مصباح الفقيه - ج ٧

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٧

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: منبع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٦

ورد فيها الأمر بغسل من يغسّل الميّت ، مع إمكان إثبات وجوبه في مثل الفرض بالاستصحاب ، بناء على المسامحة العرفيّة في موضوعه ، كما هو التحقيق.

والحاصل : أنّ ما دلّ على وجوب الغسل بمسّ الميّت لا يدلّ على وجوبه بمسّ العضو الذي لا يصدق عليه مسّ الميّت بشي‌ء من الدلالات المعتبرة.

ولا يقاس ذلك بنجاسة الأجزاء التي اعترفنا باستفادتها من الحكم بنجاسة الميّت ، فإنّا إنّما اعترفنا بذلك في باب النجاسة بواسطة بعض المناسبات المغروسة في الذهن ، الموجبة لإلغاء مدخليّة الوصف العنواني في موضوعيّة الموضوع بشهادة العرف حيث لا يتبادر عرفا من قولنا مثلا : «الحمار ينجس بالموت» إلّا أنّ موته سبب لنجاسة أجزائه ، فيكون بمنزلة ما لو قلنا : أجزاء الحمار من حيث هي تنجس بالموت بحيث يكون كلّ جزء جزء في حدّ ذاته موضوعا مستقلّا للنجاسة.

ومنشؤه أنّ العرف لا يفهمون من نجاسة الشي‌ء إلّا قذارته شرعا ، ولا يتعقّلون مدخليّة الأوصاف الاعتباريّة في قذارة أجزائه ، فلا يرون المؤثّر في تنجيس الملاقي إلّا نفس الجزء الذي لاقاه ، فلو لاقى يد الميّت ـ مثلا ـ برطوبة مسرية ، يحكمون بسراية النجاسة من خصوص يده إلى ما لاقاه من غير مدخليّة سائر الأعضاء فيها.

وهذا بخلاف سائر الأحكام التعبّديّة المحضة التي منها وجوب الغسل بمسّه أو التيمّم بدلا منه ، فإنّه لا سبيل للعرف إلى تشخيص موضوعاتها إلّا بالتلقّي من الشرع ، فلا يعرفون أنّ وجوب الغسل في المثال مسبّب عن مسّ اليد من حيث

١٢١

هو أو بواسطة كونه مسّا للميّت ، فمتى انفصلت اليد عن جسد الميّت ولم يصدق على مسّها مسّ الميّت يشكّ في ثبوت الحكم ، فينفى بالأصل.

ولا مجال للتمسّك بالاستصحاب في إثباته ، كما قد يتوهّم ، لأنّه فرع إحراز الموضوع ، والقدر المتيقّن الذي علم ثبوته عند اتّصال اليد بالميّت إنّما هو وجوب الغسل بمسّ الميّت ، المتحقّق بمسّ يده ، وهو مفروض الانتفاء عند الانفصال ، وسببيّة مسّ يده من حيث هو لم تعلم في السابق حتّى تستصحب.

وبهذا ظهر ما في استدلاله ثانيا من أنّ الغسل يجب بمسّها متّصلة ، فلا يسقط بالانفصال ، فإنّه إن أراد بذلك وجوبه بمسّ القطعة من حيث هي لا باعتبار تحقّق مسّ الميّت بواسطتها ، فلم يساعد عليه دليل ، وإن أراد به استصحابه ، ففيه ما عرفت.

وأمّا ما ذكره ثالثا ـ من النقض بما لو مسّ جميع أجزاء الميّت متفرّقا ـ ففيه : أنّه إن صدق على مسّ الجميع عرفا مسّ الميّت ـ كما ليس بالبعيد ـ فلا نقض. وإن لم يصدق ، فلا مانع من الالتزام به بعد انحصار الدليل فيما دلّ على وجوب الغسل بمسّ الميّت المفروض انتفاؤه.

وما تراه من الاستبعاد عند مسّ الجميع منشؤه تحقّق الصدق عرفا في الفرض بملاحظة المجموع الذي وقع المسّ به ، وإلّا فلا بعد فيه أصلا.

ثمّ إنّ هذه الأدلّة على تقدير تماميّتها لا تتمّ إلّا في الجزء المبان من الميّت ، فإلحاق المبان من الحيّ به إنّما هو بضميمة عدم القول بالفصل ، كما ادّعاه

١٢٢

بعض (١) لكنّ الجزم به مع ما أشرنا إليه من إشعار المتن بالتفصيل مشكل.

اللهمّ إلّا أن يعوّل فيه على قول مدّعيه.

لكنّه في غير محلّه ، لما سمعت مرارا من عدم حجّيّة نقل الإجماع.

ومنه ينقدح ضعف الاستدلال لأصل المدّعى ـ أعني وجوب الغسل بالقطعة المشتملة على العظم مطلقا ـ بما ادّعاه الشيخ في الخلاف من الإجماع عليه (٢) ، إلّا أن يدّعى اعتضاده بظاهر غيره وبالشهرة المحقّقة وغيره ممّا يوجب الوثوق به ، ويخرجه من حدّ الإجماع المنقول بخبر الواحد.

وممّا يؤيّده أيضا استشعار الملازمة بين غسل الميّت ـ الذي عرفت في محلّه ثبوته لأجزائه المنفصلة المشتملة على العظم ـ وبين الغسل من مسّه من الأخبار الآمرة بغسل من يغسّل الميّت.

وكيف كان فعمدة المستند في المقام هي الروايتان (٣) المتقدّمتان المعتضدتان بغيرهما ممّا عرفت من المؤيّدات.

ومنه يظهر عدم وجوب الغسل بمسّ العظم أو اللحم المجرّدين ، كما هو ظاهر المتن وغيره.

__________________

(١) صاحب الجواهر فيها ٥ : ٣١٥.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ١١٨ ، الهامش (٥).

(٣) كذا بصيغة التثنية ، وتقدّم مرسل أيّوب بن نوح فقط في ص ١١٨ ـ ١١٩ ، اللهمّ إلّا أن يكون نظر المؤلّف قدس‌سره إليه مع ما في الفقه الرضوي المتقدّم أيضا في ص ١١٩.

١٢٣

فما عن بعض ـ من القول بوجوبه في العظم المجرّد (١) ـ ضعيف.

نعم ، قد يعضده رواية إسماعيل الجعفي عن الصادق عليه‌السلام أنّه سئل عن مسّ عظم الميّت ، قال : «إذا جاوز سنة فلا بأس» (٢) فإنّها تدلّ على ثبوت البأس قبل مضيّ السنة.

لكنّ الرواية ـ مع ضعفها ومهجوريّتها من حيث العمل حيث لم يقيّده القائلون به بالسنة ـ لا تخلو عن إجمال ، فإنّه لم يعلم إرادة نفي البأس عنه من حيث النجاسة أو عدم الغسل بمسّه.

ويحتمل قويّا جري القيد في الرواية مجرى العادة من خلوص العظم عن اللحم بمضيّ السنة ، فنفي البأس عنه إنّما هو لذلك ، فيكون دليلا على عكس المطلوب.

وحكي عن أبي علي تقييد وجوب الغسل بمسّ القطعة المبانة من الحيّ بما بينه وبين سنة (٣).

ولم يعرف مستنده ، والرواية المتقدّمة لا تصلح مستندة له ، كما قد يتوهّم ، لورودها في عظم الميّت دون القطعة المبانة من الحيّ.

وكيف كان فضعفه ظاهر.

__________________

(١) حكاه العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٥١٤ ، عن الدروس ١ : ١١٧ ، والذكرى ٢ : ١٠٠ ، والموجز الحاوي (ضمن الرسائل العشر) : ٥٣ ، ومسالك الافهام ١ : ١٢١ ، وغيرها.

(٢) التهذيب ١ : ٢٧٧ / ٨١٤ ، الإستبصار ١ : ١٩٢ / ٦٧٣ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب غسل المسّ ، ح ٢.

(٣) حكاه عنه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ١ : ١٥١ ، المسألة ١٠١.

١٢٤

فرع : السقط بعد ولوج الروح كغيره يجب الغسل بمسّه ، لصدق الميّت عليه.

وأمّا قبل الولوج ـ بأن كان دون الأربعة أشهر ـ فعن المفيد (١) والعلّامة في المنتهى (٢) : أنّه لا يجب الغسل بمسّه ، لأنّه لا يسمّى ميّتا ، إذ الموت إنّما يكون من حياة [سابقه] لكن صرّح ثانيهما بوجوب غسل اليد منه (٣) وقد يشكل ذلك : بأنّ المتّجه حينئذ طهارته ، إلّا أنّه حكي عن بعض عدم الخلاف في نجاسته (٤).

وربما يوجّه ذلك : بأنّ نجاسته حينئذ لا لصدق الميتة عليه ، بل لأنّه قطعة أبينت من حيّ.

واعترضه في الجواهر بقوله : وفيه ـ مع بعده في نفسه ، وعدم انصراف دليل القطعة إلى مثله ، وكونه على هذا التقدير من أجزاء الحيّ ، التي لا تحلّها الحياة إلّا على اعتبار المنشئيّة ـ أنّه لا وجه لإطلاق القول بعدم وجوب الغسل بمسّه بناء على ذلك ، بل المتّجه حينئذ التفصيل بين المشتمل على العظم منه ، وعدمه ، كالقطعة المبانة من الحيّ (٥). انتهى.

أقول : وهو في محلّه.

__________________

(١) حكاه عنه العلّامة الحلّي في منتهى المطلب ١ : ١٢٨ ، وانظر : المقنعة : ٨٤.

(٢) منتهى المطلب ١ : ١٢٨.

(٣) منتهى المطلب ١ : ١٢٨.

(٤) حكاه صاحب الجواهر فيها ٥ : ٣٤٥ عن النراقي في لوامعه.

(٥) جواهر الكلام ٥ : ٣٤٥.

١٢٥

وما ادّعاه بعض (١) من حلول حياة الأمّ فيه كغيره ممّا في بطنها من الأحشاء والأمعاء قابل للمنع ، بل هو بمنزلة البيضة في بطن الدجاجة.

لكن مع ذلك يمكن توجيه النجاسة بأنّه يستفاد من مثل قوله عليه‌السلام : «ذكاة الجنين ذكاة أمّه» (٢) قبول الجنين للتذكية ، وأنّ ما عدا المذكّى منه ميتة شرعا ، بل لا يبعد دعوى استفادة هذا المعنى من الأدلّة بالنسبة إلى مطلق اللحم المنفصل عن الحيوان ، كالخارج مع الولد وإن لم يصدق عليه اسمه في العرف ، ولذا حرم أكله ، فيدلّ على نجاسته حينئذ ما دلّ على نجاسة الميتة من كلّ شي‌ء عدا ما استثني ممّا عرفته فيما سبق.

لا يقال : إذا ثبت كونه ميتة ، يجب الغسل بمسّه إن كان فيه عظم بمقتضى مرسلة أيّوب بن نوح ، المتقدّمة (٣) حيث فرّع فيها وجوب الغسل بمسّ القطعة المبانة من الرجل على كونها ميتة.

لأنّا نقول : ليس الحكم متفرّعا على مطلق الميتة ، بل على ميتة الإنسان ، والجنين ليس منها ، بل هو ميتة تصير إنسانا.

فالقول بالتفصيل لا يخلو عن وجه ، إلّا أنّ إثبات نجاسة الميتة بالمعنى المذكور لا يخلو عن إشكال.

__________________

(١) الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٣٤٤.

(٢) سنن أبي داود ٣ : ١٠٣ ـ ١٠٤ / ٢٨٢٨ ، سنن الترمذي ٤ : ٧٢ / ١٤٧٦ ، سنن الدار قطني ٤ : ٢٧١ / ٢٤ ، و ٢٧٤ ـ ٢٧٥ / ٣٠ ـ ٣٣ ، سنن البيهقي ٩ : ٣٣٥ ، المستدرك ـ للحاكم ـ ٤ : ١١٤ ، المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ٤ : ١٦٢ / ٤٠١٠ و ٨ : ١٠٢ ـ ١٠٣ / ٧٤٩٨ ، مسند أحمد ٣ : ٣٩ ، وعن أحدهما عليهما‌السلام في الكافي ٦ : ٢٣٤ / ١ ، وعنه في الوسائل ، الباب ١٨ من أبواب الذبائح ، ح ٣.

(٣) في ص ١١٨ ـ ١١٩.

١٢٦

وكيف كان ، فلا ينبغي ترك الاحتياط فيه بالغسل فضلا عن غسل اليد ، الذي ادّعي عليه الإجماع ، والله العالم.

تنبيه : لو وجد ميّتا أو بعضا مطروحا في مقابر المسلمين أو غيرها ، فإن شهدت الأمارات الموجبة للوثوق بجريان يد مسلم عليه بتصرّفه فيه تصرّفا مترتّبا على الغسل من تكفينه أو الصلاة عليه أو دفنه ، حكم بطهارته ، وعدم الغسل بمسّه ، لكون تصرّفه من قبيل تصرّف ذي اليد فيما يتعلّق به تصرّفا مشروطا بالطهارة ، فإنّه كإخباره بالطهارة حجّة شرعيّة حاكمة على استصحاب النجاسة ، فليس مستند الحكم مجرّد حمل فعله على الصحيح من حيث كونه أصلا تعبّديّا حتّى تتطرّق فيه المناقشة بعدم اقتضائه إلّا الحكم بصحّة الفعل الذي أحرز عنوانه من حيث هو ، ولا تثبت به شرائطه التي تتوقّف صحّة الفعل عليها بعناوينها الخاصّة بحيث تترتّب عليها آثارها المخصوصة بها ، كما لو رأينا شخصا يصلّي ، فإنّا نحكم بصحّة صلاته من حيث هي ، ونرتّب على فعله أثر الصلاة الصحيحة من جواز الاقتداء به ونحوه ، لكن لا يثبت بذلك كون الجهة التي يصلّي إليها قبلة ، وكون ثيابه من غير الحرير ، أو كونه من مأكول اللحم ، أو كونه متطهّرا ، أو غير ذلك من الشرائط التي تتوقّف عليها صحّة الصلاة بحيث يكون فعله من حيث هو كالبيّنة طريقا شرعيّا لإحراز تلك الشرائط بعناوينها الخاصّة ، كما تقرّر ذلك في محلّه ، فلا يحرز الغسل ـ الذي هو من شرائط صحّة الدفن ـ بحمل الدفن على الصحيح حتّى يرفع اليد بسببه عن استصحاب النجاسة ووجوب الغسل بمسّه.

نعم ، لو أحرز مباشرة شخص لتجهيزاته من الغسل وغيره على سبيل

١٢٧

الإجمال وشكّ في صحّتها وفسادها ، حكم بصحّة الجميع.

لكنّه خلاف الفرض ، فإنّ المفروض أنّه لم يحرز إلّا خصوص الدفن ونحوه ، فلا يحرز به الغسل.

وكيف كان فلا إشكال في الحكم في الفرض.

ويكفي في إحراز كون من جرى عليه يده مسلما كونه في أرض يكون الغالب في أهلها المسلمين ، إذا الظاهر حجّيّة الغلبة في مثل المقام.

ومتى لم يحرز جريان يد مسلم عليه بمثل الدفن والكفن ونحوهما ، فمقتضى الأصل نجاسته ، ووجوب الغسل بمسّه.

وهل يحكم بوجوب تغسيله ودفنه والصلاة عليه بمجرّد احتمال كونه مسلما ، وكذا يحكم بطهارته بالتغسيل ، أم لا يحكم بشي‌ء منها إلّا بعد إحراز إسلامه ولو بكونه في أرض يكون الغالب فيها المسلمين؟ لم يحضرني لأصحابنا نصّ فيه.

والذي يقتضيه الأصل براءة الذمّة عن التكليف ، واستصحاب نجاسته بعد الغسل.

ولا يقاس ذلك بلقيط دار الحرب ، المحكوم بإسلامه مع الاحتمال ، فإنّ اللقيط إنّما يشبه ما نحن فيه قبل أن يلتقط ، والقدر المتيقّن من حكمهم بإسلامه حينئذ إنّما هو بلحاظ بعض آثاره الموافقة للأصل ، كطهارة بدنه وبقاء حرّيّته ، وإلّا فلم يعرف منهم الالتزام بوجوب تكفينه ودفنه والصلاة عليه لو مات في دار الحرب قبل أن يلتقط.

١٢٨

نعم ، بعد الالتقاط ظاهرهم التسالم على جريان أحكام المسلمين عليه.

لكنّه لا يشبه المقام ، لإمكان أن يكون منشؤه تبعيّته للمسلمين بعد اندراجه في زمرتهم من باب التوسعة والتسهيل ، أو لدخوله في ملك الملتقط في الواقع على تقدير كفر أبويه ، فيتبعه في الحكم على المشهور وإن لم يحكم به في مرحلة الظاهر ، فيعلم إجمالا بعد الالتقاط تبعيّته للمسلم على كلّ تقدير.

هذا ، مع أنّ عمدة المستند في تلك المسألة الإجماع ، فلا يقاس عليها غيرها ، وإن كان ربما يشعر بعض كلماتهم ـ كاستدلال بعضهم فيها بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الإسلام يعلو ولا يعلى عليه» (١) ـ أنّ الأصل في المشكوك حاله الإسلام ، فإنّ هذا الأصل على تقدير تسليمه أصل تعبّديّ يشكل التمسّك به لتشخيص الميّت الذي لا يتّصف بالإسلام والكفر إلّا بعلاقة ما كان.

نعم ، لو كان مستندهم في تلك المسألة عموم ما روي من أنّ «كلّ مولود يولد على الفطرة» (٢) الحديث ، اتّجه الحكم بالإسلام بمقتضى الاستصحاب ، لكنّهم لم يستندوا إليه ، بل لم يعتمدوا عليه ، فكأنّهم أعرضوا عنه.

ولعلّ وجهه ما تقرّر عندهم من تبعيّة الولد لأبويه في مرحلة الظاهر ، فلا يكون لفطرته الأصليّة ـ التي فطر عليها ـ أثر يتعلّق بكيفيّة العمل ، بل يكفي في عدم الرجوع إلى العموم إحراز تبعيّة خصوص ولد الكافر لأبويه ، إذ لا يصحّ التمسّك بالعمومات في الشبهات المصداقيّة ، وأصالة عدم التبعيّة لا أصل لها

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٢٤٣ / ٧٧٨ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب موانع الإرث ، ح ١١.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٦ ـ ٢٧ / ٩٦ ، الوسائل ، الباب ٤٨ من أبواب جهاد العدوّ ، ح ٣.

١٢٩

حيث لم يعلم له حالة سابقه.

(و) يجب (غسل اليد) مثلا دون الغسل (على من مسّ ما لا عظم فيه) من القطعة المبانة من الميّت أو الحيّ عدا ما عرفت ـ فيما تقدّم ـ استثناءه ، أو قصور أدلّة النجاسة عن شموله.

(أو مسّ ميّتا له نفس سائلة من غير الناس) إن كان المسّ برطوبة مسرية ، لا مطلقا ، وإن كان ذلك أحوط خصوصا في ميتة الإنسان ، كما عرفت تفصيل ذلك كلّه فيما سبق.

١٣٠

(الخامس : الدماء).

ونجاستها في الجملة ممّا لا شبهة فيه ، بل عن غير واحد دعوى إجماع المسلمين عليها ، بل عدّها بعض (١) من ضروريّات هذا الدين.

(و) لكن (لا ينجس منها إلّا ما كان من حيوان له عرق) بأن كان له نفس سائلة ، فما لا نفس له دمه طاهر ، كما سيأتي تحقيقه.

وأمّا ما له نفس سائلة فدمه نجس مطلقا ـ عدا ما ستعرف استثناءه ـ سواء حلّ أكله أم حرم من غير خلاف في عموم نجاسته من كلّ ذي نفس ، بل عن جملة من الأصحاب دعوى الإجماع عليه (٢).

نعم ، وقع خلاف ـ لا يعتدّ به ـ في إطلاق نجاسته من حيث القلّة والكثرة ، كما ستعرف تفصيله إن شاء الله.

__________________

(١) صاحب الجواهر فيها ٥ : ٣٥٤.

(٢) حكاه صاحب الجواهر فيها ٥ : ٣٥٤ عن تذكرة الفقهاء ١ : ٥٦ ، المسألة ١٨ ، والذكرى ١ : ١١١ ـ ١١٢ ، وروض الجنان : ١٦٣.

١٣١

واستدلّ عليه ـ مضافا إلى الإجماع ـ بقوله تعالى (إِلّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) (١).

وتماميّة الاستدلال به مبنيّ على ظهور الرجس في إرادة النجاسة ، وعود الضمير إلى كلّ واحد من المذكورات. وفي كليهما تأمّل.

لكنّ الأخبار الدالّة عليه فوق حدّ الإحصاء ، إلّا أنّ معظمها وردت في موارد خاصّة يشكل الاستدلال بها لعموم المدّعى إلّا ببعض التقريبات الآتية.

وربما يوهم كلمات جملة من الأصحاب ـ كالعلّامة وغيره ـ اختصاص النجاسة بالدم المسفوح ، وهو ـ كما في الحدائق (٢) ـ : ما انصبّ من العرق ، فإنّهم قيّدوا موضوع المسألة به.

قال في محكيّ المنتهى : قال علماؤنا : الدم المسفوح من كلّ حيوان ذي نفس سائلة ـ أي يكون خارجا بدفع من عرق ـ نجس ، وهو مذهب علماء الإسلام (٣). انتهى.

بل ربما يشعر بذلك استدلال غير واحد منهم على طهارة بعض الدماء بأنّه ليس بمسفوح.

فعن المنتهى أنّه قال في الاستدلال على طهارة دم ما ليس له نفس سائلة : بأنّه ليس بمسفوح ، فلا يكون نجسا. وألحق به الدم المتخلّف في اللحم المذكّى

__________________

(١) الأنعام ٦ : ١٤٥.

(٢) الحدائق الناضرة ٥ : ٤٤.

(٣) حكاه عنه كلّ من العاملي في مدارك الأحكام ٢ : ٢٨١ ، والبحراني في الحدائق الناضرة ٥ : ٣٩ ، وصاحب الجواهر فيها ٥ : ٣٥٤ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ١٦٣.

١٣٢

إذا لم يقذفه الحيوان ، لأنّه ليس بمسفوح.

ثمّ استدلّ في خصوص دم السمك ـ كالمصنّف في محكيّ المعتبر (١) ـ بأنّه لو كان نجسا ، لتوقّف إباحة أكله على سفحه ، كالحيوان البرّي (٢). انتهى.

لكنّ المعلوم من المذهب أعمّيّة الموضوع ، إذ لا شبهة في نجاسة مثل دم الرعاف والدماء الثلاثة ودم القروح والجروح ودم حكّة الجلد ودم الأسنان وغير ذلك ، كما يدلّ عليها الأخبار الواردة فيها بالخصوص ، بل يظهر منها كون نجاستها مفروغا منها.

فمرادهم بالدم المسفوح ـ على الظاهر ـ ما من شأنه أن يكون مسفوحا ليخرج دم ما لا نفس له ، والدم المتخلّف في الذبيحة ، إذ ليس من شأنهما أن يسفحا ، بخلاف غيرهما ممّا يخرج من ذي النفس بالحكّ ونحوه ، فإنّ من شأنه الانصباب من العرق على تقدير ذبح الحيوان.

وكيف كان فلا شبهة بل لا خلاف على الظاهر في نجاسة دم ذي النفس مطلقا ، عدا المتخلّف في الذبيحة.

ويشهد لها ـ مضافا إلى إطلاق معاقد الإجماعات المحكيّة ـ الأخبار الكثيرة ـ التي تقدّمت الإشارة إليها ـ الواردة في دم الرعاف وحكّة الجلد وغيرهما ، فإنّ المتأمّل فيها لا يكاد يشكّ في أنّ الأمر بغسل الملاقي أو غير ذلك من ترتيب آثار النجاسة في تلك الأخبار على الدماء الخاصّة التي ورد السؤال عنها

__________________

(١) الحاكي عنه هو صاحب الجواهر فيها ٥ : ٣٥٥ ، وانظر : المعتبر ١ : ٤٢١ ـ ٤٢٢.

(٢) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٥ : ٣٥٤ ـ ٣٥٥ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ١٦٣.

١٣٣

لم يكن إلّا بلحاظ كونه ملاقيا للدم من غير أن يكون لخصوصيّة كونه بواسطة حكّة الجلد أو نحوها مدخليّة في الحكم ، فيفهم من مثل هذه الروايات أنّ دم الإنسان من حيث هو ـ كعذرته ـ من النجاسات.

وكذا الكلام في سائر الحيوانات التي يستفاد من الأخبار نجاسة دمها في الجملة ، فإنّه بعد الالتفات إلى عدم مدخليّة خصوصيّة المورد ـ كما يشهد لذلك التتبّع في أحكام الدم ـ يحصل الجزم بكون دمه مطلقا ـ كالمنيّ وغيره ـ من النجاسات ، فلا يبعد أن يدّعى أنّه يفهم من الأخبار الخاصّة نجاسة مطلق دم ذي النفس ، فيجب الاجتناب عن مطلقة ، إلّا أن يدلّ دليل خاصّ على خلافه ، فيكون الأصل في دم ذي النفس النجاسة لا يعدل عنه إلّا لدليل ، كما يؤيّده بل يشهد له الأخبار الكثيرة المسوقة لبيان حكم آخر.

مثل : ما ورد جوابا عن السؤال عن حكم الدم المرئي في الثوب بعد الصلاة أو في أثنائها عند الجهل به أو نسيانه ، والدم الواقع في الماء القليل أو البئر.

مثل : ما في صحيحة زرارة ، قال : قلت له : أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شي‌ء من منيّ ، فعلّمت أثره إلى أن أصيب له الماء ، فأصبت وحضرت الصلاة ونسيت أنّ بثوبي شيئا وصلّيت ثمّ ذكرت بعد ذلك ، قال عليه‌السلام : «تعيد الصلاة وتغسله» (١).

وصحيحة ابن سنان (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «إن أصاب ثوب الرجل الدم

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٢١ / ١٣٣٥ ، الإستبصار ١ : ١٨٣ / ٦٤١ ، الوسائل ، الباب ٤٢ من أبواب النجاسات ، ح ٢.

(٢) في المصدر : «ابن سنان عن أبي بصير».

١٣٤

فيصلّي فيه وهو لا يعلم فلا إعادة ، وإن هو علم قبل أن يصلّي فنسي وصلّى فيه فعليه الإعادة» (١).

وصحيحة إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «في الدم يكون في الثوب إن كان أقلّ من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة ، وإن كان أكثر من قدر الدرهم وكان رآه ولم يغسله حتّى صلّى فليعد صلاته» (٣).

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي يقف عليها المتتبّع ، فإنّه يستفاد من مثل هذه الروايات كون نجاسة الدم من حيث هو من الأمور المعروفة لديهم ، بل لا يبعد أن يدّعى أنّا لو خلّينا وهذه الأخبار لجزمنا بنجاسة مطلق الدم حتّى دم السمك وأشباهه ، وإنّما عدلنا عن ذلك في غير ذي النفس والمتخلّف في الذبيحة ، للأدلّة الخاصّة.

لكن لا يخفى عليك أنّ هذا الأصل ـ الذي ادّعينا استفادته من مثل هذه الأخبار ـ غير مجد لإثبات النجاسة في مواقع الشكّ ، لأنّ مرجعه إلى دعوى ظهور الأخبار ـ بمساعدة القرائن الداخليّة والخارجيّة ، ومعروفيّة نجاسة هذه الطبيعة لدى السائلين ـ في عدم مدخليّة خصوصيّات الموارد في الأحكام المترتّبة على الدم من حيث النجاسة ، بل الموضوع للحكم صرف الطبيعة من حيث هي ، فهذا

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٥٤ / ٧٣٧ ، الإستبصار ١ : ١٨٢ / ٦٣٧ ، الوسائل ، الباب ٤٠ من أبواب النجاسات ، ح ٧.

(٢) في المصدر : «أبي جعفر عليه‌السلام».

(٣) التهذيب ١ : ٢٥٥ / ٧٣٩ ، الإستبصار ١ : ١٧٥ ـ ١٧٦ / ٦١٠ ، الوسائل ، الباب ٢٠ من أبواب النجاسات ، ح ٢.

١٣٥

إنّما يجدي لمن أذعن بذلك واعتقد عدم مدخليّة شي‌ء من الخصوصيّات بأن يكون مناط الحكم لديه منقّحا ، وإلّا فلو احتمل مدخليّة بعض الخصوصيّات المكتنفة به ـ كخروجه إلى ظاهر الجسد ، أو كونه من الأجزاء الأصليّة للحيوان ، دون ما إذا كان من قبيل العلقة التي يستحال إليها النطفة ـ لا ينهض مثل هذه الأخبار حجّة لحسم هذه الشبهة ، إذ ليس فيها عموم لفظي أو إطلاق معتبر يستند إليه في إثبات نجاسة المشكوك ، وإنّما استكشفنا العموم منها بطريق اللّبّ بتنقيح المناط ، واستكشاف معروفيّة نجاسة الدم من حيث هو لدى الأئمّة والسائلين على وجه كانوا يرسلونها إرسال المسلّمات ، ومن المعلوم أنّه لو كان دم العلقة ـ مثلا ـ في الواقع طاهرا ولم يتعرّض لبيانه الإمام عليه‌السلام في ضمن هذه الأخبار ، لم يرتكب قبيحا ولا مخالفة ظاهر حتّى ينافيه قاعدة الحكمة المقتضية لحمل اللفظ على ظاهره.

أمّا الأخبار الخاصّة فحالها واضح ، لأنّ التخطّي عن خصوص مواردها فضلا عن إثبات العموم بها لم يكن إلّا بالاستنباطات العقليّة لا بالدلالة اللفظيّة.

وأمّا الأخبار المطلقة المسوقة لبيان حكم آخر ـ كما هو الغالب في أخبار الباب ـ فلا يصحّ التمسّك بإطلاقها لإثبات عموم النجاسة ، فإنّ من شرط التمسّك بالإطلاق عدم كونه مسوقا لبيان حكم آخر ، وإلّا فلا ينافيه الإهمال ، كما تقرّر في محلّه.

وما قد يتوهّم ـ من أنّ دلالة المفرد المعرّف ـ أعني لفظ «الدم» ـ على العموم بالوضع لا بالإطلاق ، فلا يشترط في التمسّك بعمومه الشرط المذكور ـ وهم فاسد.

١٣٦

فظهر لك أنّه لا يصحّ التمسّك بمثل هذه الأخبار لتأسيس أصل يرجع إليه في موارد الشكّ.

لكنّ الإنصاف أنّ المتأمّل فيها وفي غيرها من الشواهد والمؤيّدات لا يكاد يشكّ في نجاسة دم ذي النفس مطلقا ، عدا ما ثبت طهارته ، أعني الدم المتخلّف في الذبيحة ، ولا أقلّ من كونها موجبة للوثوق بصدق ما ادّعاه جماعة من الإجماع على هذه الكلّيّة.

هذا ، مع أنّ مغروسيّتها في أذهان المتشرّعة من أقوى شواهد صدقها ، بل كادت تلحقها بضروريّات المذهب ، فيكون معقد إجماعهم كمتن خبر معتبر يجب الرجوع إلى عمومه في مواقع الشكّ.

وربما يدّعى أنّ الأصل في الدم مطلقا النجاسة إلّا أن يثبت خلافه ، فالدم المخلوق آية وإن لم يكن دم حيوان محكوم بنجاسته.

واستدلّ لذلك : بإطلاق بعض معاقد الإجماعات المحكيّة على نجاسة الدم مطلقا عدا دم ما لا نفس له والمتخلّف في الذبيحة.

وبإطلاق النبويّ : «يغسل الثوب من المنيّ والدم والبول» (١).

وموثّقة عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال : «كلّ شي‌ء من الطير يتوضّأ ممّا يشرب منه إلّا أن ترى في منقاره دما ، فإن رأيت في منقاره دما فلا توضّأ منه ولا تشرب» (٢).

__________________

(١) سنن الدار قطني ١ : ١٢٧ / ١ ، سنن البيهقي ١ : ١٤ ، مستند أبي يعلى ٣ : ١٨٥ ـ ١٨٦ / ١٦١١.

(٢) الكافي ٣ : ٩ ـ ١٠ / ٥ ، التهذيب ١ : ٢٢٨ / ٦٦٠ ، الإستبصار ١ : ٢٥ / ٦٤ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب الأسار ، ح ٢.

١٣٧

ولكنّك خبير بانصراف الإطلاق عن مثل الدم المخلوق آية.

وما يقال من أن منشأه ندرة الوجود فلا اعتداد به ، مدفوع : بأنّ منشأه عدم معهوديّة مثل هذا الدم ، فلا ينصرف إليه الإطلاق.

ألا ترى فرقا واضحا بين انصراف الإطلاق عن دم حيوان ذي نفس لم يعهد وجوده ، كالزرافة والعنقاء ، وانصرافه عن مثل هذا الدم ، فإنّ الأوّل انصراف بدويّ ، ولذا لا نشكّ في نجاسته ، بخلاف الثاني.

هذا ، مع أنّه لا يسمع دعوى الإجماع من مدّعيه على العموم على وجه عمّ مثل الفرض بعد ما نشاهد منهم الاختلاف في بعض الموارد لأجل التشكيك في كونه من دم ذي النفس ، بل بعض (١) نقلة الإجماع استدلّ لنجاسة دم العلقة بكونه دم ذي النفس ، فيكشف ذلك عن أنّ إطلاق كلامهم مصروف إلى دم ذي النفس.

وأمّا النبويّ : فهو ضعيف السند لم يعلم استناد الأصحاب إليه حتّى يكون جابرا لضعفه.

وأمّا الموثّقة : فهي مسوقة لبيان حكم آخر كغيرها من الأخبار المتقدّمة ، وسيأتي مزيد توضيح لذلك فيما بعد إن شاء الله.

فظهر أنّ الأظهر في مثل الدم المخلوق آية ـ كالنازل من السماء ، أو الخارج من الشجر ونحوهما ممّا لا يكون تكوّنه من الحيوان ـ الطهارة ، للأصل.

هذا ، مع أنّ في كونه مصداقا حقيقيّا للدم تأمّلا.

وأمّا دم العلقة : فلا ينبغي التأمّل في نجاسته.

__________________

(١) المحقّق الحلّي في المعتبر ١ : ٤٢٢.

١٣٨

وما عن بعض (١) ـ من التشكيك فيها ، نظرا إلى انصراف دم ذي النفس إلى غيره ممّا يعدّ من أجزائه الأصليّة ـ ضعيف ، فإنّه كدم الحيض والنفاس يعدّ عرفا من دم ذي النفس.

ولو سلّم انصراف إطلاق دم ذي النفس في معاقد الإجماعات إلى غيره ، فهو غير مجد ، فإنّ المتأمّل في كلماتهم لا يكاد يشكّ في إرادتهم العموم على وجه يشمل جميع الأفراد.

هذا ، مع ما عن الخلاف من دعوى الإجماع عليها (٢).

وأضعف من ذلك ما عن بعض (٣) آخر من التشكيك في موضوعه بإبداء احتمال كونه ماهيّة اخرى شبيهة بالدم ، فإنّه احتمال يكذّبه العرف.

وأمّا الدم الذي يوجد في البيضة ففي نجاسته تردّد ، لا لما احتمله بعض (٤) من عدم كونه دما ، فإنّه ممّا لا ينبغي الالتفات إليه بعد شهادة العرف بكونه مصداقا حقيقيّا للدم ، بل لقصور الأدلّة عن إثبات عموم يتمسّك به في المقام ، فمقتضى الأصل طهارته.

لكنّ الذي يصرفنا عن الاعتماد على الأصل غلبة الظنّ بمعهوديّة نجاسة مطلق الدم في الشريعة والتجنّب عنه مطلقا ، عدا ما ثبت طهارته ، كما يشهد بذلك سوق عبارة السائلين وأجوبة الأئمّة عليهم‌السلام في كثير من الأخبار الواردة لبيان أحكام

__________________

(١) حكاه صاحب الجواهر فيها ٥ : ٣٦٢ عن الذكرى ١ : ١١٢ ، وكشف اللثام ١ : ٤٢٠ ـ ٤٢١.

(٢) حكاه عنه الشهيد في الذكرى ١ : ١١٢ ، وانظر : الخلاف ١ : ٤٩٠ ـ ٤٩١ ، المسألة ٢٣٢.

(٣) الحاكي عنه هو صاحب كشف اللثام فيه ١ : ٤٢١ ، وانظر معالم الدين (قسم الفقه) : ٤٨٠.

(٤) راجع : معالم الدين (قسم الفقه) : ٤٨٠.

١٣٩

الدم ، ويشعر به بعض الأخبار التي ورد فيها السؤال عن حكم دم البراغيث ونحوها : كخبر محمّد بن ريّان ، قال : كتبت إلى الرجل عليه‌السلام : هل يجري دم البقّ مجرى دم البراغيث؟ وهل يجوز لأحد أن يقيس بدم البقّ على البراغيث فيصلّي فيه ، وأن يقيس على نحو هذا فيعمل به؟ فوقّع عليه‌السلام «تجوز الصلاة ، والطهر منه أفضل» (١).

وغير ذلك من الروايات التي يستشعر منها ذلك.

وإنّما رجعنا إلى حكم الأصل من غير وسوسة في مثل المخلوق آية ، لعدم معهوديّة صنفه.

وممّا يؤيّد أيضا نجاسة خصوص ما في البيضة مغروسيّتها في أذهان المتشرّعة ، فلو لم يكن القول بالنجاسة أقوى فلا ريب في أنّه أحوط.

ثمّ إنّ في المقام أخبارا ربما يستظهر منها طهارة دم الرعاف وغيره من بعض أصناف الدم ، لكنّها قابلة للتوجيه القريب.

منها : رواية جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : «لو رعفت ذورفا (٢) ما زدت على أن أمسح منّي الدم وأصلّي» (٣).

وهي مع ضعف سندها بحسب الظاهر مسوقة لبيان عدم انتقاض الوضوء

__________________

(١) الكافي ٣ : ٦٠ / ٩ ، التهذيب ١ : ٢٦٠ / ٧٥٤ ، الوسائل ، الباب ٢٣ من أبواب النجاسات ، ح ٣.

(٢) كذا في النسخ الخطّيّة والحجريّة ، وفي المصادر : «دورقا». والدورق : مكيال للشراب ، والجرّة ذات العروة. القاموس المحيط ٣ : ٢٣٠.

(٣) التهذيب ١ : ١٥ / ٣٢ ، الإستبصار ١ : ٨٤ / ٢٦٥ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب نواقض الوضوء ، ح ٤.

١٤٠