محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي
المحقق: يوسف حسن عمر
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات مؤسّسة الصادق
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٢
[حروف التنبيه]
[ألا ـ أما ـ ها]
[قال ابن الحاجب :]
«حروف التنبيه : ألا وأما ، وها» ؛
[قال الرضي :]
اعلم أن «ألا» و «أما» ، حرفا استفتاح يبتدأ بهما الكلام ، وفائدتهما المعنوية : توكيد مضمون الجملة ، وكأنهما مركبتان من همزة الإنكار وحرف النفي ، والإنكار نفي ، ونفي النفي إثبات ، ركّب الحرفان لإفادة الإثبات والتحقيق ، فصارا بمعنى «إنّ» ، الّا أنهما غير عاملين ؛ يدخلان على الجملة ، خبرية كانت أو طلبية ، سواء كانت الطلبية أمرا أو نهيا ، أو استفهاما ، أو تمنّيا ، أو غير ذلك ؛
وتختصان بالجملة بخلاف «ها» ، وفائدتهما اللفظية كون الكلام بعدهما مبتدأ به ، وقد نسب التنبيه إليهما ، كما هو مذهب المصنف في هذا الكتاب ،
وتدخل «ألا» كثيرا على النداء ، و «أما» كثيرا على القسم ، وقد تبدل همزة «أما» هاء ، وعينا ، نحو : هما ، وعما ، وقد تحذف ألفها في الأحوال الثلاث ، نحو : أم ، وهم ، وعم ؛
وقد تجيء «ألا» عند الخليل حرف تحضيض (١) ، أيضا كما ذكرنا عنه في قوله :
ألا رجلا جزاه الله خيرا (٢) ... ـ ١٥٨
__________________
(١) في سيبويه ج ١ ص ٣٥٩ ، أنها بمنزلة هلا ، وليس على التمني ، الخ وفيها الشاهد الآتي ؛
(٢) تقدم الاستشهاد به أكثر من مرة ، وانظر فهرس الشواهد في آخر الكتاب ؛
وقد جاءت «أما» بمعنى «حقّا» فتفتح «أنّ» بعدها كما مرّ في باب «انّ» ، وأمّا «أما» و «ألا» للعرض ، فهما حرفان يختصان بالفعل ولا شك في كونهما ، إذن ، مركبين من همزة الإنكار وحرف النفي ، وليستا كحرفي الاستفتاح ، لأنهما بعد التركيب تدخلان على الجملتين : الاسمية والفعلية بلا خلاف ، واللتان للعرض تختصان بالفعلية على الصحيح ، كما قال الأندلسيّ ؛
وأجاز المصنف دخولهما على الاسمية أيضا ، كما مرّ في باب «لا» التبرئة ؛
وأمّا «ها» فتدخل ، من جميع المفردات ، على أسماء الإشارة كثيرا ، لما ذكرنا في بابها ؛ ويفصل كثيرا ، بين أسماء الإشارة وبينها ، إمّا بالقسم نحو : ها الله ذا ، وقوله :
تعلّمن ، ها ، لعمر الله ، ذا قسما |
|
فاقصد بذرعك وانظر أين تنسلك (١) ـ ٤٠٠ |
وإمّا بالضمير المرفوع المنفصل ، نحو : (ها أَنْتُمْ أُولاءِ)(٢) وبغيرهما قليلا ، نحو قوله :
ها إن تا عذرة إن لم تكن نفعت |
|
فإن صاحبها قد تاه في البلد (٣) ـ ٤٠١ |
وقوله :
ونحن اقتسمنا المال نصفين بيننا |
|
فقلت لهم هذا لها ، ها وذاليا (٤) ـ ٤٠٢ |
أي : وهذا ليا ؛
ومذهب الخليل (٥) أن «ها» المقدمة في جميع ذلك ، كانت متصلة باسم الإشارة ؛ أي كان القياس : الله هذا ، ولعمرك هذا قسما ، وانتم هؤلاء ، وإن هاتا عذرة ؛ والدليل على أنه فصل حرف التنبيه عن اسم الإشارة ما حكى أبو الخطاب (٦) عمّن يوثق به : هذا
__________________
(١) تقدم ذكره في باب اسم الإشارة ، آخر الجزء الثاني ؛
(٢) الآية ١١٩ سورة آل عمران ؛
(٣) تقدم ذكره في الموضع المذكور قبله ؛
(٤) وهذا أيضا ، والأبيات الثلاثة متوالية هناك كما هي هنا ؛
(٥) انظر سيبويه : ج ١ ص ٣٧٩ ؛
(٦) الأخفش الأكبر ، شيخ سيبويه ، وتقدم له ذكر ؛
أنا أفعل ، وأنا هذا أفعل ، في موضع : ها أنا ذا أفعل ، وحدّث يونس (١) : هذا أنت تقول كذا ؛
واعلم أنه ليس المراد بقولك : ها أنذا أفعل : أن تعرّف المخاطب نفسك وأن تعلمه أنك لست غيرك ، لأن هذا محال ، بل المعنى فيه وفي : ها أنت ذا تقول وها هو ذا يفعل : استغراب وقوع مضمون الفعل المذكور بعد اسم الإشارة من المتكلم أو المخاطب أو الغائب ، كأنّ معنى : ها أنت ذا تقول ، وها أنت ذا يضربك زيد : أنت هذا الذي أرى لا من كنا نتوقع منه ألّا يقع منه أو عليه مثل هذا الغريب ، ثم بينت بقولك : تقول ، وقولك : يضربك زيد : الذي استغربته ولم تتوقعه ، قال الله تعالى : (ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ)(٢) ، فالجملة بعد اسم الإشارة لازمة ، لبيان الحالة المستغربة ، ولا محلّ لها ، إذ هي مستأنفة ؛
وقال البصريون هي في محل النصب على الحال ، أي : ها أنت ذا قائلا ، قالوا : والحال ههنا لازمة ، لأن الفائدة معقودة بها ، والعامل فيها حرف التنبيه ، أو اسم الإشارة ؛
ولا أرى للحال فيه معنى ، إذ ليس المراد : أنت المشار إليه في حال قولك ؛
وجوّز بعضهم أن تكون «ها» المقدّمة في نحو : ها أنت ذا تفعل : غير منوي دخولها على «ذا» ، استدلالا بقوله تعالى : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ ...)(٣) ولو كانت هي التي كانت مع اسم الإشارة ، لم تعد بعد «أنتم» ؛
ويجوز أن يعتذر للخليل بأن تلك الإعادة للبعد بينهما ، كما أعيد : (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ) لبعد قوله تعالى : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ)(٤) ؛ وأيضا قوله تعالى : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ) ، دليل على أن المقصود في (ها أَنْتُمْ أُولاءِ) هو الذي كان مع اسم الإشارة ، ولو كان في
__________________
(١) نقله عنه سيبويه في الموضع السابق : ج ١ ص ٣٧٩ ؛
(٢) الآية المتقدمة من سورة آل عمران ؛
(٣) الآية ٦٦ سورة آل عمران ، ومثلها الآية ١٠٩ في سورة النساء ؛
(٤) الآية ١٨٨ من سورة آل عمران ؛
صدر الجملة من الأصل ، لجاز من غير اسم الإشارة نحو : ها أنت زيد ؛
وما حكى الزمخشري من قولهم : ها إن زيدا منطلق ، وها ، افعل كذا (١) ، ممّا لم أعثر له على شاهد ؛
فالأولى أن نقول : ان هاء التنبيه مختص باسم الإشارة ، وقد يفصل عنه كما مرّ ، ولم يثب دخولها في غيره ، من الجمل والمفردات ؛
وقد عدّ ابن مالك «يا» من حروف التنبيه ، قال (٢) : وأكثر ما يليها. منادى أو أمر ، نحو : (أَلَّا يَسْجُدُوا)(٣) أو تمنّ نحو : (يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ)(٤) أو تقليل نحو :
ما ويّ يا ربّتما غارة (٥) ... ـ ٧٤٤
وقد يليها فعل المدح والذم والتعجّب ؛
ومن جعلها حرف نداء فقط ، قدّر في جميع هذه المواضع منادى ، بخلاف من جعلها حرف تنبيه ؛
ولجميع حروف التنبيه صدر الكلام ، كما للاستفهام ، كما تقدم ، إلّا «ها» الداخلة على اسم الإشارة غير مفصولة ، فإنها تكون ، إمّا في الأول ، أو الوسط ، بحسب ما يقع اسم الإشارة ؛
__________________
(١) انظر عبارته في شرح ابن يعيش ج ٨ ص ١١٣ ؛
(٢) قاله ابن مالك في التسهيل ، حروف النداء ؛
(٣) الآية ٢٥ سورة النمل ؛
(٤) الآية ٧٣ سورة النساء ؛
(٥) تقدم في هذا الجزء ص ٢٤١ ؛
[حروف النداء]
[قال ابن الحاجب :]
«حروف النداء ، يا : أعمها ، وأيا ، وهيا ، للبعيد ، وأي»
«والهمزة للقريب» ؛
[قال الرضي :]
وقد تنوب «وا» مناب «يا» في النداء ، والمشهور استعمالها في الندبة ،
وقد جاء «آ» بهمزة بعدها ألف ، و : «آي» بهمزة بعدها ألف ، بعدها ياء ساكنة ؛ فيا : أعمّها ، أي ينادى بها القريب والبعيد ، وقال الزمخشري (١) : هي للبعيد ، قال : وأمّا يا ألله ، ويا ربّ ، مع كونه تعالى أقرب إلى كل شخص من حبل وريده ؛ فلاستصغار الداعي لنفسه واستبعاده لها عن مرتبة المدعوّ تعالى ؛
وما ذكره المصنف : أولى ، لاستعمالها في القريب والبعيد على السواء ، ودعوى المجاز في أحدهما ، أو التأويل خلاف الأصل ؛
وأيا ، وهيا وآ ، وآي ، ووا ، في البعيد ، وأي ، والهمزة ، في القريب ؛
__________________
(١) شرح ابن يعيش على المفصل : ج ٨ ص ١١٨ ؛
[حروف الإيجاب]
[ألفاظها ، الفرق بينها في]
[الاستعمال]
[قال ابن الحاجب :]
«حروف الإيجاب : نعم ، وبلى ، وإي ، وأجل ، وجير»
«وإنّ ؛ فنعم مقرّرة لما سبقها ، وبلى ، مختصة بإيجاب»
«النفي ، وإي ، إثبات بعد الاستفهام ، ويلزمها القسم وأجل ،»
«وجير ، وإنّ ، تصديق للخبر» ؛
[قال الرضي :]
قوله : «مقررة لما سبقها» ، أي مثبتة لما سبقها من كلام خبري سواء كان موجبا نحو : نعم في جواب من قال قام زيد ، أي : نعم قام ، أو منفيا ، نحو نعم ، في جواب من قال : ما قام زيد ، أي : نعم ما قام ؛ وكذا تقرّر ما بعد حرف الاستفهام مثبتا كأن ، نحو نعم في جواب من قال أقام زيد ، أي نعم قام ، أو منفيا نحو نعم في جواب من قال ألم يقم زيد ، أي : نعم ، لم يقم ؛
فنعم ، بعد الاستفهام ليست للتصديق ، لأن التصديق إنما يكون للخبر ، فالأولى أن يقال : هي بعد الاستفهام ، لإثبات ما بعد أداة الاستفهام نفيا كان أو إثباتا ، ومن ثمّ قال ابن عباس رضي الله عنهما : لو قالوا في جواب : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ)(١) : نعم ، لكان كفرا ؛ فيصحّ بهذا الاعتبار ، أن يقال لها حرف إيجاب ، أي إثبات ما بعد حرف الاستفهام لكن الأظهر في الاستعمال أن يقال : الإيجاب في الكلام المثبت ، لا المنفي ، والمستفهم عنه ؛
__________________
(١) الآية ١٧٢ سورة الأعراف ؛
وجوّز بعضهم إيقاع نعم موقع بلى ، إذا جاءت بعد همزة داخلة على نفي لفائدة التقرير ، أي الحمل على الإقرار والطلب له ، فيجوز أن يقال في جواب : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ)(١) و : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ)(٢) : نعم ؛ (٣) لأن الهمزة للإنكار دخلت على النفي فأفادت الإيجاب ، ولهذا عطف على : (أَلَمْ نَشْرَحْ) قوله : (وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ)(٤) ، فكأنه قال : شرحنا لك صدرك (وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ ،) فتكون «نعم» في الحقيقة ، تصديقا للخبر المثبت المؤوّل به الاستفهام مع النفي ؛ لا تقريرا لما بعد همزة الاستفهام ، فلا يكون جوابا للاستفهام لأن جواب الاستفهام يكون بما بعد أداته ؛ بل هو كما لو قيل قام زيد بالإخبار ، فتقول : نعم ، مصدقا للخبر المثبت ، فالذي قاله ابن عباس رضي الله عنهما ، مبني على كون «نعم» تقريرا لما بعد الهمزة ، والذي جوّزه هذا القائل ، مبني على كونه تقريرا لمدلول الهمزة مع حرف النفي ، فلا يتناقض القولان ؛
والدليل على جواز استعمال ما قال هذا القائل ، قول الشاعر :
٨٩٩ ـ أليس الليل يجمع أمّ عمرو |
|
وإيّانا فذاك لنا تداني (٥) |
نعم ، وأرى الهلال كما تراه |
|
ويعلوها النهار كما علاني |
أي : أنّ الليل يجمع أمّ عمرو وإيّانا ، نعم (٦) ، وقد اشتهر في العرف ما قال هذا لقائل ، فلو قيل لك : أليس لي عليك دينار ، فقلت : نعم ، لزمت بالدينار بناء على العرف الطارئ على الوضع ؛
__________________
(١) الآية السابقة ألست بربكم ؛
(٢) أول سورة الشرح ؛
(٣) مرتبط بقوله : فيجوز أن يقال .. فلفظ نعم نائب فاعل ؛
(٤) الآية الثانية من سورة الشرح ؛
(٥) من قصيدة لجحدد بن مالك الحنفي ، قالها وهو في سجن الحجاج الثقفي ، وبعد البيتين المستشهد بهما :
فما بين التفرق غير سبع |
|
بقين من المحرّم أو ثمان |
ومنها قوله :
فان أهلك فربّ فتى سيبكي |
|
عليّ مهذب رخص البنان |
(٦) ذكر كلمة نعم بعد شرحه لمعنى البيتين : فائدته التوكيد ؛
وفي «نعم» أربع لغات : المشهورة ، فتح النون والعين ، والثانية : كسر العين ، وهي كنانية ، والثالثة كسر النون والعين ، والرابعة : نحم ، بفتح النون وقلب العين المفتوحة حاء ، كما قلبت الحاء عينا في «حتى» ،
وتقع «نعم» في جواب الأمر ، نحو : نعم لمن قال : زرني ، أي : أزورك ، وتقول نعم لمن قال : لا تضربني ، أي : لا أضربك ، ولو قلت نعم ، في جواب التحضيض نحو : هلّا تزورني ، كان المعنى : الإيجاب ، أي نعم ، أزورك ، وكذا في جواب العرض نحو : ألا تزورنا ؛
قوله : «وبلى مختصّة بإيجاب النفي» ، يعني أن «بلى» تنقض النفي المتقدم ، سواء كان ذلك النفي مجرّدا ، نحو : بلى في جواب من قال : ما قام زيد ، أي : بلى ، قد قام ، أو كان مقرونا باستفهام ، فهي إذن ، لنقض النفي الذي بعد ذلك الاستفهام كقوله تعالى : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى)(١) أي بلى أنت ربنا ؛
وزعم بعضهم أن «بلى» تستعمل بعد الإيجاب مستدلّا بقوله :
٩٠٠ ـ وقد بعدت بالوصل بيني وبينها |
|
بلى ، إنّ من زار القبور ليبعدا (٢) |
أي : ليبعدن ، بالنون الخفيفة ؛ واستعمال «بلى» في البيت لتصديق الإيجاب : شاذ ؛
وزعم الفرّاء أن أصلها «بل» زيدت عليها الألف للوقف ، فلذا كانت للرجوع عن النفي ، كما كانت «بل» للرجوع عن الجحد في : ما قام زيد ، بل عمرو ؛ والأولى كونها حرفا برأسها ؛
__________________
(١) آية الأعراف المتقدمة ؛
(٢) قوله : ليبعدا بلام التأكيد ، وآخره نون خفيفة مبدلة ألفا ، قال البغدادي انه لم ير هذا البيت (يعني بصورته هذه) إلا في شرح الرضي هذا ثم قال : وجاء عجزه في شعر الطهوي وهو :
فلا تبعدن يا خير عمرو بن جندب |
|
بلى ، إنّ من زار القبور ليبعدا |
ولم يذكر من المراد بالطهوي ؛
ولا يجاب بنعم وبلى ، ولا بغيرهما من حروف الإيجاب : استفهام الّا إذا كان بالحرف ، وهو الهمزة وهل ؛ وأمّا الأسماء الاستفهامية ، فانّ جواب «من» : ما هو أخصّ منه ، فلو قلت في جواب ، من جاءك : شخص أو إنسان ، لم يجز ، لأن الأول أعمّ ، والثاني مساو ، فلم تعرّف السائل ما لم يعرفه ، بل تقول إمّا : رجل ، أو : زيد ، وكذا «من» الداخلة على الاسم ، كما يقال : من الرجل ، فتقول : زيد ، أو : واحد من بني تميم ؛
وأمّا جواب «ما» ، فإن كان سؤالا عن الماهية ، فنحو : إنسان ، أو فرس ، أو بقر ، أو غير ذلك من الأنواع ؛
وإن كان سؤالا عن صفة الماهية ، نحو : ما زيد ، فنحو : عالم ، أو ظريف ، أو فارس ، كما تقدم في الموصولات (١) ؛
وجواب «أيّ» المضاف إلى المعارف : معرفة نحو : زيد أو عمرو ، أو : أنا ، أو : ذاك ، في جواب من قال : أيّ الرجال فعل ذلك ، أو نكرة مختصة بالوصف ، نحو : رجل رأيته في موضع كذا ؛
وجواب «أيّ» المضاف إلى النكرة : ما يصلح وصفا لتلك النكرة نحو : عالم ، أو كاتب ، في جواب : أيّ رجل ، أو نكرة مخصّصة بالنّعت ؛
وجواب «كيف» ، لا يكون إلا نكرة ، وجواب «كم» تعيين العدد ، معرفة كان أو نكرة ؛ ومنع ابن السرّاج كونه معرفة ؛
وجواب «متى» و «أيّان» : تعيين الزمان دون المبهم منه ، وجواب «أين» و «أنّى» : المكان الخاص ، وجواب الهمزة مع «أم» الاسم وجواب الهمزة وحدها ، أو مع «أو» وجواب «هل» : نعم أو : بلى أو : لا ؛
قوله : «وإي ، إثبات بعد الاستفهام ويلزمها القسم» ؛
__________________
(١) في أول الجزء الثالث من هذا الشرح ؛
لا شك في غلبة استعمالها مسبوقة بالاستفهام ، وذكر بعضهم أنها تجيء لتصديق الخبر ، أيضا ؛ وذكر ابن مالك (١) أن «إي» بمعنى «نعم» فإن أراد أنه يقع مواقع نعم ، فينبغي أن يقع بعد الخبر ، موجبا كان أو منفيا فيكون لتقرير الكلام السابق كنعم ، سواء (٢) ؛ يقال : لا تضربني فتقول : إي والله لا أضربك ، وكذا يقال : ما ضرب زيد فتقول : إي والله ما ضرب ، وهذا مخالف للشرطين اللذين ذكرهما المصنف ، أعني لزوم سبق الاستفهام وكونها للإثبات ؛
وإن أراد أنه للتصديق مثل «نعم» ، وإن لم يقع مواقعها ، فكذا جميع حروف التصديق
ولا يستعمل بعد «إي» فعل القسم ، فلا يقال : إي أقسمت بربيّ ، ولا يكون المقسم به بعدها ، إلا الربّ ، والله ، ولعمري ؛ تقول : إي والله ، وإي الله بحذف حرف القسم ونصب «الله» وإي ها الله ذا ، وإي وربي وأي لعمري ؛
وإذا جاء بعدها لفظة «الله» ، فإن كان مع «ها» نحو : إي ، ها الله ذا ، فقد مرّت الوجوه الجائزة فيه في باب القسم (٣) ؛ ويجب جر «الله» إذن ، لنيابة حرف التنبيه عن الجارّ ؛
وإن تجرّدت عن «ها» ، فالله ، منصوب بفعل القسم المقدر ؛ وفي ياء «إي» ثلاثة أوجه ؛ حذفها للساكنين ، وفتحها ، تبيينا لحرف الإيجاب ؛ وإبقاؤها ساكنة ، والجمع بين ساكنين مبالغة في المحافظة على حرف الإيجاب بصون آخره عن التحريك والحذف وإن كان يلزم ساكنان على غير حدّه ، لأنهما في كلمتين ، إجراء لهما مجرى كلمة واحدة ، كالضالّين ، وتمودّ الثوب ؛ كما في : ها الله ، وهذا ، أيضا من خصائص لفظة «الله» ؛
__________________
(١) في هذا المكان جاءت إشارة بالهامش إلى أن في بعض النسخ : وذكر المالكي ، بدلا من ابن مالك ، وهذا القول في التسهيل لابن مالك ، وهو يؤيد ما ذهبنا إليه من أن المراد من المالكي وابن مالك شخص واحد ؛
(٢) تقديره هما سواء ؛
(٣) ص ٣٠٤ في هذا الجزء ؛
قوله : «وأجل وجير وإنّ تصديق للخبر» ، سواء كان الخبر موجبا أو منفيا ، ولا تجيء بعد ما فيه معنى الطلب ، كالاستفهام والأمر وغيرهما ؛
وحكى الجوهريّ (١) عن الأخفش ، أن «نعم» أحسن من «أجل» ، في الاستفهام ، وأجل ، أحسن من نعم في الخبر ، فجوّز على ما ترى ، مجيئها في الاستفهام ، أيضا ؛
وأما «جير» فقد مضى شرحها في القسم في حروف الجرّ ، (٢)
وأمّا «إنّ» فقال سيبويه (٣) : هي في قول ابن قيس الرقيّات :
٩٠١ ـ ويقلن شيب قد علا |
|
ك ، وقد كبرت فقلت إنّه (٤) |
والهاء للسكت ؛
وقيل ان «انّ» فيه للتحقيق ، والهاء اسمها والخبر محذوف ، أي : انه كذلك ؛
وقول ابن الزّبير (٥) ، لفضالة بن شريك حين قال له : لعن الله ناقة حملتني إليك : إنّ وراكبها ، نصّ في كونها للتصديق ،
لكنه يدل على أنها تجيء لتقرير مضمون الدعاء ، وهو خلاف ما قال المصنف من أنّ ثلاثتها ، لتصديق الخبر ؛
__________________
(١) اسماعيل بن حماد الجوهري صاحب معجم الصحاح ، وتقدم ذكره في هذا الشرح ؛
(٢) ص ٣١٨ في هذا الجزء ؛
(٣) ج ١ ص ٤٧٥ وج ٢ ص ٢٧٩ ؛
(٤) من شعر لابن قيس الرقيات أوله :
بكر العواذل في الصبو |
|
ح ، يلمنني وألو مهنّه |
(٥) المراد به : عبد الله بن الزبير بن العوام ، وفد عليه فضالة بن شريك فقال له إن ناقتي أصابها كذا وكذا فاحملني ، فأخذ عبد الله بن الزبير يصف له علاجا لناقته ، فقال فضالة : إنما جئتك مستحملا ، لا مستوصفا ، فلعن الله ناقة حملتني إليك ، فقال ابن الزبير : انّ وراكبها : وقيل إن القائل ليس فضالة وإنما هو عبد الله بن الزّبير (بفتح الزاي) بن فضالة بن شريك ، وهو قريب عبد الله بن الزبير بن العوام ؛ والله أعلم ؛
[حروف الزيادة]
[ومواضع زيادة كل منها]
[قال ابن الحاجب :]
«حروف الزيادة : إن ، وأن ، وما ، ولا ، ومن ، والباء» «واللام ؛ فإن مع ما النافية ، وقلّت مع المصدرية ، ولمّا ،» «وأن ، مع لمّا ، وبين لو ، والقسم وقلّت مع الكاف ؛» «وما مع إذا ومتى ، وأيّ وأين وإن شرطا وبعض حروف» «الجر ، وقلّت مع المضاف ؛ ولا ، مع الواو بعد النفي وبعد» «أن المصدرية ، وقلّت قبل القسم ، وشذّت مع المضاف ؛» «ومن ، والباء ، واللام ، تقدم ذكرها» ؛
[قال الرضي :]
قيل ، فائدة الحرف الزائد في كلام العرب : إمّا معنوية ، وإمّا لفظية ؛ فالمعنوية تأكيد المعنى ، كما تقدم في «من» الاستغراقية (١) ، والباء في خبر ما ، وليس (٢) ؛
فإن قيل : فيجب ألّا تكون زائدة إذا أفادت فائدة معنوية ؛
قيل : إنما سمّيت زائدة ، لأنه لا يتغيّر بها أصل المعنى ، بل لا يزيد بسببها إلا تأكيد المعنى الثابت وتقويته ، فكأنها لم تفد شيئا ، لمّا لم تغاير فائدتها العارضة : الفائدة الحاصلة قبلها ؛
__________________
(١) الفائدة فيها : النص على الاستغراق والشمول وهو بدونها محتمل احتمالا راجحا ؛
(٢) الفائدة في زيادة الباء في الخبر المنفى التأكيد ؛
ويلزمهم أن يعدّوا ، على هذا ، «إنّ» ، ولام الابتداء ، وألفاظ التأكيد ، أسماء كانت ، أو ، لا : زوائد (١) ، ولم يقولوا به ؛
وبعض الزوائد يعمل ، كالباء ، ومن ، الزائدتين ، وبعضها لا يعمل ، نحو (٢) : (فَبِما رَحْمَةٍ)(٣) ؛
وأمّا الفائدة اللفظية ، فهي تزيين اللفظ ، وكون زيادتها أفصح ، أو كون الكلمة أو الكلام ، بسببها ، تهيّأ لاستقامة وزن الشعر أو لحسن السجع ، أو غير ذلك من الفوائد اللفظية ؛
ولا يجوز خلوّها من الفوائد اللفظية والمعنوية معا ، وإلّا ، لعدّت عبثا ، ولا يجوز ذلك في كلام الفصحاء ، ولا سيّما في كلام الباري تعالى وأنبيائه ، وأئمته ، عليهم السّلام ؛
وقد تجتمع الفائدتان في حرف ، وقد تنفرد إحداهما عن الأخرى ؛
وإنما سمّيت هذه الحروف زوائد ، لأنها قد تقع زائدة ، لا لأنها لا تقع إلا زائدة ، بل وقوعها غير زائدة أكثر ؛ وسميت ، أيضا : حروف الصلة لأنها يتوصّل بها إلى زيادة الفصاحة ، أو إلى إقامة وزن أو سجع أو غير ذلك ؛
أمّا (٤) «إن» فتزاد مع «ما» النافية كثيرا لتأكيد النفي ، وتدخل على الاسم والفعل ، نحو :
وما إن طبنا جبن ولكن |
|
منايانا ودولة آخرينا (٥) ـ ٢٦١ |
ونحو قوله :
__________________
(١) متصل بقوله : ويلزم أن يعدّوا ...
(٢) التمثيل راجع إلى ما ؛
(٣) من الآية ١٥٩ في سورة آل عمران ؛
(٤)؟؟؟ في تفصيل الكلام على الحروف الزائدة ، بعد أن تحدث عنها إجمالا ؛
(٥) تقدم ذكره في الجزء الثاني ؛ في باب خبر ما المشبهة بليس ؛
٩٠٢ ـ ما إن جزعت ولا هلعت |
|
ولا يردّ بكاي زندا (١) |
وقلّت زيادتها مع «ما» المصدريّة نحو : انتظرني ما إن جلس القاضي ، ومع «ما» الاسمية نحو قوله تعالى : (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ)(٢) ، وكذا بعد «ألا» الاستفتاحية ، نحو : ألا إن قام زيد ، وكذا مع «لمّا» بل زيادة «أن» المفتوحة بعدها ، هي المشهورة ، تقول : لما أن جلست جلست ؛ فتحا وكسرا ، والفتح أشهر ؛
وأمّا «أن» ، فتكثر زيادتها بعد لمّا ، نحو : (فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ)(٣) ، وبين «لو» والقسم ، وقد مرّ في القسم (٤) أن مذهب سيبويه كونها موطئة للقسم قبل «لو» كما أن اللام موطئة قبل «إن» وسائر كلمات الشرط ، كقوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ ، لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ..)(٥) الآية ، ويجيء الكلام فيه ؛
وقد تزاد في الإنكار ، نحو : أنا أنيه (٦) ، وقلّت بعد كاف التشبيه نحو :
ويوما توافينا بوجه مقسّم |
|
كأن ظبية تعطو إلى وارق السّلم (٧) ـ ٨٥٨ |
بالجر ، وليست في قوله تعالى : (وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ)(٨) ، و : (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا)(٩) ، و : (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ)(١٠) : زائدة ، كما توهم بعضهم بل : الأوليان مخففتان ، والثالثة مفسّرة ، كما تقدم في نواصب الفعل ؛
__________________
(١) من أبيات لعمرو بن معديكرب ، أوردها أبو تمام في الحماسة ، وقبله :
كم من أخ لي صالح |
|
بوّأته بيديّ لحدا ... |
(٢) الآية ٢٦ سورة الأحقاف ؛
(٣) الآية ٩٦ سورة يوسف ؛
(٤) ص ٣١٣ من هذا الجزء ؛
(٥) الآية ٨١ من سورة آل عمران ؛
(٦) يأتي بحثه في آخر هذا الجزء ؛
(٧) تقدم ذكره في هذا الجزء ص ٣٧١
(٨) الآية ١٨٥ سورة الاعراف ؛
(٩) الآية ١٦ سورة الجن ؛
(١٠) الآية ١٠٥ سورة يونس ؛
وأمّا «ما» فتزاد مع الخمس الكلمات (١) المذكورة ، إذا أفادت معنى الشرط نحو : إذا ما تكرمني أكرمك بغير الجزم (٢) ، ومتى ما تكرمني أكرمك بمعنى متى تكرمني ، ولا تفيدها «ما» معنى التكرير (٣) ، ولو أفادته لم تكن زائدة ؛ فمن قال : ان «متى» للتكرير ، فمتى ما ، مثله ، ومن قال ليست للتكرير ، فكذا : متى ما ؛ وأيّا ما تفعل أفعل ، وأينما تكن أكن ، و : (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ)(٤) ، وقد تدخل بعد «أيّان» أيضا ، قليلا ، ويجيء حكم «ما» مع أن ، في نوني التوكيد ؛
قوله : «شرطا» ، تقييد لجميع ما ذكر من : إذا ، ومتى ، وأيّ ، وأين ، وإن ، لأنها كلها تستعمل شرطا وغير شرط ؛ وزيادة «ما» فيها مختصة بحال الشرطية ؛
ولم يعدّوا «ما» الكافة ، وإن لم يكن لها معنى ، من الزوائد ، لأن لها تأثيرا قويا ، وهو منع العامل من العمل ، وتهيئته لدخول ما لم يكن له أن يدخله ؛ وعلى مذهب من أعمل «ليتما» ، وإنما ، وأخواتهما ؛ تكون «ما» زائدة ؛ وليست في : حيثما ، وإذ ما ، زائدة ، لأنها هي المصححة لكونهما جازمتين ، فهي الكافة لهما ؛ أيضا ، عن الإضافة ؛
وينبغي ألّا تعدّ في نحو : بعين ما أرينّك (٥) ، و :
من عضة ما ينبتنّ سكيرها (٦) ـ ٢٤٢
زائدة ، لأنها هي المصححة لدخول النون في الفعل على ما يجيء في بابها ، وقد مضى الخلاف في مثل : (مَثَلاً ما)(٧) في الموصولات ؛
__________________
(١) تعريف الجزأين في العدد مذهب الكوفيين والرضي يستعمله كثيرا ؛ وقد نقده في باب العدد ؛
(٢) لأن الجزم بإذا خاص بالشعر ؛
(٣) المستفاد من معنى الشرطية في متى ، أي كلّما ؛
(٤) الآية ٤١ سورة الزخرف ؛
(٥) هذا مثل يضرب لمن يخفي عن صاحبه أمرا هو عالم به ومعناه إني أراك وأعلم ما تفعل.
(٦) تقدم ذكره في الجزء الثاني آخر باب خبر كان وهو في سيبويه ج ٢ ص ١٥٣ وقال إنه مثل ؛
(٧) من الآية ٢٦ في سورة البقرة ؛
وقد تزاد بعد بعض حروف الجر ، نحو : (فَبِما رَحْمَةٍ)(١) ، و : (عَمَّا قَلِيلٍ)(٢) و : (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ)(٣) ، وزيد صديقي ، كما عمرو أخي ؛
وقيل إنها بعد حرف الجر : نكرة مجرورة ، والمجرور بعدها بدل منها ، وكذا قيل في : لا سيّما زيد ، بالجرّ ، كما مرّ في باب الاستثناء (٤) ، و «ما» في هذه اللفظة : لازمة ؛
وقلّت زيادتها بعد المضاف ، نحو : من غير ما جرم ، و : (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ)(٥) ، و : (مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ)(٦) ، وقيل فيها أيضا ، إنها نكرة ، والمجرور بدل منها ؛
وأمّا «لا» ، فتزاد بعد الواو العاطفة بعد نفي أو نهي ، وقد مرّ ذكرها في باب حروف العطف ، نحو : ما جاءني زيد ولا عمرو ، وهي ، وإن عدّت زائدة ، لكنها رافعة لاحتمال أحد المجيئين دون الآخر ، كما مرّ في حروف العطف ؛
والعجب ، أنهم لا يرون تأثير الحروف معنويّا ، كالتأكيد في الباء ، ورفع الاحتمال في «لا» هذه ، وفي «من» الاستغراقية : مانعا (٧) من كون الحروف زائدة ، ويرون تأثيره لفظيا ، ككونها كافة : مانعا من زيادتها ؛
وتزاد بعد «أن» المصدرية ، نحو : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ)(٨) ، و : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ)(٩) ، وجاءت قبل المقسم به كثيرا ، للإيذان بأن جواب القسم منفي ، نحو : لا والله لا أفعل ، قال :
__________________
(١) من الآية ١٥٩ في سورة آل عمران وتقدمت قريبا ؛
(٢) الآية ٤٠ سورة المؤمنون ؛
(٣) الآية ٢٥ سورة نوح ؛
(٤) في الجزء الثاني ؛
(٥) الآية ٢٨ سورة القصص ؛
(٦) الآية ٢٣ سورة الذاريات ؛
(٧) مفعول ثان لقوله : لا يرون ؛
(٨) الآية ١٢ سورة الأعراف ؛
(٩) الآية ٢٩ سورة الحديد ؛
٩٠٣ ـ لا وأبيك ابنة العامري |
|
لا يدّعي القوم أني أفرّ (١) |
وجاءت قبل «أقسم» قليلا ، وعليه حمل قوله تعالى : (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ)(٢) ؛
بعد المضاف نحو :
في بئر لا حور سرى وما شعر (٣) ـ ٢٥٠
والحور : الهلكة ؛
وأمّا «من» ، والباء ، واللام ، والكاف ، فقد تقدم ذكرها في حروف الجر ،
[حرفا التفسير]
[أي ، وأن ، واختصاص كل منهما]
[قال ابن الحاجب :]
«حرفا التفسير : أي ، وأن ، فأن مختصة بما في معنى القول» ؛
[قال الرضي :]
اعلم أن الفرق بين «أي» و «أن» : أنّ «أي» ، يفسّر بها كل مبهم ، من المفرد ، نحو جاءني زيد أي أبو عبد الله ، والجملة نحو : هريق دمه أي مات ،
قال :
__________________
(١) يروى هكذا بدون حرف قيل لا ، ويروى فلا وأبيك ، وهو مطلع قصيدة من شعر امرئ القيس ، ومنها بعض الشواهد في هذا الشرح ؛
(٢) أول سورة القيامة ؛
(٣) تقدم في باب الإضافة من الجزء الثاني ؛
٩٠٤ ـ وترمينني بالطرف ، أي أنت مذنب |
|
وتقلينني لكنّ إياك لا أقلي (١) |
و «أن» لا تفسّر إلا مفعولا مقدّرا للفظ دالّ على معنى القول ، مؤدّ معناه ، كقوله تعالى : (وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ)(٢) ، فقوله : يا إبرهيم ، تفسير لمفعول نادينا ، المقدر ، أي : ناديناه بشيء ، وبلفظ هو قولنا يا ابرهيم ، وكذلك قولك كتبت إليه أن قم ، أي : كتبت إليه شيئا هو : قم ؛ فأن ، حرف دالّ على أنّ «قم» تفسير للمفعول به المقدر لكتبت ؛
وقد يفسّر المفعول به الظاهر ، كقوله تعالى : (إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى ، أَنِ اقْذِفِيهِ)(٣) ، وقوله تعالى : (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ ، أَنِ اعْبُدُوا اللهَ)(٤) ، فقوله : (اعْبُدُوا اللهَ ،) تفسير للمضمر في «به» ، وفي أمرت معنى القول ، وليس مفسّرا لما ، في قوله : ما أمرتني ، لأنه مفعول لصريح القول ، وقد جوّز بعضهم ذلك ، مستدلّا بهذه الآية ، ولا استدلال بالمحتمل ؛ وأجيب بأنّ «أن» مصدرية ، وذلك على مذهب من جوّز دخول الحرف المصدري على الجملة الطلبية ، وعند صاحب هذا المذهب ، يجوز أن يكون جميع «أن» المحكوم بكونها مفسّرة : مصدرية ، إذا دخلت على أمر أو نهي متصرف ، لأنّ له ، إذن ، مصدرا ؛
واستدلّ سيبويه (٥) على جواز كونها مصدرية بدخول حرف الجر عليها في نحو : أو عزت إليه بأن قم ؛ ويجوز أن يقال : هي زائدة ، لكراهة دخول الجار على ظاهر الفعل ، والمعنى : أوعز إليه بهذا اللفظ ؛
__________________
(١) قوله : لكن اسمها محذوف تقديره : ولكنني ، وإياك مفعول مقدم لقوله لا أقلي ، وهو أحسن ما قيل في إعراب البيت ، وجملة لا أقلي مع مفعوله المقدم خبر لكن ؛ وهذا البيت ، كما قال البغدادي غير معروف القائل ؛ مع تردده في كثير من كتب النحو ؛
(٢) الآية ١٠٤ سورة الصافات ؛
(٣) الآيتان ٣٧ ، ٣٨ سورة طه ؛
(٤) الآية ١١٧ سورة المائدة ؛
(٥) سيبويه ج ١ ص ٤٧٩ ولفظه : أوعزت إليه بأن أفعل ؛
وقيل إن «أن» في قوله «أَنِ اعْبُدُوا» : زائدة ؛ والأصل عدم الحكم بالزيادة ، ما كان للحكم بالأصالة محتمل ؛
وتمسّك المجيز لتفسيرها مفعول صريح القول بقوله تعالى : (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا ..)(١) قال : التقدير : قائلا بعضهم لبعض أن امشوا ؛
وأجيب : إمّا بأنه زائد ، أو بأن صريح القول المقدر كالفعل المؤوّل بالقول في عدم الظهور ، أو بأن انطلق متضمن لمعنى القول ، لأن المنطلقين من مجلس يتفاوضون فيما جرى فيه ؛ أو بأن : انطلق الملأ بمعنى : انطلقوا في القول وشرعوا فيه ؛
وينبغي أن تعرف أنّ ما بعد «أن» المفسّرة ، ليس من صلة ما قبلها ، بل يتم الكلام دونه ، ولا يحتاج إليه إلّا من جهة تفسير المبهم المقدر فيه ، فقوله تعالى : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)(٢) ، ليست «أن» فيه مفسّرة ، لأن قوله تعالى : (أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) خبر المبتدأ المتقدم ؛
ولا منع ، لو ارتكب مرتكب أن المسمّاة بالمفسّرة : زائدة في مفعول ما هو بمعنى القول ، فمعنى أمره أن قم : أي قال له قم ، بتأويل أمر ، بقال ، أو بتقدير «قال» بعده على الخلاف المذكور في أفعال القلوب (٣) ، و «أن» زائدة ، وهذا يطرد في جميع الأمثلة ؛
__________________
(١) الآية ٦ سورة ص ؛
(٢) الآية ١٠ سورة يونس ؛
(٣) ص ١٦٦ في هذا الجزء ؛
[الحروف المصدرية]
[وما يقع بعد كل منها من الجمل]
[قال ابن الحاجب :]
«حروف المصدر : ما ، وأن وأنّ ؛ فالأوّلان للفعلية وأنّ»
«للاسمية» ؛
[قال الرضي :]
أمّا «ما» فتوصل بالفعل المتصرف ، إذ الذي لا يتصرّف لا مصدر له ، حتى يؤوّل الفعل مع الحرف به ؛ ولا توصل بالأمر ، لأنه ينبغي أن يفيد المصدر المؤوّل به «ما» ، مع الفعل ، ما أفاده «ما» مع ذلك الفعل ، وإلّا فليسا مؤوّلين به ، ألا ترى أن معنى : (.. بِما رَحُبَتْ)(١) ، وبرحبها ، شيء واحد ، وكذا معنى علمت أنك قائم ، وعلمت قيامك : شيء واحد ، والمصدر المؤوّل به «أن» مع الأمر ، لا يفيد معنى الأمر ، فقولك كتبت إليه أن قم : ليس بمعنى القيام ، لأن قولك بالقيام ليس فيه معنى طلب القيام ، بخلاف قولك : أن قم ؛
ويتبيّن بهذا أن صلة «أن» لا تكون أمرا ولا نهيا ، خلافا لما ذهب إليه سيبويه وأبو علي ، ولو جاز كون صلة الحرف أمرا ، لجاز ذلك في صلة «أنّ» المشدّدة ، و «ما» و «كي» و «لو» ، ولا يجوز ذلك اتفاقا ؛
وتختص «ما» المصدرية بنيابتها عن ظرف الزمان المضاف إلى المصدر المؤوّل هي وصلتها ، به ، نحو : لا أفعله ما ذرّ شارق ، أي مدّة ما ذرّ ، أي مدّة ذرور ؛ وصلتها ، إذن ، في الغالب ، فعل ماضي اللفظ مثبت ، كما ذكرنا ، أو منفي بلم ، نحو : تهدّدني
__________________
(١) من الآية ١١٨ في سورة التوبة ؛