محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي
المحقق: يوسف حسن عمر
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات مؤسّسة الصادق
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٢
وجاءت لغة ضعيفة ، باعتداد حركة التاء ، لكون الألف كجزء الكلمة ، فقالوا : رماتا وغزاتا ؛ ولا تقول : رمات المرأة ، لأن الحركة لأجل كلمة منفصلة ، ليست كجزء ما قبلها ، إذ الظاهر ليس في الاتصال كالضمير ؛
قوله : «وأمّا إلحاق علامة التثنية والجمعين فضعيف» ، يعني نحو : قاما أخواك ، وقاموا إخوتك ، وقمن النساء ، فتكون الألف والواو والنون مثل التاء ، حروفا منبئة من أوّل الأمر ، أن الفاعل مثنى أو مجموع ،.
ولا تكون أسماء ضمائر ، لئلا يلزم ، إذن ، تقدم الضمير على مفسّره من غير فائدة ، كما حصلت في : نعم رجلا ، وربّه عبدا ، وفي باب التنازع ؛ ولكونها حروفا لا ضمائر ، جاز استعمال الواو في غير العقلاء ، نحو : أكلوني البراغيث ، وقيل : إنما فعل ذلك (١) ، لأن الأكل في الأصل موضوع للعقلاء ؛ وجاز استعمال النون (٢) في الرجال كقوله :
... يعصرن السليط أقاربه (٣) ـ ٣٦٦
ويجوز أن يريد بالأقارب : النسوة ؛
هذا ما قاله النحاة ؛ ولا منع من جعل هذه الأحرف ضمائر وإبدال الظاهر منها ، وأمّا الفائدة في مثل هذا الإبدال فما مرّ في بدل الكل من الكل (٤) ، أو تكون الجملة خبر المبتدأ المؤخّر ، والغرض كون الخبر مهمّا ؛
__________________
(١) أي استعمال الواو في غير العقلاء ؛
(٢) أي نون النسوة في قوله يعصرن ؛
(٣) جزء من بيت شعر للفرزدق تقدم ذكره في باب الضمائر. آخر الجزء الثاني ؛
(٤) زيادة موجودة في بعض النسخ. وإثباتها مفيد ؛
[التنوين]
[أنواعه ، حذفه في العلم]
[قال ابن الحاجب :]
«التنوين نون ساكنة ، تتبع حركة الآخر ، لا لتأكيد الفعل» «وهو للتمكن ، والتنكير ، والعوض ، والمقابلة ، والترنم ، ـ» «ويحذف من العلم موصوفا بابن ، مضافا إلى علم» ؛
[قال الرضي :]
[التنوين في الأصل ، مصدر «نوّنت» أي أدخلت نونا] (٤) ، قوله : «نون ساكنة» ، يدخل فيه نون «من» ، ولم يكن ؛ قوله : «تتبع حركة الآخر» يخرج أمثالها ، لأن آخر هذه الكلمات نون ساكنة ، لا أنّ نونها تتبع حركة أواخرها ؛
وقد استفيد منه أن التنوين وجوديّ ، بعد الحركة ، وإنما أطلق قوله حركة الآخر ، ولم يقل آخر الاسم : ليشمل تنوين الترنم في الفعل ، كقوله :
... وقولي إن أصبت لقد أصابن (١) ـ ٤
قوله : «لا لتأكيد الفعل» يخرج نون التوكيد الخفيفة ؛
وإنما لم يجعل للتنوين في الكتابة ، في الرفع والجرّ ، صورة ، لأن الكتابة مبنيّة على الوقف ، والتنوين يسقط في الوقف رفعا وجرّا ، فلذا كتب في حال النصب ألفا ، لأنه يقلب ألفا فيه ؛
وقد ذكرنا أقسام التنوين في أول الكتاب ؛
قوله : «ويحذف من العلم الموصوف بابن مضافا إلى علم» ، نحو : جاءني زيد
__________________
(١) تقدم في أقسام التنوين في الجزء الأول ؛
ابن عمرو ، وذلك لكثرة استعمال «ابن» بين علمين وصفا ، فطلب التخفيف لفظا بحذف التنوين من موصوفه ، وخطّا بحذف ألف «ابن» ، وكذلك في قولك : هذا فلان بن فلان ، لأنه كناية عن العلم ، وكذا : طامر بن طامر ، وهيّ بن بيّ ، وضل بن ضلّ (١) ، لأنه قد يعبّر به عمّن لا يعرف ، على إجرائه مجرى العلم ، وإن كان يدخل فيه كل من كان بهذه الصفة ؛
فإن لم يكن بين علمين ، نحو : جاءني كريم ابن كريم ، أو : زيد ابن أخينا ، لم يحذف التنوين لفظا ، ولا الألف خطا ، لقلة الاستعمال ، وكذا إذا لم يقع صفة نحو : زيد : ابن عمرو ، على أنه مبتدأ وخبر ، لقلة استعماله أيضا كذلك ، مع أن التنوين حذف في الموصوف لكونه مع الصفة كاسم واحد ، والتنوين علامة التمام ، وليست هذه العلة موجودة في المبتدأ والخبر ،
وحكم «ابنة» : حكم «ابن» ، وفي الوصف ببنت ، وجهان ، كما مرّ في باب النداء (٢) ؛
وحذفه في نحو قوله :
وحاتم الطائيّ وهّاب المئي (٣) ـ ٥٢٩
وقوله :
٩٢٨ ـ فألفيته غير مستعتب |
|
ولا ذاكر الله إلا قليلا (٤) |
ضرورة ، وقرئ في الشذوذ : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ)(٥) ؛
__________________
(١) الأمثلة الثلاثة كلها تطلق على من لا يعرف ، ولا يعرف له أب ، وضلّ في اللسان بضم الضاد ؛
(٢) في الجزء الأول من هذا الشرح ؛
(٣) تقدم ذكره أكثر من مرة وانظر فهرس الشواهد ؛
(٤) منسوب إلى أبي الأسود الدولي في شأن امرأة رغبت في الزواج منه فقبل ، ثم لم تعجبه فطلقها وقال في ذلك :
أريت امرءا كنت لم أبله |
|
أتاني فقال اتخذني خليلا .. الخ |
(٥) الآيتان : الأولى والثانية ، سورة الاخلاص ، والقراءة التي أشار إليها تنسب إلى سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما ؛
[نون التوكيد]
[صورها واستعمالاتها]
[قال ابن الحاجب :]
«نون التوكيد : خفيفة ساكنة ، ومشدّدة مفتوحة ، تختص»
«بالفعل المستقبل ، في الأمر والنهي والاستفهام والتمني»
«والعرض والقسم ، وقلّت في النفي ، ولزمت في قسم مثبت ،»
«وكثرت في مثل : إمّا تفعلنّ ؛ وما قبلها ، مع ضمير»
«المذكرين ، مضموم ، ومع المخاطبة مكسور ، وفيما»
«عداه مفتوح ؛ ـ وتقول في التثنية وجمع المؤنث : اضربانّ»
«واضربنانّ ولا تدخلهما الخفيفة خلافا ليونس ، وهما في»
«غيرهما مع الضمير البارز كالمنفصل ، فإن لم يكن ،
«فكالمتصل ، ومن ثمّ قيل : هل ترينّ وترونّ وترينّ ،»
«واغزونّ واغزنّ واغزنّ ، والمخففة تحذف للساكنين وفي»
«الوقف فيردّ ما حذف ، والمفتوح ما قبلها تقلب ألفا» ؛
[قال الرضي :]
إنما حركت المشدّدة بالفتحة لثقلها وخفة الفتحة ، وكسرت بعد ألف الاثنين وألف الفصل ، نحو : اضربانّ واضربنانّ ، تشبيها بنون الإعراب التي في المضارع ، فإنها تكسر بعد الألف نحو : تضربان ، وكذا النون في الاسم المثنى نحو : الزيدان ؛
قوله : «تختص بالفعل المستقبل» ، إنما لم تدخل على الحال والماضي ، لما مرّ في المضارع (١) ؛ ودخولها في الأغلب المشهور في مستقبل فيه معنى الطلب ، كالأمر والنهي
__________________
(١) قال هناك : لأن التوكيد إنما يليق بما لم يحصل ، أما الحاصل في الحال فغير محتاج إلى التوكيد وإن كان ممكنا ، لأنه مشاهد ، هذا كلامه ، ويفهم منه أن الماضي الذي وقع وانقطع. كذلك ؛
والاستفهام والتمني والعرض ، وأمّا في المستقبل الذي هو خبر محض فلا تدخل إلّا بعد أن يدخل على الفعل ما يدل على التأكيد أيضا ، كلام القسم نحو : والله لأضربنّ ، و «ما» المزيدة نحو : إمّا تفعلنّ ، ليكون ذاك الأوّل توطئة لدخول نون التأكيد ، وإيذانا به ؛
ثم الطلب على ضربين : إمّا طلب وجود الفعل ، أو عدمه ، كما في الأمر والنهي والتحضيض والعرض والتمني ، أو السؤال عن حصول الفعل كما في الاستفهام ؛ نحو : افعلنّ ولا تفعلنّ ، وهلّا تفعلنّ وألا تفعلنّ وليتك تفعلنّ وهل تفعلنّ ؛ وكذا جميع أدوات الاستفهام ، اسمية كانت أو حرفية ، قال :
٩٢٩ ـ أفبعد كندة تمدحنّ قبيلا (١)
وتقول : كم تمكثنّ ، وانظر متى تفعلنّ ، قال :
٩٣٠ ـ فأقبل على رهطي ورهطك نبتحث |
|
مساعينا حتى نرى كيف نفعلا (٢) |
والخبر المصدّر بحرف التأكيد نحو : والله لتضربنّ ؛ وكذا كل أداة شرط بعدها «ما» الزائدة ، سواء جاز حذفها كما في : إمّا تفعلنّ ، ومتى ما تفعلنّ ، وأيّهم ما يفعلنّ ، وأيّا ما تفعلنّ ، وأينما تكوننّ ؛ أو كانت لازمة لكلمة الشرط ، كإذما ، وحيثما ؛
وقد تدخل نون التأكيد اختيارا في جواب الشرط أيضا ، إذا كان الشرط مما يجوز دخولها فيه نحو قوله :
٩٣١ ـ فمهما تشأ منه فزارة تعطكم |
|
ومهما تشأ منه فزارة تمنعا (٣) |
وقوله :
__________________
(١) ورد هذا الشطر في سيبويه ج ٢ ص ١٥١ منسوبا للمقنع الكندي ، ولم ينسبه الأعلم ولم يكمله ، وقال البغدادي انه من الشواهد الخمسين التي لم يعرف لها قائل ، وجاء في طبعة الخزانة التي لم تكمل انه من قصيدة لامرئ القيس وان صدره : قالت فطيمة حلّ شعرك مدحه ؛
(٢) وهذا البيت أيضا مما ورد في سيبويه في الموضع السابق ، ولم ينسبه هو ولا الأعلم ، وقال البغدادي انه كذلك من الأبيات التي لم يعرف قائلها ، مع أنه أشار إلى خلاف في ألفاظه ، وفي المراد منه ، والله أعلم ؛
(٣) في سيبويه ج ٢ ص ١٥٢ منسوب لابن الحزع ، قال البغدادي ليس في ديوان ابن الحزع وإنما هو من قصيدة للكميت بن ثعلبة وهو جد الكميت بن معروف الشاعر الجاهلي وأورد القصيدة وشرحها ؛
٩٣٢ ـ نبتّم نبات الخيزرانيّ في الوغى |
|
حديثا متى ما يأتك الخير ينفعا (١) |
لكنه أقل من دخولها في الشرط ؛
وربّما دخلت في الشرط بلا تقدم «ما» نحو : إن تفعلنّ أفعل ، قال :
٩٣٣ ـ من تثقفن منهم فليس بآيب |
|
أبدا وقتل بني قتيبة شافي (٢) |
وتجيء النون ، أيضا ، بعد الأفعال المستقبلة التي تلحق أوائلها «ما» المزيدة في غير الشرط ، اختيارا ، لكن قليلا ، نحو : بجهد ما يبلغنّ ، وبعين ما أرينّك ، أي : أتحقق الذي أراه فيك ، وبألم ما تختتنّه (٣) ، يضرب لمن يطلب أمرا لا يناله إلا بمشقة ، و :
ومن عضة ما ينبتن شكيرها (٤) ـ ٢٤٢
يضرب لمن كان له أصل وأمارة تدل على كون شيء آخر ؛ وقلّما يقولنّ ، وكثر ما يقولنّ ، وربّما يقولنّ ؛
وإنما كان دخولها مع «ما» التي في الشرط أكثر منها في غيره ، لأن الشرط يشبه النهي في الجزم وعدم الثبوت ؛ وأمّا قوله :
٩٣٤ ـ ربّما أوفيت في علم |
|
ترفعن ثوبي شمالات (٥) |
__________________
(١) نبتم بالنون في أوّله من النبات ، يعني نبت هؤلاء القوم كما ينبت الخيزران في الثرى منذ وقت حديث أي قريب ، وقال البغدادي ان معناه لستم بأرباب نعمة قديمة وإنما حدثت فيكم عن قريب ، ومثلهم بالخيزران لطراوته وعدم صلابته ونسب البيت للنجاشي الشاعر ؛
(٢) منسوب لامرأة يقال لها بنت مرة بن عاهان حين قتل أبوها مرة ، قتله بنو قتيبة ، والمعنى من نظفر به من هؤلاء القوم فلا يعود إلى أهله ، وان قتلهم شاف لنا مما في النفوس وهذا تفسير الأعلم والبيت في سيبويه ٢ / ١٥٢. وقد نقل البغدادي كلام الأعلم ونقده بإفاضة ؛
(٣) تقدم قوله بعين ما أرينك قريبا ، وقوله بألم ما تختينّه ، أصله تختنين خطاب لمؤنث بصفة المبني للمجمول ، من الختان وهو مثل يضرب لمن يحرص على فعل لا بد منه ويلقى في تحصيله ألما شديدا ؛
(٤) تقدم كثيرا ، وقلنا إنه مثل أيضا وتقدم شرحه ؛
(٥) من أبيات لجذيمة الأبرش ملك الحيرة ، يقول انه إذا كان مع قومه وأراد البحث عن شيء ، كان هو ربيئة قومه ومرشدهم ، والعلم الجبل ؛
فضرورة ، وإنما حسّن الزيادة ، «ما» في «ربّ» ، وترفعن ، في حيّزها (١) ؛
وتجيء النون بعد المنفي بلا ، إذا كانت «لا» متصلة بالمنفيّ ، قياسا عند ابن جنيّ ، لأنها ، إذن ، تشبه النهي ، واستشهد بقوله تعالى : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً)(٢) ؛ وقيل : إن «لا» في الآية للنهي (٣) ؛
وقد تجيء مع «لا» النافية منفصلة ، نحو : لا في الدار يضربن زيد ، وعند أبي علي ، لا تجيء بعد النفي اختيارا ، لعريّه من معنى الطلب ، وتجرّده من «ما» المؤكدة في الأوّل ؛
قال سيبويه (٤) : تدخل بعد «لم» تشبيها لها بلاء (٥) النهي من جهة الجزم ، قال :
٩٣٥ ـ يحسبه الجاهل ما لم يعلما |
|
شيخا على كرسيّه معمّما (٦) |
وربّما لحقت المضارع خاليا من جميع ما ذكرنا ، قال سيبويه : ويجوز في الضرورة : أنت تفعلنّ ؛
__________________
(١) يعني أن وجود «ما» متصلة بربّ ، والفعل في حيّزها ، هو الذي جعل هذه الزيادة مقبولة وإن كان مع ذلك ضرورة ؛
(٢) الآية ٢٥ سورة الأنفال ؛
(٣) على اعتبار «لا» نافية أو ناهية ، جملة لا تصيبنّ صفة للفتنة ، ولا فرق بينهما إلا أنه في حالة كونها ناهية لا بد من تقدير القول لأن النعت لا يكون جملة طلبية ؛
(٤) سيبويه ٢ / ١٥٢ وما بعدها ؛
(٥) تقدم أن هذا التعبير جاء من القصد إلى إعراب «لا» فضعّف ثانيها وهو الألف فقلبت الثانية همزة ؛
(٦) الشاهد في سيبويه ٢ / ١٥٢ بدون نسبة ، ونسبه بعضهم إلى أبي الصمعاء : مساور بن هند العبسيّ ، وفي العيني أنه لأبي حيان الفقعسي ، وشرحه الأعلم على أن المراد به جبل كساه النبات من كثرة الخصب فأشبه شيخا ملففا في ثيابه وفرق بينه وبين قول امرئ القيس :
كأن ثبيرا في عرانين وبله |
|
كبير أناس في بجاد مزمّل ؛ |
قال البغدادي : لم بصب الأعلم في هذا ، وذكر خلافا طويلا في نسبة الشعر ، وأورد قطعة طويلة يتبين منها أن الشاهد في وصف لبن في اناء قد علته الرغوة فأشبه شيخا معمما جالسا على كرسي ، وقال انه تشبيه ظريف جدا ؛
قيل : وتدخل اسم الفاعل اضطرارا ، تشبيها له بالمضارع ، قال :
٩٣٦ ـ أريت إن جاءت به أملودا |
|
مرجّلا ويلبس البرودا |
أقائلنّ أحضروا الشهودا (١) |
||
٩٣٧ ـ يا ليت شعري عنكم حنيفا |
|
أشاهرنّ بعدنا السيوفا (٢) |
وهذا كما شبّه به في دخول نون الوقاية في قوله :
وليس حاملني إلا ابن حمّال (٣) ـ ٢٨٦
ثم ان النون تلزم من هذه المواضع المذكورة : المقسم عليه مثبتا نحو : والله لأقومنّ ، بشرط أن لا يتعلّق به جارّ سابق ، كقوله تعالى : (وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ)(٤) ؛ وقوله :
لئن تك قد ضاقت عليكم بيوتكم |
|
ليعلم ربي أن بيتي واسع (٥) ـ ٧٩٨ |
شاذ عند البصريين ، كما ذكرت ؛
وأكثر دخولها في الأمر والنهي والاستفهام ، ومع «إمّا» ؛ وعند الزجاج هي لازمة مع «إمّا» ، خلافا للمبرد ، قال :
٩٣٨ ـ فإما تريني ولي لمّة |
|
فإن الحوادث أودى بها (٦) |
وترك النون معها ، جيّد عند غيره ، وإن كان الأكثر إثباتها ؛
__________________
(١) قالوا إن رجلا من العرب جاءت أمه له بولد فأنكره فقالت هذا الرجز ، ولذلك يروى أحضري بدلا من أحضروا ، كما يروى أقائلون بدون توكيد ؛ وأورده البغدادي في رجز يربطه بالشاهد المتقدم في باب الموصول ، وهو : كاللذ تزبّى زبية فاصطيدا ؛
(٢) من رجز رواه ابن دريد في الجمهرة بدون نسبة وبين الشطرين قوله : وقد جدعنا منكم الأنوفا. ـ ورواية الجمهرة : أتحملون بعدنا السيوفا ؛
وقد نسبه العيني إلى رؤبة بن العجاج ، وعلق البغدادي بأنه لم يره في ديوان رؤبة ، ثم وجّه نقدا شديدا إلى العيني في كلامه على هذا الشاهد ؛
(٣) تقدم ذكره في باب الإضافة ، الجزء الثاني ، ويروى : وليس يجملني ؛
(٤) الآية ١٥٨ سورة آل عمران ؛
(٥) تقدم ذكره ص ٣١٢ من هذا الجزء ؛
(٦) هذا من قصيدة للأعشى في مدح أساقفة نجران يقول فيها يخاطب ناقته : ـ
قوله : «وما قبلها مع ضمير المذكرين ، مضموم» ، لأن ضمير المذكرين ، أعني الواو ، إمّا أن ينضمّ ما قبلها ، كانصروا واغزوا ، أو يفتح ، كاخشوا ، وارضوا ، فالمضموم ما قبلها يحذف إذا اتصلت به نون التأكيد للساكنين في كلمتين ، وأولاهما مدّة ، وإن كانت الثانية (١) لشدّة الاتصال وعدم الاستقلال كالجزء من الأولى ، إلّا أنهما ، على كل حال ، كلمتان ، والثقل حاصل بوجود الواو المضموم ما قبلها ، وعليها دليل إذا حذفت ، وهو ضمة ما قبلها ؛ قال سيبويه : لو قالوا اضربونّ واضربينّ ، كما قيل : اضربانّ لم يكن خارجا عن القياس ، كتمودّ الثوب ، ومديقّ (٢) ؛
والمفتوح ما قبلها يحرّك للساكنين بالضم ، وإنما لم يحذف لأنه ليس بمدّة ، كما يجيء في التصريف في باب التقاء الساكنين (٣) ؛
وإنما ضمّ ، ولم يكسر ، ولم يفتح ، اجراء لما قبل نون التوكيد في جمع المذكر في جميع الأنواع ، مجرى واحدا ، بالتزام الضمة فيه ؛
قوله : «ومع المخاطبة مكسور» ، لأن ضمير المخاطبة ياء ، فإن كان ما قبلها مكسورا ، كاضربي واغزي وارمي ، حذفت الياء للساكنين ، كما قلنا في الواو ؛ وإن كان ما قبلها مفتوحا حرّك بالكسر ، كاخشينّ وارضينّ اجراء لما قبل النون في المخاطبة في جميع الأنواع مجرى واحدا ، مع أن الكسر للساكنين هو الأصل ؛
وقال ابن مالك (٤) : حذف ياء الضمير بعد الفتحة لغة طائية ؛ نحو : ارضنّ في : ارضي ؛
__________________
فكعبة نجران حتم عليك |
|
حتى تناخي بأبوابها |
ومنها قوله :
وكأس شربت على لذة |
|
وأخرى تداويت منها بها |
(١) أي الكلمة الثانية وهي نون التوكيد ؛
(٢) تصغير مدقّ ، آلة الدق ، ومثال سيبويه : أصيم تصغير أصمّ ؛
(٣) أي في شرح الشافية ، وقد ألفه الرضي بعد الانتهاء من شرحه هذا ؛
(٤) هذا القول ذكره ابن مالك في التسهيل ، وقد جاء بهامش النسخة المطبوعة نسبة هذا القول للمالكي في بعض نسخ هذا الشرح ؛
قوله : «وفيما عداه مفتوح» أي فيما عدا المذكور ، وما عداه : الواحد المذكر ، نحو : اضربنّ ، واغزونّ ، وارمينّ ، واخشينّ ؛ والمثنى ، نحو : اضربانّ ، وجمع المؤنث نحو : اضربنانّ ، وليس ما قبلها في المثنى وجمع المؤنث مفتوحا ، بل هو ألف ، بلى قبل الألف فتحة ، ولعلّ هذا مراده ؛
أمّا فتح ما قبلها في الواحد المذكر ، فلتركيب الفعل مع النون وبنائه على الفتح ، لكون النون كجزء الكلمة ؛
وإنما ردّت اللامات المحذوفة للجزم أو الوقف (١) في نحو : ليغزونّ واغزونّ ، وليرمينّ ، وارمينّ ، وليخشينّ ؛ لأن حذفها كان للجزم أو للوقف الجاري مجراه ، ومع قصد البناء على الفتح للتركيب : لا جزم ولا وقف ؛
وهذا الذي ذكرناه من كونه مبنيا على الفتح مذهب سيبويه (٢) ، والمبرد ، وأبى علي ؛ وقال الزجاج والسيرافي ، بل الحركة للساكنين ، معربا كان الفعل أو مبنيا ، لأنه بلحاق النون ، بعد الفعل عن شبه الأسماء فعاد إلى أصله من البناء ، والأصل في البناء السكون فلزم تحريك للساكنين ، فحرّك بالفتح صيانة للفعل من الكسر أخي الجرّ ، بلا ضرورة ، كما كانت (٣) في : اضربنّ إلّا أنه تحريك للساكن بحركة كالحركة اللازمة ، لكون اللام متحركة في الأصل أي المضارع ، وكون النون كجزء الكلمة لاتصاله بنفس الفعل ، لا بالضمير كما في : اخشونّ واخشينّ ، بخلاف «الرجل» في : اضرب الرجل ،
فلكونها كاللازمة ردّت العين المحذوفة للساكنين في : قومنّ ، ولم تردّ في : (قُمِ اللَّيْلَ)(٤) ؛
__________________
(١) يريد به البناء المقابل للإعراب ؛
(٢) عبارة سيبويه في ٢ / ١٥٤ : وإذا كان فعل الواحد مرفوعا ثم لحقته النون ، صيّرت الحرف المرفوع مفتوحا ؛
(٣) أي الضرورة ، وهي من اضربنّ ، إبقاء الكسرة لتدل على ياء المخاطبة ؛
(٤) من الآية الثانية في سورة المزمّل ؛
هذا كله على مذهب الجمهور ، الذاهبين إلى بناء ما اتصل به النون ، وأمّا على مذهب من قال : الفعل باق على ما كان عليه قبل دخول النون من الإعراب أو البناء ، فإنه يقول : إنما ردّت اللام ، وفتحت في الناقص ، نحو : اغزونّ وارمينّ ، إذ لو لم تردّ ، لقيل : اغزنّ بالضم ، وارمنّ بالكسر ، فكان يلتبس بالأول : جمع المذكر ، وبالثاني : الواحد المؤنث ، ففتحوا ما قبل النون في كل واحد مذكر ، صحيحه ومعتله ؛ وأمّا ردّ اللام في : ارضينّ واخشينّ ، فلطرد الباب فقط ، إذ لم يكن يلتبس به شيء آخر ،
هذا ، ولغة طيء على ما حكى عنهم الفرّاء : حذف الباء الذي هو لام في الواحد المذكر بعد الكسر والفتح في المعرب والمبني ، نحو : والله ليرمنّ زيد ، وارمنّ يا زيد ، وليخشنّ زيد ، واخشنّ يا زيد ، وعليه قوله :
٩٣٩ ـ إذا قال قدني قال بالله حلفة |
|
لتغننّ عني ذا إنائك أجمعا (١) |
وإنما لم تحذف الألف في : اضربانّ وإن التقى ساكنان ، كما حذفوا الواو والياء في : اضربنّ ، واضربنّ ؛ خوف اللبس بالواحد ، لأن النون إنما كسرت لأجل الألف كما ذكرنا ، فلو حذفت الألف لانفتحت النون ، مع أن الألف أخفّ من الواو والياء ؛ وأيضا ، المدّ فيه أكثر منه في الواو والياء ، والمدّ يقوم مقام الحركة ، والنون كبعض الكلمة ، فصار : اضربانّ ، كالضالّين (٢) ،
وأمّا الألف في : اضربنانّ ، فلم تحذف لأنها مجتلبة للفصل بين النونات فلو حذفت لحصل الوقوع فيما فرّ منه ؛
__________________
(١) البيت من قصيدة لحريث بن عتّاب الكائي نقلها البغدادي عن أمالي ثعلب ، وشرحها وفيها وصف لرجل ينشد ابلا ، استضافه حريث وأكرمه وهو يقول قبل هذا البيت :
دفعت إليه رسل كوماء جلدة |
|
وأغضيت عنه الطرف حتى تضلّعا |
ويروى بيت الشاهد : إذا قال قطني قلت آليت حلفة ؛ كما يروى : لتغننّ بلام القسم ونون التأكيد ومعنى البيت أنه كلما أراد الضيف الاكتفاء من شرب اللبن حلفت عليه أن يأتي على جميع ما في الاناء ، وهو مبالغة في الكرم ، والقطعة التي منها البيت جيّدة ؛
(٢) الضالّين ، كلمة واحدة حقيقة ، واضربانّ بسبب الامتزاج في حكم كلمة واحدة ؛
وأمّا حذف النون التي هي علامة الرفع في الأمثلة الخمسة فلأنّ الفعل صار مبنيا عند الجمهور ، وعند غيرهم لاجتماع النونات ؛
قوله : «ولا تدخلهما الخفيفة» ، أي لا تدخل الخفيفة المثنى ، وجمع المؤنث ، لأنه يلزم التقاء الساكنين على غير حدّه (١) ، وأمّا مع المثقلة فلأن النون المذغمة ، وإن كانت ساكنة ، فهي كالمتحركة ، لأنه يرتفع اللسان بها ، وبالمتحركة ارتفاعه واحدة ، فهما كحرف واحد متحرك ؛
ولا يجوز ، عند سيبويه (٢) ، أيضا ، إلحاقها في نحو : اضرباني ، بنون الوقاية واضربان ، نعمان ، وإن كان يزول التقاء الساكنين الممنوع بالإدغام في نون الوقاية ونون نعمان ، لأن النونين المدغم فيهما ليستا بلازمتين ؛
وأمّا يونس والكوفيون ، فجوّزوا إلحاق الخفيفة بالمثنى وجمع المؤنث ، فبعد ذلك ، إمّا أن تبقى النون عندهم ساكنة ، وهو المروي عن يونس ، لأن الألف قبلها ، كالحركة لما فيها من المدّة ، كقراءة نافع (٣) : (وَمَحْيايَ)(٤) أو قراءة أبي عمرو (٥) : (وَاللَّائِي)(٦) وقولهم : التقت حلقتا البطان (٧) ؛ ولا شك أن كل واحد (٨) في مقام الشذوذ (٩) ، فلا يجوز القياس عليه ؛
__________________
(١) حده هو أن يكون الساكنان في كلمة واحدة وأولهما مدة ؛
(٢) كل ما يتصل بنوني التوكيد في سيبويه ج ٢ ص ١٤٩ وما بعدها وفيه كثير مما أورده الرضي هنا بلفظه ؛
(٣) نافع أحد القراء السبعة وهو من قراء المدينة ، وتقدم له ذكر في هذا الشرح ؛
(٤) من الآية ٦٢ في سورة الأنعام ؛
(٥) أبو عمرو بن العلاء ، أحد القراء السبعة وإمام من أئمة النحو ، وتقدم ذكره ؛
(٦) من الآية ٤ سورة الطلاق ؛
(٧) كناية عن ضيق الأمر واشتداده ، وورد مثله في شعر أوس بن حجر ، وهو قوله :
وازدحمت حلقتا البطان بأقوا |
|
م وجاشت نفوسهم جزعا |
(٨) أي كل واحد مما أورده من الأمثلة ؛
(٩) الشارح الرضي لا يتحرج من نقد القراءات حيث يعتبر هنا أن كل ما تقدم من قبيل الشذوذ ، وفيه بعض ـ
وإمّا أن تحرّك بالكسر للساكنين ، وعليه حمل قوله تعالى : (وَلا تَتَّبِعانِّ)(١) ، بتخفيف النون ؛
واعلم أن كلّا من الثقيلة والخفيفة حرف برأسها ، عند سيبويه (٢) ؛ وعند أكثر الكوفيين :
المخففة فرع المثقلة ؛
قوله : «وهما في غيرهما» ، أي النونان في غير المثنى وجمع المؤنث مع الضمير البارز وهو الواو والياء ؛
قوله : «كالمنفصل» ، أي : كالكلمة المنفصلة ، يعني يجب أن يعامل آخر الفعل مع النونين معاملته مع الكلمة المنفصلة ، من حذف الواو والياء ، أو تحريكهما ضما وكسرا ؛
وغرضه من هذا الكلام : بيان الأفعال المعتلة الآخر عند لحاق النون بها ، وقد بيّنا نحن حكم جميعها في ضمن الكلام السابق ؛
ومعنى كلامه : أن النونين حكمهما مع المثنى وجمع المؤنث ما ذكر ، ومع غيرهما ، على ضربين ، إمّا مع ضمير بارز وهو شيئان : جمع المذكر نحو اغزوا وارموا ، واخشوا ، والواحد المؤنث نحو : ري ، واغزي وارمي واخشي ؛
وإمّا مع ضمير مستتر وهو الواحد المذكر ، نحو : ره ، واغز وارم واخش فالنون مع الضمير البارز كالكلمة المنفصلة ، فتقول : اغزنّ وارمنّ بحذف الواو ، كما حذفتها مع الكلمة المنفصلة نحو : اغزوا الكفار ، وارموا الغرض وكذا : اغزنّ وارمنّ يا امرأة ، بحذف الياء كما حذفت في : اغزي الجيش وارمي الغرض ، وتضم الواو المفتوح ما قبلها نحو : اخشونّ ، كما ضممتها مع المنفصلة ، نحو : اخشووا الرجل ، وتكسر الياء المفتوح
__________________
= القراءات المتواترة. وقد صرح في باب الإضافة في الفصل بين المتضايفين بقوله لا نسلم تواتر القراءات ، وللعلماء آراء متعددة في موضوع القراءات عموما ، ليس هنا مجال ذكره ؛
(١) من الآية ٨٩ سورة يونس ؛
(٢) انظر سيبويه ج ٢ ص ١٤٩ ؛
ما قبلها كما كسرتها مع المنفصلة ، تقول : اخشينّ ، كاخشي الرجل ،
قوله «فإن لم يكن بارز» ، وهو في الواحد المذكر ، نحو : اغز ، وارم واخش ، فالنون كالمتصل ، أي كالكلمة المتصلة ، ويعني بها ألف التثنية نحو : اغزونّ وارمينّ واخشينّ ، بردّ اللامات وفتحها ، كما قلت : اغزوا وارميا واخشيا ؛
قال : لما كان النون بعد الضمير البارز ، صار كالكلمة المنفصلة ، لأن الضمير فاصل ، ولما لم يكن ضمير بارز ، كان النون كالضمير المتصل ،
هذا زبدة كلامه ؛ ويرد عليه أن المتصل ليس هو الألف فقط ، بل الواو والياء في : ارضوا ، وارضي ، متصلان ، أيضا ، وأنت لا تثبت اللام معهما كما تثبتها مع الألف ، فليس قوله ، إذن ، فكالمتصل ، على إطلاقه ، بصحيح ؛ وأيضا يحتاج إلى التعليل فيما قاس النون عليه من المتصل ، والمنفصل ، إذا سئل ، مثلا : لم لم تحذف اللام في : اخشيا وارميا واغزوا كما حذفت في : اخش وارم واغز ؛ ولم ضمّت الواو في : ارضوا الرجل وكسرت الياء في : ارضي الرجل ، ولم تحذفا ؛ كما في : ارمو الرجل وارمي الغرض ؛ وكل علة تذكرها في المحمول عليه فهي مطردة في المحمول ، فما فائدة الحمل ؛ وإنما يحمل الشيء على الشيء ، إذا لم يكن المحمول في ثبوت العلة فيه كالمحمول عليه ، بل يشابهه من وجه فيلحق به لأجل تلك المشابهة ، وإن لم تثبت العلة في المحمول ، كحمل «إنّ» على الفعل المتعدي وإن لم يكن في «إن» العلة المقتضية للرفع والنصب كما كانت في المتعدي ،
قوله : «والمخففة تحذف للساكنين» ، وذلك إذا لاقى المخففة ساكن بعدها ، كقوله :
٩٤٠ ـ لا تهين الفقير علّك أن تر |
|
كع يوما والدهر قد رفعه (١) |
__________________
(١) من أبيات للأضبط بن قريع السعدي ، ونقل عن ثعلب أنها قيلت قبل الإسلام بدهر طويل وأولها :
لكل همّ من الهموم سعة |
|
والمسى والصبح لا بقاء معه |
حطّا لها عن التنوين ، لأن التنوين لازم للاسم المتمكن في الوصل إذا تجرد عن المانع وهو الإضافة واللام ، بخلاف النون الخفيفة ، فإنها قد تترك بلا مانع ، وأيضا ، ينبغي أن يكون للنون اللاحقة للاسم ، فضل على النون اللاحقة للفعل ، فالتنوين يحذف في الموصوف بابن ، وابنة ، بالشرط المذكور ، قياسا ، وفي غيره للضرورة ، كقوله :
وحاتم الطائيّ وهّاب المئي (١) ـ ٥٢٩
والنون الخفيفة تحذف للساكنين مطلقا ؛
وقال سيبويه (٢) ، عن يونس : إنه إذا جاء بعد النون المخففة في : اضربان واضربنان ، ساكن ، تبدلها همزة ، نحو : اضرباء الرجل واضربناء الرجل ،.
قال سيبويه : لو جوّزنا إلحاق الخفيفة بالمثنى ، فالقياس حذفها للساكنين كما تحذف اتفاقا في المفردين : المذكر والمؤنث ، وجمع المذكر ، فيسقط الألف ، أيضا ، في اللفظ ، للساكنين ؛
وإذا وقف على فعل في آخره نون خفيفة ، فحكمها حكم التنوين ، أعني أنه ، تقلب المفتوح ما قبلها ألفا ، نحو : اضربا ؛ في : اضربن ؛
قال سيبويه (٣) : وقياس مذهب يونس في : اضربان ، واضربنان ، أن تقلب النون الخفيفة ألفا ، فتمدّ فيها المدة الطولى بقدر ألفين ؛
وقال الزجاج : لو مدّت الألف وطال مدّها ، ما زادت على الألف ، لأنها حرف ، لا تتكرر ولا يؤتى بعدها بمثلها ؛
__________________
= والمسى بضم الميم أو كسرها مقابل الصبح ، ومن جيّد أبياتها قوله :
قد يجمع المال غير آكله |
|
ويأكل المال غير من جمعه |
فاقبل من الدهر ما أتاك به |
|
من قرّ عينا بعيشه نفعه |
(١) تكرر ذكره ، وانظره في باب العدد ، بالجزء الثالث ؛
(٢ و ٣) انظر بحث نوني التوكيد في سيبويه ج ٢ ص ١٤٩ وما بعدها ؛
وقال السيرافي : ليس هذا الرأي الذي أنكره الزجاج بمنكر ، وذلك أنه يقدّر أنّ المدّ الذي يزاد بعد النطق بالألف الأولى يرام به ألف آخر ، وإن لم ينفصل عن الأوّل ولم يتميّز ؛
وتحذف في الوقف : المضموم ما قبلها والمكسور ما قبلها ، نحو : اضربن واضربن ؛ وكان يونس (١) يقول : أقلبها واوا بعد الضمة في نحو : اخشون ، وياء بعد الكسرة في نحو : اخشين ، فأقول : اخشوو ، واخشيي ، قال الخليل : لا أرى ذلك إلّا على مذهب من قال من أهل اليمن : هذا زيدو ، ومررت بزيدي ؛ وهي غير فصيحة ؛
وأمّا في نحو : اضربن واضربن ، فيقول يونس : اضربو واضربي وفاقا لغيره في اللفظ ، إلّا أن الواو والياء ، عنده ، عوضان من النون ، وعند غيره : هما الضميران المردودان بعد حذف النون كما يجيء ؛
ويقول في : هل تضربن ، وهل تضربن : هل تضربو وهل تضربي ، بلا نون ، والواو والياء بدلان من النون الخفيفة ، وعند غيره : هل تضربون وهل تضربين ، والواو والياء ضميران ردّا بعد حذف نون التأكيد ، فتردّ النون التي سقطت لأجل نون التأكيد ، كما يجيء ؛
قوله : «فيردّ ما حذف» ، يعني إذا حذفت النون ، أعيد إلى الفعل الموقوف عليه : ما أزيل في الوصل بسببها ، من الواو ، والياء وحدهما ، كما تقول في : اضربن واضربن ، واخشون واخشين : اضربوا واضربي ، واخشوا واخشي ؛ أو ، من الواو والياء مع النون التي بعدهما ، كما تقول في : هل تضربن ، وهل تضربن ، وهل تخشون وهل تخشين : هل تضربون وهل تضربين ، وهل تخشون وهل تخشين ؛
وهذا أيضا ، بناء على أنهم قدّروا النون المخففة ، المحذوفة للوقف : معدومة من أصلها لعدم لزومها للفعل ، بخلاف التنوين ، فإن الوقف في : جاءني قاض ، بغير ردّ الياء على
__________________
(١) انظر الحاشية السابقة.
الأفصح ، لكون التنوين لازما ، إذ لم يكن مانع ، فكأنه ثابت أيضا ، مع عروض الحذف.
هذا آخر شرح المقدمة ، والحمد لله على إنعامه وإفضاله ، بتوفيق إكماله ، وصلواته على محمد وكرام آله ؛
وقد تمّ تمامه ، وحمّ (١) اختتامه ، في الحضرة المقدّسة الغروية (٢) ، على مشرّفها صلوات ربّ العزّة وسلامه ،
في شوّال سنة ست وثمانين وستمائة
__________________
(١) حمّ بالبناء للمجهول بمعنى قدّر له أن يختم ؛
(٢) انظر ما قلناه في شرح قول الرضي في مقدمة هذا الكتاب : فببركات الجناب المقدس الغرويّ ؛
[استطراد](١)
[في ذكر بعض أحكام مفيدة]
ولنذكر أحكام هاء السكت ، وإن كان المصنف ذكر بعضها في التصريف ، وحرف (٢) التذكير ، والإنكار ؛ وشين الكشكشة وسين الكسكسة ؛
أمّا هاء السكت ، فهي هاء تزاد في آخر الكلمة الموقوف عليها في موضعين : أحدهما : إذا كان آخرها ألفا ، والكلمة حرف أو اسم عريق البناء ، نحو : لا ، وذا ، وهنا ؛ وذلك لأن الألف حرف خفي ، إذا جئت بعدها بحرف آخر ، وذلك في الوصل ، تبيّن النطق بها ، وإذا لم تأت بعدها بشيء ، وذلك في الوقف ، خفيت ، حتى ظنّ أن آخر الكلمة مفتوح ،
فلذا وصلت بحرف ، ليبيّن جوهرها ؛ واختاروا أن يكون ذلك الحرف هاء ، لمناسبتها بخفائها حرف اللين ، فإذا جاءت ساكنة بعد الألف ، فلا بدّ من تمكّن مدّ الألف ، ليقوم ذلك مقام الحركة فيمكن الجمع بين ساكنين ؛ فتبين الألف بذلك التمكين والمدّ ؛
وأمّا في الأسماء المتمكنة ، نحو : أفعى وحبلى ، أو العارضة البناء نحو : لا فتى ، فلا تزيد هاء السكت ، إمّا لخوف التباس هاء السكت بهاء الضمير المضاف إليه ، فإن
__________________
(١) استطرد الشارح إلى ذكر هذه الأمور ، بعد أن ختم شرحه على الكافية ؛ وهي من مباحث الصرف ، وقد أشار في كثير من المواضع في شرحه هذا إلى ما يدل على اعتزامه شرح الشافية في التصريف لابن الحاجب. وقد وفى بوعده ، رحمه الله. وشرحها شرحا عظيما لا يقل فائدة عن هذا الشرح ؛
(٢) أي وأحكام حرف التذكير ؛
الاسم العريق البناء ، لا يضاف منه إلّا «كم» و «لدن» و «لدى» ؛ وإمّا لكون الإعراب مقدّرا في أفعى ، وشبه الحركة الإعرابية في : لا فتى ؛ وسنذكر أنها لا تلحق المتحركة بحركة إعرابية أو شبه الإعراب ؛
وأما ألف نحو : هذا ، وهؤلا (١) ، فليس الحركة الإعرابية فيه مقدرة بل لو كان مكان الألف حرف صحيح ، أيضا ، لكان محركا بحركة بنائية نحو : هو ، وهي ، وهؤلاء ؛
ولا تلحق هذه الهاء ساكنا آخر ، غير الألف المذكورة ؛ سواء ، كان واوا أو ياء ، كهمو ، وهذي ، أو غيرهما ، ككم ومن ، وذلك لأن الألف أخفى ، فهي إلى البيان أحوج ؛
بلى ، تلحق الألف والواو والياء في الندبة ، نحو : واغلاماه ، و : واغلامكموه ، و : واغلامكيه ؛ وفي الإنكار نحو : آلاميراه ، و : آلأميروه ، و : آلاميريه ، لقصدك إلى زيادة مد الصوت فيهما ؛
وثاني الموضعين : إذا وقفت على كلمة متحركة الآخر بحركة غير إعرابية ولا مشبّهة بالاعرابيّة ، لبيان تلك الحركة اللازمة ، إذ لو لم تزد الهاء لسقطت الحركة للوقف ؛
وإنما لم تبيّن الإعرابية ، لعروضها وسرعة زوالها ،
وذلك قولك : هما رجلانه ، وضاربانه ، وهنّه ، وضربتنّه ، وهلمّه ، وضربكه ، وويحكه ، وثمّه ، واضربنه ؛ وانطلقنه وضربنه ، وعصايه ، وغلاميه ، وقاضيّه ، وهوه ، وهيه ، وأينه ، وكيفه وغير ذلك ؛
ودخولها فيما قبل آخره ساكن ، أقوى وأكثر من دخولها فيما قبل آخره متحرك ، حتى لا يجتمع ساكنان ، لو أسكن الآخر ؛
__________________
(١) بدون همزة في آخره ، وهي لغة ، وانظر باب أسماء الإشارة في آخر الجزء الثاني ؛
ولم يلحقوها النونات في الأمثلة الخمسة ، نحو : يضربانه ، ويضربونه ، وتضربينه .. (١) ، لأن النون علامة الرفع فهي كالحركة الإعرابيّة ؛
وقد منع بعض البصريين أن يقال : انطلقنه ، وضربنه لالتباس الأول بضمير المصدر ، والثاني بالمفعول. به ؛
وليس بشيء ، لأن الخليل حكى : انطلقنه عن العرب (٢) ، ولو كان اللبس مانعا لم يقولوا : أعطيتكه ، وإنه ، وليته ولعلّه ، واعلمنه ؛
وقد استعملوا في بعض ذلك : الألف مكان الهاء ، لمشابهتها لها وذلك في : أنا ، وحيّهلا ؛
ولم يلحقوها آخر نحو : لا رجل ، ويا زيد ، ونحو : خمسة عشر ، لأن حركة البناء عارضة ، فتشبه ، لذلك ، الحركة الإعرابيّة ؛
وكذا لم يلحقوها آخر الماضي المجرّد ، لأنه إنما حرّك ، كما ذكرنا في بابه ، لمشابهته المعرب ، فكأن حركته إعرابيّة ، فلم يقولوا : ضربه ؛
وإذا كانت الكلمة مما ذهب لامها ، جزما ، أو وقفا ، فإن بقيت على حرف واحد ، فهاء السكت واجبة ، نحو : ره ، وقه ، لاستحالة الوقف على المتحرك والابتداء بالساكن ؛
وإن كانت على أكثر من حرف نحو : اغزه ، وارمه ، واخشه ، ولم يغزه ، ولم يرمه ، ولم يخشه ، فالهاء في مثلها ليست بواجبة ، لكنها ألزم ههنا منها في نحو : ثمّه ، ومسلمونه ، لأنك إذا لم تأت بها سكّنت آخر الكلمة بعد حذف حرف منها ، وهو إجحاف ؛
وهي في نحو : أعه وأقه ، في قولك إن تع أعه ، وإن تق أقه ، ألزم (٣) منها في :
__________________
(١) ذكر ثلاثة من الأمثلة الخمسة ، والباقيان هما تفعلان وتفعلون ؛
(٢) نقله عنه سيبويه في الكتاب ج ٢ ص ٢٧٩ ؛
(٣) أي أشد لزوما ، ونقل ابن هشام في أوضح المسالك رأي ابن مالك في وجوب هاء السكت في هذا النوع وردّ عليه ردّا قويا ؛