أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]
المحقق: الدكتور عبد الحميد جاسم محمّد الفيّاض الكبيسي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-3522-8
الصفحات: ٥٤٤
والنّصب ، كقوله :
٢٧١ ـ ومن يقترب منّا ويخضع نؤوه |
|
... |
أمّا لو كان (٢) العطف بـ «ثمّ» لم يجز النّصب في الموضعين (٣) ، لأنّ إضمار «أن» بعدها غير معروف ، بل يتعيّن الجزم في الحالة الثّانية (٤) ، ويجوز مع الرّفع في الأولى.
ثمّ قال :
والشّرط يغني عن جواب قد علم |
|
والعكس قد يأتي إن المعنى فهم / |
يجوز حذف ما علم من جملتي الجواب والشّرط ، وهو في جملة الجواب أكثر منه في جملة الشّرط ، نحو : (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ)(٥) أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ (٦) [الأنعام : ٣٥] ، التّقدير : فافعل.
__________________
٢٧١ ـ من الطويل ، ولم أعثر على قائله ، وعجزه :
ولا يخشى ظلما ما أقام ولا هضما
ويروى : «ولا ضيما» بدل «ولا هضما» ، وكلاهما بمعنى : الظلم. ويقترب : يدنو. يخضع : يتذلل. نؤوه : بضم النون من «آوى» بالمد ، وبفتحها من «أوى» بالقصر ، أي : ندخله تحت كنفنا. والشاهد في قوله : «ويخضع» حيث يجوز فيه النصب بتقدير «أن» ، والجزم عطفا على الشرط ، وذلك لتوسطه بين فعل الشرط والجزاء مقترنا بواو العطف ، وفي البيت يتعين فيه النصب فقط للوزن ، أما الرفع فممتنع لأنه لا يجوز الاستئناف قبل الجواب.
انظر شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١٦٠٧ ، المكودي مع ابن حمدون : ٢ / ٩٨ ، شرح الأشموني : ٤ / ٢٥ ، الشواهد الكبرى : ٤ / ٤٣٤ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٥١ ، شذور الذهب : ٣٥١ ، مغني اللبيب : ٩٦٨ ، شواهد الفيومي : ١٠٨ ، شواهد المغني : ٢ / ٩٠١ ، أبيات المغني : ٧ / ١٩٦ ، شرح ابن عقيل : ٢ / ١٢٤ ، شواهد الجرجاوي : ٢٤٦ ، شرح ابن الناظم : ٧٠٤ ، البهجة المرضية : ١٥٧ ، أوضح المسالك : ٢٣٩ ، شواهد العدوي : ٢٤٦ ، فتح رب البرية : ١ / ٢٤٨.
(١) في الأصل : كا.
(٢) الأول : العطف على جواب الشرط ، والثاني : العطف على جملة الشرط قبل الإتيان بجملة الجزاء.
(٣) وألحق الكوفيون (ثم) بالفاء والواو ، فأجازوا النصب بعدها واستدلوا بقراءة الحسن : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ، ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ.) وزاد بعضهم : «أو».
انظر شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١٦٠٧ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٥٢ ، شرح المكودي : ٤ / ٢٥٦ ، شرح الأشموني : ٤ / ٢٥ ، البهجة المرضية : ١٥٧ ، شرح دحلان : ١٥٧.
(٤) في الأصل : اسطعت.
(٥) في الأصل : قلتي بات.
ويجب مع تقدّم ما هو الجواب في المعنى ، نحو : (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران : ١٣٩] ، ومع تقدّم القسم ـ كما يأتي ـ.
ولا يحذف فعل الشّرط إلا مع أداة مقرونة بـ «لا» (١) ، نحو :
٢٧٢ ـ فطلّقها فلست لها بكفء |
|
وإلا يعل مفرقك (٣) الحسام |
تقديره : وإن لا تطلّقها. وأمّا نحو : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ) [التوبة : ٦] ، فلم يحذف منه (٤) جملة الشّرط كلّها ، وإنّما حذف بعضها (٥).
__________________
(١) اشترط ابن عصفور والأبذي في حذفه : التعويض منه بـ «لا» ، وغيرهما لا يشترط ذلك.
وخص ابن هشام في التوضيح الأداة بكونها «أن» ، لكنه قد يكون بغيرها ، حكى ابن الأنباري في الإنصاف : «من سلم عليك فسلم عليه ، ومن لا ، فلا تعبأ به» ، تقديره : ومن لا يسلم عليك فلا تعبأ به. وقد أشار ابن مالك هنا بقوله : «قد» إلى أن حذف الشرط أقل من حذف الجواب ، كما نص عليه في شرح الكافية ، إلا أنه في التسهيل سوى في الكثرة بين حذف الجواب ، وحذف الشرط المنفي بـ «لا» تالية «أن» ، كما في البيت الآتي. ويمكن أن يقال أن مراده بالأقلية هنا فيما عدا هذه الصورة.
انظر ارتشاف الضرب : ٢ / ٥٦٠ ـ ٥٦١ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٥٢ ، أوضح المسالك : ٢٣٩ ، الإنصاف : ١ / ٧٢ ، الهمع : ٤ / ٣٣٦ ، شرح المرادي : ٤ / ٢٥٨ ، التسهيل : ٢٣٨ ـ ٢٣٩ ، شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١٦٠٩ ، شرح الأشموني : ٤ / ٢٦.
٢٧٢ ـ من الوافر ، للأحوص الأنصاري ، من قصيدة له في ديوانه (١٩٠ ـ طبع الهيئة) ، ومنها :
سلام الله يا مطر عليها |
|
وليس عليك يا مطر السّلام |
فطلقها : خطاب لمطر في بيت من القصيدة ، والضمير المنصوب فيه يرجع إلى امرأة مطر ، وكانت جميلة ، وكان مطر دميم الخلق ، فلهذا قال : فلست لها بكفء ، وروي في الإنصاف : «بند» بدل «بكفء». مفرقك : هو وسط الرأس الذي يفرق فيه الشعر. الحسام : السيف.
والشاهد في قوله : «وإلا يعل» حيث حذف منه فعل الشرط ، والأداة مقرونة بـ «لا» والتقدير : وإن لا تطلقها يعل ، وذلك لدلالة قوله : «فطلقها» عليه.
انظر الكتاب مع الأعلم : ١ / ١٩٥ ، شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١٦٠٩ ، المكودي مع ابن حمدون : ٢ / ٩٨ ، الشواهد الكبرى : ٤ / ٤٣٥ ، شرح الأشموني : ٤ / ٢٥ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٥٢ ، الإنصاف : ٧٢ ، المقرب : ١ / ٢٧٦ ، مغني اللبيب : ١١٠٥ ، شذور الذهب : ٣٤٣ ، الهمع : ١٣٠٧ ، الدرر اللوامع : ٢ / ٧٨ ، حاشية يس : ١ / ١٩٥ ، أبيات المغني : ٨ / ٥ ، شواهد المغني : ٢ / ٩٣٦ ، شواهد الفيومي : ١٠٥ ، شرح ابن عقيل : ٢ / ١٢٥ ، شواهد الجرجاوي : ٢٤٧ ، شرح ابن الناظم : ٧٠٥ ، شرح دحلان : ١٥٧ ، كاشف الخصاصة : ٣٢١ ، المطالع السعيدة : ٤٥٠ ، أوضح المسالك : ٢٣٩ ، البهجة المرضية : ١٥٧ ، فتح رب البرية : ١ / ٢٣٥ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٥٦١.
(٢) في الأصل : مرفقك. انظر المصادر المتقدمة.
(٣) في الأصل : فيه.
(٤) فـ «أحد» في هذه الآية مرفوع بتقدير فعل ، والفعل المظهر تفسير لذلك الفعل المقدر ، والتقدير : وإن استجارك أحد. وحكي عن الأخفش أنه مرفوع بالابتداء ، وذهب الكوفيون إلى
وقد يحذفان للعلم بهما نحو :
٢٧٣ ـ قالت بنات العمّ يا سلمى وإن |
|
كان عييّا معدما (٢) قالت وإن |
التّقدير : وإن كان كذلك تزوّجته.
ثمّ قال رحمهالله :
واحذف لدى اجتماع شرط وقسم |
|
جواب ما أخّرت فهو ملتزم |
وإن تواليا وقبل ذو خبر |
|
فالشّرط رجّح مطلقا بلا حذر |
وربّما رجّح بعد قسم |
|
شرط بلا ذي خبر مقدّم |
إذا اجتمع في الكلام شرط وقسم ـ حذفت جواب ما تأخّر منهما ، واستغنيت (٣) عنه بجواب السّابق ، سواء كان السّابق الشّرط ، نحو : «إن يقم والله زيد أكرمه» ، أو القسم نحو : «والله إن يقم زيد لأقومنّ معه» ، وسواء كان القسم مصرّحا (به) (٤) ـ كما مثّل ـ ، أو مدلولا عليه باللام الموطّئة ، نحو : (لَئِنْ
__________________
أنه مرفوع بما عاد إليه من الفعل من غير تقدير فعل.
انظر الإنصاف : (مسألة : ٨٥) : ٢ / ٦١٥ ، مغني اللبيب : ٤٩٣ ، ٧٥٧ ، ٨٢٧ ، معاني الأخفش : ٢ / ٣٢٧٧ ، إعراب النحاس : ٣ / ٢٠٣ ، البيان لابن الأنباري : ١ / ٣٩٤ ، معاني الفراء : ١ / ٤٢٢.
٢٧٣ ـ من رجز لرؤبة بن العجاج في ملحقات ديوانه (١٨٦) ، أوله :
قالت سليمى : ليت لي بعلا يمن |
|
يغسل جلدي وينسّيني الحزن |
ويروى : «بنات الحي» بدل «بنات العم» ، ويروى : «فقيرا» بدل «عييا» ، ويروى : «وإنن» في الموضعين ، بدل «وإن» وبها استشهد بعض شراح الألفية على أن هذه النون هي تنوين القالي وبها يخرج الشعر عن الوزن ولا يستقيم بحذفها. وقوله : «عييا» فعيل من العي ، وهو العجز. والشاهد في قوله : «قالت : وإن» حيث حذف فيه الشرط والجزاء جميعا للعلم بهما ، والتقدير : وإن كان كذلك قبلته.
انظر شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١٦١٠ ، شرح الأشموني : ١ / ٣٣ ، الشواهد الكبرى : ١ / ١٠٤ ، ٤ / ٤٣٦ ، المقرب : ١ / ٢٧٧ ، الخزانة : ٩ / ١٤ ، مغني اللبيب : ١١٠٩ ، الهمع : ١٣٠٨ ، ١٣٩٣ ، الدرر اللوامع : ٢ / ٧٨ ، شواهد المغني : ٢ / ٩٣٦ ، أبيات المغني : ٨ / ٧ ، تاج علوم الأدب : ٢ / ٤٥٨ ، شرح ابن عصفور : ١ / ٤٤٥ ، ٢ / ٢٠١ ، شرح ابن الناظم : ٧٠٧ ، شرح المرادي : ١ / ٣١ ، البهجة المرضية : ١٥٧ ، الضرائر : ١٨٥ ، كاشف الخصاصة : ٣٢١ ، المطالع السعيدة : ٤٥٠.
(١) في الأصل : غنيا ، راجع الشواهد الكبرى : ١ / ١٠٤ ، ١٠٥ ، كاشف الخصاصة : ٣٢١ ،
(٢) في الأصل : أو استغنيت.
(٣) ما بين القوسين ساقط من الأصل.
أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ)(١) مَعَهُمْ [الحشر : ١٢] ، أو بالواو (٢) مع حذف الّلام ، نحو : (وَإِنْ)(٣) لَمْ / يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [المائدة : ٧٣].
فإن تقدّمهما ما يطلب خبرا من مبتدأ باق على ابتدائه ، أو منسوخ (٤) الابتداء بأحد النّواسخ رجّح الشّرط على القسم ، فأتي بالجواب له ، تقدّم أو تأخّر ، نحو : «زيد والله إن تكرمه يكرمك» ، و «إنّ زيدا والله إن تسأله يعطك».
وهذا التّرجيح واجب عند المصنّف (٥) ، وليس بواجب عند ابن عصفور (٦).
وأجاز الفرّاء الاستغناء بجواب الشّرط المتأخّر عن القسم مطلقا ، وإن لم يتقدّمهما (٧) ذو خبر (٨) ، والمصنّف جعله قليلا (٩) ، ولذلك قال :
وربّما ... |
|
... البيت |
__________________
(١) في الأصل : نحو أخرجوا الآل يحزون.
(٢) في الأصل : وبالواو.
(٣) في الأصل : الواو. ساقط.
(٤) في الأصل : أو مفتوح.
(٥) قال ابن مالك في شرح الكافية : (٣ / ١٦١٦): «فإن توالى القسم والشرط بعد مبتدأ استغني بجواب الشرط مطلقا ، نحو : «زيد والله ـ إن تقم يقم» ، و «زيد إن تقم ـ والله ـ يقم». انتهى. وقال في التسهيل (٢٣٩): «وربما استغني بجواب الشرط عن جواب قسم سابق ، ويتعين ذلك إن تقدمهما ذو خبر». انتهى. وانظر شرح الأشموني : ٤ / ٢٩ ، شرح المرادي : ٤ / ٢٦١ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٥٣.
(٦) وهو ما جرى عليه الناظم في الألفية.
انظر شرح المرادي : ٤ / ٢٦١ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٥٣ ، شرح الأشموني : ٤ / ٢٩ ، شرح دحلان : ١٥٧.
(٧) في الأصل : يتقدمها.
(٨) انظر شرح المرادي : ٤ / ٢٦١ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٥٣ ، شرح الأشموني : ٤ / ٢٩ ، حاشية الخضري : ٢ / ١٢٦.
(٩) قال ابن مالك في شرح الكافية : (٣ / ١٦١٦): «وقد يستغنى عند عدم المبتدأ بجواب شرط مؤخر عن جواب قسم مقدم». انتهى. وقال في التسهيل (٢٣٩): «وربما استغنى بجواب الشرط عن جواب قسم سابق». انتهى. وانظر شرح المرادي : ٤ / ٢٦١ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٥٣.
وغيرهما يخصّه بالضّرورة ، كقوله :
٢٧٤ ـ لئن (٢) منيت بنا عن غبّ معركة |
|
لا تلفنا (٣) عن دماء القوم ننتفل |
__________________
٢٧٤ ـ من الطويل ، للأعشى (ميمون بن قيس) ، من معلقته المشهورة في ديوانه (٤٨) ، أولها :
ودّع هريرة إنّ الرّكب مرتحل |
|
وهل تطيق وداعا أيّها الرّجل |
ويروى : «وإن» بدل «لئن» ، ويروى : «جد معركة» بدل «غب معركة» ، والجد : بكسر الجيم بمعنى الشدّة والمجاهدة ، ويروى : «من دماء» بدل «عن دماء». منيت : بالخطاب والبناء للمفعول بمعنى : قدر. وقال العيني : هو من مني بأمر كذا إذا ابتلي به. قوله : «عن غب معركة» عن : هنا بمعنى : بعد ، متعلقة بـ «منيت» ، والغب : العاقبة ، والمعركة : الحرب.
لا تلفنا : لا تجدنا. ننتفل : من الانتفال وهو التنصل والتبرؤ ، وقيل : ننتفل بمعنى : نجحد.
والمعنى : إن قدر أن تلقانا بعد المعركة لم نتبرأ من قتلنا قومك ، ولم نجحد. والشاهد في قوله : «لا تلفنا» حيث جزم بحذف الياء على أنه جواب الشرط المتأخر عن القسم من غير أن يتقدم عليهما ذو خبر ، وهو جائز عند الفراء ، وقليل عند ابن مالك ، وهو عند جمهور البصريين مخصوص بالضرورة ، أو اللام من «لئن» هنا زائدة لا موطئة للقسم.
انظر القصائد العشر : ٤٤٢ ، شرح الأشموني : ٤ / ٢٩ ، المكودي مع ابن حمدون : ٢ / ٩٩ ، الشواهد الكبرى : ٣ / ٢٨٣ ، ٤ / ٤٣٧ ، الخزانة : ١١ / ٣٢٧ ـ ٣٤٣ ـ ٣٥٧ ، شرح ابن عقيل : ٢ / ١٢٦ ، شواهد الجرجاوي : ٢٤٨ ، شرح ابن الناظم : ٣٦٨ ، شرح المرادي : ٤ / ٢٦٢ ، شرح دحلان : ١٥٨ ، شواهد العدوي : ٢٤٨ ، كاشف الخصاصة : ١٦٦ ، ٣٢٤ ، اللامات للهروي : ١٤١.
(١) في الأصل : لا. راجع المصادر المتقدمة.
(٢) في الأصل : لـ يلقنا. انظر المصادر المتقدمة.
فصل «لو»
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
فصل «لو»
وهي من (١) أدوات الشّرط في المعنى لا في العمل (٢) ، وتختصّ بأحكام ، فلهذا أفردت بفصل ، ولها معنيان غير الشّرط :
أحدهما : أن تكون مصدريّة (٣) ، بمنزلة «أن» فتخلص (٤) المضارع للاستقبال ، ويبقى بعدها الماضي على مضيّة ، إلا أنّها تفارق «أن» في أنّها لا تقع غالبا إلا بعد فعل دال على تمنّ ، نحو : (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ) [البقرة : ٩٦] ، وقد تقع دونه ، نحو :
(٥) ـ ما كان ضرّك لو مننت وربّما |
|
منّ الفتى وهو المغيظ المحنق (٦) |
__________________
(١) في الأصل : في.
(٢) فإنه لغلبة دخولها على الماضي لم تجزم ، ولو أريد بها معنى «إن» الشرطية. وزعم بعضهم أن الجزم بها مطرد على لغة. وأجازه جماعة في الشعر منهم ابن الشجري ، كقوله :
لو يشأ طار به ذو ميعة |
|
لاحق الآطال نهد ذو خصل |
وقد خرج هذا البيت على لغة من يقول : «شا يشا» بألف ثم أبدلت همزة ساكنة ، كما قيل : «العألم والخأتم».
انظر مغني اللبيب : ٣٥٧ ـ ٣٥٨ ، التصريح على التوضيح مع حاشية يس : ٢ / ٢٥٥ ، المساعد لابن عقيل : ٣ / ١٩٠ ، جواهر الأدب : ٣٢٥.
(٣) وممن ذهب إلى مصدريتها الفراء وأبو علي الفارسي وأبو البقاء ، والتبريزي وابن مالك.
وذهب الأكثرون إلى المنع ، ويدعون أن «لو» في نحو (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ) شرطية ، وأن مفعول «يود» جواب «لو» محذوفان ، والتقدير : يود أحدهم لو يعمر ألف سنة لسره ذلك ، قال الأزهري : ولا خفاء بما في ذلك من التكلف.
انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٥٥ ، شرح المرادي : ٤ / ٢٦٩ ، مغني اللبيب : ٣٥٠ ، شرح الأشموني : ٤ / ٣٤ ، الجنى الداني : ٢٨٧ ـ ٢٨٨.
(٤) في الأصل : فتختص.
٢٧٥ ـ من الكامل لقتيلة (وقيل : لليلى) بنت النظر بن حارث ، من قصيدة لها ترثي بها أباها النضر ، وتعاتب النبي صلىاللهعليهوسلم في قتله وعدم إطلاقه بفدية ، فلما سمع النبي صلىاللهعليهوسلم هذا البيت قال :
الثّاني : أن يراد بها / التّقليل (١) ، نحو : «التمس ولو خاتما من حديد» (٢) ، ولا يليها حينئذ إلا الاسم ـ كما مثّل ـ ، أو ما في تأويله ، نحو : «ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي» (٣).
ثمّ قال :
لو حرف شرط في مضيّ ويقل |
|
إيلاؤها مستقبلا لكن قبل |
وهي في الاختصاص بالفعل كإن |
|
لكنّ لو أنّ بها قد تقترن |
وإن مضارع تلاها صرفا |
|
إلى المضي نحو لو يفي كفى |
أكثر ما تستعمل «لو» الشّرطيّة عكس «إن» في كون ما بعدها مرادا به المضيّ ، إمّا بلفظه ، وهو الأكثر ، نحو : (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً)
__________________
لو سمعته قبل قتله ما قتلته ولعفوت عنه ، وقبله :
أمحمّد ولأنت ضنء كريمة |
|
في قومها والفحل فحل معرق |
مننت : أنعمت. والغيظ : الغضب المحيط بالكبد ، وهو أشد من الحنق. والشاهد في قوله : «لو مننت» حيث جاءت «لو» فيه مصدرية ، واقعة بعد فعل غير دال على التمني ، وهو قليل ، والتقدير : ما كان ضرك المن عليه ، أي : على النضر بن الحارث.
انظر التسهيل لابن مالك : ١ / ٢٥٦ ، تذكرة النحاة : ٣٨ ، شرح الأشموني : ٣ / ٤٤ ، الشواهد الكبرى : ٤ / ٤٧١ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٥٤ ، مغني اللبيب : ٤٦٨ ، شواهد المغني : ٢ / ٦٤٨ ، أبيات المغني : ٥ / ٥١ ، شرح المرزوقي : ٩٦٦ ، شرح ابن الناظم : ٨٢ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٣٠٤ ، الجنى الداني : ٢٨٨ ، ارتشاف الضرب : ١ / ٥١٩ ، ٢ / ١٧٩ ، أوضح المسالك : ٢٤٠ ، فتح رب البرية : ٢ / ٣٤٧ ، موصل الطلاب للأزهري : ١٠٢ ، السراج المنير للزبيدي (مخطوط) : ١٩٠.
(٥) في الأصل : المختص. انظر المصادر المتقدمة.
(١) ذكره ابن هشام اللخمي وغيره. انظر مغني اللبيب : ٣٥٢ ، الجنى الداني : ٢٩٠ ، حاشية الخضري : ٢ / ١٢٦ ، شرح الأشموني : ٢ / ٣٢.
(٢) الحديث في صحيح البخاري : ٧ / ٢٢ ، فتح الباري : ٩ / ١٩١ ، سنن البيهقي : ٧ / ٢٣٦ ، سنن الترمذي : ٣ / ٤١٢ (رقم) : ١١١٤ ، سنن أبي داود : ٢ / ٥٨٦ (رقم) : ٢١١١ ، مسند أحمد : ٥ / ٣٣٦ ، وانظر شرح الكافية لابن مالك : ١ / ٤١٧ ، التصريح على التوضيح : ١ / ١٩٣ ، شرح الأشموني : ١ / ٢٤٢ ، مغني اللبيب : ٣٥٣ ، شرح اللمحة لابن هشام : ٢ / ٢٧ ، أبيات المغني : ٥ / ٤٦ ، الجامع الصغير لابن هشام : ٥٦ ، شرح دحلان : ٥٠.
(٣) روى الإمام أحمد في مسنده (٥ / ٦٣) عن أبي حرى الهجيمي أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لا تحقرنّ من المعروف شيئا ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي ، ولو أن تكلّم أخاك ووجهك إليه منبسط .... إلخ». وانظر الترغيب والترهيب للمنذري : ٣ / ٤٢٢ ، وروي : «أن تنزع» بدل «أن تفزع» في مسند أحمد : ٣ / ٤٨٣.
[التوبة : ٤٧] ، وإمّا بقرينة تصرفه إليه ، نحو : «لو لم يخف الله لم يعصه» (١) ، فإن وقع بعدها مضارع صرف معناه إلى المضيّ (٢) ، كما أشار إليه المصنّف في البيت الثالث ، نحو : (لَوْ يُطِيعُكُمْ)(٣) فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ [الحجرات : ٧].
واستعمالها كـ «إن» ـ في كونها شرطا في المستقبل ـ قليل ، وحينئذ فتخلص المضارع للاستقبال نحو :
٢٧٦ ـ ولو تلتقي أصداؤنا بعد موتنا |
|
... |
وهي في أحوالها كلّها مختصّة بالفعل ، مثل «إن» الشّرطيّة ، إلا أنّها (قد) (٥) تقترن بها «أنّ» المفتوحة (٦) ، نحو : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ) [النساء : ٦٤].
__________________
(١) هذا قول لعمر بن الخطاب في صهيب الرومي رضياللهعنهما ، وتمامه : «نعم العبد صهيب ، لو لم يخف الله لم يعصه». وروي في كشف الأسرار : «نعم الرجل» ، وفي الأشموني : «نعم المرء».
انظر جمع الجوامع للسيوطي : (مسند عمر) : ١ / ١٢٢٨ ، كشف الأسرار عن أصول البزدوي للبخاري : ٣ / ١٦٥ ، شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١٦٣٠ ـ ١٦٣١ ، المقرب : ١ / ٩٠ ، الإيضاح لابن الحاجب : ١ / ٢٠٧ ، ٢ / ٢٤٢ ، مغني اللبيب : ٣٣٩ ، ٣٤١ ، ٣٤٣ ، الهمع : ٤ / ٣٤٥ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٥٧ ، تاج علوم الأدب : ٢ / ٥٢٥ ، شرح الفريد : ٤٨٩ ، شرح الرضي : ٢ / ٣٩٠ ، كاشف الخصاصة : ٣٢٥ ، موصل الطلاب للأزهري : ٩٨ ، ١٠٠.
(٢) في الأصل : المعنى.
(٣) في الأصل : لو يعطيكم.
٢٧٦ ـ من الطويل ، لقيس بن الملوح العامري من قصيدة له في ديوانه (٤٦) ، وعجزه :
ومن دون رمسينا من الأرض سبسب
وبعده :
لظلّ صدى صوتي وإن كنت رمّة |
|
لصوت صدى ليلى يهشّ ويطرب |
ونسب لأبي صخر الهذلي في أبيات المغني : (٥ / ٣٨). الأصداء : جمع صدى ، وهو الذي يجيئك بمثل صوتك في الجبال وغيرها ، وروي في الديوان : «أرواحنا» بدل «أصداؤنا» ، و «فلو» بدل «لو» ، والسبب : القفر والمفازة. وفي الديوان : «منكب». والشاهد في قوله : «ولو تلتقي» حيث جاءت «لو» فيه حرف شرط للاستقبال ، فرادفت : «أن» في ذلك ، وهو قليل.
انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٥٥ ، الشواهد الكبرى : ٤ / ٤٧٠ ، مغني اللبيب : ٤٦٠ ، ٤٦٦ ، شرح الأشموني : ٤ / ٣٧ ، شواهد المغني : ٦٤٣ ، أوضح المسالك : ٢٤٠ ، موصل الطلاب : ١٠١ ـ ١٠٢ ، (وفيه : وهو رؤبة صاحب ليلى ، ولعله خطأ في الطباعة لأن المشهور أن صاحب ليلى هو قيس العامري).
(٤) ما بين القوسين ساقط من الأصل.
(٥) وذلك كثير ، نحو قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا) ، (وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا) ، (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ) ، (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ ،) وقوله :
ولو أنّ ما أسعى لأدنى معيشة
فعند سيبويه والأكثرين : أنّ «أنّ» في محلّ رفع بالابتداء (١).
ثمّ هل خبره محذوف تقديره : موجود أو كائن ، أو لا خبر له استغناء عنه / بجواب «لو»؟ لهم فيه قولان (٢).
وعند الكوفيّين والمبرّد : أنّها فاعل لفعل محذوف تقديره : لو ثبت أنّهم (٣) ، فلم (٤) تخرج عن قاعدة اختصاصها بالفعل ، كما اتّفقوا عليه فيما إذا وليها اسم صريح ، نحو :
(٥) ـ لو بغير الماء حلقي شرق |
|
... |
__________________
انظر شرح الأشموني : ٤ / ٤٠ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٥٩ ، شرح المكودي : ٢ / ١٠١.
(١) انظر الكتاب : ١ / ٤٧٠ ، شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١٦٣٥ ، مغني اللبيب : ٣٥٦ ، شرح المرادي : ٤ / ٢٧٧ ، شرح ابن عصفور : ٢ / ٤٤١ ، شرح الأشموني : ٤ / ٤٠ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٥٩ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٥٧٣.
(٢) فقيل : لا تحتاج إلى خبر لاشتمال صلتها على المسند والمسند إليه ، ونسبه أبو حيان لسيبويه.
وقيل : الخبر محذوف ونسبه الخضراوي : لسيبويه والبصريين ، ثم قيل : يقدر مقدما ، أي : ولو ثبت ظلمهم على حد (وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا) ، وقال ابن عصفور : بل يقدر هنا مؤخرا ، ويشهد له : أنه يأتي مؤخرا بعد «أما» كقوله :
عندي اصطبار وأمّا أنني جزع |
|
يوم النّوى فلوجد كاد يبريني |
وذلك لأن «لعل» لا تقع هنا ، فلا تشتبه «أن» المؤكدة إذا قدمت بالتي بمعنى «لعل» فالأولى حينئذ أن يقدر الخبر مؤخرا على الأصل ، أي : ولو ظلمهم ثابت.
انظر مغني اللبيب : ٣٥٦ ، شرح الأشموني : ٤ / ٤١ ، شرح المرادي : ٤ / ٢٧٧ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٥٩ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٥٧٣ ، الجنى الداني : ٢٨٠.
(٣) وهو مذهب الزجاج والزمخشري وكثير من النحويين.
انظر المفصل : ٣٢٣ ، مغني اللبيب : ٣٥٦ ، شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١٦٣٥ ـ ١٦٣٧ ، شرح المرادي : ٤ / ٢٧٧ ، الجنى الداني : ٢٧٩ ـ ٢٨٠ ، الفوائد الضيائية : ٢ / ٣٨٤ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٥٩ ، شرح ابن يعيش : ٩ / ٩ ، شرح الأشموني : ٤ / ٤١ ، ارتشاف الضرب : ٥٧٣.
(٤) في الأصل : فلو.
٢٧٧ ـ من الرمل لعدي بن زيد العبادي ، من قصيدة له في ديوانه (٩٣) ، أرسلها إلى النعمان بن المنذر ، وكان محبوسا عنده ، ثم قتله ، وعجزه :
كنت كالغصّان بالماء اعتصاري
والاعتصار : قيل : الملجأ ، والمعنى : لو شرقت بغير الماء أسغت شرقي بالماء ، فإذا غصصت بالماء فبم أسيغه؟ ، وقال الجوهري : الاعتصار : أن يغص الإنسان بالطعام فيعتصر بالماء ، وهو أن يشربه قليلا قليلا. والشاهد في قوله : «لو بغير الماء» حيث دخلت «لو» فيه على الجملة
وقوله صلىاللهعليهوسلم : «التمس ولو خاتما من حديد» (١).
إذ الأوّل معمول لفعل مفسّر بما بعده ، تقديره : لو شرق ، والثّاني معمول لفعل (٢) مدلول عليه بالمعنى تقديره : ولو كان الملتمس خاتما.
هذا حكم ما تدخل عليه من حيث اللّفظ ، وأمّا من جهة المعنى ـ فإنّها تقتضي امتناع شرطها دائما ، وامتناع الجواب معه ، إن لم يكن له سبب آخر غيره ـ كالأمثلة المتقدّمة ـ ، وكقوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ (رَبُّكَ)(٣) لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ [يونس : ٩٩].
فإن كان له سبب آخر ، لم يلزم من امتناعه امتناعه ، نحو : «لو لم تكن الشّمس طالعة كان الضّوء موجودا» ، ومنه قول عمر : «نعم العبد صهيب (٤) لو لم يخف الله لم يعصه» (٥) ، إذ ترك العصيان له عدّة أسباب ، منها : المحبّة ، ومنها : الإجلال ، ومنها : الخوف ، فلا يلزم من انتفاء الخوف انتفاؤه ، كما أنّ «الضّوء» له أسباب فلا يلزم من عدم الشّمس انتفاؤه.
__________________
الاسمية علما أنها في أحوالها كلها مختصة بالفعل ، فذكر ابن مالك أن «لو» قد يليها مبتدأ وخبر ، قيل : وهو مذهب الكوفيين ، ومنع ذلك غيرهم وتأولوا ما ورد منه ، فتأول الفارسي البيت على أن «حلقي» فاعل فعل مقدر ، يفسره «شرق» ، و «شرق» خبر مبتدأ محذوف ، أي : هو شرق. وقال ابن جني : وضعت الاسمية موضع الفعلية شذوذا ، والباء متعلقة بـ «شرق» الواقع خبرا لـ «حلقي». وقال ابن الناظم : «كان» الشأنية مضمرة فيه ، والجملة المذكورة بعد «لو» خبر لها ، تقديره : لو كان الشأن بغير الماء حلقي شرق ، فقوله : «حلقي شرق» جملة اسمية في موضع النصب على أنها خبر «كان». وقد جعل بعضهم دخولها على الجملة الاسمية ضرورة.
انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٥٩ ، شرح الأشموني : ٤ / ٤٠ ، الشواهد الكبرى : ٤ / ٤٥٤ ، الكتاب : ١ / ٤٦٢ ، الخزانة : ٨ / ٥٠٨ ، ١١ / ١٥٢ ، مغني اللبيب : ٤٧٥ ، الهمع : ١٣٠٨ ، الدرر اللوامع : ٢ / ٨١ ، اللسان : (عصر) ، شواهد المغني : ٢ / ٦٥٨ ، أبيات المغني : ٥ / ٨٢ ، الجنى الداني : ٢٨٠ ، شرح ابن الناظم : ٧١١ ، شرح ابن عصفور : ٢ / ٤٤٠ ، جواهر الأدب : ٣٢٧ ، تذكرة النحاة : ٤٠ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٥٧٣ ، شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١٦٣٦.
(١) تقدم تخريجه في ص ٢٤٧ / ٢ من هذا الكتاب.
(٢) في الأصل : الفعل.
(٣) ما بين القوسين ساقط من الأصل.
(٤) هو صهيب بن سنان بن مالك ، من بني النمر بن قاسط المعروف بصهيب الرومي ، صحابي جليل ، ولد بالموصل سنة ٣٢ ق. ه وسبي في غارات الروم على ناحيتهم ، فنشأ بينهم ثم اشتراه أحد بني كلب وقدم به مكة فابتاعه عبد الله بن جدعان التيمي ، ثم أعتقه ، فاحترف التجارة ، وترك أمواله كلها في سبيل إخلاء قريش سبيله في الهجرة ، وشهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها ، وتوفي بالمدينة سنة ٣٨ ه ، وله ٣٠٧ أحاديث.
انظر ترجمته في طبقات ابن سعد : ٣ / ١٦١ ، الإصابة ترجمة : ٤٠٩٩ ، حلية الأولياء : ١ / ١٥١ ، صفة الصفوة : ١ / ١٦٩ ، الأعلام : ٣ / ٢١٠.
(٥) تقدم تخريجه ص ٢٤٨ / ٢ من هذا الكتاب.
الباب السادس والخمسون
أما ، ولولا ، ولوما
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
أمّا ، ولولا ، ولوما
أمّا كمهما يك من شيء وفا |
|
لتلو تلوها وجوبا ألفا |
وحذف ذي الفا شذّ (١) في نثر إذا |
|
لم يك قول (٢) معها قد نبذا |
هذه الحروف الثّلاثة تقتضي ملازمة بين جملتين ، كأدوات الشّرط / ، فلذلك عقّبت بها ، إلا أنّ «أمّا» المفتوحة (٣) أدخل في معنى الشّرط من أختيها ، وتقتضي التّفصيل غالبا ، بأن يعطف عليها مثلها ، نحو : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ ، وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) [الضحى : ٩ ، ١٠] ، ونحوه كثير.
وقد تكون لمجرّد التّوكيد الخالي عن التّفصيل ، كقولك : «أمّا زيد فمنطلق».
قال الزّمخشريّ : «أمّا» يعطي الكلام فضل توكيد ، تقول : «زيد ذاهب» ، فإذا قصدت أنّه لا محالة ذاهب ، قلت : «أمّا زيد فذاهب» (٤).
__________________
(١) وفي الألفية (١٥٣): «قل». وعلى رواية : «شذ» شرح ابن طولون.
(٢) في الأصل : قولا. انظر الألفية : ١٥٣.
(٣) والأصح في «أما» أنها حرف بسيط. وقيل : مركب من «أم» و «ما». وذهب ثعلب إلى أنها جزاء ، وهي «إن» الشرطية و «ما» ، حذف فعل الشرط بعدها ، ففتحت همزتها مع حذف الفعل ، وكسرت مع ذكره.
انظر الهمع : ٤ / ٣٥٤ ، شرح الأشموني : ٤ / ٤٤ ، شرح الرضي : ٢ / ٣٩٧ ، الجنى الداني : ٥٢٣ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٥٦٨.
(٤) قال الزمخشري في الكشاف (١ / ٥٧ ـ دار المعرفة) : و «أما» حرف فيه معنى الشرط ، ولذلك يجاب بالفاء ، وفائدته في الكلام أن يعطيه فضل توكيد ، تقول : زيد ذاهب ، فإذا قصدت توكيد ذاك ، وأنه لا محالة ذاهب ، وأنه بصدد الذهاب ، وأنه منه عزيمة ، قلت : أما زيد فذاهب ، ولذلك قال سيبويه في تفسيره : مهما يكن من شيء فزيد ذاهب ، وهذا التفسير مدل لفائدتين : بيان كونه توكيدا ، وأنه في معنى الشرط. انتهى.
وانظر مغني اللبيب : ٨٢ ، أوضح المسالك : ٢٤٢ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٦١ ، شرح الأشموني : ٤ / ٤٦ ، الهمع : ٤ / ٣٥٧ ، وانظر الكتاب : ٢ / ٣١٢.
وفي الحالين هي مؤوّلة بأداة الشّرط وجملة ، كما ذكر المصنّف (١) ، فإذا قلت : «أمّا زيد فمنطلق» فتأويله : مهما يكن (٢) من شيء فزيد منطلق ، وتلزم الفاء لتلو تلوها سواء كان مبتدأ مخبرا عنه بتلوه ، نحو : (وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ ، فَفِي رَحْمَتِ اللهِ) [آل عمران : ١٠٧] ، أو مفعولا وتلوه هو العامل فيه ، نحو : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) [الضحى : ٩].
وتحذف هذه الفاء كثيرا إذا كان معها قول قد نبذ ـ أي : طرح ـ واستغني عنه بالمقول ، نحو : (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ ، أَكَفَرْتُمْ) [آل عمران : ١٠٦] ، لأنّ تقديره : فيقال لهم : أكفرتم.
أمّا دون ذلك فلا تحذف إلا في الضّرورة ، كقوله :
٢٧٨ ـ فأمّا القتال لا قتال لديكم |
|
... |
وحذفها (٤) في النّثر شاذّ (٥) ، ومنه في الحديث : «أمّا بعد ، ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله» (٦).
__________________
(١) قال ابن مالك في شرح الكافية (٣ / ١٦٤٦): «وتقدر بـ «مهما يك من شيء» ، ولا يليها فعل ، لأنها قائمة مقام حرف شرط وفعل شرط». انتهى. وهو مذهب الجمهور. وقيل : نائبة عن فعل الشرط فقط. قاله في البسييط.
انظر الهمع : ٤ / ٣٥٥ ، الكتاب : ٢ / ٣١٢ ، الجنى الداني : ٥٢٢ ، شرح الرضي : ٢ / ٣٩٧ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٥٦٨ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٦١.
(٢) في الأصل : يلن. راجع التصريح : ٢ / ٢٦٢.
٢٧٨ ـ من الطويل للحارث بن خالد المخزومي ، وعجزه :
ولكنّ سيرا في عراض المواكب
عراض : جمع «عرض» بمعنى : الناحية. المواكب : جمع «موكب» وهم القوم الركب على الإبل المزينة ، ويطلق على جماعة الفرسان. والشاهد في قوله : «لا قتال لديكم» حيث حذفت الفاء من الجملة الواقعة جوابا لـ «أما» للضرورة ، وكان القياس أن يقال : فلا قتال.
انظر شرح الأشموني : ١ / ١٩٦ ، ٢٢٤ ، ٤ / ٤٥ ، الشواهد الكبرى : ١ / ٥٧٧ ، ٤ / ٤٧٤ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٦٢ ، المكودي مع ابن حمدون : ٢ / ١٠٢ ، المقتضب : ٢ / ٦٩ ، المنصف : ٣ / ١١٨ ، أمالي ابن الشجري : ١ / ٢٨٥ ، ٢٩٠ ، ٢ / ٣٤٨ ، شرح ابن يعيش : ٧ / ١٣٤ ، ٩ / ١٢ ، مغني اللبيب : ٨٤ ، الهمع : ١٣٢٨ ، الدرر اللوامع : ٢ / ٨٤ ، الخزانة : ١ / ٤٥٣ ، أبيات المغني : ١ / ٣٩٦ ، شواهد المغني : ١ / ١٧٧ ، شرح ابن عقيل : ٢ / ١٣١ ، شواهد الجرجاوي : ٢٥١ ، شرح ابن الناظم : ٧١٥ ، شرح دحلان : ١٥٩ ، الجنى الداني : ٥٢٤ ، كاشف الخصاصة : ٣٢٨ ، المقتصد : ١ / ٣٦٦ ، المطالع السعيدة : ٤٥٩ ، الجامع الصغير : ٤٧ ، أسرار العربية : ١٠٦ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٥٧٠.
(٣) في الأصل : الواو. ساقط.
(٤) وفي شواهد التوضيح (١٣٨) قال ابن مالك : وقد خولفت القاعدة في هذه الأحاديث فعلم
ثمّ قال رحمهالله تعالى / :
لولا ولوما يلزمان الابتدا |
|
إذا امتناعا بوجود عقدا |
إذا أريد بـ «لولا ، ولوما» الملازمة ، فهما حرفا امتناع لوجود ، لأنّهما يقتضيان امتناع جوابهما لوجود تاليهما ، نحو : (لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) [سبأ : ٣١] ، وتقول : «لوما زيد لأكرمتك».
ويلزمان حينئذ المبتدأ ـ كما مثّل ـ ، وخبره لازم الحذف غالبا ـ كما سبق في باب الابتداء (١) ـ وجوابهما حينئذ : إمّا ماضي الّلفظ ، وإمّا ماضي المعنى ، نحو : «لو لا زيد لم آتك» ، ثمّ ماضي الّلفظ إن كان مثبتا ، فالأكثر اقترانه بالّلام ، نحو : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ) [النساء : ٨٣] ، والمنفيّ بـ «ما» عكسه ، نحو : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ) [النور : ٢١] ، وقد يحذف للعلم به ، نحو : (وَلَوْ لا)(٢) فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ، وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (٣)(٤) [النور : ١٠].
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
وبهما التّحضيض مز وهلّا |
|
ألّا ألا وأولينها الفعلا (٥) |
وقد يليها (٦) اسم بفعل مضمر |
|
علّق أو بظاهر مؤخّر |
من معاني «لولا ، ولوما» التّحضيض ، ومعناه الحثّ على الفعل.
__________________
بتحقيق عدم التضييق ، وأن من خصه بالشعر أو بالصورة المعنية من النثر مقصر في فتواه ، عاجز عن نصرة دعواه. انتهى.
(٥) الحديث بهذا اللفظ في صحيح البخاري : ٣ / ٩٩٦ ، فتح الباري : ٤ / ٣٧٦ ، وفي مسلم حديث رقم (١٥٠٤) برواية : «أمّا بعد : فما بال أقوام يشترطون ... إلخ». وانظر الحديث برواية المؤلف في التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٦٢ ، شواهد التوضيح : ١٣٦ ، أوضح المسالك : ٢٤٣ ، شرح المرادي : ٤ / ٢٨٥ ، شرح الأشموني : ٤ / ٤٥ ، أبيات المغني : ١ / ٣٧٤ ، ٣٧٥ ، الجنى الداني : ٥٢٤ ، شرح ابن الناظم : ٧١٥ ، شرح ابن عقيل : ٢ / ١٣١.
(١) انظر ص ١٩٦ / ١ من هذا الكتاب.
(٢) في الأصل : الواو. ساقط.
(٣) في الأصل : رحيم.
(٤) أي : لآخذكم. انظر ارتشاف الضرب : ٢ / ٥٧٨.
(٥) في الأصل : فعلا. انظر الألفية : ١٥٤.
(٦) في الأصل : يليهما. انظر الألفية : ١٥٤.
ومن الحروف الدّالة على التّحضيض «هلا» ، و «ألا» مشدّدة ، ومخفّفة.
وتختصّ أدوات التّحضيض بالأفعال ، ولا يليها إلا الماضي ، نحو : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ) [التوبة : ١٢٢] ، أو المضارع نحو : (لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ) [الحجر : ٧].
وقد يفصل بينهما وبين الفعل بجملة اعتراضيّة / نحو : (فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ ، تَرْجِعُونَها)(١) [الواقعة : ٨٦ ، ٨٧].
وقد يليها اسم متعلّق بفعل مضمر قبله ، نحو :
٢٧٩ ـ أتيت بعبد (٣) الله في القيد موثقا |
|
فهلّا سعيدا ذا الخيانة (٤) والغدر |
تقديره : أسرت ، أو بفعل مؤخّر عنه ، نحو : (وَلَوْ لا)(٥) إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ [النور : ١٦].
فإن وقع بعدها الجملة الاسميّة ، نحو :
٢٨٠ ـ ... |
|
فهلّا نفس ليلى شفيعها |
قدّر بعدها «كان» رافعة لضمير الشّأن ، والجملة خبرها.
__________________
(١) في الأصل : ترجوانها.
٢٧٩ ـ من الطويل ، ولم أعثر على قائله. ويروى : «في القد» بدل «في القيد» ، وهو سير يقد من جلد غير مدبوغ ، والقدة أخص منه ، والجمع : أقدة. والشاهد في قوله : «سعيدا» حيث جاء منصوبا بعد حرف التحضيض بتقدير العامل ، إذ التقدير : فهلا أسرت سعيدا ، وذلك لأن حروف التحضيض لا تدخل إلا على الفعل.
انظر شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١٦٥٣ ، شرح الأشموني : ٤ / ٥١ ، الشواهد الكبرى : ٤ / ٤٧٥ ، أمالي ابن الشجري : ١ / ٣٥٣ ، شرح ابن الناظم : ٧١٨.
(٢) في الأصل : تعبد. راجع المصادر المتقدمة.
(٣) في الأصل : والخيانة. راجع المصادر المتقدمة.
(٤) في الأصل : الواو. ساقط.
٢٨٠ ـ من الطويل ، اختلف في قائله ، فنسبه العيني لقيس بن الملوح العامري (صاحب ليلى) ، وهو أول بيتين في ديوانه (١٩٥) ، وقيل : هو للصمة بن عبد الله القشيري ، وقيل : لإبراهيم ابن الصولي ، وهو في ديوان ابن الدمينة (٢٠٦) أيضا وتمامه :
ونبّئت ليلى أرسلت بشفاعة |
|
إليّ فهلا نفس ليلى شفيعها |
نبئت : أخبرت. ويروى : «يقولون» بدل «ونبئت». والشاهد فيه على حذف الفعل بعد «هلا» التي للتحضيض ، لأنها لا تدخل على الجملة الاسمية ، والتقدير : فهلا كان الشأن نفس ليلى شفيعها ، وجملة «نفس ليلى شفيعها» خبر كان المحذوفة. وخرجه بعضهم على جعل ما بعدها فاعلا بفعل مقدر تقديره : فهلا شفعت نفس ليلى ، و «شفيعها» خبر مبتدأ محذوف أي : هي شفيعها ، قال المرادي : وفيه تكلف.
الباب السابع والخمسون
الإخبار بالذي والألف واللام
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
الإخبار بالّذي والألف والّلام
هذا الباب وضعه النّحاة للتّدريب في الأحكام النحّويّة ، واختبار المبتدىء في كيفيّة تركيب الكلام ، كما وضع أهل التّصريف مسائل التّمرين في الأحكام التّصريفيّة ، وإن لم تنطق العرب بمثلها.
ويصار إلى هذا الإخبار ، إمّا لقصد الاختصاص (١) ، وإمّا لتقوية الحكم (٢) ، وإمّا لتشويق (٣) السّامع (٤) ، وإمّا لإجابة الممتحن.
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
ما قيل أخبر عنه بالّذي خبر |
|
عن الّذي مبتدأ قبل استقر |
وما سواهما فوسطه صلة |
|
عائدها خلف معطي التّكملة |
نحو الّذي ضربته زيد فذا |
|
ضربت زيدا كان فادر المأخذا |
__________________
انظر شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١٦٥٤ ، تذكرة النحاة : ٧٩ ، شرح الأشموني : ٢ / ٢٥٩ ، ٤ / ٥٢ ، الشواهد الكبرى : ٣ / ٤١٦ ، ٤ / ٤٥٧ ، ٤٧٨ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٤١ ، ٢٦٣ ، الخزانة : ٣ / ٦٠ ، ٨ / ٥١٣ ، ١١ / ٢٤٥ ، ٣٠٣ ، مغني اللبيب : ١١٧ ، ٤٧٧ ، ٥٧٢ ، ٩٩٠ ، الهمع : ١٣٢٥ ، الدرر اللوامع : ٢ / ٨٣ ، شواهد المغني : ١ / ٢٢١ ، أبيات المغني : ٢ / ١١٩ ، تاج علوم الأدب : ٢ / ٥٢٠ ، شرح ابن الناظم : ٧١٢ ، ٧١٩ ، شرح المرادي : ٤ / ٢٩٠ ، البهجة المرضية : ١٠١ ، الجنى الداني : ٥٠٩ ، ٦١٣ ، كاشف الخصاصة : ٣٣٠.
(١) كقولك : «الذي قام زيد» ، ردا على من قال : «قام عمرو» ، أو قال : «قام زيد وعمرو».
انظر شرح الأشموني مع الصبان : ٤ / ٥٣ ، حاشية يس : ٢ / ٢٦٤.
(٢) وذلك لأن فيه إسنادين : إلى الضمير وإلى الظاهر ، فهو أقوى مما فيه إسناد واحد.
انظر الأشموني مع الصبان : ٤ / ٥٣ ، حاشية يس : ٢ / ٢٦٤.
(٣) في الأصل : لتشريق. راجع الأشموني : ٤ / ٥٣.
(٤) كقول واصف ناقة صالح عليهالسلام :
والّذي حارت البريّة فيه |
|
حيوان مستحدث من جماد |
انظر الأشموني مع الصبان : ٤ / ٥٣ ، حاشية يس : ٢ / ٢٦٤.
هذا بيان صفة الإخبار ، فما قيل لك أخبر عنه بـ «الّذي» ـ جعلته خبرا مؤخّرا عن الموصول الّذي استقرّ في أول الكلام ، وما سوى / المخبر به والمخبر عنه (اجعله صلة عائدها) (١) هو (خلف عن الاسم) (٢) الّذي حصلت التّكملة به لمجيئه خبرا (٣).
فإذا قيل لك : أخبر عن «زيد» ، من قولك : «ضربت زيدا» بـ «الّذي» ـ قلت : «الّذي ضربته زيد» ، فتؤخّر «زيدا» (٤) ، وترفعه على أنّه خبر ، وتبدأ الكلام بموصول مطابق له ، وتجعل ما بقي من الجملة صلته ، وتجعل في محلّ «زيد» (٥) ضميرا عائدا على الموصول ، فهذه خمسة أعمال في هذا التّركيب ، لا يجوز الإخلال بشيء منها.
وقد علمت (٦) بهذا أنّ عبارة النّحاة في هذا المحلّ فيها تجوّز ، فإنّ «الّذي» مخبر عنه ، لا مخبر به ، و «زيد» بالعكس ، وذلك خلاف الظاهر من قولهم : «أخبر عن كذا بالّذي» ، وتأويل الكلام : أخبر عن مسمّى «زيد» في حال تعبيرك عنه بـ «الّذي» (٧).
__________________
(١ ـ ٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل.
(٣) انظر شرح ابن الناظم : ٧٢١ ، شرح الأشموني : ٤ / ٥٤ ، شرح المكودي : ٢ / ١٠٤ ، التصريح على التوضيح : ٢٦٤ / ٢ ، كاشف الخصاصة : ٣٣١ ، شرح دحلان : ١٦٠ ، شرح ابن عقيل : ٢ / ١٣٣.
(٤) في الأصل : زيد.
(٥) الذي أخرته. انظر شرح الأشموني : ٤ / ٥٤ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٦٤.
(٦) في الأصل : عملت.
(٧) قال ابن مالك : المخبر عنه في هذا الباب هو المجعول في آخر الجملة خبرا لموصول مبتدأ تصدر به الجملة. وقال ابن السراج : وإنما قال النحويون أخبر عنه وهو اللفظ خبر ، لأنه في المعنى محدث عنه. وقال أبو حيان : ويحتمل أن الباء بمعنى : «عن» ، و «عن» بمعنى : الباء ، كما تقول : سألت عنه ، وسألت به ، فكأنه قال : أخبر بهذا الاسم أي : صيره خبرا. وقال المكودي : الباء في قوله : «بالذي» باء السببية لا باء التعدية ، وعلله بأنك إذا جعلتها باء التعدية يكون المعنى : إن الذي به يكون الإخبار ، وليس كذلك ، بل الإخبار يكون عن الذي بغيره. وقال ابن عصفور : إن كلامهم مؤول على معنى الإخبار عن مسمى «زيد» في حال التعبير عنه بـ «الذي».
انظر شرح الكافية لابن مالك : ٤ / ١٧٧٢ ، الأصول لابن السراج : ٢ / ٢٧١ ، النكت الحسان لأبي حيان : ١٨٩ ، الهمع : ٥ / ٢٩٧ ، شرح المكودي : ٢ / ١٠٤ ، إعراب الألفية : ١١٦ ، شرح الأشموني : ٤ / ٥٢ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٦٤ ، المطالع السعيدة : ١٩٤ ، المساعد لابن عقيل : ٣ / ٢٧٨.
ولنذكر مسألتين غير مسألة الكتاب يتّضح بهما المعنى :
إذا قيل أخبر عن «زيد» من قولنا : «زيد منطلق» بـ «الّذي» قلت : «الّذي هو منطلق زيد» ، فـ «الّذي» مبتدأ ، وهو ضمير خلف عن «زيد» وهو العائد ، وأتيت به منفصلا لعدم ما يتّصل به ، و «هو» و «منطلق» الصلة ، و «زيد» الخبر.
فإن قيل أخبر عن «التّاء» من قولك : «ضربت زيدا» عملت ما تقدّم من الأعمال الخمسة ، واحتجت إلى عمل سادس ، وهو أن تأتي بالضمير المخبر عنه منفصلا ، فتقول : «الّذي ضرب زيدا أنا» والعائد الّذي «هو» خلف عن الضّمير ، هو فاعل / «ضرب» مستترا ، فاعرف المأخذ وقس عليه.
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
وبالّلذين والّذين والّتي |
|
أخبر مراعيا وفاق المثبت |
يخبر بفروع «الّذي» من تأنيثه ، وتثنية كلّ منهما ، وجمعه ، كما يخبر بـ «الّذي» مراعيا في ذلك كلّه مطابقته للمخبر عنه في الموصول المخبر به ، وفي العائد عليه ، فيشمل خمس مسائل ننظرها بمثال واحد ، وهو : «بلّغ امرأتاك رسالة من أخويك إلى أمّهاتك بحضور قومك. فإن أخبرت عن «الرّسالة» من هذا التّركيب ـ قلت : الّتي بلّغها امرأتاك من أخويك إلى أمّهاتك بحضور قومك ـ رسالة» فتقدّم المضمر عن محلّه ، وتصله بالفعل ، لأنّه أمكن الإتيان به متّصلا ، فلا يعدل إلى المنفصل ، ولا مانع من حذفه لأنّه عائد متّصل منصوب بفعل ، فيحذف ، كما في غير هذا الباب. وإن أخبرت عن «الأخوين» ـ قلت : «الّلذان بلّغ امرأتاك رسالة منهما (إلى) (١) أمّهاتك ، بحضور قومك ـ أخواك».
وإن أخبرت عن «امرأتيك» ـ قلت : «الّلتان بلّغا رسالة من أخويك إلى أمّهاتك ، بحضور قومك ـ امرأتاك».
وإن أخبرت عن «القوم» ـ قلت : «الّذين بلّغ امرأتاك رسالة من أخويك إلى أمّهاتك ، بحضورهم ـ قومك».
وإن أخبرت عن «الأمّهات» ـ قلت : «الّلاتي بلّغ امرأتاك رسالة / من أخويك إليهنّ بحضور قومك ـ أمّهاتك».
ثمّ قال رحمهالله تعالى :
قبول تأخير وتعريف لما |
|
أخبر عنه هاهنا قد حتما |
كذا الغنى عنه بأجنبيّ او |
|
بمضمر شرط فراع ما رعوا |
__________________
(١) ما بين القوسين ساقط من الأصل.
ذكر للمخبر عنه في هذا الباب أربعة شروط :
أحدها : أن يكون قابلا للتأخير ، (فلا يخبر) (١) عمّا (٢) لم يقبل التّأخير ، لاستحقاق التّصدّر ، كأسماء الاستفهام ، والشّرط ، و «كم» الخبريّة ، لما يلزم من ذلك تأخيره إلى آخر الكلام ، فيزول ما استقرّ له من التّصدّر (٣). ولا يرد على ذلك الضمير المتّصل ، فإنّ خلفه ـ وهو المنفصل ـ يقبل التّأخير.
الثّاني : أن يكون قابلا للتعريف ، فلا يخبر عن الحال ، والتّمييز ، لما تقرّر من أنّك تأتي في محلّ المخبر عنه بضمير ، فيكون قد نصبت الضّمير على الحال أو التّمييز (٤) ، وذلك لا يجوز (٥).
وكذا لا يخبر (٦) عن «أحد» من قولك : «لم أر أحدا» ، لأنّه لا يقبل التّعريف ، فلا يصحّ وقوعه خبرا عن المعرفة. هذا هو المانع من الإخبار عنه ، لا عدم جواز وروده في الإثبات (٧).
الثّالث : أن يصحّ الاستغناء عنه بأجنبيّ ، فلا يخبر عن «الهاء» من قولك : «زيد ضربته» ، فإنّك لو أخبرت عنه لقلت : «الّذي زيد ضربته هو» فيكون
__________________
(١) ما بين القوسين ساقط من الأصل. راجع الأشموني : ٤ / ٥٥.
(٢) في الأصل : فيما.
(٣) هذا مذهب الجمهور. وقيل : إلا اسم الاستفهام فإنه يجوز الإخبار عنه ، ويلزم الصدر ، فيقال في : «أيهم قائم» : «أيهم الذي هو قائم» ، وفي : «أيهم ضربت» : «أيهم الذي إياه ضربت» ، وإليه ذهب ابن عصفور.
انظر الهمع : ٥ / ٣٠٠ ، شرح ابن عصفور : ٢ / ٤٩٥ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٦٥ ، حاشية الصبان : ٤ / ٥٥.
(٤) في الأصل : والتمييز.
(٥) قال ابن عصفور : وأما امتناع الإخبار عن الحال والتمييز ، فلأن ذلك يؤدي إلى رفعهما ، وذلك إخراج لهما عن بابهما ، وأيضا فإن ذلك يؤدي إلى إضمارهما وجعلهما معرفتين ، والحال والتمييز لا يكونان أبدا إلا منصوبين مظهرين منكرين.
انظر شرح ابن عصفور : ٢ / ٤٩٨ ، شرح الرضي : ٢ / ٤٦ ، الفوائد الضيائية : ٢ / ١٠٦ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٦٥ ، المطالع السعيدة : ١٩٤.
(٦) في الأصل : تخبر.
(٧) وقال ابن مالك : ونبهت باشتراط جواز الاستغناء عنه بمثبت : على أنه لا يخبر عن «أحد» ولا «عريب» ولا «ديار» ونحوها من الأسماء التي لا تستعمل إلا في النفي. انتهى.
انظر شرح الكافية لابن مالك : ٤ / ١٧٧٤ ، الهمع : ٥ / ٣٠٠ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٦٧ ، شرح الأشموني : ٤ / ٥٥٦ ، شرح الرضي : ٢ / ٤٦ ، المطالع السعيدة : ١٩٥.
الضمير المنفصل (١) خبرا عن «الّذي» / ، والمتّصل الّذي وضعته مكانه خلف عنه (٢) ، فإن جعلته (٣) عائدا على الموصول ، كما هو قاعدة الباب (٤) ـ بقي المبتدأ (٥) بلا عائد ، وإن جعلته رابطا للمبتدأ خرجت عن قاعدة الباب بجعل (٦) الضّمير الواقع في محل المخبر عنه ، غير عائد على الموصول (٧).
الرّابع : أن يصحّ الاستغناء عنه بمضمر ، فلا يجوز الإخبار عن شيء من الأسماء المجرورة بحروف (٨) الجرّ ، الّتي لا تدخل على المضمر ، كـ «مذ ومنذ ، وحتّى» (٩) لما تقرّر من أنّ الإخبار يستدعي ضميرا واقعا في محلّ الاسم المخبر عنه يكون خلفا عنه.
وكذا كلّ اسم لا يصحّ أن يقع في محلّه الضّمير ، كالاسم الواقع نعتا ، أو منعوتا ، أو مضافا (أو) (١٠) عاملا ، فلا يصحّ الإخبار عن واحد من الأسماء الواقعة في قولك : «أعجب أبا زيد ضرب عمرا الكريم» ، إلا عن «زيد» خاصة (١١).
__________________
(١) في الأصل : ضمير منفصل. وهذا الضمير هو الذي كان متصلا بالفعل قبل الإخبار. انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٦٦ ، شرح الأشموني : ٤ / ٥٦.
(٢) أي : عن ذلك الضمير الذي كان متصلا بالفعل. انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٦٦ ، شرح الأشموني : ٤ / ٥٦.
(٣) أي : فإن جعلت هذا الضمير المتصل الأن الموجود في «الذي زيد ضربته هو». انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٦٦ ، شرح الأشموني : ٤ / ٥٦.
(٤) في الأصل : الباء.
(٥) الذي هو «زيد».
(٦) في الأصل : يجعل.
(٧) ولا سبيل إلى كون هذا الضمير عائدا عليهما ، إذ عود ضمير مفرد على شيئين محال من جهة الصناعة ، وأما من جهة المعنى ، فقال الفارسي : لا فائدة في هذا الإخبار ، لأن الخبر حينئذ لا زيادة فيه على المبتدأ ، فهو كقولك : «الذاهب جاريته صاحبها». انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٦٦ ، الهمع : ٥ / ٣٠١. وقال ابن مالك : فلو كان الضمير عائدا إلى اسم من جملة أخرى جاز الإخبار عنه نحو أن يذكر إنسان فيقول : «لقيته» ، فيجوز الإخبار عن الهاء ، فيقال : «الذي لقيته هو» نبه على ذلك الشلوبين ، مستدركا على الجزولي في قوله : «وألا يكون قبل الإخبار عائدا على شيء. انتهى. انظر شرح الكافية لابن مالك : ٤ / ١٧٧٤ ، الهمع : ٥ / ٣٠١.
(٨) في الأصل : بحرف.
(٩) فإنهن لا يجررن إلا الظاهر. انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٦٦ ، شرح الأشموني : ٤ / ٥٦.
(١٠) ما بين القوسين ساقط من الأصل. راجع التصريح : ٢ / ٢٦٦.
(١١) وذلك لأن الضمير يخلف «زيدا» ولا يخلفهن. انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٦٦ ، شرح الأشموني : ٤ / ٥٦ ، قال ابن عصفور : وأما امتناع الإخبار عن الاسم العامل ، كالمصدر
أمّا «الأب» ، فلأنّه مضاف ، وأمّا «ضرب» ، فلأنّه عامل ، وأمّا «عمرا» ، فلأنّه منعوت (١) ، وأمّا «الكريم» فلأنّه نعت.
نعم لو أخبرت عن (المضاف و) (٢) المضاف إليه ، أو عن العامل والمعمول (٣) أو عن النّعت والمنعوت معا ـ بقي (٤) الإخبار عن شيء واحد يصحّ إضماره.
فتقول في الأوّل : «الّذي أعجبه ضرب عمرا الكريم (٥) أبو زيد» ، وفي الثّاني : «الّذي أعجب أبا زيد ضرب عمرا الكريم» (٦) ، فيكون / الضّمير مستترا في «أعجب» وقدّم عن محلّه ، ليقع متّصلا ، وفي الثّالث : «الّذي أعجب أبا زيد ضربه عمرو الكريم» فتأمّل ذلك.
وللمخبر عنه ثلاثة (٧) شروط أخر :
أحدها : جواز استعماله مرفوعا ، فلا يخبر عن لازم النّصب على الظّرفيّة ، كـ «عند» و «لدى» (٨).
الثّاني : أن يكون واقعا في جملة خبريّة ، فلا يصحّ الإخبار عن «زيد» من قولك : «اضرب زيدا» (٩) ، لامتناع وقوع الطّلب صلة.
الثّالث : ألا يكون في إحدى جملتين مستقلّتين (١٠) ، (نحو : «زيد قعد
__________________
وشبهه ، فلأن ذلك يؤدي إلى أن يكون الضمير عاملا ، وذلك لا يجوز إلا عند أهل الكوفة فإنهم يجيزون «ضربي زيدا حسن ، وهو عمرا قبيح» ، وذلك لا يجوز عندنا. وأما امتناع الإخبار عن المضاف دون المضاف إليه ، فلما يؤدي من إضافة المضمر ، وذلك لا يجوز. وأما امتناع الإخبار عن النعت دون المنعوت ، فلما يؤدي من النعت بالمضمر والمضمر لا ينعت به ، لأنه ليس مساويا ولا منزلا منزلته. وأما امتناع الإخبار عن المنعوت دون النعت ، فلما يؤدي إليه من نعت المضمر ، وذلك لا يجوز.
انظر شرح ابن عصفور : ٢ / ٤٩٧ ـ ٤٩٨ ، وانظر الفوائد الضيائية : ٢ / ١٠٥ ، شرح الرضي : ٢ / ٤٦.
(١) في الأصل : معمول. راجع شرح الأشموني : ٤ / ٥٦.
(٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل. راجع التصريح : ٢ / ٢٦٦.
(٣) في الأصل : أو معمول. راجع التصريح : ٢ / ٢٦٦.
(٤) في الأصل : وبقي.
(٥) في الأصل : الكريم. ساقط. راجع التصريح : ٢ / ٢٦٦.
(٦) في الأصل : الكريم. ساقط. راجع التصريح : ٢ / ٢٦٦ ـ ٢٦٧.
(٧) في الأصل : ثلاث.
(٨) في الأصل : وكذا.
(٩) في الأصل : زيد. راجع التصريح : ٢ / ٢٦٧.
(١٠) في الأصل : مستفتين. راجع أوضح المسالك : ٢٤٦ ، انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٦٧ ، أي : لا رابط لإحداهما بالأخرى. انظر الصبان مع الأشموني : ٤ / ٥٧.