محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي
المحقق: يوسف حسن عمر
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات مؤسّسة الصادق
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٢
«ضمير شأن مقدر فتدخل على الجمل مطلقا ، وشذ إعمالها»
«في غيره ، ويلزمها مع الفعل : السين أو سوف ، أو قد ،»
«أو حرف النفي» ؛
[قال الرضي :]
قوله : «فإن ، لا تغيّر معنى الجملة» ، أخذ في تفصيل معاني الحروف الستة ؛ فإنّ ، موضوعة لتأكيد معنى الجملة فقط ، غير مغيّرة لها ، وأنّ المفتوحة موضوعة لتكون بتأويل مصدر خبرها مضافا إلى اسمها ، فمعنى ، بلغني أن زيدا قائم : بلغني قيام زيد ، وكذا إن كان الخبر جامدا ، نحو بلغني أنك زيد ، أي : زيديّتك ، فإن ياء النسب إذا لحقت آخر الاسم وبعدها التاء أفادت معنى المصدر (١) ، نحو : الفرسيّة ، والضاربيّة والمضروبيّة ؛ وكذا بلغني أن زيدا في الدار ، أي : حصول زيد في الدار ، لأن الخبر في الحقيقة : حاصل المقدّر ؛
قوله : «ومن ثمّ وجب الكسر» ، أي من جهة عدم تغيير المكسورة لمعنى الجملة ، وتغيير المفتوحة لمعناها إلى المفرد ؛
قوله : «فكسرت ابتداء» أي مبتدأ بها ، سواء كان في أول كلام المتكلم نحو : إن زيدا قائم ، أو كان في وسط كلام ، لكنه ابتداء كلام آخر ، نحو : أكرم زيدا ، إنه فاضل ، فقولك : إنه فاضل ، كلام مستأنف ، وقع علة لما تقدمه ، ومنه قوله تعالى : (وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ ؛ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً)(٢) ، وكذا تكسر بعد القول ، إذا قصدت به الحكاية ، لا الاعتقاد ، الشامل للعلم ، والظن ، فإنها تفتح ، إذن ، كما تفتح بعد الظن والعلم ؛ وإنما كسرتها بعد القول بمعنى الحكاية ، لأنه ابتداء الكلام المحكيّ ؛ وكسرت
__________________
(١) ويسمّونه المصدر الصناعي ، وهو قليل في الكلام العربي القديم ؛ مثل : الجاهلية ،
(٢) الآية ٦٥ سورة يونس ؛
بعد الموصول لأن الصلة لا تكون إلا جملة ، نحو : أكرمت الذي انه فاضل ، قال تعالى : (.. ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ)(١) ، وكذا كسرت في جواب القسم ، لأنه جملة لا محالة ، نحو : بالله إنك قائم ، وقد تفتح «انّ» في جواب القسم عند المبرد والكوفيين ، إذا لم يكن في خبرها اللام ، ولعلّ ذلك لتأويلهم لها بالمفرد ، أي أقسمت بالله على قيامك ، وفيه بعد ؛ إذ لا يقع المفرد الصريح جوابا للقسم ؛
وتكسر أيضا ، إذا كانت حالا ، نحو : لقيتك وإنك لراكب ، قال تعالى : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ)(٢) ، لأن الجملة تقع حالا ، ولا دليل على كونها في تأويل المفرد ، كما مرّ ؛
فإن قلت : أفتحها لتكون بتأويل المصدر ، فإن المصدر أيضا ، يقع حالا ؛
قلت : ذلك إذا كان صريح المصدر ، لا المؤوّل به ؛
وتكسر ، أيضا ، إذا كانت في موضع خبر عن اسم عين ، نحو : زيد إنه قائم ، وكان عمرو إنه قائم ، إذ لا دليل على أن الجملة إذا كانت خبر للمبتدأ ، في تأويل المفرد ؛
وأمّا إذا كان المبتدأ حدثا ، جاز (٣) فتح «ان» في الخبر ، نحو : مأمولي انك قائم ،
وتكسر أيضا إذا دخلت في مبتدأ ، في خبره لام الابتداء ، فإنها لا تجامع إلا المكسورة ، لأن وضع لام الابتداء لتأكيد مضمون الجملة ، كإن المكسورة ، فهما سواء في المعنى ؛
قوله : «وفتحت فاعلة» ، نحو : بلغني أنك قائم ، لأن الفاعل لا يكون إلا مفردا ، وكذا المفعول به نحو : علمت أنك قائم ، أي : علمت قيامك ، وكذا المبتدأ ، نحو : عندي أنك قائم ، وكذا المضاف إليه ، نحو : فعلت هذا كراهية أنك قائم ، وكذا المجرور
__________________
(١) من الآية ٧٦ سورة القصص ؛
(٢) من الآية ٢٠ سورة الفرقان ؛
(٣) هذا الاستعمال في كلام الرضي ، حيث يجوز جواب أما من الفاء وكان أسهل عليه أن يقول : وان كان المبتدأ حدثا : جاز .. الخ
بحرف الجر ، نحو : عجبت من أنك قائم ؛
قوله : «وقالوا لو لا أنك» ، هو جواب سؤال مقدر ، وهو : أن لو لا تدخل على الجملة الاسمية فوجب كسر «إن» ، فأجاب بأن الجملة بعدها لا يجوز إظهار جزأيها ، كما تقدم في باب المبتدأ ، بل يجب حذف الخبر ، فلو كسرنا «انّ» ، لكان خبر الاسمية ظاهرا غير مقدر ، ولا يجوز ، ففتحناها لتكون «أن» مع جزأيها في موضع المبتدأ ، والخبر محذوف ؛
وأمّا على مذهب الفراء ، ومذهب الكسائي في رفع الاسم الواقع بعد «لولا» كما ذكرنا في باب المبتدأ ، ففتح «أن» ظاهر (١) ؛
قوله : «ولو أنك ، لأنه فاعل» ، يعني أن «لو» حرف شرط ، فلا بدّ من دخولها على الفعل ، فلو كسرنا «ان» ، لكانت داخلة على الاسمية ، ولا يجوز (٢) ، ففتحناها لتكون مع ما في حيّزها فاعل فعل مقدّر ، وهو ثبت ، كما مرّ في باب الفاعل (٣) ، وسيجيء في حروف الشرط ؛
وكذا يلزم فتحها بعد «ما» التوقيتية ، نحو : اجلس ما أنّ زيدا قائم ، لأنها لا تدخل إلا على الفعل ، وذلك أنها مصدرية ، ويندر دخولها على الاسمية ، كما يجيء ، فالتقدير : ما ثبت أن زيدا قائم ، كما في : لو أنك قمت ، سواء (٤) ؛
قوله : «فإن جاز التقديران» ، أي تقدير الجملة وتقدير المفرد ، جاز الأمران ، أي فتح «أن» وكسرها ، وذلك في مواضع :
بعد فاء الجزاء ، نحو : من يكرمني فإني أكرمه ، الكسر بتأويل فأنا أكرمه ، والفتح
__________________
(١) انظر تفصيل ذلك في الجزء الأول ، من آخر باب المبتدأ أو الخبر ؛
(٢) يعني : وذلك لا يجوز ؛
(٣) في الجزء الأول ؛
(٤) أي هما سواء على ما اختاره الرضي في مثل ذلك ؛
على أن «أنّ» مع ما في حيّزها مبتدأ محذوف الخبر ، أي : فإكرامي له ثابت ؛
وكذا بعد «إذا» المفاجأة ، كقوله :
٨٣٠ ـ وكنت أرى زيدا كما قيل سيّدا |
|
إذا انه عبد القفا واللهازم (١) |
أي : انه عبد قفاه ، أي لئيم القفا ، يعني «صفعان» (٢) ، واللهزمتان : عظمان ناتئان في اللحيين تحت الأذنيين ، جمعهما الشاعر بما حولهما ، كقولك : جبّت مذاكيره ؛ فالكسر على تأويل : إذا هو عبد القفا ، والفتح على تأويل : فإذا عبودية قفاه ثابتة ؛
وكذا إذا وليت «إن» : الواو ، بعد قولك «هذا» أو «ذاك» تقريرا للكلام السابق ، قال تعالى : (ذلِكُمْ وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ)(٣) ، فذلكم خبر مبتدأ محذوف ، و «انّ» عطف على هذا الخبر ، أي : الأمر ذلك ، والأمر أيضا أن الله موهن ، وإن كسرت ، فعلى عطف «إن» مع جزأيها على الجملة المتقدمة المحذوف أحد جزأيها ، قال :
٨٣١ ـ إني إذا خفيت نار لمرملة |
|
ألفى بأرفع تلّ رافعا ناري (٤) |
ذاك ، وإني على جاري لذو حدب |
|
أحنو عليه بما يحنى على الجار |
فهو مثل قوله تعالى : (ذلِكَ ، وَمَنْ عاقَبَ ..)(٥) الآية ، فالجملة الاسمية في الآية عطف على الجملة المتقدمة ؛
__________________
(١) من الأبيات التي لم يعرف لها قائل ، وهو من سيبويه ج ١ ص ٤٧٢ ؛ ولذلك لا يعرف من المراد بزيد ، وقد شرح الرضي بقية ألفاظ البيت ؛ وفي العيني : أن قوله عبد اللهازم كناية عن أنه عبد بطنه ؛
(٢) في اللسان : رجل مصفعاني ، أي يصفعه الناس ، وفي تاج العروس : وكذلك رجل صفعان ، ثم نقل عن الجوهري أن الصفع كلمة مولّدة ؛
(٣) الآية ١٨ سورة الأنفال ؛
(٤) المراد بالمرملة بضم الميم الأولى وكسر الثانية : الجماعة التي نفد زادها كأنه مأخوذ من الرمل ، كما يقال ترب الرجل أي افتقر بمعنى لصقت يده بالتراب والبيتان منسوبان إلى الأحوص الأنصاري ، وهما في سيبويه ج ١ ص ٤٦٣ وقبلهما قوله :
عودّت قومى إذا ما الضيف نبهني |
|
عقر العشار على عسري وإيساري |
(٥) الآية ٦٠ سورة الحج ؛
وكذا إذا وليت نحو : أوّل قولي ، وأوّل كلامي .. فالفتح على أن «قولي» مصدر مضاف إلى فاعله ، وليس بمعنى المقول ، والتقدير : أول قولي أي أقوالي : حمد الله ، فلم يجمع لأن المصدر لا يجمع إلا مع قصد الاختلاف ؛ فيكون قد أخبر بالمصدر عن المصدر ؛ والكسر على أن «قولي» بمعنى «مقولي» أي أول مقولاتي ، فلم يجمع مع أنه بمعنى المفعول ، مراعاة لأصل المصدر ، والمعنى : أول مقولاتي هذا المقول وهذا الكلام وهو : إني أحمد الله ، فيكون قد قال كلاما أوله إني أحمد الله ، ثم أخبر عن ذلك ، كما تقول في أول السورة : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)(١) ، وقال عليه الصلاة والسّلام «أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي : لا إله إلّا الله» ؛
ولا يكون قوله : إني أحمد الله ، معمولا للفظة قولي ؛ كيف ، وليس هو بمعنى المصدر بل بمعنى المقول ، فهو كقولك : مضروبي زيد ، فزيد مضروب من حيث المعنى ، وليس معمولا لمضروبي ؛
وقال أبو علي (٢) : قولي مصدر مضاف إلى الفاعل ، و : إني أحمد الله ، بالكسر مفعوله ، وخبر المبتدأ محذوف ، أي : أول قولي ونطقي بهذا الكلام : ثابت ؛
وردّه المصنف أحسن ردّ ، وذلك أن أفعل التفضيل بعض ما يضاف إليه ، فيكون لنطقه بهذا الكلام أجزاء : أول ووسط وآخر ، والجزء الأول باعتبار كلماته الثلاث : تلفظه بلفظ «إني» ، وباعتبار الحروف : تلفظه بهمزة «إني» ، فيكون المعنى : إذا صرّحنا به : تلفظي باني ، أو بهمزة اني : ثابت ، وهو خلف من الكلام ، وغير مقصود به للمتكلم ؛
ويجوز الوجهان بعد «أما» ، فإن فتحت ، فأما بمعنى : حقّا ، تقول : أحقا أنك قائم ، فأن ، فاعل ، أي : أحقّ ذلك حقا ، أو نقول : حقا ، في معنى الظرف ، أي :
__________________
(١) البسملة جزء من الآية ٣٠ في سورة النمل بالاتفاق وفي أوائل السور مختلف فيها ؛
(٢) أي الفارسي وتكرر ذكره ؛
أفي حق ، فيكون ، «أنّ» امّا فاعلا أو مبتدأ ؛ على المذهبين ، كما مرّ في باب المبتدأ ، قال :
٨٣٢ ـ ألا أبلغ بني خلف رسولا |
|
أحقّا أنّ أخطلكم هجاني (١) |
ودليل كونه في معنى الظرف قوله :
٨٣٣ ـ أفي حق مواساتي أخاكم |
|
بما لي ثم يظلمني السريس (٢) |
فهو كقوله :
أحقا بني أبناء سلمى بن جندل |
|
تهدّدكم إياي وسط المجالس (٣) ـ ٦٤ |
وإن كسرت ، فأما ، حرف استفتاح ، كألا ، تقول : أما إنك قائم ، قال تعالى : (أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ)(٤) ، وتقول أيضا ، أما والله أنه ذاهب ، أي : أفي حق والله أنه ذاهب ، أي ذهابه ، و : أما والله انه ذاهب كأنك قلت ألا إنه والله ذاهب ؛
و «حتى» إن كانت ابتدائية ، وجب كسر «إنّ» بعدها ، وإن كانت جارّة ، أو عاطفة للمفرد فالفتح ، نحو : عرفت أمورك حتى أنك صالح ، وعجبت من أحوالك حتى أنك تفاخر ؛
ولا يجوز كسر «ان» بعد مذ ، ومنذ ، وإن جاز وقوع الجملة والمفرد بعدهما نحو : ما لقيتك مذ زيد قائم ومذ قيام زيد ، رفعا وجرّا ، لأن الجملة بعدهما مضاف إليها ، كما
__________________
(١) بنو خلف هم رهط الأخطل التغلبي ، وكانت بينه وبين النابغة الجعدي مهاجاة ، فقال النابغة فيه ذلك ، كأنه يقول : انه لا يصدق إقدام الأخطل على هجائه ؛
(٢) لأبي زبيد الطائي ، والسريس معناه الضعيف ، أو الرجل الذي لم تكتمل رجولته ، وفسره بعضهم بالعنّين ، وهو يعاتب أخواله بني تغلب الذين ظلموه ولم يردوا إليه ما أخذوه منه وبعده :
فما أنا بالضعيف فتظلموني |
|
ولا حظي اللّقاء ولا الخسيس |
: اللقاء القليل ؛
(٣) تقدم الاستشهاد به في باب المبتدأ والخبر في الجزء الأول ؛
(٤) الآية ٦٠ سورة هود ؛
مرّ ، في باب الظروف المبنية (١) ؛
والغالب بعد «لا جرم» : الفتح ، قال تعالى : (لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ)(٢) ، فلا ، إمّا ردّ للكلام السابق ، على ما هو مذهب الخليل ، أو زائدة ، كما في : لا أقسم ، لأن في جرم معنى القسم ؛
وجرم ، فعل ماض عند سيبويه والخليل (٣) ، وقال سيبويه ، معنى جرم : حقّ ، فأنّ فاعله ؛ واستشهد بقوله :
٨٣٤ ـ ولقد طعنت أبا عيينة طعنة |
|
جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا (٤) |
برفع فزارة ، وأن يغضبوا : بدل اشتمال منها ؛ أي : حقّ غضب فزارة بعدها ؛ وقال الفراء : بل الرواية : جرمت فزارة ، بنصب فزارة ، أي : كسبت الطعنة فزارة الغضب ، أي : جرمت لهم الغضب ، كقوله تعالى : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ ..)(٥) ، أي : لا يجرمنّ لكم ، وبمثله فسرّ بعضهم الآية ، أي : جرم كفرهم : أن لهم النار ، فأن مفعول جرم ؛
وقال الفراء : هي ، أي لا جرم ، كلمة كانت في الأصل بمعنى : لا بدّ ، ولا محالة ، لأنه يروى عن العرب : لا جرم ، والفعل والفعل (٦) ، يشتركان في المصادر ، كالرّشد والرّشد ، والبخل والبخل ؛ والجرم : القطع ، أي : لا قطع من هذا ، كما أن : لا بدّ ، بمعنى : لا قطع ؛ فكثرت وجرت على ذلك حتى صارت بمعنى القسم للتأكيد الذي فيها ، فلذلك تجاب بما يجاب به القسم فيقال : لا جرم لآتينّك ، ولا جرم لقد أحسنت ، ولا
__________________
(١) في الجزء الثالث ؛
(٢) من الآية ٦٢ في سورة النحل ؛
(٣) تفصيل الكلام على : لا جرم في سيبويه ج ١ ص ٤٦٩ وفيه الشاهد الآتي ؛
(٤) في سيبويه ج ١ ص ٤٦٩ نسبة للغزاري ، ولم يزد الأعلم على أن قال : انه لرجل من فزارة ؛ ولم يعرف المراد من قوله : أبا عيينة ؛
(٥) في الآيتين : ٢ ، ٨ من سورة المائدة ؛
(٦) يعني المصدرين اللذين على هذين الورقتين ؛
جرم انك قائم ، فمن فتح ، فللنظر إلى أصل : لا جرم ، كما تقول : لا بدّ أن تفعل كذا ، ولا محالة أنك تفعل كذا ، أي من أن تفعل ، ومن أنك تفعل ، ومن كسر ، فللمعنى العارض في لا جرم (١) ؛
وحكى الكوفيون فيها عن العرب وجوها من التغيير : لا جر ، بإسقاط الميم ، و :
لا ذا جرم ، بزيادة «ذا» ، و : لا ذا جر ، بغير ميم ، و : لا أن ذا جرم ، و : لا عن ذا جرم ، وأن : زائدة ، وعين «عن» بدل من الهمزة كما في قوله :
٨٣٥ ـ أعن ترسّمت من خرقاء منزلة |
|
ماء الصبابة من عينيك مسجوم (٢) |
وتقول : شدّ ما أنك ذاهب ، وعزّ ما أنك قائم ، بالفتح ، فشدّ ، وعزّ ، فعلان مكفوفان بما ، كقلّما ، وطالما ؛ وهما بمعنى «حقا» ، فمعنى شدّ ما أنك قائم : حقا أنك قائم ، أي : في حق ، الّا أن «في» لا تدخل على : شدّ ، وعزّ ، لكونهما في الأصل فعلين ، ويجوز أن يكون «ما» اسما معرفة تامّة ، كما هو مذهب سيبويه (٣) في : نعمّا صنيعك ، وبئسما عملك ، أي : نعم الصنيع صنيعك ، وبئس العمل عملك ، وقد ذكرنا أن جميع باب فعل مضموم العين ، يجوز استعماله استعمال نعم وبئس ؛
وتقول : زيد فاسق ، كما أنّ عمرا صالح ، ليس «ما» ههنا كافة ، كما كانت في قولك : زيد صديقي ، كما عمرو أخي ، ولو كانت كافة ، لوجب كسر «انّ» ، ولا يجوز إلا الفتح ؛
فقال الخليل : «ما» زائدة ، و «أنّ» مجرور بالكاف ، ودليل زيادتها قولهم : هذا حق مثل ما أنك ههنا ؛ لكنهم ألزموا الكاف مع أنّ ، هذه الزيادة ، كراهة أن يجيء لفظها مثل «كأنّ» ؛
__________________
(١) المراد : ما عرض لها من استعمالها استعمال القسم ؛
(٢) مطلع قصيدة لذي الرمة ، وخرقاء ، لقب كان يطلقه على ميّ التي يذكرها في قصائده ؛ ومسجوم أي منسكب ؛ والمراد بماء الصبابة : الدمع ؛
(٣) وهو أن «ما» معرفة تامة ، وتقدم ذلك في باب أفعال المدح والذم ؛
ومعنى زيد فاسق كما أن عمرا صالح : أي هذا صحيح كصحة ذاك ؛
وتقول : حقا أنك ذاهب ، وجهد رأيي أنك قائم ، بالفتح لا غير ، لأن المعنى : في حق ، وفي جهد رأيي ؛ وإذا جئت بأمّا فقلت : أمّا حقا فإنك ذاهب ، وأمّا جهد رأيي فإنك قائم ، فالكسر هو الوجه ، لأنك لم تضطرّ مع «أمّا» إلى جعل الظرفين خبرين لأنّ ، كما كنت مضطرّا إليه من دون أمّا ، وذلك لأن معمول ما في حيّز «إن» يتقدم عليها مع «أمّا» ، لما يجيء في حروف الشرط ، نحو : أما يوم الجمعة فإنك سائر ، وأمّا زيدا فإنك ضارب ولا يتقدّم عليها من دون «أمّا» ، فاضطررت إلى فتح «أن» وجعل الظرف المتقدم خبرا ،
قال سيبويه (١) : يجوز : أمّا في رأيي فأنك ذاهب بالفتح ؛ والوجه الكسر ، لأنك غير مضطر إلى فتحها ؛
وتقول : أمّا في الدار فإنك قائم بالكسر ، إذا قصدت أن قيام المخاطب حاصل في الدار ، وأمّا إن أردت أن : في الدار هذا الحديث وهذا الخبر فإنه يجب الفتح ؛
والتعريف (٢) المذكور ، أعني : الفتح في مواضع المفردات ، والكسر في مظانّ الجمل ، أولى من تعريف أبي علي : «كل موضع يصلح للاسم والفعل فالكسر ، وكل موضع تعيّن لأحدهما فالفتح» ، لأن ما بعد فاء الجزاء يجوز فيه الفعل والاسم ، كقوله تعالى : (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ)(٣) ، ولا يتعيّن الكسر فيه ، وأيضا ، ما بعد إذا المفاجأة ، يتعيّن للاسم ولم يتعيّن فيه الفتح ؛
__________________
(١) في الكتاب ، ج ١ ص ٤٦٩ ؛ وفي هذا الموضع من الكتاب كثير مما ذكره الشارح هنا ؛
(٢) يقصد الضابط الذي تعرف به مواضع كل من الفتح والكسر ؛
(٣) الآية ٩٥ سورة المائدة ؛
[العطف على اسم إن]
[وأخواتها]
قوله : «ولذلك جاز العطف .. إلى آخره» ، يعني : ولأجل أن «إن» المكسورة لا تغيّر معنى الجمل ، كان اسمها المنصوب في محل الرفع ، لأنها كالعدم ، إذ فائدتها التأكيد فقط ، فجاز العطف على محل ذلك الاسم بالرفع ؛
ثم اعلم أنه تختلف عبارتهم في ذلك ؛ يقول بعضهم ، كما قال المصنف : يعطف على اسم «إن» المكسورة بالرفع ؛ وبعضهم يقول : على موضع «ان» مع اسمها ، كما قال الجزولي (١) ؛
وكأنّ الأوّل نظر إلى أن الاسم هو الذي كان مرفوعا قبل دخول «إنّ» ، ودخولها عليه كلا دخول ، فبقي على كونه مرفوعا ، لكن محلّا ، لاشتغال لفظه بالنصب ، فانّ ، كاللام في : لزيد ، ولا شك أن المرفوع فيه هو زيد وحده ، لا الاسم مع الحرف الداخل عليه ، فكذا ينبغي أن يكون الأمر مع «إن» ؛
ومن قال : على موضعها مع اسمها نظر إلى أن اسمها لو كان وحده مرفوع المحل ، لكان وحده مبتدأ ، والمبتدأ مجرد عن العوامل عندهم ، واسمها ليس بمجرد ؛
والجواب أنه باعتبار الرفع مجرد ، لأن «إنّ» كالعدم ، باعتباره ، وإنما يعتدّ بها إذا اعتبرت النصب ، ويشكل عليه ، بأن «إنّ» مع اسمها ، لو كانت مرفوعة المحل ، لكانت مع اسمها مبتدأة ، والمبتدأ : هو الاسم المجرد على ما ذكرنا ، وهي مع اسمها ، ليست اسما مجردا ؛
فالأولى أن يقال : العطف بالرفع ، على اسمها وحده ؛ وقد ذكرنا في باب الابتداء (٢) طرفا من هذا ؛
__________________
(١) تكرر ذكره في هذا الشرح ؛
(٢) باب المبتدأ والخبر في الجزء الأول من هذا الشرح ؛
قوله : «لفظا أو حكما» راجع إلى المكسورة ، فالمكسورة لفظا نحو : إن زيدا قائم وعمرو ، والمفتوحة التي في حكم المكسورة ، نحو : علمت أن زيدا قائم وعمرو ، فانّ ، ههنا مع اسمها وخبرها ، وإن كانت في تقدير المفرد من جهة أن المعنى : علمت قيام زيد ، لكنها في تقدير اسمين ، إذ «أن» مع اسمها وخبرها سادة مسدّ مفعولي علمت ، كما أن «إن» المكسورة مع جزأيها بتقدير اسمين ، أي المبتدأ والخبر ، فحكم المفتوحة بعد فعل القلب : حكم المكسورة في قيامها ، مع ما في حيّزها مقام الاسمين ؛
وفيما قال المصنف ، مع هذا التحقيق البالغ ، والتدقيق الكامل : نظر ، وذلك لأنا بعد تسليم أن المفتوحة مع ما في حيزها ، بتقدير اسمين ، نقول : ان ذينك الاسمين بتقدير المفرد ، فعلمت أن زيدا قائم ، بتقدير : علمت زيدا قائما ، وعلمت زيدا قائما بتقدير : علمت قيام زيد ، كما مرّ في أفعال القلوب ؛ فكونها بتقدير اسمين ، لا يخرجها عن كونها مع جزأيها بتقدير المفرد ، إذ ، ذانك الاسمان بتقدير الاسم المفرد ، أعني المصدر الذي : ذانك الاسمان المنصوبان مؤوّلان به ،
وإنما دعا المصنف إلى هذا التكلف : أنه رأى سيبويه مستشهدا (١) على العطف على محل اسم «ان» المكسورة بقوله تعالى : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ ، أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ)(٢) ، و : أذان ، بمعنى : إعلام ، وكذا استشهد سيبويه (٣) بقوله :
٨٣٦ ـ وإلّا فاعلموا أنا وأنتم |
|
بغاة ما بقينا في شقاق (٤) |
على العطف على محل اسم المكسورة ، بتقدير حذف الخبر من الأول ، والتقدير : أنا
__________________
(١) جاء ذلك في سيبويه ج ١ ص ٢٨٥ ؛
(٢) الآية ٣ سورة التوبة ؛
(٣) في الجزء الأول ص ٢٩٠ ؛
(٤) نسبه في سيبويه ج ١ ص ٢٩٠ إلى بشر بن أبي خازم. والبغاة : جمع باغ والمراد به : الساعي في الفساد. أو المتسبب في حصوله ؛
بغاة ، وأنتم بغاة ؛ فلولا أن المفتوحة بعد فعل القلب في حكم المكسورة لما صحّ منه الاستدلال المذكور ؛
وبعض النحاة ، لما رأى سيبويه يستشهد للمكسورة بالمفتوحة ، قال : إن المفتوحة حكمها مطلقا حكم المكسورة ، في جواز العطف على محل اسمها بالرفع ، لأنهما حرفان مؤكدان ، أصلهما واحد ، فيجوّز العطف بالرفع في نحو : بلغني أن زيدا قائم وعمرو ؛
والسيرافي (١) ، ومن تابعه ، لم يلتفتوا إلى استدلال سيبويه ، وقالوا : لا يجوز العطف بالرفع على محل اسم المفتوحة مطلقا ، إذ لم يبق معها الابتداء ، بل هي مع ما في حيّزها في تأويل اسم مفرد ، مرفوع أو منصوب أو مجرور ، كما ذكرنا ، فاسمها كبعض حروف الكلمة ؛
ونظر أبي سعيد (٢) : صحيح ، فنقول : إن قوله تعالى : «ورسوله» عطف على الضمير في «بريء» ، وجاز ذلك بلا تأكيد بالمنفصل ، لقيام الفصل بقوله : من المشركين ، مقام التأكيد ؛ أو نقول : رسوله مبتدأ خبره محذوف أي : ورسوله كذلك ، والواو اعتراضية ، لا عاطفة ؛ ونقول في قوله :
والا فاعلموا أنا وأنتم |
|
بغاة ما بقينا في شقاق (٣) ـ ٨٣٦ |
ان : ما بقينا في شقاق ، خبر «أنا» وقوله : وأنتم بغاة ، جملة اعتراضية لكن لا يتم لنا مثل هذا في قوله :
٨٣٧ ـ ولا أنا ممّن يزدهيه وعيدكم |
|
ولا أنني بالمشي في القيد أخرق (٤) |
بعد قوله :
٨٣٨ ـ فلا تحسبن أني تخشعت بعدكم |
|
لشيء ولا أني من الموت أفرق (٥) |
__________________
(١) شارح كتاب سيبويه وتكرر ذكره ؛
(٢) كنية السيرافي المتقدم ذكره ؛
(٣) البيت المتقدم قريبا ؛
(٤ و ٥) هذان البيتان من قصيدة واحدة ، وثانيهما مقدم على أولهما في القصيدة ، وهي من شعر جعفر بن ـ
لأن قوله : ولا أنني بالمشي في القيد أخرق ، عطف على : أني تخشعت ، فلو جعلنا قوله : ولا أنا ممن يزدهيه وعيدكم ، جملة اعتراضية ، لكانت «لا» داخلة على معرفة بلا تكرير ، ولا يجوز ذلك إلا عند المبرد ؛
ولو روي : ولا انني بالمشي في القيد ، بالكسر ، لارتفع الاشكال وكان قوله : ولا أنا ممّن يزدهيه ، مستأنفا ، و «لا» مكررة ؛
وحكم «لكنّ» في جواز العطف على محل اسمها : حكم «ان» المكسورة ، خلافا لبعضهم ، قال سيبويه (١) بعد ذكره جواز العطف على محل اسم «إن» بالرفع : لكنّ ، الثقيلة في جميع الكلام بمنزلة «ان» ، يعني في جواز العطف المذكور ، وتفارقها في أن اللام لا تدخل على ما في حيّزها ، دون «إن» ، كما يجيء ؛
وإنما كانت «لكن» مثل «إنّ» ، لأن معنى الابتداء بعدها لم يزل ، لأن الاستدراك في الحقيقة معنى راجع إلى ما قبله ، لا إلى ما بعده ، إذ هو حفظ الكلام السابق ، نفيا كان ، أو إثباتا ، عن أن يدخل فيه الاسم المنتصب بلكنّ ، فقولك ، ما قام زيد لكنّ عمرا قائم ، حفظت فيه عدم القيام عما توهّم من دخول عمرو فيه ، وكذا في : قام زيد ، لكنّ عمرا لم يقم ؛
وأجاز الفراء رفع المعطوف على اسم «كأنّ» ، و «ليت» ، و «لعلّ» أيضا ، لكونه في الأصل مبتدأ ، ومنعه غيره ، لخروجه عن معنى الابتداء ، بما أوردت فيه الحروف من المعاني ؛ وهو الحق ؛
والوصف ، وعطف البيان ، والتوكيد ، كالمنسوق عند الجرميّ ، والزجاج (٢) ، والفراء ،
__________________
= علبة الحارثي ، قالها بعد أن حكم عليه بالقتل قصاصا ، وقد أوردها أبو تمام في الحماسة ، ومنها بيت البلاغة المشهور :
هواي مع الركب اليمانين مصعد |
|
جنيب ، وجثماني بمكة موثق |
(١) هذا بنصه في سيبويه ج ١ ص ٢٨٦ ؛
(٢) تقدم ذكر هؤلاء كثيرا ؛
في جواز الحمل على المحل ، ولم يذكر غيرهم ذلك ، لا منعا ولا إجازة ، والأصل الجواز ، إذ لا فارق ؛
قال الزجاج : قوله تعالى : (عَلَّامُ الْغُيُوبِ) في قوله : (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ ، عَلَّامُ الْغُيُوبِ)(١) ، صفة ربّي ، ويحتمل رفعه وجوها أخر (٢) ؛
ولم يذكروا البدل ، والقياس كونه كسائر التوابع في جواز الرفع ، تقول : إن الزيدين استحسنتهما ، شمائلهما ، بالرفع ، كما جاز ذلك في اسم «لا» التبرئة المشبّهة بإنّ ، نحو : لا غلام رجل في الدار إلا زيد ؛
فلا يحمل على المحلّ ، عند البصريين إلا عند مضيّ الخبر ، فلا يجوز ، عندهم ، أن زيدا وعمرو قائمان ، وأجازه الكسائي ؛
وإنما منعوا من ذلك لأن العامل في خبر المبتدأ عند جمهورهم : الابتداء ، والعامل في خبر «إنّ» : إنّ ، فيكون قائمان خبرا عن زيد وعمرو معا ، فيعمل عاملان مختلفان مستقلان في العمل ، رفعا واحدا فيه ، وذلك لا يجوز ، لأن عامل النحو ، عندهم ، كالمؤثر الحقيقي ، كما ذكرنا في صدر الكتاب (٣) ، والأثر الواحد الذي لا يتجزّأ : لا يصدر عن مؤثرين مستقلّين في التأثير ، كما ذكر في علم الأصول ، لأنه يستغنى بكل واحد منهما عن الآخر ، فيلزم من احتياجه إليهما معا : استغناؤه عنهما معا ؛
ولو فرّق الخبران بالعطف نحو : إن زيدا وهند : قائم وخارجة لم يأت الفساد المذكور ، فيجب جوازه ، ويكون الكلام من باب اللفّ كقوله تعالى : (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ)(٤) ،
__________________
(١) الآية ٤٨ سورة سبأ ؛
(٢) مثل أن يكون علّام خبر مبتدأ محذوف أي : هو علّام ؛
(٣) في الكلام على العامل في الجزء الأول ؛
(٤) الآية ٧٣ سورة القصص ؛
فإذا قدّمت الخبر على العطف ، فاما أن تأتي للمعطوف بالخبر ظاهرا نحو : ان زيدا قائم ، وعمرو كذلك ، أو تحذفه وتقدره ، والأكثر الحذف ، نحو : إن زيدا قائم وعمرو ، ولا يجوز أن يكون هذا من باب عطف المفرد ، لأن «قائم» لا يكون خبرا عن الاسمين ؛
وإنما أجاز الكسائي نحو : إن زيدا وعمرو قائمان ، لأن العامل عنده في خبر «إن» : ما كان عاملا في خبر المبتدأ ، لأن «إنّ» وأخواتها ، لا تعمل عند الكوفيين في الخبر ، فالعامل في خبر «ان» اسمها ، لأن المبتدأ والخبر يترافعان عنده ، فلا يلزم صدور أثر عن مؤثرين ؛
والفراء ، توسّط مذهبي سيبويه والكسائي ، فلم يمنع رفع المعطوف مطلقا ، ولم يجوّزه مطلقا ، بل فصّل وقال : إن خفي إعراب الاسم بكونه مبنيا ، أو معربا مقدّر الإعراب : جاز الحمل على المحل قبل مضي الخبر نحو : انك وزيد قائمان ، وان الفتى وعمرو قاعدان ، وإلّا ، فلا ، لأنه لا ينكر في الظاهر ، كما أنكر مع ظهور الإعراب في المعطوف ، وذلك لأنّ خبرا واحدا عن مختلفين ظاهري الإعراب مستبدع ، ولا كذلك إذا خفي إعراب المتبوع ؛ ولا يلزمه ، أيضا ، توارد المستقلّين على أثر واحد لأن مذهبه في ارتفاع خبر «إن» : مذهب الكسائي ؛
وأمّا قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا مَنْ آمَنَ ...)(١) ، فعلى أنّ الواو في «والصابئون» ، اعتراضية لا للعطف ، وهو مبتدأ محذوف الخبر ، أي : والصابئون كذلك ، لسدّ خبر «إن» مسدّه ودلالته عليه ، كما في : يا تيم تيم عديّ (٢) ، على مذهب المبرد ، ومنه قوله :
٨٣٩ ـ فمن يك أمسى بالمدينة رحله |
|
فإني وقيار بها لغريب (٣) |
__________________
(١) الآية ٦٩ سورة المائدة ؛
(٢) إشارة إلى الشاهد المتقدم في باب النداء من الجزء الأول ؛
(٣) البيت لضابئ البرجمي ، وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه قد حبسه ، وقيّار اسم فرسه ، والبيت في سيبويه ج ١ ص ٣٨ ؛
أي : فإني ، وقيار كذلك ، بها لغريب ؛
وسمع سيبويه (١) قبل الخبر : توكيد اسم «ان» المبني ، وكذا المعطوف غير منوي الخبر ، نحو : انهم أجمعون ذاهبون ، وإنك وزيد ذاهبان ، و «ذاهبان» خبر عنهما بلا شك ، وسهّل ذلك وجوّزه بعض التجويز : بناء الاسم ؛
وأجاز الكسائي رفع المعطوف على أوّل مفعولي : ظن وأخواته ، أن خفي إعراب الثاني ، نحو : ظننت غلامك زائري وعمرو ؛ وليس بشيء ، لأن «ظن» عامل قوي ، أثّر في الاسمين اللذين بعده ، بأن صار به مضمونهما مفعولا به ؛ وإذا منعوا ذلك في ليت ولعلّ ، لما فيهما من معنى الفعل فكيف يجوز ذلك في الفعل الصريح ؛
وإنما اشترط خفاء إعراب الثاني ، ليكون المفعولان في الظاهر كاسم «ان» وخبرها ، فتقلّ الشناعة ؛
قوله : «خلافا للمبرد والكسائي» ، الظاهر أن هذا مذهب الفراء والإطلاق مذهب الكسائي ، كما هو مذكور في كتب النحو ؛
قوله : «ولكنّ كذلك» أي في أحكام الجمل على المحلّ ،
قوله : «ولذلك دخلت اللام» ، أي : ولأجل كون المكسورة ، مع جزأيها في تقدير الجملة ؛
قوله : «دونها» ، أي دون المفتوحة ؛
__________________
(١) انظر سيبويه ج ١ ص ٢٩٠ ؛
[استطراد]
[في تفصيل أحكام لام الابتداء]
اعلم أن هذه اللام : لام الابتداء ، المذكورة في جواب القسم ، وكان حقها أن تدخل في أوّل الكلام ، ولكن لما كان معناها هو معنى «ان» ، سواء (١) ، أعني التأكيد والتحقيق ، وكلاهما حرف ابتداء ، كرهوا اجتماعهما ، فأخّروا اللام وصدّروا «إن» ، لكونها عاملة ، والعامل حريّ بالتقديم على معموله ، وخاصة إذا كان حرفا ، إذ هو ضعيف العمل ؛ وراعوا مع تأخير اللام شيئين : أحدهما : أن يقع بينهما فصل ، لأن المكروه هو الاجتماع ؛ والآخر : أنها لما سقطت عن مرتبتها وهي صدر الكلام ، أعني المبتدأ ، أو الخبر المقدم ، أو معمول الخبر المقدم ، كما مضى في جواب القسم ، نحو : لزيد قائم ، ولقائم زيد ، ولطعامك زيد آكل ، لا تدخل (٢) بعد التأخر إلا على أحد الثلاثة ، نحو : إن من الشعر لحكمة ، وان زيدا لقائم ، وان زيدا لفي الدار قائم ، ولا تدخل على متعلّق الخبر المتأخر عن الخبر ، فلا يقال : إن زيدا قائم لفي الدار ، لئلا يبخس حقها كلّ البخس ، بتأخير ما حقه صدر الكلام عن جزأي الكلام اللذين هما العمدتان ؛
وإنما تدخل على الاسم إذا فصل بينه وبينها بظرف هو الخبر ، نحو : (إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى)(٣) ، أو بظرف متعلق بالخبر نحو : ان في الدار لزيدا قائم ، ولا ينكر عمل ما بعد اللام فيما قبله لنقصان حقّه في التصدر ؛
وقوله تعالى : (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ)(٤) ، الاولى فيه لام الابتداء ، والثانية جواب قسم محذوف ، والجملة القسمية صلة من ، أو صفته (٥) ،
__________________
(١) أي هما سواء كما تكرر التنبيه عليه ، وهو اختيار الرضي في مثل هذا التركيب ؛
(٢) مرتبط بقوله : لما سقطت عن مرتبتها ؛
(٣) الآية ١٢ سورة الليل ؛
(٤) من الآية ٧٢ سورة النساء ؛
(٥) أي على اعتبارها إما موصولة أو موصوفة ؛
وإنما تدخل على الخبر إذا لم يكن ماضيا مجرّدا عن «قد» ، فلا يجوز : ان زيدا لقام ، كما يجوز : ان زيدا ليقوم ، بل تقول : ان زيدا لقد قام ، كما مضى في شرح جواب القسم ، ويجوز في نعم وبئس ، نحو : ان زيدا لنعم الرجل ، كما مرّ هناك ، وإذا كان الخبر مضارعا مصدّرا بحرف التنفيس ، جاز دخول هذه اللام عليه ؛ نحو : ان زيدا لسوف يقوم ، خلافا للكوفيين كما مرّ في باب المضارع ؛
ولا تدخل هذه اللام في حروف النفي ، كما مرّ في جواب القسم ، ولا في حرف الشرط ، فلا تقول : ان زيدا لئن ضربته يضربك ، ولا على اسم فيه معنى الشرط ، لأن اللام والشرط مرتبة كليهما الصدر ، فتنافرا ، ولا تدخل على جواب الشرط ، فلا تقول : إن زيدا من يضربه لأضربه ؛ لأن جواب الشرط وحده ، ليس هو الخبر ، بل هو مع الشرط ، وأجازه ابن الأنباري (١) ؛
ولا تدخل على واو المصاحبة المغنية عن الخبر ، فلا تقول : انّ كلّ رجل لوضيعته ، لأن أصلها لام الابتداء ، فلا تدخل إلا على ما كانت تدخل عليه ؛ وقد ذكرنا مواضعها ، وأجازه الكسائي ، نظرا إلى سدّها مسدّ الخبر ،
وإذا وقعت الاسمية خبر «انّ» ، فالوجه دخولها على الجزء الأول ، نحو : ان زيدا لأبوه قائم ، وقد حكي : ان زيدا وجهه لحسن ، وهو مثل دخولها على جواب الشرط الواقع موقع الخبر ، على ما أجازه ابن الأنباري وكلاهما ضعيف ، لأن حقها ، لما سقطت عن التصدّر : ألّا تتأخر عن الاسم ، وعن أول أجزاء الخبر ،
وإذا أردت إدخالها في خبر «إن» الذي في أوله لام القسم ، وجب الفصل بينهما ،
__________________
(١) إذا قيل ابن الأنباري ، فالمراد في الأغلب : أبو بكر : محمد بن القاسم بن الأنباري من علماء القرن الثالث والرابع الهجريين حيث توفي سنة ٣٢٧ ه ، وقد يراد به صاحب الانصاف في مسائل الخلاف : أبو البركات عبد الرحمن بن محمد ، والأكثر أن يقال لهذا : الانباري فقط ، وكلاهما ممن نقل عنهم الرضي في هذا الشرح ؛
لكراهة اجتماع اللامين ، قال تعالى : (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ)(١) ، فصل بينهما بما ، الزائدة ، كما قلنا في : زيد صديقي ، كما أن عمرا أخي ؛
وإنما تدخل على معمول الخبر المتقدم على الخبر ، إذا لم يكن الخبر ماضيا مجرّدا عن «قد» نحو : إن زيدا لطعامك آكل ، وإني لبك واثق ، ولا تقول : ان زيدا لفي الدار قام ، كما ذكرنا في جواب القسم ، وأجازه الأخفش ، وقد تدخل على غير الثلاثة المذكورة ، وهو (٢) الفصل المسمّى عمادا كقوله تعالى : (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ)(٣) ، وذلك لوقوعه موقع الخبر فكأنها دخلت على الخبر ، مع أن كل فصل في مثل هذا المقام يحتمل أن يكون مبتدأ لارتفاع ما بعده ؛
وقد تكرّر اللام في الخبر وفي متعلقه المتقدم عليه ، نحو : إنّ زيدا لفيك لراغب ، وهو قليل ، منع منه المبرد ، وأجازه الزجاج قياسا ؛
وقد شذ دخول اللام على خبر المبتدأ المؤخر مجرّدا من «إنّ» نحو قوله :
٨٤٠ ـ أمّ الحليس لعجوز شهربه (٤)
وقدّر بعضهم : لهي عجوز ، لتكون في التقدير داخلة على المبتدأ ، كما شذ في خبر «أنّ» المفتوحة ، على قراءة سعيد بن جبير : (إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ)(٥) ، وكذا قرئ في الشواذ : (وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ)(٦) بالفتح كما جاءت في الخبر معمولا لأضحى ،
__________________
(١) الآية ١١١ سورة هود ؛
(٢) وهو : أي المراد بغير الثلاثة ؛
(٣) من الآية ٨٧ سورة هود ؛
(٤) ينسب إلى شاعر اسمه عنترة بن عروس ، على وزن جعفر ، وينسب إلى رؤبة أيضا ، والذي في ديوان عنترة لفظه :
رب عجوز من سليم شهربه |
|
ترضى من اللحم بعظم الرقبة |
(٥) الآية ٢٠ سورة الفرقان وتقدمت ؛
(٦) الآية ٤٢ سورة الأنفال ؛
نحو : أضحى زيد لمنطلقا ، ولأمسى ،
قال :
٨٤١ ـ مرّوا عجالا فقالوا كيف صاحبكم |
|
فقال من سئلوا أمسى لمجهودا (١) |
ولزال ، قال :
٨٤٢ ـ وما زلت من ليلى لدن أن عرفتها |
|
لكالهائم المقصى بكلّ مكان (٢) |
ولما ، في : ما زيد لقائما ؛ وقوله :
٨٤٣ ـ وأعلم أنّ تسليما وتركا |
|
للامتشابهان ولا سواء (٣) |
شاذ ، لدخولها على حرف النفي ؛ وشذ ، أيضا ، دخولها على «كأنّ ، ولولا» قال :
٨٤٤ ـ فباد حتى لكأن لم يكن |
|
فاليوم أبكي ومتى لم يبكني (٤) |
وقال :
٨٤٥ ـ للولا قاسم وندا بسيل |
|
لقد جرّت عليك يد غشوم (٥) |
واعلم أن أصل «شهدت» أن يتعدّى بالباء نحو : شهدت بكذا ، وشهدت بأن زيدا قائم ، ويجوز ، مع أنّ ، حذف الجار ، كما هو القياس ، نحو : شهدت أنك قائم ؛
__________________
(١) أورده ثعلب من غير نسبة ، وكل الذين استشهدوا به نقلوه عن ثعلب ولم ينسبه أحد منهم وعجالا جمع عجل ، وروي عجالى جمع عجلان ؛
(٢) هكذا أورده الرضي ، ونقله البغدادي : بكل مزأد ، ولعله كذلك في نسخته التي شرح عليها الشواهد ، قال البغدادي : وصوابه : بكل سبيل لأنه من قصيدة لأمية من شعر كثير عزة ، أولها :
ألا حيّيا ليلى أجدّ رحيلي |
|
وآذن أصحابي غدا بقفول |
(٣) نقل البغدادي عن ابن جني نسبته إلى أبي حزام العكلي وهو غالب بن الحارث من قبيلة عكل بضم العين وسكون الكاف ، وفسّر التسليم بأنه التسليم على الناس ، أو أن المراد : التسليم في الأمر وعدم المنازعة فيه ؛
(٤) قال البغدادي : الضمير في باد يرجع إلى المتحدث عنه بالهلاك في بيت قبله ؛ ولم يذكر شيئا قبله ولا بعده ، وإنما قال : لم أر هذا البيت إلا في : سرّ الصناعة ، لابن جني. ولم أقف على ما قبله ولا على شيء من خبره ؛
(٥) وكذلك قال البغدادي في هذا البيت إنه رآه في سر الصناعة ، وانه لم يقف له على خبر ؛ ولذلك لا يعرف المراد من قاسم وبسيل أكثر من أنهما رجلان ؛