محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي
المحقق: يوسف حسن عمر
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات مؤسّسة الصادق
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٢
وهذا المعنى مختص بالباء من بين حروف الجرّ ، نحو : ذهبت به ، وقمت به ، أي : أذهبته ، وأقمته ، ولا يكون مستقرا ، وما سمعته مقدرا إلا في قراءة (١) من قرأ : «ائتوني زبر الحديد» (٢) ، أي ائتوني بزبر الحديد ؛
قوله : «والظرفية» ، أي بمعنى «في» نحو :
٧٧٢ ـ ما بكاء الكبير بالأطلال |
|
وسؤالي وما ترد سؤالي (٣) |
أي : فيها ، وتكون للسببية ، كقوله تعالى : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا ..)(٤)
وقوله :
٧٧٣ ـ غلب تشذّر بالذحول كأنها |
|
جنّ البديّ رواسيا أقدامها (٥) |
وهي فرع الاستعانة ؛
وقيل : جاءت للتبعيض ، نحو قوله تعالى : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ)(٦) ، قال ابن جنّي (٧) ، ان أهل اللغة لا يعرفون هذا المعنى ، بل يورده الفقهاء ، ومذهبه أنها زائدة ، لأن الفعل يتعدى إلى مجرورها بنفسه ؛
وتجيء بمعنى «من» ، نحو : (عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ)(٨) ، وبمعنى «عن» نحو :
__________________
(١) قراءة شاذة قرأ بها المفضل وتقدمت في باب المتعدي ؛
(٢) الآية ٩٦ سورة الكهف ؛
(٣) مطلع قصيدة للأعشى ميمون بن قيس ، وبعضهم يعدها هي المعلقة ، ومنها بعض الشواهد في هذا الشرح ؛
(٤) الآية ١٦٠ سورة النساء ؛
(٥) من معلقة لبيد بن ربيعة العامري ، والغلب جمع أغلب أي قوي شديد ، والبديّ واد قالوا ان الجن تسكنه لا تبرحه ، وهو معنى قوله رواسيا اقدامها أي ثابتة لا تبرح ؛ وقوله تشذر بالذحول ، الذحول جمع ذحل وهو الثأر أي أنهم مشتملون على الأضغان يتصاولون بسببها ؛
(٦) من الآية ٦ في سورة المائدة ؛
(٧) أبو الفتح بن جني ممن تكرر ذكرهم في هذا الشرح ؛
(٨) الآية ٦ سورة الدهر ؛
(سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ)(١) ، وتجيء للتجريد ، نحو : رأيت بزيد أسدا ، أي : برؤيته أسدا ، كما مرّ في «من» ،
قوله : وزائدة في الخبر والاستفهام» ، بهل ، لا في مطلق الاستفهام ، فلا يقال : أزيد بقائم ، كما يقال : هل زيد بقائم ؛
قوله : «والنفي» ، بليس ، نحو : ليس زيد براكب ، وبما ، نحو : ما زيد براكب ، وقيل : بلا التبرئة أيضا ، نحو : «لا خير بخير بعده النار» (٢) والأولى أنها بمعنى «في» ، ولم يسمع في النفي بإن ، فما كان للمصنف أن يطلق النفي والاستفهام ؛
وتزاد قياسا في مفعول علمت وعرفت ، وجهلت ، وسمعت ، وتيقّنت وأحسست ، وقولهم : سمعت بزيد وعلمت به ، أي بحال زيد ، على حذف المضاف ؛
وتزاد قياسا ، أيضا ، في المرفوع في كل ما هو فاعل لكفى وتصرّفاته ، وفي فاعل أفعل في التعجب على مذهب سيبويه (٣) ، وفي المبتدأ الذي هو : حسبك ؛ وتزاد شاذا في خبر المبتدأ الموجب نحو : (جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها)(٤) ، عند الأخفش ؛ وتزاد سماعا بكثرة في المفعول به نحو : ألقى بيده ، ونحو :
٧٧٤ ـ نحن بنو ضبّة أصحاب الفلج |
|
نضرب بالسيف ونرجو بالفرج (٥) |
__________________
(١) الآيتان الأولى والثانية سورة المعارج ؛
(٢) من كلام لسيدنا علي بن أبي طالب في نهج البلاغة ، وقيل انه حديث وتقدم ذكره في الجزء الثاني باب لا النافية للجنس ؛
(٣) وهو أن أفعل ماض جاء على صورة الأمر ؛
(٤) من الآية ٢٧ سورة يونس ؛
(٥) رواية الصدر هكذا برفع بنو ، على أنه إخبار وليس من باب الاختصاص كما في بنا تميما ، ورواه بعضهم بنصب بني على أنه اختصاص كما أن الرواية الصحيحة لهذا الرجز نحن بني جعدة ، وهي قبيلة ومن هنا قال بعض شراح الشواهد انه للجعدي ، ولم يقل النابغة الجعدي ، والفلج ، المراد به الظفر والنصر وقال البغدادي ان الرجز الذي فيه بني ضبة ، هو : نحن بني ضبة أصحاب الجمل ، قال وهو مما قيل في وقعة يوم الجمل ؛
وقليلا في خبر «لكنّ» ، قال :
٧٧٥ ـ ولكنّ أجرا لو فعلت بهيّن |
|
وهل ينكر المعروف في الناس والأجر (١) |
ومع «أنّ» مرفوعة (٢) ، قال :
٧٧٦ ـ ألا هل أتاها والحوادث جمة |
|
بأنّ امرأ القيس بن تملك بيقرا (٣) |
وقد ذكرت مواضع زيادتها في «ما» الحجازية (٤) ،
ومن غريب زيادتها : أن تزاد في المجرور ، نحو قوله :
٧٧٧ ـ فأصبحن لا يسألنه عن بما به |
|
أصعّد في علو الهوى أم تصوّبا (٥) |
وتضمر كثيرا مع «الله» في القسم ، نحو : ألله لأفعلنّ ، وشاذا قليلا في غيره ، كقول رؤبة : خير ، لمن قال له : كيف أصبحت؟
* * *
قوله : «واللام للاختصاص» ، لام الجرّ مكسورة مع غير الضمير ، مفتوحة معه ، وكسرها معه أيضا : لغة خزاعية ، وربّما فتحت قبل «أن» المضمرة ، نحو : ليعلم (٦) بفتح الميم ، وتقل فتحها مع جميع المظهرات ؛
اعلم أن كل كلمة على حرف واحد ، كالواو ، والفاء ، ولام الابتداء ... فحقها الفتح ، لثقل الضمة والكسرة على الكلمة التي هي في غاية الخفة بكونها على حرف ،
وإنما كسرت باء الجرّ ولامه لموافقة معمولهما ، ولم تكسر كاف التشبيه ، لأنها تكون
__________________
(١) وجه الشاهد فيه زيادة الباء في خبر لكن ، وبعد أن شرحه البغدادي قال إن قائله غير معروف ؛
(٢) أي واقعة مع جملتها في محل رفع ؛
(٣) من قصيدة لامرئ القيس. قالها في رحلته إلى ملك الروم للاستنجاد به في الأخذ بثأر أبيه وتقدم بعض أبياتها ، وتملك على صيغة الفعل المضارع : اسم امرأة من جدّات امرئ القيس ، وبيقر ، فعل ماض معناه : هجر وطنه إلى وطن آخر ، وله معان أخرى ، أنسبها بالبيت ما ذكرنا.
(٤) في الجزء الثاني من هذا الشرح ؛
(٥) بيت مجهول القائل ، مع استشهاد كثير من النحويين به ؛
(٦) بفتح لام الجر في أول الفعل ، وقوله بفتح الميم ليبين أن اللام للتعليل وأن مقدرة بعدها ليكون الفعل من المواضع التي أشار إلى فتح اللام فيها ؛
اسما ، أيضا ، فجرّها ، إذن ، ليس بالأصالة ، بل للقيام مقام الحرف ، عند من قال إن المضاف هو الجارّ ؛
وإنما بقيت لام الجر ، الداخلة على المضمر على فتحها ، إلحاقا لها بسائر اللامات كلام الابتداء ، ولام جواب «لو» وغير ذلك ؛
وإنما خصّت لام المضمر بذلك ، لأنها لا تلتبس ، إذن ، بغيرها من اللامات إذ المضمر المجرور ، غير المرفوع ؛ ولو فتحت في غير المضمر لالتبست بلام الابتداء ، والفرق بالاعراب لا يتمّ ، إذ ربّما يكون الظاهر مبنيا ؛ أو موقوفا عليه ،
وفائدة اللام : الاختصاص ، إمّا بالملكيّة ، نحو : المال لزيد ، أو بغيرها ، نحو : الجلّ للفرس ، والجنة للمؤمن ، والابن لزيد ؛
والتي تسمّى لام العاقبة نحو :
٧٧٨ ـ لدوا للموت وابنوا للخراب |
|
فكلكم يصير إلى ذهاب (١) |
وقوله تعالى : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ)(٢) ، فرع لام الاختصاص ، كأنّ ولادتهم للموت ، وخلقهم لجهنم ، وكذا التي للتعليل نحو : جئنك للسّمن وللضرب ، إذ المجيء مختص بذلك ؛
واللام المقوية للعامل الضعيف بتأخيره عن معموله ، نحو : لزيد ضربت ، وبكونه اسم فاعل نحو : أنا ضارب لزيد ، أو مصدرا ، نحو : ضربي لزيد حسن ، وبكونه مقدّرا نحو : يا لزيد ، ويا للماء : لام الاختصاص ، صارت الأخيرة مع ذلك ، علما للاستغاثة أو التعجب ؛
__________________
(١) الشطر الأول رواه بعضهم في أبيات منسوبة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه قال البغدادي وهي في الديوان المنسوب إليه ، وأما مع العجز المذكور معه هنا فقد نقل البغدادي أن بعضهم نسبه إلى الملائكة ، وصدره في ديوان علي بن أبي طالب :
له ملك ينادي كل يوم .. لدوا للموت الخ وقد ورد هذا المعنى في شعر كثير ؛
(٢) الآية ١٧٩ سورة الأعراف ؛
وقد تجيء بمعنى «إلى» نحو : سمع الله لمن حمده ، أي : استمع الله إلى من حمده ، و : (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي) ، أي إلى الذي ؛ وبمعنى «على» نحو : (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ)(١) أي عليه ، و : (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً)(٢) ، أي عليها ؛
قوله : «وزائدة» ، في (رَدِفَ لَكُمْ)(٣) ، لأن ردف يتعدّى بنفسه ، وكذا في : شكرت له ، على ما مرّ في باب المتعدّي (٤) ، وأمّا في : وزنته المال ، ووزنت له ، فاللام ليست بزائدة ، بل هي معدّية قد تحذف تخفيفا ؛
وهي في : لا أبا لك ، زائدة عند سيبويه ؛ وكذا اللام المقدرة بعدها «أن» ، بعد فعل الأمر والإرادة ، كقوله تعالى : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا)(٥) وقولك : ما أريد لأنسى حاجتي ، وقيل : هما بمعنى «أن» والظاهر هو الأول ، لقوله تعالى : (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ)(٦) ؛ وهي زائدة أيضا ، في قوله تعالى : (وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ)(٧) ، لقوله : (وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ ..)(٨) ؛
وكذا اللام في قوله :
فلا والله لا يلفى لما بي |
|
ولا للما بهم أبدا دواء (٩) ـ ١٣٠ |
ويجوز أن يقال : ان الثانية للتأكيد ، تأكيدا لفظيا ؛
قوله : «وبمعنى عن ، مع القول» ، يعني في نحو قوله تعالى : «وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا
__________________
(١) الآية ١٠٣ سورة الصافات ؛
(٢) الآية ١٠٧ سورة الإسراء ؛
(٣) من الآية ٧٢ سورة النمل ؛
(٤) من هذا الجزء.
(٥) من الآية ٥ سورة البيّنة ؛
(٦) من الآية ١٢ سورة الزمر ؛
(٧) الآية ٢٦ سورة الحج ؛
(٨) الآية ٩٣ سورة يونس ؛
(٩) تقدم ذكره في الجزء الأول في تابع المنادي ، وتكرر في باب التوكيد ـ قسم التوابع ؛
لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ» (١) ، ولو كانت كاللام في قولك : قلت لزيد لا تفعل ، لقال : ما سبقتمونا إليه ، وقد ذكرنا في أفعال القلوب ، الكلام على هذا (٢) ؛
قوله : «وبمعنى الواو في القسم للتعجب» نحو : لله لا يؤخّر الأجل ؛
وقولهم في التعجب ، يعنون : في الأمر العظيم الذي يستحق أن يتعجب منه ، فلا يقال : لله لقد قام زيد ، بل يستعمل في الأمور العظام ، نحو : لله لتبعثنّ وقيل : ان اللام في : (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ)(٣) ، و : (لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا)(٤) ، للتعجب ، والأولى أن تكون للاختصاص ، إذ لم يثبت لام التعجب إلّا في القسم ، وقيل : تجيء بمعنى «في» وبمعنى «بعد» وبمعنى «قبل» ، في قوله تعالى : (جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ)(٥) ، أي في يوم ، وكتبته لثلاث خلون ، أي بعد ثلاث ، ولثلاث بقين ، أي : قبل ثلاث ، والأولى بقاء الثلاثة على الاختصاص ، كما مرّ في باب العدد (٦) ؛
[ربّ]
[معناها واستعمالها]
[قال ابن الحاجب :]
«وربّ للتقليل ، ولها صدر الكلام ، مختصة بنكرة موصوفة»
«على الأصح ، وفعلها ماض محذوف غالبا ، وقد تدخل»
__________________
(١) الآية ١١ سورة الأحقاف ؛
(٢) في هذا الجزء.
(٣) أول سورة قريش ؛
(٤) الآية ٢٧٣ سورة البقرة ؛
(٥) الآية ٩ سورة آل عمران ؛
(٦) في الجزء الثالث من هذا الشرح ؛
«على ضمير مبهم مميّز بنكرة ، والضمير مفرد مذكر ، خلافا»
«للكوفيين في مطابقة التمييز ، ويلحقها ، ما ، فتدخل على»
«الجمل ، وواوها تدخل على نكرة موصوفة» ؛
[قال الرضي :]
في «ربّ» ثماني لغات : أشهرها ضم الراء وفتح الباء مشدّدة ؛ والثانية : ضم الراء وفتح الباء مخففة ، والثالثة : ضم الراء وضم الباء المخففة ، والرابعة : ضم الراء وإسكان الباء المخففة ، والخامسة فتح الراء وفتح الباء المشددة ، والسادسة فتح الراء وفتح الباء المخففة ؛ والسابعة والثامنة : ضم الراء وفتح الباء مشددة ومخففة بعدها تاء مفتوحة ؛ ووضع «ربّ» للتقليل ، تقول في جواب من قال : ما لقيت رجلا ، ربّ رجل لقيت ، أي لا تنكر لقائي بالمرة ، فإني لقيت منهم شيئا وإن كان قليلا ؛
قال ابن السّراج (١) : النحاة كالمجمعين على أن «ربّ» جواب لكلام إمّا ظاهر أو مقدّر ، فهي في الأصل موضوعة لجواب فعل ماض منفي ، فلهذا لا يجوزون : رب رجل كريم أضرب ؛ بل : ضربت ، وإنما كان محذوفا في الغالب لدلالة الكلام السابق عليه ؛
هذا الذي ذكرنا من التقليل أصلها ، ثم تستعمل في معنى التكثير ، حتى صارت في معنى التكثير كالحقيقة وفي التقليل كالمجاز المحتاج إلى القرينة ، وذلك نحو قوله :
٧٧٩ ـ أزهير إن يشب القذال فإنه |
|
رب هيضل لجب لفقت بهيضل (٢) |
وقوله :
__________________
(١) تقدم ذكره كثيرا ؛
(٢) من شعر أبي كبير الهذلي. وزهير بفتح الراء ترخيم زهيرة وقد بدأ بذكرها كثيرا من قصائده ، والهمزة فيه للنداء ؛
ماويّ ، يا ربّتما غارة |
|
شعواء كاللذعة بالميسم (١) ـ ٧٤٤ |
وقوله :
٧٨٠ ـ فإن تمس مهجور الفناء فربّما |
|
أقام به بعد الوفود وفود (٢) |
ووجه ذلك أن المادح يستقل الشيء الكثير من المدائح لأن الكثير منها كأنه قليل بالنسبة إلى الممدوح بها ، وذلك أبلغ الوجهين في المدح ؛
ومن هذا القبيل قوله تعالى : (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ ..)(٣) ، لأن «قد» لتقليل المضارع في الأصل ، وذلك كما يقول المتمدّح بكثرة العلم : لا تنكر أني أعرف شيئا من العلم وإن كان قليلا ؛
وهي حرف جر عند البصريين ، خلافا للكوفيين والأخفش ؛
وإنما حملهم على ارتكاب جعلها حرفا مع أنها في التقليل ، مثل «كم» في التكثير ، ولا خلاف في اسميتها ؛ بل هي مفيدة للتكثير في الأغلب كما ذكرنا كإفادة «كم» : أنهم لم يروها تنجرّ بحرف جر ولا بإضافة ، كما تنجر «كم» فلا يقال بربّ رجل ، ولا : غلام ربّ رجل ؛
وتشكل عليهم حرفيتها بنحو : ربّ رجل كريم أكرمت ، فإن حروف الجر : هي ما يفضي الفعل إلى المفعول الذي لولاها لم يفض إليه ، وأكرمت ، يتعدّى بنفسه ؛ قال
__________________
(١) تقدم ذكره أكثر من مرة في هذا الجزء ؛
(٢) من أبيات أوردها أبو تمام في باب المراثي من الحماسة لأبي العطاء السندي ، في رثاء يزيد بن هبيرة الغزاري يقول فيها :
ألا ان عينا لم تجد يوم واسط |
|
عليك بجاري دمعها لجمود |
وقوله فان تمس بالخطاب للميت ، أي ان أمسى فناء بيتك مهجورا فربما أقام به الخ ؛
(٣) أول الآية ١٨ سورة الأحزاب ؛
صاحب المغني (١) : إنما ذلك لأنه يضعف الفعل المتأخر من المفعول ، عن العمل ، فيعمد بحرف الجر ، كقوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ)(٢) ، ولا سيّما إذا وجب تأخير الفعل ، كما في «ربّ» ؛
والجواب ، أن العادة ، أن يعمد مثل ذلك الضعيف باللام فقط من بين حروف الجر ، لإفادتها التخصيص ، حتى تخصّ مضمون ذلك الضعيف عن العمل في ذلك المفعول ، بذلك (٣) المفعول ، فلا يستنكر عمله فيه ، نحو : لزيد ضربت وأنا ضارب لزيد ، وضربي لزيد حسن ؛ ويشكل أيضا بمثل قولك : رب رجل كريم أكرمته ، لأن الفعل لا يتعدى إلى مفعول بحرف الجر ، وإلى ضميره معا ، فلا يقال : لزيد ضربته ؛
واعتذروا بأن أكرمته ، صفة وأن العامل محذوف ؛ وهو عذر بارد ، لأن معنى رب رجل كريم أكرمت ، وأكرمته : شيء واحد ، والأول جواب بلا خلاف ، ولا شك أنك إذا قلت في جواب من قال ، ما أكرمت رجلا : ربّ رجل كريم أكرمته ، لم يحتج معنى الكلام إلى شيء آخر مقدر ، مثل : تحققت أو : ثبت ، على ما ادّعوا ؛
وإن اعتذروا بأن الضمير في أكرمته ، للمصدر ، أي : أكرمت الإكرام ، كما قيل في قوله :
هذا سراقة للقرآن يدرسه |
|
والمرء عند الرشا ان يلقها ذيب (٤) ـ ٨١ |
كان أبرد (٥) ، لأن ضمير المصدر المنصوب بالفعل قليل الاستعمال ، بخلاف نحو : ربّ
__________________
(١) منصور بن فلاح اليمني صاحب المغني في النحو. أحد معاصري الرضي ، وتكرر ذكره ؛
(٢) من الآية ٤٣ سورة يوسف ؛
(٣) متعلق بقوله حتى تخصّ أي اللام ؛
أكثر من مرة في هذا الشرح ؛
قوله قبل ذلك بقليل ؛ وهذا عذر بارد ؛ في رده على قولهم ان «أكرمته» صفة ، وأن العامل صالح ، ويكثر من الرضي مثل هذا الرد القاسي في نقده لآراء غيره ؛
رجل كريم لقيته ؛ وإن قالوا : إن «لقيته» مفسّر للقيت ، المقدّر كما في : زيدا ضربته : جاء الإشكال الأول ، مع أنه لم يثبت في كلامهم تفسير الناصب للجار والمجرور بفعل آخر ، نحو : بزيد جاوزته ، أي : مررت بزيد جاوزته ، ويشكل ، أيضا ، بنحو : رب رجل كريم جاءني ، في جواب من قال : ما جاءك رجل ، ولا شك أن : جاءني ، هو جواب ربّ ، إذ لا يتوقف معنى الكلام على شيء آخر ، بل تمّ بقولك : جاءني ، فيكون كقولك : بزيد مرّ (١) ، والضمير في مرّ ، لزيد ، وكقولك : زيدا اضرب ، والضمير للمنصوب ، وقد مرّ في المنصوب على شريطة التفسير (٢) ؛ امتناع ذلك ، فإن ارتكب مرتكب متمحّلا أن جاءني صفة ، والعامل تحققت ونحوه ، فهو محال لعدم توقف معنى الكلام عليه ؛ مع أن المصنف صرّح في شرح قوله : «محذوف غالبا» بأنه قد يظهر نحو : ربّ رجل كريم قد حصل ؛
ويقوى عندي مذهب الكوفيين والأخفش ، أعني كونها اسما ؛ فربّ : مضاف إلى النكرة ، فمعنى ربّ رجل ، في أصل الوضع : قليل من هذا الجنس ، كما أن معنى كم رجل : كثير من هذا الجنس ، وإعرابه : رفع أبدا ، على أنه مبتدأ لا خبر له ، كما اخترنا في باب الاستثناء في قولهم : أقلّ رجل يقول ذلك إلا زيد (٣) ، فإنهما يتناسبان ، بما في «ربّ» من معنى القلّة ،
وكما أن نواسخ المبتدأ لا تدخل في نحو :
غير مأسوف على زمن |
|
ينقضي بالهم والحزن (٤) ـ ٥٣ |
__________________
(١) بصيغة المبني للمجهول ؛
(٢) في الجزء الأول من هذا الشرح ؛
(٣) انظر باب الاستثناء في الجزء الثاني من هذا الشرح ؛
(٤) تقدم ذكره في باب المبتدأ والخبر. من الجزء الأول وهو من شعر أبي نواس : الحسن بن هانئ ؛
وقولهم : خطيئة يوم لا أصيد فيه (١) ، لتضمنه معنى النفي الذي له صدر الكلام ، فكذا لا تدخل على «ربّ» ، لأن القلة ، عندهم ، تجري مجرى النفي فمن ثمّ ، كان لربّ صدر الكلام ؛
قال أبو عمرو : (٢) ربّ لا عامل لها ، لأنها ضارعت النفي ، والنفي لا يعمل فيه عامل ؛ ولتضمنها معنى النفي ، كان القياس ألّا يجيء وصف مجرورها إلا فعلية ، كما في : أقلّ رجل ، المتضمن معنى النفي ، وذلك لأن النفي يطلب الفعل ؛ إلّا أن «ربّ» لخروجها إلى معنى الكثرة في أكثر مواضعها جاز وقوع نعت مجرورها : اسمية كما في قوله :
٧٨١ ـ يا ربّ هيجا هي خير من دعه (٣)
ويكثر وقوعه ، أيضا ، صفة معطية لمعنى الفعل ههنا ، بخلاف باب : أقل رجل ، كما مرّ في باب الاستثناء ، قال صلّى الله عليه وسلّم : «ألا ربّ نفس طاعمة ناعمة في الدنيا : جائعة عارية يوم القيامة» ، ويتم الكلام بقوله : جائعة عارية ، بلا تقدير شيء آخر ، خلافا لما ذهب إليه البصريون من تقدير العامل ، والأكثر مراعاة الأصل في وقوعه فعلية ، إما ظاهرة ، أو مقدرة ، فالظاهرة كقوله :
٧٨٢ ـ ربّ رفد هرقته ذلك اليو |
|
م وأسرى من معشر أقيال (٤) |
وليس الجواب محذوفا ، كما قال أبو علي (٥) ، لأنه قد تمّ الكلام بقوله : ربّ رفد
__________________
(١) معناه يخطئ يوم لا أصيد فيه والمراد لا يمر يوم إلا ويحدث فيه صيد وانظره في باب المبتدأ ؛
(٢) أي أبو عمرو بن العلاء أحد متقدمي النحاة وكان إماما في القراءات وهو أحد القراء السبعة وتكرر ذكره في هذا الشرح ؛
(٣) من رجز قاله لبيد بن ربيعة العامري وهو صغير وجهه إلى النعمان بن المنذر وكان سببا في هجر النعمان للربيع بن زياد العبسي ؛ لأن لبيدا ضمنه أوصافا في الربيع جعلت النعمان يتقزز من الأكل معه ؛
(٤) من القصيدة التي تقدم مطلعها للأعشى ميمون بن قيس والتي يرى بعض العلماء أنها المعلقة ، وهذه في مدح الأسود بن المنذر أخي النعمان بن المنذر ؛
(٥) أي الفلوسي وتكرر ذكره ؛
هرقته ، ولا يتوقف على شيء آخر ، والرّفد : القدح الضخم ، يقال : هريق رفده ، إذا مات ، وهو كناية كقولهم : صفر وطابه ؛ والمقدرة كما في قوله : وأسرى من معشر أقيال ، أي : أسرى من معشر ، حصلت لي.
وأمّا نعت مجرور «أقلّ» ، ففعلية أو ظرفية ، كما اخترنا في باب الاستثناء ، واستشهد الأخفش على اسمية «ربّ» بقوله :
٧٨٣ ـ إن يقتلوك فإن قتلك لم يكن |
|
عارا عليك وربّ قتل عار (١) |
وقال : ربّ مبتدأ ، وعار خبره ، والأولى أن يكون «عار» خبر مبتدأ محذوف والجملة نعت مجرور ربّ ، كقوله : يا ربّ هيجا هي خير من دعه.
قوله : «لها صدر الكلام» ، لما ذكرنا ؛ قوله : «مختصة بنكرة» ، كما أنّ «كم» مختصة بالنكرات ، وإنما وجب دخولها على النكرة ، لأن النكرة محتملة للقلة والكثرة ، نحو : جاءني رجل ، وما جاءني رجل ، فلو لم تحتملها لم تستعمل فيهما ، والمعرفة إمّا دالة على القلة فقط ، كالمفرد والمثنى المعرّفين ، وإمّا دالة على الكثرة دون القلة كالجمع المعرف ؛ وربّ ، وكم ، علامتان للقلة والكثرة ، وإنما يحتاج إلى العلامة في المحتمل ، حتى يصير بها نصا ؛
قوله : «موصوفة على الأصح» ، هذا مذهب أبي علي وابن السّراج ، ومن تبعهما ، وقيل : لا يجب ذلك ، والأولى : الوجوب ، لأن «ربّ» مبتدأ على ما اخترنا ، لا خبر له ، لإفادة صفة مجروره معنى الجملة ، كما في : أقل رجل يقول ذلك على ما اخترنا ، وقولهم : خطيئة يوم لا أصيد فيه ، ولا يوصف «ربّ» فلا يقال : ربّ رجل كريم بالرفع ، كما لا يوصف «أقل» ، لكون «ربّ» كحروف النفي فإن التقليل عندهم كالنفي ، فلهذا
__________________
(١) من أبيات في رثاء يزيد بن المهلب بن أبي صفرة قالها ثابت بن كعب الذي اشتهر بثابت قطنة لأنه أصيب بسهم في إحدى عينيه وذهب إلى الحرب ، وكان فارسا. فحشى في عينه قطنة ، فاشتهر بذلك وقيل فيه شعر ؛
لا يتقدم عليه ناسخ ، ولزم الصّدر ؛
قوله : «محذوف غالبا» ، إذا كان الكلام الذي ، ربّ جواب عنه ، مصرّحا به نحو : ما لقيت رجلا ، لم يمتنع حذف نعت مجرور ربّ ، لدلالة القرينة عليه ، وكذا إذا كانت القرينة غير ذلك ، كما في قوله : وأسرى من معشر أقيال (١) ، أي : أسرتهم ، وإن لم تكن هناك قرينة ، وجب وصف مجرور «ربّ» بما يفيد معنى الكلام التام ، كما ذكرنا في : أقلّ رجل يقول ذلك ؛
ووصفه ، إمّا فعلية ، نحو : ربّ رجل كريم لقيته ، أو : جار ومجرور أو ظرف ، نحو : ربّ رجل في الدار ، أو ، أمامك ، أو اسمية نحو :
يا ربّ هيجا هي خير من دعه (٢) ـ ٧٨١
أو صفة مشتقة ، نحو قوله صلّى الله عليه وسلّم : «رب نفس طاعمة ناعمة» الخبر بتمامه (٣) ، وليس شيء من هذه الأشياء عاملا في «ربّ» بل هو وصف لمجرورها ، كما ذكرنا ، وتسميته بجواب «ربّ» : بعيد ؛
ويجوز أن يعطف قياسا على المجرور بربّ ، وبكم ، وعلى النكرة المجرورة بكلّ ، وأيّ : اسم مضاف إلى ضميرها ، لكون ذلك الضمير نكرة ، كما مرّ في باب المعارف (٤) ، نحو : ربّ شاة وسخلتها ، وكم ناقة وفصيلها ، وكل رجل وأخيه ، وأيّ رجل وغلامه ؛
وقال الجزولي (٥) : هذا المعطوف معرفة ، لكنه جاز ذلك لأنه يجوز في التابع ما لا يجوز في المتبوع ؛ ولو كان كما قال ، لجاز ربّ غلام والسيّد ؛
__________________
(١) الشاهد المتقدم من قصيدة الأعشى ؛
(٢) الرجز الذي تقدم أنه من شعر لبيد بن ربيعة ؛
(٣) إشارة إلى الحديث المتقدم قريبا ؛
(٤) في الجزء الثالث من هذا الشرح ؛
(٥) تقدم ذكره كثيرا ؛
قوله : «وتدخل على مضمر» ، هذا الضمير نكرة كما مرّ في باب المعارف ؛
قوله : «مميّز بنكرة ، إلى قوله : في مطابقة التمييز» ، مضى شرحه في باب نعم وبئس (١) ،
قوله : «ويلحقها «ما» ، إذا دخلها «ما» فالأكثر كونها كافّة ، وربّ المكفوفة ، لا محل لها من الإعراب ، وإن كانت اسما على ما اخترنا ، لكونها بمعنى «قلّما» ، وكونها كحرف النفي الداخل على الجملة ؛
وقد جاءت «ما» بعد «ربّ» زائدة ، قال :
٧٨٤ ـ ربّما ضربة بسيف صقيل |
|
بين بصرى ، وطعنة نجلاء (٢) |
وقال :
ماويّ ، يا ربتما غارة |
|
شعواء كاللذعة بالميسم (٣) ـ ٧٤٤ |
ومثلها «ما» التي تلي كاف التشبيه ، الأولى أن تكون كافة ، نحو : كن كما أنت ، أي : كما أنت كائن ، وزيد صديقي كما عمرو أخي ؛
وشذ إعمال الكاف مع «ما» ؛ و «ما» لا تكف «عن» نحو : (عَمَّا قَلِيلٍ)(٤) وأمّا إذا وليت الباء ومن ، فالأولى زيادتها ، وإعمال الجارّين ، نحو : (فَبِما رَحْمَةٍ)(٥) ، و : (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ)(٦) ، وقد تكفهما ، كما يجيء ؛
__________________
(١) في هذا الجزء.
(٢) من أبيات لشاعر اسمه عدّي بن الرعلاء ، منها البيتان المشهوران : ليس من مات فاستراح بميت .. الخ البيتين ؛
(٣) تقدم ذكره قريبا ؛
(٤) من الآية ٤٠ سورة المؤمنون ؛
(٥) من الآية ١٥٩ سورة آل عمران ؛
(٦) من الآية ٢٥ سورة نوح ؛
و «ربّ» المكفوفة ، لا تدخل إلا على الفعل ، كما قال سيبويه (١) ؛ وقوله :
٧٨٥ ـ ربّما الجامل المؤبّل فيهم |
|
وعناجيج بينهنّ المهار (٢) |
شاذ عنده ؛ ومثله قياس عند الجزولي ، فيجيز : ربما زيد قائم ، والتزم ابن السّراج وأبو علي في الإيضاح : كون الفعل ماضيا ، لأن وضع «ربّ» ، للتقليل في الماضي ، كما ذكرنا ، والعذر عندهما في نحو قوله : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ)(٣) ، أن مثل هذا المستقبل ، أي الأمور الأخروية : غالب عليها في القرآن ذكرها بلفظ الماضي ، نحو : (وَسِيقَ الَّذِينَ)(٤) و : (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ)(٥) ،
وقال الرّبعي (٦) : أصله : ربما كان يود ، فحذف «كان» لكثرة استعماله مع «ربما» ، والأوّل أحسن ، وقال :
٧٨٦ ـ قتلنا ونال القتل منا وربّما |
|
يكون على القوم الكرام لنا الظفر (٧) |
أي : ربما كان ، مثل قوله :
٧٨٧ ـ وانضح جوانب قبره بدمائها |
|
فلقد يكون أخا دم وذبائح (٨) |
__________________
(١) انظر سيبويه ج ١ ص ٤٥٩ ؛
(٢) العناجيج جمع عنجوج ، وهي الخيل الطويلة الأعناق ، والمهار جمع مهر ، أما الجامل فهو اسم جمع جمل ، والمؤبل الذي يتخذ للاقتناء ، والبيت لأبي دؤاد الايادي من أبيات يتحدث فيها عن قومه وما كانوا عليه ، ختمها بقوله :
ذاك دهر مضى فهل لدهور |
|
كنّ في سالف الزمان انكرار |
انكرار أي رجوع ؛
(٣) الآية الثانية في سورة الحجر ؛
(٤) صدر كل من الآيتين ٧١ ، ٧٣ في سورة الزمر ؛
(٥) أول الآية ٤٤ سورة الأعراف ؛
(٦) ممن تكرر ذكرهم في هذا الشرح ؛
(٧) أورده البغدادي ولم يتعرض لذكر قائله ؛
(٨) من قصيدة لزياد الأعجم ، في رثاء المغيرة بن المهلب بن أبي ضفرة منها قوله : ـ
والمشهور جواز دخول «ربّما» على المضارع بلا تأويل ، كما ذكره أبو علي في غير الإيضاح ؛
وقوله :
ربّما تكره النفوس من الأمر ... البيت (١) ـ ٤٢٥
«ما» فيه نكرة موصوفة عند النحاة ، لا كافة ، كما مرّ في الموصولات (٢) ؛
وقد يحذف الفعل بعد ربّما ، عند القرينة ، قال :
٧٨٨ ـ فذلك إن يلق المنية يلقها |
|
حميدا وإن يستغن يوما فربّما (٣) |
أي : ربّما يتوقع ذلك ؛
قوله : «وواوها» ، أي واو ربّ ، مثل قوله :
٧٨٩ ـ وبلدة ليس بها أنيس |
|
إلا اليعافير وإلا العيس (٤) |
اعلم أن حروف الجر لا تحذف مع بقاء عملها قياسا ، إلا في : «الله» قسما ، عند البصريين ، وأجاز الكوفية قياس سائر ألفاظ المقسم به ، على «الله» نحو : المصحف لأفعلنّ ، وذلك غير جائز عند البصرية ، لاختصاص لفظة «الله» بخصائص ليست لغيرها تبعا لاختصاص
__________________
إن السماحة والمروءة ضمنا |
|
قبرا بمرو على الطريق الواضح |
وقبل بيت الشاهد قوله :
فإذا مررت بقبره فاعقر به |
|
كوم الجلاء وكلّ طرف سابح |
(١) تقدم ذكره في باب الموصول ، أول الجزء الثالث. وهو في سيبويه ج ١ ص ٢٧٠ ؛
(٢) أول الجزء الثالث من هذا الشرح ؛
(٣) من أبيات نسبها بعضهم لعروة بن الورد : عروة الصعاليك ، ولكن الذي في شعر عروة : آخره : وإن يستغن يوما فأجدر ، ونسبها بعضهم لحاتم الطائي ، ولحاتم قصيدة على هذا النمط ولكن البيت الذي يشتبه بهذا هو قوله :
فذلك إن يهلك فحسنى ثناؤه |
|
وان يحيى لا يقعد ضعيفا ملوّما |
وقد عرض البغدادي ذلك كله وختم بقوله : والله أعلم بقائل هذه الأبيات التي منها الشاهد المذكور هنا ؛
(٤) من شعر جران العود النميري ، واليعافير جمع يعفور ، وهو نوع من الظباء ، والعيس : الابل البيضاء ؛
مسمّاها بخصائص ، فمنها : اجتماع «يا» واللام في : يا الله ، ومنها قطع الهمزة في : يا ألله ، و : أفألله وها ألله ، ومنها الجر بلا عوض من الجار ، ومع عوض عنه بهاء التنبيه نحو : ها الله ، وهمزة الاستفهام نحو : آلله ، ومنها تعويض الميم عن حرف النداء نحو : اللهمّ ، ومنها تفخيم لامه بعد الضم والفتح ، وترقيقها بعد الكسر ؛
ويحذف حرف الجر قياسا مع بقاء عمله ، إذا كان الجارّ «ربّ» بشرطين : أحدهما أن يكون ذلك في الشعر خاصة ، والثاني أن تكون بعد الواو ، أو الفاء ، أو بل ؛ وأما حذفها من دون هذه الحروف نحو :
٧٩٠ ـ رسم دار وقفت في طلله |
|
كدت أقضي الحياة من جلله (١) |
فشاذ في الشعر ، أيضا ؛
فالواو ، كقوله :
وقاتم الأعماق خاوي المخترق (٢) ـ ٥
والفاء ، كقوله :
٧٩١ ـ فإن أهلك فذي حنق لظاه |
|
عليّ تكاد تلتهب التهابا (٣) |
وبل ، كقوله :
٧٩٢ ـ بل بلد ذي صعد وأضباب (٤)
__________________
(١) من شعر جميل بن معمر. جميل بثينة. وبعده قوله :
موحشا لا ترى به أحدا |
|
تنسج الريح ترب معتدله |
ومن هذا الشعر قوله :
بينما نحن بالأراك معا |
|
إذ بدا راكب على جمله |
(٢) مطلع أرجوزة لرؤبة بن العجاج وتقدم في الجزء الأول ؛
(٣) من قصيدة لربيعة بن مقروم الضبيّ ، يقول فيها :
أخوك أخوك من يدنو وترجو |
|
مودّته ، وإن دعي استجابا |
وهي في ديوان الحماسة لأبي تمام ؛
(٤) من رجز لرؤبة يتحدث فيه عن نفسه وما كان يقوم به من الأعمال الشاقة وكثرة الأسفار ، قاله بعد أن ـ
أما الفاء وبل ، فلا خلاف عندهم أن الجرّ ليس بهما ، بل بربّ مقدرة بعدهما ؛ لأن «بل» حرف عطف بها على ما قبلها ، والفاء جواب الشرط ،.
وأمّا الواو ، فللعطف ، أيضا ، عند سيبويه ، وليست بجارّة ؛ فإن لم تكن في أول القصيدة أو أوّل الرجز كقوله :
٧٩٣ ـ وليلة نحس يصطلي القوس ربّها |
|
وأقطعه اللاتي بها يتنبّل (١) |
فكونها للعطف ظاهر ، وإن كانت في أولهما ، كقوله : وقاتم الأعماق (٢) ... فإنه يقدّر معطوفا عليه ، كأنه قال : ربّ هول أقدمت عليه ، وقاتم الأعماق ؛
وعند الكوفيين والمبرد ، أنها كانت حرف عطف ، ثم صارت قائمة مقام «ربّ» ، جارة بنفسها ، لصيرورتها بمعنى «ربّ» ، فلا يقدرون في نحو : وقاتم الأعماق ؛ معطوفا عليه ، لأن ذلك تعسّف ، وكذا إذا كان في وسط الكلام نحو : وليلة نحس ، لا يقدرونه عاطفا على الكلام ، بل هو عندهم بمعنى «ربّ» ، وجارّ مثله ؛
ولو كان للعطف لجاز إظهار «ربّ» بعده ، كما جاز بعد الفاء وبل ، فهذه الواو عندهم ، كانت حرف عطف قياسا على الفاء ، وبل ، ولكنها صارت بمعنى «ربّ» فجرّت كما تجرّ ؛ ومع ذلك لا يجوز دخول حرف العطف في وسط الكلام نحو : ووليلة نحس ، ولا : فوليلة نحس ، اعتبارا بأصلها ، بخلاف واو القسم ، فإنها لما لم تكن في الأصل واو العطف ، فلذا (٣) ، جاز دخول واو العطف والفاء وثم ، عليها نحو : ووالله ، و : فو الله ، و : ثم والله ؛
__________________
= لامته امرأة وعيرته بكبره وعجزه عن الأسفار ؛
(١) من قصيدة الشنفري المعروفة بلامية العرب ومنها عدد من الشواهد في هذا الشرح ؛ ومعنى يصطلي القوس أي يستدفئ بها من شدة البرد ويضم إليها أقطعه أي سهامه التي يتخذها نبالا يرمي بها وهذه مبالغة في وصف الليلة بشدة البرد ؛
(٢) الشاهد المتقدم من رجز رؤبة ؛
(٣) قوله : جاز .. هو جواب قوله : لما لم تكن في الأصل. فقوله «فلذا» لا حاجة إليه ؛
وإضمار الباء باقيا عملها في قول رؤبة : خير ، لمّا قيل له : كيف أصبحت ، شاذ ؛ وقيل في : كم رجل : انه مجرور بمن ، وقد مرّ في بابه (١) ؛
وأما قوله :
إذا قيل أيّ الناس شر قبيلة |
|
أشارت كليب بالأكف الأصابع (٢) ـ ٦٩١ |
فشاذ ؛
وقال الخليل في : لاه أبوك : انه مجرور بلام مقدرة ، كما قال في أمس في نحو : فعلته أمس انه مجرور بالباء ؛ والأولى بناؤهما ، كما ذكرنا في الظروف المبنيّة (٣) ؛
هذا الذي ذكرنا في «ربّ» المقدرة : على مذهب البصريين في «ربّ» ، وأمّا على ما اخترنا ، فربّ مضاف مقدر ، مدلول عليه بالحروف الثلاثة ؛
[أحرف القسم]
[الأساليب المستعملة في القسم]
[وتوجيه كل منها]
[قال ابن الحاجب :]
«واو القسم إنما يكون عند حذف الفعل لغير السؤال ، مختصة»
«بالظاهر ، والتاء مثلها مختصة باسم الله تعالى ، والباء أعمّ»
«منهما في الجميع ؛ ويتلقّى القسم باللام ، وإنّ وحرف النفي ،»
«ويحذف جوابه إذا اعترض ، أو تقدمه ما يدل عليه» ؛
__________________
(١) في باب العدد في الجزء الثالث ؛
(٢) تقدم في هذا الجزء في باب المتعدي واللازم ؛
(٣) تحدث الرضي عن هذا بإسهاب في الباب المذكور ، في الجزء الثالث من هذا الشرح ؛
[قال الرضي :]
اعلم أن واو القسم لها ثلاثة شروط : أحدها حذف فعل القسم معها فلا يقال : أقسم والله ، وذلك لكثرة استعمالها في القسم ، فهي أكثر استعمالا من أصلها ، أي الباء ، والثاني : ألّا تستعمل في قسم السؤال. فلا يقال : والله أخبرني ، كما يقال : بالله أخبرني ، والثالث : أنها لا تدخل على الضمير فلا يقال : وك ، كما يقال : بك ؛ واختصاصها بالحكمين الأخيرين ، لكونها فرع الباء وبدلا منها ، وإنما حكم بأصالتها لأن أصلها الإلصاق ، فهي تلصق فعل القسم بالمقسم به ؛ وأبدلت الواو منها لأن بينهما تناسبا لفظيا لكونهما شفهيتين ، ومعنويا ، ألا ترى أن في واو العطف وواو الصّرف (١) معنى الجمعية القريبة من معنى الإلصاق ؛
والتاء مبدل من الواو ، كما في وراث وتراث ، ووكلة ونكلة ، واتّعد ، فلهذا قصرت عن الواو فلم تدخل إلا على لفظة «الله» وفيها الخصائص الثلاثة التي كانت في الواو ؛ وحكى الأخفش : تربّي ، و : تربّ الكعبة وهو شاذ ؛
ولام الجرّ تجيء بمعنى الواو كما ذكرنا ، مختصة ، أيضا ، بلفظ «الله» في الأمور العظام ؛ وكذا «من» مكسورة الميم ، وقد تضمّ (٢) ، والكسر أكثر ، مختصة بلفظ «ربّي» ؛ ومذهب سيبويه ، كما ذكرنا ، أنها حرف جر ، قامت مقام الباء ، وضم الميم لدلالة تغير معناها وخروجها عن بابها ؛ كما تقول في العلم : شمس بن مالك (٣) ، بضم الشين ؛
ومذهب بعض الكوفيين : أن المضمومة الميم مقصورة (٤) من أيمن ، والمكسورتها مقصورة من يمين ؛
__________________
(١) هي التي يسمونها واو المعية ، والرضي يقول في بعض الأوقات : واو الجمعية ؛ ومعنى تسميتها واو الصّرف وهي تسمية الكوفيين أنها تصرف ما بعدها عن مشاركة ما قبلها نظرا إلى أصل معنى الواو الذي هو الجمع ؛
(٢) أي الميم ، وقد ذكر الرضي هذا الكلام أثناء الحديث عن معاني من الجارّة ؛
(٣) تقدم في الممنوع من الصرف في الجزء الأول ، أنه جزء من بيت شعر قاله ثابت بن جابر ، تأبط شرا ، في صديق له. وهو قوله :
وإني لمهد من ثنائي فقاصد |
|
به لابن عمّ الصدق شمس بن مالك |
(٤) مقصورة أي مختصرة بالحذف ، من أيمن ؛