مصباح الفقيه - ج ٧

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ٧

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: منبع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٦

شعره ، ولا في لحمه ، ولا في دمه ، ولا في شي‌ء منه» (١).

وحسنة ابن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «لبن اليهوديّة والنصرانيّة والمجوسيّة أحبّ إليّ من [لبن] ولد الزنا» (٢).

إلى غير ذلك ممّا ورد في مذمّته وأنّه لا يدخل الجنّة (٣) ولا تقبل شهادته (٤) ولا تجوز إمامته (٥).

وفي الجميع نظر.

أمّا حال المؤيّدات : فواضح.

وأمّا مرسلة الوشّاء : فلا يفهم منها أزيد من كراهة سؤره ، لأنّا وإن لم نقل بأنّ الكراهة في الأخبار ظاهرة في الكراهة المصطلحة لكنّها ليست ظاهرة في خصوص الحرمة. وعطف الأنجاس على ولد الزنا لا يصلح قرينة لإرادتها بالخصوص ، كما هو واضح.

وأمّا [رواية] ابن أبي يعفور : فالمراد بها الخباثة المعنويّة المقتضية لكراهة

__________________

(١) ثواب الأعمال وعقاب الأعمال : ٣١٣ / ٩ ، وعنه في بحار الأنوار ٥ : ٢٨٥ / ٦.

(٢) الكافي ٦ : ٤٣ / ٥ ، التهذيب ٨ : ١٠٩ / ٣٧١ ، الإستبصار ٣ : ٣٢٢ / ١١٤٧ ، الوسائل ، الباب ٧٥ من أبواب أحكام الأولاد ، ح ٢ ، وما بين المعقوفين من المصادر ما عدا الوسائل.

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٣٠٠ ، الهامش (٣).

(٤) الكافي ٧ : ٣٩٥ / ٤ ، و ٣٩٦ / ٨ ، التهذيب ٦ : ٢٤٤ ـ ٢٤٥ / ٦١٠ و ٦١٢ ـ ٦١٤ ، الوسائل ، الباب ٣١ من أبواب كتاب الشهادات ، الأحاديث ١ و ٣ و ٤ و ٦.

(٥) الكافي ٣ : ٣٧٥ ـ ٣٧٦ / ١ و ٤ ، و ٧ : ٣٩٦ / ٨ ، الفقيه ١ : ٢٤٧ ـ ٢٤٨ / ١١٠٥ ، و ١١٠٦ ، الخصال : ٣٣٠ ـ ٣٣١ / ٢٩ ، التهذيب ٣ : ٢٦ ـ ٢٧ / ٩٢ ، الإستبصار ١ : ٤٢٢ / ١٦٢٦ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب صلاة الجماعة ، الأحاديث ١ و ٢ و ٤ و ٦ ، وكذا الباب ٣١ من أبواب كتاب الشهادات ، ح ٤.

٣٠١

استعمال سؤره ، كما تقدّمت الإشارة إليه في ما سبق في حكم الناصب ، لأنّ النجاسة الظاهريّة ـ على تقدير ثبوتها له ـ غير متعدّية عنه إجماعا ، كما صرّح به شيخنا المرتضى (١) رحمه‌الله.

وبهذا ظهر ضعف الاستدلال برواية حمزة ونحوها ممّا ورد فيها النهي عن غسالة الحمّام ، معلّلا بأنّ فيها غسالة الجنب وولد الزنا والناصب ، فإنّ كون اغتساله مؤثّرا في استقذار الماء في الجملة الموجب لكراهة استعماله يحسن جمعه مع غيره في مقام التعليل للنهي ، ولا يستفاد من مثل هذه الروايات كون كلّ من المذكورات من حيث هو سببا مستقلّا لحرمة الماء ونجاسته.

هذا ، مع أنّه قد يقال : إنّ المتبادر من هذه الرواية أيضا بقرينة قوله عليه‌السلام في ذيلها : «وهو شرّهم» : إرادة النهي عن سؤر المذكورات بلحاظ خباثتهم الباطنيّة المقتضية لكراهة الاستعمال ، لا النجاسة المصطلحة.

وأمّا مرفوعة سليمان كغيرها من الأخبار المذكورة مؤيّدة لهذا القول : فلا يصلح ذكرها في مقام التأييد أيضا فضلا عن الاستدلال ، إذ ليس في شي‌ء منها إشعار بنجاسته ، ضرورة أنّ المراد بها خباثته الباطنيّة التي يظهر أثرها في الآخرة ، لا النجاسة الظاهريّة.

نعم ، لا بأس بذكر مثل هذه الأخبار في مقام الاستئناس والتقريب إلى الذهن بعد إثبات المدّعى بأدلّة معتبرة ، لا في مقام التأييد للدليل الظاهر في النجاسة ، فإنّها لو لم تكن موهنة لظواهر ما يدلّ على النجاسة لا تكون مؤيّدة لها ،

__________________

(١) كتاب الطهارة : ٣٥٩.

٣٠٢

لأنّ كون الخباثة المعنويّة مؤثّرة في كراهة استعمال السؤر أقرب إلى الذهن من كونها مؤثّرة في نجاسته.

وكيف كان فالأقوى في المسألة ما هو المشهور من طهارة ولد الزنا وإسلامه ، ولا يستفاد من الأخبار إلّا خباثته المعنويّة ومرجوحيّة استعمال سؤره.

وعلى تقدير تسليم ظهورها في النجاسة فلا يستفاد منها كفره إلّا بدعوى الملازمة بينها وبين الكفر بناء على أنّ المسلم لا ينجس ، وأنّه لا واسطة بين الكفر والإسلام. وفي كلتا مقدّمتيه نظر.

وقد منع في الحدائق (١) المقدّمة الثانية ، فاختار أنّه نجس ، وله حالة غير حالتي الإيمان والكفر ، واستشهد لمدّعاه بجملة من الأخبار التي لا تخلو دلالتها عليه عن تأمّل.

ثمّ إنّ محلّ كلامهم في ولد الزنا ـ بحسب الظاهر ـ إنّما هو فيما إذا كان على تقدير عدم كونه من الزنا محكوما بإسلامه بأن كان على تقدير كونه صغيرا أبواه أو أحدهما مسلما ، فالمتولّد من الكافرين خارج من موضوع كلامهم ، فلا يبعد في الفرض الحكم بتبعيّته لهما ما لم يقرّ بالشهادتين ، ولم يخرج من حدّ التبعيّة لهما عرفا ، كما في غيره ، لإمكان دعوى أنّ مناط التبعيّة هو الولادة العرفيّة دون الشرعيّة.

وقد استظهر في محكيّ المعالم من كلام جماعة من الأصحاب نفي الخلاف في أنّ ولد الزنا من الكافرين يتبعهما في النجاسة الذاتيّة ، لأنّهم ذكروا الحكم جازمين به غير متعرّضين لبيان دليله ، كما هو الشأن في المسائل التي

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٥ : ١٩٦.

٣٠٣

لا مجال للاحتمال فيها (١).

(وفي) نجاسة (عرق الجنب من الحرام وعرق الإبل الجلّالة والمسوخ خلاف) بين أصحابنا.

أمّا الأوّل : فعن الصدوقين والإسكافي والشيخين في المقنعة والخلاف والنهاية ، والقاضي القول بنجاسته (٢) ، وربما نسب (٣) إلى المشهور بين المتقدّمين ، بل عن الخلاف دعوى الإجماع عليه (٤) ، وعن الأمالي نسبته إلى دين الإماميّة (٥) ، ووافقهم جماعة من متأخّري المتأخّرين.

لكن جملة ممّن نسب إليهم القول بالنجاسة من القدماء لم يصرّحوا بها ، بل حكموا بحرمة الصلاة في الثوب الذي أصابه العرق ، فنسبة القول بالنجاسة إليهم مبنيّة على عدم القول بالفصل ، كما هو الظاهر.

وعن الحلّي والفاضلين وجمهور المتأخّرين القول بطهارته (٦) ، بل عن

__________________

(١) حكاه عنها البحراني في الحدائق الناضرة ٥ : ١٩٧ ، وانظر : معالم الدين (قسم الفقه) : ٥٣٩.

(٢) حكاه عنهم جماعة منهم : العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ١ : ٢٠٢ ـ ٢٠٣ ، المسألة ٢٢٥ ، والشيخ حسن في معالم الدين (قسم الفقه) : ٥٥٦ ـ ٥٥٧ ، والبحراني في الحدائق الناضرة ٥ : ٢١٤ ـ ٢١٥ ، وانظر : الفقيه ١ : ٤٠ ، ذيل ح ١٥٣ ، والمقنع : ٤٣ ـ ٤٤ ، والهداية : ٩٧ ، والمقنعة : ٧١ ، والخلاف ١ : ٤٨٣ ، المسألة ٢٢٧ ، والنهاية : ٥٣ ، والمهذّب ١ : ٥١.

(٣) الناسب هو البحراني في الحدائق الناضرة ٥ : ٢١٥.

(٤) حكاه عنه الطباطبائي في رياض المسائل ١ : ٨٨ ، وانظر : الخلاف ١ : ٤٨٣ ، المسألة ٢٢٧.

(٥) حكاها عنها الطباطبائي في رياض المسائل ١ : ٨٨ ، وانظر : الأمالي ـ للصدوق ـ : ٥١٦ ، المجلس الثالث والتسعون.

(٦) حكاه عنهم البحراني في الحدائق الناضرة ٥ : ٢١٥ ، وانظر : السرائر ١ : ١٨١ ، والمعتبر ١ : ٤١٥ ، ومختلف الشيعة ١ : ٣٠٣ ، المسألة ٢٢٥.

٣٠٤

الحلّي دعوى الإجماع على طهارته ، مدّعيا أنّ من قال بنجاسته في كتاب رجع عنه في كتاب آخر (١).

واستدلّ للقول بالنجاسة بما عن الشهيد في الذكرى قال : روى محمّد بن همام بإسناده إلى إدريس بن زياد (٢) الكفرثوثي أنّه كان يقول بالوقف ، فدخل «سرّ من رأى» في عهد أبي الحسن عليه‌السلام ، وأراد أن يسأله عن الثوب الذي يعرق فيه الجنب أيصلّى فيه؟ فبينما هو قائم في طاق باب لانتظاره إذ حرّكه أبو الحسن عليه‌السلام بمقرعة ، فقال [مبتدئا] (٣) : «إن كان من حلال فصلّ فيه ، وإن كان من حرام فلا تصلّ فيه» (٤).

وعن البحار نقلا من كتاب المناقب لابن شهرآشوب نقلا من كتاب المعتمد في الأصول ، قال : قال عليّ بن مهزيار : وردت العسكر وأنا شاكّ في الإمامة ، فرأيت السلطان قد خرج إلى الصيد في يوم من الربيع إلّا أنّه صائف والناس عليهم ثياب الصيف ، وعلى أبي الحسن عليه‌السلام لبابيد (٥) وعلى فرسه تجفاف (٦) لبود وقد عقد ذنب فرسه والناس يتعجّبون منه ، ويقولون : ألا ترون إلى هذا المدنيّ وما قد فعل بنفسه؟ فقلت في نفسي لو كان إماما ما فعل هذا ، فلمّا

__________________

(١) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٦ : ٧٥ ، وانظر : السرائر ١ : ١٨١.

(٢) في المصدر : «يزداد» بدل «زياد».

(٣) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٤) الذكرى ١ : ١٢٠ ، الوسائل ، الباب ٢٧ من أبواب النجاسات ، ح ١٢.

(٥) في الحدائق الناضرة والمناقب : «لباد». والظاهر : «لبّادة» كما في البحار.

(٦) التجفاف ـ بالكسر ـ آلة للحرب يلبسه الفرس والإنسان ليقيه في الحرب. القاموس المحيط ٣ : ١٢٤.

٣٠٥

خرج الناس إلى الصحراء لم يلبثوا إذا ارتفعت سحابة عظيمة هطلت (١) ، فلم يبق أحد إلّا ابتلّ حتّى غرق بالمطر ، وعاد عليه‌السلام وهو سالم من جميعه ، فقلت في نفسي يوشك أن يكون هو الإمام ، ثمّ قلت : أريد أن أسأله عن الجنب إذا عرق في الثوب ، وقلت في نفسي إن كشف وجهه فهو الإمام ، فلمّا قرب منّي كشف وجهه ، ثمّ قال :«إن كان عرق الجنب في الثوب وجنابته من حرام لا تجوز الصلاة فيه ، وإن كانت جنابته من حلال فلا بأس به» فلم يبق في نفسي بعد ذلك شبهة (٢).

قال المحدّث المجلسي في محكيّ البحار : وجدت في كتاب عتيق من مؤلّفات قدماء أصحابنا : رواه عن أبي الفتح غازي بن محمّد الطريفي (٣) عن عليّ ابن عبد الله الميموني عن محمّد بن عليّ بن معمّر عن عليّ بن مهزيار بن موسى الأهوازيّ عنه عليه‌السلام مثله ، وقال : «إن كان من حلال فالصلاة في الثوب حلال ، وإن كان من حرام فالصلاة في الثوب حرام» (٤).

وعن الفقه الرضوي : «إن عرقت في ثوبك وأنت جنب وكانت الجنابة من حلال فتجوز الصلاة فيه ، وإن كانت حراما فلا تجوز الصلاة فيه حتّى يغسل» (٥).

__________________

(١) الهطل : المطر المتفرّق العظيم القطر ، وهو مطر دائم مع سكون وضعف. لسان العرب ١١ : ٦٩٨ «هطل».

(٢) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٥ : ٢١٨ ـ ٢١٩ ، وصاحب الجواهر فيها ٦ : ٧٢ ـ ٧٣ ، وانظر : بحار الأنوار ٨٠ : ١١٧ / ٥ ، والمناقب ٤ : ٤١٣ ـ ٤١٤.

(٣) في الحدائق والبحار : «الطرائفي».

(٤) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٥ : ٢١٩ ، وصاحب الجواهر فيها ٦ : ٧٣ ، وانظر :بحار الأنوار ٨٠ : ١١٨ / ٦.

(٥) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٥ : ٢١٧ ، وانظر : الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٨٤.

٣٠٦

ويؤيّده قول أبي الحسن عليه‌السلام في مرسلة عليّ بن الحكم ، قال : «لا تغتسل من غسالة ماء الحمّام فإنّه يغتسل فيه من الزنا ، ويغتسل فيه ولد الزنا والناصب لنا أهل البيت ، وهو شرّهم» (١).

وضعف سند الروايات مجبور بما عرفت من شهرة الفتوى بمضمونها بين القدماء ونقل إجماعهم عليه.

بل الإنصاف أنّه يحصل من مجرّد اشتهار مثل هذا الحكم بين القدماء ـ مع كونه ممّا لا يمكن أن يستند فيه إلى شي‌ء سوى رواية واردة فيه بالخصوص ، خصوصا مع كون من أفتى به مثل الصدوقين ممّن يقضي التتبع بكون فتاويه مضامين الروايات ـ الوثوق بصدور رواية بهذا المضمون.

مضافا إلى ما عن المبسوط من نسبته إلى رواية أصحابنا (٢) ، فلا ينبغي الاستشكال فيه من هذه الجهة.

وإنّما الإشكال في دلالة الروايات على المدّعى ، فإنّها لا تدلّ إلّا على المنع من الصلاة في الثوب الذي أصابه العرق ، وهو أعمّ من النجاسة المصطلحة ، لجواز أن تكون له مرتبة من القذارة مانعة من الدخول في الصلاة ، كفضلات غير المأكول ، دون النجاسة.

وتتميمها بعدم القول بالفصل لا يخلو عن تأمّل بعد ما أشرنا إليه من أنّ جملة من القدماء ـ كالصدوقين في الرسالة والفقيه والأمالي ـ لم يعبّروا في

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٢٨٧ ، الهامش (١).

(٢) حكاه عنه الشهيد في الذكري ١ : ١٢٠ ، وانظر : المبسوط ١ : ٣٨ ، وفيه نسبه إلى رواية بعض أصحابنا.

٣٠٧

فتاويهم إلّا بمضمون الروايات من حرمة الصلاة فيه ، كما أنّ الرواية الأخيرة ـ التي جعلناها من المؤيّدات ـ لا تدلّ على أزيد من تأثيره في مرجوحيّة استعمال غسالته ، وأمّا أنّه بنفسه سبب مستقلّ لنجاسته فلا ، كما نبّهنا عليه في حكم ولد الزنا ، مع أنّها على تقدير الدلالة مفادها إنّما هو نجاسة غسالته وإن خلا بدنه من العرق.

والذي يقتضيه التحقيق أنّه إن أمكن التفصيل بالالتزام بحرمة الصلاة دون النجاسة ، اتّجه القول به ، وإلّا فالمتّجه حمل هذه الأخبار على الكراهة ، فإنّ حمل مثل هذه الروايات ـ التي مرجعها إلى رواية أو روايتين صادرتين عن الهادي عليه‌السلام في مقام الإعجاز ، الذي يحسّن تفصيله أدنى فرق بين الصورتين ـ على الكراهة أهون من تحكيمها على قاعدة الطهارة ، فضلا عن التصرّف بها فيما تدلّ عليه الأخبار الآتية ، فإنّ من المستبعد نجاسة العرق ، الموجبة لتنجيس ملاقيه ، واختفاءها إلى زمان الهادي عليه‌السلام مع عموم الابتلاء به ، خصوصا مع شمول الجنابة من الحرام لوطي الحائض والاستمناء ونحوه مع تظافر الأخبار الواردة لبيان أحكام الجنب من الحلال والحرام وخلوّ الجميع عمّا يشعر بهذا الحكم حتّى الأخبار المرويّة عن الهادي عليه‌السلام حيث لم يتعرّض فيها أيضا إلّا للمنع من الصلاة ، الذي هو أعمّ من النجاسة.

نعم ، قد يستشعر ذلك من بعض الأخبار الناهية عن الاغتسال بماء الحمّام وغسالته ، كالرواية المتقدّمة (١) ، لكن لا على وجه يعتنى به ، كما أنّ في الفقه

__________________

(١) أي : مرسلة عليّ بن الحكم ، المتقدّمة في ص ٢٨٦ ـ ٢٨٧.

٣٠٨

الرضوي أيضا إشعارا بذلك حيث جعل الغسل غاية للمنع من الصلاة (١) ، فإنّه وإن لم يكن كالأمر المطلق المتعلّق بغسل الثوب في مثل قوله عليه‌السلام : «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه» (٢) ظاهرا في النجاسة ، لكنّه لا يخلو عن إشعار بذلك ، إلّا أنّه لا وثوق بكون عبائر الرضوي بعينها من ألفاظ الإمام عليه‌السلام حتّى يعتنى بمثل هذه الاستشعارات أو الاستظهارات ، لأنّ غاية ما أمكننا ادّعاؤه بالنسبة إلى الرضوي إنّما هو الوثوق بكون مضامينها متون روايات معتبرة لكن لا على وجه يوثق بكونها مصونة عن التصرّف كفتاوى عليّ بن بابويه ، التي هي متون الروايات بأدنى تصرّف ، ولا يكفي ذلك في التعبّد بظواهر ألفاظه ، كما هو واضح.

وكيف كان فاختفاء هذا الحكم إلى زمان الهادي عليه‌السلام وخلوّ الأخبار عن التعرّض له من أقوى الشواهد على عدم نجاسته.

مضافا إلى ما في جملة من الأخبار [من] (٣) التصريح بنفي البأس عن عرق الجنب من غير تفصيل بين كونه من حرام أو حلال ، بل لبعضها قوّة ظهور في الإطلاق.

كرواية عليّ بن أبي حمزة ، قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام ـ وأنا حاضر ـ عن رجل أجنب في ثوبه فيعرق فيه ، فقال : «ما أرى به بأسا» وقال : إنّه يعرق حتّى لو

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٣٠٦ ، الهامش (٥).

(٢) الكافي ٣ : ٥٧ / ٣ ، التهذيب ١ : ٢٦٤ / ٧٧٠ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب النجاسات ، ح ٢ ، والحديث عن الإمام الصادق عليه‌السلام.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

٣٠٩

شاء أن يعصره عصره ، فقطّب (١) أبو عبد الله عليه‌السلام في وجه الرجل ، وقال : «إن أبيتم فشي‌ء من ماء فانضحه [به]» (٢).

وربما يستشعر من هذه الرواية ـ كبعض الأخبار الآتية ـ معروفيّة نجاسة عرق الجنب مطلقا لدى العامّة على وجه لم يقنع السائل بإطلاق نفي البأس عنه في جوابه واستبعده فبالغ في سؤاله بحيث انزجر أبو عبد الله عليه‌السلام وقال : «إن أبيتم» إلى آخره.

ولا يخفى أنّه لو كان عرقه ـ على تقدير كون جنابته من حرام ـ نجسا ، لكان على الإمام عليه‌السلام بيانه مع إطلاق سؤاله ، ولم تكن مبالغة السائل في سؤاله موجبة لانزجار الإمام عليه‌السلام ، بل كانت مقتضية لبيان الحكم مفصّلا.

ورواية حمزة بن حمران عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا يجنب الثوب الرجل ، ولا يجنب الرجل الثوب» (٣).

ورواية عمرو بن خالد عن زيد بن عليّ عن أبيه عن جدّه عن عليّ عليهم‌السلام ، قال : «سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الجنب والحائض يعرقان في الثوب حتّى يلصق عليهما ، فقال : إنّ الحيض والجنابة حيث جعلهما الله عزوجل ليس في العرق» (٤).

__________________

(١) قطّب وجهه تقطيبا : أي عبس. الصحاح ١ : ٢٠٤ «قطب».

(٢) الكافي ٣ : ٥٢ / ٣ ، التهذيب ١ : ٢٦٨ / ٧٨٧ ، الإستبصار ١ : ١٨٥ / ٦٤٥ ، الوسائل ، الباب ٢٧ من أبواب النجاسات ، ح ٤ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) الكافي ٣ : ٥٢ ـ ٥٣ / ٤ ، التهذيب ١ : ٢٦٨ / ٧٨٨ ، الإستبصار ١ : ١٨٥ / ٦٤٦ ، الوسائل ، الباب ٢٧ من أبواب النجاسات ، ح ٥.

(٤) التهذيب ١ : ٢٦٩ / ٧٩٢ ، الإستبصار ١ : ١٨٥ / ٦٤٨ ، الوسائل ، الباب ٢٧ من أبواب النجاسات ، ح ٩.

٣١٠

وهاتان الروايتان مع ما فيهما من ترك التفصيل بين أنحاء الجنابة كأنّهما مسوقتان لرفع ما في النفوس من استقذار العرق ببيان أنّه لا مدخليّة للجنابة في قذارة العرق ، كسائر فضلات الجنب ، فيستفاد المدّعى من مثل هاتين الروايتين وإن قلنا بانصرافهما إلى إرادة الجنابة من الحلال بواسطة كونهما في قوّة التعليل والتصريح بعدم الارتباط بين أثر الجنابة والعرق.

ورواية أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن القميص يعرق فيه الرجل وهو جنب حتّى يبتلّ القميص ، فقال : «لا بأس ، وإن أحبّ أن يرشّه بالماء فليفعل» (١).

ودعوى انصراف إطلاق السؤال في هذه الروايات إلى الجنابة من الحلال على وجه يستغنى به عن الاستفصال لدى إطلاق الجواب مع عدم كون القسم المحرّم نادر الوقوع ، ممنوعة.

ألا ترى أنّ ما أراد إدريس بن زياد وابن مهزيار (٢) أن يسألا أبا الحسن عليه‌السلام في الروايات المتقدّمة الدالّة على التفصيل ليس إلّا ما سأل عنه الرواة في هذه الأخبار؟ فيكشف إطلاق الجواب في هذه الروايات المستفيضة الصادرة في مقام الحاجة في الحكم العامّ البلوى عن أنّ التفصيل الصادر عن أبي الحسن عليه‌السلام ليس على سبيل الوجوب.

اللهمّ إلّا أن يكون المقصود بهذا التفصيل خصوص المنع من الصلاة ،

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٦٩ / ٧٩١ ، الإستبصار ١ : ١٨٥ / ٦٤٧ ، الوسائل ، الباب ٢٧ من أبواب النجاسات ، ح ٨.

(٢) تقدّمت روايتاهما في ص ٣٠٥.

٣١١

لا النجاسة التي ينصرف إلى إرادتها سائر الروايات.

والحاصل : أنّ حمل هذه الأخبار على الكراهة أهون من الالتزام بالتفصيل من حيث الطهارة والنجاسة.

ويدلّ على كراهته أيضا : خبر محمّد بن عليّ بن جعفر عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام في حديث ، قال : «من اغتسل من الماء الذي اغتسل فيه فأصابه الجذام فلا يلومن إلّا نفسه» فقلت لأبي الحسن عليه‌السلام : إنّ أهل المدينة يقولون : إنّ فيه شفاء من العين ، فقال : «كذبوا : يغتسل فيه الجنب من الحرام والزاني والناصب الذي هو شرّهما وكلّ [خلق] من خلق الله ثمّ يكون فيه شفاء من العين!؟» (١) فإنّه يدلّ على كراهة سؤره مطلقا وإن كان ماء كثيرا يغتسل فيه ، فضلا عن عرقه الذي يخرج من جوفه.

فالقول بكراهته ـ كما هو المشهور بين المتأخّرين ، بل مطلقا كما ادّعاه غير واحد ـ لا يخلو عن قوّة ، ولكنّ الاحتياط لا ينبغي تركه خصوصا بالتجنّب عنه في الصلاة ، الذي عرفت أنّ القول بوجوبه تعبّدا كفضلات غير المأكول لو لم ينعقد الإجماع على خلافه لا يخلو عن وجه ، والله العالم.

وأمّا عرق الإبل الجلّالة : فعن جملة من القدماء القول بنجاسته ، بل لعلّه كان مشهورا بينهم ، كما صرّح به بعض (٢) ، ويشهد له بعض عبائرهم الآتية.

فعن المفيد في المقنعة : أنّه قال : يغسل الثوب من عرق الإبل الجلّالة إذا

__________________

(١) الكافي ٦ : ٥٠٣ / ٣٨ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب الماء المضاف والمستعمل ، ح ٢ ، وما بين المعقوفين من الكافي.

(٢) صرّح الطباطبائي في رياض المسائل ١ : ٨٩ بأنّه الأشهر بين قدماء الطائفة.

٣١٢

إصابة ، كما يغسل من سائر النجاسات (١).

وعن الشيخ في النهاية نحوه ، فقال : إذا أصاب الثوب عرق الإبل الجلّالة ، وجبت عليه إزالته (٢).

وعن القاضي (٣) موافقتهما في ذلك.

وعن ابن زهرة : وألحق أصحابنا بالنجاسات عرق الإبل الجلّالة (٤).

وعن سلّار : وعرق جلّال الإبل أوجب أصحابنا إزالته ، وهو عندي ندب (٥).

ووافقهم غير واحد من متأخّري المتأخّرين.

خلافا للحلّي والمصنّف والعلّامة في كثير من كتبه وعامّة المتأخّرين ـ عدا قليل منهم ـ على ما حكي (٦) عنهم ، للأصل ، والعمومات الدالّة على طهارة فضلات سائر الحيوانات وأسآرها ، عدا ما استثني ، المعتضدة بخلوّ ما ورد في كيفيّة استبرائها عن الأمر بالتجنّب عن عرقها ، وغير ذلك من المناسبات والدعاوي التي ادّعاها بعض من قال بطهارته ممّا لا يرجع إلى دليل يعتدّ به صالح

__________________

(١) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٥ : ٢٢١ ، وانظر : المقنعة : ٧١.

(٢) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٥ : ٢٢١ ، وانظر : النهاية : ٥٣.

(٣) الحاكي عنه هو العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ١ : ٣٠٢ ، المسألة ٢٢٥ ، وانظر :المهذّب ١ : ٥١.

(٤) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٥ : ٢٢١ ، وانظر : الغنية : ٤٥.

(٥) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٥ : ٢٢١ ، وانظر : المراسم : ٥٦.

(٦) الحاكي عنهم هو العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ١٥١ ـ ١٥٢ ، وانظر : السرائر ١ : ١٨١ ، والمختصر النافع : ١٨ ، وتحرير الأحكام ١ : ٢٤ ، وقواعد الأحكام ١ : ٧ ، ومختلف الشيعة ١ : ٣٠٣ ، المسألة ٢٢٥ ، ونهاية الإحكام ١ : ٢٧٥.

٣١٣

لمعارضة حسنة حفص بن البختري ـ بل مصحّحته ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا تشرب من ألبان الإبل الجلّالة ، وإن أصابك شي‌ء من عرقها فاغسله» (١).

ومرسلة الفقيه : نهى عن ركوب الجلّالات وشرب ألبانها ، و [قال :] (٢) «إن أصابك من عرقها فاغسله» (٣).

وصحيحة هشام بن سالم (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «لا تأكلوا لحوم الجلّالة ، وإن أصابك من عرقها فاغسله» (٥).

وقد يناقش في دلالة الصحيحة كسابقتها : بأنّ ظاهرهما عدم اختصاص الحكم بالإبل ، ولا قائل به ، عدا ما حكي (٦) عن شاذّ لا يعبأ به في مقابلة الأصحاب.

وحملها على إرادة العهد ليس بأولى من حملها على الاستحباب الذي هو مجاز شائع قد يقال بمساواته للحقيقة.

وفيه : أنّ استكشاف إرادة العهد من فتوى القدماء أقرب إلى الاعتبار من جعل الشهرة المتأخّرة قرينة لإرادة الاستحباب ، خصوصا بناء على ما هو التحقيق من عدم ظهور المفرد المعرّف في العموم إلّا بقاعدة الحكمة ، المتوقّف جريانها على إحراز عدم شيوع إرادة قسم منه حين الإطلاق ، وعدم معهوديّته لديهم ولو

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٥١ / ٢ ، التهذيب ١ : ٢٦٣ / ٧٦٧ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب النجاسات ، ح ٢.

(٢) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) الفقيه ٣ : ٢١٤ / ٩٩١ ، الوسائل ، الباب ٢٧ من أبواب الأطعمة المحرّمة ، ح ٦.

(٤) في الكافي زيادة : «عن أبي حمزة».

(٥) الكافي ٦ : ٢٥٠ / ١ ، التهذيب ١ : ٢٦٣ ـ ٢٦٤ / ٧٦٨ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب النجاسات ، ح ١.

(٦) حكاه صاحب الجواهر فيها ٦ : ٧٩ عن نزهة الناظر : ١٩.

٣١٤

بأصالة العدم.

ولا يخفى أنّ فتوى القدماء ، المعتضدة بوقوع التصريح بذكر الإبل في الحسنة أمارة ظنّيّة على إرادتها ، فيشكل معها الاعتماد على أصالة عدم المعهوديّة والشيوع لإحراز شرط الإطلاق الذي هو من أجزاء المقتضي للظهور ، خصوصا مع استلزامه إمّا مخالفة المشهور ، أو حمل الأمر على الاستحباب ، الموقوف على إحراز قرينة مانعة من إرادة الوجوب.

والحاصل : أنّ رفع اليد عن أصالة الإطلاق لدى احتمال إرادة العهد أهون من سائر التصرّفات ، كما تقرّر في محلّه.

بل قد يقال بأنّ وجود القدر المتيقّن إرادته من المطلق ـ كما فيما نحن فيه ـ بنفسه مانع من جريان قاعدة الحكمة المقتضية للحمل على العموم.

وهذا وإن لا يخلو عن نظر بل منع لكن لا في مثل المقام المستلزم لحمله على العموم تصرّفا آخر أو مخالفة المشهور.

ثمّ لو سلّم أولويّة إبقاء الصحيحة (١) على العموم وحملها على الاستحباب من الأخذ بظاهرها بالنسبة إلى القدر المتيقّن إرادته منها ، كفى دليلا لنجاسة عرق الإبل : الحسنة (٢) المتقدّمة ، وإرادة الاستحباب من الصحيحة بناء على عمومها لا تصلح قرينة لصرف الحسنة عن ظاهرها ، فإنّها أخصّ مطلقا من الصحيحة ، فيخصّص بها عمومها.

__________________

(١) أي : صحيحة هشام بن سالم ، المتقدّمة في ص ٣١٤.

(٢) أي : حسنة حفص بن البختري ، المتقدّمة في ص ٣١٤.

٣١٥

هذا ، مع أنّ القرينة المانعة من إبقاء الصحيحة على ظاهرها من الوجوب لا تصلح معيّنة لإرادة خصوص الاستحباب ، فلتحمل على إرادة القدر المشترك ، جمعا بينها وبين الحسنة.

فظهر بما ذكرنا أنّ القول بالنجاسة هو الأظهر ، بل لا ينبغي ترك الاحتياط في عرق سائر الحيوانات الجلّالة أيضا وإن كان الأقوى طهارته ، والله العالم.

وأمّا المسوخ : فقد تقدّم (١) نقل الخلاف فيه عند التعرّض لحكم الثعلب والأرنب والفأرة والوزغة (و) عرفت أنّ (الأظهر) هو (الطهارة) عينا ولعابا وسؤرا في سائر صنوف الحيوانات ، عدا الكلب والخنزير.

(وما عدا ذلك) من جميع ما ذكر من النجاسات العينيّة (فليس بنجس).

وقد حكي عن ابني الجنيد وحمزة وظاهر الصدوقين القول بنجاسة لبن الصبيّة (٢) ، لرواية السكوني عن جعفر عن أبيه أنّ عليّا عليه‌السلام قال : «لبن الجارية وبولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم ، لأنّ لبنها يخرج من مثانة أمّها ، ولبن الغلام لا يغسل منه الثوب ولا بوله قبل أن يطعم ، لأنّ لبن الغلام يخرج من العضدين والمنكبين» (٣).

وعن الفقه الرضوي ـ بعد أن أفتى بخلاف ما في هذه الرواية ـ روايتها

__________________

(١) في ص ١٦٥ وما بعدها.

(٢) حكاه عنهم العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ١ : ٣٠٢ ، المسألة ٢٢٣ ، وصاحب كشف اللثام فيه ١ : ٤٢١ ، وانظر : الوسيلة : ٧٧ ـ ٧٨ ، والفقيه ١ : ٤٠ / ١٥٧ ، والمقنع : ١٥ ، والهداية : ٧٢.

(٣) التهذيب ١ : ٢٥٠ / ٧١٨ ، الإستبصار ١ : ١٧٣ / ٦٠١ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب النجاسات ، ح ٤.

٣١٦

مرسلة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (١).

وفيه ما لا يخفى من عدم صلاحيّة مثل هذه الرواية الضعيفة ـ مع إعراض الأصحاب عن ظاهرها ، وإشعار ما فيها من التعليل بصدورها تقيّة ـ لإثبات ما فيها من الأحكام المخالفة للأصول والعمومات ، وقد تقدّم (٢) بعض الكلام فيه في بول الصبي ، ولو لا اشتمالها على التسوية بين بولي الصبيّ والصبيّة ولبنيهما ممّا لا نقول به ، لكان حملها على استحباب غسل الثوب من لبن الصبيّة ـ كما عن جمع من الأصحاب (٣) حملها عليه ـ وجيها من باب المسامحة ، فالأوجه ردّ علمها إلى أهله ، والله العالم.

وعن المصنّف التردّد في طهارة الدود ونحوه المتولّد من العذرة ، نظرا إلى استصحاب نجاسته السابقة (٤).

وفيه : ما لا يخفى بعد تبدّل الموضوع.

وربما يستدلّ لطهارته ـ مضافا إلى الأصل والعمومات الدالّة على طهارة ما لا نفس له ، وما دلّ على طهارة ميتته ، المستلزم لطهارته حيّا ببعض التقريبات المتقدّمة في محلّها ـ بخصوص خبر عليّ بن جعفر أنّه سأل أخاه عليه‌السلام عن الدود يقع من الكنيف على الثوب أيصلّى فيه؟ قال : «لا بأس إلّا أن ترى فيه أثرا فتغسله» (٥).

__________________

(١) الحاكي عنه هو البحراني في الحدائق الناضرة ٥ : ١٧ ـ ١٨ و ٢٣٢.

(٢) في ص ٢٣ وما بعدها.

(٣) الحاكي عنهم هو البحراني في الحدائق الناضرة ٥ : ٢٣٢.

(٤) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ٦ : ٨٤ ، وانظر : المعتبر ١ : ١٠٢.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٦٧ / ١٥٢٣ ، الوسائل ، الباب ٨٠ من أبواب النجاسات ، ح ١.

٣١٧

وفيه نظر ، فإنّه على تقدير عدم اشتماله على رطوبة تنتقل منه إلى الثوب ـ كما هو المفروض في مورد نفي البأس عنه ـ لم ينجس الثوب ، سواء كان الدود طاهرا أم نجسا.

وفرض كون الثوب مشتملا على رطوبة مسرية خلاف ما ينسبق إلى الذهن إرادته من مورد السؤال ، فلا يعمّه إطلاق الجواب.

وكيف كان ، فحال المسألة أوضح من دلالة هذه الرواية على حكمها.

وعن الفاضلين التردّد في الصديد (١).

وكأنّه نشأ من الجهل بحقيقته عرفا ، فإنّ المراد به ـ بحسب الظاهر ـ هو الماء الأحمر الرقيق الخارج من الجرح ، وحاله مشتبه عرفا من أنّه دم رقيق أو شي‌ء ممزوج به أو طبيعة ثالثة.

قال في المجمع : الصديد قيح ودم. وقيل : هو القيح كأنّه الماء في رقّته والدم في شكله (٢). انتهى.

فلا خفاء فيه من حيث الحكم الشرعي ، لأنّه إن صدق عليه عرفا أنّه شي‌ء ممزوج بالدم ، فهو نجس ، وإلّا فظاهر ، ومع الجهل بحاله يحكم بطهارته ، للأصل ، كغيره من الشبهات الموضوعيّة.

وما عن الشيخ في المبسوط من إطلاق القول بطهارته ـ فإنّه بعد الحكم بطهارة القي‌ء ونقل القول بنجاسته عن بعض أصحابنا قال : والصديد والقيح

__________________

(١) حكاه عنهما صاحب الجواهر فيها ٦ : ٨٤ ، وانظر : المعتبر ١ : ٤١٩ ، وتذكرة الفقهاء ١ : ٥٦ ، الفرع الثاني من المسألة ١٨.

(٢) مجمع البحرين ٣ : ٨٤ «صدد».

٣١٨

حكمهما حكم القي‌ء (١). انتهى ـ لعلّه مبنيّ على كونه طبيعة ثالثة ، أو الجهل بحاله ، وإلّا فضعفه ظاهر.

وأمّا ما أرسله الشيخ عن بعض أصحابنا من القول بنجاسة القي‌ء (٢) : فلعلّ مستنده خبر أبي الهلال قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام أينقض الرعاف والقي‌ء ونتف الإبط الوضوء؟ فقال : «وما تصنع بهذا؟ هذا قول المغيرة بن سعيد ، لعن الله المغيرة ، يجزيك من الرعاف والقي‌ء أن تغسله ولا تعيد الوضوء» (٣).

وفيه ـ بعد تسليم ظهورها في وجوب الغسل ، الكاشف عن نجاسته ـ يرفع اليد عنه بموثّقة عمّار الساباطي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : عن القي‌ء يصيب الثوب ولا يغسل ، قال : «لا بأس به» (٤).

وعن عمّار أيضا أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يتقيّأ في ثوبه يجوز أن يصلّي فيه ولا يغسل؟ قال : «لا بأس به» (٥).

تنبيه : ربما يظهر من بعض الأخبار نجاسة الحديد ، كموثّقة عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام «عن الرجل إذا قصّ أظفاره بالحديد أو جزّ من شعره أو حلق قفاه ، فإنّ عليه أن يمسحه بالماء قبل أن يصلّي» سئل : فإن صلّى ولم يمسح من

__________________

(١) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٥ : ٢٣٣ ، وانظر : المبسوط ١ : ٣٨.

(٢) المبسوط ١ : ٣٨.

(٣) التهذيب ١ : ٣٤٩ / ١٠٢٦ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب نواقض الوضوء ، ح ٨.

(٤) الفقيه ١ : ٧ / ٨ ، الوسائل ، الباب ٤٨ من أبواب النجاسات ، ح ٢.

(٥) الكافي ٣ : ٤٠٦ ـ ٤٠٧ / ١٣ ، التهذيب ٢ : ٣٥٨ / ١٤٨٤ ، الوسائل ، الباب ٤٨ من أبواب النجاسات ، ح ١.

٣١٩

ذلك بالماء؟ قال : «يعيد الصلاة (١) لأنّ الحديد نجس» وقال : «لأنّ الحديد لباس أهل النار ، والذهب لباس أهل الجنّة» (٢).

وموثّقة الأخرى عن أبي عبد الله عليه‌السلام أيضا ، قال : الرجل يقرض من شعره بأسنانه أيمسحه بالماء قبل أن يصلّي؟ قال : «لا بأس ، إنّما ذلك في الحديد» (٣).

ورواية موسى بن أكيل النميري عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في الحديد أنّه حلية أهل النار» إلى أن قال : «وجعل الله الحديد في الدنيا زينة الجنّ والشياطين ، فحرّم على الرجل المسلم أن يلبسه في الصلاة إلّا أن يكون قبال عدوّ فلا بأس به» قلت : فالرجل يكون في السفر معه السكّين في خفّه لا يستغني عنه أو في سراويله مشدود (٤) أو المفتاح (٥) يخشى إن وضعه ضاع ، أو يكون في وسطه المنطقة من حديد ، قال : «لا بأس بالسكّين والمنطقة للمسافر في وقت ضرورة ، وكذلك المفتاح إذا خاف الضيعة والنسيان ، ولا بأس بالسيف وكلّ آلة السلاح في الحرب ، وفي غير ذلك لا تجوز الصلاة في شي‌ء من الحديد ، لأنّه نجس ممسوخ» (٦).

__________________

(١) في «ض ١١» والتهذيب : قال : «يمسح بالماء ويعيد الصلاة ..».

(٢) التهذيب ١ : ٤٢٥ ـ ٤٢٦ / ١٣٥٣ ، الإستبصار ١ : ٩٦ / ٣١١ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب نواقض الوضوء ، ح ٥.

(٣) التهذيب ١ : ٣٤٥ / ١٠١١ ، الإستبصار ١ : ٩٦ / ٣١٠ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب نواقض الوضوء ، ح ٤.

(٤) في «ض ١١» والوسائل : «مشدودا».

(٥) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «مفتاح». وما أثبتناه من المصدر.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٢٧ / ٨٩٤ ، الوسائل ، الباب ٣٢ من أبواب لباس المصلّي ، ح ٦.

٣٢٠