محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي
المحقق: يوسف حسن عمر
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات مؤسّسة الصادق
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٢
قال أبو عبيدة (١) في : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى)(٢) ، أي بالهوى ، والأولى أنها بمعناها ، والجار والمجرور صفة للمصدر ، أي : نطقا صادرا عن الهوى ، ف من في مثله تفيد السببيّة ، كما في قولك : قلت هذا عن علم ، أو عن جهل ، أي قولا صادرا عن علم .. ؛
وقوله :
٨٠٩ ـ تصدّ وتبدي عن أسيل وتتّقي |
|
بناظرة من وحش وجرة مطفل (٣) |
ضمّن تبدي معنى تكشف ، أي تكشف الغطاء وتبعده عن وجه أسيل ؛
قوله : «وعلى للاستعلاء» ، إمّا حقيقة نحو : زيد على السطح ، أو مجازا نحو : عليه دين ، كما يقال : ركبه دين ، كأنه يحمل ثقل الدّين على عنقه أو على ظهره ، ومنه : عليّ قضاء الصلاة ، وعليه القصاص ، لأن الحقوق كأنها راكبة لمن تلزمه ، وكذا قوله تعالى : (كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا) ، (٤) تعالى الله عن استعلاء شيء عليه ، ولكنا إذا صار الشيء مشهورا في شيء من الاستعمال : لم يراع أصل معناه ، نحو : ما أعظم الله ؛
ومنه : توكّلت على فلان ، واعتمدت عليه ؛
وأمّا قوله :
إذا رضيت عليّ بنو قشير |
|
لعمر الله أعجبني رضاها (٥) ـ ٧٦٣ |
فلحمل «رضيت» في التعدّي على ضدّه ، أي سخطت ، كما حمل بعت منه ، على :
__________________
(١) أبو عبيدة. بالتاء ، هو معمر بن المثنى ، شيخ أبي عبيد : بدون تاء ، القاسم بن سلام صاحب القريب المصنف ، وكلاهما تكرر ذكره في هذا الشرح ؛
(٢) الآية ٣ سورة النجم ؛
(٣) من معلقة امرئ القيس التي تكرر الاستشهاد بأبياتها في هذا الشرح. والأسيل : الناعم. ووجرة اسم مكان ، والمطفل : الظبية. أو الناقة معها طفلها ؛
(٤) الآية ٧١ سورة مريم ؛
(٥) تقدم في معاني «إلى» في هذا الجزء ؛
اشتريت ، وقربت منه على : انفصلت منه ؛
وقوله :
٨١٠ ـ رعته أشهرا وخلا عليها |
|
فطار النيّ فيها واستعارا (١) |
أي : على مذاقها ، كأنه ملك مذاقها وتسلّط عليه فهي تميل إليه وتتبعه ،
وقولهم : فلان على جلالته يقول كذا ، أي : معها ، وكأنّ المعنى أنه يلزمها لزوم الراكب لمركوبه من قولهم : ركبته الديون أي لزمته ؛
ومنها : سر على اسم الله ، أي ملتزما به ، فكأنه مركب يحملك إلى مقصودك ؛ ومنه قولهم : مررت على زيد ، لأنه يفيد أن مرورك به كان من جهة الفوق ، بخلاف معنى : مررت به ؛
وقوله :
٨١١ ـ انّ الكريم وأبيك يعتمل |
|
إن لم يجد يوما على من يتّكل (٢) |
«على» ليست فيه زائدة ، بل الكلام على التقديم والتأخير ، وأصله : إن لم يجد يوما من يتكل عليه ، فامتنع حذف الضمير المجرور الراجع إلى الموصول ، كما مرّ في باب الموصولات (٣) ، فقدّم على «على من يتكل» فصار : على من يتكل ، فجاز حذف الضمير لانتصابه ، بيتكل صريحا ؛
__________________
(١) من قصيدة للراعي النميري ، يصف ناقة رعت نباتا معينا وانفردت به أشهرا ، فسمنت ، وهو معنى قوله :
قطار النيّ ، أي ارتفع والني الشحم يقال : نويت الناقة أي سمنت ، وأما قوله استعار فقيل انه بالغين المعجمة والمعنى ذهب في جسمها وغار فيه ، أو بالعين المهملة أي ذهب فيه يمينا وشمالا من قولهم عار الفرس أي أفلت فهو يذهب في كل ناحية ؛
(٢) من الأبيات المجهولة القائل وهو في سيبويه ، ج ١ ص ٤٣٣ ؛ قال البغدادي ان السيوطي أورد قبله :
إني لساقيها وإني لكسل |
|
وشارب من مائها ومغتسل |
(٣) في أول الجزء الثالث من هذا الشرح ؛
قوله : «وقد يكونان» ، أي عن ، وعلى ، اسمين ، فلا يستعملان إلّا مجرورين. بمن ، وإنما تتعيّن ، إذن ، اسميتهما ، لأن الجرّ من خواص الأسماء ، قال يصف قطاة ؛
٨١٢ ـ غدت من عليه بعد ما تمّ ظمؤها |
|
تصلّ وعن قيض ببيداء مجهل (١) |
وقال :
٨١٣ ـ ولقد أراني للرماح دريئة |
|
من عن يميني مرة وأمامي (٢) |
فيبنيان ، إذن ، لكونهما على لفظ الحرفين ، ومناسبين لهما معنى ، فيلزم «عن» الإضافة ، ومعناه : جانب ، بخلاف «على» ؛ قال :
باتت تنوش الحوض نوشا من علا |
|
نوشا به تقطع أجواز الفلا (٣) ـ ٧٥٧ |
أي : من فوق ؛
قوله : «والكاف للتشبيه» ، ودليل حرفيته ، وقوعه صلة في نحو : جاءني الذي كزيد ، فهو مثل : الذي في الدار ؛
فإن قيل : لم لا يجوز أن يكون بمعنى المثل ، والمبتدأ محذوف ، أي : الذي هو كزيد ، أي مثل زيد ؛
قلت : قد تقدم في باب الموصولات : أن حذف المبتدأ في صلة غير «أي» إذا لم تطل ، في غاية القلة ، واستعمال نحو : الذي كزيد : شائع كثير ؛
وتتعيّن اسميتها إذا انجرّت ، كما في قوله :
__________________
(١) من قصيدة لمزاحم العقيلي ، والبيت في وصف قطاة انصرفت عن فرخها وما حوله من قشر البيض بعد أن طال عطشها. وجوفها يصل أي يحدث صوتا من العطش ، والقيض هو قشر البيض الذي خرج منه الفرخ.
والزيزاء روى ببيداء مجهل أي صحراء يضل فيها السالك ؛
(٢) لقطري بن الفجاءة من أبيات أولها البيت الذي يستشهدون به على مجيء الحال من النكرة وهو :
لا يركنن أحد إلى الأحجام |
|
يوم الوغى متخوّفا لحمام |
(٣) تقدم في أول حروف الجر ؛
٨١٤ ـ يضحكن عن كالبرد المنهمّ (١)
وإذا ارتفعت ، كما في قوله :
أتنتهون ، وهل ينهى ذوي شطط |
|
كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل (٢) ـ ٧٦٠ |
أو على الابتداء ، نحو : كذا عندي درهما ، على ما قال بعضهم ، واستدلّ بقولهم : إنّ كذا درهما مالك برفع : مالك ؛ والأولى أن يدّعى تركيب كذا كما مرّ في باب الكنايات (٣) ؛ وما ذكره من رفع مالك ، غير دالّ على مدّعاه ، وسيبويه (٤) لا يحكم باسميتها إلا عند الضرورة ، وأما الأخفش فيجوّز ذلك من غير ضرورة ، وتبعه الجزولي (٥) ؛
وتكون أيضا ، زائدة ، إذا لم تلتبس بالأصلية ، كما في قوله :
٨١٥ ـ لواحق الأقراب فيها كالمقق (٦)
أي فيها المقق وهو الطول ،
ويحكم بزيادتها عند دخولها على «مثل» ، في نحو : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(٧) ، أو دخول مثل ، عليها ، كقوله :
٨١٦ ـ فصيّروا مثل كعصف مأكول (٨)
__________________
(١) من رجز للعجاج. وقبله :
عند أبي الصهباء أقصى همّي |
|
بيض ثلاث كنعاج جمّ .. الخ |
(٢) من قصيدة الأعشى ميمون بن قيس ، وتقدم في أول الكلام على حروف الجر ؛
(٣) في الجزء الثالث ؛
(٤) يستفاد هذا من كلامه في الكتاب ج ١ ص ١٣ ؛
(٥) تكرر ذكره ؛
(٦) من أرجوزة رؤبة التي أولها : وقائم الأعماق خاوي المخترق ؛ وهو يصف جماعة من حمير الوحش ضامرة البطون ، اللواحق : جمع لاحقة أي ضامرة البطن والأقراب هي الخواصر ، والمقق بفتح الميم والقاف : الطول ؛
(٧) الآية ١١ سورة الشورى ؛
(٨) نقل البغدادي عن العيني نسبة إلى رؤبة ، وقال ان قبله ، يصف جماعة بالهلاك ويشبههم بأصحاب الفيل حيث يقول : ـ
إذ الغرض أنه لا يشبّه بالمشبه ، فلا بدّ من زيادة إحدى أداتي التشبيه ، وزيادة ما هو على حرف : أولى ، ولا سيّما إذا كان من قسم الحروف في الأغلب ، والحكم بزيادة الحرف أولى ؛ وأمّا إذا اجتمع الكافان ، نحو قوله :
وصاليات ككما يؤثفين (١) ـ ١٣١
فامّا أن يكون من باب التوكيد اللفظي ، فهما إمّا اسمان أو حرفان كقوله :
... ولا للما بهم أبدا دواء (٢) ـ ١٣٠
وإمّا أن تكون إحداهما زائدة ، فتكون تلك الزائدة حرفا ، إذ زيادة الحرف أولى ، فتكون ، إمّا الأولى ، مثل قوله : ليس كمثله شيء ، وإمّا الثانية ، فهو كقوله : مثل كعصف ، ولا يجوز أن يكونا اسمين أو حرفين ، وإحداهما زائدة ؛
فإن قلت : لفظ مثل ، لا بدّ له من اسم مجرور ، فكيف حكمت بزيادة الكاف في : مثل كعصف ؛
قلت : لا يمتنع منع الاسم عن الجرّ ، عند الضرورة ، وإن كان لازما للإضافة ، لأن عمله الجرّ ، ليس بالأصالة ، ويجوز أن يكون «مثل» مضافا إلى مقدر مدلول عليه بعصف ، الظاهر ؛ كما قلنا في : يا تيم تيم عديّ (٣) ؛ فعلى هذا ، لا تكون الكاف زائدة ، فكأنه قال : مثل عصف ، كعصف ، وكذا الكلام في : «ككما» (٤) ؛
ويجوز في قوله تعالى : «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ» : ألّا يحكم بزيادة الكاف ، بل يكون على طريقة قوله :
__________________
ومسّهم ما مسّ أصحاب الفيل |
|
ولعبت طير بهم أبابيل |
والبيت في سيبويه : ج ١ ص ٢٠٣ ؛
(١) تقدم في باب المنادى ؛
(٢) وهو كالذي قبله تقدم في باب المنادى ؛
(٣) إشارة إلى بيت جرير : يا تيم تيم عدي لا أبالكم .. الخ الذي تقدم في باب المنادى أيضا ؛
(٤) في قوله : وصاليات ككما يؤثفين ؛
٨١٧ ـ ولا ترى الضبّ بها ينجحر (١)
وقولك : ليس لأخي زيد أخ ، أعني نفي الشيء بنفي لازمه ، لأن نفي اللازم يستلزم نفي الملزوم ، فأخو زيد ملزوم ، والأخ لازمه ، لأنه لا بدّ لأخي زيد من أخ هو زيد ، فنفيت هذا اللازم والمراد نفي الملزوم ، أي : ليس لزيد أخ ، إذ لو كان له أخ لكان لذلك الأخ أخ ، هو زيد ؛
فكذا هنا : نفيت أن يكون لمثل الله مثل ، والمراد نفي مثله تعالى ، إذ لو كان له مثل لكان هو تعالى مثل مثله ؛
والكاف لا يدخل على المضمر خلافا للمبرد ، إذ لو دخله لأدّى إلى إجتماع الكافين إذا شبهت بالمخاطب ، فطرد المنع في الكل ؛
وقد دخل في الشعر على المنصوب المنفصل ، قال :
٨١٨ ـ فأجمل وأحسن في أسيرك انه |
|
ضعيف ولم يأسر كإياك آسر (٢) |
وهو من باب إقامة بعض الضمائر مقام بعض ؛ وعلى المجرور أيضا ، قال :
٨١٩ ـ فلا ترى بعلا ولا حلائلا |
|
كه ولا كهنّ إلا حاظلا (٣) |
وقال :
٨٢٠ ـ وأمّ أو عال كهأ أو أقربا (٤)
__________________
(١) منسوب إلى عمرو بن أحمر الباهلي في وصف فلاة ، وقبله : لا تفزع الأرنب أهوالها ... وفيه ما في الشطر الثاني من الاستشهاد ؛
(٢) قائله مجهول ؛ ومعناه واضح ؛
(٣) من رجز لرؤبة يصف حمار وحش يمنع إناثه من أن يقر بها غيره. والبيت في سيبويه ج ١ ص ٣٩٢ ؛
(٤) من أرجوزة للعجاج ، وهو في هذا البيت يصف حمار الوحش وقد هرب بإناثه. وكان يريد الماء فأبصر الصياد ، وقبله : خلّى الذنابات شمالا كثبا ؛ والذنابات وأم أو عال موضعان ، يعني أنه جعل هذين المكانين عن شماله قريبا منه بل أحدهما أقرب من الآخر ؛ وهو في سيبويه ج ١ ص ٣٩٢ ؛
وقد يدخل في السعة على المرفوع نحو : أنا كأنت ؛
وتجيء «ما» الكافة بعد الكاف ؛ فيكون ل : كما ، ثلاثة معان :
أحدها : تشبيه مضمون جملة بمضمون أخرى ، كما كانت قبل الكفّ لتشبيه المفرد بالمفرد ، قال تعالى : (اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ)(١) ، وقال :
٨٢١ ـ فإن الحمر من شرّ المطايا |
|
كما الحبطات شرّ بني تميم (٢) |
فلا يقتضي الكاف ما يتعلّق به ، لأن الجارّ إنما كان يطلب ذلك ، لكون المجرور مفعولا ، وذلك لأن حروف الجر موضوعة ، كما ذكرنا ، لأن تفضى بالفعل القاصر عن المفعول به ؛ إليه ، والمفعول به لا بدّ له من فعل أو معناه ، فإذا لم تجرّ ، فلا مفعول هناك حتى تطلب فعلا ؛
ومعنى : كن كما أنت : كن في المستقبل كما أنت كائن الآن ، فأنت : مبتدأ محذوف الخبر ، فأنت تشبّه الكون المطلوب منه ، بالكون الحاصل له الآن ؛ ومنه قوله عليه السّلام : «كما تكونون يولّى عليكم» ، شبّه التولية عليهم المكروهة ، بكونهم المكروه ، أي بحالتهم المكروهة ؛
وثانيها : أن يكون «كما» بمعنى «لعلّ» حكى سيبويه عن العرب (٣) : انتظرني كما آتيك ، أي لعلّما آتيك ؛ قال رؤبة :
٨٢٢ ـ لا تشتم الناس كما لا تشتم (٤)
__________________
(١) الآية ١٣٨ سورة الأعراف ؛
(٢) من أبيات لزياد الأعجم ، وقع فيها الأقواء ، لأن قبله :
واعلم أنني وأبا حميد |
|
كما النشوان والرجل الحليم |
وروى ان الأبيات التي منها الشاهد وردت موقوفا عليها ؛
(٣) هذا في الكتاب ج ١ ص ٤٥٩ ؛
(٤) هو في سيبويه ج ١ ص ٤٥٩ منسوب لرؤبة ؛
فيكون قد تغيّر معنى الكلمة بالتركيب ، وذلك ، كما يجيء «ممّا» بمعنى «ربّما» ، قال :
٨٢٣ ـ وإني لممّا أضرب الكبش ضربة |
|
على رأسه تلقى اللسان من الفم (١) |
أي : ربّما ، وتقول : إني لممّا أفعل ، أي : ربّما أفعل ، وقال بعضهم : إن «بما» يجيء ، أيضا بمعنى «ربّما» ، نحو : إني بما أفعل ، أي ربّما ،
وثالثها : أن تكون بمعنى قران الفعلين في الوجود ، نحو : ادخل كما يسلّم الامام ، و : كما قام زيد قعد عمرو ؛
وجوّز الكوفية نصب المضارع بعد «كما» يعني «كيما» ، على أن يكون أصله «كيما» فحذفت الياء تخفيفا ؛ ولم يدفعوا الرفع ؛ ولم يثبت البصرية ، لا إفادة «كما» للتقليل ، ولا نصب الفعل بعده ، واستحسن المبرد القولين ، وأنشد الكوفية :
لا تظلموا الناس كما لا تظلموا (٢) ـ ٦٤٢
والبصرية ينشدونه على الإفراد ، لا تظلم الناس كما لا تظلم ؛ أي : لعلّما ،
وقد تكون «ما» بعد الكاف مصدريّة ، أيضا ، نحو : كما تدين تدان ، و : افعل كما أفعل ؛
ويجوز أن يكون القسم الأوّل ، أعني نحو : كن كما أنت ، وقوله : «كما تكونون يولّى عليكم» ، من هذا النوع ، كما يجوز أن يكون هذا النوع من القسم الأول ؛ أي : تكون «ما» كافة ؛
وأمّا «ما» التي بعد «ربّ» ، فمن قال إن «ربّ» حرف ، فهي تكفها عن العمل ،
__________________
(١) لأبي حية النميري ، ويروى : وإنا لما نضرب ، وهو في سيبويه ج ١ ص ٤٧٧ وقد جاء صدره في شعر للفرزدق ، وتمامه : على رأسه والحرب قد لاح نورها ، قال البغدادي : كأن أبا حيّة النميري ألمّ ببيت الفرزدق لأنه متأخر عنه ؛
(٢) هذا غير قوله : لا تشتم الناس .. المتقدم ، وقد تقدم بلفظه الذي هنا في نواصب المضارع ، أول هذا الجزء ؛
فلا تطلب متعلقا ، كما ذكرنا في «كما» ، وتبقى «ربّ» للتقليل ، أي لتقليل النسبة التي في الجملة الواقعة بعدها ؛ ومن قال انها اسم ، فهي كافة له ، أيضا ، عن طلب المضاف إليه ،
و «ما» التي بعد كثر ، وقلّ ، وطال ، نحو : قلّما ، وكثر ما ، وطالما : إمّا كافة للفعل عن طلب الفاعل ، وإمّا مصدرية ، والمصدر فاعل الفعل ؛ وقال بعضهم : هي في قوله :
٨٢٤ ـ صددت فأطولت الصدود وقلّما |
|
وصال على طول الصدود يدوم (١) |
زائدة ، ووصال فاعل «قلّ» ، وهي عند سيبويه كافة ووصال مبتدأ ؛
قوله : «ومذ ومنذ إلى آخره» ، قد مضى شرحه في الظروف المبنية (٢) ؛
قوله : «حاشا وخلا وعدا للاستثناء» ، مضى شرحها في باب الاستثناء (٣) ؛
واعلم أنه إذا أمكن في كل حرف يتوهم خروجه عن أصله وكونه بمعنى كلمة أخرى ، أو زيادته : أن يبقى على أصل معناه الموضوع هو له ، ويضمّن فعله المعدّى به معنى من المعاني يستقيم به الكلام ، فهو الأولى ، بل الواجب ؛ فلا نقول ان «على» بمعنى «من» في قوله تعالى تعالى : (إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ)(٤) ، بل يضمّن «كالوا» معنى تحكموا في الاكتيال وتسلطوا ؛ ولا يحكم بزيادة «في» ، في قوله :
وان تعتذر بالمحل من ذي ضروعها |
|
إلى الضيف يجرح في عراقيبها نصلي(٥) ـ ١٠٠ |
بل يضمّن «يجرح» معنى يؤثر بالجرح ؛
وقد مضى كثير من ذلك في أماكنه ؛
__________________
(١) من قصيدة للمرار الفقعسي ، وهو في سيبويه : ج ١ ص ١٢. ٤٥٩ منسوب لعمر بن أبي ربيعة ، وقال الأعلم في شرحه انه للمرار الفقعسيّ ؛
(٢) في الجزء الثالث من هذا الشرح ؛
(٣) في الجزء الثاني من هذا الشرح ؛
(٤) الآية الثانية من سورة المطففين ؛
(٥) تقدم في الجزء الأول ، آخر باب المفعول به ؛
[الحروف المشبّهة بالفعل]
[إنّ وأخواتها]
[قال ابن الحاجب :]
«الحروف المشبهة بالفعل : إنّ ، وأنّ ، وكأنّ ، ولكنّ ،»
«وليت ، ولعلّ ، لها صدر الكلام سوى أنّ ، فهي بعكسها ،»
«وتلحقها ما ، فتلغى على الأفصح ، وتدخل حينئذ على»
«الأفعال» ؛
[قال الرضي :]
إنما سمّيت الحروف المذكورة : الحروف المشبهة بالفعل ، بخلاف «ما» ، لأنها تشبه «ليس» الذي هو فعل ناقص ، وهذه تشبه الفعل التام المتصرّف المتعدّي ، وأيضا ، «ما» الحجازية ، تشبه «ليس» معنى ، لا لفظا ، وهذه تشبه الأفعال المتعدية ، معنى كما يجيء ، ولفظا من حيث كونها على ثلاثة أحرف فصاعدا ، وأمّا فتحة أواخرها ، فإن لم نقل إنها لمشابهتها للأفعال ، بل قلنا : إنها لاستثقالها بسبب تشديد الأواخر ، والياء في «ليت» ، فهي جهة أخرى بها تشابه الماضي ، فتعمل عمل الأفعال ؛ وإن قلنا إنها (١) لمشابهة الفعل فلا تشابه بسببها الأفعال ، لأنها تكون ، إذن ، بسبب المشابهة المتقدمة ، فما أعطيت بعد المشابهة ، لا يكون بعض جهات المشابهة ؛
__________________
(١) أي فتحة أواخر هذه الكلمات ؛
وكذلك نون الوقاية ؛ إن قلنا : إنها لحفظ فتحتها ، فقط ، كما تحفظ سكون «من» ، و «عن» ، فهي من جهات المشابهة ، وإن قلنا : هي لأجل المشابهة ، فلا ؛
فلما شابهت الأفعال المتعدية معنى ، لطلبها الجزأين مثلها ، وشابهت مطلق الأفعال لفظا بما ذكرنا (١) ، كانت مشابهتها للأفعال أقوى من مشابهة «ما» الحجازية ، فجعل عملها أقوى ، بأن قدّم منصوبها على مرفوعها ؛ وذلك لأن عمل الفعل الطبيعي أن يرفع ثم ينصب ، فعكسه عمل غير طبيعي ، فهو تصرّف في العمل ؛
وقيل : قدّم المنصوب على المرفوع قصدا إلى الفرق بينها وبين الأفعال التي هي أصلها من أوّل الأمر ، أو تنبيها بجعل عملها فرعيا على كونها فروعا للفعل ؛ وهاتان العلتان ثابتتان في «ما» الحجازية ، ولم يقدّم منصوبها على مرفوعها ؛ فالعلة هي الأولى ؛
ومشابهتها معنى لمطلق الفعل ، من حيث إن : في : «إنّ ، وأنّ» معنى حقّقت وأكدت ، وفي «كأن» معنى : شبهت ؛
قال الزجاج : هي للتشبيه إذا كان خبرها جامدا ، نحو : كأنّ زيدا أسد ؛ وللشكّ ، إذا كان صفة مشتقة ، نحو : كأنك قائم ، لأن الخبر هو الاسم ، والشيء لا يشبّه بنفسه ؛
والأولى أن يقال : هي للتشبيه أيضا ، والمعنى : كأنك شخص قائم ، حتى يتغاير الاسم والخبر حقيقة ، فيصح تشبيه أحدهما بالآخر ؛ إلّا أنه لما حذف الموصوف ، وأقيم الوصف مقامه ، وجعل الاسم بسبب التشبيه كأنه الخبر بعينه ، صار الضمير في الخبر يعود إلى الاسم لا إلى الموصوف المقدر ، فلهذا تقول : كأني أمشي ، وكأنك تمشي ، والأصل : كأني رجل يمشي ، وكأنك رجل يمشي ؛
وقيل : هي للتحقيق في نحو : كأنّك بالدنيا لم تكن ، وكأنك بالآخرة لم تزل ، وكأنك بالليل قد أقبل ؛
__________________
(١) وهو قوله من حيث كونها على ثلاثة أحرف .. الخ ؛
وأبو علي (١) يعتقد في مثله : زيادة الاسم وحرف الجر ، حتى تبقى «كأنّ» ، للتشبيه ، أي : كأنّ الدنيا لم تكن ؛
والأولى أن نقول ببقاء «كأن» على معنى التشبيه ، وألّا نحكم بزيادة شيء ، ونقول : التقدير : كأنك تبصر بالدنيا ، أي تشاهدها ، من قوله تعالى : (فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ)(٢) ، والجملة بعد المجرور بالباء : حال ، أي : كأنك تبصر بالدنيا وتشاهدها غير كائنة ؛ ألا ترى إلى قولهم : كأني بالليل وقد أقبل ، وكأني بزيد وهو ملك ، والباء لا تدخل الجمل إلا إذا كانت أخبارا لهذه الحروف ؛
وفي «لكنّ» معنى استدركت ، ومعنى الاستدراك : رفع توهم يتولّد من الكلام السابق ، رفعا شبيها بالاستثناء ، ومن ثمّ قدّر الاستثناء المنقطع بلكنّ ؛ فإذا قلت : جاءني زيد ، فكأنه توهّم أن عمرا جاءك لما بينهما من الألفة ، فرفعت ذلك التوهم بقولك : لكن عمرا لم يجئ ؛
وفي «ليت» معنى تمنيت ، وفي «لعلّ» معنى ترجّيت ، وماهية التمني غير ماهية الترجّي ، لا أنّ الفرق بينهما من جهة واحدة ، وهي استعمال التمني في الممكن والمحال ، واختصاص الترجي بالممكن ؛ وذلك لأن ماهية التمني : محبّة حصول الشيء ، سواء كنت تنتظره وترتقب حصوله أو ، لا ، والترجّي : ارتقاب شيء لا وثوق بحصوله ؛ فمن ثمّ ، لا يقال : لعلّ الشمس تغرب ، فيدخل في الارتقاب : الطمع والإشفاق فالطمع : ارتقاب شيء محبوب ، نحو : لعلك تعطينا ، والإشفاق : ارتقاب المكروه ، نحو : لعلك تموت الساعة ؛
وقد اضطرب كلامهم في «لعلّ» الواقعة في كلامه تعالى ، لاستحالة ترقب غير الموثوق بحصوله ، عليه ، تعالى ؛
__________________
(١) أي الفارسي وتكرر ذكره ؛
(٢) من الآية ١١ في سورة القصص ؛
فقال قطرب (١) وأبو علي ؛ معناها التعليل ، فمعنى : (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(٢) ، أي : لتفلحوا (٣) ؛
ولا يستقيم ذلك في قوله تعالى : (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ)(٤) ، إذ لا معنى فيه للتعليل ؛
وقال بعضهم : هي لتحقيق مضمون الجملة التي بعدها ؛ ولا يطّرد ذلك في قوله تعالى : (.. لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى)(٥) ، إذ لم يحصل من فرعون تذكّر ؛
وأمّا قوله تعالى : (آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ)(٦) ، فتوبة يأس لا معنى تحتها ، ولو كان تذكّرا حقيقيا لقبل منه ؛
والحق ما قاله سيبويه ، وهو أن الرجاء أو الإشفاق ، يتعلق بالمخاطبين ، وإنما ذلك لأن الأصل ألّا تخرج الكلمة عن معناها بالكلية ؛ فلعلّ ، منه تعالى : حمل لنا على أن نرجو أو نشفق ، كما أنّ «أو» المفيدة للشك ، إذا وقعت في كلامه تعالى ، كانت للتشكيك أو الإبهام ، لا للشك ؛ تعالى الله عنه ؛
وقيل : انّ لعلّ ، تجيء للاستفهام ، تقول : لعلّ زيدا قائم ، أي هل هو كذلك ؛
وأخبار هذه الحروف ، عند الكوفيين ، مرتفعة بما ارتفعت به في حال الابتداء ،
__________________
(١) محمد بن المستنير تلميذ سيبويه ، وتقدم ذكره ؛
(٢) من الآية ٧٧ في سورة الحج ؛
(٣) في النسخة المطبوعة : لترحموا ، وهو مترتب على أنه ذكر آخر الآية لعلكم ترحمون ، وفي القرآن كثير من نحو لعلكم ترحمون ، ولعلكم تتقون ، ولكن لم يرد بعد : وافعلوا الخير ، الا : لعلكم تفلحون ، فتصحيح ما بعد أي : تابع لتصحيح الآية ؛
(٤) من الآية ١٧ في سورة الشورى ؛
(٥) الآية ٤٤ سورة طه ؛
(٦) الآية ٩٠ سورة يونس ؛
وكذا خبر «لا» التبرئة (١) ؛
ومذهب البصريين : عمل الحروف في المبتدأ والخبر معا ، لطلبها لهما معا ؛
ويجوز ، عند الفراء ، نصب الجزأين بليت ، نحو : ليت زيدا قائما ، لأنه بمعنى : تمنيت ، ومفعوله : مضمون الخبر مضافا إلى الاسم ، أي : تمنيت قيام زيد ، فنصبت الجزأين ، كما ذكرنا في علة نصب أفعال القلوب لهما ؛ ومن ثمّ جاز : ليت أن زيدا قائم ، كما جاز : علمت أنّ زيدا قائم ؛ فهي ، عنده ، كأفعال القلوب في العمل ، سواء (٢) ؛
واستشهد الفراء بقوله :
٨٢٥ ـ يا ليت أيام الصبا رواجعا (٣)
والبصريون يحملون «رواجعا» على الحالية ، وعامله : خبر «ليت» المحذوف ، أي : يا ليت أيام الصبا لنا ، رواجع ؛
والكسائي ، يقدر «كان» ، أي : يا ليت أيام الصبا كانت رواجع ؛ وهو ضعيف ، لأن «كان» و «يكون» ، لا يضمران إلا فيما اشتهر استعمالهما فيه ، فتكون الشهرة دليلا عليهما ، كما في قولهم : إن خيرا فخير (٤) ؛
ويجوز عند بعض أصحاب الفراء : نصب الجزأين بالخمسة الباقية ، أيضا ، كما رووا عنه عليه الصلاة والسّلام : «إنّ قعر جهنم لسبعين خريفا» ، وأنشدوا :
__________________
(١) أي : النافية للجنس وبينا وجه هذه التسمية في بابها ؛
(٢) أي هما سواء على ما اختاره الرضي ؛
(٣) من الشواهد المجهولة القائل ، وهو في سيبويه ج ١ ص ٢٨٤ ؛
(٤) تقدم شرحه وبيان ما فيه من أوجه الإعراب في باب خبر كان ، في الجزء الثاني ؛
٨٢٦ ـ كأنّ أذنيه إذا تشوّفا |
|
قادمة أو قلما محرّفا (١) |
وذلك ان اسم «كأنّ» مشبّه ، وخبره مشبّه به ، فهما مفعولان لشبّهت : الأوّل مفعول بلا جارّ ، والثاني مفعول بحرف جرّ ؛
وليس ما قالوا بمشهور ، وقد ردّ على هذا الشاعر وقت إنشاده هذا البيت ، وقال الممدوح (٢) : الصواب : تحسب أذنيه إذا تشوّفا قادمة .. ؛
فنقول : انّ «ليت» متضمنة معنى الفعل ، بخلاف أفعال القلوب ، فإنها أفعال صريحة ، فلا تصل بهذا التضمين الضعيف مرتبة نصب الجزأين ، بدلالة كون مضمونها مفعول فعل تضمّنه «ليت» ؛
وأمّا نحو قوله :
٨٢٧ ـ يا ليت أني وسبيعا في غنم |
|
والخرج منها فوق كرّاز أجمّ (٣) |
فأنّ ، مع اسمها وخبرها مغنية عن المعمولين ، لا أنها مفعول تمنيت ؛
وينبغي ، على ما ذهب إليه الأخفش في نحو : علمت أنّ زيدا قائم ، من تقدير المفعول الثاني : أن يقدّر ، أيضا ، ههنا ، خبر «ليت» ، والاعتراض كالاعتراض ؛
وأجاز الأخفش قياس «لعلّ» ، في مجيء «أنّ» المفتوحة بعدها على : «ليت» ، نحو : لعلّ أن زيدا قائم ؛ ولم يثبت ؛
__________________
(١) من رجز منسوب إلى العماني ، محمد بن ذؤيب ، ونسبه بعضهم إلى أبي نخيلة السعدي والصواب أنه لمحمد بن ذؤيب العماني نسبة إلى عمان بضم العين وتخفيف الميم ؛
(٢) الممدوح هو الرشيد العباسي ، قالوا : ان الحاضرين أدركوا أنه أخطأ ولم يصلحه إلا الرشيد ؛
(٣) رواه ابن السكيت في إصلاح المنطق ، وسبيع بصيغة التصغير اسم رجل ، والأجمّ الكبش الذي لا قرون له. ويختارونه لحمل خرج الراعي حتى لا يشتغل بالنطاح. والراعي يضع خرجه فوق ظهره فيسمونه الكراز أي حامل الكرز ؛
وأمّا نصب باقي أخوات «ليت» للجزأين ، فممنوع ؛ والمرويّ : إنّ قعر جهنم لسبعون خريفا ؛ وأمّا قوله : كأن أذنيه .. البيت ، فقد ذكرنا أنه مخطئ فيه ؛
قوله : «لها صدر الكلام» ؛ كل ما يغيّر معنى الكلام ويؤثر في مضمونه وكان حرفا ، فمرتبته الصدر ، كحروف النفي ، وأمّا «لا» و «لم» و «لن» فقد مرّ في المنصوب على شريطة التفسير (١) : علة جواز توسطها ، وكحروف التنبيه ، والاستفهام ، والتشبيه ، والتحضيض والعرض وغير ذلك ؛
وأمّا الأفعال ، كأفعال القلوب ، والأفعال الناقصة ، فإنها ، وإن أثّرت في مضمون الجملة ، فلم تلزم الصدر ، إجراء لها مجرى سائر الأفعال ؛
وإنما لزم تصدير المغيّر ، الدال على قسم من أقسام الكلام (٢) ؛ ليبني السامع ذلك الكلام من أوّل الأمر ، على ما قصد المتكلم ، إذ لو جوّزنا تأخير ذلك المغيّر فأخّر ، والواجب على السامع حمل الكلام الخالي عن المغيّر من أول الأمر على كون مضمونه خاليا عن جميع المغيّرات ، لتردّد ذهنه في أن هذا التغيير راجع إلى الكلام المتقدم الذي حمله على أنه خال عن جميع المغيّرات ، أو أن المتكلم يذكر بعد ذلك المغيّر كلاما آخر يؤثر فيه ذلك المغيّر ، فيبقى في حيرة ؛
وكل واحدة من هذه الأحرف تدل على قسم من أقسام الكلام ، بخلاف (٣) «انّ» المكسورة ، فإنها تؤكد معنى الجملة فقط. والتوكيد : تقوية الثابت ، لا تغيير للمعنى ، إلّا أنها ، مع ذلك حرف ابتداء ، كاللام ، فلذلك وجب تصديرها كاللام ؛ وأمّا «أن» المفتوحة ، فلكونها مع جزأيها في تأويل المفرد لكونها مصدرية ، وجب وقوعها مواقع المفردات ، كالفاعل والمفعول وخبر المبتدأ ، والمضاف إليه ، ولا تتصدّر ، وإن كانت في مقام المبتدأ الذي حقه الصدر ، لما ذكرنا في باب المبتدأ ؛
__________________
(١) في الجزء الأول من هذا الشرح ؛
(٢) يعني أن الحرف الذي يغير معنى الكلام ، هو قسم من أقسام الكلام ، لأنه كلمة ؛
(٣) قوله بخلاف يرجع إلى تغيير معنى الكلام ، وليس راجعا إلى كون «أن» من أقسام الكلام ؛
فليت ، ولعلّ ، وكأن ، وأنّ المفتوحة ، لا تدخل على مبتدأ في خبره معنى الطلب ، سواء كان ذلك الخبر مفردا أو جملة ؛
أمّا «ليت ولعل» ، فلأنهما لطلب مضمون الخبر ، فلا يتوجّه إلى ذلك المضمون طلب آخر ، إذ لا يجتمع طلبان على مطلوب واحد ؛
وأمّا «كأنّ» ، فلأن خبرها ، أبدا ، مفرد ، لأنه مشبّه به ، كما ذكرنا ، وهو إمّا ذات مذكورة شبّه بها الاسم ، نحو : كأن زيدا أسد ، أو مقدرة ، قامت الصفة مقامها نحو : كأنك قائم ، وكأنك قمت أو تقوم ، أو عندك ، أو في الدار ، كما ذكرنا ؛
والمفرد المتضمن لمعنى الطلب في كلامهم : اسم الاستفهام فقط ، فلو كان خبرها اسم الاستفهام لوجب تقديمه عليها ، فتسقط ، إذن ، عن مرتبة التصدر الواجب لها ، والصفة القائمة مقام ذلك الخبر المفرد لا تكون إلا خبرية ، لأن النعت ، كما مرّ في بابه ، لا يكون طلبيا ، ومن ثمّ أوّل نحو قوله :
جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط (١) ـ ٩٤
وأمّا «أن» المفتوحة ، فلأن وضعها لتكون مع جزأيها في تأويل المصدر ، والمصدر لا طلب فيه ؛
فتبيّن بهذا أنّ «أن» في نحو قولك : أمرته أن قم ، لا يجوز أن تكون مصدرية ، على ما أجاز سيبويه ، وأبو علي ، كما تقدم في نواصب المضارع (٢) ،
وأمّا «إنّ ، ولكنّ» ، فلا يمكن كون خبرهما مفردا متضمنا لمعنى الطلب لما مرّ في «كأن» ؛
وأمّا الجملة الطلبية ، كالأمر والنهي والدعاء ، والجملة المصدرة بحرف الاستفهام
__________________
(١) تكرر ذكره ، وقد صار ذكره عنوانا على إضمار القول في مثله ؛
(٢) في أوائل هذا الجزء ؛
والعرض والتمني ونحو ذلك ، فلا أرى منعا من وقوعها خبرا لهما ، كما في خبر المبتدأ ، وإن كان قليلا ، نحو : أن زيدا لا تضربه ، وإنك لا مرحبا بك ، وإن زيدا هل ضربته ، واضرب زيدا ولكنّ عمرا لا تضربه ، وقال :
٨٢٨ ـ ولو أرادت لقالت وهي صادقة |
|
ان الرياضة لا تنصبك للشيب (١) |
قوله : «وتلحقها «ما» فتلغى على الأفصح» ؛ إذا دخلت «ما» على «ليت» جاز أن تعمل ، وأن تلغى ، وروي قوله :
٨٢٩ ـ قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا |
|
إلى حمامتنا أو نصفه فقد (٢) |
رفعا ، ونصبا ، والإلغاء أكثر ، لأنها تخرج بما ، عن الاختصاص بالجملة الاسمية ، فالأولى ألّا تعمل ، كما تقدم في «ما» الحجازية ، وإذا أهملت فما ، كافة ؛ ومذهب الجمهور أن «ما» الكافة حرف ؛ وقال ابن درستويه (٣) : انها نكرة مبهمة بمنزلة ضمير الشأن ، فتكون اسما والجملة بعدها خبرها ؛
وإذا أعملت ، فما ، زائدة حرفية ، كما في قوله تعالى : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ)(٤) ،
وروى أبو الحسن (٥) وحده في : إنّما وأنّما : الإعمال والإلغاء ، والإعمال قليل فيهما
__________________
(١) من قصيدة للجميح الأسدي يذكر قبله أن رجلا حرض امرأته على الاضرار به فقال ولو أرادت وروي ولو أصابت ، لنصحت هذا الذي يحرضها بأن يترك الشيب ولا يفكر في رياضتهم وتهذيبهم لأن لهم من التجارب ما يغنيهم عن نصح غيرهم لهم ؛
(٢) هو من معلقة النابغة الذبياني وهو يشير إلى ما يرونه عن زرقاء اليمامة حيث رأت سربا من الحمام كان عدده ستا وستين حمامة فقالت هذا. ولذلك قال النابغة بعد ذلك ؛
فحسبوه فألفوه كما ذكرت |
|
ستا وستين لم تنقص ولم تزد |
(٣) تقدم ذكره في هذا الجزء وفي الأجزاء السابقة ؛
(٤) الآية ١٥٩ سورة آل عمران.
(٥) المراد الأخفش الأوسط : سويد بن مسعدة ؛ وكنيته أبو الحسن ؛
لضعف معنى الفعل فيهما ، لأن التأكيد الذي هو معناهما : تقوية للثابت ، لا معنى آخر متجدّد ؛
وعدم سماع الإعمال في : كأنما ، ولعلّما ، ولكنما ، وقياسها في الاعمال على : ليتما ، سائغ عند الكسائي وأكثر النحاة ، إذ لا فرق بينها وبين ليتما ؛ وإذا سمع في : إنما مع ضعف معنى الفعل فيها ، فما ظنك بهذه الحروف ، لكن الإلغاء أولى بالاتفاق ، لعدم السماع وفوات الاختصاص بسبب «ما» ؛
[تفصيل أحكام]
[هذه الحروف]
[إنّ وأنّ]
[قال ابن الحاجب :]
«فإنّ ، لا تغيّر معنى الجملة ، وأنّ مع صلتها في حكم»
«المفرد ، ومن ثمّ وجب الكسر في موضع الجمل ، والفتح»
«في موضع المفرد ، فكسرت ابتداء ، وبعد القول ، وبعد»
«الموصول ؛ وفتحت فاعلة ومفعولة ومبتدأة ، ومضافا إليها ،»
«وقالوا : لولا أنك ، لأنه مبتدأ ، ولو أنك ، لأنه فاعل ، فإن»
«جاز التقديران ، جاز الأمران ، مثل من يكرمني فإني أكرمه ،»
«و : إذا أنّه عبد القفا واللهازم وشبهه ، ولذلك جاز العطف»
«على اسم المكسورة لفظا أو حكما ، بالرفع ، دون المفتوحة ،»
«مثل : ان زيدا قائم وعمرو ، ويشترط معنى الخبر لفظا»
«أو تقديرا ، خلافا للكوفيين ، ولا أثر لكونه مبنيا ، خلافا»
«للمبرد والكسائي في مثل : انك وزيد ذاهبان ولكن ،»
«كذلك ؛ ولذلك دخلت اللام مع المكسورة ، دونها ، على»
«الخبر أو على الاسم إذا فصل بينه وبينها ، أو على ما بينهما ،»
«وفي لكنّ ، ضعيف ؛ وتخفف المكسورة ، فتلزمها اللام ،»
«ويجوز إلغاؤها ويجوز دخولها على فعل أفعال المبتدأ ،»
«خلافا للكوفيين في التعميم ؛ وتخفّف المفتوحة فتعمل في»