مصباح الفقيه - ج ٧

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٧

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: منبع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٦

هذا ، مع إمكان منع دلالة ما دلّ على نجاسة الميتة على نجاسة مثل هذه الجلدة المتدلّية بها التي تعدّ عرفا من ثمرة الحيوان لا من أجزائها ، فالقول بطهارتها مطلقا ـ كما نسب إلى المشهور ـ أظهر.

نعم ، لو بقيت لها شدّة علاقة واتّصال بالميتة على وجه عدّت عرفا جزءا من الجملة المسمّاة باسم الظبي الميّت ، كان الأقوى نجاستها ، لكنّ الظاهر أنّه مجرّد فرض ، والله العالم.

وربما يستدلّ لطهارة فأرة المسك مطلقا : بالأصل والحرج ، وفحوى ما دلّ على طهارة المسك.

وبصحيحة عليّ بن جعفر : سأل أخاه عليه‌السلام عن فأرة المسك تكون مع من يصلّي وهي في جيبه أو ثيابه ، قال : «لا بأس بذلك» (١).

وفي الاستدلال بالأصل ودليل نفي الحرج ما لا يخفى.

وأمّا الاستدلال بالفحوى : فربّما يناقش فيه : بعدم الملازمة بين طهارة المسك وطهارة وعائه ، لجواز كونه كالإنفحة واللبن في ضرع الميّت بناء على طهارته ، كما هو الأشهر.

لكنّ الإنصاف أنّ تخصيص ما دلّ على نجاسة الميتة بالنسبة إلى مثل هذه الجلدة التي تعدّ كالمنفصل أهون من تخصيص القاعدة المغروسة في الأذهان من انفعال الملاقي للنجس برطوبة مسرية.

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٦٤ ـ ١٦٥ / ٧٧٥ ، التهذيب ٢ : ٣٦٢ / ١٤٩٩ ، وفيه بتفاوت يسير ، الوسائل ، الباب ٤١ من أبواب لباس المصلّي ، ح ١.

٨١

هذا على تقدير وجود ما يدلّ على طهارة المسك حتّى في الصورة المفروضة وعدم كونه متنجّسا بملاقاة وعائه.

وهو في حيّز المنع ، إذا غاية ما يمكن ادّعاؤه إنّما هي طهارة المسك ذاتا ، وهذا لا ينافي انفعال سطحه الملاقي للميتة بالعرض ، وهو جسم قابل للتطهير ، أو طرح سطحه الملاقي للميتة ، فما يوجد في أيدي المسلمين يبنى على طهارته ، لقاعدة اليد وأصالة الطهارة ، بل ربما يحتمل جفافه مع جلدته عند انفصالها عنه.

هذا ، مع أنّ الغالب ـ على ما صرّح به بعض (١) ـ انفصالها عن الحيّ ، وقد قوّينا طهارتها في الفرض ، فلا يبعد الالتزام بنجاسته بالعرض عند انقطاع جلدته من الميتة ، كما قوّاه غير واحد من المتأخّرين.

وأمّا الصحيحة : فمع ابتناء الاستدلال بها على عدم جواز حمل النجس في الصلاة ، الذي هو محلّ الكلام : يتوجّه عليه جريها مجرى الغالب من كونها مأخوذة من يد المسلم ، التي هي أمارة الطهارة ، مع ما سمعت من غلبة انفصالها عن الحيّ ، فلا تدلّ على طهارتها مطلقا ، بل ربما يقال بوجوب تقييدها بصحيحة عبد الله بن جعفر قال : كتبت إليه ـ يعني أبا محمّد عليه‌السلام ـ : هل يجوز للرجل أن يصلّي ومعه فأرة مسك؟ قال : «لا بأس بذلك إذا كان ذكيّا» (٢).

ولأجل هذه المكاتبة ربما يتوهّم قوّة ما ذهب إليه كاشف اللّثام من نجاسة ما عدا المنفصلة عن المذكّى وإن انفصلت عن حيّ (٣).

__________________

(١) صاحب الجواهر فيها ٥ : ٣١٧ ، وكما في ص ٣١٩ منها.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٦٢ / ١٥٠٠ ، الوسائل ، الباب ٤١ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٢.

(٣) كشف اللثام ١ : ٤٠٦.

٨٢

لكن يتوجّه عليه إجمال مرجع الضمير ، وقوّة احتمال عوده إلى ما معه ، فيكون المراد بكونه ذكيّا كونه طاهرا ، فلا يفهم منه إلّا وجود قسم نجس فيه في الجملة ، والقدر المتيقّن منه ما إذا انفصلت عن الميّت ، بل ربما يقال بعدم منافاتها لطهارة الفأرة مطلقا ، وكون التقييد للتحرّز عمّا إذا كانت متنجّسة بنجاسة خارجيّة.

ويؤيّد إرادة هذا المعنى : حسنة حريز ، الآتية (١).

واحتمل بعض (٢) عوده إلى المسك ، وكون المراد بالتقييد الاحتراز عمّا لو كان باقيا على حالته الأصليّة ولم تتحقّق الاستحالة. وهو بعيد.

وعلى تقدير رجوع الضمير إلى الظبي المتصيّد من ذكر الفأرة ـ كما عليه يبتني التوهّم المذكور ـ فالمنساق إلى الذهن إرادة التحرّز عمّا لو كان الظبي ميّتا غير مذكّى لا حيّا.

هذا ، والإنصاف (٣) أنّ تذكير الضمير أوجب إجمال الرواية ، فلا يستفاد منها ما يخالف غيرها من الأدلّة.

__________________

(١) في ص ٨٤ ـ ٨٥.

(٢) لم نتحقّقه.

(٣) قولنا : «والإنصاف» إلى آخره.

أقول : إجمال الرواية ليس منشؤه تذكير الضمير ، إذ لا يتفاوت الحال في ذلك بين إرجاع الضمير إلى لفظ «الفأرة» وبين إرجاعه إلى ما أريد منها ، أي الشي‌ء الذي معه ، وإنّما الإجمال ينشأ من احتمال أن يكون المراد بالذكيّ الوارد فيها الطاهر ، كما في جلّ الروايات الآتية التي وقع فيها حمل الذكيّ على الصوف والشعر واللبن وأشباهها ، لا المذبوح كي يكون إطلاقه على أجزاء الحيوان مبنيّا على المسامحة والتجوّز ، فليتأمّل. (منه عفي عنه).

٨٣

وقد عرفت أنّ الأقوى طهارتها ، إلّا إذا انفصلت عن الميتة ، وكان لها شدّة علاقة بها على وجه عدّت عرفا جزءا من الجملة المسمّاة باسم الظبي ، ولا تعدّ عرفا بمنزلة الثمرة للشجرة أجنبيّا عن مسمّى الاسم.

وكيف كان ففي كلّ مورد حكمنا بنجاسة الفأرة فالأظهر انفعال ما فيها من المسك بملاقاتها مع الرطوبة ، فإنّه لم يثبت ما يقتضي خلافه ، والله العالم.

(وما كان منه) أي من الحيوان ما (لا تحلّه الحياة ، كالعظم والشعر) ونحوهما من القرن والسنّ والمنقار والظفر والظلف والحافر والصوف والوبر والريش (فهو طاهر) بلا خلاف فيه على الظاهر.

ويدلّ عليه أخبار مستفيضة :

مثل : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة ، إنّ الصوف ليس فيه روح» (١).

ورواية قتيبة بن محمّد ـ المرويّة عن مكارم الأخلاق ـ قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّا نلبس هذا الخزّ وسداه إبريسم ، قال : «وما بأس بإبريسم إذا كان معه غيره ، قد أصيب الحسين عليه‌السلام وعليه جبّة خزّ سداه إبريسم» قلت : إنّا نلبس الطيالسة البربريّة وصوفها ميّت ، قال : «ليس في الصوف روح ، ألا ترى أنّه يجزّ ويباع وهو حيّ؟» (٢).

وحسنة حريز قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام لزرارة ومحمّد بن مسلم : «اللبن و

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٦٨ / ١٥٣٠ ، الوسائل ، الباب ٦٨ من أبواب النجاسات ، ح ١.

(٢) مكارم الأخلاق : ١٠٧ ، الوسائل ، الباب ٦٨ من أبواب النجاسات ، ح ٧.

٨٤

اللّبأ والبيضة والشعر والصوف والقرن والناب والحافر وكلّ شي‌ء ينفصل (١) من الشاة والدابّة فهو ذكيّ ، وإن أخذته منه بعد أن يموت (٢) فاغسله وصلّ فيه» (٣).

وصحيحة زرارة ـ المرويّة عن الفقيه والتهذيب ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الإنفحة تخرج من بطن الجدي الميّت ، قال : «لا بأس به» قلت : اللبن يكون في ضرع الشاة وقد ماتت ، قال : «لا بأس به» قلت : والصوف والشعر وعظام الفيل والجلد والبيض يخرج من الدجاجة ، قال : «كلّ هذا لا بأس به» (٤).

قال في الحدائق : «والجلد» في الخبر ليس في الفقيه ، وهو الأصحّ ، والظاهر أنّه من سهو قلم الشيخ (٥). انتهى.

ورواية الحسين بن زرارة ، قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام وأبي يسأله عن السنّ من الميتة واللبن من الميتة (٦) والبيضة من الميتة وإنفحة الميتة ، فقال : «كلّ هذا ذكيّ» (٧).

__________________

(١) في المصادر : «يفصل».

(٢) في الكافي : «وإن أخذته منها بعد أن تموت».

(٣) الكافي ٦ : ٢٥٨ / ٤ ، التهذيب ٩ : ٧٥ ـ ٧٦ / ٣٢١ ، الإستبصار ٤ : ٨٨ ـ ٨٩ / ٣٣٨ ، الوسائل ، الباب ٣٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة ، ح ٣.

(٤) الفقيه ٣ : ٢١٦ / ١٠٠٦ ، وفيه : «كلّ هذا ذكيّ لا بأس به» وكلمة «والجلد» لم ترد فيه ، التهذيب ٩ : ٧٦ / ٣٢٤ ، الوسائل ، الباب ٣٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة ، ح ١٠ ، وكذا الحدائق الناضرة ٥ : ٧٨.

(٥) الحدائق الناضرة ٥ : ٧٨.

(٦) جاء في الكافي والتهذيب : «وأبي يسأله عن اللبن من الميتة». وفي الوسائل : «وأبي يسأله عن السنّ من الميتة». وجمع بينهما ـ كما في المتن ـ في الحدائق الناضرة ٥ : ٧٨.

(٧) الكافي ٦ : ٢٥٨ / ٣ ، التهذيب ٩ : ٧٥ / ٣٢٠ ، الوسائل ، الباب ٣٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة ، ح ٤.

٨٥

وعن الكافي أنّه قال : وزاد فيه عليّ بن عقبة وعليّ بن الحسن بن رباط ، قال : «والشعر والصوف كلّه ذكيّ» (١).

وقال أيضا : وفي رواية صفوان عن الحسين بن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «الشعر والصوف والوبر والريش وكلّ نابت لا يكون ميّتا».

قال : قال : وسألته عن البيضة تخرج من بطن الدجاجة الميتة ، قال :«تأكلها» (٢).

ورواية يونس عنهم عليهم‌السلام ، قال : «خمسة أشياء ذكيّة ممّا فيها منافع الخلق :الإنفحة والبيض والصوف والشعر والوبر» (٣) الحديث.

وعن الصدوق في الفقيه مرسلا قال : قال الصادق عليه‌السلام : «عشرة أشياء من الميتة ذكيّة : القرن والحافر والعظم والسنّ والإنفحة واللبن والشعر والصوف والريش والبيض» (٤).

وعنه في كتاب الخصال (٥) مسندا عن محمّد بن أبي عمير رفعه إلى أبي عبد الله عليه‌السلام مثله مع مخالفة في الترتيب.

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٥٨ ، ذيل ح ٣ ، الوسائل ، الباب ٣٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة ، ح ٥.

(٢) الكافي ٦ : ٢٥٨ ، ذيل ح ٣ ، الوسائل ، الباب ٣٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة ، ح ٨.

(٣) الكافي ٦ : ٢٥٧ / ٢ ، التهذيب ٩ : ٧٥ / ٣١٩ ، الوسائل ، الباب ٣٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة ، ح ٢.

(٤) الفقيه ٣ : ٢١٩ / ١٠١١ ، الوسائل ، الباب ٣٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة ، ح ٩ ، وكذا الحدائق الناضرة ٥ : ٧٩.

(٥) الخصال : ٤٣٤ / ١٩ ، الوسائل ، الباب ٣٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة ، ذيل ح ٩ ، وكذا الحدائق الناضرة ٥ : ٧٩.

٨٦

ويمكن الاستدلال للمدّعى أيضا على عمومه : برواية أبي حمزة ـ الآتية (١) ـ الدالّة على طهارة الإنفحة بالتقريب الآتي.

والعجب ما حكي عن شارح الدروس من منع دلالة الأخبار على طهارة الأشياء المذكورة ، واستدلاله لها بالإجماع وأصالة الطهارة بعد ادّعائه قصور ما دلّ على نجاسة الميتة عن إثبات نجاسة أجزائها (٢).

وفيه ما لا يخفى.

وكيف كان فلا إشكال في أصل الحكم ، لكن ينبغي التنبيه على أمور :

الأوّل : المشهور بين الأصحاب عدم الفرق في الحكم بطهارة الصوف والشعر والريش ونحوها بين كونها مأخوذة من الميتة بطريق الجزّ أو القلع ، إلّا أنّه يحتاج في صورة القلع إلى غسل موضع الاتّصال من حيث ملاقاة الميتة برطوبة مسرية.

ولا ينافي ذلك إطلاق الأخبار المتقدّمة الدالّة على طهارتها ، لكونها مسوقة لبيان طهارة هذه الأشياء ذاتا ، فلا ينافيها انفعالها بملاقاة الميتة مع الرطوبة.

هذا ، مضافا إلى ما في حسنة (٣) حريز من الأمر بغسل هذه الأشياء عند أخذها من الميتة.

بل ربما يتوهّم من إطلاق هذه الحسنة وجوب غسلها تعبّدا وإن أخذت بطريق الجزّ.

__________________

(١) في ص ٩٢.

(٢) مشارق الشموس : ٣١٦ ، وانظر : الحدائق الناضرة ٥ : ٨١.

(٣) تقدّم تخريجها في ص ٨٥ ، الهامش (٣).

٨٧

ويدفعه : أنّ المتبادر من الأمر بغسلها والصلاة فيها ليس إلّا لنجاستها المانعة من فعل الصلاة ، وقد دلّت النصوص المستفيضة على طهارتها ذاتا ، فلا يكون الغسل إلّا للنجاسة العرضيّة الحاصلة بالملاقاة.

وحكي عن الشيخ (١) في نهايته تخصيص طهارتها بصورة الجزّ ، وحكم بنجاستها في صورة القلع معلّلا : بأنّ أصولها المتّصلة باللّحم من جملة أجزائها ، وإنّما تستكمل استحالتها إلى أحد المذكورات بعد تجاوزها عنه.

واعترضه بعض بإطلاق الأخبار المتقدّمة (٢).

وأجيب : بأنّ هذا المعنى الذي ادّعاه الشيخ لا يردّه الأخبار المتقدّمة الدالّة على طهارة الأشياء المعهودة من حيث عدم الروح فيها ، لأنّها لا تنافي نجاستها باتّصال جزء منها بالميتة.

اللهمّ إلّا أن يتمسّك بسكوتها مع اقتضاء المقام لبيان كيفيّة الأخذ.

وفيه : أنّه يمكن دعوى جريها مجرى الغالب من أخذها بطريق الجزّ ، مع إمكان أن يدّعى أنّ معهوديّة نجاسة الميتة وأجزائها مغنية عن بيان الكيفيّة ، ولذا لا يشكّ في نجاسة ما يتّصل بالعظم وأصول القرن والحافر ونحوها من أجزاء الميتة.

فالأولى في ردّ الشيخ منع كون ما يتّصل بأصول الشعر ونحوه من الأجزاء التي حلّ فيها الحياة ، بل هي إمّا داخل في مسمّى الشعر ، أو شي‌ء آخر من الفضلات

__________________

(١) الحاكي عنه هو البحراني في الحدائق الناضرة ٥ : ٨٢ ، وانظر : النهاية : ٥٨٥.

(٢) انظر : الحدائق الناضرة ٥ : ٨٢.

٨٨

المستعدّة للشعريّة ولم يحلّ فيها الحياة ، وليس ما يتّصل بأصول الشعر لحما حتّى يدّعى كونه ممّا حلّ فيه الحياة ، بل هو جسم لطيف أبيض لم يحلّ فيه الروح ، ولا أقلّ من الشكّ في حلول الروح فيه ، فمقتضى الأصل طهارته.

ودعوى : أنّه وإن لم يكن لحما إلّا أنّه ينقلع معه جزء لطيف من اللحم لا ينفكّ عنه إلّا بالجزّ ، غير مسموعة بعد عدم صدق اسم اللحم عليه ، فإنّ مثل هذا الجزء ـ على تقدير تسليم وجوده ـ لا يؤثّر إلّا نجاسته حكما ، فإنّ الحكم بالنجاسة العينيّة يدور مدار وجود عين النجس بنظر العرف لا بالتدقيق العقلي.

وربما يردّ كلام الشيخ أيضا بظهور حسنة (١) حريز في إرادة أخذ الأشياء المذكورة من الميتة بطريق القلع ، لما أشرنا إليه من أنّ المتبادر من الأمر بغسلها ليس إلّا لنجاستها العرضيّة ، وهي إنّما تكون في صورة القلع دون الجزّ.

وفيه نظر ، لإمكان أن يدّعى أنّ الغالب وصول شي‌ء من رطوبات الميّت إلى هذه الأجزاء ، فيمكن أن يكون الأمر بغسلها لذلك.

وكيف كان فقد ورد في خبر الجرجاني عن أبي الحسن عليه‌السلام تقييد خصوص الصوف بالجزّ.

قال : كتبت إليه أسأله عن جلود الميتة التي يؤكل لحمها إن ذكّي ، فكتب «لا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عصب ، وكلّ ما كان من السخال من الصوف إن جزّ والشعر والوبر والإنفحة والقرن ، ولا يتعدّى إلى غيرها إن شاء الله تعالى» (٢).

__________________

(١) تقدّم تخريجها في ص ٩٢ ، الهامش (٣).

(٢) الكافي ٦ : ٢٥٨ ـ ٢٥٩ / ٦ ، التهذيب ٩ : ٧٦ / ٣٢٣ ، الإستبصار ٤ : ٨٩ ـ ٩٠ / ٣٤١ ، الوسائل ، الباب ٣٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة ، ح ٧.

٨٩

لكن يحتمل قويّا جري القيد مجرى الغالب ، وأن يكون المراد بالاشتراط التحرّز عمّا لو بقي الصوف متّصلا بالجلد ، لا عمّا إذا كان الأخذ بطريق القلع ، وإلّا فليس اشتراط الجزّ لدى القائل به مخصوصا بالصوف.

وأمّا تخصيص الصوف بهذا الشرط : فلعلّه لشيوع الانتفاع به عند اتّصاله بالجلد ، فأريد بالاشتراط التحرّز عنه ، وأمّا الشعر والوبر ـ كالإنفحة والقرن ـ لا ينتفع بهما غالبا إلّا بعد الانفصال.

هذا ، مع ما في الرواية من الشذوذ وضعف السند واضطراب المتن ، بل حكي عن بعض (١) محقّقي المحدّثين أنّه قال : كأنّه سقط منه شي‌ء ، إذ لا يتلائم ظاهره. انتهى.

أقول : وممّا يؤيّد اشتماله على السقط كونه مكاتبة ، فإنّه ربما يستغنى عن ذكر الخبر في مثل هذه الخطابات عند المواجهة والمخاطبة بتحريك رأس أو يد أو غيرهما من الإشارات المفهمة للمقصود ، بخلاف ما لو كانت المخاطبة على سبيل المكاتبة ، كما لا يخفى.

الثاني : قد اشتملت النصوص المستفيضة ـ التي تقدّمت جملة منها ـ على طهارة الإنفحة والبيض واللبن من الميتة.

أمّا الإنفحة ـ وهي (٢) بكسر الهمزة وفتح الفاء وتخفيف الحاء وتشديدها

__________________

(١) الحاكي عنه هو البحراني في الحدائق الناضرة ٥ : ٧٩ ، وانظر : الوافي ١٩ : ١٠١ ، ذيل ح ١٩٠٠٩ ـ ٨.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «فهي». والظاهر ما أثبتناه.

٩٠

كما حكي (١) عن بعض اللغويّين ـ فممّا لا خلاف في طهارته على الظاهر ، لكن اختلفت كلمات اللغويّين وكذا الفقهاء في تفسيرها.

فيظهر من بعضهم أنّها كرش الحمل والجدي ما لم يأكل ، أي ما دام كونه رضيعا ، فإذا أكل يسمّى كرشا (٢).

ويظهر من آخرين (٣) أنّه شي‌ء أصفر يستحيل إليه اللبن الذي يشربه الرضيع ، لا الكرش الذي هو وعاء لذلك الشي‌ء.

ويحتمل قويّا أن تكون اسما لمجموع الظرف والمظروف بأن يكون ذلك الشي‌ء ـ الذي هو من الحيوان بمنزلة المعدة للإنسان ـ مع ما فيه مسمّى بالإنفحة ، فإنّه يظهر منهم أنّه ليس لوعائه اسم آخر ، ولا يسمّى بالكرش إلّا بعد أنّ أكل ، فيقال حينئذ : استكرش ، أي صارت إنفحته كرشا.

وكيف كان فلا شبهة في طهارة المظروف ، سواء كانت الإنفحة اسما له أو لوعائه.

أمّا على الأوّل : فلما سمعت من اتّفاق النصوص والفتاوى على طهارتها ، فبذلك يخصّص ما دلّ على نجاسة أجزاء الميتة وما يلاقيها.

هذا ، مع أنّ ذلك الشي‌ء لا يعدّ عرفا من أجزاء الحيوان ، فلا تكون الأدلّة إلّا مخصّصة لقاعدة الانفعال.

وأمّا على الثاني : فواضح ، إذ لا مقتضي لنجاسة المظروف بعد طهارة ظرفه

__________________

(١) حكاه البحراني في الحدائق الناضرة ٥ : ٨٦ ، وانظر : القاموس المحيط ١ : ٢٥٣ «نفح».

(٢) حكاه الجوهري في الصحاح ١ : ٤١٣ عن أبي زيد.

(٣) القاموس المحيط ١ : ٢٥٣ ، المغرب ٢ : ٢٢٠ «نفح».

٩١

المانع من السراية ، بل المقصود بالروايات ـ على الظاهر ـ ليس إلّا بيان طهارة ذلك الشي‌ء الأصفر ، فإنّه هو الذي فيه منافع الخلق ويجعل في الجبن ، بل في بعض الأخبار إشارة إلى إرادته.

مثل : ما رواه أبو حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث طويل ، قال فيه : قال قتادة : فأخبرني عن الجبن ، فتبسّم أبو جعفر عليه‌السلام ثمّ قال : «رجعت مسائلك إلى هذا؟» قال : ضلّت عنّي ، فقال : «لا بأس به» فقال : إنّه ربما جعلت فيه إنفحة الميّت ، قال : «ليس بأس ، إنّ الإنفحة ليس فيها دم ولا عروق ولا بها عظم ، إنّما تخرج من بين فرث ودم» ثمّ قال : «إنّ الإنفحة بمنزلة دجاجة ميتة خرجت منها بيضة فهل تأكل البيضة؟» فقال : لا ولا آمر بأكلها ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : «ولم؟» فقال : لأنّها من الميتة ، قال له : «فإن حضنت تلك البيضة فخرجت منها دجاجة أتأكلها؟» قال : نعم ، قال : «فما حرّم عليك البيضة وحلّل لك الدجاجة؟» ثمّ قال عليه‌السلام : «فكذلك الإنفحة مثل البيضة ، فاشتر الجبن في أسواق المسلمين من أيدي المصلّين (١) ، ولا تسأل عنه إلّا أن يأتيك من يخبرك عنه» (٢).

فإنّ قوله عليه‌السلام : «إنّما تخرج من بين فرث ودم» بحسب الظاهر إشارة إلى كونها لبنا مستحيلا غير معدود من أجزاء الحيوان.

وكيف كان فلا شبهة في طهارة هذا الشي‌ء ، وعدم انفعاله بملاقاة وعائه وإن قلنا بنجاسة الوعاء ، ولذا قال في المدارك ـ بعد أن ذكر التفسيرين ـ : ولعلّ الثاني

__________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «المسلمين» بدل «المصلّين». وما أثبتناه من المصدر.

(٢) الكافي ٦ : ٢٥٦ ـ ٢٥٧ / ١ ، الوسائل ، الباب ٣٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة ، ح ١.

٩٢

أولى اقتصارا على موضع الوفاق وإن كان استثناء نفس الكرش أيضا غير بعيد ، تمسّكا بمقتضى الأصل (١). انتهى.

فمراده بموضع الوفاق عدم الخلاف في طهارة هذا الشي‌ء ولو على القول بأنّ الإنفحة هي الكرش ، فلا يتوجّه عليه الاعتراض بأنّه لا وفاق بعد تقابل التفسيرين.

وأمّا تمسّكه بالأصل لطهارة الكرش : فمبنيّ على أصله من انتفاء ما دلّ على نجاسة أجزاء الميّت بعمومها ، وإلّا فمقتضى القاعدة ـ التي قرّرناها فيما سبق ـ نجاستها ، لكون الكرش معدودا من أجزائها التي حلّ فيها الحياة ، إلّا أن يثبت كونه هو الإنفحة التي دلّت النصوص والفتاوى على طهارتها ، ولم يثبت ، فالأشبه نجاسة الوعاء ، وعدم انفعال ما فيه بملاقاته.

ولعلّ هذا الوعاء هو المراد بالميتة في رواية أبي الجارود ـ المرويّة عن محاسن البرقي ـ قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الجبن ، فقلت : أخبرني من رأى أنّه يجعل فيه الميتة ، فقال : «أمن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم جميع ما في الأرض؟ فما علمت أنّه فيه الميتة فلا تأكله ، وما لم تعلم فاشتر وكل وبع» (٢) الخبر.

ويحتمل جريها مجرى التقيّة ، أو يكون التجنّب عمّا يطرح فيه الإنفحة المتّخذة من الميتة مستحبّا ، ولعلّه لذا نهى الإمام عليه‌السلام في ذيل رواية أبي حمزة

__________________

(١) مدارك الأحكام ٢ : ٢٧٤.

(٢) المحاسن : ٤٩٥ / ٥٩٧ ، الوسائل ، الباب ٦١ من أبواب الأطعمة المباحة ، ح ٥.

٩٣

ـ المتقدّمة (١) ـ عن السؤال عمّا يشترى من سوق المسلمين وأيديهم ، مع ما فيها من التصريح بطهارة الإنفحة ، وكونها كالبيضة.

ويحتمل قويّا صدور الذيل من باب التنزّل والمماشاة مع قتادة بعد أن أحرز الإمام عليه‌السلام من سريرته أنّه لا يتعبّد بقوله أحاله على قاعدة يد المسلمين وسوقهم ، التي لولاها لاختلّ نظام معاشهم ، فكأنّه عليه‌السلام عدل عن الجواب الأوّل ، وبيّن عدم انحصار وجه الحلّ فيما ذكره أوّلا حتّى لا يبقى في قلب المخاطب ريبة.

وقد ورد في جملة من الأخبار التي وقع فيها السؤال عن حكم الجبن الحكم بحلّيّته ، استنادا إلى القواعد الظاهريّة.

مثل : رواية عبد الله بن سليمان ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الجبن ، فقال : «سألتني عن طعام يعجبني» ثمّ أعطى الغلام درهما فقال : «يا غلام ابتع لنا جبنا» ودعا بالغداء فتغدّينا معه وأتى بالجبن ، فأكل وأكلنا ، فلمّا فرغنا من الغداء قلت : ما تقول في الجبن؟ فقال : «أو لم ترني أكلته؟» قلت : بلى ولكن أحبّ أن أسمعه منك ، فقال : «سأخبرك عن الجبن وغيره ، كلّ ما فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه» (٢).

وروايته الأخرى عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الجبن ، قال : «كلّ شي‌ء لك حلال حتّى يجيئك شاهدان يشهدان أنّ فيه ميتة» (٣).

وخبر ضريس ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن السمن والجبن نجده في

__________________

(١) في ص ٩٢.

(٢) الكافي ٦ : ٣٣٩ / ١ ، الوسائل ، الباب ٦١ من أبواب الأطعمة المباحة ، ح ١.

(٣) الكافي ٦ : ٣٣٩ / ٢ ، الوسائل ، الباب ٦١ من أبواب الأطعمة المباحة ، ح ٢.

٩٤

أرض المشركين بالروم أنأكله؟ فقال : «أمّا ما علمت أنّه خلطه الحرام فلا تأكله ، وأمّا ما لم تعلم فكل حتّى تعلم أنّه حرام» (١) ويظهر من مثل هذه الروايات وجود قسم حرام في الجبن ، والمراد به ـ على الظاهر ـ ما يطرح فيه إنفحة الميّت ، لمعروفيّة حرمتها لدى العامّة ، فالظاهر جريها مجرى التقيّة ، والأجوبة الواقعة فيها ربما يتراءى منها التورية ، والله العالم.

تنبيه : صرّح غير واحد بعدم اختصاص الحكم بطهارة الإنفحة بما إذا كانت من المأكول ، بل يعمّ إنفحة غير المأكول أيضا ، لإطلاق النصوص والفتاوى ، بل ربما يستظهر من إطلاق الفتاوى عدم الخلاف فيه.

والإنصاف انصراف الإطلاقات إلى الإنفحة المعهودة التي تجعل في الجبن ، بل ربما يستشعر ممّا سمعته (٢) من بعض اللغويّين ـ من تفسيرها بكرش الحمل والجدي ـ : الاختصاص.

لكن مقتضى تعليل طهارتها في رواية (٣) أبي حمزة بكونها كالبيضة وعدم كونها من الأجزاء التي حلّ فيها الحياة : طهارتها ولو لم تسمّ باسم الإنفحة.

لكن بناء على تفسيرها باللبن المستحال يشكل استفادة عدم انفعاله بالعرض من مثل هذه الرواية بعد انصراف الإنفحة ـ التي أريد إثبات طهارتها بالفعل ـ إلى غيره ، فليتأمّل.

وأمّا البيض فهو أيضا ممّا لا خلاف في طهارته ولا إشكال بعد ما ورد في

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٧٩ / ٣٣٦ ، الوسائل ، الباب ٦٤ من أبواب الأطعمة المحرّمة ، ح ١.

(٢) في ص ٩١.

(٣) تقدّم تخريجها في ص ٩٢ ، الهامش (٢).

٩٥

الأخبار المستفيضة التصريح بها.

هذا ، مع موافقتها للأصل ، فإنّ البيضة لا تعدّ من أجزاء الميتة حتّى تعمّها نجاستها.

فما عن العلّامة في النهاية والمنتهى ـ من تخصيص الطهارة بما كان من مأكول اللّحم ، والحكم (١) بنجاسة غيره (٢) ـ ضعيف ، فإنّه وإن أمكن دعوى انصراف البيضة في الأخبار إلى إرادتها ممّا يحلّ أكله خصوصا فيما حكم فيها بحلّيّتها لكن كفى في الحكم بطهارتها الأصل.

مضافا إلى ما يفهم من رواية (٣) أبي حمزة ويساعده العرف من أنّها شي‌ء مستقلّ لا يعدّ من أجزاء الميتة.

مع أنّه على تقدير كونه معدودا من أجزائها تبعا يدلّ على طهارتها ولو من غير المأكول ما دلّ على طهارة ما لا تحلّه الحياة من أجزاء الميتة ، كما هو واضح.

ثمّ إنّ مقتضى الأصل وإطلاق الأدلّة : طهارتها مطلقا ما لم تنفعل بملاقاة الميتة بأن كانت مكتسية قشرا يمنعها من التأثّر بالملاقاة.

والظاهر أنّ ما تكتسيه من القشر الرقيق في مبادئ نشوئها مانع من النفوذ والتأثّر ، ولا أقلّ من الشكّ فيه المقتضي للرجوع إلى قاعدة الطهارة.

__________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «حكم». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) حكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ٢ : ٢٧٣ ، وانظر : نهاية الإحكام ١ : ٢٧٠ ، ومنتهى المطلب ١ : ١٦٦.

(٣) تقدّم تخريجها في ص ٩٢ ، الهامش (٢).

٩٦

لكنّ الأصحاب قيّدوا طهارتها بما إذا اكتست القشر الغليظ.

وعبائرهم في بيان الاشتراط وإن كانت مختلفة ـ حيث عبّر بعضهم بالقشر الغليظ ، وبعضهم بالجلد الغليظ ، وبعضهم بالقشر الأعلى وغير ذلك ـ ولكنّ المقصود بحسب الظاهر واحد.

ويدلّ عليه موثّقة غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه‌السلام في بيضة خرجت من است دجاجة ميتة ، فقال : «إن كان قد اكتست الجلد الغليظ فلا بأس بها» (١) فبها تقيّد إطلاقات الأدلّة.

وتوهّم أنّ المقتضي لنجاستها ليس إلّا الملاقاة للميتة ، وإلّا فهي طاهرة بالذات كما يدلّ عليه سائر الأدلّة ، وما نشاهده من القشر الرقيق صالح للمانعيّة من السراية ، مدفوع : بكونه اجتهادا في مقابلة النصّ ، مع قوّة احتمال عدم مانعيّة هذا القشر من السراية ما دامت البيضة في الباطن ويصل إليها الغذاء الموجب لنموّها.

مضافا إلى إمكان أن يدّعى كونها معدودة من أجزاء الميّت تبعا قبل استكمال خلقتها ، فإذا استكملت واستغنت عنها باكتساء قشرها الأعلى ، عدّت شيئا آخر أجنبيّا عنها.

لكن هذه الدعوى غير مجدية بعد أن لم تكن ممّا يحلّه الحياة.

وكيف كان فلا مقتضي لطرح النصّ أو تأويله مع عمل الأصحاب بها ، وسلامتها ممّا يعارضها ، عدا مطلقات قابلة للصرف لو لم ندّع فيها الانصراف

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٥٨ / ٥ ، التهذيب ٩ : ٧٦ / ٣٢٢ ، الوسائل ، الباب ٣٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة ، ح ٦.

٩٧

أو الإهمال.

فما ذهب إليه بعض (١) ـ من الطهارة مطلقا ـ ضعيف ، والله العالم.

وأمّا اللبن فهو أيضا طاهر على أقوى القولين وأشهر هما ، بل عن بعض دعوى الشهرة عليه (٢).

وعن الدروس ندرة القائل بخلافه (٣).

وعن الخلاف والغنية دعوى الإجماع عليه (٤).

للمستفيضة المتقدّمة (٥) المشتملة عليه ، التي هي صحيحة زرارة ورواية الحسين ومرسلة الفقيه ، المسندة في الخصال عن ابن أبي عمير ، بل يمكن الاستدلال له أيضا بحسنة حريز ، المتقدّمة (٦).

خلافا للمحكيّ عن سلّار والحلّي والمصنّف والعلّامة في كثير من كتبه (٧)

__________________

(١) انظر : مدارك الأحكام ٢ : ٢٧٣ ، ومعالم الدين (قسم الفقه) : ٤٩٠.

(٢) حكاها صاحب الجواهر فيها ٥ : ٣٢٨ عن البيان : ٩٠.

(٣) حكاه العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ١٥٥ ، وانظر : الدروس ٣ : ١٥.

(٤) حكاه العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ١٥٤ ، وانظر : الخلاف ١ : ٥١٩ ، المسألة ٢٦٢ ، والغنية : ٤٠١.

(٥) في ص ٨٥ و ٨٦.

(٦) في ص ٨٤ ـ ٨٥.

(٧) الحاكي عنهم هو العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ١٥٤ ، وانظر : المراسم : ٢١١ ، والسرائر ٣ : ١١٢ ، وشرائع الإسلام ٣ : ٢٢٣ ، والمختصر النافع : ٢٥٣ ، وتحرير الأحكام ١ : ٢٤ ، وتذكرة الفقهاء ١ : ٦٤ ، الفرع السادس عشر من المسألة ١٩ ، ومنتهى المطلب ١ : ١٦٥ ، ونهاية الإحكام ١ : ٢٧٠.

٩٨

وغير واحد (١) ممّن تأخّر عنهم ، بل عن بعضهم دعوى الشهرة عليه (٢) ، وعن أطعمة غاية المرام أنّه مذهب المتأخّرين (٣).

وعن الحلّي : أنّه لا خلاف فيه بين المحصّلين (٤).

لكن طعنه كاشف الرموز ـ على ما حكي عنه ـ بقوله : هذه الدعوى محرّفة ، لأنّ الشيخين مخالفاه ، والمرتضى ومتابعوه غير ناطقين به ، فما أعرف من بقي معه من المحصلين (٥). انتهى.

وعمدة مستندهم في الخلاف قاعدة التنجّس بالملاقاة ، وإلّا فلا مقتضي لنجاسته بالذات بعد عدم كونه معدودا من أجزاء الميتة عرفا ، وعدم حلول الروح فيه على تقدير تبعيّته لها.

وربما يستدلّ لهم أيضا : بخبر وهب بن وهب عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام «أنّ عليّا عليه‌السلام سئل عن شاة ماتت فحلب منها لبن ، فقال عليه‌السلام : ذلك الحرام محضا» (٦).

لكن الرواية ضعيفة السند جدّا حتّى قيل في حقّ وهب : إنّه من أكذب

__________________

(١) منهم : ابن فهد الحلّي في الموجز (ضمن الرسائل العشر) : ٥٨ ، والمهذّب البارع ٤ : ٢١٣ ـ ٢١٤ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٤ : ٤٤ ، والصيمري في غاية المرام ٤ : ٦٢ ، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ١ : ١٦٧.

(٢) حكاها العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ١٥٤ عن العلّامة الحلّي في منتهى المطلب ١ : ١٦٥ ، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ١ : ١٦٧.

(٣) حكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ١٥٤ ، وانظر : غاية المرام ٤ : ٦٢.

(٤) حكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ١٥٤ ، وانظر : السرائر ٣ : ١١٢.

(٥) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٥ : ٣٣٠ ، وانظر : كشف الرموز ٢ : ٣٦٩.

(٦) التهذيب ٩ : ٧٦ ـ ٧٧ / ٣٢٥ ، الإستبصار ٤ : ٨٩ / ٣٤٠ ، الوسائل ، الباب ٣٣ من أبواب الأطعمة المحرّمة ، ح ١١.

٩٩

البريّة (١) ، فلا يلتفت إلى روايته.

وأمّا القاعدة : فهي لا تصلح معارضة للأخبار المعتبرة المعمول بها ، فإنّها ليست من القواعد العقليّة الغير القابلة للتخصيص ، وقد تخصّصت في ماء الاستنجاء ، بل في مطلق الغسالة على قول ، فالقول بالنجاسة ضعيف.

لكن قوّاه شيخنا المرتضى رحمه‌الله ـ بعد أن جعل الأقوى طهارة اللبن ـ بأنّ الرواية وإن كانت ضعيفة السند بمن هو من أكذب البريّة ، موافقة لمذهب العامّة ـ كما عن الشيخ ـ إلّا أنّها منجبرة بالقاعدة ، كما أنّ روايات الطهارة وإن كانت صحيحة إلّا أنّها مخالفة للقاعدة ، وطرح الأخبار الصحيحة المخالفة لأصول المذهب غير عزيز ، إلّا أن تعضد بفتوى الأصحاب ، كما في الإنفحة ، أو بشهرة عظيمة توجب شذوذ المخالف ، وما نحن فيه ليس كذلك (٢). انتهى.

أقول : أمّا موافقة القاعدة لمثل هذه الرواية لو لم توجب مزيد ارتياب فيها كموافقتها للعامّة ، فلا تصلح جابرة لضعفها ، فلا يعارض الأخبار المتقدّمة إلّا نفس القاعدة التي هي من القواعد التعبّديّة المحضة التي غايتها كونها بمنزلة العمومات القطعيّة القابلة للتخصيص ، فلا وجه لاشتراط حجّيّة الأخبار المخالفة لها ـ بعد صحّتها واستفاضتها ـ باعتضادها بالفتوى ، فضلا عن اشتراط الشهرة وشذوذ المخالف.

هذا ، مع ما عرفت من اشتهار العمل بها قديما وحديثا ، فكفى به معاضدا.

__________________

(١) اختيار معرفة الرجال : ٣٠٩ / ٥٥٨.

(٢) كتاب الطهارة : ٣٤٣ ، وانظر : التهذيب ٩ : ٧٧ ، ذيل ح ٣٢٥.

١٠٠