شرح ابن طولون - ج ٢

أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]

شرح ابن طولون - ج ٢

المؤلف:

أبي عبد الله شمس الدين محمّد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي [ ابن طولون ]


المحقق: الدكتور عبد الحميد جاسم محمّد الفيّاض الكبيسي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-3522-8
الصفحات: ٥٤٤
الجزء ١ الجزء ٢

(هَيْهاتَ)(١) هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ (٢) [المؤمنون : ٣٦] ، وفيها لغات غير ذلك (٣).

ثمّ قال :

والفعل من أسمائه عليكا

وهكذا دونك مع إليكا

كذا رويد بله ناصبين

ويعملان الخفض مصدرين

اسم الفعل ينقسم إلى موضوع له بالأصالة ـ كالأمثلة السّابقة ـ ، وإلى منقول إليه بعد الاستعمال في غيره ، ثمّ النّقل :

إمّا من جارّ ومجرور ، كـ «عليك زيدا» بمعنى : الزم ، قال الله تعالى : (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) [المائدة : ١٠٥] ، و «إليك عن زيد» بمعنى : تنحّ (٤).

وإمّا من ظرف ، كـ «دونك» بمعنى : خذ ، ومثله : «مكانك» بمعنى : اثبت ، و «وراءك» بمعنى : تأخّر ، و «أمامك» بمعنى : تقدّم.

وإمّا من مصدر استعمل فعله ، كـ «رويد» / بمعنى : أمهل ، فإنّه تصغير «إرواد» مصدر «أروده» بمعنى : أمهله ، ثمّ صغّر تصغر ترخيم ، فقيل : «رويدا» ، ثمّ نقل عن المصدريّة ، فاستعمل اسم فعل ، فنصبوا به ما بعده من غير تنوين.

وإمّا من مصدر لم يستعمل فعله ، كـ «بله زيدا» ، بمعنى : دع ، فإنّ «بله» في الأصل : مصدر فعل مهمل مرادف لـ «دع».

__________________

(١) في الأصل : هيها.

(٢) قال ابن يعيش : «والضم مع التنوين قراءة ابن حيوة ، ولا أعلمها قرئت بالضم من غير تنوين ، وقيل : قرأ بها قعنب». انتهى. وبالضم مع التنوين قراءة خارجة بن مصعب والأحمر أيضا.

ويقرأ بالفتح بلا تنوين على أنه مفرد وبالتنوين على إرادة التكثير ، وبالكسر بلا تنوين ، وبتنوين على أنه جمع تأنيث ، ويقرأ «هيهاه» بالهاء وقفا ووصلا ، ويقرأ «أيهاه» بإبدال الهمزة من الهاء الأولى.

انظر شرح ابن يعيش : ٤ / ٦٦ ، القراءات الشاذة : ٩٧ ، إملاء ما منّ به الرحمن : ٢ / ١٤٩ ، إعراب النحاس : ٣ / ١١٣.

(٣) حكى الصغاني فيها ستا وثلاثين لغة : هيهات وأيهات ، وهيهان ، وأيهان ، وهيهاه ، وأيهاه ، وكل واحدة من هذه الستة مضمومة الآخر ومفتوحته ومكسورته ، وكل واحدة منها منونة وغير منونة ، فتلك ست وثلاثون وجها. وحكى غيره فيها «هيهاك ، وأيهاك» ، والكاف للخطاب ، و «أيهاء ، وأيها ، وهيهاء». فهذه إحدى وأربعون لغة.

انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ١٩٦ ـ ١٩٧ ، شرح المرادي : ٤ / ٨١ ، شرح الأشموني : ٣ / ١٩٩ ، شرح الرضي : ٢ / ٧٣ ، التسهيل : ٢١١ ، الهمع : ٥ / ١٢٢ ـ ١٢٣ ، شرح ابن يعيش : ٤ / ٦٧.

(٤) وهو لازم عند البصريين ، وزعم ابن السكيت والكوفيون أنها تتعدى ، فتقول : «إليك زيدا» أي : أمسك زيدا. انظر شرح المرادي : ٤ / ٨٢ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ١٩٨.

١٦١

وإن أريد بهما المصدر خفضا ما بعدهما ، بإضافتهما إليه ، فقيل : «رويد زيد ، وبله عمرو» ، كما يضاف المصدر إلى مفعوله.

وينفرد «رويد» بأنّه يعمل النّصب (١) في (حال) (٢) مصدريّته أيضا ، فيفرّق بينه وبين اسم الفعل ـ التّنوين.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وما لما تنوب (٣) عنه من عمل

لها وأخّر ما لذي فيه العمل

أي : تعمل أسماء الأفعال عمل الأفعال التي (٤) نابت عنها.

فما ناب منها عن لازم ، كـ «صه ، ونزال ، وهيهات» اقتصر على رفع فاعل ، وحكمه في وجوب استتار الفاعل وظهوره حكم ما ناب عنه ـ كما سبق (٥) ـ.

وما ناب منها عن متعدّ ، كـ «دونك ، وعليك» نصب.

وإن استعمل بمعنى أفعال متعدّدة ، اختلفت أحواله كـ «حيّهل الثّريد» بمعنى : ائت ، و «حيّهل على الخير» ، بمعنى : أقبل ، ولم يسمع بعد «آمين» مفعول ، مع كونه بمعنى : استجب.

ويفارق اسم الفعل مسمّاه في أنّه لا يجوز تقديم معموله عليه ، بخلاف الأصل ، فلا يقال : «زيدا بله» كما يقال : «زيدا اترك» (٦).

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى / :

واحكم بتنكير الّذي ينوّن

منها وتعريف سواه بيّن

تنقسم أسماء الأفعال بالنّسبة إلى لزوم التّنوين ، ولزوم التّجرّد منه ، وجوازهما ثلاثة أقسام :

فالأوّل : كـ «واها ، وويها» بمعنى : أتعجّب ، فهما في الأسماء بمنزلة : «أحد ، وديّار» ، وغيرهما ممّا يلزم التّنكير.

__________________

(١) في الأصل : للنصب.

(٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل.

(٣) في الأصل : ينوب. انظر الألفية : ١٣٦.

(٤) في الأصل : الذي.

(٥) انظر ص ٣١٤ / ١ من هذا الكتاب.

(٦) وأجاز الكسائي فيه ما يجوز في الفعل من التقديم والتأخير ، ونقله في الإنصاف عن الكوفيين.

انظر شرح ابن الناظم : ٦١٤ ، شرح المرادي : ٤ / ٨٧ ، شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١٣٩٤ ، الإنصاف (مسألة : ٢٧) : ١ / ٢٢٨ ، حاشية الخضري : ٢ / ٩١ ، شرح الأشموني : ٣ / ٢٠٦ ـ ٢٠٧ ، الهمع : ٥ / ١٢٠.

١٦٢

والثّاني : كـ «شتّان» ، و «نزال» وبابه ، فهي بمنزلة ما لزم التّعريف ، كالمضمرات.

والثّالث : كـ «صه ، ومه» ، فإنّك إذا نوّنتهما كانتا (١) بمنزلة النّكرة في دلالتها : إمّا على معيّن ، وإمّا على الجنس ، (فهما) (٢) بمنزلة «رجل ، وثوب» ونحوهما ممّا يقبل (٣) التّعريف والتّنكير (٤).

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وما به خوطب ما لا يعقل

من مشبه اسم الفعل صوتا يجعل

الأصوات نوعان :

أحدهما : ما وضع لخطاب ما لا يعقل ، وهو شبيه باسم الفعل ، فلا يدخل في ذلك (٥) مخاطبتهم الدّور والمنازل وغيرها ، نحو :

٢١٨ ـ ألا أيّها اللّيل الطّويل ألا انجلي

 ...

لعدم شبهه باسم الفعل ، بخلاف قولهم في زجر البغل : «عدس» ، وفي

__________________

(١) في الأصل : نونتها كانت.

(٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل.

(٣) في الأصل : يقل.

(٤) وإذا لم تنونهما كانتا معرفتين ، فيحتملان وجهين. هذا هو المشهور في أسماء الأفعال.

وقيل : أسماء الأفعال كلها معارف ما نون منها وما لم ينون ، ثم اختلف في تعريفها : من أي قبيل هو؟. فقيل : من قبيل تعريف الأشخاص ، بمعنى أن كل لفظ من هذه الأسماء وضع لكل لفظ من هذه الأفعال. وقيل : هي أعلام أجناس.

انظر الهمع : ٥ / ١٢١ ـ ١٢٢ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٠١ ، شرح الأشموني : ٣ / ٢٠٧ ، شرح المرادي : ٤ / ٨٨.

(٥) في الأصل : ذلك في. تقديم وتأخير.

٢١٨ ـ من الطويل لامرئ القيس الكندي من معلقته المشهورة في القصائد السبع (٧٧) ، وعجزه :

بصبح وما الإصباح منك بأمثل

ويروى «فيك» بدل «منك». وانجلى : انكشف. والمعنى : أنا مغموم ، فالليل والنهار علي سواء. والشاهد في قوله : «ألا أيها الليل» حيث خاطب فيه ما لا يعقل ، وهو الليل ، ولا يدخل ذلك في اسم الصوت وإن كان خطابا لما لا يعقل لعدم شبهه باسم الفعل ، حيث أنه غير مكتف به ولهذا احتاج إلى قوله «انجلي».

انظر شرح الأشموني : ٣ / ٢١١ ، الشواهد الكبرى : ٤ / ٣١٧ ، القصائد العشر : ٦٧ ، توجيه اللمع : ٦١ ، سر الصناعة : ٢ / ٥١٣ ، أمالي ابن الشجري : ١ / ٢٧٥ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٠٢ ، معاهد التنصيص : ١ / ٨٩.

١٦٣

حثّ الإبل (على) (١) الشّرب : «جئ جئ» (٢) وفي دعاء الضّأن : «حاحا» (٣) غير مهموز.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

كذا الّذي أجدى حكاية كقب

والزم بنا النّوعين فهو قد وجب

هذا هو النّوع الثّاني من الأصوات ، وهو ما وضع لحكاية صوت : إمّا صوت حيوان ، وإمّا صوت جسم ملاق لآخر.

فمن الأوّل قولهم في / حكاية صوت الغراب : «غاق» وفي حكاية صوت طيران الذّباب : «خاز باز» ، وفي حكاية صوت الضّحك : «طيخ» (٤).

ومن الثّاني قولهم في حكاية صوت الضّرب : طاق ، وفي حكاية صوت وقع الحجر : طق ، وفي حكاية صوت وقع السّيف : قب.

وكل من نوعي أسماء الأفعال والأصوات لازم البناء ، وعلّة بناء أسماء الأفعال شبهها بالحرف في النّيابة عن الفعل ، مع عدم التّأثّر بالعوامل ، وعلّة (٥) بناء أسماء الأصوات شبهها بالحرف المهمل في وقوعها غير عاملة ولا معمولة.

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط من الأصل.

(٢) في الأصل : جأجأ. راجع التصريح : ٢ / ٢٠١.

(٣) في الأصل : جاجا. راجع التصريح : ٢ / ٢٠١.

(٤) في الأصل : طخ. راجع الأشموني : ٣ / ٢١٠.

(٥) في الأصل : الواو. ساقط.

١٦٤

الباب الثاني والخمسون

نونا التوكيد

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

نونا التّوكيد

للفعل توكيد بنونين هما

كنوني اذهبنّ واقصدنهما

هل كلّ منهما أصل بنفسه ، أو الثّقيلة هي الأصل ، ثمّ اختصرت منها الخفيفة ، أو العكس ، ثمّ ثقّلت لقصد زيادة التّوكيد؟ فيه أقوال (١). وقوله :

للفعل ...

 ...

البيت يعني : إذا قصد تأكيد معنى الفعل ـ ألحق في آخره نون ثقيلة أو خفيفة ، كـ «اقصدنهما» ، وقد اجتمع التأكيد بهما في قوله تعالى : (لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ) [يوسف : ٣٢] ، ويفترقان في اللّفظ والمعنى والاستعمال.

أمّا الأوّل فظاهر.

وأمّا في المعنى فلأنّ التأكيد بالثقيلة أبلغ من الخفيفة.

وأمّا الثّالث ، فلأنّ الخفيفة ترسم بالألف ، ويوقف عليها بالألف ، كالتّنوين ، إلّا أنّها تفارقه في ثبوتها مع التّركيب ، كـ «اقصدنهما» (٢).

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى / :

يؤكّدان افعل ويفعل آتيا

ذا طلب أو شرطا امّا تاليا

__________________

(١) فذهب إلى الأول البصريون ، لتخالف بعض أحكامهما كإبدال الخفيفة ألفا في نحو (وَلَيَكُوناً) وحذفها في نحو «لا تهين الفقير» ، وكلاهما ممتنع في الثقيلة ، قاله سيبويه.

وإلى الثاني ذهب الكوفيون ، وإلى الثالث بعض النحويين ، وذكر الخليل أنهما توكيد فإذا جئت بالخفيفة فأنت مؤكد ، وإذا جئت بالثقيلة فأنت أشد توكيدا.

انظر الكتاب : ٢ / ١٤٩ ، ١٥٤ ـ ١٥٥ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٠٣ ، شرح الأشموني : ٣ / ٢١٢ ، الجنى الداني : ١٤١ ، مغني اللبيب : ٤٤٣ ، شرح المرادي : ٤ / ٩٠ ، الهمع : ٤ / ٣٩٧ ، جواهر الأدب : ٣٧٢ ، حاشية الدسوقي : ٢ / ٢ ، حاشية الخضري : ٢ / ٩٢ ، ارتشاف الضرب : ١ / ٣٠٣ ، شرح ابن يعيش : ٩ / ٣٨.

(٢) في الأصل : اقصديهما. انظر الألفية : ١٣٧.

١٦٥

أو مثبتا في قسم مستقبلا

وقلّ بعد ما ولم وبعد لا

وغير إمّا من طوالب الجزا

وآخر المؤكّد افتح كابرزا

التّأكيد بالنّون يختصّ بفعلي الأمر والمضارع ، ولا يدخل (١) على الماضي.

أمّا الأمر ، فيؤكّدانه بلا قيد.

وأمّا المضارع ، فينقسم تأكيده بهما إلى : مطّرد ، وإلى قليل.

فالمطّرد منه ثلاثة مواضع :

الأوّل : أن يدلّ على طلب : إمّا أمرا ، نحو «ليقومنّ زيد» ، وإمّا نهيا ، نحو (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً) [إبراهيم : ٤٢] ، وإمّا دعاء ، نحو «لتسقنّا الغيث يا إلهنا» ، ويلتحق بالطّلب ما أشبهه من التّحضيض ، والتّمنّي ، والاستفهام ، نحو :

٢١٩ ـ هلا تمنّن بوعد غير مخلفة

 ...

وقوله :

٢٢٠ ـ فليتك يوم الملتقى ترينّني

 ...

__________________

(١) في الأصل : تدخل.

٢١٩ ـ من البسيط ولم أعثر على قائله ، وعجزه :

كما عهدتك في أيّام ذي سلم

تمنن : بكسر النون الأولى وسكون الثانية ، وأصله «تمنين» خطاب للمؤنث ، دخلت عليه «هلا» فصار «تمنى» ، ثم دخلت عليه نون التوكيد الخفيفة فالتقى ساكنان ـ النون والياء ـ فحذفت الياء ، فصار «تمنن». ذي سلم : موضع بالحجاز ، وقيل : واد به. والشاهد في قوله : «هلا تمنن» حيث أكد الفعل بنون التوكيد الخفيفة بعد حرف التحضيض «هلا».

انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٠٤ ، شرح الأشموني : ٣ / ٢١٣ ، الشواهد الكبرى : ٤ / ٣٢٢ ، الهمع (رقم) : ١٣٦٧ ، الدرر اللوامع : ٢ / ٩٦ ، شرح ابن الناظم : ٦١٨ ، البهجة المرضية : ١٤٢ ، كاشف الخصاصة : ٢٨٦ ، شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١٤٠٢ ، المطالع السعيدة : ٤٧٤ ، ارتشاف الضرب : ١ / ٣٠٣ ، أوضح المسالك : ٢١٨.

٢٢٠ ـ من الطويل ، ولم أعثر على قائله ، وعجزه :

لكي تعلمي أنّي امرؤ بك هائم

ويروى : «أي» بدل «أني». والهائم : المتحير في العشق الغريق فيه. والشاهد في قوله : «ترينني» حيث أكد الفعل بنون التوكيد الثقيلة بعد التمني.

انظر شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١٤٠٢ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٠٤ ، الشواهد الكبرى : ٤ / ٣٢٣ ، شرح الأشموني : ٣ / ٢١٣ ، الدرر اللوامع : ٢ / ٩٦ ، الهمع (رقم) : ١٣٦٨ ، شرح ابن الناظم : ٦١٨ ، البهجة المرضية : ١٤٢ ، كاشف الخصاصة : ٢٨٦ ، المطالع السعيدة : ٤٧٤ ، أوضح المسالك : ٢١٨ ، ارتشاف الضرب : ١ / ٣٠٣.

١٦٦

وقوله :

٢٢١ ـ ...

أفبعد كندة تمدحنّ قبيلا (٢)

الثّاني : أن يقع بعد «إن» الشّرطيّة المؤكّدة بـ «ما» ، نحو (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً) [مريم : ٢٦].

الثّالث : أن يقع (٣) في جواب القسم ، وهو مثبت مستقبل ، نحو (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) [الأنبياء : ٥٧] ، ولا يؤكّد بها منفي ، نحو (تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ) [يوسف : ٨٥] ، أو (٤) (حال) (٥) ، نحو :

٢٢٢ ـ يمينا لأبغض كلّ امرئ

يزخرف قولا ولا يفعل

والتأكيد في القسم الثّالث واجب ، فإن عري عن التّأكيد بالنّون قدّر قبله حرف النّفي ، فإذا قلت : «والله يقوم زيد» كان المعنى : نفي القيام عنه.

وأمّا الثّاني : فليس تأكيده واجبا / إلّا أنّ تجرّده من التّأكيد لا يكاد يوجد إلّا في الشّعر ، نحو :

__________________

٢٢١ ـ من الكامل لامرئ القيس الكندي ، من قصيدة له في ديوانه (٣٥٨) ، وصدره :

قالت فطيمة حلّ شعرك مدحه

ونسب في الكتاب للمقنع ، وقال البغدادي : «وهذا الشعر من أبيات سيبويه الخمسين التي لا يعرف لها قائل». كندة : اسم قبيلة من اليمن من كهلان بن سبأ. والقبيل : الجماعة من قوم مختلفين ، والقبيلة : بنو أب واحد ، وأراد بالقبيل هنا : القبيلة ، لتقارب المعنى فيهما.

والشاهد في قوله : «تمدحن» حيث أكد الفعل بنون التوكيد الثقيلة بعد الاستفهام.

انظر شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١٤٠١ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٠٤ ، الشواهد الكبرى : ٤ / ٣٤٠ ، شرح الأشموني : ٣ / ٢١٤ ، الخزانة : ١١ / ٣٨٣ ، الكتاب مع الأعلم : ٢ / ١٥١ ، الهمع (رقم) : ١٣٧٠ ، الدرر اللوامع : ٢ / ٩٦ ، شرح ابن الناظم : ٦١٩ ، أوضح المسالك : ٢١٨.

(١) في الأصل : قتيلا. انظر المراجع الآتية.

(٢) في الأصل : تقع.

(٣) في الأصل : و.

(٤) ما بين القوسين ساقط من الأصل. راجع التصريح : ٢ / ٢٠٣.

٢٢٢ ـ من المتقارب ولم أعثر على قائله. وهو معنى مليح. يزخرف : يزين. أراد : أنه يزين أقواله بالمواعيد ثم لا يفعل. ويمينا : نصب بفعل محذوف تقديره : أقسم يمينا. والشاهد في قوله : «لأبغض» فإنه جواب القسم ، وهو مضارع مثبت مقرون باللام ولم تدخله نون التوكيد لأنه وقع حالا.

انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٠٣ ، الشواهد الكبرى : ٤ / ٣٣٨ ، شرح الأشموني : ٣ / ٢١٥ ، أوضح المسالك : ٢١٧ ، شواهد التوضيح لابن مالك : ١٦٦ ، فتح رب البرية : ١ / ١٠٧ ، حاشية الخضري : ٢ / ٩٣.

١٦٧

٢٢٣ ـ يا صاح إمّا تجدني غير ذي جدة

 ....

وأمّا الأوّل : فالتأكيد فيه وتركه شائعان ، والقليل منه أربعة مواضع :

الأوّل : إذا وقع بعد «ما» ، والمراد بها «ما» الزّائدة ، كقوله :

٢٢٤ ـ قليلا (به) (٣) ما يحمدنّك وارث

 ...

الثاني : إذا وقع بعد «لم» كقوله :

٢٢٥ ـ يحسبه الجاهل ما لم يعلما

شيخا على كرسيّه معمّما

__________________

٢٢٣ ـ من البسيط ، ولم أعثر على قائله ، وعجزه :

فما التّخلّي عن الخلّان من شيمي

جدة : أي : استفناء. الخلان : جمع خليل ، الشيم : جمع شيمة ، وهي الخلق والطبيعة.

والشاهد في قوله : «أما تجدني» حيث ترك فيه التوكيد بالنون بعد وقوع الفعل بعد «أما» الشرطية ، وهو قليل في النثر ، وقيل : يختص بالضرورة.

انظر شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١٤١٠ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٠٤ ، شرح الأشموني : ٣ / ٢١٦ ، الشواهد الكبرى : ٤ / ٣٣٩ ، أوضح المسالك : ٢١٧ ، شرح ابن الناظم : ٦٢٠.

٢٢٤ ـ من الطويل ، لحاتم الطائي من قصيدة له في ديوانه (١٠٨) ، وعجزه :

إذا نال ممّا كنت تجمع مغنما

والمعنى : يحمدك وارثك بعد استيلائه على مالك حمدا قليلا. والشاهد في قوله : «يحمدنك» حيث أكده الشاعر بالنون الثقيلة بعد «ما» الزائدة ، وهو قليل.

انظر شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١٤٠٨ ، شرح الأشموني : ٣ / ٢١٧ ، الشواهد الكبرى : ٤ / ٣٢٨ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٠٥ ، الهمع (رقم) : ١٣٨٠ ، الدرر اللوامع : ٢ / ٩٩ ، شرح ابن الناظم : ٦٢٢ ، شرح المرادي : ٤ / ٩٧ ، الضرائر : ٣٠ ، كاشفة الخصاصة : ٢٨٧ ، المطالع السعيدة : ٤٧٥ ، شرح الهواري (١٦٠ / أ) ، أوضح المسالك : ٢١٨ ، ارتشاف الضرب : ١ / ٣٠٥.

(١) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر المراجع الآتية.

٢٢٥ ـ من الرجز ، وقد اختلف في قائلهما. قال العيني : «أقول : قائله هو أبو حيان الفقعسي ، كذا قاله ابن هشام الحنبلي ، وقال ابن هشام اللخمي : قائله مساور العبسي ، ويقال : العجاج والد رؤبة ، وقال السيرافي : قائله الدبيري ، وقال الصاغاني : قائله عبد بني عبس». وقبلهما :

وحلبوها وابلا وديما

فأغدرت منها وطابا زمّما

وقمعا يكسى ثمالا قشعما

حلبوها يعني : إبلا. أغدرت : أبقت. الوطاب : جمع وطب وهو زق اللبن. الزمم : جمع زام ، وهو الممتلئ الشديد الامتلاء. الثمال : الرغوة. القشعم : الكبير ، و «ما» مصدرية زمانية والتقدير : مدة عدم علمه. والمعنى : شبه الوطب وعليه القمع الذي ابيض من رغوة اللبن بشيخ جالس على كرسي لعلوه وانتصابه. والشاهد في قوله «ما لم يعلما» حيث أكده بنون

١٦٨

الثّالث : إذا وقع بعد «لا» النّافية ، كقوله :

(وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا) [الأنفال : ٢٥].

الرّابع : إذا وقع (١) شرطا لغير «إن» ، كقوله :

٢٢٦ ـ من تثقفن منهم فليس بآيب

 ...

وهو في الأوّل والثّالث أكثر منه في الآخرين (٣).

ويجب بناء آخر الفعل المؤكّد على الفتح ، ما لم يتّصل به ضمير.

__________________

التأكيد الخفيفة بعد «لم» الجازمة النافية ، وهذا قليل.

انظر شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١٤٠٦ ، تذكرة النحاة : ٦٩ ، شرح الأشموني : ٣ / ٢١٨ ، الشواهد الكبرى : ٤ / ٨٠ ، ٣٢٩ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٠٥ ، الخزانة : ١١ / ٤٠٩ ، ٤٥١ ، شواهد ابن السيرافي : ٢ / ٢٦٦ ، الكتاب مع الأعلم : ٢ / ١٥٢ ، نوادر أبي زيد : ١٦٤ ، أمالي ابن الشجري : ١ / ٣٨٤ ، الإنصاف : ٦٥٣ ، شرح ابن يعيش : ٩ / ٤٢ ، المقرب : ٢ / ٧٤ ، الهمع (رقم) : ١٣٧٦ ، الدرر اللوامع : ٢ / ٩٧ ، المكودي مع ابن حمدون : ٢ / ٦٤ ، شرح ابن الناظم : ٦٢٢ ، شرح المرادي : ٤ / ١٠٠ ، شرح دحلان : ١٤٣ ، الضرائر : ٢٩ ، ٤٨ ، ١١٢ ، سر الصناعة : ٢ / ٦٧٩ ، كاشف الخصاصة : ٢٨٨ ، الأصول : ٢ / ٢٠٠ ، فتح رب البرية : ١ / ١٠٤.

(١) في الأصل : أن تقع.

٢٢٦ ـ من الكامل ، لبنت مرة بن عاهان أبي الحصين من مذحج ، قالته لما قتلت باهلة أباها وعجزه :

أبدا وقتل بني قتيبة شافي

ويروى صدره :

من يثقفوا منّا فليس بوائل

من يثقفن منّا فليس بآيب

الوائل : الملتجئ. تثقفن : يقال : ثقفت الرجل في الحرب : أدركته ، وثقفته : ظفرت به.

آيب : راجع. بنو قتيبة : بطن من باهلة. والشاهد في قوله : «من تثقفن» حيث أكده الشاعر بالنون الخفيفة وهو فعل واقع شرطا لغير «إن» ، وهو قليل.

انظر شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١٤٠٥ ، ارتشاف الضرب : ١ / ٣٠٤ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٠٥ ، الشواهد الكبرى : ٤ / ٣٣٠ ، شرح الأشموني : ٢ / ٣١٠ ، ٣ / ٢٢٠ ، الكتاب مع الأعلم : ٢ / ١٥٢ ، المقتضب : ٣ / ١٤ ، المقرب : ٢ / ٧٤ ، الخزانة : ١١ / ٣٩٩ ، الهمع (رقم) : ١٣٨١ ، الدرر اللوامع : ٢ / ١٠٠ ، شواهد ابن السيرافي : ٢ / ٢٦٣ ، شرح ابن عقيل : ٢ / ٩٣ ، شواهد الجرجاوي : ٢٢٣ ، شرح ابن الناظم : ٦٢٤ ، شرح المرادي : ٤ / ١٠٥ ، شرح ابن عصفور : ٢ / ٤٩٠ ، كاشف الخصاصة : ٢٨٨ ، المطالع السعيدة : ٤٧٥ ، التحفة المكية (رسالة ماجستير) : ٢٨٨.

(٢) في الأصل : الأخيرين.

١٦٩

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

واشكله قبل مضمر لين بما

جانس من تحرّك قد علما

هذه المسألة مستثناة من وجوب فتح آخر الفعل المؤكّد ، وهو ما إذا أسند الفعل إلى ضمير ذي لين ، وهو الألف والواو والياء ، فإنّك تجعل آخر الفعل حينئذ محرّكا حركة تجانس الضّمير ، فتضمّه قبل الواو ، نحو (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ) [آل عمران : ١٨٦] ، وتكسره قبل الياء ، نحو (فَإِمَّا)(١) تَرَيِنَ [مريم : ٢٦] ، وتفتحه قبل الألف ، نحو (وَلا تَتَّبِعانِ) [يونس : ٨٩].

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

والمضمر احذفنّه إلّا الألف

وإن يكن في آخر الفعل ألف

فاجعله (منه) (٢) رافعا غير اليا

والواو ياء كاسعينّ سعيا /

واحذفه من رافع هاتين وفي

واو ويا شكل مجانس قفي

نحو اخشين يا هند بالكسر ويا

قوم اخشون واضمم وقس مسوّيا

أي : إذا كان آخر الفعل المؤكّد ضمير ذو لين ـ حذفته إن كان غير ألف ، فيشمل ذلك الواو ، نحو «هم يضربنّ» ، والياء ، نحو «أنت تضربنّ» ، أصلهما «يضربون (٣) ، وتضربين» حذفت الواو والياء ، لالتقائهما (٤) ساكنين مع أوّل نوني التّأكيد الساكنة للإدغام فيما بعدها ، وسواء كان آخر الفعل صحيحا ـ كما مثّل ـ أو معتلّا بالواو والياء ، نحو (لَتُبْلَوُنَ) [آل عمران : ١٨٦] ، (فَإِمَّا تَرَيِنَ) [مريم : ٢٦].

وإن كان الضّمير ألفا ـ أقرّ على حاله إن كان الفعل صحيحا أو معتلا ، نحو «هما يضربانّ ، ويعدوانّ ، ويرميانّ ، ويخشيانّ».

وأمّا حكم آخر الفعل المعتلّ ـ فقد (٥) سبق أنّ المعتلّ بالواو والياء لا يحذف حرف العلّة منه.

وأمّا المعتلّ بالألف : فإن رفع غير الواو والياء من ألف ، أو ضمير مستتر ـ قلبت ألفه ياء ، نحو «اخشينّ يا زيد ، واسعينّ (٦) سعيا ، واخشيانّ ، وأنتما

__________________

(١) في الأصل : ما.

(٢) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر الألفية : ١٣٨.

(٣) في الأصل : لا تضربون.

(٤) في الأصل : للالتقاء بهما.

(٥) في الأصل : فد.

(٦) في الأصل : الواو. ساقط.

١٧٠

تسعيانّ» ، وإن رفع الواو والياء ـ حذفت (١) ألفه وحرّك كلّ واحد من الواو والياء بما يجانسه ، فتحرّك الياء بالكسر ، نحو «اخشينّ يا هند» (٢) ، والواو بالضّمّ نحو «يا قوم اخشونّ» ، ويقاس على ذلك جميع الأفعال المعتلّة بالألف.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى / :

ولم تقع خفيفة بعد الألف

لكن شديدة وكسرها ألف

أخذ في بيان الأحكام المختصّة بالنّون الخفيفة وهي أربعة :

أوّلها هذا : وهو عدم وقوعها بعد ألف ، وإنّما تقع بعدها الثّقيلة ، ثمّ المانع من وقوع الخفيفة بعد الألف هو (٣) الفرار من التقاء السّاكنين ، فلو كان بعدها ما تدغم فيه : ففي كونه مسوّغا لوقوعها بعد الألف قولان (٤).

والحقّ ما ذهب إليه يونس ، من جواز وقوعها بعد الألف مطلقا (٥) ، ثمّ تكسر لالتقاء السّاكنين (٦) ، ـ لا كما قال أبو عليّ : إنّها تقرّ على سكونها (٧) ـ ،

__________________

(١) في الأصل : حذف. فإنه قال قبل : «قلبت ألفه».

(٢) وأجاز الكوفيون حذف الياء المفتوح ما قبلها ، نحو «اخشين» ، فتقول : «اخشن يا هند» ، وحكى الفراء أنها لغة طيء.

انظر شرح المرادي : ٤ / ١١١ ، شرح الأشموني : ٣ / ٢٢٣ ، الهمع : ٤ / ٤٠٣ ، ارتشاف الضرب : ١ / ٣٠٨.

(٣) في الأصل : و.

(٤) قال المرادي : «فإن قلت إذا كان بعدها ما تدغم فيه ، فهل يجوز لحاقها على مذهب البصريين ، لزوال المانع ، نحو «أضربان نعمان»؟. قلت : قال الشيخ أبو حيان : نص بعضهم على المنع ، ويمكن أن يقال : يجوز». انتهى. وقد صرح سيبويه بمنع ذلك.

انظر شرح المرادي : ٤ / ١١٢ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٣٠٨ ، الكتاب : ٢ / ١٥٦ ، شرح الأشموني : ٣ / ٢٢٤ ، حاشية الخضري : ٢ / ٩٥.

(٥) وهو مذهب الكوفيين. وذلك خلافا لسيبويه والبصريين حيث قالوا بالمنع.

انظر الكتاب : ٢ / ١٥٥ ، ١٥٦ ، ١٥٧ ، شرح ابن يعيش : ٩ / ٣٨ ، الإيضاح لابن الحاجب : ٢ / ٢٨٠ ، شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١٤١٧ ، ١٤١٨ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٠٧ ، الإنصاف : ٢ / ٦٥٠ ، الجنى الداني : ١٤٣ ، شرح المرادي : ٤ / ١١١ ، البهجة المرضية : ١٤٤ ، شرح الهواري (١٦١ / أ) ، شرح ابن الناظم : ٦٢٩ ، شرح الرضي : ٢ / ٤٠٥ ، تاج علوم الأدب : ٢ / ٣٣٦ ، شرح الأشموني : ٣ / ٢٢٤ ، ارتشاف الضرب : ١ / ٣٠٨ ، المقتصد للجرجاني : ٢ / ١١٣٤.

(٦) انظر شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١٤١٧ ـ ١٤١٨ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٠٧ ، شرح المرادي : ٤ / ١١١ ، شرح الأشموني : ٣ / ٢٢٤ ، شرح الهواري (١٦١ / أ).

(٧) قال الأزهري : «ثم صرح الفارسي في كتابه الحجة بأن يونس يبقي النون ساكنة ، ونظير ذلك قراءة نافع محياي بسكون الياء وصلا». انتهى.

١٧١

ومنه (١) قراءة بعضهم : فدمرانهم تدميرا (٢) [الفرقان : ٣٦].

ثمّ قال :

وألفا زد قبلها مؤكّدا

فعلا إلى نون الإناث أسندا

هذا الحكم الثّاني من أحكام الخفيفة ، وهو أنّه لا يؤكّد بها الفعل المسند إلى نون الإناث لأنّه إذا أكّد بالنّون الثّقيلة لزم أن يفصل بينها (٣) وبين نون الإناث بألف ، فيقال : «هما يضربنانّ» (٤) كراهيّة لتوالي النّونات ، والخفيفة لا تقع بعد الألف.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

واحذف خفيفة لساكن ردف

وبعد غير فتحة إذا تقف

واردد إذا حذفتها في الوقف ما

من أجلها في الوصل كان عدما (٥)

وأبدلنها بعد فتح ألفا

وقفا كما تقول في قفن قفا /

هذان الثّالث والرّابع من الأحكام المختصّة بالخفيفة.

فالثّالث : أنّها تحذف لملاقاتها السّاكن بعد ، كقوله :

(٦) ـ لا تهين الفقير علّك أن

تركع يوما والدّهر قد رفعه

__________________

انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٠٧ ، المقتصد للجرجاني : ٢ / ١٣٤ ، شرح الرضي : ٢ / ٤٠٥ ، الأشموني مع الصبان : ٣ / ٢٢٤.

(١) أي : مما ذهب إليه يونس.

(٢) والقراءة المشهورة : (فَدَمَّرْناهُمْ.) و «فدمّرانهم» بالنون الخفيفة مكسورة بعد الألف قراءة حكاها ابن جني ، وفي القراءات الشاذة أنها قراءة علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه.

انظر القراءات الشاذة : ١٠٥ ، شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١٤١٨ ، الهمع : ٤ / ٤٠٣ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٠٧ ، شرح المرادي : ٤ / ١١١ ، شرح الأشموني : ٣ / ٣٢٤.

وانظر المحتسب لابن جني : ٢ / ١١٢.

(٣) في الأصل : بينهما.

(٤) في الأصل : يضربان. راجع الأشموني : ٣ / ٢٢٤.

(٥) في الأصل : علما. انظر الألفية : ١٤٠.

٢٢٧ ـ من المنسرح ، للأضبط بن قريع السعدي ، من أبيات له في أمالي القالي (١ / ١٠٨) ، وقبله :

وصل حبال البعيد إن وصل ال

حبل ، وأقص القريب إن قطعه

ويروى : «ولا تعاد» بدل «لا تهين» ، ويروى : «الكريم» بدل «الفقير». الهوان : الذل. علّ : لغة في «لعل» وهي هنا بمعنى : عسى. الركوع : الانحناء ، وأراد به الانحطاط من المرتبة والسقوط في المنزلة. والشاهد فيه حذف النون الخفيفة من «تهين» لالتقائها ساكنة مع لام قوله : «الفقير» الساكنة ، وأصله : تهينن.

انظر شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١٤١٩ ، توجيه اللمع : ٤٦٤ ، شرح الأشموني : ٣ / ٢٢٥ ،

١٧٢

أصله : تهينن.

والرّابع : أنّها تعامل بما يعامل التّنوين ، فتقف بحذفها إن وقعت بعد غير فتحة من كسر أو ضمّ ، ولا يتصوّر ذلك إلّا في الفعل المسند إلى الواو والياء ـ كما سبق ـ وحينئذ فلا يبقى آخر الفعل على حاله معها ، لكن يجب أن يردّ إليه ما كان قد حذف من أجلها للوصل ، فتقول في نحو «القوم يكرمن أضيافهم ، وأنت تكرمن بعلك» إذا وقفت (١) على الفعل : «يكرموا ، وتكرمي» بحذف النّون لشبهها بالتّنوين ، وردّ الواو والياء ، لزوال ما حذفا من أجله من ملاقاة السّاكن بعدهما.

وإن كانت النّون بعد فتحة ، نحو لنسفعن [العلق : ١٥] ، وقفت عليها بإبدالها ألفا ، كما يفعل ذلك بالتّنوين الواقع بعد فتحة ، فتقول على هذا في «قفن يا زيد» ، إذا وقفت : «قفا» ، ومنه قوله :

٢٢٨ ـ ...

ولا (٣) تعبد الشّيطان والله فاعبدا

__________________

(١) في الأصل : وقعت.

٢٢٨ ـ من الطويل للأعشى ميمون بن قيس ، من قصيدة له قالها يمدح النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين أراد الإسلام وتوجه إليه ، فردته قريش ، ثم أدركه الموت قبل لقائه ، وصدره (كما يرويه النحويون) :

وإيّاك والميتات لا تقربنّها

وعليه يكون البيت مركبا من بيتين كما في ديوان شعره (١٠٣) ، وهما :

فإيّاك والميتات لا تأكلنّها

ولا تأخذن سهما حديدا لتفصدا

وذا النصب المنصوب لا تنسكنّه

ولا تعبد الشّيطان والله فاعبدا

قوله : «وإياك والميتات» : أي : اتق الميتات ، وهي جمع ميتة ، وهي التي ماتت حتف أنفها أو ذبحت بغير التسمية. قوله : «ولا تعبد الشيطان» أي : لا تطعه لأن معنى العبادة الطاعة.

والشاهد فيه إبدال النون الخفيفة ألفا للوقف في «فاعبدا» إذ أصله «فاعبدن».

انظر شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١٤٠٠ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٠٨ ، الشواهد الكبرى : ٤ / ٣٤٠ ، شرح الأشموني : ٣ / ٢٢٦ ، الكتاب مع الأعلم : ٢ / ١٤٩ ، شواهد ابن

١٧٣

الباب الثالث والخمسون

ما لا ينصرف

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

ما لا ينصرف (١)

الصّرف تنوين أتى مبيّنا

معنى به يكون الاسم أمكنا

يعرض للاسم نقصان (٢) :

ـ نقص يوجب شبهه بالحرف ، فيوجب بناءه ـ كما سبق ـ ، ويسمّى : غير متمكّن.

ـ ونقص يوجب شبهه بالفعل ، فيمنعه / الصّرف ، ويسمّى : غير أمكن.

فإذن الأسماء بالنّسبة إلى التّمكّن والأمكنيّة وعدمها ـ ثلاثة أقسام :

__________________

السيرافي : ٢ / ٢٤٤ ، شرح ابن يعيش : ٩ / ٣٩ ، ٨٨ ، ١٠ / ٢٠ ، شواهد المفصل والمتوسط : ٢ / ٦٦٩ ، اللسان (ورى ، نصب ، نون) ، شواهد المغني : ٢ / ٥٧٧ ، ٧٩٣ ، أبيات المغني : ٦ / ١٦٢ ، الدرر اللوامع : ٢ / ٩٥ ، شرح الملوكي لابن يعيش : ٢٣٢ ، ٢٣٥ ، أمالي ابن الشجري : ١ / ٣٨٤ ، الممتع في التصريف لابن عصفور : ١ / ٤٠٨ ، الإنصاف : ٢ / ٦٥٧ ، مغني اللبيب (رقم) : ٦٩٩ ، جواهر الأدب : ٥٤ ، ١١٧ ، اللمع : ٢٧٣ ، سر الصناعة : ٢ / ٦٧٨ ، التبصرة والتذكرة : ٤٣٣ ، شرح اللمحة لابن هشام : ٢ / ٣٧٧ ، الإفصاح : ١٨٩ ، فتح رب البرية : ١ / ١١٢ ، الهمع (رقم) : ١٣٦٦.

(١) في الأصل : ما لا يتصرف. انظر الألفية : ١٤٠. وقد اختلف في اشتقاق المنصرف على أقوال : فقيل : هو من الصرف ، وهو الخالص من اللبن ، والمنصرف خالص من شبه الفعل والحرف.

وقيل : من الصريف ، وهو الصوت ، لأن الصرف وهو التنوين صوت في الآخر. وقيل : من الانصراف ، وهو الرجوع ، فكأن الاسم ضربان ، ضرب أقبل على شبه الفعل ، فمنع مما يمنع منه ، وضرب انصرف عنه. وقيل : من الانصراف إلى جهات الحركات. وقيل : من الصرف الذي هو القلب. وقال ابن مالك : سمي منصرفا لانقياده إلى ما يصرفه عن عدم التنوين إلى تنوين ، وعن وجه من وجوه الإعراب إلى غيره.

انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ٢٠٩ ، شرح الأشموني : ٣ / ٢٢٨ ، الهمع : ١ / ٧٦ ، شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١٤٣٤ ، شرح المرادي : ٤ / ١٢٠ ، شرح ابن عصفور : ٢ / ٢٠٥.

(٢) في الأصل : نقصا.

١٧٤

فالأوّل : كـ «زيد».

والثّاني : كـ «كيف».

والثّالث : كـ «أحمد» (١) ، وليس فيها عكسه (٢).

وقوله :

الصّرف ...

 ...

البيت أي : الصّرف تنوين (٣) جيء به لبيان معنى أمكنيّة الاسم ، وسلامته من شبه الفعل والحرف ، كـ «زيد» من (٤) المعارف (و «فرس» من النّكرات) (٥) ، إلّا أنّه (٦) يخلفه ما يشبهه ، كـ «مسلمات» (٧).

والمانع لدخول هذا التّنوين :

إمّا علّتان من علل عشر.

وإمّا علّة تقوم مقامهما بأن (٨) تكون ـ أي إحدى العلتين ـ راجعة إلى

__________________

(١) فالأول متمكن أمكن ، والثاني غير متمكن ، والثالث متمكن غير أمكن. والاسم المتمكن هو المعرب لتمكنه في باب الاسمية ، وغير المتمكن هو المبني لعدم تمكنه في باب الاسمية ، والأمكن هو المنصرف ، وغير الأمكن هو الممنوع من الصرف.

انظر التصريح على التوضيح : ١ / ٤٧ ، ٢ / ٢٠٩ ـ ٢١٠ ، شرح التسهيل لابن مالك : ١ / ٤١ ، الأشموني مع الصبان : ١ / ٥٠ ، شرح الألفية للشاطبي (رسالة دكتوراه) : ٢ / ٧٣٧ ـ ٧٣٨ ، شرح ابن عقيل : ١ / ٢٩.

(٢) أي : غير متمكن أمكن.

(٣) مذهب المحققين أن الصرف هو التنوين ، أي : تنوين التمكين وحده كما ذكره الناظم.

وقيل : الصرف هو الجر والتنوين معا.

انظر شرح المرادي : ٤ / ١١٩ ، شرح الأشموني : ٣ / ٢٢٨ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢١٠ ، حاشية الخضري : ٢ / ٩٦.

(٤) في الأصل : في. راجع التصريح : ٢ / ٢١٠.

(٥) ما بين القوسين ساقط من الأصل. انظر التصريح : ٢ / ٢١٠.

(٦) في الأصل : ان.

(٧) قال الربعي وجار الله : إن التنوين في نحو «مسلمات» للصرف. وجزم ابن مالك في شرح الكافية بأن الصرف عبارة عن التنوينات الأربعة الخاصة بالاسم ، وذكر أنه لأجل ذلك عدل عن تعريف الاسم بالتنوين إلى تعريفه بالصرف. وقال المرادي : تخصيص تنوين التمكين بالصرف هو المشهور ، وقد يطلق على غيره من تنوين التنكير والعوض والمقابلة صرفا.

انظر شرح الرضي : ١ / ١٤ ، شرح الكافية لابن مالك : ١ / ١٦١ ـ ١٦٢ ، شرح المرادي : ١ / ٢٥ ، ٤ / ١٢٠ ، التصريح على التوضيح : ١ / ٣٣ ، ٢ / ٢١٠ ، شرح الأشموني : ١ / ٣٦ ، ٣ / ٢٢٨ ، الهمع : ٤ / ٤٠٦ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٩.

(٨) في الأصل : أن.

١٧٥

اللّفظ ، والأخرى راجعة إلى المعنى ، لأنّ الفعل فيه فرعيّة من حيث اللفظ ، وهي (١) اشتقاقه من المصدر ، وفرعيّة من حيث المعنى ، وهي (٢) اقتران دلالته بالزّمان.

والعلة القائمة مقام علّتين شيئان :

أحدهما : ألف التّأنيث.

والثّاني : صيغة منتهى الجموع.

وأمّا العلّتان ، فلا بدّ أن تكون إحداهما : إمّا الوصف ، وإمّا العلميّة ، لأنّهما العلّتان المعنويّتان ، وما عداهما فعلل لفظيّة (٣).

فيمنع مع الوصف ثلاثة أشياء : العدل (٤) ، كـ «مثنى» ، ووزن الفعل ، كـ «أحمد» وزيادة الألف والنّون ، كـ «سكران».

ويمنع مع العلميّة هذه الثّلاثة (٥) ، (ك «عمر) (٦) ، ويزيد ، ومروان» ، وأربعة أخرى ، وهي : العجمة ، كـ «إبراهيم» ، والتّأنيث ، كـ «طلحة ، وزينب» ، والتّركيب ، كـ «معدي كرب» (٧) وألف الإلحاق ، كـ «أرطى» ، وسترى ذلك كلّه مفصّلا.

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى / :

فألف التّأنيث مطلقا منع

صرف الّذي حواه كيفما وقع

أي : ألف التّأنيث تستقلّ (٨) بالمنع مطلقا ، سواء كانت مقصورة أو ممدودة ، وسواء كان ما وقعت (٩) فيه علما ، كـ «سلمى» ، أو اسما ، كـ «حبلى» ، أو صفة كـ «حمراء» ، أو اسم جنس ، كـ «ذكرى» مفردا (ـ كما مثّل ـ) (١٠) أو جمعا ، كـ «جرحى» (١١).

ثمّ قال :

__________________

(١ ـ ٢) في الأصل : وهو.

(٣) انظر شرح الأشموني : ٣ / ٢٣٠.

(٤) في الأصل : العدر. راجع الأشموني : ٣ / ٢٣٠.

(٥) وهي العدل ووزن الفعل وزيادة الألف والنون.

(٦) ما بين القوسين ساقط من الأصل. راجع الأشموني : ٣ / ٢٣٠.

(٧) في الأصل : كر. راجع الأشموني : ٣ / ٢٣٠.

(٨) في الأصل : يستقل.

(٩) في الأصل : وقعا.

(١٠) ما بين القوسين ساقط من الأصل.

(١١) وسواء كان نكرة كـ «ذكرى» أم معرفة كـ «سلمى». انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ٢١٠ ، الهمع : ١ / ٧٨ ، شرح الأشموني : ٣ / ٢٣٠.

١٧٦

وزائدا فعلان في وصف سلم

من أن يرى بتاء تأنيث ختم

بدأ بذكر العلل المانعة مع الوصف ، وهي ثلاثة أشياء ، هذا أوّلها ، وهو : زيادة الألف والنّون مع الوصف ، وهو مختص بوزن «فعلان» ، بشرط سلامته من قبول تاء التأنيث عند الإطلاق على المؤنّث.

إمّا لأنّ مؤنّثه على «فعلى» ، كـ «سكران».

وإمّا لأنّه لا مؤنّث له ، لفقد (١) المعنى فيه ، كـ «لحيان» (٢) ، أو للاستغناء عنه بلفظ آخر ، كـ «أليان» لعظيم الإليتين (٣) ، فإنّهم قالوا : مؤنّثه في الآدميّين (٤) «عجزاء» (٥).

أمّا (ما) (٦) ختم مؤنّثه بالتاء عند قصد التّأنيث ، نحو «سيفان» للطّويل (٧) ، فلا يمتنع صرفه.

وبنو أسد يصرفون باب «فعلان» من الصّفات ، لأنّ «فعلانة» (٨) مطّرد فيه عندهم (٩).

__________________

(١) في الأصل : كفقد.

(٢) لكبير اللحية. وهذا مختلف في منع صرفه : قال المرادي : «والصحيح منع صرفه لأنه وإن لم يكن له «فعلى» وجودا ، فله «فعلى» تقديرا ، لأنا لو فرضنا له مؤنثا لكان «فعلى» أولى به من «فعلانة» ، لأن باب «سكران» أوسع من باب «ندمان» ، والتقدير في حكم الوجود بدليل الإجماع على منع صرف «أكمر وآدر» مع أنه لا مؤنث له». انتهى. وحكي أن من العرب من يصرف «لحيان» حملا على «ندمان» على أنه لو كان له مؤنث لكان بالتاء. وقال أبو حيان : «فالصحيح الصرف».

انظر شرح المرادي : ٤ / ١٢١ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢١٣ ، شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١٤٣٩ ، الهمع : ١ / ٩٦ ، شرح الأشموني : ٣ / ٢٣٢ ، ارتشاف الضرب : ١ / ٤٢٨.

(٣) قال الأزهري : «و «أليان» لكبير الإلية من ذكور الغنم». انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ٢١٣ ، شرح المرادي : ٤ / ١٢٢ ، شرح الأشموني : ٣ / ٢٣٣ ، اللسان : ١ / ١١٩ (الا).

(٤) في الأصل : الأدمين.

(٥) يقال : امرأة عجزاء ، أي : عظيمة العجز. انظر اللسان : ٤ / ٢٨١٨ (عجز).

(٦) ما بين القوسين ساقط من الأصل.

(٧) الممشوق : الضامر البطن. انظر شرح المرادي : ٤ / ١٢٢ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢١٣ ، شرح الأشموني : ٣ / ٢٣٣ ، اللسان : ٣ / ٢١٧٢ (سيف) ، الهمع : ١ / ٩٦.

(٨) في الأصل : فعلان. راجع الأشموني : ٣ / ٢٣٤.

(٩) فاستغنوا به عن «فعلى» ، فيقولون : «سكرانة وغضبانة وعطشانة». انظر شرح المرادي : ٤ / ١٢٣ ، ارتشاف الضرب : ١ / ٤٢٨ ، شرح الأشموني : ٣ / ٢٣٤ ، شرح الكافية لابن مالك : ٣ / ١٤٤١.

١٧٧

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

ووصف اصليّ ووزن أفعلا

ممنوع تأنيث بتا كأشهلا

هذا الثّاني (١) ممّا يمنع مع الوصف ، وهو زنة «أفعل» في لفظ وضع للوصف أصلا ، كـ «أشهل» (٢) ، وشرطه :

أن يمتنع ختمه بتاء التّأنيث عند (٣) / قصد إطلاقه على المؤنّث ، إمّا لأنّ مؤنّثه «فعلى» ـ كما مثّل ـ ، وإمّا لأنّه لا مؤنّث له ، كـ «أكمر» للعظيم الكمرة (٤).

أمّا لو ختم ـ عند قصد التّأنيث ـ بالتّاء ، كـ «أرمل ، وأرملة» ـ لم يمتنع صرفه (٥).

ثمّ قال رحمه‌الله تعالى :

وألغينّ عارض الوصفيّه

كأربع وعارض الإسميّه

فالأدهم القيد لكونه وضع

في الأصل وصفا انصرافه منع

وأجدل وأخيل وأفعى

مصروفة وقد ينلن المنعا

قد سبق أنّ شرط منع الوصف مع وزن الفعل أن يكون أصليّا ، فنحو «أربع» في قولك : «مررت بنسوة أربع» لا يمتنع صرفه في الأصل ، (لأنّه) (٦) اسم لهذا العدد المخصوص ، ولكن عرض الوصف به ، وفي التّمثيل به نظر : فإنّ فيه مقتضى (٧) آخر للصّرف ، وهو أنّه يقبل التّأنيث بالتاء ، نحو «مررت برجال أربعة» ، لكن يمثّل ذلك بقولهم : «مررت برجل أرنب» أي : ذليل (٨).

__________________

(١) في الأصل : الثا.

(٢) الشهلة في العين : أن يشوب سوادها زرقة. انظر اللسان : ٤ / ٢٣٥٣ (شهل) ، حاشية الصبان : ٣ / ٢٣٥ ، حاشية الخضري : ٢ / ٩٨.

(٣) في الأصل : عند. مكرر.

(٤) والكمرة : الحشفة. انظر اللسان : ٥ / ٣٩٢٩ (كمر) ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢١٣ ، حاشية الصبان : ٢ / ٢٣٢.

(٥) هذا على أن «أرمل» بمعنى : فقير وهو مذهب الجمهور ، وخالف الأخفش فأجاز منع صرفه ، لجريه مجرى أحمر لأنه صفة على وزن «أفعل». أما قولهم : «عام أرمل» أي : قليل المطر ، فغير منصرف ، لأن يعقوب حكى فيه : «سنة رملاء» ، فصار كـ «أحمر حمراء».

انظر شرح المرادي : ٤ / ١٢٤ ، ارتشاف الضرب : ١ / ٤٢٩ ، شرح الأشموني : ٣ / ٢٣٥ ، ابن عقيل مع الخضري : ٢ / ٩٩ ، الهمع : ١ / ١٠٠.

(٦) ما بين القوسين ساقط من الأصل.

(٧) في الأصل : مقتضيا.

(٨) فإنه منصرف لعروض الوصفية فيه ، إذ أصله الأرنب المعروف. انظر شرح المرادي : ٤ / ١٢٥ ، شرح الأشموني : ٣ / ٢٣٦ ، الهمع : ١ / ١٠٠ ، ارتشاف الضرب : ١ / ٤٢٩.

١٧٨

ولذلك (فإنّ) (١) أصالة الوصفيّة تقتضي منع الصّرف لما عرض نقله إلى الاسميّة كـ «الأدهم» إذا سمّي به القيد (٢) ، و «أبطح ، وأبرق ، وأجرع» إذا سمّي بها (٣) أماكن (٤) ، و «أرقم ، وأسود» إذا أطلقا (٥) على الحيّة (٦).

وأمّا «أجدل» للصّقر (٧) ، و «أخيل» لطائر ذي خيلان ، وهي نقط (٨) سوداء (٩) ، و «أفعى» للحيّة (١٠) ـ فإنّها مصروفة ، لكونها أسماء في الأصل والحال.

وبعض العرب يمنعها الصّرف (١١) التفاتا إلى / معنى الصّفة التي لأجلها

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط من الأصل.

(٢) فإنه في الأصل صفة لشيء فيه سواد ، ثم استعمل استعمال الأسماء ، فيطلق على كل قيد أدهم ، ومع هذا فيمنع نظرا إلى الأصل.

انظر شرح ابن عقيل : ٢ / ٩٩ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢١٣ ، اللسان : ٢ / ١٤٤٤ (دهم).

(٣) في الأصل : به.

(٤) أبطح : هو المكان المنبطح من الوادي ، و «أبرق» : هو المكان الذي فيه لونان من سواد وبياض ، و «أجرع» : هو المكان المستوي. وحكى بعضهم أن من العرب من يصرف «أبطح وأبرق وأجرع» ملاحظة للاسمية ، وذكر ابن جني أن هذه الأسماء كلها قد تصرف.

انظر اللسان : ١ / ٢٩٩ (بطح) ، ٢٦٢ (برق) ، ٦٠١ (جرع) ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢١٣ ، الهمع : ١ / ١٠١ ، شرح المرادي : ٤ / ١٢٦ ، شرح الأشموني : ٣ / ٢٣٧ ، ارتشاف الضرب : ١ / ٤٣٠.

(٥) في الأصل : أطلق.

(٦) أرقم : للحية التي فيها نقط سود وبيض كالرقم ، وأسود : للعظيم في الحيات وفيه سواد. وقال الكسائي : العرب تصرف مثل «أسود سالخ».

انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ٢١٣ ، اللسان : ٣ / ١٧٠٩ (رقم) ، ٤١٤٢ (سود) ، شرح الأشموني : ٣ / ٢٣٦ ، ارتشاف الضرب : ١ / ٤٣٠.

(٧) وهو صفة غالبة ، وأصله من الجدل الذي هو الشدة.

انظر اللسان : ١ / ٥٧٠ (جدل) ، شرح الأشموني : ٣ / ٢٣٦ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢١٤ ، الهمع : ١ / ١٠٠ ، ابن عقيل مع الخضري : ٢ / ٩٩.

(٨) في الأصل : نطق. راجع التصريح : ٢ / ٢١٤.

(٩) وقال ابن منظور : والأخيل طائر أخضر وعلى جناحيه لمعة تخالف لونه ، سمي بذلك للخيلان. وقيل : الأخيل الشقراق (وهو طائر يكون في أرض الجرم في منابت النخيل ، كقدر الهدهد ، مرقط بحمرة وخضرة ، وبياض وسواد) وهو مشؤوم ، تقول العرب : أشأم من أخيل.

انظر اللسان : ٢ / ١٣٠٦ (خيل) ، ٤ / ٢٢٩٩ (شقرق) ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢١٤.

(١٠) وقال بعضهم : الأفعى حية عريضة على الأرض ، إذا مشت متثنية بثنيين أو ثلاثة ، تمشي بأثنائها تلك ، خشناء ، يجرش بعضها بعضا ، والجرش : الحك والدلك.

انظر اللسان : ٥ / ٣٤٤٠ (فعا) ، شرح الأشموني : ٣ / ٢٣٦ ، الهمع : ١ / ١٠٠ ، شرح ابن عقيل : ٢ / ٩٩.

(١١) انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ٢١٤ ، ارتشاف الضرب : ١ / ٤٣٠ ، شرح الأشموني : ٣ / ٢٣٦ ، الهمع : ١ / ١٠١.

١٧٩

سمّيت هذه الحيوانات بذلك ، وهي : القوّة ، والتّلوّن ، والإيذاء ، إلا أنّ ذلك في «أجدل ، وأخيل» أبين (١) ، لظهور معنى الاشتقاق ، قال الشاعر :

٢٢٩ ـ كأنّ بني الدّغماء (٣) إذ لحقوا بنا

فراخ القطا لاقين أجدل بازيا

ومثله :

٢٣٠ ـ ...

فما طائر يوما عليك بأخيلا

بخلاف «أفعى» فإنّ اشتقاقه : إمّا منتف ، وإمّا خفي ، إلّا أنّه قد سمع أيضا نحو :

__________________

(١) في الأصل : ابنين.

٢٢٩ ـ من الطويل ، نسبه العيني للقطامي (عمير بن شيمم) ، وقيل : هو لجعفر بن علبة الحارثي ، والبيت من قصيدة ، وقبله :

فتصدقه النفس الكذوبة بالتي

ويعلم بالعشواء أن قد رآنيا

ورواية صدره فيما عدا اللسان :

كأنّ العقيليّين يوم لقيتهم

وذكرت رواية المؤلف في الشواهد الكبرى ، وروي في اللسان «الدعماء» بالعين المهملة بدل «الدغماء» بالغين المعجمة. والأجدل : الصقر. بازيا : من بزا يبزو إذا تطاول عليه ، وهو صفة أجدل ، ويجوز أن يكون بازيا هو الطير الجارح المشهور ، ويكون عطفا على «أجدل» ، وحذف العاطف للضرورة. والشاهد في قوله : «أجدل» حيث منع من الصرف لوزن الفعل ولمح الصفة ، وذلك لأنه مأخوذ من الجدل وهو الشدة ، وأكثر العرب يصرفه لخلوه عن أصالة الوصفية.

انظر شرح الأشموني : ٣ / ٢٣٧ ، الشواهد الكبرى : ٤ / ٣٤٦ ، التصريح على التوضيح : ٢ / ٢١٤ ، اللسان (جدل) ، شرح ابن الناظم : ٦٣٩ ، أوضح المسالك : ٢٢٣ ، فتح رب البرية : ١ / ٢٥٦.

(٢) في الأصل : الرغماء. انظر الشواهد الكبرى : ٤ / ٣٤٧.

٢٣٠ ـ من الطويل ، لحسان بن ثابت الأنصاري رضي‌الله‌عنه ، من قصيدة له في ديوانه (٣٤٨) ، وصدره :

ذريني وعلمي بالأمور وشيمتي

ويروى : «طائري» بدل «طائر». وذريني : دعيني. والشيمة : الخلق والطبيعة. الأخيل : طائر فيه خيلان ، وقيل : هو الشقراق ، وقيل هو الصرد. والشاهد في قوله : «بأخيلا» حيث منع من الصرف لوزن الفعل ولمح الصفة ، لأنه مأخوذ من «المخيول» وهو الكثير الخيلان ، وأكثر العرب يصرفه لخلوه عن أصالة الوصفية.

انظر التصريح على التوضيح : ٢ / ٢١٤ ، الشواهد الكبرى : ٤ / ٣٤٨ ، شرح الأشموني : ٣ / ٢٣٧ ، اللسان (خيل) ، تاج علوم الأدب : ١ / ٦٦ ، شرح ابن الناظم : ٦٣٩ ، أوضح المسالك : ٢٢٣ ، فتح رب البرية : ١ / ٢٥٧.

١٨٠