شرح الرضيّ على الكافية

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي

شرح الرضيّ على الكافية

المؤلف:

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي


المحقق: يوسف حسن عمر
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات مؤسّسة الصادق
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٢

الجوازم

ذكر أدوات الجزم

[قال ابن الحاجب] :

«وينجزم بلم ، ولمّا ، ولام الأمر ، ولا ، في النهي وكلم»

«المجازاة ، وهي : إن ، ومهما ، وإذ ما ، وحيثما ، وأين ،»

«ومتى ، ومن ، وما ، وأنى ؛ وأمّا مع كيفما وإذا ، فشاذ ،»

«وبإن مقدّرة».

[قال الرضي] :

هذا ذكر الجوازم مطلقا.

جوازم الفعل الواحد

[قال ابن الحاجب] :

«فلم ، لقلب المضارع ماضيا ، ونفيه ، ولمّا ، مثلها ، وتختص»

«بالاستغراق ، وجواز حذف الفعل ولام الأمر المطلوب بها»

«الفعل ، ولاء (١) النهي المطلوب بها الترك».

[قال الرضي] :

أخذ في التفصيل ؛ قوله «فلم لقلب المضارع ماضيا» ، قد ذكرنا في باب المضارع (٢) :

__________________

(١) الكلمات الثنائية وضعا وثانيها معتل. حين يقصد إعرابها يضعف ثانيها ، فيصير ما ثانيه ألف ، بهمزة في آخره مثل : لاء. فقوله : لاء النهي يعني «لا» التي تفيد النهي واستعمل الرضي هذا في قوله سابقا : لاء التبرئة في : لا النافية للجنس ؛

(٢) يعني في بيان علاماته في أول هذا الجزء.

٨١

أن بعضهم يقول : أن «لم» دخل على الماضي فقلب لفظه إلى المضارع ؛ وقد جاءت «لم» في الشعر غير جازمة ، كقوله :

٦٦٢ ـ لو لا فوارس من نعم وأسرتهم

يوم الصليفاء لم يوفون بالجار (١)

وجاءت ، أيضا في الضرورة ، مفصولا بينها وبين مجزومها ، قال :

٦٦٣ ـ فأضحت مغانيها قفازا رسومها

كأن لم ، سوى أهل من الوحش تؤهل (٢)

قوله : «ولمّا مثلها» ، يعني لقلب المضارع ماضيا ، أي نفي الماضي.

قوله : «وتختص بالاستغراق» ؛ اعلم أنّ «لمّا» ، كما قالوا ، كان في الأصل «لم» زيدت عليه «ما» ، كما زيدت في «إمّا» الشرطية ، وأينما ، فاختصت بسبب هذه الزيادة بأشياء :

أحدها : أن فيها معنى التوقع ، كقد ، في إيجاب الماضي (٣) ، فهي تستعمل في الأغلب ، في نفي الأمر المتوقع ، كما يخبر بقد ، في الأغلب ، عن حصول الأمر المتوقع ، تقول لمن يتوقع ركوب الأمر : قد ركب الأمير ، أو : لمّا يركب ، وقد استعمل في غير المتوقّع ، أيضا ، نحو : ندم ولمّا ينفعه الندم.

واختصّت «لمّا» ، أيضا ، بامتداد نفيها من حين الانتفاء إلى حال التكلّم ، نحو : ندم ولمّا ينفعه الندم ، فعدم النفع متصل بحال التكلم ، وهذا هو المراد بقوله : وتختص بالاستغراق (٤) ؛ ومنع الأندلسيّ (٥) من معنى الاستغراق فيها ، وقال : هي مثل «لم» في

__________________

(١) روى : لو لا فوارس من ذهل ، ومن جرم ، وهي أسماء قبائل ، ويوم الصليفاء أحد أيام العرب ، والبيت غير معروف القائل ، وإنما أنشده الأخفش والفارسي وغيرهما بدون نسبته إلى أحد ؛

(٢) هذا من قصيدة طويلة لذي الرمة ، مطلعها :

قف العيس في أطلال مية فاسأل

رسوما كأخلاق الرداء المسلسل

(٣) يعني في الماضي المثبت ؛

(٤) أي المذكور في المتن ؛

(٥) تقدم ذكره في هذا الشرح كثيرا ؛

٨٢

احتمال الاستغراق وعدمه ، والظاهر فيها الاستغراق ، كما ذهب إليه النحاة ؛ وأما «لم» فيجوز انقطاع نفيها دون الحال ، نحو : لم يضرب زيد أمس ، لكنه ضرب اليوم.

واختصّت «لما» أيضا ، بعدم دخول أدوات الشرط عليها ، فلا تقول : إن لمّا تضرب ، ومن لمّا تضرب ، كما تقول : ان لم تضرب ، ومن لم تضرب ، وكأنّ ذلك لكونها فاصلة قوية (١) بين العامل الحرفي وشبهه ، وبين معموله.

واختصّت ، أيضا ، بجواز الاستغناء بها في الاختيار عن ذكر المنفى ، ان دلّ عليه دليل ، نحو : شارفت المدينة ولمّا ، أي : ولما أدخلها ، كما جاء ذلك في «قد» التي هي نظيرتها ، قال :

أزف الترحل غير أن ركابنا

لما تزل برحالنا وكأن قد (٢) ـ ٥١٣

وقد جاء ذلك في «لم» ضرورة ، كقوله :

٦٦٤ ـ احفظ وديعتك التي استودعتها

يوم الأعازب ان وصلت وان لم (٣)

وإذا دخلت همزة الاستفهام على «لم» و «لما» فهي للاستفهام على سبيل التقرير ، ومعنى التقرير : إلجاء المخاطب إلى الإقرار بأمر يعرفه ، كقوله تعالى : (ألم نُرَبِّكَ وَليداً) (٤) ، و : (ألم نشرح لك صدرك) (٥) وقوله :

٦٦٥ ـ إليكم يا بني بكر إليكم

ألمّا تعرفوا منّا اليقينا (٦)

__________________

(١) أي لكثرة حروفها عن لم ؛

(٢) تقدم في الجزء الثالث وهو للنابغة الذبياني.

(٣) يوم الأعازب : أحد أيام العرب ، قال العيني انه يوم معهود. وعقب على ذلك البغدادي بقوله : لم أقف عليه في كتب أيام العرب. والبيت منسوب إلى ابراهيم بن هرمة. الشاعر العباسي ؛

(٤) الآية ١٨ سورة الشعراء.

(٥) أول سورة الشرح ؛

(٦) من معلقة عمرو بن كلثوم وبعده :

ألمّا تعلموا منا ومنكم

كتائب يطعنّ ويرتمينا

٨٣

قوله : «ولام الأمر» ؛ اللام المطلوب بها الفعل ، يدخل فيها لام الدعاء ، نحو : ليغفر لنا الله ، وهي مكسورة ، وفتحها لغة ، وقد تسكن بعد الواو ، والفاء ، وثمّ ، نحو : (ولْتأت طائفة أخرى لم يُصلُّوا فليصلُّوا معك) (١) ، و : (ثم لْيقضوا تفَشهم) (٢) ، وهو مع الفاء والواو أكثر ، لكون اتصالهما أشدّ ، لكونهما على حرف واحد ، فصار الواو ، والفاء مع اللام بعدهما ، وحرف المضارعة ، ككلمة على وزن فخذ وكتف ، فتخفف بحذف الكسر ، وأمّا «ثمّ» فمحمولة عليهما ، لكونها حرف عطف مثلهما.

وتلزم اللام ، في النثر ، فعل غير المخاطب ، وهو إمّا فعل المفعول (٣) نحو : لأضرب أنا ، ولتضرب أنت ، لأن هذا الفعل للفاعل الغائب ؛ المحذوف ؛ وإمّا فعل الغائب المذكور ، نحو : ليضرب زيد ؛ ولتضرب هند ، وهما كثيران ؛ وإمّا فعل المتكلم ، كقوله عليه السّلام : «قوموا فلأصلّ لكم» ، وقال الله تعالى : (... ولنحمل خطاياكم) (٤) ، وهذا ، أي أمر الانسان لنفسه ، قليل الاستعمال ، وإن استعمل ، فلا بدّ من اللام كما رأيت ، فإن كان المأمور جماعة بعضهم حاضر ، وبعضهم غائب ، فالقياس : تغليب الحاضر ، نحو : افعلا ، لحاضر وغائب ، وافعلوا ، لمن بعضهم حاضر ، ويجوز على قلّة : إدخال اللام في المضارع المخاطب لتفيد التاء : الخطاب واللام : الغيبة ، فيكون اللفظ بمجموع الأمرين نصا على كون بعضهم حاضرا وبعضهم غائبا ، كقوله عليه السّلام : «لتأخذوا مصافّكم» ، وقرئ في الشواذ (٥) : «فبذلك فلتفرحوا» (٦).

وجاء في النظم حذف هذه اللام في فعل غير الفاعل المخاطب قال :

__________________

= وقوله يطعن ويرتمينا من باب الافتعال من الطعن والرمي ؛ أي يطعن ويرمي بعضهم بعضا.

(١) من الآية ١٠٢ سورة النساء.

(٢) الآية ٢٩ سورة الحج.

(٣) أي المبني للمجهول ؛

(٤) من الآية ١٢ سورة العنكبوت ؛

(٥) تنسب إلى أنس. وزيد. وأبي بن كعب ؛

(٦) من الآية ٥٨ سورة يونس.

٨٤

٦٦٦ ـ محمد ، تفد نفسك كلّ نفس

إذا ما خفت من أمر تبالا (١)

وأجاز الفراء حذفها في النثر في نحو : قل له يفعل ، قال الله تعالى : (قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ)(٢) ؛ وإنما ارتكب ذلك ، لاستبعاده أن يكون القول سبب الأولى أن يقال في مثله : انه جواب الأمر ، كأنه لما كان يحصل إقامتهم للصلاة عند قوله عليه الصلاة والسّلام لهم : صلّوا ، جعل قوله عليه السّلام كالعلة في إقامتها.

وقال بعضهم : جزمه لكونه شبه الجواب ، كما قلنا في قوله : (كُنْ فيكون) (٣) ، بالنصب ، ولو كان كما قاله الفراء ، لم يختص هذا بجواب الأمر.

ثم اعلم أنه كان القياس في أمر الفاعل المخاطب أن يكون باللام ، أيضا ، كالغائب ، لكن لما كثر استعماله ، حذفت اللام وحرف المضارعة تخفيفا ، وبني لزوال مشابهة الاسم بزوال حرف المضارعة ، وذلك لأنه شابه الاسم بسبب عروض موازنته له عند زيادة حرف المضارعة في أوله ؛ وقد جاء في الحديث أمر المخاطب باللام ، نحو : «لتزرّه ، ولو بشوكة» ، وفي آخر : «لتقوموا إلى مصافّكم» ، وهو في الشعر أكثر ، قال :

٦٦٧ ـ لتقم أنت يا ابن خير قريش

فتقضّي حوائج المسلمينا (٤)

والذي غرّ الكوفيين حتى قالوا : انه مجزوم (٥) والجازم مقدر ، هو القياس المذكور ، وأيضا مجيئه باللام في الشعر ، وأيضا معاملة آخره معاملة المجزوم ، كما يجيء ، وأيضا ، الحمل على «لاء (٦)» النهي ، فانها تعمل في المخاطب كما تعمل في الغائب.

__________________

(١) تفد مضارع فدى ، وهو مجزوم بلام أمر محذوفة ، المقصود بها الدعاء ، ونسبه بعضهم إلى حسان بن ثابت. وقال بعضهم انه لأبي طالب عم النبي صلّى الله عليه وسلّم ، وقيل فيه انه للأعشى ، نقل البغدادي ذلك كله ثم قال : والله أعلم بحقيقة الحال.

(٢) الآية ٣١ سورة ابراهيم.

(٣) جزء من الآية ١١٧ من سورة البقرة وتكررت.

(٤) بيت لا يعرف قائله وقال البغدادي انه مروي عن الكوفيين.

(٥) انه مجزم أي فعل الأمر وهذا رأي الكوفيين وهو أحد مسائل الخلاف التي تضمنها كتاب الانصاف ص ٥٢٤.

(٦) تقدم توجيه ذلك عند ذكرها في كلام المصنف.

٨٥

قوله : «ولاء النهي المطلوب بها الترك» ، وهي تجزم بخلاف «لا» في النفي ، وقد سمع عن العرب (١) بلا النفي ، أيضا ، إذا صحّ قبلها «كي» نحو : جئته لا يكن له عليّ حجّة ، ولا يكون ، ولا منع أن تجعل «لا» في مثله للنهي.

ولاء النهي تجيء للمخاطب والغائب على السواء ، ولا تختص بالغائب كاللام ، وقد جاء في المتكلم قليلا ، كلام الأمر ، وذلك قولهم : لا أرينّك هنا (٢) ، لأن المنهيّ في الحقيقة ههنا هو المخاطب ، أي : لا تكن ههنا ، حتى لا أراك.

أدوات الشرط

صور الجملتين بعدها ، وحكمهما

[قال ابن الحاجب] :

«وكلم المجازاة تدخل على الفعلين ، لسببيّة الأول ومسببيّة»

«الثاني ، ويسمّيان شرطا وجزاء ، فإن كانا مضارعين أو»

«الأول ، فالجزم ، وإن كان الثاني فالوجهان».

[قال الرضي] :

اعلم أن أمّ الكلمات الشرطية «إن» ، ومن ثمّة ، يحذف بعدها الشرط والجزاء ، في الشعر خاصة ، مع القرينة ، قال :

٦٦٨ ـ قالت بنات العمّ يا سلمى وإن

كان فقيرا معدما قالت وان (٣)

__________________

(١) أي سمع الجزم بالشرط المذكور.

(٢) استشهد له النحاة بقول النابغة الذبياني :

لا أعرفن ربربا حورا مدامعها

مردّفات على أعقاب أكوار

اي لا تفعلوا ما يجعلني أعرف هذا ؛

(٣) فيه حذف جواب الشرط في قوله وإن كان فقيرا وتقديره : أترضين به ، والحديث عن البعل الذي تمنت

٨٦

ويحذف في السّعة شرطها وحده إذا كان منفيا بلا ، مع إبقاء «لا» ، نحو قولك : إيتني وإلّا أضربك ، أي : وإلّا تأتني أضربك ، وكذا يحذف بعد «إمّا» الشرطية مع بقاء «لا» ، إذا تقدم ما يكون جوابا من حيث المعنى ، كقولك : افعل هذا إمّا لا ، أي : إمّا لا تفعل ذاك فافعل هذا.

وعند الكوفيين ، تجيء «إن» بمعنى «إذ» ، قالوا في قوله تعالى : (وإن كنتم في ريب ...) (١) : إنها بمعنى إذ ، لأن «إن» مفيدة للشك تعالى الله عنه.

والجواب : أنّ «إن» ليست للشك ، بل لعدم القطع في الأشياء الجائز وقوعها وعدم وقوعها ، لا للشك ، ولو سلّمنا ذلك أيضا ، قلنا : انه تعالى يستعمل الكلمات استعمال المخلوقين (٢) ، وإن كان يستحيل مدلولها في حقه تعالى ، لضرب (٣) من التأويل ، كقوله تعالى : (ليبلواكم فيما آتاكم) (٤) ، لما كان التكليف من حيث التخيير في صورة الابتلاء ، وقال تعالى : (لعلكم تتقون) (٥) ، لما كانوا في صورة من يرتجى منهم ذلك ، وقال : (يضلّ مَن يشاء) (٦) ، أي يترك الإلطاف لمن يعلم أنه لا ينفعه ذلك ، فكذا قال تعالى : (إن كنتم مؤمنين) (٧) ، و : (وإن كنتم في ريب) (٨) ، لمّا كان أمرهم في نفسه محتملا للإيمان وضده ، وللارتياب وضده ، لا بالنسبة إلى علم الباري تعالى.

قوله : «مهما» ، اختلف فيها ، فقال بعضهم : هي كلمة غير مركبة على وزن

__________________

= أن تجده. وفي آخر البيت ذكرت أداة الشرط فقط وحذف شرطها وجوابها. والرجز مما نسب إلى رؤبة بن العجاج ؛

(١) الآية ٢٣ سورة البقرة ؛

(٢) لأنه يخاطبهم بما يجري على ألسنتهم.

(٣) أي لنوع من التأويل.

(٤) الآية ١٦٥ سورة الأنعام ؛

(٥) من الآية ٢١ في سورة البقرة ومثلها كثير.

(٦) من الآية ٨ في سورة فاطر ؛

(٧) من الآية ٩١ في سورة البقرة.

(٨) الآية المتقدمة قريبا.

٨٧

فعلى ، فحقها ، على هذا ، أن تكتب بالياء (١) ، ولو سمّي بها لم تنصرف لكون الألف زائدة ولو قيل انها للتأنيث ، لم تنصرف مع تنكيرها ، أيضا.

وقال الخليل (٢) : هي «ما» ألحقت بها «ما» كما تلحق بسائر كلمات الشرط ، نحو : متى ما ، وإمّا ، ثم استكره تتابع المثلين ، فأبدل ألف «ما» الأولى هاء ، لتجانسهما في الهمس ؛ وقول الخليل قريب ، قياسا على أخواتها.

وقال الزجاج (٣) : هي مركبة من «مه» بمعنى «كفّ» و «ما» الشرطية ، وفيه بعد ، وهو أن يقال في : مهما تفعل أفعل : إنه ردّ على كلام مقدر ، كأنه قال لك قائل :

أنت لا تقدر على ما أفعل ، فقلت : مهما تفعل أفعل ؛ ولو ثبت ما حكى الكوفيون عن العرب : مهمن بمعنى «من» كما في قوله :

٦٦٩ ـ أماويّ ، مهمن يستمع في صديقه

أقاويل هذا الناس ماويّ يندم (٤)

لكان مقوّيا لمذهب الزجاج.

وقد جاء «مهما» في الاستفهام بمعنى «ما» الاستفهامية ، أنشد أبو زيد (٥) في نوادره :

٦٧٠ ـ مهما لي الليلة مهما ليه

أودى بنعليّ وسرباليه (٦)

__________________

(١) لأنها ألف مقصور رابعة.

(٢) انظر كتاب سيبويه ج ١ ص ٤٣٣ ؛

(٣) الزجاج : أبو اسحاق ابراهيم بن السري ، تكرر ذكره ؛

(٤) هذا البيت قال عنه البغدادي انه يشبه شعر حاتم الطائي ، وكانت زوجته تسمّى ماوية. وترخم إلى ماويّ ، وكثر ذكرها في شعره ، قال البغدادي ولكني لم أجده في ديوانه ولم أقف عليه منسوبا إليه ؛

(٥) أبو زيد الأنصاري صاحب كتاب النوادر ، وهو ممن تكرر ذكرهم في هذا الشرح ؛

(٦) مطلع قصيدة لعمرو بن ملقط الطائي أوردها كلها أبو زيد الأنصاري في نوادره كما أوردها ابن الأعرابي كذلك ومنها البيت الذي يستشهد به على الجمع بين الفاعل الظاهر والضمير وهو قوله :

ألفينا عيناك عند القفا

أولى فأولى لك ذا واقية

٨٨

ومهما : اسم ، بدليل رجوع الضمير إليه ، قال تعالى : «مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ (١) ..».

وقال الشاعر :

٦٧١ ـ إذا سدته سدت مطواعة

ومهما وكلت إليه كفاه (٢)

وقد جاء «ما» و «مهما» ظرفي زمان ، تقول : ما أجلس أجلس ، ومهما تجلس أجلس ، أي : ما تجلس من الزمان أجلس فيه.

وأما «اذما» فهو عند سيبويه حرف (٣) ، كإن ، ولعله نظر إلى أن لفظة «ما» تدخل على «إذا» مع أن فيه معنى الشرط ، وهي للمستقبل ؛ وإن دخلت على الماضي ، كإن ، ولا تصير جازمة معها ، فكيف بإذ ، الخالية من معنى الشرط الموضوعة للماضي ، فإذما. عنده غير مركبة.

قال السيرافي (٤) : ما علمت أحدا من النحاة ذكر «اذما» عير سيبويه وأصحابه ، واستشهد سيبويه ببيتين (٥) ، أحدهما قوله :

٦٧٢ ـ إذ ما دخلت على الرسول فقل له

حقّا عليك إذا اطمأنّ المجلس (٦)

والآخر قوله :

__________________

(١) الآية ١٣٢ من سورة الأعراف.

(٢) روى الشطر الأول كما في الشارح : إذا سدته من السيادة وهو بهذه الرواية من شعر المتنخل الهذلي ، وروي : إذا سسته من السياسة وهو بهذه الرواية من شعر ذي الأصبع العدواني. وقال البغدادي ان قوله سدته ليس من السيادة كما قال بعضهم وإنما هو من المساودة بمعنى المسارّة من السرّ ، يعني إذا ساررته وحدثته وجدته مطواعا ؛

(٣) انظر سيبويه ج ١ ص ٤٣٢ ؛

(٤) أبو سعيد السيرافي شارح كتاب سيبويه وتكرر ذكره.

(٥) انظر ج ١ ص ٤٣٢ ؛

(٦) قائله العباس بن مرداس من أبيات وجهها إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم تحدث فيها عن غزوة حنين ويذكر مواقفه وبلاءه هو وقومه في هذه الغزوة ، وتقدم أن البيت من شواهد سيبويه ؛

٨٩

٦٧٣ ـ إذ ما تريني اليوم أزجي مطيتي

أصعّد سيرا في البلاد وأفرع (١)

وقال بعض النحاة : أصله إمّا ، وهو لا يجيء إلا بنون التوكيد بعده كقوله تعالى : (فإمَّا تَرَيِنَّ) (٢) ، فلما كان ينكسر البيت بالنون ، غيّر صورة إمّا ، بقلب الميم الأولى ذالا ؛ ولا يتمّ له هذا في قوله : إذ ما دخلت (٣).

وقال المبرد : اذ ما باقية على اسميتها ، و «ما» كافة لها عن طلب الإضافة ، مهيئة للشرط والجزم ، كما في «حيث» فإنها صارت بما ، بمعنى المستقبل ، وجازمة.

وأمّا الاعتراض بإذاما (٤) ، فلا يلزم ، إذ ربّما اختص بعض الكلمات ببعض الأحكام اختيارا منهم بلا مرجح ، ألا ترى أن «حيث» مثل «إذا» متضمن لمعنى الشرط ، بل : «إذا» أقعد فيه ، وتجزم «حيث» مع «ما» دون «إذا».

وأمّا «حيثما» ، فنقول : «ما» فيها ، كافة لحيث عن الإضافة ، لا زائدة ، كما في : متى ما ، وإمّا ، وذلك أن «حيث» كانت لازمة للإضافة ، فكانت مخصّصة بسبب المضاف إليه ، فكفتها «ما» عن طلب الإضافة لتصير مبهمة كسائر كلمات الشرط ؛

وإنما وجب إبهام كلمات الشرط ، لأنها ، كلها ، تجزم لتضمنها معنى «ان» ، التي هي للابهام ، فلا تستعمل في الأمر المتيقن من المقطوع به ، لا يقال ، مثلا ، إن غربت الشمس ، أو طلعت ؛ فجعل العموم في أسماء الشرط ، كاحتمال الوجود والعدم في الشرط

__________________

(١) هذا هو الشاهد الثاني الذي استشهد به سيبويه في الموضع السابق ، وقد أورد سيبويه بعده بيتا آخر يتضمن جواب الشرط وهو قوله :

فإني من قوم سواكم وإنما

رجالي فهم بالحجاز وأشجع

والبيتان كما نسبهما سيبويه لعبد الله بن همام السلولي وهو شاعر إسلامي ؛

(٢) من الآية ٢٦ في سورة مريم ؛

(٣) يعني لأنه لا مجال للتوكيد هنا لأن الفعل ماض.

(٤) حيث لم تجزم إذا دخلت عليها ما ، كما جزمت إذ ما ، والمراد الجزم المطرد لأن إذا تجزم في الشعر حتى بدون ما ؛

٩٠

الواقع بعد «إن» ، لأنه نوع عموم أيضا ، والشرط بعد هذه الأسماء أيضا ، كالشرط بعد «إن» في احتمال الوجود والعدم ؛

وأيضا ، فإنهم سلكوا طريق الاختصار ، بتضمين هذه الكلمات العامّة معنى «إن» ، إذ كان يطول عليهم الكلام لو قالوا في من ضربت ضربت : إن ضربت زيدا ، وإن ضربت بكرا ، ضربت ، إلى ما لا يتناهى ، وكذا ، ما ، ومتى ، وسائر أخواتهما ؛

ويجوز اتصال «ما» الزائدة ، بإن ، وأيّ ، وأيّان ، ومتى ؛ وأمّا في : حيثما ، وإذ ما ، فكافة ، كما ذكرنا ؛

العامل في الشرط والجزاء (١)

وقد اختلف في العامل في الشرط والجزاء ؛ قال السيرافي : إن العامل فيهما كلمة الشرط ، لاقتضائها الفعلين اقتضاء واحدا ، وربطها الجملتين : إحداهما بالأخرى حتى صارتا كالواحدة ، فهي (٢) كالابتداء العامل في الجزأين (٣) ، وكظننت ، وإنّ ، وأخواتهما ، عملت في الجزأين لاقتضائها لهما ؛

وذهب الخليل ، والمبرد ، إلى أن كلمة الشرط تعمل في الشرط ، وهما معا تعملان في الجزاء ، لارتباطهما ، وحرف الشرط ضعيف لا يقدر على عملين مختلفين ؛ وهذا كما قيل : إن الابتداء والمبتدأ يعملان في الخبر ؛

وأجيب عن ضعف الحرفين عن عملين بأن ذلك يجوز إذا اقتضى شيئين كإنّ وأخواتها ، و «ما» و «لا».

__________________

(١) هذا استطراد من الرضي ، ولم يأت له ذكر في كلام ابن الحاجب ؛

(٢) أي كلمة الشرط التي يرى السيرافي أنها العامل في الشرط والجزاء معا شبهها بالابتداء ؛

(٣) بناء على الرأي القائل بأن الابتداء عامل في المبتدأ والخبر معا كما تقدم في باب المبتدأ.

٩١

وقال الأخفش : إن الشرط مجزوم بالأداة ، والجزاء مجزوم بالشرط وحده لضعف الأداة عن عملين ، والشرط طالب للجزاء ، فلا يستغرب عمله فيه ؛

وأجيب باستغراب عمل الفعل الجزم ؛

وقال الكوفيون : الشرط مجزوم بالأداة ، والجواب مجزوم بالجوار ، كما أنه جرّ بالجوار (١) في قوله :

٦٧٤ ـ كأن ثبيرا في عرانين وبله

كبير أناس في بجاد مزمّل (٢)

والجزم أخو الجر ؛ وليس بشيء ، لأن العمل بالجوار ، للضرورة ، وأيضا ذلك عند التلاصق ، وينجزم الجزاء مع بعده عن الشرط المجزوم ، وينجزم بدون الشرط المجزوم ؛

وقال المازني : الشرط والجزاء مبنيان لعدم وقوعهما موقع الاسم ولعدم وقوعهما مشتركين ثم مختصين ، وهو قريب ، على ما اخترنا قبل ؛

وكلمة «ان» لأصالتها في الشرط وكونها أمّ الباب ، جاز أن تدخل اختيارا على الاسم ، بشرط أن يكون بعده فعل ، نحو : إن زيد ضرب ، وإن زيدا ضربت ، وكذا «لو» نحو : (لو أنتم تملكون) (٣) ، بخلاف سائر كلمات الشرط ، فإنه لا يجوز ذلك فيها إلا في الضرورة ، قال :

فمتى واغل يزرهم يحيّو

ه، وتعطف عليه كأس الساقي (٤) ـ ١٥٦

وقال :

صعدة نابتة في حائر

أينما الريح تميّلها تمل (٥) ـ ١٥٧

وقال :

__________________

(١) كما أنه. الضمير في أنه ضمير الشأن والتقدير : كما أنه حدث جرّ بالجوار في قوله .. الخ.

(٢) ثبير اسم جبل معيّن. والبجاء الكساء المخطط. ومزمّل صفة لكبير وهو محل الشاهد والبيت من معلقة امرئ القيس بن حجر الكندي ؛

(٣) من الآية ١٠٠ في سورة الإسراء ؛

(٤) تقدم الحديث عنه في الجزء الأول في باب المنصوب على شريطة التفسير ؛

(٥) وكذلك هذا البيت تقدم ذكره في الموضع المشار إليه في البيت الذي قبله ؛

٩٢

٦٧٥ ـ ومن نحن نؤمنه يبت وهو آمن

ومن لا نجره يمس منّا مفزّعا (١)

وذلك كما جاز وقوع الاسم بعد الهمزة الاستفهامية ، لمّا كانت أصلا في الاستفهام ، وسواء ههنا ، ولي الاسم فعل ، كأزيد ذهب ، أو ، لا ، كأزيد ذاهب ؛ ولم يجز ذلك في سائر كلمات الاستفهام إذا كان بعد ذلك الاسم فعل ، فلا تقول : متى زيدا تلقى أو تلقاه ... ، ومن زيد ضربه ، ومتى زيد خرج ، وهل زيد خرج ، وهل زيدا ضربت أو ضربته ، إلا اضطرارا ، فإن لم يكن بعد ذلك الاسم فعل ، نحو : متى زيد خارج ، وهل زيد ذاهب ، جاز ؛

وحق الفعل الذي يكون بعد الاسم الذي يلي «إن» ، وما تضمّن معناها من الأسماء أن يكون ماضيا ، سواء كان ذلك الاسم مرفوعا أو منصوبا ، نحو : إن زيد ذهب ، وإن زيدا لقيت أو لقيته ، وقد يكون مضارعا على الشذوذ نحو قوله :

٦٧٦ ـ يثني عليك وأنت أهل ثنائه

ولديك إن هو يستزدك مزيد (٢)

وقوله :

صعدة نابتة في حائر

أينما الريح تميّلها تمل (٣) ـ ١٥٧

وإنما ضعف مجيء المضارع لحصول الفصل بين الجازم مع ضعفه وبين معموله ؛ فإن كان ذلك الاسم مرفوعا فهو عند الجمهور مرفوع بفعل مضمر يفسره ذلك الفعل الظاهر ، ولا يجوز كونه مبتدأ ، لامتناع : إن زيد لقيته ، إلا ما حكى الكوفيون في الشاذ :

لا تجزعي إن منفس أهلكته

فإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي (٤) ـ ٤٦

وهو أيضا عندهم ، ليس مبتدأ ، بل هو مرفوع بمقدر يفسّره الفعل الناصب أي : إن هلك أو أهلك ، كما مرّ في المنصوب على شريطة التفسير (٥).

__________________

(١) البيت من شواهد سيبويه ج ١ ص ٤٥٨ ونسبه لهشام المريّ من بني مرة بن كعب شاعر قرشي جاهلي ؛

(٢) لعبد الله بن عنمة الضبي من أبيات أوردها أبو تمام في باب المراثي من الحماسة ؛

(٣) البيت السابق قبل قليل ؛

(٤) تقدم هذا الشاهد في الجزء الأول وهو للنمر بن تولب ؛

(٥) في الجزء الأول ؛

٩٣

وذهب بعض الكوفيين إلى أن رفعه على الابتداء ، لكنه مبتدأ يجب كون خبره فعلا ، لطلب كلمة الشرط للفعل ، سواء وليها ، أو ، لا ؛ ونقل عن الأخفش أيضا ، في مثله ، أنه مبتدأ ، لكن العامل في المبتدأ عنده هو الابتداء ، وعند الكوفيين : الخبر ، أو الضمير في الخبر ، كما تقدم في باب المبتدأ ؛ (١)

وإن كان ذلك الاسم منصوبا ، فإن كان الفعل بعده مشتغلا بضميره ، أو متعلقه ، فهو عند البصريين منصوب بالمقدر ، وعند الكوفيين بالظاهر ، كما مرّ في المنصوب على شريطة التفسير ؛

وإن لم يشتغل ذلك الفعل بضميره ولا متعلقه ، نحو : إن زيدا ضربت ، فهو أيضا عند الكوفيين منصوب بالظاهر ، وعند البصريين بالمقدر ، وذلك لما ثبت عندهم من قوة طلب كلمة الشرط للفعل ، حتى لم يجز الفصل بينهما لفظا ، إلا في لفظة «إن» ، لكونها أمّ الباب ، ولم يجز أن تدخل كلمة الشرط على اسم لا فعل بعده ، كما جاز في كلمة الاستفهام ؛

وعند البصريين ، حكم المنصوب والمرفوع المتقدمين على جواب الشرط : حكمهما متقدمين على الشرط ، فيجوز ، عندهم ، إن قمت : زيد يقم ، وإن لم تأتني ، زيدا أضرب ، فهما معمولان لمقدّرين يفسرهما جواب الشرط ؛

أمّا الكوفيون فلا يجوّزون جزم جواب الشرط إذا تقدمه المرفوع ، لأن الجزم عندهم بالجوار ، وقد زال الجوار بفصل المرفوع الذي هو أجنبي من الشرط ؛ أمّا لو كان المرفوع من جملة الشرط فلا يعدّ فاصلا من الجوار ، نحو : ان يضربني زيد ، أضرب ؛ فإن تقدمه المنصوب ، فالفراء يمنع ، أيضا ، جزم الجواب مطلقا ، كما في المرفوع للعلة المذكورة ، والكسائي يفصّل في الفاصل ، فإن كان ظرفا للجزاء ، لغوا ، جزم الجزاء ، لأنه كلا فصل ، نحو : ان تأتني اليوم ، غدا آتيك ، وإن تأتني ، إليك أقصد ، وإن لم يكن ظرفا ، لم يجز ، للعلة المذكورة ؛

__________________

(١) في الجزء الأول من هذا الشرح. كالذي قبله ؛

٩٤

واستشهد البصريون بقول طفيل الغنويّ :

٦٧٧ ـ وللخيل أيام فمن يصطبر لها

ويعرف لها أيامها ، الخبير تعقب (١)

والقصيدة مكسورة القافية (٢) ؛

والأكثر جعل المرفوع مبتدأ ، فيجب ، إذن ، رفع المضارع اتفاقا ، وتصدير المبتدأ بالفاء ، نحو : إن قمت فزيد يقوم ؛

وكذا : الأكثر تصدير المنصوب بالفاء ، فيرتفع المضارع اتفاقا ، نحو : إن ضربتني فزيدا أضرب ؛

ويجوز اعتراض القسم والدعاء والنداء والاسمية الاعتراضية ، بين الشرط والجزاء ، نحو : ان تأتني والله آتك ، وإن تأتني غفر الله لك ، آتك ، وإن تأتني يا زيد آتك. وإن تأتني ، ولا فخر ، أكرمك ،

ولا يجوز ، عند البصريين تقديم معمول الشرط على أداة الشرط ، نحو : زيدا ان تضرب يضربك ، وكذا معمول الجزاء ، فلا يجوز : زيدا إن جئتني أضرب. بالجزم ، بل ، إنما تقول : أضرب ، مرفوعا ، ليكون الشرط متوسطا ، و «زيدا أضرب» دالّا على جزائه ، أي : إن جئتني فزيدا أضرب ، وعلة ذلك كله ، أنّ لكلمة الشرط صدر الكلام ، كالاستفهام ؛

ولا يجوز ، أيضا : زيدا إن جاءك فأكرمه ، لما ذكرنا في المنصوب على شريطة التفسير : أنّ ما لا ينصب بنفسه لا يفسّر ، وأمّا إذا قلت : زيدا إذا جاءك ، تضرب ، أو تضربه ،

__________________

(١) من أبيات للطفيل الغنوي يتحدث فيها عن غارة له على طيء اثنى فيها على الخيل وذكر ما يحدث من انتصارات بسببها ؛

(٢) معناه : أن الكسر للقافية دليل على أن الفعل مجزوم. قال البغدادي : وإنما جاز الكسر في المجزوم دون المنصوب والمرفوع لأن الجزم في الأفعال نظير الجر في الأسماء ، فلما احتيج إلى تحريكه للقافية حرّكوه بحركة النظير ؛ ولأن النصب والجر يدخلان المضارع ولا يدخله الجر فلو حركوه لأجل القافية بالضم أو الفتح لا لتبس بالمضارع المرفوع أو المنصوب ، ونتيجة ذلك ان الكسر في آخر المضارع دليل على أنه مجزوم ؛

٩٥

وزيدا حين جاءك تضرب أو تضربه ، فإن لم تجر «إذا» و «حين» مجرى كلمات الشرط ، بل جعلتهما كيوم الجمعة في قولك : زيدا يوم الجمعة تضرب ، أو تضربه ، فنصب «زيدا» أولى ، إذا لم يشتغل الفعل بالضمير ، لقبح : زيد ضربت على تأويل ضربته (١) ؛

فإن قيل : أليس يكفي الضمير في : إذا جاءك ، وحين جاءك؟

قلت : لو لم يكن الفعل واقعا على زيد ، نحو : زيد حين جاءك تضرب عمرا ، لكفى ، لكن لمّا كان واقعا عليه معنى ، وهو الخبر في الحقيقة ، كان إظهار الضمير فيه أولى ، وأمّا إذا اشتغل الفعل بالضمير فرفع زيد ، أولى لما تبيّن في المنصوب على شريطة التفسير :

أن «زيد زرته» ، بالرفع ، أولى من النصب (٢) ؛

وان أجريت (٣) «إذا» و «حين» مجرى كلمات الشرط وجب رفع «زيد» عند البصريين ، كما ذكرنا في «إن» ، وشغل «تضرب ، إذن ، بالضمير ، أولى ، إن كان واقعا على «زيد» ، لأن جواب الشرط هو الخبر في الحقيقة ، والشرط قيد فيه ، فلا يعتبر الضمير الذي فيه ، فقولك : زيد إن جاءك فأكرمه ، أولى من : فأكرم ؛ وإن كان واقعا على غير المبتدأ من حيث المعنى ، نحو : زيد إن جاءك فأكرمني ، كفى الضمير في الشرط ؛

وأمّا الكوفيون ، فجوّزوا تقديم معمول الجزاء المجزوم على أداة الشرط ، قالوا : لأن حقّ الجواب التقديم ، فنحو ، ان تضرب أضرب ، كان عندهم في الأصل : أضرب ان تضرب ، فلما تأخر الجواب انجزم على الجوار ، قالوا والدليل على أن مرتبته التقديم قوله :

يا أقرع بن حابس يا أقرع

إنك إن يصرع أخوك تصرع (٤) ـ ٥٦٦

برفع الجواب ، مراعاة لأصله من التقديم ؛

__________________

(١) لأن الخبر الفعلي يقبح حذف العائد منه ؛

(٢) لعدم احتياجه إلى التقدير.

(٣) مقابل قوله : فإن لم تجر إذا ، وحين مجرى كلمات الشرط ؛

(٤) تقدم ذكره في الجزء الثالث من هذا الشرح ؛

٩٦

وردّ بمنع كون مرتبة الجزاء قبل الأداة ، لأن الجزاء من حيث المعنى ، لازم كما مرّ في الظروف المبنيّة (١) ، ومرتبة اللازم بعد الملزوم ، وقوله : تصرع ضرورة ، إمّا على حذف الفاء ، كقوله :

٦٧٨ ـ من يفعل الحسنات الله يشكرها (٢)

وقوله :

هذا سراقة للقرآن يدرسه

والمرء عند الرّشا إن يلقها ذيب (٣) ـ ٨٢

وقوله :

٦٧٩ ـ وإني متى أشرف من الجانب الذي

به أنت ، من بين الجوانب ناظر (٤)

فإنه لا يعلق الشرط بين المبتدأ والخبر ، إلا ضرورة ، فلا يقال : زيد إن لقيته كريم ، بل يقال : فكريم ، أي : فهو كريم ، حتى تكون الجملة الشرطية خبر المبتدأ ، وأمّا تعليقه بين القسم وجوابه ، نحو : والله إن جئتني لأكرمنك ، فسيجيء (٥) ؛

وإنما جاز تعليق «إذا» مع شرطه ، بين المبتدأ والخبر في قوله تعالى : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)(٦) ، فلعدم عراقة «إذا» في الشرطية ؛

وإمّا (٧) على التقديم والتأخير ، للضرورة ، أي إنك تصرع إن يصرع أخوك ؛ ويجوز

__________________

(١) في الجزء الثالث ؛

(٢) جميع النحاة يستشهدون بهذا البيت على حذف الفاء من جواب الشرط للضرورة وتمامه : والشر بالشر عند الله مثلان ، أو : سيّان والبيت في سيبويه ج ١ ص ٤٣٥ وقال الأصمعي ان صواب الرواية في البيت :

من يفعل الخير فالرحمن يشكره. كما سيأتي ، وهو منسوب إلى عبد الرحمن بن حسان بن ثابت أو كعب ابن مالك الأنصاري ؛

(٣) تقدم هذا البيت أكثر من مرة. وهو مجهول القائل ؛

(٤) من شواهد سيبويه ج ١ ص ٤٣٥ ، وهو من قصيدة لذي الرمة مطلعها.

لميّة أطلال بحزوى دواثر

عفتها السوافي بعدنا والمواطر

(٥) في الكلام على القسم. واجتماعه مع الشرط ؛

(٦) الآية ، ٤ في سورة النحل.

(٧) توجيه آخر لقوله إن بصرع أخوك ، مقابل قوله قبل : إما على حذف الفاء ؛

٩٧

أن يكون البيتان المذكوران هكذا ؛

وأمّا تقديم معمول الشرط على أداته ، فأجازه الكسائي ، دون الفراء ؛

واعلم أنه إذا تقدم على أداة الشرط ما هو جواب من حيث المعنى ، فليس عند البصريين بجواب له لفظا ، لأنّ للشرط صدر الكلام ، بل هو دالّ عليه ، وكالعوض منه ؛

وقال الكوفيون : بل هو جواب في اللفظ أيضا ، لم يجزم ولم يصدّر بالفاء لتقدمه ، فهو عندهم ، جواب واقع في موقعه ، كما ذكرنا ؛ وإنما ينجزم على الجوار إذا تأخر عن الشرط ، وذلك نحو : أضرب إن ضربتني ، ف «أضرب» جواب من حيث المعنى اتفاقا ، لتوقف مضمونه على حصول الشرط ، ولهذا لم يحكم بالإقرار في قولك : له عليّ ألف ، إن دخلت الدار ، وعند البصرية ، أيضا ، لا يقدر مع هذا المتقدم جواب آخر للشرط وإن لم يكن جوابا للشرط ، لأنه ، عندهم ، يغني عنه ، فهو مثل «استجارك» (١) المذكور الذي هو كالعوض من المقدّر ، إذا ذكرت أحدهما لم تذكر الآخر ، ولا يجوز عندهم أن يقال : هذا المقدم هو الجواب الذي كان مرتبته التأخر عن الشرط ، تقدّم على أداته ؛ لأنه لو كان هو الجواب ، للزم جزمه ، وللزم الفاء في نحو : أنت مكرم إن أكرمتني ، ولجاز : ضربت غلامه إن ضربت زيدا ، على أن الضمير في «غلامه» لزيد ، فمرتبته الجزاء عند البصرية بعد الشرط ، وعند الكوفيّة قبل الأداة ، كما مرّ ؛

وقد تدخل الواو على «ان» المدلول على جوابها بالمتقدم ، ولا تدخل إلا إذا كان ضدّ الشرط المذكور أولى بذلك المتقدم الذي هو كالعوض من الجزاء : من (٢) ذلك الشرط ، كقولك : أكرمه وإن شتمني ، فالشتم بعيد من إكرامك للشاتم ، وضدّه وهو المدح أولى بالاكرام ؛ وكذلك قوله : اطلبوا العلم ولو بالصين ؛ والظاهر أن الواو الداخلة على كلمة الشرط في مثله : اعتراضية ، ونعني بالجملة الاعتراضية : ما يتوسط بين أجزاء الكلام ، متعلقا به معنى ، مستأنفا لفظا على طريق الالتفات ، كقوله :

__________________

(١) يعني في قوله تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ) التوبة : آية ٦ ؛

(٢) متعلق بقوله : أولى بذلك المتقدم ؛

٩٨

فأنت طلاق ، والطلاق ألية

ثلاثا ، ومن يخرق أعقّ وأظلم (١) ـ ٢٣٦

وقوله :

٦٨٠ ـ وتحتقر الدنيا احتقار مجرّب

يرى كلّ من فيها ، وحاشاك ، فانيا (٢)

وقد تجيء بعد تمام الكلام ، كقوله عليه الصلاة والسّلام : «أنا سيّد ولد آدم ، ولا فخر» ، فتقول في الأوّل : زيد ، وإن كان غنيا : بخيل ، وفي الثاني : زيد بخيل وإن كان غنيا ؛ وجواب الشرط في مثله : مدلول الكلام ، أي : إن كان غنيا فهو بخيل. فكيف إذا افتقر ، والجملة كالعوض من الجواب المقدر ، كما تقرّر ، ولو أظهرته ، لم تذكر الجملة المذكورة. ولا الواو الاعتراضية ، لأن جواب الشرط ليس جملة اعتراضية ؛

وقال الجنزيّ (٣) ؛ هي واو العطف ، والمعطوف عليه محذوف ، وهو ضد الشرط المذكور الذي قلنا إنه هو الأولى بالجزاء المذكور ، فالتقدير ، عنده ؛ زيد إن لم يكن غنيا ، وإن كان غنيا ، فهو بخيل ؛ وقد تقدم في باب العطف جواز حذف المعطوف عليه مع القرينة ؛ لكنه يلزمه أن يأتي بالفاء في الاختيار فتقول : زيد وإن كان غنيا فبخيل ، لما تقدّم من أن الشرط لا يلغى بين المبتدأ والخبر اختيارا ؛

وأما على ما اخترنا من كون الواو اعتراضية ، فيجوز ، لأن الاعتراضية تفصل بين أيّ جزأين من الكلام كانا. بلا تفصيل ، إذا لم يكن أحدهما حرفا ؛

وعن الزمخشري أن الواو في مثله للحال ، فيكون الذي هو كالعوض من الجزاء عاملا في الشرط نصبا على أنه حال ، كما عمل جواب «متى» عند بعضهم في «متى» النصب على أنه ظرفه ، ومعنى الحال والظرف متقاربان ،

__________________

(١) تقدم ذكره في الجزء الثاني من هذا الشرح ؛

(٢) من قصيدة لأبي الطيب المتنبي في مدح كافور الأخشيدي ، والرضي يورد كثيرا من شعر المتنبي في هذا الشرح وقلنا إنه إما للتمثيل أو ان الرضي ممن يرون صحة الاستشهاد بمثل شعر المتنبي وأبي تمام ؛

(٣) هو أبو حفص ، عمر بن عثمان بن شعيب لجنزي ، إمام في النحو والادب. من علماء القرن السادس الهجري. ولم يذكر في هذا الشرح لا في هذا لموضع ،

٩٩

ولا يصح اعتراض الجنزي عليه بأن معنى الاستقبال الذي في «إن» يناقض معنى الحال الذي في الواو ، لأن حالية الحال باعتبار عامله ، مستقبلا كان العامل أو ماضيا ، نحو : اضربه غدا مجرّدا ، وضربته أمس مجردا ؛ واستقباليّة «إن» باعتبار زمان التكلم ، فلا تناقض بينهما ؛

أحكام متفرقة (١)

تتعلق بالجملة الشرطية

واعلم أنه إذا تقدم على الشرط ما هو جواب في المعنى ، فالشرط لا يكون ، إذن ، إلا ماضيا لفظا أو معنى ، نحو : أضربك إن ضربتني ، وأضربك إن لم تعطني ، وإنما جاز (٢) ذلك حتى لا تعمل الأداة في الشرط لفظا ، كما لا تعمل فيما هو كالجزاء عند البصريّة ، أو ما هو جزاء عند الكوفيّة ؛

وقد يجيء في الشعر مضارعا ، نحو : آتيك إن أتيتني ، أنشد سيبويه :

٦٨١ ـ فقلت تحمل فوق طوقك ، إنها

مطبّعة ، من يأتها لا يضيرها (٣)

كأنه قال : لا يضيرها من يأتها ، كقوله :

والمرء عند الرشا ان يلقها ذيب (٤) ـ ٨٢

أي : المرء ذيب ، على أحد التقديرين (٥) ؛

__________________

(١) استطراد أيضا من الرضي لاستكمال أحكام الشرط والجزاء ؛

(٢) قوله : وإنما جاز ذلك. ليس المراد ب الجواز المقابل للوجوب ، وإنما يريد : إنما كان هذا الشرط. أو : وإنما اشترط هذا الخ ؛

(٣) الضمير في انها لقرية يصفها بوفرة خيرها ، وهو المراد من قوله مطبعة ، أي مختومة بالطابع لأن الختم لا يكون إلا بعد أن يمتلئ المختوم ، والبيت من قصيدة لأبي ذؤيب الهذلي وهو في سيبويه : ج ١ ص ٤٣٨ ؛

(٤) تكرر ذكره في هذا الشرح.

(٥) والتقدير الثاني أنه خبر لمبتدأ محذوف والتقدير فهو ذيب ؛

١٠٠