مصباح الفقيه - ج ٧

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٧

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: منبع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٦

الحال لم يكن عليه إلّا غسل يده» (١) ليس إلّا إرادة الإطلاق بالنسبة إلى العقد السلبي ، فليتأمّل.

ثمّ لو سلّم ظهور الأخبار في الإطلاق ، فلا بدّ من تقييدها ، جمعا بينها وبين قوله عليه‌السلام في موثّقة عبد الله بن بكير : «كلّ يابس ذكيّ» (٢) المعتضد بجملة من الأخبار الدالّة في جملة من المواضع على عدم تعدّي النجاسة مع اليبوسة ، فإنّ تقييد مثل هذه المطلقات أهون من تخصيص العامّ بلا شبهة.

نعم ، لو كان للمطلقات قوّة ظهور في الإطلاق ، لأمكن الجمع بينها وبين الموثّقة بحمل الأمر بغسل الملاقي مع الجفاف على التعبّد ، لا لأجل النجاسة ، كما التزم به جملة من القائلين بوجوب غسله ، لكنّه بعيد.

وممّا يؤيّد عدم السراية مع الجفاف ، بل يدلّ عليه : ما رواه الشيخ عن محمّد بن الحسن الصفّار ، قال : كتبت إليه : رجل أصاب يديه أو بدنه ثوب الميّت الذي يلي جسده قبل أن يغسّل ، هل يجب عليه غسل يديه أو بدنه؟ فوقّع «إذا أصاب يدك جسد الميّت قبل أن يغسّل فقد يجب عليك الغسل» (٣) فإنّه يدلّ على عدم نجاسة الثوب الملاقي للميّت.

لكن على تقدير كون الغسل بالفتح يمكن الاستشهاد بإطلاقه لوجوب غسل اليد الماسّة للميّت عند جفافه من باب التعبّد ، إلّا أنّ التقدير غير ثابت.

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٥٥ ، الهامش (١).

(٢) التهذيب ١ : ٤٩ / ١٤١ ، الإستبصار ١ : ٥٧ / ١٦٧ ، الوسائل ، الباب ٣١ من أبواب أحكام الخلوة ، ح ٥.

(٣) التهذيب ١ : ٤٢٩ / ١٣٦٨ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب غسل المسّ ، ح ١.

٦١

فظهر لك أنّ القول بالسراية مع الجفاف ضعيف ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط في خصوص اليد الماسّة له بغسلها لرجاء التعبّد به ، والله العالم.

وهل ينجس الميّت بمجرّد موته أم لا ينجس إلّا إذا برد ، كما لا يجب الغسل إلّا بعد البرد؟ قولان ، أظهر هما : الأوّل ، لإطلاق الأخبار المتقدّمة ، مع ما في التوقيع (١) المروي عن الاحتجاج من التصريح بذلك.

وما في ذيل رواية (٢) إبراهيم بن ميمون ـ من التفسير بقوله : يعني إذا برد الميّت ـ لم ينهض حجّة لصرف الأدلّة عن ظاهرها.

وما قيل ـ من عدم انقطاع علقة الروح ما دامت الحرارة باقية ، فلا يتحقّق الموت إلّا بعد البرد ، أو أنّه لا يحصل الجزم بالموت مع الحرارة ـ ممّا لا ينبغي الالتفات إليه بعد تحقّق الموت عرفا ولغة ، ولذا يجوز غسله ودفنه قبل البرد من غير نقل خلاف فيه ، كما أنّه لم ينقل الالتزام بهذا التقييد من أحد بالنسبة إلى الميتة من سائر الحيوانات ، مع أنّ قضيّة الاستدلال ببقاء علاقة الروح أو عدم الجزم بالموت : الاطّراد.

وأضعف منه الاستدلال عليه بالملازمة بين النجاسة وغسل المسّ ، ولمّا لم يجب الغسل بمسّه إلّا بعد البرد ـ كما ستعرف ـ لا ينجس إلّا بعده.

وفيه ما لا يخفى بعد تعليق الثاني ـ نصّا وفتوى ـ بالبرد ، والأوّل بالموت.

وربما يستدلّ له أيضا : بإطلاق نفي البأس في خبر إسماعيل بن جابر ، قال :

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٥٥ ، الهامش (١).

(٢) تقدّم تخريجها في ص ٥٤ ، الهامش (٢) ولا حظ التعليقة رقم (٣) هناك.

٦٢

دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام حين مات ابنه إسماعيل الأكبر ، فجعل يقبّله وهو ميّت ، فقلت : جعلت فداك أليس لا ينبغي أن يمسّ الميّت ومن مسّه فعليه الغسل؟ قال : «أمّا بحرارته فلا بأس ، إنّما ذاك إذا برد» (١).

وصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «مسّ الميّت عند موته وبعد غسله والقبلة ليس بها بأس» (٢).

وفيه : أنّ المتبادر من الرواية الأولى إرادة نفي الغسل الذي توهّمه السائل ، وبيان أنّ ذلك الشي‌ء الذي توهّمه من وجوب الغسل إنّما هو بعد البرد.

هذا ، مع أنّ نفي البأس عنه إنّما هو بلحاظ مسّه من حيث هو ، فلا ينافيه وجوب غسل ملاقيه على تقدير اشتماله على رطوبة مسرية.

نعم ، ربما يؤيّد مثل هذه الرواية ما قوّيناه من عدم السراية على تقدير الجفاف.

وأمّا الرواية الثانية فلا تخلو عن شوب إجمال ، فليس فيها إطلاق يفهم منه عدم انفعال ملاقيه على تقدير اشتماله على الرطوبة المتعدّية.

وليعلم أنّ ما ذكرناه من تنجّس الميّت بموته مخصوص بغير المعصومين الذين أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ، وبغير من شرّع له تقديم الغسل فاغتسل ، كالمرجوم ، كما ظهر لك وجهه في مبحث أحكام الأموات.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٢٩ / ١٣٦٦ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب غسل المسّ ، ح ١.

(٢) الفقيه ١ : ٨٧ / ٤٠٣ ، التهذيب ١ : ٤٣٠ / ١٣٧٠ ، الإستبصار ١ : ١٠٠ / ٣٢٦ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب غسل المسّ ، ح ١.

٦٣

وفي الجواهر التصريح باستثناء الشهيد أيضا (١).

وهو لا يخلو عن وجه ، والله العالم.

وأمّا الميتة من غير ذي النفس : فلا شبهة في طهارتها ، كما يدلّ عليها أخبار كثيرة ، تقدّم جملة منها في صدر المبحث ، كموثّقتي عمّار وحفص بن غياث وصحيحة أبي بصير.

ففي الأولى : «كلّ ما ليس له دم فلا بأس» (٢).

وفي الثانية : «لا يفسد الماء إلّا ما كانت له نفس سائلة» (٣).

ونحوها مرفوعة محمّد بن يحيى (٤).

وفي الثالثة : «وكلّ شي‌ء وقع في البئر ليس له دم مثل العقرب والخنافس وأشباه ذلك فلا بأس» (٥).

ومثلها خبر ابن مسكان (٦) وعن عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن العقرب والخنفساء وأشباههنّ تموت في الجرّة أو الدنّ يتوضّأ منه للصلاة؟ قال :

__________________

(١) جواهر الكلام ٥ : ٣٠٧.

(٢) تقدّم تخريجها في ص ٤٣ ، الهامش (٥).

(٣) تقدّم تخريجها في ص ٤٣ ، الهامش (٤).

(٤) الكافي ٣ : ٥ / ٤ ، التهذيب ١ : ٢٣١ / ٦٦٨ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب الأسار ، ح ٤ ، وفيها مثلها.

(٥) تقدّم تخريجها في ص ٤٤ ، الهامش (١).

(٦) التهذيب ١ : ٢٣٠ ـ ٢٣١ / ٦٦٦ ، الإستبصار ١ : ٢٦ ـ ٢٧ / ٦٨ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب الأسئار ، ح ٣ ، وفيها نحوها.

٦٤

«لا بأس» (١).

وما في بعض الأخبار من الأمر بإراقة الماء الذي مات فيه العقرب (٢) ، أو الأمر بنزح الماء من البئر عند وقوعها فيها (٣) كغيره ممّا دلّ على إراقة الماء عند خروجها منها (٤) محمول على الاستحباب.

وكذا ما في بعض الأخبار من المنع من الانتفاع بما مات فيه الوزغة (٥) ، كما ستعرفه.

فما عن ظاهر بعض (٦) ـ من الخلاف في بعض جزئيّات المسألة ـ ممّا لا ينبغي الالتفات إليه.

(وكلّ ما ينجس) من صنوف الحيوان (بالموت) يعني ما كان له نفس سائلة (فما قطع من جسده نجس ، حيّا كان) ذلك الحيوان (أو ميّتا).

أمّا الثاني : فواضح ، ضرورة أنّ معروض النجاسة ـ على ما هو المغروس في الأذهان ـ إنّما هو جسد الميّت وأجزاؤه ، فعروض الموت للحيوان سبب لصيرورة جسده بجميع أجزائه نجسا ، سواء بقيت الأجزاء على صفة الاتّصال أم

__________________

(١) قرب الإسناد : ١٧٨ / ٦٥٧ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب الأسئار ، ح ٥.

(٢) الكافي ٣ : ١٠ / ٦ ، التهذيب ١ : ٢٢٩ / ٦٦٢ ، الإستبصار ١ : ٢٧ / ٦٩ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب الأسئار ، ح ٦.

(٣) التهذيب ١ : ٢٣١ / ٦٦٧ ، الإستبصار ١ : ٢٧ / ٧٠ ، الوسائل ، الباب ٢٢ من أبواب الماء المطلق ، ح ٧.

(٤) التهذيب ١ : ٢٣٨ / ٦٩٠ ، الإستبصار ١ : ٤١ / ١١٣ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب الماء المطلق ، ح ٥.

(٥) التهذيب ١ : ٢٣٨ / ٦٩٠ ، الإستبصار ١ : ٤١ / ١١٣ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب الماء المطلق ، ح ٥.

(٦) كالشيخ الطوسي في النهاية : ٦ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٧٧ ـ ٧٨ ، وانظر : مستند الشيعة ١ : ١٦٥.

٦٥

لا ، ولا تتوقّف نجاسة الأجزاء على إطلاق اسم الميّت من ذلك الحيوان على كلّ جزء جزء ، بل المناط كونه من أجزاء ذلك الميّت.

والحاصل : أنّه لا يرتاب أحد ممّن علم بأنّ الحمار ـ مثلا ـ ينجس بموته أنّه إذا قد الحمار نصفين فمات ، ينجس كلّ من النصفين وإن لم يصدق على كلّ منهما أنّه حمار ميّت فضلا عمّا لو قد بعد زهاق روحه ، كما هو المفروض في المقام ، فليس معروض النجاسة بنظر العرف إلّا نفس الأجزاء ، لا مفهوم الحمار الميّت الصادق على المجموع من حيث المجموع ، وهذا من الواضحات التي لا ينبغي إطالة الكلام فيها.

وما عن بعض ـ من الوسوسة فيه (١) ـ فمنشؤه ليس إلّا تعرّض الأصحاب لذكر القطعة المبانة من الميّت بالخصوص ، وإلّا فلا يشكّ أحد من العوامّ الذي علم بنجاسة الميتة من حيوان أنّ أجزاءها كجملتها في الحكم ، كما أنّه لا يشكّ أحد في نجاسة أجزاء الكلب والخنزير عند انفصالها عنهما مع أنّ الأجزاء لا تسمّى باسم جملتها.

وأمّا الأوّل ـ أي الجزء المبان من الحيّ ـ فربّما يظهر من غير واحد عدم الخلاف في نجاسته أيضا ، كالمبان من الميّت ، بل عن بعض (٢) أنّ عمدة مستنده الإجماع ، ولولاه لأمكن الخدشة في دليله.

واستدلّ عليه في محكيّ المنتهى : بأنّ المقتضي لنجاسة الجملة الموت ، و

__________________

(١) حكاه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٣٤٠ عن صاحب المدارك فيها ٢ : ٢٧٢.

(٢) هو المحقّق السبزواري في ذخيرة المعاد : ١٤٧ ، كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٣٤٠.

٦٦

هذا المعنى موجود في الأجزاء ، فيتعلّق بها الحكم (١). انتهى.

وعن التذكرة أنّ كلّ ما أبين من الحيّ ممّا تحلّه الحياة فهو ميّت ، فإن كان من آدميّ ، فهو نجس عندنا ، خلافا للشافعي (٢). انتهى.

ونوقش (٣) فيه : بأنّ الموت والحياة من صفات نفس الحيوان ، فلا تتّصف بهما أجزاؤه إلّا تبعا.

أقول : لكن لا يبعد دعوى شيوع إطلاق الميتة في عرف المتشرّعة بل الشارع أيضا على كلّ لحم لم يذكّ حيوانه في مقابل المذكّى ، إلّا أنّ لمانع أن يمنع مساعدة الأدلّة ـ الدالّة على نجاسة الميتة ـ على إثبات نجاستها بهذا المعنى بدعوى : انسباق ما دلّ على نجاسة الميتة ـ من الأخبار المتقدّمة ـ وضعا أو انصرافا إلى إرادة الحيوان الميّت ، لا اللّحم الذي لم تتعلّق به التذكية.

واستدلّ بعض (٤) له : بتنقيح المناط ، بدعوى : إناطة النجاسة بزهاق الروح المتحقّق في المقام.

وفيه : أنّه رجم بالغيب.

وربّما استشهد لذلك كما أنّه استدلّ غير واحد لأصل المدّعى : بالأخبار (٥) الدالّة على طهارة ما لا روح له من الميتة ، المشعرة أو الظاهرة في العلّيّة ، الدالّة

__________________

(١) حكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ٢ : ٢٧١ ـ ٢٧٢ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ١٦٥.

(٢) حكاه عنها صاحب الجواهر فيها ٥ : ٣١٢ ، وانظر : تذكرة الفقهاء ١ : ٦٠ ، الفرع الثالث من المسألة ١٩.

(٣) المناقش هو الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٣٤١.

(٤) جواهر الكلام ٥ : ٣١٢.

(٥) راجع : الوسائل ، الباب ٦٨ من أبواب النجاسات.

٦٧

بمفهومها على نجاسة كلّ ما حلّ فيه الروح عند زهاقه ، بل في بعض تلك الأخبار التصريح بالعلّيّة ، كما في صحيحة الحلبي «لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة ، إنّ الصوف ليس فيه (١) روح» (٢).

وفيه : أنّ مفهوم التعليل ليس إلّا نجاسة الأجزاء التي حلّ فيها الروح من الميتة ، لا مطلق ما فيه الروح ولو كان جزءا من حيّ.

واستدلّ عليه أيضا بالأخبار الكثيرة الواردة جملة منها في باب الصيد : مثل : ما رواه في الفقيه ـ في الصحيح ـ عن أبان عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ما أخذت الحبالة (٣) وقطعت منه فهو ميتة ، وما أدركته من سائر جسده حيّا فذكّه وكل منه» (٤).

وعن التهذيب والكافي (٥) روايته بطريق غير صحيح.

وما رواه في الكافي والتهذيب ـ في الحسن بإبراهيم بن هاشم ـ عن محمّد ابن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ما أخذت الحبالة من صيد فقطعت منه يدا أو رجلا فذروه ، فإنّه ميتة ، وكلوا ما أدركتم حيّا وذكرتم اسم الله عليه» (٦).

وما رواه أيضا عن الوشّاء عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن

__________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة بدل «فيه» : «له». والمثبت من المصدر.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٦٨ / ١٥٣٠ ، الوسائل ، الباب ٦٨ من أبواب النجاسات ، ح ١.

(٣) الحبالة : التي يصاد بها. الصحاح ٤ : ١٦٦٥ «حبل».

(٤) الفقيه ٣ : ٢٠٢ / ٩١٨.

(٥) التهذيب ٩ : ٣٧ / ١٥٥ ، الكافي ٦ : ٢١٤ / ٢ ، الوسائل ، الباب ٢٤ من أبواب الصيد ، ح ٢.

(٦) الكافي ٦ : ٢١٤ / ١ ، التهذيب ٩ : ٣٧ / ١٥٤ ، الوسائل ، الباب ٢٤ من أبواب الصيد ، ح ١.

٦٨

أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «ما أخذت الحبالة فقطعت منه شيئا فهو ميّت ، وما أدركته من سائر جسده حيّا فذكّه ثمّ كل منه» (١) وليس في التهذيب (٢) «ثمّ كل منه».

وما رواه في الكافي عن عبد الله بن سليمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «ما أخذت الحبالة وانقطع منه شي‌ء أو مات فهو ميتة» (٣).

وما رواه عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «ما أخذت الحبائل (٤) فقطعت منه شيئا فهو ميّت ، وما أدركت من سائر جسده فذكّه ثمّ كلّ منها» (٥).

ومنها : الأخبار الواردة في باب الأطعمة في أليات الغنم المبانة منها في حال الحياة.

مثل : رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال في أليات الضأن تقطع وهي أحياء : «إنّها ميتة» (٦).

ورواية الكاهلي ، قال : سأل رجل أبا عبد الله عليه‌السلام ـ وأنا عنده ـ عن قطع أليات الغنم ، فقال : «لا بأس بقطعها إذا كنت تصلح به مالك» ثمّ قال : «إنّ في كتاب عليّ عليه‌السلام أنّ ما قطع منها ميّت لا ينتفع به» (٧).

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢١٤ / ٣.

(٢) التهذيب ٩ : ٣٧ / ١٥٦.

(٣) الكافي ٦ : ٢١٤ / ٤.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «الحبالة» بدل «الحبائل». وما أثبتناه من المصدر.

(٥) الكافي ٦ : ٢١٤ / ٥.

(٦) الكافي ٦ : ٢٥٥ / ٢ ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب الذبائح ، ح ٣.

(٧) الكافي ٦ : ٢٥٤ ـ ٢٥٥ / ١ ، التهذيب ٩ : ٧٨ / ٣٣٠ ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب الذبائح ، ح ١.

٦٩

ورواية الحسن بن علي الوشّاء ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام ، فقلت : جعلت فداك إنّ أهل الجبل تثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها ، فقال : «حرام وهي ميتة» (١) فقلت : جعلت فداك فنستصبح بها؟ فقال : «أما علمت أنّه يصيب اليد والثوب وهو حرام؟» (٢).

ومنها : مرسلة أيّوب بن نوح عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة ، فإذا مسّها إنسان كلّ ما كان فيه عظم فقد وجب على من مسّه الغسل ، فإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه» (٣).

والإنصاف قصور الأخبار الواردة في باب الصيد عن إثبات المدّعى ، فإنّ المراد بكون ما قطعته الحبالة ميتة إمّا كونه ميتة حكما ، كما يشعر بذلك نقله من كتاب عليّ عليه‌السلام ، والمتبادر من التشبيه في هذه الأخبار إرادة حرمة الأكل في مقابل المذكّى ، ولذا يستفاد منها حرمة الأجزاء الصغار التي قطعتها الحبالة ولو كانت في غاية الصغر ، ولا يستفاد منها نجاستها ، كما اعترف بذلك غير واحد ممّن استدلّ بهذه الروايات للمدّعى ، أو كونه ميتة حقيقة ، وحينئذ تحتاج دلالتها على النجاسة إلى وجود دليل عامّ يدلّ على نجاسة الميتة بحيث يعمّ الفرض ، وهو قابل للمنع ، فإنّ مستند الحكم بنجاسة الميتة مطلقا إمّا الاستقراء في الموارد الجزئيّة الواردة

__________________

(١) في المصدر : «حرام هي».

(٢) الكافي ٦ : ٢٥٥ / ٣ ، التهذيب ٩ : ٧٧ / ٣٢٩ ، الوسائل ، الباب ٣٠ من أبواب الذبائح ، ح ٢ ، والباب ٣٢ من أبواب الأطعمة المحرّمة.

(٣) الكافي ٣ : ٢١٢ / ٤ ، التهذيب ١ : ٤٢٩ ـ ٤٣٠ / ١٣٦٩ ، الإستبصار ١ : ١٠٠ / ٣٢٥ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب غسل المسّ ، ح ١.

٧٠

في باب البئر ونحوها ، المعلوم عدم إمكان استفادة حكم ما نحن فيه منها ، أو الأخبار الدالّة على نجاسة الماء الذي وجد فيه جيفة ، التي يشكل استفادة العموم منها ، لأجل ورودها في مقام بيان حكم آخر فضلا عن شمولها لما نحن فيه ، أو الأخبار الواردة لبيان الضابط ، الدالّة على طهارة الميتة من غير ذي النفس ، ونجاستها من ذي النفس ، وإمّا العمومات الدالّة على نجاسة الميتة من كلّ شي‌ء.

مثل : قوله عليه‌السلام في رواية جابر ـ التي وقع فيها السؤال عن خابية وقعت فيها فأرة ـ : «إنّ الله حرّم الميتة من كلّ شي‌ء» (١).

ولا يخفى على المتأمّل في الجميع أنّ المتبادر منها إرادة الحيوان الميّت.

اللهمّ إلّا أن يستند لذلك بالإجماع ، ومعه لا حاجة إلى توسيط هذه الأخبار ، فليتأمّل.

وأمّا الأخبار الواردة في باب الأطعمة فلا قصور في دلالتها خصوصا الأخيرين (٢) منها ، وكذا مرسلة (٣) أيّوب بن نوح ، فإنّ المتبادر من إطلاق الميتة في هذه الأخبار إرادة كونها بمنزلة الميتة من ذلك الحيوان الذي قطع منه القطعة ، وفي تفريع غسل المسّ في المرسلة على كونه ميّتا إشارة إلى ذلك.

هذا ، مع أنّ ظاهر قوله عليه‌السلام في رواية الحسن : «أما علمت أنّه يصيب اليد و

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٢٠ / ١٣٢٧ ، الإستبصار ١ : ٢٤ / ٦٠ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب الماء المضاف ، ح ٢.

(٢) أي روايتا الكاهلي والحسن بن علي الوشّاء ، المتقدّمتان في ص ٦٩ و ٧٠.

(٣) المتقدّمة في ص ٧٠.

٧١

الثوب؟» (١) وكذا قوله عليه‌السلام في رواية الكاهلي : «لا ينتفع به» (٢) كونه نجسا ، مضافا إلى عدم نقل الخلاف في المسألة ، فلا ينبغي الاستشكال فيه.

لكن غاية ما يمكن إثباته بهذه النصوص وفتاوى الأصحاب إنّما هي نجاسة الجزء المعتدّ به الذي ينفصل عن جسد الحيّ ، دون مثل البثور والثالول وما يعلو الجراحات والدماميل وغيرها عند البرء وما يحصل في الأظفار ويتطاير من القشور عند الحكّ وما يعلو على الشفة ونحو ذلك ، إذ لا يكاد يستفاد نجاسة مثل هذه الأشياء من الأخبار التي اعترفنا بدلالتها على النجاسة ، ولم ينعقد الإجماع على نجاستها ، بل الإجماع ـ على ما ادّعاه بعض (٣) ـ منعقد على عدم النجاسة.

ويشهد له سيرة المتشرّعة ، إذا لم يعهد عنهم التجنّب عن مثل هذه الأمور ، مع أنّ التجنّب عنها ربما يؤدّي إلى الحرج ، ولذا بعض من زعم دلالة الأدلّة المتقدّمة على علّيّة زهاق روح العضو لنجاسته مطلقا استدلّ لطهارة مثل هذه الأشياء بالإجماع والسيرة والحرج ، فجعلها مخصّصة للعموم ، لكن مقتضاه الاقتصار على القدر المتيقّن من مواقع الحرج وموارد قيام السيرة والإجماع ، وهو فيما ينفصل عن بدن الإنسان ، دون سائر الحيوانات.

وأمّا على ما بنينا عليه ـ من قصور الأدلّة عن إثبات نجاسة هذه الأمور ـ فيرجع في جميع موارد الشكّ إلى قاعدة الطهارة.

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٧٠ ، الهامش (٢).

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٦٩ ، الهامش (٧).

(٣) البحراني في الحدائق الناضرة ٥ : ٧٧.

٧٢

وحكي عن بعض التفصيل في الأمور المذكورة بين ما لو زهق روحها بالانفصال وبين ما لو انفصل بعد أن زهق روحها (١) ، كما هو الغالب ، فخصّ الطهارة بالثاني ، لقصور الأخبار عن إثبات نجاسة العضو المتّصل ، واستصحاب طهارته بعد الانفصال ، واستشكل في الأوّل لأجل العموم الذي استفاده من الأدلّة ، ولم يجزم بتخصيصه.

والأظهر ما عرفت من الطهارة مطلقا.

نعم ، في انقطاع العضو حيّا أثر في الاعتناء به عرفا ، فإنّه قد لا يشكّ في اندراج قطعة جلد منسلخة من الحيّ في الموضوع الذي أجمعوا على نجاسته وفهم حكمه من النصوص ، بخلاف ما لو يبست تلك القطعة عند اتّصالها بالبدن فانفصلت بعد أن برأ محلّها ، فإنّها تعدّ حينئذ من الفضول ، فلا يعتدّ بها ، والله العالم.

وأوضح ممّا عرفت طهارة العضو المتّصل الذي زهق روحه ، مثل أعضاء المفلوج ونحوه.

وربما استشكل بعض فيه خصوصا فيما أنتن منه.

وليس بشي‌ء وإن قلنا بأنّ موت العضو علّة لنجاسته ، لأنّ صدق الميتة أو الميّت على العضو المتّصل على سبيل الحقيقة ممنوع ، ولا دليل على التنزيل الشرعيّ.

__________________

(١) حكاه الخوانساري في مشارق الشموس : ٣١٤ و ٣١٥ عن صاحب المعالم فيها (قسم الفقه) : ٤٨٣ ـ ٤٨٤.

٧٣

هذا ، مع أنّ في معاملة الإنسان مع عضوه المتّصل ببدنه معاملة نجس العين من الحرج ما لا يخفى ، فالعضو ما دام اتّصاله بالبدن من توابعه طاهر ما دام حياة الحيوان ، وينجس بموته وبالانفصال عنه حيّا ، إلّا أن يكون ما ينفصل عنه حيّا جزءا غير معتدّ به ، مثل ما ينفصل عمّا حول القروح والجروح من القشور والأجزاء الصغار التي لا يعتدّ بها.

وربما يؤيّد طهارة مثل هذه الأجزاء عند اتّصالها وانفصالها : صحيحة علي ابن جعفر ـ بل ربّما يستدلّ لها بها ـ عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يكون به الثالول والجراح هل يصلح له أن يقطع الثالول وهو في صلاته ، أو ينتف بعض لحمه من ذلك الجرح ويطرحه؟ قال : «إن لم يتخوّف أن يسيل الدم فلا بأس ، وإن تخوّف أن يسيل الدم فلا يفعل» (١) فإنّ الإذن في الصلاة معها عند اتّصالها والترخيص في قطعها ونتفها في الصلاة مع غلبة كونه باليد واستلزامه حملها في الصلاة ومباشرتها باليد التي ربما تشتمل على العرق من غير استفصال مع كونها مسوقة لبيان الرخصة الفعليّة لا مجرّد بيان عدم مانعيّة هذا الفعل للصلاة ، كما يفصح عن ذلك تعرّض الإمام عليه‌السلام للتفصيل بين خوف سيلان الدم وعدمه ، يدلّ على الطهارة.

هذا ، ولكنّ الإنصاف قصورها عن مرتبة الدلالة ، لشهادة سوقها بإرادة عدم مانعيّة هذا الفعل من حيث هو للصلاة. وتنبيه الإمام عليه‌السلام في ضمن الجواب على

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٦٤ ـ ١٦٥ / ٧٧٥ ، التهذيب ٢ : ٣٧٨ / ١٥٧٦ ، الإستبصار ١ : ٤٠٤ / ١٥٤٢ ، الوسائل ، الباب ٦٣ من أبواب النجاسات ، ح ١.

٧٤

بعض الجهات المانعة لنكتة الغلبة لا يقتضي إرادته الرخصة الفعليّة على الإطلاق.

لكنّها مع ذلك لا تخلو عن تأييد.

والأحوط ـ إن لم يكن أقوى ـ هو الاجتناب عمّا يصدق عليه اسم اللّحم عند انفصاله مطلقا ، والله العالم.

تنبيه : اختلف كلماتهم في طهارة فأرة المسك ، المتّخذة من الظبية الميتة.

لكن يظهر من بعض من قال بنجاستها الالتزام بطهارة ما فيها من المسك ، نظرا إلى إطلاق ما دلّ على طهارة المسك ، المقتضي لطهارته في الفرض.

وتوضيح المقام : أنّه لا شبهة بل لا خلاف في طهارة المسك في الجملة ، بل عن التذكرة والمنتهى الإجماع على طهارته (١).

ويدلّ عليها سيرة المسلمين في استعماله ، بل روي أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يحبّه (٢).

وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «كانت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ممسكة إذا هو توضّأ أخذها بيده وهي رطبة ، فكان إذا خرج عرفوا أنّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله برائحته» (٣).

لكن في طهارة شيخنا المرتضى رحمه‌الله : الظاهر أنّ هذا المسك المتعارف هو بعض أقسامه ، وإلّا فلا إشكال في نجاسة الباقي ، فقد ذكر في التحفة أنّ للمسك

__________________

(١) حكاه عنهما صاحب كشف اللثام فيه ١ : ٤٠٦ ، والشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٣٤١ ، وانظر : تذكرة الفقهاء ١ : ٥٨ ، الفرع السابع من المسألة ١٨ ، ومنتهى المطلب ١ : ١٦٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ١ : ٤٢.

(٣) الكافي ٦ : ٥١٥ / ٣ ، الوسائل ، الباب ٤٣ من أبواب لباس المصلّي ، ح ١.

٧٥

أقساما أربعة :

أحدها : المسك التركي ، وهو دم يقذفه الظبي بطريق الحيض أو البواسير ، فينجمد على الأحجار.

الثاني : الهندي ، ولونه أخضر : دم ذبح الظبي ، المعجون مع روثه وكبده ، أو لونه أشقر ، وهذان ممّا لا إشكال في نجاستهما.

أقول : الظاهر حصول الاستحالة المانعة من إطلاق اسم الدم الخالص أو المختلط بغيره بعد صيرورته مصداقا للمسك ، فمقتضى القاعدة طهارتهما.

نعم ، قد يقال في الفرض الثاني بعدم سببيّة الاستحالة لطهارة المتنجّس.

لكنّك ستعرف في محلّه ضعفه.

وعلى تقدير بقاء الاسم وعدم حصول الاستحالة وصحّة إطلاق الدم الجامد أو الروث ـ الملاقي للدم أو المعجون معه ـ عليه على سبيل الحقيقة فلا يخلو الجزم بنجاسته أيضا عن إشكال سيأتي التنبيه عليه.

الثالث : دم يجتمع في سرّة الظبي بعد صيده يحصل من شقّ موضع الفأرة وتغميز أطراف السّرّة حتّى يجتمع الدم فيجمد ، ولونه أسود ، وهو طاهر مع تذكية الظبي ، نجس لا معها.

أقول : أمّا طهارته مع التذكية ، لكونه من الدم المتخلّف في الذبيحة.

وأمّا نجاسته مع عدم التذكية فهي مبنيّة على عدم تحقّق الاستحالة المانعة عن صدق الدم ، أو الانفعال بملاقاة الميتة بعد استحالة مسكا مع بقائه بصفة الميعان ، وإلّا فلا ينجس إلّا ظاهره بعد تسليم تأثير الميتة في نجاسته ، كما سيأتي

٧٦

الكلام فيه.

هذا ، مع ما أشرنا إليه من الإشكال في نجاسته على تقدير منع الاستحالة.

الرابع : مسك الفأرة ، وهو دم يجتمع في أطراف سرّته ثمّ يعرض للموضع حكّة يسقط بسببها الدم مع جلدة هي وعاء له ، وهذا وإن كان مقتضى القاعدة نجاسته ، لأنّه دم ذي نفس ، إلّا أنّ الإجماع دلّ على خروجه من هذا العموم إمّا لخروج موضوعه بدعوى استحالة الدم ، أو بدعوى التخصيص في العموم (١). انتهى.

وقد أشرنا إلى أنّه على تقدير تحقّق الاستحالة ـ كما هو الظاهر ـ لا وجه للتفصيل بين الصور.

وعلى تقدير عدمها أيضا يشكل ذلك بأنّ الدليل المخصّص للقسم الرابع إن كان هو الإجماع ، فلم يخصّص المجمعون موضوع حكمهم بخصوص هذا القسم ، وقد سمعت (٢) من التذكرة والمنتهى دعوى الإجماع على طهارة المسك مطلقا.

وإن كان سيرة المسلمين في استعماله ، فالمسلمون يستعملون ما يسمّى مسكا ، ولا يتوهّمون نجاسته الذاتيّة أصلا ، وربما لا يعلمون بأصله ولا باختلاف أصنافه.

فلا يتوهّم أنّ بناءهم على طهارة ما يتعاطونه من يد المسلمين ، لقاعدة اليد

__________________

(١) كتاب الطهارة : ٣٤١.

(٢) في ص ٧٥.

٧٧

وأصالة الطهارة الجارية عند احتمال كونه من القسم الطاهر ، لأنّ الاعتماد على القاعدتين فرع تحقّق التردّد ، كما في نجاسته العرضيّة ، وقد أشرنا إلى أنّهم لا يتوهّمون نجاسته الأصليّة.

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ السيرة نشأت من أصلها من الاعتماد على الأصلين ، واستقرّت بين المسلمين غفلة عن أصلها ، فلا يستكشف بها أزيد من طهارته في الجملة ، والقدر المتيقّن هو القسم الرابع ، أو يدّعى أنّ المسك المتعارف الذي يتعاطاه المسلمون هو خصوص هذا القسم ، وأمّا سائر أقسامه فهي أفراد نادرة لم يعهد استعمالها ، وينصرف عنها إطلاق فتاوى الأصحاب بطهارة المسك ، فمقتضى الأصل ـ على تقدير منع حصول الاستحالة وقصور الأدلّة الدالّة على طهارة المسك عن شمول تلك الأفراد ـ نجاستها.

لكنّ مثل هذه الدعاوي على تقدير كونها مصداقا حقيقيّا للمسك ـ كما هو المفروض ـ مشكلة.

نعم ، قد يقوى في النظر ـ بمقتضى الحدس ـ عدم حصول الاستحالة في القسم الثاني ، بل عدم كونه مصداقا حقيقيّا للمسك ، بل هو مسك مصنوع باق على نجاسته.

وأمّا ما عداه من الأقسام فربما يحتمل عدم كونه من أصله دما حقيقيّا ، بل هو شي‌ء مخلوق في الظبي الخاصّ شبيه بالدم ربما يقذفه بطريق الحيض ونحوه ، أو يجتمع في سرّته فينفصل ، فعلى هذا مقتضى الأصل طهارته ، والله العالم.

وأمّا فأرة المسك ـ وهي الجلدة ـ فعن العلّامة في التذكرة والنهاية ، و

٧٨

الشهيد في الذكرى ، وغيرهما التصريح باستثنائها من القطعة المبانة التي حكم بنجاستها ، سواء انفصلت من الظبي في حياته أو بعد موته ، فلا تنجس (١) ، بل عن ظاهر التذكرة والذكرى الإجماع عليه (٢).

لكن عن المنتهى وكشف الالتباس تقييده بما إذا انفصلت عن الحيّ أو أخذت من المذكّى (٣).

وعن المنتهى التصريح بنجاستها إن أخذت من الميتة (٤).

واستظهر من إطلاق حكمه بطهارة المسك وتقييده في فأرته أنّ طهارة المسك لا تنافي نجاسة فأرته ، كما صرّح به في محكيّ النهاية حيث قال : المسك طاهر وإن قلنا بنجاسة فأرته المأخوذة من الميتة ، كالإنفحة ، ولم يتنجّس بنجاسة الظرف ، للحرج (٥). انتهى.

وعن كشف اللثام القول بنجاستها مطلقا ، سواء انفصلت عن حيّ أو ميّت ، إلّا إذا كان ذكيّا (٦) ، واستغرب تفصيل العلّامة بين المنفصلة عن الحيّ والميّت ، و

__________________

(١) حكاه عنها صاحب الجواهر فيها ٥ : ٣١٧ ، وانظر : تذكرة الفقهاء ١ : ٥٨ ، الفرع السابع من المسألة ١٨ ، ونهاية الإحكام ١ : ٢٧٠ ، والذكرى ١ : ١١٨ ، ومدارك الأحكام ٢ : ٢٧٥.

(٢) الحاكي عن ظاهر هما هو صاحب كشف اللثام فيه ١ : ٤٠٦ ، وكذا العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ١٤٦ ، وانظر : تذكرة الفقهاء ١ : ٥٨ ، الفرع السابع من المسألة ١٨ ، والذكرى ١ : ١١٨.

(٣) حكاه عنهما العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ١٤٦ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ١٦٦ ، وكشف الالتباس ١ : ٤٠١.

(٤) حكاه عنه صاحب كشف اللثام فيه ١ : ٤٠٦ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ١٦٦.

(٥) حكاه عنها صاحب كشف اللثام فيه ١ : ٤٠٦ ، وانظر : نهاية الإحكام ١ : ٢٧١.

(٦) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٥ : ٣١٩ ، وانظر : كشف اللثام ١ : ٤٠٦.

٧٩

قال : لا أعرف له وجها (١).

أقول : وجهه قصور ما دلّ على نجاسة القطعة المبانة من الحيّ عن مثل هذه الجلدة التي هي وعاء المسك ، التي تعدّ في العرف من فضول البدن ، كسائر الأشياء التي لا يعتدّ بها عند انفصالها عن الحيّ ، وأمّا الميتة فينجس منها جميع أجزائها التي حلّ فيها الحياة مطلقا ، فالتفصيل في محلّه ، إلّا أن يدّعى كون هذه الجلدة عند صيرورة ما فيها مسكا مستقلّة بالحكم ، خارجة من حدّ التبعيّة ، فاقدة للروح ، فيفهم طهارتها حينئذ من التعليل في بعض الأخبار الدالّة على طهارة الصوف : بأنّ «الصوف ليس فيه روح ، ألا ترى أنّه يجزّ ويباع وهو حيّ؟» (٢).

وقوله في حسنة حريز ـ الآتية (٣) ـ : «وكلّ شي‌ء ينفصل (٤) من الشاة والدابّة فهو ذكيّ ، وإن أخذته منه بعد موته (٥) فاغسله وصلّ فيه».

وما في رواية أبي حمزة ـ الآتية (٦) ـ من تعليل طهارة الإنفحة : بأنّه ليس لها عرق ولا دم ولا عظم ، فإنّ المقصود به على الظاهر بيان كونه شيئا مستقلّا غير معدود من أعضاء الميّت ، بل هو شي‌ء مخلوق فيه ، كالبيضة في بطن الدجاجة ، كما وقع التصريح بالتمثيل في الرواية.

__________________

(١) كشف اللثام ١ : ٤٠٦.

(٢) مكارم الأخلاق : ١٠٧ ، الوسائل ، الباب ٦٨ من أبواب النجاسات ، ح ٧.

(٣) في ص ٨٤ ـ ٨٥.

(٤) في المصادر : «يفصل».

(٥) في التهذيب والاستبصار : «وإن أخذته منه بعد أن يموت» كما يأتي في ص ٨٥. وفي الكافي : «وإن أخذته منها بعد أن تموت».

(٦) في ص ٩٢.

٨٠