شرح الرضيّ على الكافية

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي

شرح الرضيّ على الكافية

المؤلف:

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي


المحقق: يوسف حسن عمر
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات مؤسّسة الصادق
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٢

تامة. جاز الرفع ؛ وامتنع : أسرت حتى تدخلها لما ذكرنا ، وهو أنك لم تحكم بالسير الذي هو سبب الدخول فكيف تحكم بحصول الدخول.

وأمّا في : أيّهم سار حتى يدخلها ، فأنت حاكم بحصول السير ، سائل عن تعيين السائر.

واعلم أن الأخفش أجاز الفصل بين «حتى» و : «أو» ، وبين الفعل المنصوب بعدهما ، بالشرط ، نحو : انتظر حتى إن قسم شيء ، تأخذ ، بنصب تأخذ ، ولو جئت بالشرط مجزوما ، فليس لك في «تأخذ» إلا الجزم ، وكذا بعد «أو» ، نحو : لا أسير والله أو إذا قلت لك اركب : تركب بنصب تركب.

واستقبح ابن السّراج (١) الفصل بينهما ، وقال : الفصل بالظرف أسهل ، نحو : سكت حتى إذا أردنا أن نقوم : يقول (٢) ؛ و : أقم حتى متى أكلنا تأكل ، فالظرف مفصولا به على قبحه ، أسهل من حرف الشرط أعني «إن» ، وأمّا الفصل بالاسم غير الظرف ، نحو : انتظر حتى من أخذ ، تأخذ ، فلا يجوز ، بل يجب جزم «تأخذ» ولا يجوز الفصل ، اتفاقا ، بين «أن» ، و «لن» ، و «كي» ، وبين منصوباتها ، لأنها الناصبة بنفسها ، ولا يفصل بين العامل الحرفي ومعموله (٣) ، وكذا ، لا يفصل بين الفاء والواو واللام وبين ما انتصب بعدها لكونها على حرف واحد.

المضارع بعد اللام

لام كي ؛ ولام الجحود

[قال ابن الحاجب] :

«ولام كي ، مثل : أسلمت لأدخل الجنة ، ولام الجحود :»

__________________

(١) أبو بكر محمد بن السري وهو ممن تكرر ذكرهم في هذا الشرح.

(٢) برفع يقول ؛

(٣) تكرر النص على استثناء الفصل بلا.

٦١

«لام تأكيد بعد النفي لكان ، مثل : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ)(١)».

[قال الرضي] :

الظاهر أنّ «أن» تقدر ، أيضا بعد اللام الزائدة التي تجيء بعد فعل الأمر أو الإرادة (٢) ، نحو : (وأمرت لأعدل بينكم) (٣) و : (يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ)(٤).

والتي لتأكيد النفي تختص من حيث الاستعمال ، بخبر «كان» المنفية ، إذا كانت ماضية ، لفظا نحو : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ)(٥) ، أو معنى نحو : (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ)(٦) ؛ وكأنّ هذه اللام في الأصل هي التي في نحو قولهم : أنت لهذه الخطة ، أي مناسب لها وهي تليق بك ، فمعنى ما كنت لأفعل كذا : ما كنت مناسبا لفعله ولا يليق بي ذلك ، ولا شك أن في هذا معنى التأكيد.

وأمّا قوله تعالى : (وما كان هذا القرآن أن يفترى ..) (٧) فكأن أصله : ليفترى ، فلما حذفت اللام ، بناء على جواز حذف اللام (٨) مع أنّ وأن ، جاز إظهار «أن» الواجبة الإضمار بعدها (٩) ، وذلك لأنها كانت كالنائبة عنها.

__________________

(١) الآية ٣٣ سورة الأنفال وستأتي في الشرح ؛

(٢) أي الفعلين المشتقين من هذين المصدرين كما سيمثل ؛

(٣) من الآية ١٥ في سورة الشورى ، وتقدمت.

(٤) من الآية ٣٣ سورة الأحزاب ، وتقدمت ؛

(٥) الآية ٣٣ من سورة الأنفال وهي مذكورة في المتن ؛

(٦) من الآية ١٦٨ سورة النساء ؛

(٧) من الآية ٣٧ سورة يونس ؛

(٨) المراد : لام الجحود هنا ؛

(٩) أي حين توجد اللام في اللفظ.

٦٢

المضارع بعد حروف العطف

تفصيل أحكامه

[قال ابن الحاجب] :

«والفاء بشرطين : أحدهما السببية ، والثاني أن يكون قبلها»

«أمر ، أو نهي ، أو نفي ، أو استفهام ، أو تمنّ ، أو عرض»

«والواو بشرطين : الجمعية وأن يكون قبلها مثل ذلك ، وأو»

«بشرط معنى : إلى أن».

[قال الرضي] :

ترك التحضيض ، وهو من جملة الأشياء المذكورة ، نحو : (لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً)(١) ، و : (لولا أرسلت إلينا رسولاً فنتَّبع آياتك ..) (٢) ، وترك الترجّي أيضا ، قال الله تعالى : (لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى)(٣) ، على قراءة النصب ، وقال الله تعالى : (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ)(٤) ثم قال : «فأطلع» بالنصب على قراءة حفص (٥). وأمّا الدعاء فهو داخل في باب الأمر والنهي ، عند النحاة ، لا عند الأصوليين ، كما يجيء في باب الأمر ، نحو : اللهم لا تؤاخذني بذنبي فأهلك ، و : اللهم ارزقني مالا فأصّدّق به ؛ والكسائي والفراء ، جوّزا نصب الدعاء (٦) المدلول عليه بالخبر أيضا ، نحو : غفر الله لك فيدخلك الجنة.

__________________

(١) الآية ٧ سورة الفرقان ؛

(٢) من الآية ٤٧ سورة القصص ،

(٣) الآيتان ٣ ، ٤ سورة عبس.

(٤) من الآية ٣٦ سورة غافر.

(٥) حفص أحد الراويين عن عاصم أحد الفراء السبعة والراوي الناني شعبة ؛

(٦) أي النصب في جوابه ؛

٦٣

قوله : «أن يكون قبلها أمر» إذا كان الأمر صريحا نحو : ائتني فأشكرك ، فلا كلام في صحته ، وأمّا إذا لم يكن صريحا ، وذلك بأن يكون مدلولا عليه بالخبر ، نحو : اتقى الله امرؤ .. وفعل خيرا فيثاب عليه ، و : حسبك الكلام فينام الناس ، أو اسم فعل ، نحو : نزال فأقاتلك ، وعليك زيدا فأكرمك ، أو يكون الأمر مقدّرا نحو : الأسد الأسد فتنجو ، فالكسائي يجري جميع ذلك مجرى صريح الأمر ، وقد وافقه ابن جني (١) في نحو : نزال ، بناء على أنه مطرد كالأمر ، على ما هو مذهب سيبويه (٢).

وأمّا النصب في قراءة أبي عمرو (٣) : (وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)(٤) ، فلتشبيهه بجواب الأمر من حيث مجيئه بعد الأمر ، وليس بجواب له من حيث المعنى ، إذ لا معنى لقولك : قلت لزيد اضرب فيضرب أي : اضرب يا زيد فانك إن تضرب يضرب ، أي يضرب زيد.

وأمّا النهي فنحو : لا تشتمني فتندم ، والنفي : ما تأتينا فتكرمنا ، وهو : إمّا صريح ، كما ذكرنا ، أو مؤوّل نحو : قلّما تلقاني فتكرمني ، وكذا : قلّ رجل ، أو : أقلّ رجل ، لأن هذه الكلمات تستعمل بمعنى النفي الصّرف (٥) ، وتستعمل في اللفظ استعماله أيضا.

وأمّا ما يفيد معنى النفي ، لكن لا يجري في استعمالهم مجراه فلا ينصب جوابه ، كقولك : أنت غير أمير فتضربني ، وكذا التقليل بقد ، في المضارع ، لا يقال : قد تجيئني فتكرمني.

وقد جوّز قوم نصب جواب كل ما تضمن النفي أو القلّة ، قياسا لا سماعا ؛ وقد

__________________

(١) أبو الفتح عثمان بن جني ، ممن تكرر ذكرهم في هذا الشرح ؛

(٢) يرى سيبويه أن صوغ اسم الفعل على وزن فعال مثل نزال وتراك قياسي من كل فعل ثلاثي تام متصرف انظر سيبويه ج ٢ ص ٤١.

(٣) المراد : أبو عمرو بن العلاء ، أحد زعماء النحو المتقدمين وأحد القراء السبعة ، وتكرر ذكره.

(٤) من الآية ١١٧ سورة البقرة ؛

(٥) أي النفي الخالص وإن كان وضعها من حيث اللفظ يدل على التقليل ؛

٦٤

يجيء التشبيه المفيد لمعنى النفي ملحقا بالنفي ، أي منصوب الجواب ، نحو : كأنك وال علينا فتشتمنا ، أي : لست بوال ، أمّا إن قصدت بالتشبيه الحقيقة لا النفي فلا يجوز ذلك.

وذكر سيبويه (١) : حسبته شتمني فأثب عليه ، أي : لو شتمني لو ثبت عليه.

وقد تضمر «أن» الناصبة بعد الواو ، والفاء ، الواقعتين إمّا بعد الشرط قبل الجزاء ، نحو : أن تأتني فتكرمني أو تكرمني ، آتك ، أو بعد الشرط والجزاء نحو : أن تأتني آتك فأكرمك أو أكرمك ، وذلك لمشابهة الشرط في الأول ، والجزاء في الثاني ، للنفي ، إذا الجزاء مشروط وجوده بوجود الشرط ، ووجود الشرط مفروض ، فكلاهما غير موصوفين بالوجود حقيقة ، وعليه حمل قوله تعالى : (إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ ..) إلى قوله : (وَيَعْلَمَ)(٢) ، على قراءة النصب (٣).

وقد جاء بعد الحصر بإنما نحو : إنما يجئني فيكرمني زيد ، لما قلنا في «حتى» إن فيه معنى التحقير القريب من النفي (٤) ؛ وأمّا بعد الحصر بالّا نحو : ما قام إلا زيد فتحسن إليه ، فلا يجوز اتفاقا ، لأنه بعد إثبات صريح ، بلى ، إن لم يرجع الضمير الذي عمل فيه ما بعد الفاء بواسطة أو غير واسطة ، إلى المستثنى المثبت ، بل إلى شيء في حيّز النفي ، نحو : ما قام أحد إلا هند فأحسن إليه أو فأكرمه ، والضمير لأحد ، جاز ، لأن المعنى : ما قام أحد فأحسن إليه إلا هند ، على أن ذلك قبيح ، لأن قولك : فأحسن إليه متعلق بما قبل «إلّا» وقد تقدم في باب الفاعل ، أن متعلق ما قبلها لا يقع بعد المستثنى عند البصرية ، إلا الأشياء المعدودة هناك (٥).

وقد جاء ما بعد الفاء منصوبا ، في ضرورة الشعر ، فيما ليس فيه معنى النفي أصلا ، كقوله :

__________________

(١) انظر سيبويه ج ١ ص ٤٢٢.

(٢) الآيات ٣٣ ، ٣٤ ، ٣٥ من سورة الشورى ؛

(٣) الرفع قراءة نافع وابن عامر ، وباقي السبعة بالنصب ؛

(٤) هذا يؤيد ما جاء في بعض النسخ وأشرنا إليه في ص ٥٨ ه‍ ٢ ؛

(٥) عرض الشارح لهذا في بحث مستفيض في آخر باب الفاعل في الجزء الأول ؛

٦٥

٦٤٨ ـ سأترك منزلي لبني تميم

وألحق بالحجاز فأستريحا (١)

والتمني (٢) ، نحو : ليتك عندنا فنكرمك ، والعرض ، نحو : الا تزورنا فنعطيك ، والاستفهام نحو : هل تزورنا فنحسن إليك.

وكان الأصل في جميع الأفعال المنتصبة بعد فاء السببية : الرفع ، على أنها جمل مستأنفة ، لأن فاء السببية لا تعطف وجوبا ، بل الأغلب أن يستأنف بعدها الكلام ، كإذا المفاجأة ؛ ومعنياهما ، أيضا ، متقاربان ، ولذلك تقعان في جواب الشرط ، إلا أنّ «إذا» المفاجأة مختصة بالاسمية (٣) ؛ وقد يبقى ما بعد الفاء السببية على رفعه قليلا كقوله تعالى : (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ)(٤) ، وقوله :

٦٤٩ ـ ألم تسأل الربع القواء فينطق

وهل يخبرنك اليوم بيداء سملق (٥)

وقوله :

٦٥٠ ـ ولقد تركت صبيّة مرحومة

لم تدر ما جزع عليك فتجزع (٦)

جاء جميع هذا على الأصل ، ومعنى الرفع فيه كمعنى النصب ، لو نصب. وكذا لا منع من إبقاء الرفع فيما بعد واو الجمع (٧) ، إذا لم يلبس ويكون معنى الرفع والنصب فيه سواء ، نحو : اضربني وأضربك بالرفع ، وكذا في «أو» ، قال الله تعالى : «.. تُقاتِلُونَهُمْ

__________________

(١) من شواهد سيبويه ج ١ ص ٤٢١ ولم ينسبه أحد من شراح الشواهد ، إلا العيني فقد نسبه إلى المغيرة بن حبناء التميمي ، ونقل البغدادي ذلك وعقب عليه بقوله : رجعت إلى ديوانه وهو صغير ، فلم أجده فيه ؛

(٢) رجوع إلى استكمال أنواع الطلب التي ينصب بعدها المضارع ؛

(٣) يأتي تفصيل الكلام على إذا المفاجأة في قسم الحروف ؛

(٤) الآية ٣٦ سورة المرسلات ؛

(٥) مطلع قصيدة لجميل بن معمر وهو من شواهد سيبويه ج ١ ص ٤٢٢.

(٦) من أبيات أوردها أبو تمام في باب المراثي من ديوان الحماسة لشاعر اسمه مويلك بن المزموم في رثاء امرأة له ماتت عن طفلة صغيرة ، وقد روي : تركت صغيرة مرحومة ، وبعده :

فقدت شمائل من لزامك حلوة

فتبيت تسهر ليلها تتفجّع

(٧) أي الواو الدالة على المعية ؛

٦٦

أَوْ يُسْلِمُونَ» (١) ، معنى الرفع فيه : معنى النصب ، أي إلى أن يسلموا : جاز لك ألّا تصرف في المواضع المذكورة إلى النصب ، اعتمادا على ظهور المعنى ، والأكثر الصرف إليه بعد الأحرف الثلاثة ، وإنما صرفوا ما بعد فاء السببية من الرفع إلى النصب ، لأنهم قصدوا التنصيص على كونها سببية ، والمضارع المرتفع ، بلا قرينة مخلّصة للحال أو الاستقبال : ظاهر في معنى الحال كما تقدم في باب المضارع (٢) ، فلو أبقوه مرفوعا ، لسبق إلى الدهن أن الفاء لعطف جملة حاليّة الفعل على الجملة التي قبل الفاء ، فصرفه إلى النصب منبّه في الظاهر على أنه ليس معطوفا ، إذ المضارع المنصوب بأن : مفرد وقبل الفاء المذكورة جملة ، ومخلص المضارع للاستقبال اللائق بالجزائية (٣) ، كما ذكرنا في المنصوب بعد «إذن» ، فكان فيه شيئان : دفع جانب كون الفاء للعطف ، وتقوية كونه للجزاء ، فيكون إذن ما بعد الفاء مبتدأ محذوف الخبر وجوبا ، كما ذكرنا في «إذن» سواء.

وإنما اخترنا هذا (٤) على قولهم : إن ما بعد الفاء بتقدير مصدر معطوف على مصدر الفعل المتقدم تقديرا ، فتقدير زرني فأكرمك : ليكن منك زيارة فإكرام مني ؛ لأن (٥) فاء السببية إن عطفت ، وهو قليل فهي إنما تعطف الجملة على الجملة ، نحو : الذي يطير فيغضب زيد : الذباب.

وكذا نقول في الفعل المنصوب بعد واو الصّرف (٦) ، إنهم لمّا قصدوا فيه معنى الجمعية ، نصبوا المضارع بعدها ، ليكون الصّرف عن سنن الكلام المتقدم مرشدا من أوّل الأمر إلى أنها ليست للعطف ، فهي ، إذن ، إمّا واو الحال ، وأكثر دخولها على الجملة الاسمية ،

__________________

(١) من الآية ١٦ سورة الفتح ؛

(٢) في أول الكلام على المضارع من هذا الجزء ؛

(٣) العبارة هكذا في المطبوعة ويحتمل أن في الكلام سفطا. وأن الأصل : وتقدير «أن» مخلص المضارع للاستقبال ؛

(٤) أي أن ما بعد الفاء من المصدر المؤول مبتدأ محذوف الخبر ؛

(٥) تعليل لقوله : وإنما اخترنا هذا ؛

(٦) اصطلاح الكوفيين في تسمية واو المعية ؛

٦٧

فالمضارع بعدها في تقدير مبتدأ محذوف الخبر وجوبا ، فمعنى قم وأقوم ، أي : قم وقيامي ثابت ، أي في حال ثبوت قيامي ، وإمّا بمعنى «مع» وهي لا تدخل إلا على الاسم فلما قصدوا ههنا ، مصاحبة الفعل للفعل ، نصبوا ما بعدها ، فمعنى قم وأقوم : أي قم مع قيامي ، كما قصدوا في المفعول معه مصاحبة الاسم للاسم فنصبوا ما بعد الواو ؛ ولو جعلنا الواو عاطفة للمصدر على مصدر متصيّد من الفعل قبله ، كما قال النحاة ، أي : ليكن منك قيام وقيام مني ، لم يكن فيه نصوصيّة (١) على معنى الجمع ، كما لم يكن ، في تقديرهم ، في الفاء معنى السببيّة ، بل كون واو العطف للجمعية قليل ، نحو : كل رجل وضيعته (٢) ، والأولى في قصد النصوصية في شيء على معنى : أن يجعل على وجه يكون ظاهرا فيما قصد النصوصية عليه.

وإنما شرطوا في نصب ما بعد فاء السببية كون ما قبلها أحد الأشياء المذكورة ، لأنها غير حاصلة المصادر فتكون كالشرط الذي ليس بمتحقق الوقوع ، ويكون ما بعد الفاء كجزائها ، ثم حملوا ما قبل واو الجمعية في وجوب كونه أحد الأشياء المذكورة ، على ما قبل فاء السببيّة ، التي هي أكثر استعمالا من الواو في مثل هذا الموضع ، أعني في انتصاب المضارع بعدها ، وذلك لمشابهة الواو للفاء في أصل العطف ، وفي صرف ما بعدها عن سنن العطف لقصد السببية في إحداهما والجمعية في الأخرى ، وأيضا لقرب معنى الجمعيّة من التعقيب الذي هو لازم السببية.

ثم اعلم ، أنه لمّا كان ما بعد الفاء مبتدأ محذوف الخبر وجوبا (٣) ، صارت الفاء مع ما بعدها أشدّ اتصالا بما قبلها من الجملة الجزائية بالجملة الشرطية ، فجاز في هذا الجواب ما لا يجوز في الجملة الجزائية ، وذلك أنك تفصل به بين الفعل الذي قبل الفاء ومفعوله ، نحو : هل تعطي فيأتيك ، زيدا ، ويتوسط أيضا بين أداة الاستفهام التي هي «هل»

__________________

(١) كلمة مستحدثة من قبيل المصادر الصناعية معناها كون اللفظ دالا على معنى معيّن لا يحتمل غيره والرضي يستعملها كثيرا ؛

(٢) انظر باب المبتدأ في الجزء الأول ؛

(٣) بناء على ما اختاره فيما تقدم ؛

٦٨

أو الظرف ، أو كيف ، أو ، لمه وبين الفعل المستفهم عنه ، نحو : هل ، فآتيك تخرج ، ومتى ، فأكرمك تزورني ، وكيف فأستقبلك تجيئني ، ولم فأسير تسير.

ويجوز ، أيضا حذف الفعل المستفهم عنه للوضوح ، ولقيام هذا الجواب مقامه ، لأنه في اللفظ ، كالجزاء مما هو كالشرط ، تقول : متى ، فأسير معك ، أي : متى تسير فأسير معك ، ولا يجوز شيء من ذلك في صريح الشرط والجزاء ، لأن كل واحد منهما ، في اللفظ ، جملة ظاهرة.

قالوا : ولا جواب للجواب بالفاء ، ولا يجاب ، أيضا ، الشيء الواحد بجوابين ، فقوله تعالى : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ)(١) جوابه قوله : (فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) ، وقوله : (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ، وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ) جملة متوسطة بينهما ؛ ويجوز أن يكون (فَتَكُونَ) معطوفا على (فَتَطْرُدَهُمْ).

وإنما لم يجب بجوابين ، لأنه كالشرط والجزاء ، ولا تجاب كلمة الشرط بجوابين.

ومعنى النفي في نحو : ما تأتينا فتحدثنا : إن تأتنا تحدثنا ، انتفى الحديث لانتفاء شرطه وهو الإتيان ، كقوله تعالى : (لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا)(٢) ، هذا هو القياس ، وذلك لأن فاء الجزاء ، قياسه أن يجعل الفعل المتقدم عليه الذي هو غير موجب : موجبا (٣) ، ويدخل عليه كلمة «إن» ويكون الفاء مع ما بعده من الفعل جزاء ، كما تقول في قوله تعالى : (ولا تطغوا فيه فيحلِّ عليكم غضبي)(٤) ، أي : إن تطغوا فحلول الغضب حاصل (٥)

ويجوز ، أيضا ، أن يكون النفي راجعا إلى الحديث في الحقيقة لا إلى الإتيان ، أي ؛ ما يكون منك إتيان بعده حديث وإن حصل الإتيان ؛ وبهذا المعنى ، ليس في الفاء معنى

__________________

(١) الآية ٥٢ سورة الأنعام.

(٢) الآية ٣٦ سورة فاطر.

(٣) مفعول ثان لقوله : أن يجعل الفعل.

(٤) الآية ٨١ سورة طه.

(٥) حسب التقدير الذي اختاره في إعراب ما بعد فاء السببية.

٦٩

السببيّة ، وحقّ الفعل أن ينتصب بعد فاء السببية ، لكنه إنما انتصب (١) ، على تشبيهها بفاء السببية كما يجيء.

وإنما قلنا إن الفاء بهذا المعنى ليست للسببية ، لأن قولك : إن أتيتني حدثتني ، مخالف في المعنى لقولك : تأتيني ولا تحدثني ، بل إنما يعطي هذه الفائدة ، معنى فاء العطف الصّرف : إمّا عاطفة للاسم على الاسم نحو : ما كان منك إتيان فحديث ، على ما يؤوّلون به مثل هذا المنصوب ؛ وإمّا عاطفة للفعل على الفعل نحو : ما تأتيني فتحدثني بالرفع ، فيكون النفي في الموضعين شيئا واحدا واقعا على المعطوف والمعطوف عليه معا ، فيكون المجموع المقيّد بقيد تعقب الحديث إياه منفيا ، والمركب من جزأين ، ينتفي بانتفاء جزأيه معا ، وبانتفاء كل واحد من جزأيه ، أيضا ، فعلى الأول ، يكون المعنى ليس منك إتيان ولا حديث معه.

ويجوز أن يكون قوله تعالى : (ولا يؤذن لهم فيعتذرون) (٢) ، بهذا المعنى.

وعلى نفيك الجزء الثاني فقط يكون المعنى : منك إتيان ، لكن لا حديث بعده ، ومنه قول علي رضي الله عنه في نهج البلاغة (٣) : «لا يخرج لكم من أمري رضى فترضونه ولا سخط فتجتمعون عليه».

ولا يجوز أن يبقى الأول فقط ، لأن الحديث الذي يكون بعد الإتيان ، لا يكون من دون الإتيان ؛ بلى ، إن جعلت ما بعد الفاء على القطع والاستئناف ، لا معطوفا على الفعل الأول ، جاز هذا المعنى ، فيكون المراد : ما تأتينا ، فأنت تحدثنا بما يحدث به الجاهل بحالنا ، كما قال :

٦٥١ ـ غير أنّا لم تأتنا بيقين

فنرجّي ونكثر التأميلا (٤)

__________________

(١) أي في حالة خروج الفاء عن السببية ؛

(٢) الآية ٣٦ سورة المرسلات وتقدمت ؛

(٣) من خطبة له في تقريع أصحابه ص ٢٠٨ من نهج البلاغة ، طبع دار الشعب بالقاهرة ؛

(٤) من أبيات سيبويه التي لم يعرف لها قائل ، وهو في سيبويه ج ١ ص ٤١٩ ؛

٧٠

أي : فنحن نرجّي.

ويجوز مع الرفع أيضا ، أن تكون الفاء للسببية ، والمبتدأ محذوف ، فيكون معنى الرفع والنصب سواء ، وإنما لم يصرفه إلى النصب لعدم اللبس ، كما ذكرنا قبل ، فيكون قوله تعالى : (ودُّوا لو تُدهِن فيدهنون) (١) ، منه ، أي : فهم يدهنون ؛ وكذا قوله تعالى : (ولا يؤذن لهم فيعتذرون) (٢) ، أي : فهم يعتذرون ، فكأنه قال : فيدهنوا ، و : فيعتذروا ، كما أن قوله تعالى : (فأنتم فيه سواء) (٣) بمعنى : فتستوا ، وكذا قوله :

ألم تسأل الربع القواء فينطق (٤) ـ ٦٤٩

وقوله :

لم تدر ما جزع عليك فتجزع (٥) ـ ٦٥٠

ولا أرى بأسا من أن لا يقدر في مثله المبتدأ ، لأن فاء الجزاء قد تدخل على المضارع المثبت والمنفي بلا ، من غير تقدير مبتدأ ، كما يجيء في المجزوم ، لكن الاستئناف والسببية مع تقدير المبتدأ أظهر.

وقال سيبويه (٦) : المعنى : فهي مما ينطق ، بناء على توهمات الشعراء وتخيّلاتهم ، ثم رجع وقال : وهل يخبرنك اليوم بيداء سملق.

وقد لا (٧) يصرف بعد واو الجمعية ، أيضا ، إلى النصب ، أمنا من اللبس ، كما ذكرنا

__________________

(١) الآية ٩ في سورة القلم ؛

(٢) الآية ٣٦ سورة المرسلات وتكرر ذكرها.

(٣) من الآية ٢٨ سورة الروم ؛

(٤) الشاهد المتقدم قريبا من شعر جميل بثينة.

(٥) الشاهد المتقدم قبل قليل ؛

(٦) سيبويه ج ١ ص ٤٢٢.

(٧) تكررت الإشارة إلى ضعف هذا التعبير ، ويغني عنه : ربما لا يصرف ، كما سيأتي بعد قليل.

٧١

في نحو : إيتني وأكرمك بالرفع ، لأن واو الحال قد تدخل على المضارع المثبت ، كما ذكرنا في باب الحال (١) ، نحو قولك : قمت وأضرب زيدا ، أي : وأنا أضرب زيدا.

وكذا ، ربّما لا يصرف ، كما ذكرنا ، بعد «أو» العاطفة إلى النصب ، نحو قوله تعالى : (تقاتلونهم أو يسلمون) (٢) ، مع أنه (٣) بمعنى «الّا» أمنا من اللبس ، فان «أو» في الأصل لأحد الأمرين ، والمعنى : لا بدّ من أحد الأمرين : القتال أو الإسلام ، وفيه إيماء إلى معنى «إلى» ، أو «إلّا».

فللرفع بعد الفاء ، إذن ، أربعة معان ، كما تقدم : وللنصب معنيان ، عند سيبويه (٤) ، وإنما جاز النصب عنده في المعنى الثاني ، مع أن الفاء ليست للسببية ، تشبيها للفاء وما بعدها ، بفاء الجزاء ، لكونها فاء بعدها مضارع كائنا (٥) بعد نفي ، كما شبّه في : (كُنْ فَيَكُونُ)(٦) ؛ والنفي بالمعنى الثاني كثير الاستعمال ، كقولهم : لا يسعني شيء فيعجز عنك ، أي ان وسعني شيء لم يعجز عنك ، قال :

٦٥٢ ـ وما قام منا قائم في نديّنا

فينطق إلّا بالتي هي أعرف (٧)

وقال :

وما حلّ سعديّ غريبا ببلدة

فينسب ، إلّا الزبرقان له أب (٨) ـ ١٨٥

__________________

(١) أول الجزء الثاني من هذا الشرح ؛

(٢) من الآية ١٦ سورة الفتح وتقدمت قريبا.

(٣) مع أنه ، أي لفظ أو ؛

(٤) ما يتعلق بالنصب بعد الفاء ، مفصل في سيبويه ج ١ ص ٤١٨ وما بعدها ؛

(٥) كائنا ، هكذا بالنصب ، والرضي يرى جواز مجيء الحال من النكرة ؛

(٦) من الآية ١١٧ سورة البقرة وتقدمت.

(٧) من قصيدة طويلة للفرزدق امتلأت بالفخر ومنها بعض الشواهد في هذا الشرح ، والبيت في سيبويه ج ١ ص ٤٢٠ ؛

(٨) تقدم في باب الحال ، في الجزء الثاني ؛

٧٢

أي يحل ولا ينسب .. ، ولو لا أن ما بعد الفاء في البيتين منفي ، لما جاز الاستثناء ، لأن الاستثناء المفرغ لا يكون في الموجب.

وقد يستأنف بعد الواو ، من غير معنى الجمعية ، كقولك : دعني ولا أعود ، أي : وأنا لا أعود على كل حال ؛ وبعد «أو» من غير معنى «إلى» أو «إلّا» ، كما تقول : أنا أسافر ، أو أقيم ، حكمت أوّلا بالسفر ، ثم بدا لك ، فقلت : أو أقيم ، أي : أو أنا أقيم ، أي بل أنا أقيم.

وجوّز سيبويه (١) الرفع في قوله :

٦٥٣ ـ فقلت له لا تبك عينك إنما

نحاول ملكا أو نموت فنعذرا (٢)

إمّا على العطف على «نحاول» ، أو على القطع ، أي : نحن نموت.

وقوله تعالى : (أو يرسل رسولاً) (٣) بالرفع ، مقطوع ، أي : هو يرسل.

وقوله :

٦٥٤ ـ إن تركبوا فركوب الخيل عادتنا

أو تنزلون فانا معشر نزل (٤)

عند الخليل محمول على المعنى ، أي تركبون أو تنزلون ، كقوله :

مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة

ولا ناعب إلا ببين غرابها (٥) ـ ٢٦٩

__________________

(١) قال سيبويه : ولو رفعت لكان عربيا جيدا .. الخ ج ١ ص ٤٢٧ ؛

(٢) من قصيدة لامرئ القيس والمراد بصاحبه : عمرو بن محيئة الشاعر وهو الذي صحبه في رحلته إلى ملك الروم ؛

(٣) الآية ٥١ من سورة الشورى ؛

(٤) من قصيدة الأعشى التي تعد إحدى المعلقات والتي أولها :

ودع هريرة ان الركب مرتحل

وهل تطيق وداعا أيها الرجل

وهو من شواهد سيبويه ج ١ ص ٤٢٩ ، ومن هذه القصيدة عدد من الشواهد في هذا الشرح ؛

(٥) تقدم في باب خبر ما العاملة عمل ليس في الجزء الثاني ، وفي باب اسم التفضيل في الجزء الثالث ، وهو من شواهد سيبويه ج ١ ص ٨٣ وتكرر في موضعين آخرين فيه ؛

٧٣

وقال يونس ، هو على القطع ، أي بل أنتم نازلون ، و «أو» بمعنى «بل» كما يجيء في حروف العطف ، كما في قوله تعالى : (... إلى مائة ألف أو يزيدون) (١) أي : بل هم يزيدون.

وقد يقطع بعد الواو ، والفاء ، وثمّ في غير هذا الباب ، أي في غير الجمعية ، قال :

٦٥٥ ـ على الحكم المأتي يوما إذا قضى

حكومته أن لا يجور ويقصد (٢)

لم ينصب «يقصد» لأنه احتمل مع النصب ، أن يكون معطوفا على «يجور» المنفي ، فيكون المعنى : على الحكم أن لا يجور ولا يقصد ، وهو تناقض ، ويحتمل أن يكون عطفا على : لا يجور ، الكائن بمعنى : يعدل ، بمعنى على الحكم أن لا يجور وأن يقصد ، فترك العطف خوفا من اللبس ، ورفع على القطع ، أي : وهو يقصد ، كما تقول : زيد يجيء إذا اشتهيت مجيئه ، فالمعنى : ينبغي له أن يقصد ، أي : أن لا يجور.

وقد يقطع مع الفاء التي لغير السببية ، كما ذكرنا في قوله :

... فنرجّي ونكثر التأميلا (٣) ـ ٨٥٠

ومثله قوله :

٦٥٦ ـ فما هو إلّا أن أراها فجاءة

فأبهت حتى ما أكاد أجيب (٤)

__________________

(١) الآية ١٤٧ سورة الصافات ؛

(٢) من شواهد سيبويه ج ١ ص ٤٣١ وهو من قصيدة لشاعر اسمه أبو اللجام التغلبي من شعراء الجاهلية ومن جيد أبياتها قوله :

عسى سائل ذو حاجة إن منعته

من اليوم سؤلا أن يكون له غد

وانك لا تدري باعطاء سائل

أأنت بما تعطيه أم هو أسعد

(٣) الشاهد المتقدم قريبا ؛

(٤) في سيبويه ج ١ ص ٤٣٠ وقد وقع في شعر عروة بن حزام العذري وفي شعر كثير عزة بلفظ واحد ، ووقع ـ

٧٤

يروى بنصب أبهت ، ورفعه على القطع ، أي : فأنا أبهت.

قوله : «والواو بشرطين : الجمعية ، وأن يكون قبلها مثل ذلك» ، أي يجتمع مضمون ما قبلها ومضمون ما بعدها في زمان واحد ، ويكون قبلها أمر ، نحو : زرني وأزورك ، أو نهي ، نحو :

٦٥٧ ـ لا تنه عن خلق وتأتي مثله

عار عليك إذا فعلت عظيم (١)

أو استفهام ، نحو : هل تزورني وتعطيني ، أو تمنّ ، نحو : ليتك عندنا وتكرمنا ، أو تحضيض ، نحو : هلّا تزورنا وتكرمنا ، أو عرض نحو : ألا تزورنا وتكرمنا.

والنحاة يؤوّلون هذا بواو العطف نحو : ليكن منك زيارة وزيارة مني ، وقد ذكرت ما هو عليه في الفاء (٢).

قوله : «وأو ، بشرط معنى إلى أن» ، معنى «أو» في الأصل : أحد الشيئين أو الأشياء ، نحو : زيد يقوم أو يقعد ، أي يعمل أحد الشيئين ، ولا بدّ له من أحدهما ، فإن قصدت مع إفادة هذا المعنى ، الذي هو لزوم أحد الأمرين : التنصيص على حصول أحدهما عقيب الآخر ، وأنّ الفعل الأول يمتدّ إلى حصول الثاني ، نصبت ما بعد «أو» ، فسيبويه (٣) يقدره بإلّا ، وغيره بإلى ، والمعنيان يرجعان إلى شيء واحد ، فإن فسّرته بالّا ، فالمضاف بعده محذوف وهو الظرف ، أي : لألزمنك إلّا وقت أن تعطيني ، فهو في محل النصب على أنه ظرف لما قبل «أو» ؛ وعند من فسّره بإلى : ما بعده بتأويل مصدر مجرور بأو التي بمعنى إلى.

__________________

= في قصيدة لأبي صخر الهذلي وشطره الثاني : فأبهت لا عرف لديّ ولا نكر.

(١) ورد في قصيدة للمتوكل الكناني ، وفي قصيدة منسوبة إلى أبي الأسود الدؤلي وقال البغدادي : إذا صحت نسبته إلى المتوكل الكناني فقد أخذه من قصيدة أبي الأسود ، وجاءت نسبته في سيبويه ج ١ ص ٤٢٤ إلى الأخطل ؛

(٢) اختار الرضي في مثل هذه التراكيب أن ما بعد الفاء أو الواو من المصدر المؤوّل ، مبتدأ محذوف الخبر ؛ وقد تقدم ذلك وأفاض الرضي في شرحه وتأييده.

(٣) سيبويه ج ١ ص ٤٢٧ ؛

٧٥

هذا ، وقال سيبويه (١) في قول الشاعر :

٦٥٨ ـ وما أنا للشيء الذي ليس نافعي

ويغضب منه صاحبي بقؤول (٢)

يجوز رفع يغضب ونصبه ، أمّا الرفع فلعطفه على الصلة ، أعني قوله : ليس نافعي ، وقال أبو علي ، في كتاب الشعر (٣) ، بل هو عطف على «نافعي» ؛ وليس بشيء ، لأنه يكون المعنى ، إذن ، ما أنا بقؤول للشيء الذي ليس يغضب منه صاحبي ، أي : لا أقول شيئا لا يغضب منه صاحبي ، وهذا ضد المقصود.

وإذا نصبته (٤) فهو على الصّرف (٥) ، قال المبرد : لا يجوز ذلك ، لأن مراد الشاعر : الذي يغضب منه صاحبي لا أقوله :

قلت : الذي قاله ، إنما يلزم لو جعلنا هذا الصّرف في سياق قوله : ليس نافعي ، لأنه يكون المعنى ، إذن ، لا أقول قولا ، لا يجمع النفع وغضب صاحبي ، وأمّا إذا جعلناه في سياق النفي الذي هو : ما أنا ، فلا يفسد المعنى ، لأنه يكون المعنى ، إذن ، لا يكون مني القول الذي لا ينفعني مع غضب صاحبي منه ، وذلك إمّا بانتفائهما معا أو بانتفاء أحدهما لأن المركب ينتفي بانتفاء أحد جزأيه كما ينتفي بانتفاء مجموعهما ، فتقدم الواو على ما هو منفي حقيقة ، أعني القول ، الذي تضمنه قوله : بقؤول ، كتقدم الفاء على الفعل المستفهم عنه في قولك : متى فأكرمك تكرمني ، كما تقدم في تعليل ذلك.

__________________

(١) قال سيبويه : ج ١ ص ٤٢٦ ـ وسمعنا من ينشد هذا البيت من العرب ... بالنصب والرفع أيضا جائز حسن ..

(٢) هذا البيت من قصيدة لكعب بن سعد الغنوي ـ وهو شاعر إسلامي وقبله :

وعوراء قد قيلت فلم ألتفت لها

وما الكلم العوران لي بقبول

وبعده :

ولن يلبث الجهال أن يتهضّموا

أخا الحلم ما لم يستعن بجهول

(٣) كتاب الشعر ، أو الإيضاح الشعري لأبي علي الفارسي وتكرر ذكر الكتاب وصاحبه.

(٤) أي الفعل : يغضب في البيت السابق ؛

(٥) أي على أن الواو للمعية.

٧٦

وقال سيبويه (١) ، وتبعه أبو علي : إنّ يغضب المنصوب معطوف على «الشيء» ، أي الذي غضب صاحبي منه أي : لمسبّب غضب صاحبي.

وفيه نظر ، لأن الضمير في منه يرجع إلى الشيء غير النافع ، فيكون المعنى : وما أنا بقؤول لشيء منه يحدث غضب صاحبي من الكلام الذي لا ينفعني ، ولا معنى لهذا الكلام.

ولا يجوز أن يرجع الضمير إلى المضاف المقدر ، لأنك إنما أضفته إلى الغضب ليعلم أن الغضب منه ، فلا يحتاج إلى لفظ «منه» ، كما بيّنا في الظروف المضافة إلى الجمل :

أن نحو قولك : يوم تسود فيه الوجوه : قبيح.

إضمار أن

بعد حروف العطف

[قال ابن الحاجب] :

«وبعد العاطفة إذا كان المعطوف عليه اسما».

[قال الرضي] :

عطف على «حتى» في قوله : وحتى إذا كان مستقبلا ، أي : العاطفة يقدّر بعدها أن ، نحو قولها :

للبس عباءة وتقرّ عيني

أحبّ إليّ من لبس الشفوف (٢) ـ ٦٤٣

ليكون الاسم معطوفا على اسم ، وكذا العطف بالفاء وغيره ، نحو : أعجبني ضرب

__________________

(١) في الموضع السابق ذكره عند ذكر الشاهد ، وتبعه أبو علي أي في كتابه الذي تقدمت الإشارة إليه. وقد نقل البغدادي عبارة الفارسي وأفاض في تفسير معنى البيت ؛

(٢) الشاهد المتقدم قريبا ؛

٧٧

زيد فيشتم ، وضرب زيد ثم يشتم ، وضرب زيد او يشتم.

والواو ، والفاء ، وأو ، في مثل هذه المواضع ، لا يشوبها معنى السببية ، والجمعية والانتهاء (١).

إظهار أن

جوازا ، ووجوبا

[قال ابن الحاجب] :

«ويجوز إظهار أن ، مع لام كي ، والعاطفة ، ويجب مع لا»

«في اللام».

[قال الرضي] :

أخذ يبيّن المواضع التي يجوز فيها إظهار «أن» المقدرة ، والموضع الذي يعرض فيه ما يوجب إظهار «أن» ؛ فالذي يبقى بعد القسمين ، هو الموضع الذي لا يجوز فيه إظهارها ؛ فنقول :

إنما جاز إظهارها مع لام «كي» والعاطفة واللام الزائدة ، لا للجحود ، نحو : (وأمِرتُ لأن أكون) (٢) ، لأن هذه الثلاثة تدخل على اسم صريح نحو : جئتك للاكرام ، وأعجبني ضرب زيد وغضبه ، وأردت لضربك كقوله تعالى : (ردِف لكم) (٣) ، فجاز أن يظهر معها ما يقلب الفعل إلى اسم صريح ، وهو «أن» المصدرية.

__________________

(١) أراد بمعنى الانتهاء في أو أنها في حالة النصب يكون معناها : إلى أن ...

(٢) الآية ١٢ سورة الزمر.

(٣) من الآية ٧٢ سورة النمل وتكرر ذكرها.

٧٨

وأمّا لام الجحود ، فلمّا لم تدخل على الاسم الصريح ، لم يظهر معها ذلك ، وكذا «حتى» لم يظهر بعدها ، لأن الأغلب فيها أن تستعمل بمعنى «كي» وهي بهذا المعنى لا تدخل على اسم صريح ، كما مرّ (١) ، وحمل عليها : التي بمعنى «إلى» ، لأن المعنى الأول أغلب من التي يليها المضارع.

وأمّا الفاء ، والواو ، واو ، فلأنها لمّا اقتضت نصب ما بعدها ، للتنصيص على معنى السببية والجمعية والانتهاء ، كما تقدم ، صارت كعوامل النصب ، فلم يظهر الناصب بعدها ؛ وقد ظهرت «أن» بعد «أو» في الشعر ، قال :

٦٥٩ ـ أقضى اللبانة لا أفرّط ريبة

أو أن يلوم بحاجة لوّامها (٢)

وأمّا وجوب الإظهار مع لام «كي» إذا وليها «لا» فلاستكراه اللامين المتواليين.

وأمّا قول المصنف (٣) : لأنهم لا يدخلون حروف الجر على حروف النفي لاستحقاقها صدر الكلام ، ففيه نظر ، لأن «لا» من بينها (٤) يدخلها العوامل ، نحو : كنت بلا مال ، و : (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ)(٥).

والكوفيون جوّزوا إظهار «أن» مع لام الجحود ، بدلا من اللام وتأكيدا له ، لأن مذهبهم أن اللام هي الناصبة بنفسها ، ويجوّزون تقديم معمول الفعل بعدها ، عليها ، خلافا للبصريين ، واستدلوا بقول الشاعر :

٦٦٠ ـ لقد عذلتني أم عمرو ، ولم أكن

مقالتها ما كنت حيّا لأسمعا (٦)

__________________

(١) في الكلام على حتى ؛

(٢) من معلقة لبيد بن ربيعة العامري ، ومنها شواهد أخرى في هذا الشرح.

(٣) أي ابن الحاجب ، وقوله هذا إما في شرحه هو على الكافية أو في شرحه على المفصل.

(٤) أي من بين حروف النفي.

(٥) الآية ٧١ سورة المائدة.

(٦) ورد هذا البيت في شرح ابن يعيش على المفصل ج ٧ ص ٢٩ ، وفي كتاب الإنصاف ص ٥٩٣ ولم ينسبه أحد ، وقال البغدادي انه لم يقف على قائله ولا على تتمته ، يريد أنه لم يعرف شيئا يتصل به ، قبله ، أو بعده ؛

٧٩

لأن اللام عندهم هي الناصبة ، وليست مصدرية ؛ وهو عند البصريين : على تقدير فعل ناصب ، أي : ما كنت أسمع مقالتها ، ثم كرر «لأسمعا» مفسّرا للمضمر.

مواضع أخرى (١)

تضمر فيها أن

واعلم أنّ «أن» تضمر في غير المواضع المذكورة كثيرا ، لكنه ليس بقياس ، كما في تلك المواضع ، فلا تعمل لضعفها ، نحو قولهم : تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه ، ومنه : عساك تفعل كذا ، على رأي ، كما مرّ في المضمرات (٢).

ويقلّ ذلك إذا كان مقدّرا باسم مرفوع ، كما في : تسمع بالمعيديّ ... ولا سيما إذا كان فاعلا ؛ وقد جاء قوله :

٦٦١ ـ جزعت حذار البين يوم تحملوا

وحقّ لمثلي يا بثينة يجزع (٣)

وقد تنصب (٤) مضمرة شذوذا ، كقوله :

ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى (٥) ... ـ ١٠

يروى رفعا ونصبا ، والكوفيون يجوّزون النصب في مثله قياسا.

__________________

(١) استطراد من الشارح لاستكمال بحث أن.

(٢) في آخر الجزء الثاني من هذا الشرح.

(٣) من قصيدة لجميل بن معمر العذري صاحب بثينة ، ويروى الشطر الثاني : وما كان مثلي يا بثينة يجزع ؛ ولا شاهد فيه حينئذ.

(٤) يعني أن.

(٥) تقدم ذكره في الجزء الأول وتكرر بعد ذلك وهو من معلقة طرفة بن العبد.

٨٠