مصباح الفقيه - ج ٧

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٧

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: منبع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٦

ويؤيّده رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام :لا تختّموا بغير الفضّة ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ما طهرت كفّ فيها خاتم حديد» (١).

ومرسلة الفقيه ، قال : قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ما طهّر الله يدا فيها حلقة حديد» (٢).

والأولى حمل هذه الروايات على مرتبة من القذارة مقتضية لكراهة الصلاة فيه ، واستحباب مسح ما يلاقيه بالماء في الموارد التي ورد التصريح به من الشارع ، واستحباب إعادة الصلاة عند ترك المسح.

ولا ينافيه النهي عن إعادة الصلاة في خبر عليّ بن جعفر أنّه سأل أخاه موسى عليه‌السلام عن رجل أخذ من شعره ولم يمسحه بالماء ثمّ يقوم فيصلّي ، قال :«ينصرف فيمسحه بالماء ولا يعيد صلاته (٣) تلك» (٤) لوروده في مقام توهّم الوجوب ، فليتأمّل.

وكيف كان فثبوت هذه المرتبة من القذارة يصحّح إطلاق النجس عليه ، بل لم يثبت كون النجس في زمان صدور الروايات حقيقة في خصوص النجاسة المصطلحة.

وكيف كان فلا يمكن إبقاء هذه الروايات على ظاهرها من وجوب المسح وحرمة الصلاة ، لمخالفتها للسيرة القطعيّة من زمان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى يومنا هذا على

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٦٨ (باب الخواتيم) ح ٦ ، الوسائل ، الباب ٣٢ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٤.

(٢) الفقيه ١ : ١٦٤ / ٧٧٢ ، الوسائل ، الباب ٣٢ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٩.

(٣) في قرب الإسناد : «ولا يعتدّ بصلاته ..».

(٤) قرب الإسناد : ١٩٦ / ٧٤٧ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب نواقض الوضوء ، ح ٧.

٣٢١

عدم التجنّب عمّا يلاقيه خصوصا مع ظهور روايتي عمّار (١) في عدم الفرق بين ما لاقاه مع رطوبة مسرية أو بدونها ، مضافا إلى معارضتها بأخبار كثيرة دالّة على خلافها.

كرواية الحسن بن الجهم ، قال : أراني أبو الحسن عليه‌السلام ميلا من حديد ومكحلة من عظام ، فقال : «هذا كان لأبي الحسن عليه‌السلام ، فاكتحل به» فاكتحلت (٢).

وصحيحة سعيد بن عبد الله الأعرج ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : آخذ من أظفاري ومن شاربي وأحلق رأسي أفأغتسل (٣)؟ قال : «لا ، ليس عليك غسل» قلت : فأتوضّأ؟ قال : «لا ، ليس عليك وضوء» قلت : فأمسح على أظفاري الماء؟ قال : «هو (٤) طهور ليس عليك مسح» (٥).

وخبر وهب بن وهب عن جعفر بن محمّد عليهما‌السلام أنّ عليّا عليه‌السلام قال : «السيف بمنزلة الرداء تصلّي فيه ما لم تر دما» (٦).

إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة عليه ، ولذا لم يعمل أحد بظاهر أخبار النجاسة ، كما يشهد له استفاضة نقل الإجماع على الطهارة بل تواتره.

نعم ، قد شاع في الألسن نسبة القول بنجاسة الحديد إلى الأخباريّين ، ولعلّه

__________________

(١) تقدّمت روايتا عمّار في ص ٣١٩ و ٣٢٠.

(٢) الكافي ٦ : ٤٩٤ / ٢ ، الوسائل ، الباب ٨٣ من أبواب النجاسات ، ح ٤.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «فأغتسل». وما أثبتناه من المصدر.

(٤) في التهذيب : «لا ، هو».

(٥) التهذيب ١ : ٣٤٦ / ١٠١٢ ، الإستبصار ١ : ٩٥ ـ ٩٦ / ٣٠٩ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب نواقض الوضوء ، ح ٣.

(٦) التهذيب ٢ : ٣٧١ ـ ٣٧٢ / ١٥٤٦ ، الوسائل ، الباب ٨٣ من أبواب النجاسات ، ح ٣.

٣٢٢

من المشهورات التي لا أصل لها ، كما يشهد بذلك دعوى صاحب الحدائق الإجماع على الطهارة (١) ، ويظهر من صاحب الوسائل (٢) أيضا ذلك مع أنّهما أعرف بمذاهب الأخباريّين.

ولعلّ منشأ النسبة ما حكاه في الحدائق عن بعض المتورّعين أنّه كان يجتنب أكل مثل البطّيخ ونحوه إذا قطع بالحديد (٣).

ولعمري إنّه تورّع فيما لا يكاد يرتاب المتورّع في أنّ النبيّ والأئمّة عليهم‌السلام لم يكونوا يتورّعون من مثله.

ويدلّ على استحباب مسح الرأس بعد حلقه واستحباب مسح الأظفار بعد قصّها ـ مضافا إلى ما عرفت ـ صحيحة الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون على طهر فيأخذ من أظفاره أو شعره أيعيد الوضوء؟ فقال : «لا ، ولكن يمسح رأسه وأظفار بالماء» قلت : فإنّهم يزعمون أنّ فيه الوضوء ، فقال : «إن خاصموكم فلا تخاصموهم وقولوا : هكذا السنّة» (٤).

(ويكره بول البغال والحمير والدوابّ) على المشهور.

ونقل عن ابن الجنيد والشيخ في النهاية القول بالنجاسة (٥).

وعن جماعة من المتأخّرين ـ كالمحقّق الأردبيلي وصاحبي المعالم و

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٥ : ٢٣٤.

(٢) راجع الوسائل ، عنوان الباب ٨٣ من أبواب النجاسات.

(٣) الحدائق الناضرة ٥ : ٢٣٣.

(٤) الكافي ٣ : ٣٧ / ١١ ، التهذيب ١ : ٣٤٥ / ١٠١٠ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب نواقض الوضوء ، ح ١.

(٥) حكاه عنهما العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ١ : ٢٩٩ ، المسألة ٢٢١ ، وانظر : النهاية : ٥١.

٣٢٣

المدارك ـ تقويته (١) ، واختاره في الحدائق (٢) ، بل بالغ في تأييده وتضعيف مستند المشهور ، وأطال الكلام في النقض والإبرام.

وعمدة ما أوقعه في ذلك ما بنى عليه في جميع المسائل الفرعيّة من عدم ارتكاب التأويل ـ في الظاهر ـ بحمل الأمر على الاستحباب ـ مثلا ـ بواسطة النصّ ، والمعاملة معهما معاملة المتعارضين بالرجوع إلى المرجّحات السنديّة.

وهو عندنا غير وجيه ، كما تقرّر في محلّه.

حجّة القائلين بالنجاسة : جملة من الأخبار :

منها : مضمرة سماعة ، قال : سألته عن بول السنّور والكلب والحمار والفرس ، فقال : «كأبوال الإنسان» (٣).

وصحيحة الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن أبوال الخيل والبغال ، قال : «اغسل ما أصابك منه» (٤).

وحسنة محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : وسألته عن أبوال الدوابّ والبغال والحمير ، فقال : «اغسله ، وإن لم تعلم مكانه فاغسل الثوب كلّه ، و

__________________

(١) حكاه عنهم الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٣٣٧ ، وانظر : مجمع الفائدة والبرهان ١ : ٣٠١ ، ومعالم الدين (قسم الفقه) : ٤٤٧ ـ ٤٥٦ ، ومدارك الأحكام ٢ : ٣٠١ ـ ٣٠٣.

(٢) الحدائق الناضرة ٥ : ٢١.

(٣) التهذيب ١ : ٤٢٢ / ١٣٣٦ ، الإستبصار ١ : ١٧٩ / ٦٢٧ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب النجاسات ، ح ٧.

(٤) التهذيب ١ : ٢٦٥ / ٧٧٤ ، الإستبصار ١ : ١٧٨ / ٦٢٢ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب النجاسات ، ح ١١.

٣٢٤

إن شككت فانضحه» (١).

وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا بأس بروث الحمير ، واغسل أبوالها» (٢).

ورواية عبد الأعلى بن أعين ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن أبوال الحمير (٣) والبغال ، قال : «اغسل ثوبك» قال : قلت : وأرواثها؟ قال : «هو أكثر (٤) من ذلك» (٥).

ورواية أبي مريم ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما تقول في أبوال الدوابّ وأرواثها؟ قال : «أمّا أبوالها فاغسل ما أصابك ، وأمّا أرواثها فهي أكثر من ذلك» (٦).

ومفهوم صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن الدابّة تبول فيصيب بولها المسجد أو حائطه أيصلّى فيه قبل أن يغسل؟ قال : «إذا جفّ فلا بأس» (٧).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٧ / ٢ ، التهذيب ١ : ٢٦٤ / ٧٧١ ، الإستبصار ١ : ١٧٨ / ٦٢٠ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب النجاسات ، ح ٥.

(٢) الكافي ٣ : ٥٧ / ٦ ، التهذيب ١ : ٢٦٥ / ٧٧٣ ، الإستبصار ١ : ١٧٨ / ٦٢١ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب النجاسات ، ح ١.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «الخيل» بدل «الحمير». وما أثبتناه من المصدر.

(٤) في الاستبصار : «أكبر» بدل «أكثر».

(٥) التهذيب ١ : ٢٦٥ / ٧٧٦ ، الإستبصار ١ : ١٧٩ / ٦٢٥ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب النجاسات ، ح ١٣.

(٦) الكافي ٣ : ٥٧ / ٥ ، التهذيب ١ : ٢٦٥ / ٧٧٥ ، الإستبصار ١ : ١٧٨ ـ ١٧٩ / ٦٢٣ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب النجاسات ، ح ٨.

(٧) قرب الإسناد : ٢٠٥ / ٧٩٤ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب النجاسات ، ح ١٨.

٣٢٥

وصحيحته الأخرى عنه عليه‌السلام ، قال : سألته عن الثوب يوضع في مربط الدابّة على أبوالها وأرواثها ، قال : «إن علق به شي‌ء فليغسله ، وإن أصابه شي‌ء من الروث أو الصفرة التي تكون معه فلا تغسله من صفرة» (١).

وروايته الثالثة في كتابه ، قال : سألته عن الثوب يقع في مربط الدابّة على بولها وروثها كيف يصنع؟ قال : «إن علق به شي‌ء فليغسله ، وإن كان جافّا فلا بأس» (٢).

ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته (٣) عن الماء النقيع تبول فيه الدوابّ ، فقال : «إن تغيّر الماء فلا تتوضّأ منه ، وإن لم تغيّره أبوالها فتوضّأ منه ، وكذلك الدم إذا سال في الماء وأشباهه» (٤).

وروايته الأخرى ، قال : سألته عن كرّ من ماء مررت به ـ وأنا في سفر ـ قد بال فيه حمار أو بغل أو إنسان ، قال : «لا توضّأ (٥) منه ولا تشرب منه» (٦).

وموثّقة عبد الرحمن ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل يمسّه بعض أبوال البهائم أيغسله أم لا؟ قال : «يغسل بول الفرس والحمار والبغل ، فأمّا الشاة وكلّ ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله» (٧).

__________________

(١) قرب الإسناد : ٢٨٢ / ١١١٩ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب النجاسات ، ح ١٩.

(٢) مسائل عليّ بن جعفر : ١٣٠ / ١١٦ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب النجاسات ، ح ٢١.

(٣) في المصدر : «سئل».

(٤) التهذيب ١ : ٤٠ / ١١١ ، الإستبصار ١ : ٩ / ٩ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب الماء المطلق ، ح ٣.

(٥) في الاستبصار : «لا تتوضّأ».

(٦) التهذيب ١ : ٤٠ / ١١٠ ، الإستبصار ١ : ٨ / ٨ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب الماء المطلق ، ح ٥.

(٧) التهذيب ١ : ٢٤٧ / ٧١١ ، الإستبصار ١ : ١٧٩ / ٦٢٤ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب النجاسات ، ح ٩.

٣٢٦

وروايته الأخرى مثلها ، إلّا أنّه قال : «وينضح بول البعير والشاة ، وكلّ ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله» (١).

ورواية زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام في أبوال الدوابّ تصيب الثوب فكرهه ، فقلت : أليس لحومها حلالا؟ قال : «بلى ولكن ليس ممّا جعله الله للأكل» (٢).

وهذه الرواية بمدلولها اللفظي تصلح شاهدة للجمع بين الأخبار المتقدّمة الدالّة على نجاسة أبوال الدوابّ والأخبار الدالّة على طهارة بول كلّ حيوان يحلّ أكله ، كخبر زرارة أنّهما قالا : «لا تغسل ثوبك من بول شي‌ء يؤكل لحمه» (٣) وموثّقة عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «كلّ ما أكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه» (٤) وخبر أبي البختري عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «لا بأس ببول ما أكل لحمه» (٥) بحمل هذه الأخبار على ما جعله الله للأكل ، دون ما جعله للركوب والزينة.

كما يشهد لهذا الجمع أيضا : موثّقة عبد الرحمن ، المتقدّمة (٦) حيث جعل فيها ما يؤكل لحمه قسيما للدوابّ الثلاث.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٢٢ / ١٣٣٧ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب النجاسات ، ح ١٠.

(٢) الكافي ٣ : ٥٧ / ٤ ، التهذيب ١ : ٢٦٤ / ٧٧٢ ، الإستبصار ١ : ١٧٩ / ٦٢٦ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب النجاسات ، ح ٧.

(٣) الكافي ٣ : ٥٧ / ١ ، التهذيب ١ : ٢٤٦ / ٧١٠ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب النجاسات ، ح ٤.

(٤) التهذيب ١ : ٢٦٦ / ٧٨١ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب النجاسات ، ح ١٢.

(٥) قرب الإسناد : ١٥٦ / ٧٥٣ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب النجاسات ، ح ١٧.

(٦) في ص ٣٢٦.

٣٢٧

فبهذا يضعف الاستدلال بالكلّيّة المستفادة من هذه الروايات لمذهب المشهور.

هذا ، مع أنّ ارتكاب التخصيص في هذه الروايات أهون من ارتكاب التأويل في جميع الأخبار المتقدّمة.

لكن هذا إذا كان مستند المشهور ـ فيما بنوا عليه من عموم طهارة بول كلّ ما يؤكل لحمه ـ هذه الروايات ، كما يظهر من صاحب الحدائق وغيره حيث لم يتمسّكوا لهم إلّا ببعض هذه الروايات.

لكن ربما يستفاد هذه الكلّيّة من موثّقة ابن بكير ـ الواردة في باب الصلاة ـ التي كادت تكون نصّا في دوران حرمة الصلاة ـ التي هي أخصّ من النجاسة ـ مدار حرمة الأكل ، وأنّ ما ليس بمحرّم الأكل تجوز الصلاة في بوله وروثه وكلّ شي‌ء منه ، سواء كان مجعولا للأكل أم لم يكن.

قال ابن بكير : سأل زرارة أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر ، فأخرج كتابا زعم أنّه إملاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ الصلاة في وبر كلّ شي‌ء حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكلّ شي‌ء منه فاسدة لا تقبل تلك الصلاة حتّى يصلّى في غيره ممّا أحلّ الله أكله» ثمّ قال : «يا زرارة هذا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فاحفظ ذلك يا زرارة ، فإن كان ممّا يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكلّ شي‌ء منه جائزة إذا علمت أنّه ذكيّ قد ذكّاه الذبح ، وإن كان غير ذلك ممّا قد نهيت عن أكله وحرم

٣٢٨

عليك أكله فالصلاة في كلّ شي‌ء منه فاسدة ذكّاه الذبح أو لم يذكّه» (١).

وأنت خبير بأنّ رواية زرارة وموثّقة عبد الرحمن ، المتقدّمتين (٢) لا تصلحان للحكومة على هذه الموثّقة ، لكونها نصّا في أنّ المراد بما أحلّ الله أكله ما كان مقابلا لما حرّم أكله ، لا ما يقابل غير المأكول حتّى يمكن تفسيره بما جعله الله للأكل ، فالدوابّ الثلاث مندرجة في القسم الذي تكون الصلاة في بوله وروثه وكلّ شي‌ء منه جائزة ، ولا يمكن حمل محرّم الأكل على ما يعمّ المكروه ، جمعا بينها وبين الأخبار المتقدّمة حتّى تندرج الدوابّ في القسم المحرّم ، لا لمجرّد ما في الموثّقة من التأكيدات الدالّة على إرادة الحرمة الحقيقيّة ، بل لعدم الخلاف نصّا وفتوى في شمول الحكم للمكروه بالنسبة إلى سائر أجزائه من جلده وشعره ولبنه وغيرها.

فالأمر يدور بين حمل أخبار النجاسة على الكراهة ، واستحباب التجنّب عنه ، وبين ارتكاب التخصيص بالنسبة إلى بول الدوابّ في الموثّقة المسوقة لإعطاء الضابط ، التي كادت تكون نصّا في العموم.

ولا ريب أنّ الأوّل أهون خصوصا مع اعتضاد عموم الموثّقة بشهرته بين الأصحاب قديما وحديثا ، بل انعقاد إجماعهم عليه عدا شاذّ منهم ، لشبهة ناشئة من الاغترار بظاهر أخبار النجاسة التي كفى في صرفها عن هذا الظاهر إعراض الأصحاب عنه ، وحملهم لها على الكراهة ، كما يؤيّده بعض المناسبات المستنبطة من نفس تلك الأخبار وغيرها من الأمارات.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٩٧ / ١ ، التهذيب ٢ : ٢٠٩ / ٨١٨ ، الإستبصار ١ : ٣٨٣ ـ ٣٨٤ / ١٤٥٤ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب لباس المصلّي ، ح ١.

(٢) في ص ٣٢٦ و ٣٢٧.

٣٢٩

والحاصل : أنّه لا يمكن ارتكاب التخصيص في مثل هذه الموثّقة التي لها بنفسها قوّة ظهور في العموم ، ومضمونها بعمومه من القواعد المسلّمة بين الأصحاب ، إلّا بنصّ صحيح صريح غير قابل للطرح أو التأويل من حيث السند والدلالة ، لا بمثل هذه الظواهر التي يكون ارتكاب التأويل فيها بحملها على الكراهة من أهون التصرّفات.

ويشهد له أيضا ـ مضافا إلى ذلك ـ خبر زرارة ، المتقدّم (١) المصرّح بالكراهة ، بناء على ظهوره في إرادة الكراهة بمعناها الأخصّ ، كما ليس بالبعيد.

ويدلّ عليه أيضا : رواية أبي الأعزّ (٢) النخّاس ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّي أعالج الدوابّ فربما خرجت بالليل وقد بالت وراثت فيضرب أحدها برجله أو يده فينضح على ثيابي فأصبح فأرى أثره فيه ، قال : «ليس عليك شي‌ء» (٣) ورواية المعلّى بن خنيس وعبد الله بن أبي يعفور ، قالا : كنّا في جنازة وقدّامنا حمار فجاءت الريح ببوله حتّى صكّت وجوهنا وثيابنا فدخلنا على أبي عبد الله عليه‌السلام ، فأخبرناه ، فقال : «ليس عليكم بأس» (٤) فإنّ مقتضى الجمع بينهما وبين أخبار النجاسة ارتكاب التأويل في تلك الأخبار ، كما هو واضح.

لكن مع ذلك كلّه لا ينبغي ترك الاحتياط في غير موارد الضرورة والحرج ، والله العالم.

__________________

(١) في ص ٣٢٧.

(٢) في الوسائل : «أبي الأغرّ».

(٣) الكافي ٣ : ٥٨ / ١٠ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب النجاسات ، ح ٢.

(٤) التهذيب ١ : ٤٢٥ / ١٣٥١ ، الإستبصار ١ : ١٨٠ / ٦٢٨ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب النجاسات ، ح ١٤ بتفاوت في بعض الألفاظ في التهذيب فقط.

٣٣٠

فهرس الموضوعات

الركن الرابع : في النجاسات وأحكامها

تعريف النجاسة لغة وشرعا...................................................... ٧

هل النجاسة صفة متأصلة أو أنها منتزعة من حكم الشارع بالهجر في أمور مخصوصة؟... ٧

المقام الأول : في تشخيص أعيان النجاسات

١ و ٢ ـ البول والغائط

نجاسة البول والغائط من كل حيوان ذي نفس سائلة لا يؤكل لحمه.................... ٨

بيان المراد بالنفس السائلة....................................................... ٩

حكم خرء غير المأكول من الطير وبوله.......................................... ١٠

حكم بول الخشاف.......................................................... ٢٠

حكم بول الرضيع............................................................ ٢٣

نجاسة الخرء والبول من الجلال.................................................. ٢٥

حكم رجع ما لا نفس له وبوله................................................ ٢٦

حكم ذرق الدجاج غير الجلال................................................. ٢٨

٣٣١

حكم ما لو تردد شيء بين كونه خرءا أو بولا وبين غيرهما من الأشياء الطاهرة........ ٣٠

حكم ما لو تردد شيء بين كونه من مأكول اللحم أو غيره أو بين كونه من ذي النفس أو غيره    ٣٠

حكم ما لو تردد الحيوان بين كونه مأكول اللحم أو غيره.......................... ٣٠

حكم ما لو تردد الحيوان بين كونه من ذي النفس أو غيره......................... ٣٠

٣ ـ المني

نجاسة المني من كل حيوان ذي نفس حل أكله أو حرم............................. ٣٣

حكم مني ما لا نفس له...................................................... ٣٥

طهارة المذي والوذي والودي والقيح ونحوها...................................... ٣٦

٤ ـ الميتة

نجاسة ميتة ما له نفس سائلة.................................................. ٣٩

حكم جلد الميتة بعد الدباغ.................................................... ٤٦

حكم الميتة من الحيوان البحري................................................. ٥١

هل يجوز استعمال الميتة في غير ما هو مشروط بالطهارة؟.......................... ٥٣

نجاسة الميت من الإنسان...................................................... ٥٤

فيما حكي عن المحدث الكاشاني من منع نجاسة الميت من الإنسان وما عن الحلي من كونه نجسا غير منجس         ٥٦

هل ينجس الميت بمجرد موته أم لا ينجس إلا إذا برد؟............................ ٦٢

طهارة الميتة من غير ذي النفس................................................ ٦٤

نجاسة ما قطع من الحيوان حيا كان أو ميتا....................................... ٦٥

حكم فأرة المسك المتخذة من الطيبة الميتة........................................ ٧٥

حكم فأرة المسك وهي الجلدة.................................................. ٧٨

طهارة ما لا تحله الحياة من الميتة................................................ ٨٤

٣٣٢

في التنبيه على أمور

١ ـ عدم الفرق في الحكم بطهارة الصوف والشعر والريش ونحوها بين كونها مأخوذة من الميتة بطريق الجز أو القطع     ٨٧

٢ ـ اشتمال النصوص على طهارة الإنفحة والبيض واللبن من الميتة.................. ٩٠

طهارة الإنفحة مما لا خلاف فيها على الظاهر................................... ٩١

تفسير الإنفحة في كلمات اللغويين والفقهاء...................................... ٩١

هل الحكم بطهارة الإنفحة يشمل إنفحة غير المأكول؟............................ ٩٥

طهارة البيض من الميتة وإن كانت غير مأكول اللحم.............................. ٩٥

طهارة البيض من الميتة وإن كانت غير مأكول اللحم.............................. ٩٥

طهارة البيضة من الميتة ما لم تنفعل بملاقاة الميتة................................... ٩٦

حكم لبن الميتة.............................................................. ٩٨

نجاسة ما لا تحله الحياة من الكلب والخنزير والكافر.............................. ١٠١

وجوب الغسل على من مس ميتا من الناس قبل تطهيره وبعد برده................. ١٠٣

دلالة الأخبار الكثيرة على وجوب غسل مس الميت............................. ١٠٤

هل ينقض الوضوء بمس الميت؟............................................... ١١٢

عدم الفرق في وجوب الغسل بين كون الممسوس مسلما أو كافرا.................. ١١٣

عدم الفرق في وجوب الغسل بين المس بأي جزء من أجزاء البدن لأي جزء من أجزاء الممسوس     ١١٥

هل يجب الغسل بمس الشهيد؟............................................... ١١٦

هل يسقط غسل المس ويطهر شيء من بدن الميت مما حل فيه الروح قبل إكمال غسله؟ ١١٧

فيما قيل من التفصيل في الفرض المزبور من طهارة العضو المغسل وعدم سقوط الغسل بمسه ١١٧

وجوب الغسل بمس قطعة مبانة من ميت أو حي بعد البرد وقبل التطهير إن كان فيها عظم ١١٨

٣٣٣

وجوب الغسل بمس السقط بعد ولوج الروح فيه................................. ١٢٥

حكم السقط قبل الولوج.................................................... ١٢٥

تنبيه : فيما لو وجد ميتا أو بعضا مطروحا في مقابر المسلمين أو غيرها............. ١٢٧

وجوب غسل اليد فقط على من مس ما لا عظم فيه أو مس ميتا له نفس سائلة من غير الناس    ١٣٠

٥ ـ الدماء

نجاسة الدم في الجملة....................................................... ١٣١

نجاسة دم حيوان له نفس سائلة.............................................. ١٣١

نجاسة دم العلقة............................................................ ١٣٨

حكم الدم الذي يوجد في البيضة............................................. ١٣٩

فيما يستظهر من بعض الأخبار من طهارة دم الرعاف وغيره من بعض أصناف الدم. ١٤٠

طهارة الدم المتخلف في الذبيحة.............................................. ١٤١

هل تختص الطهارة بالدم المتخلف في ذبيحة ما يؤكل لحمه أم تعم ذبيحة غير المأكول أيضا؟       ١٤٧

هل الدم المتخلف في الجزء غير المأكول من الذبيحة المأكولة طاهر أم لا؟.......... ١٤٨

عدم نجاسة دم ما يكون خروج دمه رشحا كدم السمك وشبهه................... ١٤٩

حكم ما لو رأي بثوبه شيئا وشك في كونه دما أو غيره من الأجسام الطاهرة أو علم بكونه دما وشك في كونه من ذي النفس أو من غيره......................................................................... ١٥٢

٦ و ٧ ـ الكلب والخنزير

نجاسة الكلب والخنزير عينا ولعابا............................................. ١٥٧

عدم الفرق في الحكم بالنجاسة بين كلب الصيد وغيره........................... ١٦١

اختصاص الحكم بالنجاسة بالبري من الكلب والخنزير دون البحري منهما.......... ١٦٢

فيما لو نزا كلب أو خنزير على حيوان طاهر أو نجس فأولده..................... ١٦٣

٣٣٤

عدم نجاسة ما عدا الكلب والخنزير من صنوف الحيوان........................... ١٦٥

حكم الثعلب والأرنب والفأرة والوزغة......................................... ١٦٥

٨ ـ المسكرات

بيان حكم المسكرات....................................................... ١٧٣

حكم المسكرات الجامدة..................................................... ١٨٨

حكم ما لو عرض للخمر ونحوها وصف الجمود................................ ١٨٩

بيان حقيقة السكر......................................................... ١٨٩

حكم العصير العنبي إذا غلى واشتد........................................... ١٩١

فيما إذا قيل بنجاسة العصير العنبي فهل ينجس بمجرد الغليان أو لا ينجس إلا إذا اشتد؟ ٢٠٦

بيان المراد بالاشتداد........................................................ ٢٠٦

طهارة العصير الزبيبي........................................................ ٢٠٨

هل يحرم العصير الزبيبي بالغليان أم لا؟........................................ ٢١٠

حكم العصير التمري....................................................... ٢٢٢

٩ ـ الفقاع

نجاسة الفقاع.............................................................. ٢٢٥

بيان مصداق الفقاع........................................................ ٢٢٧

حرمة الفقاع ونجاسته مطلقا سواء حصل له النشيش والغليان أم لا................. ٢٣٠

هل يعتبر الإسكار في الفقاع؟................................................ ٢٣٢

في أن ماء الشعير الذي يستعمله الأطباء ليس من الفقاع........................ ٢٣٣

١٠ ـ الكافر

نجاسة الكافر غير الكتابي................................................... ٢٣٥

حكم الكافر الكتابي........................................................ ٢٣٥

ولد الكافرين يتبعهما في الحكم............................................... ٢٦٠

٣٣٥

حكم ما لو كان أحد الأبوين مسلما أو أسلما بعد الولادة....................... ٢٦٢

هل يندرج في زمرة المسلمين حكما من سباه المسلم منفردا عن أبويه؟.............. ٢٦٣

حكم اللقيط الذي لم يعرف كونه من أولاد المسلمين أو الكفار................... ٢٦٤

شرح مفهوم الكافر......................................................... ٢٦٥

هل يكفي الإقرار والتدين الصوري في ترتيب أثر الإسلام؟....................... ٢٦٦

كفر الخوارج............................................................... ٢٧٠

نجاسة النواصب وكفرهم..................................................... ٢٨٦

كفر الغلاة................................................................ ٢٩٠

كفر المجسمة.............................................................. ٢٩٣

حكم المجبرة................................................................ ٢٩٥

حكم المفوضة.............................................................. ٢٩٧

حكم ولد الزنا............................................................. ٢٩٨

حكم عرق الجنب من الحرام................................................. ٣٠٤

حكم عرق الإبل الجلالة.................................................... ٣١٢

حكم المسوخ.............................................................. ٣١٦

حكم لبن الصبية........................................................... ٣١٦

حكم الدود ونحوه المتولد من العذرة........................................... ٣١٧

حكم الصديد............................................................. ٣١٨

حكم القئ................................................................ ٣١٩

حكم الحديد.............................................................. ٣١٩

حكم بول البغال والحمير والدواب............................................ ٣٢٣

فهرس الموضوعات.......................................................... ٣٣١

٣٣٦