شرح الرضيّ على الكافية

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي

شرح الرضيّ على الكافية

المؤلف:

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي


المحقق: يوسف حسن عمر
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات مؤسّسة الصادق
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٢

أول «حين» و «الآن» ، قال :

٧٤٣ ـ نوّلي قبل نأي داري جمانا

وصلينا كما زعمت تلانا (١)

وقال :

العاطفون تحين ما من عاطف

والمطعمون زمان ما من مطعم (٢) ـ ٢٧٢

كما مرّ في قسم الأسماء ؛ والثانية والثالثة : اللتان تلحقان ثمّ ، وربّ ، والأكثر أنهما لا تلحقهما إلا إذا وليهما المؤنث ، إيذانا به من أول الأمر ، وذلك إذا عطفت بثمّ قصة على قصة ، قال :

... فمضيت ثمت قلت : لا يعنيني (٣) ـ ٥٦

ولا تقول : جاءني زيد ثمت عمرو ، وقد جوّزه ابن الأنباري (٤) ، ولا أدري ما صحته ؛ وقال :

٧٤٤ ـ ماويّ ، يا ربّتما غارة

شعواء كاللذعة بالميسم (٥)

وقد جاء :

يا صاحبا ، ربّت انسان حسن

يسأل عنك اليوم أو يسأل عن (٦) ـ ٥٣٦

ويجوز أن يكون أراد بالإنسان مؤنثا ؛ والرابعة : التي تلحق «لعلّ» ، نحو : لعلّت هند قائمة ؛

__________________

(١) نوّلي معناه : أعطي وامنحي ، وجمان اسم امرأة مرخم جمانة ، وواضح أن موطن الاستشهاد فيه زيادة التاء على كلمة الآن والاكتفاء بها في النطق بالساكن عن همزة الوصل. ولم يذكر أحد اسم قائل هذا البيت ؛

(٢) تقدم ذكره في الجزء الثاني باب خبر ما ولا المشبهتان بليس ؛

(٣) تقدم في الجزء الأول وتكرر ذكره ؛

(٤) إن كان يقصد صاحب الانصاف فالأشهر في ذكره أن يقال : الأنباري. أما ابن الأنباري فالأشهر أنه أبو بكر محمد بن القاسم من علماء القرن الثالث وتقدم ذكر كل منهما ،

(٥) من كلام ضمرة بن ضمرة النهشي. والميسم آلة توضع في النار ثم تكوى بها الإبل كيا خفيا لتكون علامة لها ؛

(٦) تقدم في باب المذكر والمؤنث في الجزء الثالث ؛

٢٤١

ودليل فعليتهما (١) أيضا ، ما حكاه الكسائي من نحو : نعما رجلين ، ونعموا رجالا والضمائر المرفوعة البارزة من خواص الأفعال ، وأيضا ، جواز استعمال جميع باب فعل مع فعليّته ، استعمال نعم وبئس ، يقوّي فعليتهما أيضا (٢) ،

ثم نقول : إنهما بعد ذلك ، وهو كونهما فعلين مستقلين بفاعليهما كلاما صارا مع فاعليهما بتقدير المفرد ، كصفة متقدمة على موصوفها ، كما في قوله :

والمؤمن العائذات الطير يمسحها

ركبان مكة بين الغيل فالسند (٣) ـ ٣٣٧

وجرد قطيفة ، فصار معنى نعم الرجل : رجل في غاية الجودة ، فكأنه كان أصل نعم الرجل : رجل نعم ، أي جيّد ؛ فصارا معا (٤) جزء جملة بعد ما كانا جملة مستقلة ؛ ولهذا نظائر ، نحو قوله تعالى : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ)(٥) ، وظننت زيدا قائما ، على ما مرّ في باب ظننت ، ونحو : (يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ)(٦) ، فإن الجمل في هذه الصّور ، منسلخة عن معنى الجمليّة بدليل كون مضمون الأولى مبتدأ ، على ما قيل (٧) ، وكون مضمون الثانية مفعولا ، ومضمون الثالثة فاعلا (٨) ، ومضمون الرابعة مضافا إليه ؛

ومبنى كلامهم أن الجمل إذا كانت بمعنى المفرد ، فإن كانت علما فهي محكية مطلقا ، وإن لم تكن ، فإن كانت فعلية تركت على حالها ، كما مرّ في باب علمت ، قال تعالى : (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ)(٩) ، أي : بدا لهم سجنهم إياه ؛

__________________

(١) رجوع إلى الحديث عن نعم وبئس بعد هذا الاستطراد ؛

(٢) لا حاجة لذكر كلمة أيضا فقد بدأ بها الحديث ؛

(٣) من معلقة النابغة الذبياني وتقدم ذكره في باب النعت في الجزء الثاني ؛

(٤) يعني نعم والمرفوع بعدها ؛ على الوجه الذي رآه الرضي ؛

(٥) الآية ٦ في سورة البقرة. ومثلها في سورة يس. الآية ١٠ وسواء عليهم ...

(٦) الآية ١٠٩ سورة المائدة ؛

(٧) ناقش الرضي إعراب النحاة لمثل هذا التركيب في باب حروف العطف ؛

(٨) ليس في النسخة المطبوعة ما يرجع إليه هذا. وفي بعض النسخ التمثيل بنحو : كان زيد منطلقا ؛ فيكون هو المقصود بأن مضمون الجزأين فاعل ؛

(٩) من الآية ٣٥ في سورة يوسف ؛

٢٤٢

وإن كانت اسمية ، أعرب الجزآن بما استحقه مضمونهما فنصب الجزآن (١) ، إن كان مفعولا ، نحو : علمت زيدا قائما ، وأعرب الجزء الأول بإعراب الفاعل ، والجزء الثاني بإعراب المفعول إن كان المضمون فاعلا كما في باب كان ، إذ لم يجز رفعهما كما جاز نصب المذكورتين بعد علمت ، إذ لا يرفع فعل واحد اسمين بلا إتباع ، ولم يجز ، أيضا حكايتهما ، إذ الفعل لا بدّ له من مرفوع به ؛

وحكي الجزآن (٢) ، إن كان المضمون مضافا إليه ، إذ لم يمكن جرّ اسم واحد إلّا اسما واحدا من دون إتباع ، ولو اقتصر على جرّ أولهما لم يكن لثانيهما إعراب مناسب ، كما كان نصب الثاني مناسبا للرفع تشبيها بالمفعول ؛

وأمّا الجمل التي هي خبر المبتدأ أو ما أصله المبتدأ ، كخبر كان ، وثاني مفعولي ظننت ، والحال ، والصفة ، فليست بتقدير المفرد ، ولا دليل في كونها ذات محل من الإعراب على كونها بتقدير المفرد كما مرّ (٣) ؛

ولنرجع إلى المقصود ، فنقول :

لما صار : نعم الرجل بمعنى المفرد ، وجب حكايتها لكونها فعلية ، كما في : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ)(٤) ، لكن ليس كونها بمعنى المفرد ، كما في سائر الجمل المذكورة ، أعني بتقدير مضمونها ، بل بتقدير مفرد هو الفاعل موصوفا بالفعل المتقدم ، كما ذكرنا ،

وكان الأصل تنكير فاعل نعم وبئس ، لأنه من حيث المعنى خبر المبتدأ الذي هو المخصوص ، كما يجيء ، فكان القياس أن يقال : نعم رجل زيد ، ونعم رجلان الزيدان ، ونعم رجال الزيدون ، إذ معنى نعم الرجل زيد : زيد رجل جيّد ؛ لكنهم التزموا أن يكون الفاعل معرفا باللام تعريفا لفظيا ، كما في : اشتر اللحم ، أو ضميرا مفسّرا بما بعده ،

__________________

(١) تفصيل لقوله أعرب الجزآن ؛

(٢) معطوف على قوله فنصب الجزآن ؛

(٣) تقدم في أكثر من موضع ، والرضي يقول في كل مرة : لا دليل على ذلك ؛

(٤) تقدمت قريبا ؛

٢٤٣

وهو ، أيضا ، منكر في المعنى ، كما مرّ في باب المعرفة (١) ؛ لداع (٢) لهم إلى ذلك ، وهو أنهم غلّبوا تأخير هذا المبتدأ عن الخبر ليحصل به التفسير بعد الإبهام ، إذ له في النفوس وقع ، فأوردوا الفاعل في صورة المعرفة وإن كان نكرة في الحقيقة ، ليكون الكلام المفيد للمدح أو الذم في الظاهر مصوغا على وجه لا ينكر ، لأن مدح شخص منكور من الأشخاص أو ذمّه ، لا فائدة فيه ، فبتوا أمر المدح والذم من أول الأمر ، على وجه يصح في الظاهر ، والجملة الفعلية ، كما ذكرنا في تقدير مفرد ، وهو الفاعل الموصوف بالفعل ، وذلك لأنه سلب من الفعل معنى الزمان والحدوث ، فصار معنى نعم : جيّد ، فكأنّه صفة مشبهة ، ومجوّز ذلك كون جميع الأفعال في المعنى ، صفات لفاعليها ، فصار نعم الرجل ، كجرد قطيفة (٣) ؛

ولا يقال : ان ما ذكرت ، قريب من دعوى علم الغيب (٤) ، فإن (٥) الأصول تدعو إليه ، وذلك لأنه تقرر بالدليل أن المخصوص مرتفع بالابتداء ، ما بعده خبره ، لا خبر مبتدأ مقدر ، إذ لو كان خبر مبتدأ مقدر ، لم تدخل نواسخ الابتداء عليه مقدما على فعل المدح أو الذم ، ومؤخرا عنه ، نحو : كنت نعم الرجل ؛ و :

٧٤٥ ـ يمينا لنعم السيدان وجدتما

على كل حال من سحيل ومبرم (٦)

فإذا ظهر كونه مبتدأ ما قبله خبره ، فلو كان الخبر باقيا على جمليّته لوجب أن يكون فيها عائد إليه ؛

__________________

(١) في الجزء الثالث من هذا الشرح ؛

(٢) علة لقوله لكنهم التزموا ؛

(٣) أي من باب إضافة الصفة إلى الموصوف ؛

(٤) كثيرا ما يرد الرضي على بعض ما يذكره من آراء النحاة بقوله وهذا قريب من دعوى علم الغيب ، وقد فرض هنا أنه يقال له ذلك فيما ذكره من تفسير نعم الرجل ،

(٥) بيان لأنه لا يقال ذلك ؛

(٦) من معلقة زهير بن أبي سلمى في الجزء الذي يذكر فيه ما فعله هرم بن سنان المري والحارث بن عوف في الصلح بين عبس وذبيان. وأراد بالسحيل والمبرم : الأمور السهلة والصعبة المعقدة. وقد أطلب زهير في الحديث عن هذه القصة في معلقته ؛

٢٤٤

والاعتذار بكون ذي اللام جنسا مستغرقا (١) ، وكون الاستغراق له ولغيره بمنزلة العائد ، قد ذكرنا ما عليه (٢) ؛ ولو كان كذا ، لم يبق مع الضمير المبهم (٣) المفسّر بالنكرة استغراق ،؟؟؟ استغراق المضمر للجنس غير معهود ، والنكرة المفسّرة ، أيضا بعيدة من الاستغراق ،؟؟؟ حيّز الإيجاب ؛

والاعتذار بكون ذي اللام قائما مقام الضمير ، على ما قاله المصنف ، لا يتمّ ، إذ لو كان في مقام الضمير ، لكان الضمير إذا قام مقامه راجعا إلى المبتدأ ، غير محتاج إلى التمييز في نحو : زيد نعم رجلا ، وكذا في نحو : نعم رجلا زيد ، أيضا ، لأن الضمير فيه (٤) ، إذن ، كما في قولك : أبوه قائم زيد ؛

وليس ، إذن ، اعتذار الأندلسي (٥) ، بكون اللام للتعريف الذهني المطابق لكل فرد فيكون ، إذن ، كالضمير الراجع : بشيء (٦) ، إذ لا يجوز : زيد ضرب رجل ، مع أن «رجل» يطابق كل فرد ، وإن لم يكن فيه لام يشار بها إلى ما في الذهن على زعمهم ، وقد مرّ في باب المعرفة (٧) ، أن التعريف الذهني لا معنى له ؛ فلم يبق ، إذن ، بعد بطلان الوجوه (٨) ، إلّا أن تكون الجملة في تقدير المفرد على الوجه المذكور حتى لا يحتاج إلى الضمير ؛

ويؤيد كونها بتقدير المفرد : دخول حرف الجر ، على نعم وبئس ، مطردا ، كقول الأعرابي لما بشّر بمولودة وقيل له نعم المولودة : والله ما هي بنعم المولودة ، نصرها بكاء ،

__________________

(١) أي شاملا لكل فرد ؛

(٢) ذكر ذلك في روابط الخبر بالمبتدأ. في الجزء الأول ؛

(٣) في الصورة الثانية لنعم ، وهي صورة الضمير المستتر المفسر بنكرة منصوبة ؛

(٤) أي في قولك نعم رجلا زيد ؛

(٥) تقدم ذكره ؛

(٦) خبر ليس في قوله : وليس اعتذار الأندلسي ؛

(٧) في الجزء الثالث ؛

(٨) أي الوجوه المذكورة ؛

٢٤٥

وبرّها سرقة ؛ وقولهم : نعم السّير على بئس العير ، وليس زيد بنعم الصاحب وغير ذلك ؛ وليس ذلك (١) على الحكاية وحذف القول ، كما قال بعضهم ، كقوله :

٧٤٦ ـ والله ما ليلي بنام صاحبه

ولا مخالط الليان جانبه (٢)

أي بمقول فيه ذلك ؛ لأن ذلك في نعم وبئس ، مطرد كثير ، بخلاف : «بنام صاحبه» ،

وحكى قطرب (٣) : نعيم الرجل زيد ، على وزن شديد وكريم ، فهذه الحكاية إن صحّت ، تؤكد كون «نعم» كالصفة المشبهة ، فيحمل ما جاء مطردا من نحو : يا نعم المولى ، ويا نعم النصير ؛ ويا بئس الرجل على أنه منادى ؛ وأيضا يجوز دخول لام الابتداء ، ولام القسم عليهما نحو : ان زيدا لنعم الرجل ، و : والله لنعم الرجل أنت ، مع أنهما لا تدخلان الماضي بدون «قد» ؛

وهذه الاشياء ، هي التي غرّت الفرّاء حتى ظن أنهما في الأصل اسمان ، ولو كانا كذلك ، لم يكن لرفع ما بعدهما وجه ، إلا بتكلف ،

ولأجل كون الجملة بمنزلة المفرد ، لم يتوسط بين جزأيها ، لا ظرف ولا غيره ، فلا يقال : نعم اليوم الرجل ؛

فإذا تقرر ذلك ، قلنا في نعم الرجل زيد : ان «زيد» مبتدأ ، و : «نعم الرجل» خبره ، أي : زيد رجل جيّد ، ولم يحتج إلى الضمير العائد إلى المبتدأ ، لأن الخبر في تقدير المفرد ؛

والأكثر في الاستعمال كون المخصوص بعد الفاعل ، ليحصل التفسير بعد الإبهام ، كما مرّ ، فيدخله عوامل الابتداء مؤخرا نحو : نعم الرجل كنت ، وقوله :

__________________

(١) أي الأمثلة التي دخل فيها حرف الجر ، على نعم وبئس ؛

(٢) الليان بتخفيف الياء مصدر لان ، أي آن جانبه ـ أي جنبه لا يجد مكانا سهلا لينا والبيت مجهول القائل ؛

(٣) محمد بن المستنير تلميذ سيبويه. وكان شديد الملازمة له ، وسيبويه هو الذي لقبه بقطرب ، والقطرب دويبة لا تهدأ عن السعي نهارا وسيبويه قال له إنما أنت قطرب ليل ، وتقدم ذكره ؛

٢٤٦

يمينا لنعم السيدان وجدتما

على كل حال من سحيل ومبرم (٤)

وقد يتقدم المخصوص على نعم وبئس ، نحو : زيد نعم الرجل ، وهو قليل ، ومع ذلك يستعمل الفاعل بلام زائدة كما رأيت ، أو مضمرا مفسّرا بما بعده ، كقول الأخطل ؛

٧٤٧ ـ أبو موسى ، فجدّك نعم جدّا

وشيخ الحيّ خالك ، نعم خالا (١)

وإنما لزم كون الفاعل مبهما مع تقدم المبتدأ ، لأن تقدمه كالنادر ، بالنسبة إلى تأخره ؛

ويدخله ، مقدما ، نواسخ المبتدأ ، نحو : كنت نعم الرجل ، وظننتك نعم الرجل ؛ والضمير في : جدّك نعم جدّا ، لا يرجع إلى المبتدأ ، وإلا لم يحتج إلى التفسير ، بل هو ضمير قبل الذكر مفسّر بما بعده ؛ فالذي روي ، وإن كان كالشاذ لقلته في نحو : مررت بقوم نعم بهم قوما ، ونعموا قوما ، ليس الضميران ، أي : هم ، والواو ، براجعين إلى الموصوف وإلّا ، لم يفسّرا ؛

قوله : «مضمرا مميّزا بنكرة منصوبة» ، اعلم أن الضمير المبهم في نعم وبئس ، على الأظهر الأغلب ، لا يثنى ولا يجمع ، ولا يؤنث ، اتفاقا بين أهل المصرين ، لعلتين : احداهما : عدم تصرف نعم وبئس ، فلم يقولوا : نعما رجلين ، ونعموا رجالا ، ونعمت امرأة ، لأن ذلك نوع تصرف ، ولهذا أجازوا : نعم المرأة هند ، وبئس المرأة دعد ، كما أجازوا نعمت المرأة ، لكن الحاق تاء التأنيث أهون من إلحاق علامتي التثنية والجمع ، لأنها تلحق بعض الحروف ، أيضا ، كلات ، وثمت ، وربّت ، ولعلت ، فلذلك اطرد : نعمت المرأة ، ولم يطرد : نعما رجلين ونعموا رجالا ؛ والعلة الثانية : أن الضمير المفرد المذكر ، أشدّ إبهاما من غيره ، لأنك لا تستفيد منه ، إذا لم يتقدمه ما يعود عليه ، إلا

__________________

(١) تقدم ذكره قريبا ؛

(٢) من قصيدة لذي الرمة في مدح بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري وهو المقصود بقوله نعم جدّا ، وبعده مما يتصل بذلك المدح :

مكارم ليس يحصيهنّ عدّ

ولا كذبا أقول ولا انفعالا

وليس البيت للأخطل كما قال الشارح ؛

٢٤٧

معنى «شيء» ، وشيء ، يصلح للمثنى والمجموع والمذكر والمؤنث ، ولو ثنيته وجمعته وأنثته ، لتخصص ، بسبب إفادة معنى التثنية والجمع والتأنيث ، والقصد بهذا الضمير : الإبهام ، فما كان أوغل فيه كان أولى ،

وأمّا تمييز هذا الضمير ، فيتصرّف فيه إفرادا وتثنية وجمعا وتأنيثا ، نحو : نعم رجلا أو رجلين ، أو رجالا ، أو امرأة ، أو امرأتين ، أو نسوة ، اتفاقا منهم ، أيضا ؛

وأمّا الضمير في : ربّه رجلا ، فالبصريون يلتزمون إفراده للعلة الثانية المذكورة ، والكوفيون يجعلونه مطابقا لما يقصد ، فيثنونه ، ويجمعونه ، ويؤنثونه ، وليس ما ذهبوا إليه ببعيد لأنه مثل قوله :

ويلمّها روحة (١) ، ويا لها قصة ، ويا لك من ليل (٢) ، وقد تصرّف في الضمير ، كما رأيت ؛

وأمّا تمييز هذا الضمير ، فذهب الجزولي (٣) ، وتبعه من شرح كلامه إلى لزوم إفراده ، والظاهر أنه وهم منهم ، بل تجب مطابقته لما قصد ، عند أهل المصرين ، أمّا عند أهل الكوفة فظاهر ، لأنهم يطابقون بالضمير تمييزه في التثنية والجمع والتذكير والتأنيث ؛ وأما عند أهل البصرة فلأنهم لو التزموا افراده كما التزموا إفراد الضمير ، لجاء اللبس ، إذا قصد المثنى والمجموع ، وقد صرّح ابن مالك ، والمصنف بمطابقته لما قصد ، وهو الحق ؛

ولا يجوز الفصل بين مثل هذا الضمير المبهم وتمييزه ، لشدة احتياجه إليه ، إلا بالظرف ، قال الله تعالى : (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً)(٤) ، وإذا لم يفصل في نحو : عشرون رجلا ، بين

__________________

(١) إشارة إلى بيت لذي الرمة تقدم في باب التمييز ، في الجزء الثاني ، وهو قوله :

ويلمها روحة والريح معصفة

والغيث مرتجز والليل مرتقب

(٢) وهذا إشارة إلى بيت من معلقة امرئ القيس تقدم أيضا في باب التمييز وهو قوله :

فيا لك من ليل كأن نجوم

بكل مغار الفتل شدّت بيذيل

(٣) تقدم ذكره في الأجزاء السابقة ؛

(٤) الآية ٥٠ في سورة الكهف ؛

٢٤٨

المبهم وتمييزه ، إلا في الضرورة ، فما ظنك بمثل هذا الضمير ؛

وقد جاء شاذّا بغير الظرف نحو : نعم زيد رجلا ؛ وأمّا الفصل بين ذا ، في : حبّذا ، وتمييزه ، فلجواز استغنائه عنه ، فلذا قيل : حبذا رجلا زيد ، وحبذا زيد رجلا ؛

ولا يجوز أن يجاء ، لهذا الضمير بالتوابع ، كالبدل والتأكيد والعطف ، لأنه من شدة الإبهام كالمعدوم ، والاعتبار بتمييزه ، وهو المفيد للمقصود ، ويلزم هذا الضمير ، غالبا ، أن يميز ؛

وقيل في قوله تعالى : (بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ)(١) : ان التمييز محذوف ، أي : بئس مثلا مثل القوم ؛ والأولى حذف المضاف من الذين ، على أنه المخصوص أي : بئس مثل القوم : مثل الذين ؛ أو حذف المخصوص ، أي : بئس مثل القوم المكذبين مثلهم ، كما يجيء ؛

وقد يجيء ، عند المبرد ، وأبي علي ، بعد الفاعل الظاهر تمييز للتأكيد ، قال :

٧٤٨ ـ تزوّد مثل زاد أبيك فينا

فنعم الزاد زاد أبيك زادا (٢)

وقال تعالى : (ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً)(٣) أي ذراعها ، إذ المصدر لا يخبر عنه بأنه سبعون ذراعا ، وهذا كمجيء الحال في : قم قائما ، وتعال جائيا للتأكيد ،

ومنع سيبويه ذلك ، لأن وضع التمييز لرفع الإبهام ، وتأوّل البيت بتزوّد مثل زاد أبيك زادا ، على أن «مثل» حال من مفعول تزوّد ، وهو «زادا» وقوله تعالى : ذرعها ، مصدر بمعنى المفعول ، أي مذروعها أي : طولها سبعون ذراعا ؛

قوله : «أو بما ، مثل فنعمّا هي» ؛ اختلف في «ما» هذه ، فقيل : كافّة هيّأت نعم وبئس ، للدخول على الجمل ، كما قيل في : قلّما ، وطالما ؛

__________________

(١) الآية ٥ سورة الجمعة ؛

(٢) من قصيدة لجرير في مدح عمر بن عبد العزيز ، وهو من الأبيات التي استشهد بها كثير من النحاة ؛

(٣) الآية ٣٢ سورة الحاقة ؛

٢٤٩

ويمكن أن يقال : إنما جاز أن يكفّ نعم وبئس عن فعليتهما ، لعدم تصرفهما ، ومشابهتهما للحرف ، إلّا أنه يحتاج إلى تكلف في إضمار المبتدأ في نحو : (فَنِعِمَّا هِيَ)(١) ،

وقال الفراء ، وأبو علي : هي موصولة بمعنى الذي ، فاعل نعم وبئس ، والجملة بعدها صلتها ، ففي قوله تعالى : (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا)(٢) : ما ، فاعل وأن يكفروا ، مخصوص ؛ وفي قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ)(٣) ، المخصوص محذوف ؛

ويضعفه : قلة وقوع «الذي» مصرّحا به ، فاعلا لنعم وبئس ولزوم حذف الصلة بأجمعها في : (فَنِعِمَّا هِيَ) ، لأن «هي» مخصوص ، أي نعم الذي فعله : الصدقات ، وكذلك قولهم : دققته دقّا نعمّا ؛

وقال سيبويه (٤) ، والكسائي : ما ، معرفة تامة ، بمعنى «الشيء» فمعنى : فنعما هي : نعم الشيء هي ، فما ، هو الفاعل ، لكونه بمعنى ذي اللام ، و «هي» مخصوص ؛ ويضعفه : عدم مجيء «ما» بمعنى المعرفة التامة ، أي : بمعنى «الشيء» في غير هذا الموضع ، إلّا ما حكى سيبويه أنه يقال : إني ممّا أفعل ذلك (٥) ، أي : من الأمر والشأن أن أفعل ذلك ، قال : وإن شئت قلت : إني مما أفعل ، بمعنى : ربّما أفعل ، كما يجيء في الحروف ؛

بل ، يجيء «ما» بمعنى «شيء» ، إمّا موصوفة نحو : (هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ)(٦) ، أو غير موصوفة كما مرّ في الموصولات (٧) ؛ وأيضا ، يلزم حذف الموصوف ، أي المخصوص ، وإقامة جملة مقامه ، في نحو نعمّا يعظكم به ، و : (وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ)(٨) ،

__________________

(١) من الآية ٢٧١ في سورة البقرة ؛

(٢) الآية ٩٠ في سورة البقرة ؛

(٣) من الآية ٥٨ في سورة النساء ؛

(٤) في سيبويه ج ١ ص ٤٧٦ : في تفسير بئسما اشتروا ... كأنه قيل له ما هو ، فقال أن يكفروا ؛

(٥) قال سيبويه في الكتاب ج ١ ص ٤٧٦ : وتقول اني مما أفعل ذلك الخ عبارة الشارح ؛

(٦) الآية ٢٣ سورة ق ؛

(٧) أول الجزء الثالث من هذا الشرح ؛

(٨) الآية ١٠٢ سورة البقرة ؛

٢٥٠

وهو قليل كما ذكرنا في باب النعت في قوله :

أنا ابن جلا ، وطلاع الثنايا

متى أضع العمامة تعرفوني (١) ـ ٣٨

فيكون التقدير : نعم الشيء شيء يعظكم به ، وبئس الشيء شيء شروا به أنفسهم ، مع أنه قد جاء صريحا في قوله :

٧٤٩ ـ نعم الفتى فجعت به إخوانه

يوم البقيع حوادث الأيام (٢)

أي فتى فجعت ؛ ويجوز أن يكون «تخرج» ، في قوله تعالى : (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ)(٣) ، صفة مخصوص محذوف ، وأن يكون صفة التمييز المذكور والمخصوص محذوف ، أي : قولهم ؛ وفي قوله تعالى : (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا)(٤) يجوز أن يكون على هذا القول ، أي كون «ما» بمعنى «الشيء» وقوله : اشتروا به أنفسهم ، جملة متوسطة بين الفاعل والمذموم ، بيانا لاستحقاقه الذم ، وأن يكون صفة مذموم محذوف ، فقوله : أن يكفروا ، بدل من ذلك المذموم ، أو خبر مبتدأ محذوف والجملة بيان للمذموم ؛

قال الزمخشري (٥) والفارسي في أحد قوليه «ما» نكرة مميّزة منصوبة المحل ، إما موصوفة بالجملة ، والمخصوص إما محذوف كما في قوله (نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ) ، أو مذكور كما في قوله تعالى : (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا) أو نكرة غير موصوفة ، كما في نحو : (فَنِعِمَّا هِيَ ،) وقولهم : دققته دقا نعما ؛

ولا يؤكد فاعل نعم الظاهر ، تأكيدا معنويا ، لأنه (٦) لا يكون إلا للمعارف كما هو

__________________

(١) تقدم ذكره في الجزء الأول في ما لا يتصرف وهو من شعر سحيم بن وثيل الرياحي ؛

(٢) من شعر لمحمد بن بشير الخارجي أورده أبو تمام في باب المراثي من ديوان الحماسة ، ونسبه بعضهم لابراهيم ابن هرمة ؛

(٣) من الآية ٥ سورة الكهف ؛

(٤) تقدمت قريبا ؛

(٥) انظر شرح ابن يعيش على المفصل ج ٧ ص ١٣٤ ؛

(٦) أي التوكيد المعنوي ؛

٢٥١

مذهب البصريين ، وهذا المعرّف باللام في معنى النكرة ، كما بيّنا ، ويجوز تأكيده لفظا ، نحو : نعم الرجل الرجل زيد ، وقد يوصف كقوله تعالى : (بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ)(١) وقال :

٧٥٠ ـ نعم الفتى المرّيّ أنت إذا هم

شبّوا لدى الحجرات نار الموقد (٢)

خلافا لابن السراج (٣) ، قال : لأن الصفة مخصّصة ، والمقصود العموم والإبهام ، وقال : ان المرفود : مذموم ، والمريّ : بدل من الفتى ؛

وليس بشيء ، لأن الإبهام مع مثل هذا التخصيص باق ، إذ المخصوص لا يعيّن ، فهو كقوله تعالى : (وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ ..)(٤) ؛

ولا يمتنع عند أبي علي والمبرد ، وهو الحق ، خلافا لغيرهما : إسناد (٥) نعم وبئس إلى «الذي» الجنسية ، وكذا «من» و «ما» ؛ وأعني بالجنسية ما تكون صلتها عامة ؛ وفي نهج البلاغة : (٦) «ولنعم دار من لم يرض بها دارا» ،.

قال :

٧٥١ ـ فنعم مزكأ من ضاقت مذاهبه

ونعم من هو في سرّ وإعلان (٧)

وتقول : نعم الذي هو عبد : زيد ؛ وأمّا إن كانت صلتها مخصوصة ، نحو : نعم الذي كان اليوم في الدار ، والإشارة إلى شخص معيّن ، فلا يجوز ، إذ يلزم فاعلها الإبهام ؛

__________________

(١) الآية ٩٩ سورة هود ؛

(٢) من شعر زهير بن أبي سلمى في مدح سنان بن حارثة المرّيّ ؛

(٣) تقدم ذكره ؛

(٤) من الآية ٢٢١ سورة البقرة ؛

(٥) فاعل قوله : ولا يمتنع ؛

(٦) من إحدى خطبه رضي الله عنه : والمقصود بالكلام وصف الدنيا ؛ انظر نهج البلاغة ص ٢٧٣ طبع دار الشعب بالقاهرة ؛

(٧) من شعر قيل في مدح بشر بن مروان بن الحكم لا يعرف قائله ، وقبله :

وكيف أرهب أمرا أو أراع له

وقد زكأت إلى بشر بن مروان

زكأت أي لجأت واعتصمت ، والمزكأ : الملجأ ؛

٢٥٢

وقد يرد فاعلهما منكرا مفردا نحو : نعم رجل زيد ، أو مضافا إليه (١) ، كقوله :

٧٥٢ ـ فنعم صاحب قوم لا سلاح لهم

وصاحب الركب عثمان بن عفّانا (٢)

وهو قليل.

وقد روي : مرّ بقوم نعم بهم قوما ، والباء في الفاعل ، لتشبيه نعم بفعل التعجب ، وهو : أفعل به ، وتضمينه معناه ، فكأنه قيل : أنعم بهم قوما ، وقد تدخل هذه الباء في المخصوص كقوله عليه السّلام : «نعمّا بالمال الصالح للرجل الصالح» ، أي نعم شيئا :

المال الصالح ، لأن المخصوص هو في المعنى متعجب منه ههنا ، وقد روي : مررت بقوم نعموا قوما بإلحاق الضمير البارز ، وهو قليل كما ذكرنا ؛

وقال أبو علي انه سمع : نعم عبد الله زيد ، وبئس عبد الله أنا ان كان كذا (٣) ، وهو شاذ ، إذ الفاعل ليس بمضاف إلى المعرّف الجنسي ؛ وينبغي أن يكون هذا على ما أجاز ابن كيسان (٤) من تنكير المضاف الذي لا مانع فيه من التعريف لنية الانفصال ، كما مرّ في باب الإضافة (٥) ؛

وقد روي : شهدت صفّين ، فبئست الصّفّون ؛ والأولى أن يكون هذا ، وإن كان أيضا خلاف الأصل ، مما ترك تمييز ضميره ، أي : بئست بقعة ، فالصّفون مخصوص ، لا فاعل ؛ ومثله قولهم : فبها ونعمت (٦) ، أي : فمرحبا بهذه القضية ، ونعمت هي ؛ فالتمييز والمخصوص حذفا معا ؛

__________________

(١) أي إلى المنكر ؛

(٢) نسب إلى حسان بن ثابت ، وإلى كثير بن عبد الله. وهو غير كثير عزة. والمقصود : عثمان بن عفان رضي الله عنه. وقبله :

ضحّوا بأشمط عنوان السجود به

يقطع الليل تسبيحا وقرآنا

(٣) نسب الأشموني هذا القول إلى بعض العبادلة ؛ وهم عبد الله بن مسعود ، وابن عمر ، وابن الزبير وابن عباس رضي الله عنهم ؛

(٤) تكرر ذكره في الأجزاء السابقة ؛

(٥) في الجزء الثاني من هذا الشرح ؛

(٦) ورد هذا في حديث : من توضأ يوم الجمعة فبها؟؟؟ ونعمت؟؟؟ ، ومن اغتسل فليغسل فصل.

٢٥٣

وقد يؤنث نعم وبئس ، وإن كان فاعلهما مذكرا لكون المخصوص مؤنثا نحو : نعمت الإنسان هند ، قال ذو الرمة :

٢٥٣ ـ أو حرة عيطل تبجاء مجفرة

دعائم الزور نعمت زورق البلد (١)

وكذا يؤنث الفعل وإن كان المميز للضمير مذكرا ، لتأنيث المخصوص كقوله تعالى : (ساءَتْ مُسْتَقَرًّا)(٢) ، و (حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا)(٣) ،

قوله : «وهو مبتدأ ما قبله خبره ، أو خبر مبتدأ محذوف» ،

قال ابن خروف (٤) : لا يجوز إلّا أن يكون مبتدأ مقدم الخبر ، لجواز دخول نواسخ المبتدأ عليه ؛ وحكى الأندلسيّ (٥) مثله عن سيبويه ، وهذا الذي نصرناه من قبل ؛

قوله : «وشرطه» أي شرط المخصوص مطابقة الفاعل ، يعني ينبغي أن يصح إطلاقه عليه ؛ و : (بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ)(٦) ، متأول بأحد وجهين : امّا على حذف المضاف أي بئس مثل القوم مثل الذين ، أو على حذف المخصوص و «الذين» صفة القوم ، أي : بئس مثل القوم المكذبين مثلهم ؛ أي مثل المذكورين ؛

وشرط المخصوص ، أيضا ، أن يختص ، لأنه للتخصيص بعد الإبهام ، فلا يجوز :

نعم الإنسان رجل ، إلّا أن تصفه بما يرفع الجهالة ؛

__________________

(١) العيطل الطويلة العنق ، والثجباء الضخمة الصدر والمجفرة الواسعة الجوف ، وهو في وصف ناقة شبهها بالسفينة في قوله نعمت زورق البلد ، والبيت لذي الرمة من قصيدة في مدح بلال بن أبي بردة ؛ يقول فيها بعد وصف الناقة :

حنت إلى نعم الدهنا فقلت لها

أمّي بلالا على التوفيق والرشد

(٢) من الآية ٦٦ سورة الفرقان ،

(٣) من الآية ٧٦ سورة الفرقان ؛

(٤) ابن خروف : هو أبو الحسن علي بن محمد الأشبيلي وتقدم ذكره في هذا الشرح ؛

(٥) تكرر ذكره ؛

(٦) الآية المتقدمة قريبا ؛

٢٥٤

ولا يمتنع اعتراض «نعم» بذيوله (١) ، بين العامل ومعموله ، لأنها كالجملة الاعتراضية ، نحو قولك : أبصرت ، ونعم الرجل هو ، زيدا ، ويجوز بالفاء ، نحو : فنعم الرجل هو ؛

قوله : «وساء مثل بئس» ، نحو : «ساء مثلا القوم» ، اعلم أنه يلحق بنعم وبئس : كلّ ما هو على فعل بضم العين ، بالأصالة نحو : ظرف الرجل زيد ، أو بالتحويل إلى الضم من فعل أو فعل ، نحو : رموت اليد يده ، وقضو الرجل زيد ، بشرط تضمينه معنى التعجب ، ولهذا كثر انجرار فاعل هذا الملحق بالباء ، وذلك لكونه بمعنى : أفعل به ،

نحو : ظرف زيد ، أي : أظرف به ، ويكثر ، أيضا ، استغناؤه عن الألف واللام ، كقوله تعالى : (وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً)(٢) ، ورفيقا ، تمييز لإبهام أولئك وقيل حال ،

ونحو قوله :

٧٥٤ ـ قعدت له وصحبتي بين ضارج

وبين العذيب بعد ما متأمّلي (٣)

«ما» فيه زائدة ، وكذا في قولهم : شدّ ما أنك ذاهب ، و «أنّ» فاعل «شدّ» ؛ ويجوز أن تكون «ما» فيهما ، كما في : نعمّا ؛ ومتأملي و «أنّ» (٤) مخصوصان ؛

ويضمر فاعل «فعل» المذكور ، كثيرا ، على وفق ما قبله ، نحو : جاءني الزيدان وكرما ، أي : ما أكرمهما ، ولم يجز ذلك في نعم وبئس ، وذلك لعدم عراقته في المدح والذم وكونه كفعل التعجب معنى ؛

قوله : «ومنها حبّذا ، وفاعله ذا» ، أصل «حبّ» : حبب ، كظرف ، أي : صار حبيبا ، فأدغم كغيره (٥) ، وألزم منع التصرف ، لما ذكرنا في نعم وبئس ؛ قوله : «ولا يتغيّر» ، يعني : لا يثنى «ذا» ولا يجمع ولا يؤنث ، بل يقال : حبذا الزيدان ، وحبّذا

__________________

(١) أي مع ما يتبعه من فاعل ومخصوص الخ ؛

(٢) من الآية ٦٩ سورة النساء ؛

(٣) من معلقة امرئ القيس ، وضارج والعذيب مكانان ؛

(٤) أي المصدر المؤوّل منها ومن اسمها وخبرها ؛

(٥) أي مثل كل كلمة اجتمع فيها مثلان مستوفيان لشروط الادغام ؛

٢٥٥

الزيدون ، وحبذا هند ، ولا يقال : حبّ ذان ، ولا : حبّ أولاء ، ولا حبّ تا ؛ لأنه مبهم ، كالضمير في نعم وبئس ، فألزم الأفراد مثله ، وخلع منه الإشارة ، لغرض الإبهام ، فحبذا ، بمعنى : حبّ الشيء ؛

وعند المبرد وابن السراج : أنّ تركيب حبّ مع ذا ، أزال فعلية «حبّ» ، لأن الاسم أقوى ، فحبذا مبتدأ والمخصوص (١) خبره ، أي : المحبوب زيد ؛

وقال بعضهم : بل التركيب أزال اسمية «ذا» ، لأن الفعل هو المقدم ، فالغلبة له ، وصار الفاعل كبعض حروف الفعل ، فحبذا فعل والمخصوص فاعله ؛

وإذا دخل «لا» على حبذا ، وافق «بئس» معنى ؛

والأولى أن يقال في إعراب مخصوص حبذا : أنه كإعراب مخصوص نعم ، إمّا مبتدأ ، أو خبر مبتدأ لا يظهر ، كما قاله قوم هناك ؛ لكن لا تعمل النواسخ في هذا المخصوص ، ولا يقدّم على حبّذا ؛

وقال بعضهم : المخصوص بعد حبذا ، عطف بيان لذا ، وكان ينبغي أن يجوز ادّعاء مثل ذلك في مخصوص نعم وبئس ، إلا أنّ دخول النواسخ يمنع من ذلك (٢) ؛

وقال الرّبعي (٣) : «ذا» زائدة ، كما في : ماذا صنعت ، والمخصوص فاعل «حبّ» ؛

وقد اشتق (٤) منه فعل ، نحو : لا تحبذه ، كحولق ، وبسمل ونحوهما ؛

قوله : «وقد يقع قبل المخصوص أو بعده تمييز» ، نحو : حبذا زيد رجلا ، وحبذا رجلا زيد ، وإن كان مشتقا ، جاز أن يقع حالا ، أيضا ، والعامل «حبّ» ، نحو : حبذا محمد رسولا ، وحبذا رسولا محمد ؛

__________________

(١) على هذا الاعراب لا يسمى مخصوصا ، وإنما سماه المخصوص باعتبار بعض الأوجه الاعرابية ؛

(٢) لأنها لا تدخل على التوابع ؛

(٣) أبو الحسن علي بن عيسى ، ممن تكرر ذكرهم في هذا الشرح ؛

(٤) أي من حب مع ذا ، وهو نوع من النحت ؛

٢٥٦

ولم يجز في نعم تأخير التمييز عن المخصوص اختيارا ، وجاز ههنا ؛ لأن التمييز ههنا عن الظاهر ، أي «ذا» ، وهناك عن الضمير المستكن ،

وأيضا : التمييز لازم عن الضمير ، جائز عن «ذا» ؛ وإنما جاز ترك التمييز ههنا ، تفضيلا للظاهر على الضمير ، وقيل : إنما لم يجز ترك التمييز في نعم ، إذ قد يلتبس المخصوص بالفاعل لو لا التمييز في بعض المواضع ، نحو : نعم السلطان ، بخلاف حبذا ، فإن «ذا» فيه ، ظاهر فاعليّته ؛

وربّما حذف المخصوص ههنا للقرينة كما حذف في نعم ، وقد يفرد «حبّ» عن «ذا» ، فيجوز ، إذن ، نقل ضمة عينها إلى فائها ، كما يجوز حذفها (١) ، قال :

٧٥٥ ـ فقلت اقتلوها عنكم بخراجها

وحبّ بها مقتولة حين تقتل (٢)

بفتح الحاء وضمها ، وكذا كلّ ما هو على فعل ، إذا كان المراد به المدح ، أو التعجب ، كقوله : بعد ما متأمّلي (٣) ؛ وأنشد الجوهري (٤) :

٧٥٦ ـ لا يمنع الناس مني ما أردت ولا

أعطيهم ما أرادوا حسن ذا أدبا (٥)

ويروى ، أيضا : عظم البطن بطنك ؛

والتغيير في اللفظ ، دلالة على التغيير في المعنى ، إلى المدح أو التعجب ،

وقد يجرّ فاعل «حبّ» بالباء ، مفردا عن «ذا» ، تشبيها بفاعل أفعل ، تعجبا ، كما قال : وحبّ بها مقتولة ؛

تم قسم الأفعال والحمد لله رب العالمين ؛

__________________

(١) أي حذف الضمة ؛

(٢) من قصيدة للأخطل ، وهو في وصف الخمر ؛

(٣) في بيت امرئ القيس السابق ؛

(٤) اسماعيل بن حماد الجوهري صاحب معجم الصحاح وتقدم ذكره ؛

(٥) من قصيدة لسهم بن حنظلة الغنوي. شاعر مخضرم أدرك الإسلام. ومن هذه القصيدة :

قد يعلم الناس أني من خيارهم

في الدين دينا وفي أحسابهم حسبا

٢٥٧
٢٥٨

[قسم الحروف]

[الحرف وتعريفه]

[قال ابن الحاجب :]

«الحرف ما دل على معنى في غيره»

[قال الرضي :]

قد مضى شرحه في حدّ الاسم (١) ؛

[احتياج الحرف]

[إلى كل من الاسم والفعل]

[قال ابن الحاجب :]

«ومن ثمّ احتاج في جزئيّته إلى اسم وفعل» ؛

[قال الرضي :]

أي : ومن أجل أن معناه في غيره ، احتاج في كونه جزء كلام إلى اسم ، كالتنوين

__________________

(١) في أول الجزء الأول من هذا الشرح ؛

٢٥٩

في : زيد قائم ؛ أو فعل ، نحو «قد» في : قد قام زيد ، فكل واحد من الكلامين المذكورين مركب من أربع كلمات (١) ؛

وقد ذكرنا في أول الكتاب : أن الكلام أخص من الجملة ، فالاسم يصح أن يكون جزء الكلام من دون شيء آخر ، وكذا الفعل في نحو : قام زيد ؛ وأمّا الحرف ، فلا بدّ في كونه جزء كلام من فعل أو اسم وقد يحتاج إلى المفرد كما ذكرنا ، وقد يحتاج إلى الجملة ، كحرف النفي والاستفهام وحرف الشرط ؛ وقد يحذف المحتاج إليه في نحو : نعم ، ولا ، وكأن قد ، وخرجت ولمّا ؛

[تفصيل الكلام]

[على أنواع الحروف]

[حروف الجر ، الغرض منها ، معنى من]

[قال ابن الحاجب :]

«حروف الجر : ما وضع للافضاء بفعل أو شبهه أو معناه»

«إلى ما يليه ؛ وهي : من ، وإلى ، وحتى ، وفي ، والباء»

«واللام ، وربّ وواوها ، وواو القسم وتاؤه ، وعن وعلى ،»

«والكاف ، ومذ ومنذ ، وحاشا وعدا وخلا ؛ فمن ، لابتداء»

«الغاية ، والتبيين ، والتبعيض ، وزائدة في غير الموجب ،»

«خلافا للكوفيين والأخفش ، وقد كان من مطر : متأوّل» ؛

__________________

(١) في الجملة الأولى اسمان وتنوينان. وفي الجملة الثانية ؛ حرف وفعل واسم وتنوين ؛

٢٦٠