شرح ابن طولون - ج ٢

أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]

شرح ابن طولون - ج ٢

المؤلف:

أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]


المحقق: الدكتور عبد الحميد جاسم محمّد الفيّاض الكبيسي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-3522-8
الصفحات: ٥٤٤
الجزء ١ الجزء ٢

الباب التاسع والثلاثون

التوكيد

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

التّوكيد (١)

هو تقوية المعنى في النّفس ، وقصد رفع الشّكّ عن الحديث ، أو المحدّث عنه (٢).

فتقوية المعنى في النّفس يشمل التّوكيد بالقسم ، و «إنّ» (٣) ، واللّام ، وغيرها.

وقصد رفع الشّكّ عن الحديث ـ يشمل توكيد الفعل بالمصدر ، وتوكيد عامل الحال بها (٤).

وقصد رفع الشّكّ عن المحدّث عنه ـ هو المقصود بالتّبويب هنا ، وهو التّابع الرّافع توهّم النّسبة إلى غير المتبوع أو إلى بعضه (٥).

__________________

(١) ويقال أيضا : التأكيد ، وهما لغتان ، وهو بالواو أكثر.

انظر شرح الأشموني : ٣ / ٧٣ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ١٢٠ ، شرح ابن يعيش : ٣ / ٣٩ ، حاشية الخضري : ٢ / ٥٦ ، معجم المصطلحات النحوية : ٢٤٦ ، الهمع : ٥ / ١٩٧.

(٢) قال ابن عصفور : التوكيد لفظ يراد به تمكين المعنى في النفس أو إزالة الشك عن الحديث أو المحدث عنه ، وذلك أن التوكيد ينقسم إلى قسمين : توكيد لفظي ، وتوكيد معنوي.

فالتوكيد اللفظي يكون بإعادة اللفظ على حسب ما تقدم ويكون في المفرد والجملة.

والتوكيد المعنوي ينقسم إلى قسمين :

ـ قسم يراد به إزالة الشك عن الحديث ، وهو التوكيد بالمصدر نحو قولك : «مات زيد موتا».

ـ وقسم يراد به إزالة الشك عن المحدث عنه ، وهو التوكيد بالألفاظ التي وضعتها العرب لذلك. انتهى بتصرف.

انظر شرح ابن عصفور : ١ / ٢٦٢ ـ ٢٦٤ ، المقرب : ١ / ٢٣٨.

(٣) في الأصل : الواو. ساقط.

(٤) فمن توكيد الفعل بالمصدر نحو «مات زيد موتا» ، ومن توكيد عامل الحال بالحال نحو «ولى مدبرا» ، فـ «مدبرا» حال من الضمير في «ولى» ، وهو توكيد لعامله.

انظر شرح ابن عصفور : ١ / ٢٦٣ ، المقرب : ١ / ٢٣٨ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٢٤ ، شرح دحلان : ٧٨.

(٥) وقال ابن الحاجب : التأكيد تابع يقرر أمر المتبوع في النسبة أو الشمول.

٦١

فالتّابع : جنس يشمل (جميع) (١) التّوابع ، وما / بعده فصل مخرج لسائرها. وتقسيم رفع التّوهّم يشمل نحو «جاء زيد نفسه ، وجاء القوم كلّهم».

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

بالنّفس أو بالعين الاسم أكدّا

مع ضمير طابق المؤكّدا

بدأ بالكلام على التّوكيد المعنويّ (٢) ، وقدّم ما سيق لرفع توهّم المجاز عن ذات المسند إليه ، وهو لفظ «النّفس» ولفظ «العين».

ويؤكّد بهما مفردين ومجتمعين ، تقول : «جاء الأمير» ، فيحتمل مجيء خبره ، أو ثقله ، أو الإخبار (٣) بقرب مجيئه ، فإذا أكّدت بهما أو بأحدهما ارتفع ذلك الاحتمال.

ويؤكّد بهما (٤) الاسم المفرد ، ويلزم إضافتهما إلى ضمير مطابق له في التّذكير والتّأنيث ، نحو «جاء زيد نفسه ، ورأيت هندا عينها».

وإن كان المؤكّد ضميرا ـ طابقه في التّكلّم والخطاب والغيبة ، نحو «قمت نفسي ، ورأيتك (نفسك) (٥) ، وضربته نفسه».

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

واجمعهما بأفعل إن تبعا

ما ليس واحدا تكن متّبعا

أي : إذا أكّدت بالنّفس أو العين ما زاد على الواحد من مثنّى أو جمع ذكور أو إناث ـ أتيت بهما على صيغة الجمع على «أفعل» مضافين إلى ضمير مطابق

__________________

انظر التعريفات : ٥٠ ، شرح الكافية للرضي : ١ / ٣٢٨ ، تاج علوم الأدب : ٣ / ٩١٤ ، الفوائد الضيائية : ٢ / ٥٦ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٢٦٤ ، معجم المصطلحات النحوية : ٢٤٦ ـ ٢٤٧ ، الهمع : ٥ / ١٩٧ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٦٠٨ ، كاشف الخصاصة : ٢٣٠ ، معجم النحو : ١١٩.

(١) ما بين القوسين ساقط من الأصل.

(٢) التوكيد المعنوي ـ كما في التسهيل ـ هو التابع الرافع توهم إضافة إلى المتبوع أو أن يراد به الخصوص. وفي الأشموني : هو التابع الرافع احتمال إرادة غير الظاهر. وقال أبو حيان : المعنوي تابع بألفاظ محصورة فلا يحتاج إلى حد ولا رسم. والتوكيد المعنوي نوعان سيذكرهما المؤلف بعد.

انظر التسهيل : ١٦٤ ، شرح الأشموني : ٣ / ٧٣ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٦٠٨ ، الهمع : ٥ / ١٩٧ ، شرح دحلان : ١٢٣ ، معجم المصطلحات النحوية : ٢٤٧.

(٣) في الأصل : والإخبار.

(٤) في الأصل : وتوكديهما.

(٥) ما بين القوسين ساقط من الأصل.

٦٢

للمؤكّد (١) ، نحو «جاء الزّيدان ، أو الهندان أنفسهما ، والزّيدون أنفسهم ، والهندات / أنفسهنّ» ، وكذلك يطابقه في التّكلّم ، وقسيميه (٢) ـ كما سبق ـ.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وكلّا اذكر في الشّمول وكلا

كلتا جميعا بالضّمير موصلا

هذا النّوع الثّاني من التّوكيد المعنويّ ، وهو ما سيق لرفع توهّم المجاز عن جملة المسند إليه ، وهو «كلّ» (٣) ، نحو «اشتريت العبد كلّه» ، و «كلا» ويؤكّد بها المثنّى المذكّر ، نحو «قام الزّيدان كلاهما» ، و «كلتا» ، ويؤكّد بها المثنّى المؤنّث ، نحو «جاءت (٤) الهندان كلتاهما».

ويجب اتّصالهما بضمير مطابق للمؤكّد ـ كما سبق ـ ، ولذلك لم يجعل قوله تعالى : (إِنَّا) كلا (فِيها) [غافر : ٤٨] ـ على قراءة النّصب (٥) ـ توكيدا (٦) عند المحقّقين (٧).

__________________

(١) في الأصل : المؤكد.

(٢) في الأصل : وقسميه.

(٣) كل : لتوكيد الجمع مطلقا ، والمفرد بشرط أن يتجزأ بنفسه أو بعامله نحو «جاء القوم كلهم ، والهندات كلهن ، واشتريت العبد كله». و «جميع وعامة» بمنزلة «كل» معنى واستعمالا ، تقول : «جاء القوم جميعهم أو عامتهم» ، والهندات جميعهن أو عامتهن ، واشتريت العبد جميعه أو عامته». قال ابن الناظم : وأغفل أكثر النحويين التوكيد بهذين الاسمين ونبه عليهما سيبويه.

انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ١٢٢ ـ ١٢٣ ، شرح ابن الناظم : ٥٠٣ ، الكتاب : ١ / ٢٧٤ ، الهمع : ٥ / ١٩٩ ، شرح المرادي : ٣ / ١٦٠ ، شرح الأشموني : ٣ / ٧٤ ـ ٧٥ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٦٠٩ ـ ٦١١.

(٤) في الأصل : جاء.

(٥) وهي قراءة ابن السميقع وعيسى بن عمر. وقراءة الجمهور بالرفع. انظر تفسير القرطبي : ١٥ / ٣٢١.

(٦) في الأصل : توكيد.

(٧) بل بدلا من اسم «إن» ، وإبدال الظاهر من ضمير الحاضر بدل كل جائز إذا كان مفيدا للإحاطة نحو «قمتم ثلاثتكم» ، وبدل الكل لا يحتاج إلى ضمير. قال ابن الأنباري : ولا يجوز أن ينصب «كل» على البدل من الضمير في «أنا» لأن ضمير المتكلم لا يبدل منه لأنه لا لبس فيه فلا يفتقر إلى أن يوضح بغيره. وخرجها ابن مالك على أن «كلا» حال من الضمير في «فيها».

قال ابن هشام : وفيه ضعفان : تنكير «كل» بقطعها عن الإضافة لفظا ومعنى ، وهو نادر ، وتقديم الحال على عاملها الظرفي. وذهب الكوفيون والفراء وتبعهم الزمخشري إلى أن «كلا» على هذه القراءة توكيد ، وذلك بناء على ما أجازوا من الاستغناء بنية الإضافة عن صريحها ،

٦٣

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

واستعملوا أيضا ككلّ فاعله

من عمّ في التّوكيد مثل النّافله

بنوا للدّلالة على الشّمول «فاعلة» ، من «عمّ» بوزن «نافلة» ، والتّاء فيه مزيدة ، كما هي في «نافلة» ، لا للدّلالة على التّأنيث (١) ، واستعملوه استعمال «كلّ» في تأكيد الجمعين ، وإضافته إلى الضّمير المطابق ، فقالوا : «جاء القوم عامّتهم» ، و «قام النّساء عامّتهنّ».

والمراد به : الشّمول لا الأكثر ، كما تفهمه العامّة (٢).

ومن الألفاظ التي يؤكّد بها لقصد (٣) الشّمول «جميع» ، واستعمالها غريب (٤) ، نحو :

__________________

والتقدير : كلنا فيها. والقراءة المشهورة برفع «كل» قال ابن الأنباري : فـ «كل» مبتدأ ، وهو في تقدير الإضافة ، و «فيها» خبره ، والجملة من المبتدأ في موضع رفع لأنها خبر «إن».

انظر مغني اللبيب : ٢٥٧ ، ٦٦٢ ـ ٦٦٣ ، شرح الأشموني : ٣ / ٧٥ ، شرح المرادي : ٣ / ١٦١ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ١٢٣ ، الهمع : ٥ / ١٩٩ ـ ٢٠٠ ، التسهيل : ١٦٤ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٦١٠ ، البيان لابن الأنباري : ٢ / ٣٣٢ ، إعراب النحاس : ٤ / ٣٦ ، معاني الفراء : ٣ / ١٠ ، تفسير القرطبي : ١٥ / ٣٢١ ، تفسير الكشاف (دار المعرفة) : ٣ / ٣٧٤.

(١) قال الأزهري : والتاء فيها لازمة بمنزلتها في اللزوم في «النافلة» فتصلح مع المؤنث والمذكر ، فتقول : «اشتريت الأمة عامتها والعبد عامته» بالتاء مع الذكر كما قال تعالى : (وَيَعْقُوبَ نافِلَةً). وحمل ابن الناظم قول والده : «مثل النافلة» على الزيادة على ما ذكره النحويون في هذا الباب ، فقال : «وقوله : «مثل النافلة» يعني به أن عد «عامة» من ألفاظ التوكيد مثل النافلة ، أي : الزائد على ما ذكره النحويون في هذا الباب ، فإن أكثرهم أغفله». وقال : «وليس هو في حقيقة الأمر نافلة على ما ذكروه ، لأن أجلهم سيبويه رحمه‌الله لم يغفله». انتهى.

انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ١٢٣ ـ ١٢٤ ، شرح ابن الناظم : ٥٠٤ ، شرح المرادي : ٣ / ١٦٤ ، الكتاب : ١ / ٢٧٤ ، المكودي مع ابن حمدون : ٢ / ١٥ ، شرح دحلان : ١٢٤ ، ابن عقيل مع الخضري : ٢ / ٥٧ ، البهجة المرضية : ١٢٣ ، شرح الأشموني : ٣ / ٧٦.

(٢) قال الأزهري : وفي الإفصاح أن المبرد خالف سيبويه فزعم أن «عامتهم» بمعنى أكثرهم ، فعنده يكون من بدل البعض عكس معنى التوكيد ، فإنه تخصيص والتوكيد تعميم. انتهى.

انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ١٢٤ ، الكتاب : ١ / ٢٧٤ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٦١٠ ـ ٦١١ ، شرح الأشموني : ٣ / ٧٦ ، الهمع : ٥ / ١٩٩.

(٣) في الأصل : القصد.

(٤) قال ابن هشام في التوضيح : والتوكيد بـ «جميع» غريب ، وقال في المغني التوكيد بـ «جميع» قليل. وقال ابن مالك : وأغفل أكثر النحويين «جميعا» ونبه سيبويه على أنها بمنزلة «كل» معنى واستعمالا ، ولم يذكر له شاهدا من كلام العرب ، وقد ظفرت بشاهد له ، وهو قول امرأة ترقص ابنها :

٦٤

١٦٩ ـ فداك حيّ خولان

جميعهم وهمدان

وليس منه : (خَلَقَ / لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) [البقرة : ٢٩] ، لعدم الإضافة إلى ضمير المؤكّد (٢).

ثمّ قال :

وبعد كلّ أكّدوا بأجمعا

جمعاء أجمعين ثمّ جمعا

قد يراد (٣) زيادة التّوكيد ، فيؤتى بعد «كلّ» بـ «أجمع» ، مطابق لحال المؤكّد في الإفراد والتّذكير وأضدادهما نحو «اشتريت العبد كلّه أجمع ، وقمت اللّيلة كلّها جمعاء» ، و (فَسَجَدَ)(٤) الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ [الحجر : ٣٠] ، و «جاء النّساء كلّهنّ جمع».

والتّحقيق : أنّه لا يؤكّد به المثنّى ـ كما يأتي (٥) ـ.

ثمّ قال :

ودون كلّ قد يجيء أجمع

جمعاء أجمعون ثمّ جمع

__________________

فداك حيّ خولان

جميعهم وهمدان

انظر أوضح المسالك : ١٨٢ ، مغني اللبيب : ٦٦٢ ، شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١١٧١ ، الكتاب : ١ / ٢٧٤ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ١٢٢ ـ ١٢٣ ، الهمع : ٥ / ١٩٩ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٦١٠.

١٦٩ ـ من منهوك المنسرح لامرأة من العرب قالته وهي ترقص ابنها ، وبعده :

وكلّ آل قحطان

والأكرمون عدنان

فداك : من فداه يفديه. ويروى : فذاك ، قال العيني : وقد أنشده بعضهم بالذال المعجمة ظنا منه أن الفاء فيه عاطفة ، و «ذاك» إشارة وخطاب ، وهذا تحريف وخطأ. انتهى. خولان وهمدان : قبيلتان من اليمن. والشاهد في قولها : «جميعهم» فإنه تأكيد بمنزلة «كل» في المعنى والاستعمال ، فكما تقول : «جاء الجيش كله» تقول : «جاء الجيش جميعه».

انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ١٢٣ ، الشواهد الكبرى : ٤ / ٩١ ، شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١١٧١ ، الهمع (رقم) : ١٥٥٣ ، الدرر اللوامع : ٢ / ١٥٥ ، شرح ابن الناظم : ٥٠٤ ، أوضح المسالك : ١٨٢.

(١) وذهب ابن عقيل إلى أن «جميعا» توكيد لـ «ما» الموصولة الواقعة مفعولا لـ «خلق» قال ابن هشام : «ولو كان كذا لقيل «جميعه» ، ثم التوكيد بـ «جميع» قليل ، فلا يحمل عليه التنزيل». وقال الأشموني : «بل «جميعا» حال».

انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ١٢٢ ، مغني اللبيب : ٦٦٢ ، شرح الأشموني : ٣ / ٧٥.

(٢) في الأصل : تراد.

(٣) في الأصل : سجد.

(٤) عند قول الناظم :

واغن بكلتا في مثنّى وكلا

عن وزن فعلاء ووزن أفعلا

٦٥

قد يؤكّد بـ «أجمع» (١) وفروعه ، وإن لم تسبق «كلّ» ، نحو قوله تعالى : (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ) [الحجر : ٤٣] ، وقوله :

١٧٠ ـ إذن ظللت (٣) الدّهر أبكي أجمعا

و «جاء القوم جمع».

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وإن يفد توكيد منكور قبل

وعن نحاة البصرة المنع شمل

لا تؤكّد النّكرة عند عدم الفائدة اتّفاقا (٤) ، و (تؤكّد) (٥) مع حصول الفائدة ،

__________________

(١) في الأصل : جمع. بدل : بأجمع.

١٧٠ ـ من الرجز لأعرابي نظر إلى امرأة حسناء ومعها صبي يبكي ، فكلما بكى قبلته ، فأنشأ يقول ذلك ، وقبله :

يا ليتني كنت صبيّا مرضعا

تحملني الذّلفاء حولا أكتعا

إذا بكيت قبّلتني أربعا

الذلفاء : من الذلف وهو صغر الأنف واستواء الأرنبة ، ويحتمل أنه اسم امرأة منقول من هذا ، وجملة «إذن ظللت ... الخ» جواب شرط محذوف ، والتقدير : لو حصل ما تمنيته استمررت في البكاء حتى تستمر الذلفاء تحملني وتقبلني كلما بكيت. والشاهد في قوله : «أجمعا» حيث أكد به «الدهر» وهو غير مسبوق بـ «كل».

انظر شرح الأشموني : ٣ / ٧٦ ، مغني اللبيب (رقم) : ١٠٣٦ ، شرح ابن عقيل : ٢ / ٥٧ ، أبيات المغني : ٧ / ٢٨٥ ، الخزانة : ٥ / ١٦٨ ، الشواهد الكبرى : ٤ / ٩٣ ، الدرر اللوامع : ٢ / ١٥٧ ، شواهد العدوي : ٢٠٢ ، المكودي مع ابن حمدون : ٢ / ١٦ ، شرح ابن الناظم : ٥٠٥ ، كاشف الخصاصة : ٢٣٢ ، شواهد الجرجاوي : ٢٠٢ ، شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١١٧٣ ، شرح الشاطبي (رسالة دكتوراه) : ١ / ٢٠٩ ، ٢١٢ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٦١٣.

(٢) في الأصل : لظللت. انظر المراجع المتقدمة.

(٣) انظر أوضح المسالك : ١٨٢ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ١٢٤ ، شرح دحلان : ١٢٤ ، وقال ابن مالك : «فلا خلاف في منع توكيد النكرة غير المحدودة إذ لا فائدة في توكيدها». انتهى. وقد ذكر أن بعض الكوفيين ذهبوا إلى الجواز مطلقا أفاد أم لم يفد ، فيقدح في دعوى الاتفاق ، إلا إذا فسر الإطلاق في كلامه بناء على ما هو الحق.

انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ١٢٤ ، الهمع : ٥ / ٢٠٤ ، شرح المرادي : ٥ / ٢٠٤ ، المكودي مع ابن حمدون : ٢ / ١٥.

(٤) ما بين القوسين ساقط من الأصل.

٦٦

وفاقا (١) (للكوفيّين) (٢)(٣) ، لكون المؤكّد محدودا (٤) ، والتّوكيد من الألفاظ الدّالّة على الشّمول ، نحو «اعتكفت شهرا كلّه» ، بخلاف «صمت زمنا كلّه (٥) ، وشهرا نفسه» (٦).

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

واغن بكلتا في مثنّى وكلا

عن وزن فعلاء ووزن أفعلا

__________________

(١) في الأصل : اتفاقا. راجع شرح دحلان : ١٢٤.

(٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل. راجع شرح دحلان : ١٢٤. وقد قطعت بوجود تحريف وسقط في هذه العبارة لأنه ليس من المعقول خفاء معنى البيت على المؤلف ، حيث أنه صريح في الدلالة على وجود خلاف في هذه المسألة ، كما أن الناسخ متهم عندي لكثرة ما لحظته في نسخه من تحريف وسقط ، فحرصت قدر المستطاع على إظهار النص بالصورة المرضية لمؤلفه.

(٣) في هذه المسألة ثلاثة مذاهب :

الأول : المنع مطلقا وهو مذهب البصريين.

الثاني : الجواز مطلقا وهو مذهب بعض الكوفيين ، قال أبو حيان : «واختاره ابن مالك ، فأجاز «صمت شهرا كله».

الثالث : الجواز إذا كانت النكرة مؤقتة وهو مذهب باقي الكوفيين والأخفش.

قال ابن هشام : «وهو الصحيح». وهو اختيار الناظم لإفادته ، ولورود السماع به ومنه قوله :

لكنّه شاقه أن قيل ذا رجب

يا ليت عدّة حول كلّه رجب

قال المرادي : ظاهر النظم موافقة الثاني وهو الجواز مطلقا مؤقتة كانت أو غير مؤقتة ، إذ لم يشترط في الجواز غير الإفادة ، قال في شرح الكافية : «وإجازته أولى بالصواب لصحة السماع بذلك ، ولأن في ذلك فائدة». وقوله في التسهيل : «وإن أفاد توكيد النكرة جاز وفاقا للأخفش والكوفيين» يقتضي موافقة الثالث ، وهو الجواز إذا كانت مؤقتة ، إذ الأخفش ومن وافقه من الكوفيين خصوا ذلك بالمؤقتة على ما نقل عنهم. انتهى.

انظر ذلك في الهمع : ٥ / ٢٠٤ ، شرح المرادي : ٣ / ١٦٩ ، التسهيل : ١٦٥ ، شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١١٧٧ ، شرح الأشموني : ٣ / ٧٧ ، تاج علوم الأدب : ٣ / ٩١٩ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٢٦٧ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٦١٢ ، شرح المكودي : ٢ / ١٥ ، الإنصاف (مسألة : ٦٣) : ٢ / ٤٥١ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ١٢٤ ، شرح ابن عقيل : ٢ / ٥٧ ـ ٥٨ ، شرح الرضي : ١ / ٣٣٥ ، أوضح المسالك : ١٨٢ ، شرح دحلان : ١٢٤ ، شرح ابن الناظم : ٥٠٦.

(٤) في الأصل : محدود.

(٥) لأن النكرة غير محدودة ، فإن الزمن يصح للقليل والكثير. انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ١٢٥ ، حاشية الصبان : ٢ / ٧٨.

(٦) لأن التوكيد ليس من ألفاظ الإحاطة ، ولا فائدة في ذلك. انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ١٢٥ ، حاشية الصبان : ٣ / ٧٨.

٦٧

استغنوا في تأكيد المثنّى بـ «كلا ، وكلتا» ، فلم يؤكّدوا بعدهما / بـ «أجمع» ، ولا بـ «جمعاء» (١)(٢).

ولا سماع مع الكوفيّين في إجازة «جاء الزّيدان أجمعان ، والهندان جمعاوان» (٣).

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وإن تؤكّد الضّمير المتّصل

بالنّفس والعين فبعد المنفصل

عنيت ذا الرّفع وأكّدوا بما

سواهما والقيد لن يلتزما

إذا أكّد ضمير الرّفع المتّصل أو المستكنّ بـ «النّفس أو العين» أكّد قبل ذلك بضمير (٤) رفع منفصل مطابق له ، نحو «قمت أنا نفسي ، وقامت هي نفسها ، وقاما ، أو قامتا هما أعينهما ، وقاموا (٥) هم أنفسهم ، وقمن هنّ أعينهنّ» (٦).

ويؤكّد أيضا بما سوى «النّفس ، والعين» من «كلّ ، وكلا ، وكلتا» و «أجمع»

__________________

(١) في الأصل : ولا بجمعها.

(٢) بل منعوا توكيد المثنى بهما أصلا ، إذ لم يسمع ذلك من العرب ، وهذا مذهب البصريين.

والمراد بـ «أجمع وجمعاء» هنا تثنيتهما ، وذلك لأن نفس لفظ «أجمع وجمعاء» لا يصلح للمثنى.

انظر في ذلك شرح الهواري (١٤٠ / بـ ـ ١٤١ / أ) ، التصريح على التوضيح : ٢ / ١٢٤ ، شرح الرضي : ١ / ٣٣٤ ، الأشموني مع الصبان : ٣ / ٧٨ ، شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١١٧٨ ، شرح المرادي : ٣ / ١٧٠ ، الهمع : ١ / ١٤٤ ، شرح ابن عقيل : ٢ / ٥٨ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٦١٢ ، حاشية ابن حمدون : ٢ / ١٦.

(٣) في الأصل : والهندات جمعاوات. راجع التصريح : ٢ / ١٢٤. وإنما أجازوا ذلك قياسا معترفين بعدم السماع ، وقال ابن خروف : ومن منع تثنيتهما فقد تكلف وادعى ما لا دليل فيه. وهذا الخلاف جار أيضا فيما وازنهما من نحو «أكتع وكتعاء».

انظر شرح الرضي : ١ / ٣٣٤ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ١٢٤ ، شرح الأشموني : ٣ / ٧٨ ، شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١١٧٨ ، شرح المرادي : ٣ / ١٧٠ ، الهمع : ١ / ١٤٤ ، شرح ابن عقيل : ٢ / ٥٨ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٦١٢ ، حاشية ابن حمدون : ٢ / ١٦ ، شرح الهواري : (١٤١ / أ).

(٤) في الأصل : ضمير.

(٥) في الأصل : وقالوا.

(٦) وعلته أن تركه يؤدي إلى اللبس في بعض الصور ، نحو «هند ذهبت نفسها أو عينها» لاحتمال أن يظن أنها ماتت أو عميت ، وحملوا ما لا لبس فيه على ما ألبس. وذكر الأخفش أنه يجوز على ضعف «قوموا أنفسكم».

انظر الهمع : ٥ / ١٩٧ ـ ١٩٨ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ١٢٦ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٦٠٨.

٦٨

وفروعه ، فلا يلتزم القيد المذكور من تقدّم الضّمير المرفوع المنفصل ، بل تقول : «جاؤا كلّهم ، وقاما كلاهما ، وقاموا (١) أجمعون» وإن شئت أتيت بالضّمير المنفصل ، فقلت : «قاموا هم كلّهم».

أما غير المرفوع من الضّمائر : إذا أكّد ـ لم يلتزم تأكيده بالضّمير ، (سواء) (٢) أكّد بـ «النّفس» ، أو بـ «العين» ، أو بغيرهما من الألفاظ ، بل تقول : «رأيتك نفسك» ـ وإن شئت قلت : «رأيتك (أنت نفسك)» (٣) ، و «رأيتهم أنفسهم» ، ـ ومثله : (لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) [الحجر : ٣٩] ـ ، وإن شئت قلت : «هم أنفسهم».

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى / :

وما من التّوكيد لفظيّ يجي

مكرّرا كقولك ادرجي ادرجي

التّوكيد اللّفظيّ (٤) عبارة عن تكرار اللّفظ السابق ، إمّا بعطف ، نحو (كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ، ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) [النبأ : ٤ ـ ٥] ، وإمّا دونه ، نحو (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) [الواقعة : ١٠] لكن مع الجملة : الأكثر أن يكون بعطف ، وليس بلازم بدليل قوله :

١٧١ ـ فأين إلى أين النّجاء ببغلتي

أتاك أتاك اللاحقون احبس احبس

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

ولا تعد لفظ ضمير متّصل

إلّا مع اللّفظ الّذي به وصل

إذا قصد تأكيد لفظ الضّمير المتّصل ـ وجب إعادة لفظ ما وصل (به) (٦) معه ، نحو «عجبت منك منك ، ومررت به به».

__________________

(١) في الأصل : وقالوا.

(٢ ـ ٣) ما بين القوسين ساقط من الأصل.

(٤) وفي التسهيل : التوكيد اللفظي إعادة اللفظ أو تقويته بموافقه معنى. وفي شرح الكافية لابن مالك : وهو أن يعاد اللفظ بعينه مجردا أو مقرونا بعاطف.

انظر في ذلك التسهيل : ١٦٦ ، شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١١٨٣ ، شرح المرادي : ٣ / ١٧٢ ، شرح الرضي : ١ / ٣٣١ ، الهمع : ٥ / ٢٠٦ ، الفوائد الضيائية : ٢ / ٥٧ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ١٢٦ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٢٦٢ ، شرح الفريد : ٣٨٠ ، شرح المكودي : ٢ / ١٧ ، شرح الأشموني : ٣ / ٨٠ ، شرح ابن عقيل : ٢ / ٥٨ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٦١٥.

١٧١ ـ من الطويل ولم أعثر على قائله ، وقد تقدم الكلام عليه ص ٣٥٩ / ج ١ من هذا الكتاب.

والشاهد في قوله : «احبس احبس» حيث أكدت الجملة الأولى بالثانية بدون عطف إحداهما على الأخرى.

(٥) ما بين القوسين ساقط من الأصل.

٦٩

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

كذا الحروف غير ما تحصّلا

به جواب كنعم وكبلى

أي : الحروف مثل الضّمائر المتّصلة في وجوب إعادة ما اتّصلت به معها ، إذا قصد تأكيد ألفاظها ، نحو (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ ، وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً ، أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) [المؤمنون : ٣٥].

وقد يستغنى بإعادة (ضمير) (١) ما اتّصل بالحرف ، نحو «إنّ زيدا إنّه فاضل».

وزعم بعضهم : أنّه أولى من إعادة لفظه (٢).

أمّا حروف الجواب فلا يشترط فيها ذلك ، إذ كلّ واحد منها قائم مقام الجملة ، بل يجوز أن تقول «نعم نعم» ، و «أجل أجل» ، قال الشّاعر :

١٧٢ ـ لا لا أبوح بحبّ / بثنة إنّها

أخذت عليّ مواثقا وعهودا

والأحسن إعادة حرف الجواب بمرادفه (٤) ، نحو «أي نعم» ، و «بلى جير» (٥) ، وكقوله (٦) :

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط من الأصل. راجع التصريح : ٢ / ١٢٩.

(٢) وإليه ذهب ابن هشام في التوضيح ، والأشموني في شرح الألفية. ويجب أيضا الفصل بين الحرفين المؤكد والمؤكد ، فإن جاءا من غير فصل فهو شاذ ، نحو :

إنّ إنّ الكريم يحلم ما لم

يرين من أجاره قد ضيما

وأجازه الزمخشري اختيارا. قال ابن مالك في شرح التسهيل : «وقوله مردود لعدم إمام يستند إليه ، وسماع يعول عليه ، ولا حجة له في هذا البيت فإنه من الضرورات».

انظر أوضح المسالك : ١٨٤ ، الهمع : ٥ / ٢١٠ ـ ٢١١ ، شرح الأشموني مع الصبان : ٣ / ٨٢ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ١٢٩ ـ ١٣٠ ، شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١١٨٥ ، شرح المرادي : ٣ / ١٧٧ ـ ١٧٩ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٦١٧ ، المفصل : ١١٢.

١٧٢ ـ من الكامل لجميل بن معمر العذري صاحب بثينة ، في ديوانه (٧٩) منفردا. بثنة : اسم محبوبة جميل ، وهي في اللغة : الأرض اللينة السهلة ، والمشهور بثينة ـ بالتصغير ـ ، ويروى : «مية» بدل «بثنة». الموثق بمعنى : الميثاق ، وهو العهد. والشاهد في قوله : «لا لا» حيث كرر فيه «لا» النافية لأجل التأكيد.

انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ١٢٩ ، الشواهد الكبرى : ٤ / ١١٤ ، الخزانة : ٥ / ١٩٥ ، الهمع (رقم) : ١٥٦٨ ، الدرر اللوامع : ٢ / ١٥٩ ، شرح الأشموني : ٣ / ٨٤ ، حاشية يس : ٢ / ١٣٠ ، تاج علوم الأدب : ٣ / ٩١٤ ، شرح الرضي : ١ / ٣٣٢ ، أوضح المسالك : ١٨٤ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٦١٦.

(٣) قال ابن مالك في شرح الكافية (٣ / ١١٨٦): «وأحسن من توكيد اللفظ بإعادته إذا كان المؤكد حرفا أو ضميرا متصلا توكيده بمرادفه ، كقولك بدل «نعم نعم» : «أي نعم» ، أو «أجل جير». انتهى.

(٤) في الأصل : خير.

(٥) في الأصل : الواو. ساقط.

٧٠

١٧٣ ـ وقلن على الفردوس أوّل مشرب

أجل جير إن كانت أبيحت دعائره

ثمّ قال :

ومضمر الرّفع الّذي قد انفصل

أكّد به كلّ ضمير اتّصل

قد سبق أنّ تأكيد غير المرفوع من الضّمائر المتّصلة بالمنفصل جائز (لا) (٢) واجب ، ويؤكّد بالمنفصل ، لأجل تأكيده ببعض ألفاظ التّوكيد ، أو لإرادة العطف عليه ، وهو من قسم التّوكيد اللّفظيّ ، وتؤكّده بضمير الرّفع المنفصل ، نحو «مررت بي أنا ، ورأيتك أنت ، وأكرمته هو» ، ولا يؤكّد المجرور إلّا بذلك.

وأمّا المنصوب ، فإذا قيل : «أكرمتك إيّاك» ، فهو بدل عند البصريين ، وتأكيد عند الكوفيّين والنّاظم (٣).

__________________

١٧٣ ـ من الطويل لمضرس بن ربعي الأسدي من قصيدة له ، وقبله :

تحمّل من ذات التّنانير أهلها

وقلّص عن نهي الدّفينة حاضره

ويروى : «على البردي» بدل «على الفردوس» وهو موضع. ويوجد بيت من قصيدة لطفيل الغنوي في ديوانه (٤٩) شبيه بهذا البيت ، وهو :

وقلن ألا البرديّ أوّل مشرب

أجل جير إن كانت رواء أسافله

قال البغدادي : «وقد رأيت البيت الشاهد في قصيدة قافية من شعر كعب بن زهير الصحابي وهو :

وقلن ألا البرديّ أول مشرب

أجل جير إن كانت سقته بوارقه»

الفردوس : روضة دون اليمامة ، وقيل : لبني يربوع. دعاثره : جمع دعثور ، وهو الحوض المتثلم ، والضمير فيه يعود إلى الفردوس. والمعنى : قالت النسوة : لنا أول مشرب من هذا الموضع فأجبن بأنه يكون كذلك لو كانت حياض هذا الموضع مباحة لكل أحد. والشاهد فيه على أن إعادة حرف الجواب بمرادفه للتأكيد كما في قوله : «أجل جير» أحسن من إعادته بلفظه.

انظر شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١١٨٦ ، الخزانة : ١٠ / ١٠٤ ، الشواهد الكبرى : ٤ / ٩٨ ، أبيات المغني : ٣ / ٦٥ ، شرح ابن يعيش : ٨ / ١٢٢ ، ١٢٤ ، مغني اللبيب (رقم) : ١٨٧ ، الهمع (رقم) : ١٥٦٣ ، الجنى الداني : ٣٦٠ ، اللسان (جير) ، جواهر الأدب : ٤٦١ ، شواهد المغني : ١ / ٣٦٢ ، الدرر اللوامع : ٢ / ٥٣ ، ١٥٨ ، شواهد المفصل والمتوسط : ٢ / ٦٠٨ ، تاج علوم الأدب : ٢ / ٥١٢ ، شرح ابن الناظم : ٥١١ ، شرح المرادي : ٣ / ١٧٥.

وانظر بيت طفيل في الجنى الداني : ٤٣٤ ، الخزانة : ١٠ / ١٠٧ ، شواهد المغني : ١ / ٣٦١ ، أبيات المغني : ٣ / ٥٨ ، الشواهد الكبرى : ٤ / ٩٨ ، الدرر اللوامع : ٢ / ٥٢ ، ٨٨ ، الهمع : ٢ / ٤٤ ، ٧٢.

(١) ما بين القوسين ساقط من الأصل.

(٢) قال ابن مالك في التسهيل : «ويجعل المنصوب المنفصل في نحو «رأيتك إياك» توكيدا لا

٧١

وأمّا الضّمائر المنفصلة ، فإنّما تعاد بألفاظها ، نحو :

١٧٤ ـ فإيّاك إيّاك المراء فإنّه

إلى الشّرّ دعّاء وللشرّ جالب

__________________

بدلا وفاقا للكوفيين». انتهى. وقال الشاطبي : والظاهر مذهب البصريين لما ثبت عند العرب أنها إذا أرادت التوكيد أتت بالضمير المرفوع المنفصل فقالت : «جئت أنت» ، و «رأيتك أنت» ، و «مررت بك أنت» ، وإذا أرادت البدل وفقت بين التابع والمتبوع ، فقالت : «جئت أنت ، ورأيتك إياك ، ومررت به به» فيتحد لفظ التوكيد والبدل في المرفوع ويختلف في غيره». انتهى.

انظر التسهيل : ١٦٦ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ١٦٠ ـ ١٦١ ، شرح المرادي : ٣ / ١٨٣ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٦١٨ ، شرح الأشموني : ٣ / ٨٤ ، الهمع : ٥ / ٢١٩ ـ ٢٢٠.

١٧٤ ـ من الطويل ، للفضل بن عبد الله القرشي ، قاله لابنه القاسم ، قال ابن بري : وقبل هذا البيت :

من ذا الّذي يرجو الأباعد نفعه

إذا هو لم تصلح عليه الأقارب

ويروى : «إياك» بدل «فإياك» ، ويروى : «وللغي» بدل «وللشر» ، ويروى : «وللخير زاجر» بدل «وللشر جالب». إياك : تحذير ، ومعناه : اتق. المراء : المجادلة. دعاء : مبالغة في داع. والشاهد في قوله : «فإياك إياك» حيث أعيد الضمير المنفصل بلفظه للتأكيد.

انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ١٢٨ ، ١٩٢ ، شرح الأشموني : ٣ / ٨٠ ، ١٨٩ ، أصول ابن السراج : ٢ / ٢٥١ ، معجم الشعراء : ٣١٠ ، الخزانة : ٣ / ٦٣ ، الكتاب مع الأعلم : ١ / ١٤١ ، الشواهد الكبرى : ٤ / ١١٣ ، ٣٠٨ ، المقتضب : ٣ / ٢١٣ ، الخصائص : ٣ / ١٠٢ ، شرح ابن يعيش : ٢ / ٢٥ ، تاج علوم الأدب : ١ / ١٦٢ ، شرح ابن عصفور : ٢ / ٤١٠ ، شرح ابن الناظم : ٦٠٧ ، شرح المرادي : ٤ / ٧٠ ، كاشف الخصاصة : ٢٧٧ ، الإيضاح لابن الحاجب : ١ / ٣٠٦.

٧٢

الباب الأربعون

العطف

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

العطف

العطف إمّا ذو بيان أو نسق

والغرض الآن بيان ما سبق

فذو البيان تابع شبه الصّفه

حقيقة القصد به منكشفه

العطف في اللغة له معنيان :

أحدهما : ليّ (١) الشّيء (٢).

والثّاني : الالتفات إليه (٣).

ومن الأوّل : عطف الرّجل ، و (من) (٤) الثّاني : عطف النّساء على أولادهنّ ، ومنه اشتقّ عطف البيان ، إذ هو التفات إلى الأوّل بالتّبيين / ، ومن الأوّل اشتقّ عطف النّسق ، لأنّه ليّ الثّاني على الأوّل.

وظهر من هذا أن العطف ينقسم إلى : عطف بيان ، وعطف نسق.

والغرض من هذا التّبويب بيان أحكام عطف البيان وحده ، لأنّه التّابع المشبه للصّفة في الكشف عن حقيقة متبوعه (٥).

__________________

(١) في الأصل : أحدها إلى.

(٢) أي : ثنيه. انظر اللسان : ٥ / ١٠٧ (لوى) ، ٤ / ٢٩٩٦ (عطف) ، التصريح على التوضيح : ٢ / ١٣٠ ، المصباح المنير : ٢ / ٤١٦ (عطف) ، تاج العروس : ٦ / ٢٠٠ (عطف).

(٣) يقال : عطف الفارس على كفئه إذا التفت إليه. انظر التصريح مع حاشية يس : ٢ / ١٣٠.

(٤) ما بين القوسين ساقط من الأصل.

(٥) وقال ابن مالك في شرح الكافية : عطف البيان تابع يجري مجرى النعت في تكميل متبوعه ، ومجرى التوكيد في تقوية دلالته ، ومجرى البدل في صلاحيته للاستقلال. وقال ابن عصفور : هو جريان اسم جامد معرفة في الأكثر على اسم دونه في الشهرة يبينه كما يبينه النعت. وقال ابن الحاجب : تابع غير صفة يوضح متبوعه.

انظر شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١١٩١ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٢٩٤ ، شرح الكافية للرضي : ١ / ٣٤٣ ، شرح ابن عقيل : ٢ / ٥٩ ، شرح المرادي : ٣ / ١٨٤ ، شرح الأشموني :

٧٣

فالتّابع : جنس يشمل جميع التّوابع كلّها.

وشبه الصّفة : فصل مخرج لما سوى التّوكيد.

وخرج التّوكيد بالفصل (١) الثّاني ، لأنّ التّوكيد مقوّ للمتبوع ، لا كاشف لحقيقته.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

فأولينه من وفاق الأوّل

ما من وفاق الأوّل النّعت ولي

فقد يكونان منكّرين

كما يكونان معرّفين

عطف البيان في موافقته (٢) لمتبوعه بمنزلة النّعت الجاري على من هو له في موافقته لمنعوته ، فيجب موافقته في أربعة من عشرة :

واحد من أنواع الإعراب الثّلاثة ، وواحد من الإفراد وضدّيه ، وواحد من التّذكير وضدّه ، (وواحد من التّنكير وضدّه) (٣).

وقد علم بذلك أنّهما قد يتوافقان في التّنكير ، كما ذهب إليه الكوفيّون (٤) ، وعليه حمل قوله تعالى : (مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ) [إبراهيم : ١٦] ، وغيرهم يجعله بدلا.

أما تخالفهما في التّعريف والتّنكير ، فممتنع اتّفاقا ، ولذلك وهم الزّمخشريّ في جعل (مَقامُ إِبْراهِيمَ ،) عطف بيان لـ (آياتٌ)(٥) [آل عمران : ٩٧].

وأكثر ما يستعمل في الأعلام ، نحو :

١٧٥ ـ أقسم بالله أبو / حفص عمر

__________________

٣ / ٨٥ ، التعريفات : ١٥١ ، تاج علوم الأدب : ٣ / ٩٣٧ ، الهمع : ٥ / ١٩٠ ، التسهيل : ١٧١ ، معجم المصطلحات النحوية : ٢٩ ، معجم النحو : ٢٤٢ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٦٠٥.

(١) في الأصل : بالفعل.

(٢) في الأصل : موفقه.

(٣) ما بين القوسين ساقط من الأصل. راجع التصريح : ٢ / ١٣١.

(٤) والفارسي وابن جني وابن عصفور أيضا ، وعليه ابن مالك ، قال السيوطي : وهو الصحيح.

انظر شرح المرادي : ٣ / ١٨٧ ، التسهيل : ١٧١ ، شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١١٩٣ ، الكشاف : ٢ / ٣٧١ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٢٩٤ ، شرح الأشموني : ٣ / ٨٦ ، الهمع : ٥ / ١٩١ ـ ١٩٢ ، شرح المكودي : ٢ / ١٨ ، شرح ابن الناظم : ٥١٥ ، البهجة المرضية : ١٢٥.

(٥) قال السيوطي : وهو مخالف لإجماع البصريين والكوفيين فلا يلتفت إليه.

انظر الكشاف : ١ / ٢٠٣ (دار المعرفة) ، الهمع : ٥ / ١٩٢ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ١٣١ ، التسهيل : ١٧١ ، شرح المرادي : ٣ / ١٨٥ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٦٠٥.

١٧٥ ـ من الرجز ، اختلف في قائله ، فقيل : هو لعبد الله بن كيسبة (وكيسبة أمه ، ويقال له : عمرو) ، قاله لعمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه وكان استحمله فلم يحمله وبعده :

٧٤

ولا يشترط كونه أوضح من (١) متبوعه ، خلافا للجرجانيّ (٢).

ثمّ قال رحمه‌الله :

وصالحا لبدليّة يرى

في غير نحو يا غلام يعمرا

ونحو بشر تابع البكريّ

وليس أن يبدل بالمرضيّ

حيث ورد عطف البيان جاز أن يعرب بدلا إلّا إذا امتنع وقوعه في محلّ الأوّل ، وذلك في موضعين :

أحدهما : أن يكون المتبوع واقعا بعد حرف النّداء ، والتّابع لا يصحّ وقوعه

__________________

ما مسّها من نقب ولا دبر

ونسبه ابن يعيش لرؤبة ، فقال العيني : «وهذا خطأ لأن وفاة رؤبة في سنة ١٤٥ ه‍ ، ولم يدرك عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه ولا عده أحد من التابعين ، وإنما قائله رجل أعرابي كان قد استحمل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه وقال : إن فاقتي قد نقبت فقال له : كذبت ولم يحمله ، فقال : أقسم ... الخ» انتهى. النقب : رقة خف البعير. والدبر : من دبر البعير إذا حفي. والشاهد في قوله : «عمر» حيث وقع العلم عطف بيان على «أبو حفص».

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ١٢١ ، ٢ / ١٣١ ، شرح ابن الناظم : ٥١٤ ، شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١١٩١ ، الشواهد الكبرى : ١ / ٣٩٢ ، ٤ / ١١٥ ، جمع الجوامع للسيوطي (مسند عمر) : ١ / ١٢١٠ ، ١٢٢٢ ، شذور الذهب : ٤٣٤ ، ٤٣٥ ، شرح الأشموني : ١ / ١٢٩ ، شرح ابن عقيل : ٢ / ٥٩ ، شواهد المفصل والمتوسط : ١ / ٢٥٢ ، شرح ابن يعيش : ٣ / ٧١ ، شواهد الفيومي : ١٢٩ ، الخزانة : ٥ / ١٥٤ ، ١٧٩ ، ٢٢٥ ، شواهد الكشاف : ٤ / ٤٢٣ ، معاهد التنصيص : ١ / ٢٧٩ ، شواهد الجرجاوي : ٢٠٤ ، كاشف الخصاصة : ٢٣٥ ، فتح رب البرية : ٢ / ٣٢٩.

(١) في الأصل : في. راجع التصريح : ٢ / ١٣٢.

(٢) والزمخشري أيضا ، قال ابن مالك في شرح الكافية : «واشترط الجرجاني والزمخشري زيادة تخصيص عطف البيان على تخصيص متبوعه ، وليس بصحيح لأن عطف البيان في الجامد بمنزلة النعت في المشتق ، ولا يشترط زيادة تخصيص النعت ، فلا يشترط زيادة تخصيص عطف البيان ، بل الأولى بهما العكس لأنهما مكملان». انتهى. وقال أبو حيان : «وقول ابن عصفور عطف البيان يجري فيه الأعرف على الأقل تعريفا بخلاف النعت مخالف لما أجاز سيبويه». انتهى. وما ذهب إليه الجرجاني وغيره مخالف لقول سيبويه في «يا هذا ذا الجمة» : أن «ذا الجمة» عطف بيان على «هذا» مع أن الإشارة أوضح وأخص من المضاف إلى ذي الأداة ، لأن تخصيص الإشارة زائد على تخصيص ذي الأداة.

انظر المقتصد للجرجاني : ٢ / ٩٢٧ ، الكتاب : ١ / ٣٠٦ ، شرح المرادي : ٣ / ١٨٦ ، شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١١٩٤ ، التسهيل : ١٧١ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٦٠٥ ـ ٦٠٦ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٢٩٤ ، البهجة المرضية : ١٢٥ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ١٣٢ ، الهمع : ٥ / ١٩١ ، شرح ابن الناظم : ٥١٦.

٧٥

بعده ، نحو «يا أخانا الحارث» ، فإنّ «الحارث» ، لا يصلح لمباشرة حرف النّداء (١) ، (ولو صلح) (٢) فإنّه يبنى على الضّمّ ، والواقع أنّه يتبع (أخانا) (٣) منصوبا ، وإلى هذا القسم أشار المصنّف بـ «نحو : يا غلام يعمرا».

فإنّ «غلام» منادى مضاف إلى ياء المتكلّم ، وحذفت وأبقيت الكسرة دليلا عليها ، ومحلّه النّصب ، وتابعه علم مفرد ، لو باشره حرف النّداء بني على الضّمّ.

الثّاني : أن يضاف إلى المتبوع ما لا يصحّ إضافته إلى التّابع ، كقوله :

١٧٦ ـ أنا ابن التّارك البكريّ بشر

عليه الطّير ترقبه وقوعا

__________________

(١) لأن «يا» و «أل» لا يجتمعان ، والبدل على نية تكرار العامل. انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ١٣٢ ، المساعد على تسهيل الفوائد لابن عقيل : ٢ / ٤٢٥ ، شرح الرضي : ١ / ٣٤٣ ، شرح الشذور : ٣٤٦.

(٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل.

(٣) ما بين القوسين ساقط من الأصل.

١٧٦ ـ من الوافر للمرار بن سعيد بن حبيب (وتارة ينسب إلى أحد آبائه وهو فقعس ، وأخرى إلى جده الأعلى وهو أسد بن خزيمة) ، من قصيدة له يفتخر فيها بأن جده قتل بشر بن عمرو (زوج الخرنق ، أخت طرفة بن العبد) وبعده :

علاه بضربة بعثت بليل

نوائحه وأرخصت البضوعا

ويروى : «عكوفا» بدل «وقوعا». قوله : «ترقبه» : تنتظر انزهاق روحه ، لأن الطير لا يقع على القتيل وبه رمق ، ففيه حذف مضاف. وقوعا : جمع واقع ضد الطائر ، وهو منصوب على الحال من الطير ، وقيل : مصدر مفعول لأجله ، أي : للوقوع عليه. والشاهد في قوله : «بشر» فإنه عطف بيان على «البكري» ، ولا يجوز أن يكون بدلا عنه ، لأنه لو كان بدلا والبدل في حكم تنحية المبدل ، لكان «التارك» في التقدير داخلا على «بشر» فلا يجوز «التارك بشر» ، كما لا يجوز «الضارب زيد» ، لأن اسم الفاعل المقترن بالألف واللام لا يضاف إلى ما ليس فيه الألف واللام. وقد أنكر المبرد رواية الجر ولم يجوز في «بشر» إلا النصب بناء على أنه بدل ، والبدل يجوز قيامه مقام المتبوع. وأجاز الفراء البدلية لأن مذهبه جواز إضافة ما فيه «أل» إلى جميع المعارف ، وهو ليس بمرضي عند الناظم والجمهور.

انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ١٣٣ ، شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١١٩٦ ، أصول ابن السراج : ١ / ١٣٥ ، الشواهد الكبرى : ٤ / ١٢١ ، الكتاب مع الأعلم : ١ / ٩٣ ، شواهد ابن السيرافي : ١ / ١٠٦ ، الخزانة : ٤ / ٢٨٤ ، ٥ / ٢٢٥ ، ١٨٣ ، شرح ابن يعيش : ٣ / ٧٢ ، ٧٣ ، الدرر اللوامع : ٢ / ١٥٣ ، شرح ابن الناظم : ٥١٨ ، شرح الأشموني : ٣ / ٨٧ ، شرح المرادي : ٣ / ١٨٧ ، شرح ابن عقيل : ٢ / ٦٠ ، شذور الذهب : ٤٣٦ ، إصلاح الخلل : ٧١ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٢٩٦ ، المقرب : ١ / ٢٤٨ ، الهمع (رقم) : ١٥٥٠ ، شواهد المفصل والمتوسط : ١ / ٢٥٥ ،

٧٦

فلا يصحّ (١) أن يجعل فيه «بشر» بدلا من «البكريّ» لعدم صحّة إضافة «التّارك» إليه ، والفرّاء يجيز البدليّة (٢) ، وليس بمرضيّ عند النّاظم (٣).

__________________

المكودي مع ابن حمدون : ٢ / ١٩ ، تاج علوم الأدب : ٣ / ٩٣٨ ، شواهد الجرجاوي : ٢٠٥ ، شرح دحلان : ١٢٥ ، البهجة المرضية : ١٢٥ ، كاشف الخصاصة : ٢٣٥ ، فتح رب البرية : ٢ / ٣٣١ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٦٠٦.

(١) في الأصل : لا يصح.

(٢) وقال المرادي (٣ / ١٨٨): «وقد نقل جواز البدل في «بشر» عن الفارسي أيضا». وانظر المراجع المتقدمة في توثيق البيت الشاهد.

(٣) قال ابن مالك في شرح الكافية (٣ / ١١٩٦) بعد إيراده البيت الشاهد : «فإن «بشرا» عطف على «البكري» ولا يجوز أن يكون بدلا ، لأن البدل في تقدير إعادة العامل ، و «التارك» لا يصح أن يضاف إليه ، إذ لا تضاف الصفة المقترنة بالألف واللام إلى عار منهما». وانظر التصريح على التوضيح : ٢ / ١٣٣ ، شرح المرادي : ٣ / ١٨٧ ـ ١٨٨ ، وانظر المراجع المتقدمة في البيت الشاهد.

٧٧

الباب الحادي والأربعون

عطف النسق

ثمّ قال :

عطف النّسق

تال بحرف متبع عطف النّسق

كاخصص بودّ وثناء من صدق

هذا حدّ للمعطوف عطف النّسق (١) ، فإنّه (٢) التّالي ، أي : التّابع ، وذلك / جنس يشمل جميع التّوابع ، وكونه بحرف متبع : فصل مخرج ما عداه من التّوابع.

ثمّ العطف : تارة الإتباع فيه مطلقا ، أي : في اللّفظ والمعنى ، وتارة يكون في اللّفظ خاصّة ، وسيأتيان.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

فالعطف مطلقا بواو ثمّ فا

حتّى أم (او) (٣) كفيك صدق ووفا

هذه الأحرف السّتة هي المتبعة في اللّفظ والمعنى ، وإلى ذلك أشار النّاظم بالإطلاق ، وينبغي أن يستثني من ذلك «أم» المنقطعة ، فإنّها للإضراب ، و «أو» إذا استعملت للإضراب أيضا (٤) فإنّ التّشريك فيهما إنّما هو في اللّفظ دون المعنى (٥).

__________________

(١) عطف النسق : بفتح السين بمعنى : النسق ، من نسقت الشيء نسقا ـ بالتسكين ـ إذا أتيت به متتابعا. وكثيرا ما يسميه سيبويه باب الشركة. قال ابن هشام : وهو تابع يتوسط بينه وبين متبوعه أحد الأحرف الآتي ذكرها. وقال ابن عصفور : هو حمل اسم على اسم أو فعل على فعل ، أو جملة على جملة ، بشرط توسط حرف من الحروف التي وضعتها العرب لذلك.

انظر أوضح المسالك : ١٨٦ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ١٣٤ ، الكتاب : ١ / ٢٠٩ ، ٢١٨ ، ٢١٩ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٢٢٣ ، شرح الأشموني : ٣ / ٨٩ ، شرح الرضي : ١ / ٣١٨ ، تاج علوم الأدب : ٣ / ٩٤٨ ، الفوائد الضيائية : ٢ / ٤٤ ، شرح المرادي : ٣ / ١٩٠ ، شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١٢٠٢ ، التسهيل : ١٧٤ ، معجم النحو : ٢٤٣ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٦٢٩.

(٢) في الأصل : بأنه.

(٣) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر الألفية : ١١٦.

(٤) في الأصل وردت كلمة : «أيضا» بعد : «فيهما» الآتية.

(٥) هذا هو الصحيح عند ابن مالك ، وذهب الجمهور إلى أن «أو» و «أم» مشركان في اللفظ لا في المعنى دائما. قال المرادي : «فإن قلت : أطلق في «أم» و «أو» وينبغي أن يقيدهما بأن لا

٧٨

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وأتبعت لفظا فحسب بل ولا

لكن كلم يبد امرؤ لكن طلا (١)

هذه الأحرف الثّلاثة إنّما يحصل الإتباع بها في اللّفظ دون المعنى ، إذ هي في المعنى منقسمة إلى ما تثبت لما بعدها ما نفي عمّا (٢) قبلها ، كـ «بل ، ولكن» ، وعكس ذلك ، كـ «لا» ، ومثلها «ليس» على قول من عدّها عاطفة (٣).

ثمّ قال :

__________________

يقتضيا إضرابا ، فإن اقتضيا إضرابا كانا مشركين في اللفظ لا في المعنى كما ذكر في التسهيل. قلت : دلالتهما على الإضراب قليلة ، فلذلك لم يتعرض لها». انتهى.

انظر التسهيل : ١٧٤ ، شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١٢٠٣ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ١٣٤ ، شرح الأشموني : ٣ / ٩٠ ، شرح المرادي : ٣ / ١٩١.

(١) والطلا : الولد من ذوات الظلف والخف ، وقيل : هو ولد الظبية حين تضعه ، وقيل : هو من أولاد الناس والبهائم والوحش من حين يولد إلى أن يتشدد ، وقيل : هو ولد البقر الوحشي فقط ، وقيل : هو الصغير من كل شيء ، والجمع : أطلاء.

انظر اللسان : ٤ / ٢٧٠٠ (طلى) ، المكودي مع ابن حمدون : ٢ / ٢٠ ، الأشموني مع الصبان : ٣ / ٩٠ ، حاشية الحضري : ٢ / ٦١ ، شرح دحلان : ١٢٦.

(٢) في الأصل : عنها. راجع التصريح : ٢ / ١٣٥.

(٣) وهم البغداديون على ما نقله ابن عصفور ، ونقله أبو جعفر النحاس وابن بابشاذ عن الكوفيين ، وجرى عليه في التسهيل ، كقول لبيد :

وإذا أقرضت قرضا فاجزه

إنّما يجزي الفتى ليس الجمل

وقوله :

أين المفرّ والإله الطّالب

والأشرم المغلوب ليس الغالب

والحاصل أن حروف العطف على ما ذكر تسعة ، والمتفق عليه منها ستة : «الواو ، والفاء ، وثم ، وأو ، وبل ، ولا». واختلف في ثلاثة : «حتى ، وأم ، ولكن». أما «حتى» فذهب الكوفيون إلى أنها ليست بحرف عطف ، وإنما يعربون ما بعدها بإضمار عامل. وأما «أم» فذكر النحاس فيها خلافا ، وأن أبا عبيدة ذهب إلى أنها بمعنى الهمزة ، فإذا قال : «أقائم زيد أم عمرو» فالمعنى : أعمرو قائم ، فتصير على مذهبه استفهاما. وأما «لكن» فذهب أكثر النحويين إلى أنها من حروف العطف ، وذهب يونس إلى أنها حرف استدراك وليست بعاطفة ، والواو قبلها عاطفة لما بعدها عطف مفرد على مفرد. ووافق ابن مالك هنا الأكثرين ، ووافق يونس في التسهيل.

انظر في ذلك التصريح على التوضيح : ١ / ١٩١ ، ٢ / ١٣٥ ، مغني اللبيب : ٣٩٠ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٢٢٣ ـ ٢٢٥ ، الجنى الداني : ٤٩٨ ، التسهيل : ١٧٤ ، الأزهية : ١٩٦ ، الشواهد الكبرى : ٤ / ١٧٧ ، شرح الأشموني : ٣ / ٩٠ ـ ٩١ ، شرح المرادي : ٣ / ١٩٢ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٦٢٩ ، ٦٣١.

٧٩

فاعطف بواو لاحقا أو سابقا

في الحكم أو مصاحبا موافقا

«الواو» لمطلق الجمع ، لا تقتضي ترتيبا (١) ولا معيّة (٢) ، بل يكون متبوعها لاحقا لتابعه ، أي : متأخّرا عنه في الحكم المنسوب إليه ، وهو الأكثر ، نحو (وَما وَصَّيْنا)(٣) بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى [الشورى : ١٣] ، وقد يكون سابقا له في الحكم ، وهو الأقلّ ، نحو (كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ) [الشورى :

٣] ، ويكون مصاحبا / ، والحمل عليه عند عدم الدّليل أرجح ، نحو (فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ) [القصص : ٨١].

ثمّ قال :

واخصص بها عطف الّذي لا يغني

متبوعه كاصطفّ هذا وابني

لترجّح معنى المصاحبة في الواو ـ اختصّت بعطف ما لا يستغنى بمتبوعه عنه ، كالمفرد الّذي أسند إليه فعل (٤) ، يلزم فاعله التّعدّد ، كـ «اصطفّ هذا وابني» ، ومثله «اختصم زيد وعمرو» ، ولا يصحّ العطف في ذلك ونحوه بغير الواو (٥).

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

والفاء للتّرتيب باتّصال

وثمّ للتّرتيب بانفصال

تشترك الفاء و «ثمّ» في الدّلالة على التّرتيب ، إلّا أنّ ترتيب الفاء يكون

__________________

(١) وذهب بعض أهل الكوفة إلى أن الواو ترتب ، وحكى عن قطرب وثعلب والربعي ، وابن عمر الزاهد غلام ثعلب ، وهشام ، والفراء ، ونقل عن الشافعي.

انظر شرح المرادي : ٣ / ١٩٥ ، الهمع : ٥ / ٢٢٤ ، شرح الأشموني : ٣ / ٩١ ، الجنى الداني : ١٥٨ ـ ١٦٠ ، مغني اللبيب : ٤٦٤ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ١٣٥.

(٢) ونقل عن بعض الحنفية أنها للمعية ، وقال ابن مالك في التسهيل : «وتنفرد الواو بكون متبعها في الحكم متحملا للمعية برجحان وللتأخر بكثرة ، وللتقدم بقلة». قال المرادي : «قيل : وليس هذا مذهب البصريين ولا الكوفيين ، فهو قول ثالث». وقال الأزهري : «هو تحقيق للواقع لا قول ثالث». وفي الهمع : «وقال ابن كيسان هي للمعية حقيقة واستعمالها في غيرها مجاز».

انظر في ذلك الجنى الداني : ١٦٠ ، مغني اللبيب : ٤٦٤ ، التسهيل : ١٧٤ ، شرح المرادي : ٣ / ١٩٥ ، الهمع : ٥ / ٢٢٤ ، شرح الأشموني : ٣ / ٩٢ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ١٣٥.

(٣) في الأصل : ووصّينا.

(٤) في الأصل : مفر.

(٥) أجاز الكسائي : «ظننت عبد الله وزيدا مختصمين» بالفاء وثم ، ومنع ذلك البصريون والفراء. انظر شرح المرادي : ٣ / ١٩٦ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٦٣٤.

٨٠