

الثّانية : أن يقع الكسر قبلها ، وفيه أربع صور :

أوّلها : أن تكون منفصلة بحرف نحو «عماد».

وثانيها : أن تكون منفصلة بحرفين ، أوّلهما ساكن نحو «شملال».

وثالثها : أن تكون منفصلة بحرفين ، (متحرّكين) (٤) ثانيهما الهاء ، نحو «يريد أن يضربها».

ورابعها : أن تكون منفصلة بحرف ساكن ومتحرّكين ، أحدهما الهاء ، وقد مثّل ذلك بقوله :

فدرهماك من يمله لم يصد

فالألف في هذه (٥) المثل كلّها تجوز إمالتها.

وإنّما اغتفر الفصل بالهاء في «درهماك» لخفائها ، فلم / يعتدّ بها ، فصار كـ «شملال».

وهذه الصّور كلّها مفهومة من النّظم ، وفهم منه أنّ الفصل إذا كان بغير ما ذكر ـ لم تجز الإمالة.

__________________

(١) وذكرها في شرح الكافية والتسهيل ـ كما ذكرها ابن الدهان وغيره ـ ، وشرطها إذا وقعت بعد الألف أن تكون متصلة ، نحو «بايع». انظر شرح الكافية لابن مالك : ٤ / ١٩٧٢ ، التسهيل : ٣٢٥ ، ارتشاف الضرب : ١ / ٢٤٢ ، الهمع : ٦ / ١٨٦ ، شرح المرادي : ٥ / ١٩٢ ، شرح الأشموني : ٤ / ٢٢٥ ، شرح ابن عصفور : ٢ / ٦١٣ ، المفصل : ٣٣٥ ، شرح ابن يعيش : ٩ / ٥٥.

(٢) فلم يذكر ذلك في كتابه. انظر ارتشاف الضرب : ١ / ٢٤٢ ، شرح المرادي : ٥ / ١٩٢ ، شرح الأشموني : ٤ / ٢٢٥ ، شرح المكودي : ٢ / ١٦٥.

(٣) في الأصل : كسر. انظر الألفية : ١٩٤.

(٤) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٦٥.

(٥) في الأصل : هذا. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٦٥.

٣٨٢

وبقي من أسباب الإمالة سبب سادس يأتي الكلام عليه حيث ذكره (١).

ثمّ انتقل إلى موانع (٢) الإمالة. فقال رحمه‌الله تعالى :

وحرف الاستعلا يكفّ مظهرا

من كسر او يا وكذا تكفّ را

يعني : أنّ حرف الاستعلاء والرّاء ـ يكفّان سبب الإمالة.

وشمل حرف الاستعلاء سبعة أحرف يجمعها «قظ خصّ ضغط».

وعلى هذا فالحروف الكافّة للإمالة ثمانية إلا أنّ جميع هذه الأحرف لا تمنع جميع أسباب الإمالة ، بل تمنع الإمالة إذا كان سببها كسرة ظاهرة ، أو ياء موجودة (٣) وكان بعد الألف حرف (من أحرف) (٤) الاستعلاء ، وكان حرف الاستعلاء متّصلا ، أو مفصولا بحرف أو حرفين ، وكانت (٥) الراء مضمومة أو مفتوحة (٦).

__________________

(١) وذلك عند قوله :

وقد أمالوا لتناسب بلا

داع سواه كعمادا وتلا

انظر ص ٣٨٥ / ٢ من هذا الكتاب.

(٢) في الأصل : مواضع. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٦٥.

(٣) في الأصل : مرفوعة. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٦٥ ، وقد صرح ابن مالك في شرح الكافية والتسهيل بأن حرف الاستعلاء والراء غير المكسورة تمنع الإمالة إن كان سببها كسرة ظاهرة أو ياء موجودة. واعترض ذلك أبو حيان فقال : لم نجد ذلك في الياء وإنما يمنع مع الكسرة فقط ، وعليه فيجوز إمالة نحو «طغيان» و «صياد» ، و «ريان» ، ونحو «بياض» و «هذه أبيارك» مما تقدم فيه المانع أو تأخر. انظر شرح الكافية لابن مالك : ٤ / ١٩٧٣ ، التسهيل : ٣٢٥ ، شرح المرادي : ٥ / ١٩٤ ، الهمع : ٦ / ١٨٨ ـ ١٨٩ ، الأشموني مع الصبان : ٤ / ٢٢٦ ، حاشية الخضري : ٢ / ١٨١.

(٤) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٦٥.

(٥) في الأصل أو كانت. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٦٦.

(٦) هذا عند الجمهور ، وبعض العرب يميل ولا يلتفت إلى الراء. ومثال كف حرف الاستعلاء الكسر الظاهر : «فاقد» ، ومثال كفه الياء الظاهرة : «ضياع» ـ بفتح الضاد ، مصدر ضاع يضيع ـ ، ومثال كف الراء الكسر الظاهر : «راكب» ، ومثال كفه الياء الظاهرة : «رياحين». والكسر المقدر والياء المقدرة التي لا يكفها مستعمل ولا راء ، مثال الكسر المقدر الذي لا يكفه مستعمل : «خاف» فإن سبب إمالته كون ألفه منقلبة عن واو مكسورة ، والكسر الآن مقدر ، ومثال الياء المقدرة التي لا يكفها مستعل : «بقى» من البقاء ، فإن سبب إمالته كون الألف بدلا من الياء ، والياء مقدرة.

انظر في ذلك ارتشاف الضرب : ١ / ٢٤٠ ، الهمع : ٦ / ١٨٩ ، حاشية ابن حمدون : ٢ / ١٦٥ ـ ١٦٦ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٣٤٩ ، شرح الشافية للرضي : ٣ / ١٥ ، حاشية الخضري : ٢ / ١٨١.

٣٨٣

ثمّ إنّ المانع من الإمالة يكون متأخّرا عن الألف ، ومتقدّما عليها ، وقد أشار إلى الأوّل بقوله رحمه‌الله تعالى :

إن كان ما يكفّ بعد متّصل

أو بعد حرف أو بحرفين فصل

فهذه ثلاث صور :

الأولى : أن يكون متّصلا بالألف ، نحو «فاقد ، وباخل» (١).

الثّانية : أن يكون مفصولا بحرف ، نحو «منافق ، وباسط» /.

الثّالثة : أن يكون مفصولا بحرفين ، نحو «مواثيق ، ومواعيظ» (٢).

ثمّ أشار إلى المانع إذا كان متقدّما ، فقال رحمه‌الله تعالى :

كذا إذا قدّم ما لم ينكسر

أو يسكن اثر الكسر كالمطواع مر

يعني : أنّ حرف الاستعلاء ، والرّاء غير المكسورة ، إذا تقدّما على الألف منعا الإمالة ، بشرط أن يكون المانع غير مكسور أو ساكن بعد كسرة.

فمثال المكسور (٣) : «طلاب» (٤) ، ومثال السّاكن بعد كسرة : «رأيت المطواع» (٥) ، وقد مثّله بقوله : «كالمطواع مر».

وفهم منه : أنّ ما كان على خلاف المثالين المذكورين ـ يمنع الإمالة ، نحو «طالب ، وقادر ، وراكب ، وقبائل ، وضيارم» (٦).

__________________

(١) باخل : اسم فاعل من البخل ، وهو ضد الكرم. انظر اللسان : ١ / ٢٢٢ (بخل).

(٢) أما المتصل أو المنفصل بحرف فقال سيبويه : لا يميلها أحد من العرب إلا من لا يؤخذ بلغته. وأما المنفصل بحرفين فنقل سيبويه إمالته عن قوم من العرب لتراخي المانع ، قال سيبويه : وهي لغة قليلة. وجزم المبرد بالمنع في هذا ، وهو محجوج بنقل سيبويه.

انظر الكتاب : ٢ / ٢٦٤ ، ٢٦٥ ، المقتضب : ٣ / ٤٧٧ ، شرح المرادي : ٥ / ١٩٥ ، ارتشاف الضرب : ١ / ٢٣٩ ، شرح الأشموني : ٤ / ٢٢٧ ، الهمع : ٦ / ١٨٨ ، شرح الشافية للرضي : ٣ / ١٩.

(٣) في الأصل : المكسورة. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٦٦.

(٤) الطلاب : مصدر طالبه بكذا : إذا طلبه بحق. انظر اللسان : ٤ / ٢٦٨٤ (طلب) ، المصباح المنير : ٢ / ٣٧٥.

(٥) المطواع : بمعنى المطيع. انظر اللسان : ٤ / ٢٧٢٠ (طوع) ، شرح المكودي : ٢ / ١٦٦. حاشية الصبان : ٤ / ٢٢٧.

(٦) في الأصل : صيارم. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٦٦. الضبارم ـ بالضم ـ : الشديد الخلق من الأسد ، وهو أيضا الرجل الجريء على الأعداء. قال ابن حمدون : ثم إن التمثيل به خلاف الحق ، لأن الراء المكسورة هنا تمنع مانع الإمالة الذي هو حرف الاستعلاء ، فيجوز فيه الإمالة ، فالأولى الاقتصار على ما قبلها ويبدله بنحو «غنائم». انظر اللسان : ٤ / ٢٥٤٨ (ضيرم) ، حاشية ابن حمدون : ٢ / ١٦٦.

٣٨٤

ثمّ إنّ الموانع من الإمالة قد يعرض لها ما يمنعها (١) ، وإلى ذلك أشار ، فقال رحمه‌الله تعالى :

وكفّ مستعل ورا ينكفّ

بكسر را كغارما لا أجفو

يعني : أنّ الرّاء إذا وقعت بعد الألف الممالة مكسورة ـ كفّت (٢) المستعلي والرّاء المفتوحة ، نحو «دار القرار» (٣) ، و «لا أجفو غارما» (٤).

ومن العجب أنّ الرّاء المكسورة تكفّ نفسها إذا كانت مفتوحة ، وسبب كفّ الرّاء المكسورة لنفسها (٥) ولحرف الاستعلاء ـ أنّها مكرّرة ، فتضاعفت فيها الكسرة فقوي بذلك سبب الإمالة.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى / :

ولا تمل لسبب (٦) لم يتّصل

والكفّ قد يوجبه ما ينفصل

يعني : أنّ سبب الإمالة لا يؤثّر إذا كان منفصلا ، يعني : من كلمة أخرى نحو «يدي سابور» (٧) فلا تمال الألف من «سابور» لأجل الياء من «يدي» ، لأنّها منفصلة ، بخلاف الكفّ فإنّه يؤثّر ، وإن كان منفصلا ، فتمتنع الإمالة في نحو «يريد أن يضربها قبل» ، فلا تمال الألف من «يضربها» (٨) ، لكفّ القاف لها ، وإن كان من كلمة أخرى.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وقد أمالوا لتناسب بلا

داع سواه كعمادا وتلا

__________________

(١) في الأصل : ثم إن المانع من الإمالة قد يعرض له ما يمنعها. راجع شرح المكودي : ٢ / ١٦٦.

(٢) في الأصل : لفت. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٦٦.

(٣) والمانع من الإمالة في هذه الآية شيئان : حرف الاستعلاء ، والراء المفتوحة ، والكاف لهما معا الراء مكسورة بعد الألف. انظر حاشية ابن حمدون : ٢ / ١٦٧ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٣٥١.

(٤) والمانع من الإمالة حرف الاستعلاء فقط ، وهو العين. ومثال ما إذا كان المانع من الإمالة الراء فقط : (كِتابَ الْأَبْرارِ.) ومعنى : «لا أجفو غارفا» : لا أطلب غريما ومدينا مطالبة جفاء ، وإنما أطلبه مطالبة رفق ولين. انظر حاشية ابن حمدون : ٢ / ١٦٧ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٣٥١.

(٥) في الأصل : كنفسها. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٦٦.

(٦) في الأصل : بسبب. انظر الألفية : ١٩٥.

(٧) سابور : اسم ملك من ملوك العجم. انظر حاشية ابن حمدون : ٢ / ١٦٧ ، اللسان : ٣ / ١٩٢١ (سبر).

(٨) في الأصل : ضربها. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٦٧.

٣٨٥

هذا هو السبب السّادس من أسباب الإمالة (١) ، وإنّما أخّره عنها لضعفه بالنّسبة لها.

يعني : أنّهم قد أمالوا للتّناسب ، دون سبب سواه ، فذكر مثالين :

أحدهما : «عمادا» (٢) ، ويعني به : إذا قلت : «رأيت عمادا» ، ثمّ وقفت عليه ، فقلبت التّنوين ألفا ، فتميل الألفين معا ، أعني : الألف الّتي بعد الميم ، والألف المبدلة من التّنوين.

أمّا الألف الّتي بعد الميم ، فلإمالتها سبب ، وهو كسر العين.

وأمّا الألف الّتي هي بدل من التّنوين فلا سبب لإمالتها ، إلا المناسبة للألف الممالة الّتي قبلها.

وينبغي أن يضبط «كعمادا» بألف دون تنوين ، على إرادة الوقف.

والمثّال الثّاني : «تلا» ، (أميل) (٣) من قوله تعالى : (وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها) [الشمس : ٢] ، فالألف / فيه منقلبة عن واو ، فلاحظّ لها في الإمالة ، لكن أميلت لمناسبة رؤوس الآي ، وفيها ما لإمالته سبب ، نحو (إِذا جَلَّاها) [الشمس : ٣].

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

ولا تمل ما لم ينل تمكّنا

دون سماع غيرها وغيرنا

يعني : أنّه لم تطّرد الإمالة في الأسماء غير المتمكّنة ، إلا في «نا» (٤) ضمير المتكلّم ومعه غيره ، و «ها» ضمير الواحدة ، فتقول : «مرّ بنا ، ونظر إلينا ، ومرّ بها ، ونظر إليها». وإنّما اطّردت في هذين الضّميرين دون غيرهما من غير المتمكّن ، لكثرة استعمالهما.

وفهم من قوله : «دون سماع» أنّ الإمالة سمعت في غير هذين ، وذلك نحو «أنّى (٥) ، ومتى ، وبلى». ولما فرغ من إمالة الألف وأسبابها ، انتقل إلى إمالة الفتحة ، ولها سببان ، أشار إلى الأوّل (منهما) (٦) ، فقال رحمه‌الله تعالى :

والفتح قبل كسر راء في طرف

أمل كللأيسر مل تكف الكلف

__________________

(١) وهو التناسب ، وعبر بعضهم عنه بقولهم : الإمالة للإمالة ، وعبر عنه آخرون بقولهم : الإمالة لمجاورة الممال. انظر شرح المرادي : ٥ / ١٩٩ ، ارتشاف الضرب : ١ / ٢٤٥ ، شرح الأشموني : ٤ / ٢٣٠ ، شرح الشافية للرضي : ٣ / ١٣ ، الهمع : ٦ / ١٩٣.

(٢) في الأصل : عماد. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٦٧.

(٣) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٦٧.

(٤) في الأصل : تا. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٦٧.

(٥) في الأصل : أتى. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٦٨.

(٦) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٦٨.

٣٨٦

يعني : أنّ الفتحة تمال إذا كان بعدها راء ، مكسورة ، متطرّفة (١) ، نحو (أُولِي الضَّرَرِ) [النساء : ٩٥] ، و (بِشَرَرٍ) [المرسلات : ٣٢] ، وقد مثّل ذلك بقوله : «للأيسر مل» ، (أي) (٢) : إلى الأيسر مل (٣).

وفهم من إطلاقه : أنّ الإمالة للرّاء جائزة في الوصل والوقف.

وفهم منه أيضا : أنّ الإمالة جائزة في حرف الاستعلاء وفي غيره (٤).

وقد أشار إلى السّبب الثّاني ، فقال رحمه‌الله تعالى :

كذا الّذي تليه ها التّأنيث في

وقف إذا ما كان غير ألف

يعني : أنّ / الفتحة تمال أيضا في الوقف ، إذا وليها هاء التّأنيث.

وفهم من قوله : «إذا ما كان غير ألف» أنّ الإمالة جائزة في جميع الحروف ، ما عدا الألف ، ومثاله «رحمة ، وقصعة ، ودرجة (٥) ، وعرقوة (٦) وحذرية (٧)».

وأمّا الألف ، فلا إمالة فيها ، نحو «فتاة ، وعصاة».

__________________

(١) اشتراط ابن مالك كون الراء متطرفة ، بقوله في النظم : «في طرف» ، وقال في التسهيل : «وهي لام». قال المرادي : وليس اشتراط ذلك بصحيح ، لأن سيبويه قد ذكر إمالة فتحة الطاء من قولهم : «رأيت خبط رياح» ، وذكر غيره أنه يجوز إمالة فتحة العين في نحو «العرد» ، والراء في ذلك ليست بلام. ثم قال : ولعله إنما خص الطرف لكثرة ذلك فيه.

انظر شرح المرادي : ٥ / ٢٠٤ ، التسهيل : ٣٢٧ ، الكتاب : ٢ / ٢٧١ ، ارتشاف الضرب : ١ / ٢٤٧ ، شرح الأشموني : ٤ / ٢٣٣ ، الهمع : ٦ / ١٩٤ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٣٥٢.

(٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٦٨.

(٣) وقد أهمل الناظم من شروط إمالة الفتحة لكسرة الراء شرطين غير ما ذكر :

الأول : ألا تكون على ياء ، فلا تمال فتحة الياء في نحو «من الغير» ، وقد ذكره في التسهيل ، ونص عليه سيبويه.

الثاني : ألا يكون بعد الراء حرف استعلاء نحو «من الشرق» فإنه مانع من الإمالة ، نص على ذلك سيبويه أيضا.

انظر شرح المرادي : ٥ / ٢٠٤ ، التسهيل : ٣٢٧ ، الكتاب : ٢ / ٢٧١ ، الهمع : ٦ / ١٩٤ ـ ١٩٥ ، شرح الأشموني : ٤ / ٢٣٣ ـ ٢٣٤ ، ارتشاف الضرب : ١ / ٢٤٦.

(٤) فمثالها في حرف الاستعلاء : «من البقر» ، ومثالها في غير حرف الاستعلاء من الراء : «بشرر» ، أو من غيره نحو «من الكبر». انظر شرح المرادي : ٥ / ٢٠٣ ، شرح الأشموني : ٤ / ٢٣٣ ، ارتشاف الضرب : ١ / ٢٤٦ ، الهمع : ٦ / ١٩٤.

(٥) في الأصل : ودرجرجه. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٦٨.

(٦) العرقوة : خشبة معروضة على الدلو ، والجمع عرق. انظر اللسان : ٤ / ٢٩٠٨ (عرق) ، حاشية ابن حمدون : ٢ / ١٦٨.

(٧) حذرية ـ بكسر الحاء وسكون الذال المعجمة ـ : قطع من الأرض غليظة. انظر اللسان : ٢ / ٨١٠ (حذر) ، حاشية ابن حمدون : ٢ / ١٦٨ ، ١٧٥.

٣٨٧

الباب التاسع والستون

التصريف

ثمّ قال :

التّصريف

التّصريف : هو العلم بأحكام بنية الكلمة (١) ، بما لحروفها من أصالة وزيادة ، وصحّة وإعلال ، وشبه ذلك (٢).

ومتعلّقه من الكلم الأفعال والأسماء الّتي لا تشبه الحروف.

__________________

(١) في الأصل : الكلم. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٦٩.

(٢) وقال ابن الحاجب : التصريف علم بأصول تعرف بها أحوال أبنية الكلم التي ليست بإعراب.

وقال ابن عصفور : وهو معرفة ذوات الكلم في أنفسها من غير تركيب. وقال المرادي : اعلم أن علم النحو مشتمل على نوعين : أحدهما : علم الإعراب. والآخر : علم التصريف. وذلك أن علم النحو مشتمل على أحكام الكلم العربية ، وتلك الأحكام نوعان : إفرادية وتركيبية ، فالإفرادية هي علم التصريف ، والتركيبية هي علم الإعراب. ولذلك يقال في حد علم النحو : علم يعرف به أحكام الكلم العربية إفرادا وتركيبا. ثم إن المسمى بعلم التصريف ، وهي الأحكام الإفرادية تنقسم إلى قسمين :

أحدهما : جعل الكلم على صيغ مختلفة لضروب من المعاني كالتصغير والتكسير ، واسم الفاعل واسم المفعول ، وهذا القسم جرت عادة كثير من المصنفين بذكره قبل التصريف كما فعل الناظم ، وهي في الحقيقة من التصريف.

والآخر : تغيير الكلمة لغير معنى طارىء عليها ، ولكن لغرض آخر وتنحصر في الزيادة والحذف والإبدال والقلب والنقل والإدغام ، وهذا القسم هو المقصود هنا بقولهم : التصريف. انتهى. والتصريف لغة : التقليب من حالة إلى حالة ، وهو مصدر صرف ، أي : جعله يتقلب في أنحاء كثيرة وجهات مختلفة.

انظر في ذلك شرح الشافية للرضي : ١ / ١ ، ٧ ، الممتع لابن عصفور : ١ / ٣٠ ـ ٣٢ ، شرح المرادي : ٥ / ٢٠٩ ـ ٢١٠ ، التسهيل : ٢٩٠ ، التعريفات : ٥٩ ، الهمع : ٦ / ٢٢٨ ، انظر شرح المكودي : ٢ / ١٦٩ ، أوضح المسالك : ٢٩٥ ، المقرب : ٢ / ٧٧٨ ـ ٧٩ ، شرح ابن الناظم : ٨٢٠ ، شرح الكافية لابن مالك : ٤ / ٢٠١٢ ، شرح الأشموني : ٤ / ٢٣٦ ، شرح الملوكي لابن يعيش : ١٨ ـ ١٩ ، شرح ابن عقيل : ٢ / ١٨٢ ـ ١٨٣ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٥٢ ـ ٢٥٣ ، شرح الهواري : (١٩٨ / ب) ، معجم المصطلحات النحوية : ١٢٥ ـ ١٢٦ ، معجم مصطلحات النحو : ١٨١.

٣٨٨

وهو نوعان : معرفة حروف الزّيادة ، ومعرفة الإبدال ، وقد أشار إلى الأوّل ، فقال رحمه‌الله تعالى :

حرف وشبهه من الصّرف بري

وما سواهما (١) بتصريف حري

يعني : أنّ الحرف (٢) وما أشبهه من الأسماء (٣) في التّوغّل في البناء ـ لا يدخله (٤) التّصريف ، وما سوى هذين من الأسماء والأفعال حقيق بدخول التّصريف فيه. وتجوّز في قوله : «من الصّرف» فأطلق الصّرف على التّصريف ، لضرورة الوزن.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وليس أدنى من ثلاثيّ يرى

قابل تصريف سوى (٥) ما غيّرا

يعني : أنّ ما كان على حرف واحد أو حرفين ، لا يقبل التّصريف.

ففهم منه : أنّ أقلّ ما يوجد عليه الأسماء والأفعال بالوضع ـ ثلاثة أحرف ، لأنّ الأسماء والأفعال قابلة للتّصريف ـ كما ذكر في البيت الّذي قبله ـ /.

وفهم منه أيضا : أنّ الأسماء والأفعال قد تنقص عن الثّلاثة بحذف (٦) بعض حروفها.

أمّا الأسماء : فتوجد على حرفين ، نحو «يد ، وعدة» ، وعلى حرف واحد ، نحو «م الله» (٧) بالقسم على القول بأنّه اسم ، وهو الصّحيح (٨).

وأمّا (٩) الأفعال : فتوجد على حرفين ، نحو «خذ ، وبع» ، وعلى حرف واحد ، نحو «قه» فعل أمر من «وقى».

__________________

(١) في الأصل : سوهما. انظر الألفية : ١٩٦.

(٢) في الأصل : الحروف. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٦٩.

(٣) وكذلك الأفعال الجامدة كـ «نعم ، وبئس ، وليس ، وعسى» ، لأنه يمكن إدراجها في شبه الحرف ، فإن هذه الأفعال شابهت الحروف في الجمود.

انظر شرح المرادي : ٥ / ٢١٠ ، شرح الأشموني : ٤ / ٢٣٧ ، الهمع : ٦ / ٢٢٩ ، حاشية ابن حمدون : ٢ / ١٦٩ ، التسهيل : ٢٩٠ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٣٥٤.

(٤) في الأصل : لا يدخل. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٦٩.

(٥) في الأصل : إذا. انظر الألفية : ١٩٧.

(٦) في الأصل : يحذف. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٦٩.

(٧) م : بميم مضمومة أو مفتوحة أو مكسورة : لغة في «ايمن» ، حكى الفتح الهروي ، والكسر والضم الكسائي والأخفش. انظر الهمع : ٤ / ٢٣٨ ، الجنى الداني : ٥٤١ ، شرح الكافية لابن مالك : ٢ / ٨٧٩ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٤٨١.

(٨) وذهب الزجاج والرماني إلى أنه حرف جر. انظر الهمع : ٤ / ٢٣٨ ، مغني اللبيب : ١٣٦ ، الجنى الداني : ٥٣٨ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٤٧٦.

(٩) في الأصل : فأما. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٧٠.

٣٨٩

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

ومنتهى اسم خمس ان تجرّدا

وإن يزد فيه فما سبعا عدا

يعني : أنّ الأسماء على قسمين : مجرّدة من الزّيادة ، ومزيد فيها.

فغاية ما يصل إليه المجرّد خمسة أحرف ، نحو «سفرجل» ، وغاية ما يصل إليه بالزّيادة (١) سبعة أحرف ، نحو «اشهيباب» مصدر «اشهابّ» (٢).

وقد فهم من هذا البيت والّذي قبله : أنّ الاسم المجرّد ثلاثة أنواع : ثلاثيّ ، ورباعيّ ، وخماسيّ ، وقد أشار إلى الثّلاثيّ ، فقال رحمه‌الله تعالى :

وغير آخر الثّلاثيّ افتح وضم

واكسر وزد تسكين ثانيه تعم

غير آخر الثّلاثيّ ـ هو أوّله وثانيه ، فالأوّل قابل للحركات الثّلاث ، والثّاني قابل للحركات والسّكون ، والحاصل من ضرب ثلاثة في أربعة : اثنا عشر وزنا ، وهي الّتي تقتضيها القسمة (٣) العقليّة ، وهي مفهومة من البيت ، فـ «افتح ، وضم ، واكسر» يعني : في كلّ واحد منها ، فهذه تسعة ، وزد تسكين ثانيه مع / الحركات الثّلاث (في الأوّل ، فهذه ثلاثة إلى تسعة) (٤) : اثنا عشر ، وهذه مثلها على ترتيب النّظم (٥) :

«فعل» نحو «جمل» ، و «فعل» نحو «عضد» ، و «فعل» نحو «كتف» ، و «فعل» نحو «صرد» ، و «فعل» نحو «عنق» ، و «فعل» نحو «دئل» ، و «فعل» نحو «عنب» ، و «فعل» ـ بكسر الأوّل ، وضمّ الثّاني ـ وهو مهمل ، و «فعل» نحو «إبل» ، و «فعل» نحو «فلس» ، و «فعل» نحو «قفل» ، و «فعل» نحو «عدل».

إلا أنّ المستعمل منها عشرة ، وواحد مهمل وواحد قليل ، وإلى ذلك أشار فقال رحمه‌الله تعالى :

وفعل اهمل والعكس يقل

لقصدهم تخصيص فعل بفعل

__________________

(١) في الأصل : الزيادة. فأما. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٧٠.

(٢) يقال : إشهاب الفرس إذا غلب بياضه على سواده ، وإشهاب الزرع : قارب الهيج فابيض ، وفي خلاله خضرة قليلة. والياء بعد الهاء في المصدر هي الألف بعد الهاء في الفعل.

انظر اللسان : ٤ / ٢٣٤٦ ، ٢٣٤٧ (شهب) ، حاشية ابن حمدون : ٢ / ١٧٧٠ ، حاشية الخضري : ٢ / ١٣٨.

(٣) في الأصل : القسم. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٧٠.

(٤) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٧٠.

(٥) في الأصل : وهذه ترتيبها على مثل النظم. راجع شرح المكودي : ٢ / ١٧٠.

٣٩٠

وإنّما أهمل «فعل» لثقله بالخروج من كسر إلى ضمّ ، وقد قرئ : والسماء الحبك [الذاريات : ٧] ـ بكسر الحاء ، وضمّ الباء (١) ـ.

وإنّما قلّ «فعل» لاختصاصه بالفعل ، وفهم منه : أنّه وارد (٢) في كلام العرب ، إلا أنّه قليل ، ومن ذلك قولهم : «دئل» اسم قبيلة (٣) ، وإليها ينسب أبو الأسود الدّؤليّ ، و «رئم» في اسم الاست (٤).

ثمّ أشار إلى الفعل الثّلاثيّ ، فقال رحمه‌الله تعالى :

وافتح وضمّ واكسر الثّاني من

فعل ثلاثيّ وزد نحو ضمن

فذكر (٥) له أربعة أبنية :

ـ «فعل» ـ بفتح الفاء والعين معا ـ وذلك مستفاد من قوله : «وافتح».

ـ و «فعل» ـ بضمّ العين ـ نحو : «سهل» وهو مستفاد من قوله : «وضمّ».

ـ و «فعل» ـ بكسر العين ـ نحو : «سمع» وهو مستفاد من قوله : «واكسر».

الرّابع : «فعل» ـ بضمّ الفاء ، وكسر العين ـ مبنيّا للمفعول.

__________________

(١) وهي قراءة الحسن وأبي مالك الغفاري وأبي السمال.

انظر انظر ذلك في تفسير البحر المحيط : ٨ / ١٣٤ ، المحتسب : ٢ / ٢٨٦ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٣٥٥ ، حاشية ابن حمدون على شرح الجاربردي (مجموعة الشافية) : ١ / ٣٠ ، حاشية ابن حمدون : ٢ / ٧١ ، حاشية الصبان : ٤ / ٢٣٨ ، قال ابن مالك : وقد ذكر ابن جني أن بعض القراء الشواذ قرأ : (وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ) ووجهها بأن قال : «أراد أن يقرأ بكسر الحاء والباء فبعد نطقه بالحاء مكسورة مال إلى القراءة المشهورة فنطق بالباء مضمومة» ، وهذا التوجيه لو اعترف به من عزيمت القراءة إليه لدل على عدم الضبط ورداءة التلاوة ، ومن هذا شأنه لم يعتمد على ما يسمع منه لإمكان عروض أمثال ذلك منه. انتهى. وقيل فيها توجيها آخر وهو أن يكون كسر الحاء إتباعا لكسر تاء «ذات» ولم يعتد باللام الساكنة ، لأن الساكن حاجز غير حصين ، قيل : وهو أحسن.

انظر شرح الكافية لابن مالك : ٤ / ٢٠٢١ ، المحتسب : ٢ / ٢٨٧٧ ، مجموعة الشافية : ١ / ٣٠ ، شرح المرادي : ٥ / ٢١٥ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٣٥٥ ، شرح الأشموني : ٤ / ٢٣٨ ـ ٢٣٩ ، شرح الشافية للرضي : ١ / ٣٨ ـ ٣٩.

(٢) في الأصل : واراد. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٧١.

(٣) تقدم التعريف في ص ١٩٢ / ٢ من هذا الكتاب.

(٤) والاست : الدبر. انظر اللسان : ٣ / ١٥٣٧ (رئم) ، شرح المكودي : ٢ / ١٧١ ، شرح المرادي : ٥ / ٢١٦ ، شرح الشافية للجاريردي (مجموعة الشافية) : ١ / ٣٠.

(٥) في الأصل : قد ذكر. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٧١.

٣٩١

وفهم من سكوته / عن الفاء : أنّ حركة الفاء لا تختلف ، بخلافها في الأسماء ، وفهم أنّها فتحة ، لأنّ الفتحة أخفّ ، فاعتبارها أقرب (١).

وفهم من قوله : «وزد نحو ضمن» أنّ بنية المفعول ـ ليست كبنية الفاعل ، لكونه جعل ذلك زائدا على بناء الفاعل ، وفيه تنبيه على الخلاف في فعل المفعول ، هل هو أصل بنفسه ، أو فرع عن فعل الفاعل؟ (٢).

ثمّ انتقل إلى الرّباعيّ ، والمزيد من الأفعال فقال رحمه‌الله تعالى :

ومنتهاه أربع إن جرّدا

وإن يزد فيه فما ستّا (٣) عدا

يعني : أنّ غاية الفعل بالأصالة أربعة أحرف ، وذلك نحو «دحرج».

وفهم من البيت الّذي قبله : أنّ للرّباعيّ بنية أخرى مبنيّة للمفعول ، نحو «دحرج» ، لذكرها في الثّلاثيّ ، إذ لا فرق. وأنّ غايته (٤) بالزّيادة ستّة أحرف نحو «استخرج». ثمّ انتقل إلى الرّباعيّ الأصول من الأسماء فقال رحمه‌الله تعالى :

لاسم مجرّد رباع فعلل

وفعلل وفعلل وفعلل

ومع فعلّ فعلل ...

 ...

فذكر ستّة أبنية :

الأوّل : «فعلل» ـ بفتح الأوّل والثّالث نحو «جعفر».

الثّاني : («فعلل») (٥) ـ بكسر الأوّل والثّالث ـ نحو «زبرج» للسّحاب الرّقيق (٦).

__________________

(١) في الأصل : باعتبار أنها أقرب. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٧١.

(٢) وإلى كونه أصلا بنفسه ذهب المبرد ـ كما في المرادي ـ وابن الطراوة والكوفيون ، وهو مذهب سيبويه والمازني. وإلى كونه فرعا عن فعل الفاعل ذهب جمهور البصريين ، ونقل عن سيبويه. قال المرادي : وهو أظهر القولين. ومن المقتضب : (١ / ٢٠٩) ذكر المبرد أن الفعل الثلاثي يقع على ثلاثة أبنية إذا كان ماضيا ، وهي «فعل» نحو «ضرب» ، و «فعل» حو «شرب» ، و «فعل» نحو «كرم» ، ولم يعتبر «فعل» المبني للمجهول من أبنيته ، فلعله يدل على أنه لم يعتبره أصلا.

انظر الكتاب : ١ / ٢ ، المنصف شرح تصريف المازني : ١ / ٧١ ، شرح المرادي : ٥ / ٢٢٢ ، شرح الكافية لابن مالك : ٤ / ٢٠١٤ ، شرح الأشموني : ٤ / ٢٤٢ ، حاشية الخضري : ٢ / ١٨٤ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٣٧٥ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٥٤٠.

(٣) في الأصل : سقفا. انظر شرح الألفية : ١٩٧.

(٤) في الأصل : غابة. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٧٢.

(٥) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٧٢.

(٦) الذي فيه حمرة ، والزبرج أيضا : الزينة من وشي أو جوهر ، وقيل : هو الذهب. انظر اللسان : ٣ / ١٨٠٦ (زبرج) ، حاشية ابن حمدون : شرح الشافية للرضي : ١ / ٥١.

٣٩٢

الثّالث : «فعلل» ـ بكسر الأول ، وفتح الثّالث ـ ، نحو «درهم».

الرّابع : «فعلل» ـ بضمّ الأوّل والثّالث ـ نحو «جرهم» لاسم قبيلة (١).

الخامس : «فعلّ» ـ بكسر الأوّل ، وفتح الثّاني ، وتشديد الثّالث ـ نحو / «قمطر» (٢).

السّادس : «فعلل» ـ بضمّ الأوّل ، وفتح الثّالث ـ نحو «جخدب» لذكر الجراد (٣).

وفي هذا البناء السّادس خلاف :

مذهب الكوفيّين والأخفش : أنّه أصل.

ومذهب البصريّين : أنّه مخفّف من «فعلل» بالضّمّ (٤).

وفي تأخيره له إشعار بهذا الخلاف. ثمّ انتقل إلى الخماسيّ المجرّد ، فقال رحمه‌الله تعالى :

 ... وإن علا

فمع فعلّل حوى فعلللا

كذا فعلّل وفعللّ ...

 ...

يعني : وإن (٥) علا الرّباعيّ (٦) ـ أي : جاوزه ـ فهو خماسيّ ، وذكر له أربعة أوزان :

__________________

(١) جرهم : بطن من القحطانية ، كانت منازلهم أولا باليمن ثم انتقلوا إلى الحجاز فنزلوه ، ثم نزلوا بمكة واستوطنوها ، وكانوا خدامها قبل قريش ، وقد تزوج منهم إسماعيل عليه‌السلام.

انظر نهاية الأرب للقلقشندي : ٢١١ ، نهاية الأرب للنويري : ٢ / ٢٩٢ ، صبح الأعشى : ١ / ٣٠٨ ، معجم قبائل العرب : ١ / ١٨٣ ، حاشية ابن حمدون : ٢ / ١٧٢.

(٢) في الأصل : قحطر. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٧٢. والقمطر : الجمل القوي السريع ، وقيل : الجمل الضخم القوي ، ورجل قمطر : قصير ، والقمطر أيضا : ما تصان فيه الكتب. انظر اللسان : ٥ / ٣٧٣٩ ، ٣٧٤٠ (قمطر) ، حاشية ابن حمدون : ٢ / ١٧٢.

(٣) وقيل : الجخدب : هو الجراد الأخضر الطويل الرجلين. انظر اللسان : ١ / ٥٥٥ (جخدب) ، المكودي مع ابن حمدون : ٢ / ١٧٢ ، شرح المرادي : ٥ / ٢٢٧.

(٤) وظاهر كلام الناظم هنا موافقة الأخفش والكوفيين على إثبات أصالة «فعلل» ، وقال في التسهيل : وتفريع «فعلل» على «فعلل» أظهر من أصالته. انتهى.

انظر الخلاف في ذلك شرح المرادي : ٥ / ٢٢٧ ـ ٢٢٨ ، شرح المكودي : ٢ / ١٧٢ ، شرح الشافية للجاريردي (مجموعة الشافية) : ١ / ٣٤ ، شرح الأشموني : ٤ / ٢٤٧ ، التسهيل : ٢٩١ ، شرح الشافية للرضي : ١ / ٤٧ ، ٤٨ ، شرح الملوكي : ٢٦ ، شرح الكافية لابن مالك : ٤ / ٢٠٢٣ ، الممتع : ١ / ٦٧ ، شرح ابن عقيل : ٢ / ١٨٤ ـ ١٨٥.

(٥) في الأصل : بأن. انظر المكودي بحاشية الملوي : ٢٢٧.

(٦) أي : وإن علا الاسم المجرد الرباعي. فـ «الرباعي» مفعول «علا» بدليل تفسيره بقوله : «أي : جاوزه» ، وفاعل «علا» هنا ، كفاعل «علا» في النظم ، عائد على الاسم المجرد لا بقيد كونه رباعيا. انظر حاشية ابن حمدون : ٢ / ١٧٢.

٣٩٣

الأوّل : «فعلّل» ـ بفتح الأوّل والثّاني والرّابع مدغما فيه ـ نحو «سفرجل».

الثّاني : «فعللل» ـ بفتح الأوّل ، وسكون الثّاني ، وفتح الثّالث ، وكسر الرّابع ـ نحو «جحمرش»(١).

الثّالث : «فعلّل» ـ بضمّ الأوّل ، وفتح الثّاني ، وكسر الثّالث مشدّدا ـ نحو «قذعمل» (٢).

الرابع : «فعللّ» ـ بكسر الأوّل ، وإسكان الثّاني ، وفتح الثّالث ، وبعده لام مشدّدة ـ نحو «قرطعب» (٣).

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

 ... وما

غاير للزّيد أو النّقص انتمى

يعني : أنّ ما غاير ما ذكر من أبنية الأسماء والأفعال الأصول ـ فهو منسوب إلى الزّيادة أو النّقص.

وفي تخصيص الشّارح والمرادّي ذلك بالأسماء (٤) نظر (٥).

وفهم منه : أنّ المخالف أربعة أنواع :

ـ المزيد من الأسماء ، نحو / «كنهبل» (٦) ، وسائر المزيدات ، وهي كثيرة تزيد على ثلاثمائة بنية.

ـ والمنقوص من الأسماء ، نحو «يد ، وشية».

ـ والمزيد من الأفعال ، نحو «انطلق (٧) ، واستكبر».

__________________

(١) الجحمرش : العجوز الكبيرة من النساء ، والكبيرة السن من الإبل ، والجحمرش أيضا : العظيمة من الأفاعي. انظر اللسان : ١ / ٥٥٣ ـ ٥٤٤ (جحمرش) ، حاشية ابن حمدون : ٢ / ١٧٢ ، شرح المرادي : ٥ / ٢٣١.

(٢) القذعمل : القصير الضخم من الإبل. انظر اللسان : ٥ / ٣٥٦٠ (قذعمل) ، حاشية ابن حمدون : ٢ / ١٧٢ ، شرح المرادي : ٥ / ٢٣١.

(٣) في الأصل : قرطعت. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٧٢.

(٤) انظر شرح ابن الناظم : ٨٢٦ ، شرح المرادي : ٥ / ٢٣٢.

(٥) وجه النظر كون ما ذكره الناظم من المغايرة موجودا في الأسماء وفي الأفعال ، فلا وجه للتخصيص. انظر حاشية ابن حمدون : ٢ / ١٧٢.

(٦) في الأصل : كنهيد. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٧٢. والكنهبل : شجر عظام ، وهو من العضاء ، والنون فيه زائدة ، لأنه ليس في الكلام على مثال سفرجل. انظر اللسان : ٥ / ٣٩٤٥ (كهبل) ، حاشية ابن حمدون : ٢ / ١٧٢.

(٧) في الأصل : انطق. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٧٢.

٣٩٤

ـ والمنقوص منها ، نحو «قم ، ودم ، وقمت».

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

والحرف إن يلزم فأصل والّذي

لا يلزم الزّائد مثل تا احتذي

يعني : أنّ الحرف إذا لزم في تصاريف الكلمة ـ حكم عليه بالأصالة ، وإذا لم يلزم وسقط في بعض تصاريف الكلمة ـ فهو زائد ، ويعني بالحرف : حرف التّهجّي.

فيحكم في «نادم» بأصالة النّون ، وزيادة الألف ، لثبات (١) النّون ، وحذف الألف في «ندم» (٢) ، والتّاء في «احتذي» زائدة ، لسقوطها في «حذا يحذو».

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

بضمن فعل قابل الأصول في

وزن وزائد بلفظه اكتفي

يعني : أنّك إذا أردت أن تزن كلمة فقابل أصولها بحروف «فعل» فتعبّر (٣) عن أوّل الكلمة بالفاء ، وعن الثّاني بالعين ، وعن الثّالث بالّلام ، وتحافظ في ذلك على حركات الموزون.

فإذا قيل لك : ما وزن «ضرب»؟ ـ قلت : «فعل» ـ بفتح الفاء والعين ـ وإذا قيل لك : ما وزن «عمرو»؟ فقل «فعل» ـ بفتح الفاء ، وسكون العين ـ.

فإن كان في الكلمة الموزونة زائد ـ نطقت به على أصله من غير أن تعبّر عنه بشيء ، وإلى ذلك أشار بقوله : «وزائد بلفظه اكتفي».

يعني : أنّك تكتفي بذلك الحرف الزّائد وتنطق به على أصله من غير أن تعبّر / عنه بشيء ، فتقول في وزن «جوهر» : «فوعل» ، وفي وزن «عبير» : «فعيل».

هذا كلّه في الثّلاثيّ.

أمّا الزّائد على الثّلاثيّ ، فقد أشار إليه فقال :

وضاعف الّلام إذا أصل بقي

كراء جعفر وقاف فستق

يعني : أنّك إذا وزنت الكلمة بحروف «فعل» ، وبقي أصل من الكلمة ـ ضعّف الّلام ، أي : زد عليها لاما أخرى تقابل بها الحرف الرّابع.

وقد فهم من ذلك أنّ في الزّائد على الثّلاثة (٤) صورتين :

__________________

(١) في الأصل : كثبات. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٧٣.

(٢) في الأصل : ندمان. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٧٣.

(٣) في الأصل : بحرف يعبر. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٧٣.

(٤) في الأصل : الأربعة. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٧٤.

٣٩٥

إحداهما (١) : في الرّباعيّ ، فتضعّف الّلام مرّة واحدة ، نحو «جعفر ، وفستق» ، فتقول في وزنهما «فعلل ، وفعلل».

والأخرى : في الخماسيّ ، لما علمت من أنّ الاسم يكون خماسيّ الأصول ، فتقول في «سفرجل» : «فعلّل» فتضعّف الّلام مرّتين ، لتصل الزّنة إلى خمسة أحرف.

ثمّ إنّ زائد الكلمة الموزونة إن كان من حروف الزّيادة العشرة (٢) ـ فقد تقدّم أنّه ينطق بها في الوزن على حالها ، وإن كان بتضعيف أصل ـ فقد أشار إليه ، فقال رحمه‌الله تعالى :

وإن يك (٣) الزّائد ضعف أصل

فاجعل له في وزن ما للأصل

يعني : إذا كان الزّائد في الكلمة الموزونة ضعف أصل ، فاجعل مقابلته في الوزن ما جعلته للفاء والعين والّلام ، من حروف «فعل».

فإن كان مضعّف الفاء ، نحو «مرمريس» (٤) ـ قلت في وزنه / : «فعفعيل» ، وإن كان مضعّف (العين) (٥) ، نحو «اغدودن» (٦) ـ قلت في وزنه : (افعوعل ، وإن كان مضعّف الّلام ، نحو «جلبب» (٧) ـ قلت في وزنه) (٨) : «فعلل».

ثمّ اعلم أنّ ما تكرّر (٩) فيه الفاء والعين من رباعيّ على نوعين :

__________________

(١) في الأصل : أحدهما. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٧٤.

(٢) ويجمعها قولك : «أمان وتسهيل» ، أو «اليوم تنساه» ، أو «سألتمونيها» ، أو «تسليم وهناء» ، أو «السمان هويت» ، أو «من سهيل وأتى».

انظر الممتع : ١ / ٢٠١ ، ارتشاف الضرب : ١ / ٩٤ ، شرح الملوكي : ١٠٠ ، شرح الشافية للرضي : ٢ / ٣٣٠ ، ٣٣١ ، الهمع : ٦ / ٢٣٧ ، شرح الكافية لابن مالك : ٤ / ٢٠٣١ ، التبصرة والتذكرة : ٢ / ٧٨٨.

(٣) في الأصل : يكن. انظر الألفية : ١٩٩.

(٤) المرمريس : اسم للداهية ، ويقال : داهية مرمريس ، أي شديدة. انظر اللسان : ٦ / ٤١٨٠ (مرس) ، حاشية ابن حمدون : ٢ / ١٧٤.

(٥) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٧٤.

(٦) يقال : اغدودن النبت : إذا اخضر حتى يضرب إلى السواد من شدة ريه ، واغدودن الشعر : طال وتم. انظر اللسان : ٥ / ٣٢٢٩ ، ٣٢٣٠ (غدن) ، حاشية المكودي : ٢ / ١٧٤.

(٧) يقال : جلبب فلان إذا لبس الجلباب والملحفة ، والباء فيه مكررة للإلحاق بدحرج.

انظر اللسان : ١ / ٦٤ (جلب) ، حاشية ابن حمدون : ٢ / ١٧٤.

(٨) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٧٤.

(٩) في الأصل : تكون. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٧٤.

٣٩٦

الأوّل : ما لا يدلّ فيه الاشتقاق على زيادة أحد الحروف.

والآخر : ما دلّ الاشتقاق على زيادة أحد حروفه.

وقد أشار إلى الأوّل ، فقال رحمه‌الله تعالى :

واحكم بتأصيل حروف سمسم

ونحوه ...

يعني : أنّ نحو «سمسم» (١) يحكم على حروفه كلّها أنّها أصول ، وأنّه رباعيّ ، لأنّ أصالة أحد المضعّفين واجبة تكميلا لأقلّ الأصول ، وليس أصالة أحدهما أولى من أصالة الآخر ، فيحكم بأصالتهما معا (٢).

ثمّ أشار إلى الثّاني ، فقال :

 ...

 ... والخلف في كلملم

يعني : أنّ فيما (٣) كان نحو «لملم» فعل أمر من «لملم» (٤) ممّا في اشتقاقه دليل على زيادة أحد المضعّفين ـ خلافا :

ـ فمذهب (٥) البصريّين: أنّ حروفه كلّها أصول، نحو (٦) «سمسم»، فوزن «لملم» عندهم : «فعلل».

ـ ومذهب الكوفيّين أنّ الأصل «لمّم» بالتّضعيف ، فأبدل من ثاني المضعّفين لام (٧) ، كراهية التّضعيف (٨).

__________________

(١) سمسم : بكسر السينين ، الحب المعروف ، ويسمى الجلجلان ، وبفتحهما الثعلب ، واسم موضع ، والسمسمة : بضمها وبكسرها : دويبة ، وقيل : النملة الحمراء. انظر اللسان : ٣ / ٢١٠٤ (سمم) ، حاشية ابن حمدون : ٢ / ١٧٤ ، حاشية الصبان : ٤ / ٢٥٥.

(٢) وظاهر كلام ابن مالك أن هذا القسم لا خلاف فيه ، لكن بعضهم حكى عن الخليل والكوفيين أن وزنه «فعفل» ، تكررت فاؤه ، قال المرادي : وهو بعيد ، انظر شرح المرادي : ٥ / ٢٤١ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٣٦٠ ، الهمع : ٦ / ٢٤١ ـ ٢٤٢.

(٣) في الأصل : ما. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٧٤.

(٤) يقال : لملم الأمير الكتيبة ـ أي الجيش ـ : إذا ضم وجمع بعضها إلى بعض ، ورجل ململم : هو المجموع بعضه إلى بعض. انظر حاشية ابن حمدون : ٢ / ١٧٤ ، اللسان : ٥ / ٤٠٧٨ (لمم) ، حاشية الملوي على المكودي : ٢٢٨.

(٥) في الأصل : لمذهب.

(٦) في الأصل : في. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٧٤.

(٧) في الأصل : لاما. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٧٤.

(٨) واختار ابن الناظم مذهب الكوفيين. وذهب الزجاج من البصريين إلى أن الصالح للسقوط زائد ، فتكون اللام الثانية من «لملم» زائدة.

انظر الخلاف في ذلك شرح ابن الناظم : ٨٢٨ ، شرح المرادي : ٥ / ٢٤١ ، شرح الأشموني : ٤ / ٢٥٥ ـ ٢٥٦ ، شرح المكودي : ٢ / ١٧٤ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٣٦٠ ، ابن عقيل مع الخضري : ٢ / ١٨٦ ، الهمع : ٦ / ٢٤٢ ، شرح الكافية لابن مالك : ٤ / ٢٠٣٥ ـ ٢٠٣٦.

٣٩٧

ثمّ شرع النّاظم في بيان (ما) (١) تطّرد زيادته ، وبدأ بالألف ، فقال رحمه‌الله تعالى :

فألف (٢) أكثر من أصلين

صاحب زائد بغير مين

يعني : أنّ الألف إذا صاحب ثلاثة أصول ـ حكم بزيادتها ، لأنّ الأكثر فيما صحبت الألف فيه أكثر من أصلين ـ الزّيادة ، وقد علمت (٣) زيادتها / بالاشتقاق فحمل عليه ما (٤) سواه ، وذلك نحو «ضارب ، وعماد ، وسلمى».

وفهم منه : أنّ الألف إذا صحبت أصلين فقط ، ليست زائدة ، نحو «باب ، وقال» ، بل هي من الأسماء (المتمكّنة) (٥) والأفعال بدل من ياء ـ كألف «باع ورمى ، وناب وفتى» ـ أو من واو ، كألف «قال ودعا ، وباب وعصا».

ولا تزاد الألف أوّلا ، وتزاد ثانية (٦) كـ «الضّارب» ، وثالثة كـ «عماد» ، ورابعة كـ «شملال» ، وخامسة كـ «قرقرى» ، وسادسة كـ «قبعثرى».

وتشارك الألف فيما ذكر الياء والواو ، وإلى ذلك أشار فقال رحمه‌الله تعالى :

واليا كذا والواو إن لم يقعا

كما هما في يؤيؤ ووعوعا

يعني : أنّ الياء والواو كالألف في الحكم عليها بالزّيادة إذا صحبت أكثر من أصلين إلا إذا تكرّرت في لفظ اسم ثنائيّ مكرّر نحو قولك : «يؤيؤ» في اسم طائر (٧)، و «وعوعة» مصدر «وعوع السّبع» إذا صوّت (٨).

وفهم من قوله : «واليا كذا والواو» أنّ الياء والواو إذا صحبا أصلين ـ حكم بأصالتهما ، نحو «بيع ونوم».

وفهم من قوله :

 ... إن لم يقعا

 ... إلى آخر البيت

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٧٤.

(٢) في الأصل : فالألف. انظر الألفية : ١٩٩.

(٣) في الأصل : عملت. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٧٥.

(٤) في الأصل : عليها. بدل «عليه ما» انظر شرح المكودي : ٢ / ١٧٥.

(٥) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٧٥.

(٦) في الأصل : ثانيا. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٧٥.

(٧) يؤيؤ : اسم طائر من الجوارح التي تصيد ، وهو صاحب مخلب يشبه الباشق الذي هو طائر لا يقدر على الطيران في الشتاء. انظر اللسان : ٦ / ٤٩٤٦ (يأيأ) ، المكودي مع ابن حمدون : ٢ / ١٧٥ ، شرح المرادي : ٥ / ٢٤٥.

(٨) انظر اللسان : ٦ / ٤٨٧٤ (وعع) ، شرح المكودي : ٢ / ١٧٥ ، شرح المرادي : ٥ / ٢٤٥.

٣٩٨

أنّهما إن صحبا أكثر من أصلين حكم عليهما بالزّيادة ، نحو «صيرف (١) ، وجهور» (٢).

وتزاد الياء أولا كـ «يرمع» (٣) ، وثانية كـ «صيرف» ، وثالثة كـ «عثير» (٤) ، ورابعة كـ «حذرية» (٥) ، وخامسة كـ «سلحفية» (٦).

ولا تزاد الواو أولا ، وتزاد ثانية (٧) كـ «جوهر» ، وثالثة كـ «جهور» ، ورابعة كـ «عصفور» ، وخامسة كـ «قمحدوّة» (٨).

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى / :

وهكذا همز وميم سبقا

ثلاثة تأصيلها تحقّقا

يعني : أنّ الهمزة والميم متساويتان في أنّه إذا تأخّر عنهما (٩) ثلاثة أحرف ، مقطوع بأصالتها ـ حكم عليهما (١٠) بالزّيادة ، لدلالة الاشتقاق في أكثر الصّور

__________________

(١) الصيرف : المتصرف في الأمور ، وقيل : هو المحتال المتقلب في أموره ، المتصرف في الأمور المجرب لها. انظر اللسان : ٤ / ٢٤٣٥ (صرف) ، حاشية ابن حمدون : ٢ / ١٧٥.

(٢) جهور : اسم موضع وقع في شعر سلمى بن المقعد الهذلي :

لو لا اتّقاء الله حين ادّخلتم

لكم صرط بين الكحيل وجهور

انظر معجم البلدان : ٢ / ١٩٤ ، مراصد الاطلاع : ١ / ٣٦٣ ، معجم ما استعجم : ٢ / ٤٠٠ ، ٣ / ١١١٧ ، حاشية ابن حمدون : ٢ / ١٧٥.

(٣) اليرمع : الحصى الأبيض تلألأ في الشمس ، وقيل : هي حجارة لينة رقاق بيض تلمع ، وقيل : حجارة رخوة ، والواحدة من كل ذلك يرمعة.

انظر اللسان : ٣ / ١٧٧٣١ (رمع) ، حاشية ابن حمدون : ٢ / ١٧٥.

(٤) العثير : العجاج الساطع ، يعني : الغبار ، وقيل : هو كل ما قلبت من تراب أو مدر أو طين بأطراف أصابع رجليك ، إذا مشيت لا يرى من القدم أثر غيره فيقال : ما رأيت له أثرا ولا عثيرا. انظر اللسان : ٤ / ٢٨٠٦ (عثر) ، حاشية ابن حمدون : ٢ / ١٧٥.

(٥) في الأصل : حندرية. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٧٥. والحذرية : قطعة من الأرض غليظة.

انظر اللسان : ٢ / ٨٠٠ (حذر) حاشية ابن حمدون : ٢ / ١٧٥.

(٦) السلحفية : واحدة السلاحف من دواب الماء ، وقيل : هي الأنثى من الغيالم (والغيالم : السلحفاة ، وقيل : ذكرها ، والغيلم أيضا : الضفدع). انظر اللسان : ٣ / ٢٠٦٢ (سلحف) ، ٥ / ٣٢٩٠ (غلم).

(٧) في الأصل : ثانيا. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٧٥.

(٨) القمحدوة : الهنة الناشزة فوق القفا ، وهي بين الذؤابة والقفا منحدرة عن الهامة ، إذا استلقى الرجل أصابت الأرض من رأسه ، والجمع قماحد ، والقمحودة أيضا : ما أشرف على القفا من عظم الرأس والهامة فوقها ، والقذال دونها مما يلي المقد ، وقيل : القمحدوة : مؤخر القذال.

انظر اللسان : ٥ / ٣٧٣٥ (قمحد) ، حاشية ابن حمدون : ٢ / ١٧٥.

(٩) في الأصل : عنها. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٧٦.

(١٠) في الأصل : عليها. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٧٦.

٣٩٩

على زيادتهما (١) ، نحو «أفضل ، وأحمد ، ومكرم ، ومنطلق» ، وحمل عليه ما (٢) سواه (٣) ، نحو «أفكل (٤) ، ومخلب».

وفهم من قوله : «سبقا» أنّهما لا تكون زيادتهما (في) (٥) غير الأوّل (٦).

وفهم من قوله : «تحقّقا» أنّ الثّلاثة الأحرف (٧) الواقعة بعدهما ، إذا لم تحقّق أصالتها لم يحكم بزيادتها إلا بدليل ، نحو «أيدع» (٨) ، لأنّه يحتمل أن تكون الهمزة فيه أصليّة (٩) ، فيكون وزنه «فيعل» ، نحو «صيرف» (١٠) ، أو الياء ، فيكون وزنه «أفعل» ، لكن (١١) الهمزة فيه زائدة ، لأنّ باب «أفعل» أكثر من باب «فيعل».

إلا أنّ الهمزة إذا وقعت آخرا ، قبلها ألف زائدة ـ حكم بزيادتها وسيأتي (١٢).

ثمّ قال :

كذاك همز آخر بعد ألف

أكثر من حرفين لفظهما ردف

يعني : أنّ الهمزة أيضا تطّرد (١٣) زيادتها ، إذا وقعت آخرا بعد ألف ، وقبل

__________________

(١) في الأصل : زيادتها. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٧٦.

(٢) في الأصل : عليها. بدل «عليه ما». انظر شرح المكودي : ٢ / ١٧٦.

(٣) أي : يحمل الجامد على المشتق. انظر حاشية ابن حمدون : ٢ / ١٧٦.

(٤) في الأصل : فكل. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٧٦. والأفكل : الرعدة من برد أو خوف ولا يبنى منه فعل ، وهمزته زائدة ، ووزنه أفعل ولهذا إذا سميت به لم تصرفه للتعريف ووزن الفعل. انظر اللسان : ١ / ٩٨ (أفكل) ، حاشية ابن حمدون : ٢ / ١٧٦.

(٥) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٧٦.

(٦) في الأصل : أول. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٧٦.

(٧) في الأصل : أحرف. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٧٦.

(٨) الأيدع : اسم للزعفران ، وقيل : هو صبغ أحمر ، وقيل : هو خشب البقم. انظر اللسان : ٦ / ٤٩٥٠ (يدع) ، حاشية ابن حمدون : ٢ / ١٧٦.

(٩) في الأصل : «أصله» بدل «وزنه». انظر شرح المكودي بحاشية الملوي : ٢٢٩.

(١٠) في الأصل : «نحو صيرف» ورد بعد قوله : «فيكون وزنه أفعل». انظر المكودي بحاشية الملوي : ٢٢٩.

(١١) في الأصل : لأن. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٧٦.

(١٢) سيأتي ذلك في البيت بعد متصلا به ، ولو قال بدل قوله : «وسيأتي» : وإلى ذلك أشار بقوله : «كذاك همز ... إلخ» لكان حسنا.

(١٣) في الأصل : يطرد. انظر شرح المكودي : ٢ / ١٧٦.

٤٠٠