شرح الرضيّ على الكافية

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي

شرح الرضيّ على الكافية

المؤلف:

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي


المحقق: يوسف حسن عمر
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات مؤسّسة الصادق
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٢

واضرب الآخر ؛ ويندفع هذا الاحتمال بمثل القرينة التي في قوله تعالى : (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً)(١) ، إذ لا يجوز أن يريد : لا تطع واحدا منهما وأطع الآخر ، لقرينة الإثم والكفر ؛

فلفظة «أو» في جميع الأمثلة ، موجبة كانت ، أو ، لا ، مفيدة لأحد الشيئين أو الأشياء ، ثم معنى الوحدة في غير الموجب يفيد العموم ، فلم تخرج «أو» مع القطع بالجمع في الانتهاء (٢) في نحو : (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) ، عن معنى الوحدة التي هي موضوعة له ، والله أعلم ؛

وأمّا «إمّا» فهي بمعنى «أو» في جميع الأحكام المذكورة ، إلّا أن المعطوف عليه بإمّا ، لا بدّ أن يكون مصدّرا بإمّا أخرى ، نحو : جاءني إمّا زيد وإمّا عمرو ، فمبنى الكلام مع «إمّا» ، على أحد الشيئين ، أو الأشياء ، وأمّا مع «أو» فإن تقدم «إمّا» على المعطوف عليه ، نحو : جاءني إمّا زيد أو عمرو ، فالكلام مبني على ذلك ، وإن لم يتقدم ، جاز أن يعرض للمتكلم معنى أحد الشيئين بعد ذكر المعطوف عليه ، نقول مثلا : قام زيد ، قاطعا بقيامه ، ثم يعرض الشك ، أو قصد الإبهام فتقول : أو عمرو ؛ ويجوز أن يكون شاكا أو مبهما من أول الأمر ؛ وإن لم يأت بحرف دالّ عليه ، كما تقول مثلا : جاءني القوم ، وأنت عازم من أول الأمر على الاستثناء بقولك : إلّا زيدا ؛

فإمّا الثانية ، في كل كلام ، لا بدّ لها من تقدم «إمّا» أخرى داخلة على المعطوف عليه ، بخلاف «أو» ، فإنه يجوز فيه تقدم «إمّا» عليه ، وعدم تقدمها ، نحو : جاءني إمّا زيد أو عمرو ، و : جاءني زيد أو عمرو ؛

وقد جاءت «إمّا» غير مسبوقة بإمّا أخرى ، لكنها تقدّر ، حملا على الكثير الشائع من استعمالها ؛ أنشد الفرّاء :

__________________

(١) الآية ٢٤ سورة الدهر ؛

(٢) الانتهاء ، أي ما يستفاد من صيغة النهي وهو الامتثال ؛

٤٠١

٨٨٤ ـ تلمّ بدار قد تقادم عهدها

وإمّا بأموات ألمّ خيالها (١)

أي : إمّا بدار ، وإمّا بأموات ؛ وقد تخلف الثانية «إلّا» ، قال :

٨٨٥ ـ فإمّا أن تكون أخي بصدق

فأعرف منك غثي من سميني (٢)

وإلّا فاطّرحني واتخذني

عدوّا أتقيك وتتقيني

وتلزم الثانية الواو ، وربّما ترد بلا واو ، نحو خذ إمّا هذا ، إمّا ذاك ، قال :

٨٨٦ ـ يا ليتما أمّنا شالت نعامتها

إمّا إلى جنّة ، إمّا إلى نار (٣)

ويروى : إيما إلى جنة .. وهي لغة في إمّا ؛

وقالوا : إن «إمّا» لا تستعمل في النهي ، وحكى قطرب(٤) فتح همزة «إمّا» العاطفة ؛

وهي عند سيبويه (٥) : مركبة من : إن وما ، بدليل حذف «ما» للضرورة قال :

٨٨٧ ـ سقته الرّواعد من صيّف

وإن من خريف فلن يعدما (٦)

فارتكب الشاعر حذف «إمّا» الأولى ، وحذف «ما» من الثانية ؛

وقال :

__________________

(١) البيت للفرزدق من قصيدة مدح بها سليمان بن عبد الملك ، وصواب الرواية تهاض بدار ؛ وقبله :

وكيف بنفس كلما قلت أشرفت

على البرء من دهماء ، هيض اندمالها

(٢) من قصيدة المثقب العبدي التي أوّلها :

أفاطم قبل بينك متعيني

ومنعك ما سألت كأن تبيني

(٣) شالت نعامتها ، كناية عن موتها ، يتمنى موت أمه ، لأنها كانت نهته عن التزوج بامرأة معيّنة فعصاها وتزوجها فقالت أمه فيه شعرا تذمه وتذم تلك المرأة فقال أبياتا في ذم أمه ، قال البغدادي هو شاعر اسمه سعد بن قرط ويلقب بالنحيف ؛

(٤) هو محمد بن المستنير ، تلميذ سيبويه ، وتكرر ذكره ؛

(٥) سيبويه ج ١ ص ١٣٥ ؛

(٦) الرواعد : السحب المملوءة بالماء ، والمراد بالصيف والخريف الوقتان المعروفان من العام. والبيت من قصيدة للنمر بن تولب فيها كثير من المواعظ ، ومنها قوله :

فإن المنية من يخشها

فسوف تصادفه أينما

ومنها :

فلو أنّ من حتفه ناجيا

لألفيته الصدع الأعصما

وهو يريد بالصّدع الأعصم ، نوعا من الوعول الجبلية ، وهو مرجع الضمير في البيت الشاهد ؛

٤٠٢

٨٨٨ ـ لقد كذبتك نفسك فاكذبنها

فإن جزعا وإن إجمال صبر (١)

قال : التقدير : إمّا تجزع جزعا .. ؛

ولا منع من تغيّر معنى الكلمة وحالها بالتركيب ، كما مضى من كون : «ممّا» بمعنى «ربّما» ؛

وقال غيره : هو مفرد غير مركب ، إذ الإفراد أصل في الحروف ، وتأوّل البيتين بإن الشرطية ، وشرطها : «كان» ، المحذوفة ، أي : فإن كان جزعا ؛

ومنع أبو علي ، وعبد القاهر (٢) من كونها عاطفة ، لأن الأولى داخلة على ما ليس بمعطوف على شيء ، والثانية مقترنة بواو العطف ، فلا تصلحان للعطف ؛

وشبهة من جعلها حرف عطف : كونها بمعنى «أو» العاطفة ، ولا يلزم ذلك ، فإن معنى «أن» المصدرية هو معنى «ما» المصدرية ، والأولى تنصب المضارع ، بخلاف الثانية ؛

وقال الأندلسي (٣) : إمّا الأولى مع الثانية حرف عطف ، قدّمت تنبيها على أن الأمر مبني على الشك ، والواو جامعة بينهما ، عاطفة لإمّا الثانية على الأولى ، حتى تصيرا كحرف واحد ، ثم تعطفان معا : ما بعد الثانية على ما بعد الأولى ؛

وهذا عذر بارد من وجوه : لأن تقدم بعض العاطف على المعطوف عليه وعطف بعض العاطف على بعضه ، وعطف الحرف على الحرف ، غير موجودة (٤) في كلامهم ؛

__________________

(١) هكذا أورده الشارح : فاكذبنها ، بخطاب المفرد المذكر مؤكدا بالنون الخفيفة ، وهو كذلك في سيبويه ، وشرحه الأعلم على ذلك ، قال البغدادي ان الصواب أن يكون بخطاب المفردة المؤنثة : لقد كذبتك نفسك فاكذبيها .. قال وهو من قصيدة لدريد بن الصمة في رثاء معاوية بن عمرو ، أخي الخنساء ، والخطاب في البيت لها ؛ فهو يقول لها لقد كذبتك نفسك فيما أملت من حياة أخيك فلا تصدقيها بعد ذلك فيما تحدثك به ، فإمّا أن تجزعي وإما أن تصبري صبرا جميلا ؛

(٢ و ٣) تكرر ذكر هؤلاء جميعا ؛

(٤) أي هذه الأمور التي ذكرها ؛

٤٠٣

فالحقّ : أن الواو هي العاطفة ، و «إمّا» مفيدة لأحد الشيئين ، غير عاطفة ؛ والواو في نحو قوله : إمّا إلى جنة إما إلى نار : مقدّرة ؛

قوله : «وأم المتصلة ، لازمة لهمزة الاستفهام .. إلى آخره» ؛

اعلم أن «أم» على ضربين : متصلة ومنفصلة ، فالمتصلة تختص بثلاثة أشياء : أحدها تقدم الهمزة ، إمّا للاستفهام نحو : أزيد عندك أم عمرو ، أو للتسوية ، نحو : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ)(١) وقد يجيء شرح همزة التسوية ، وهذه الهمزة قد تكون مقدرة قبل «أم» المتصلة في الشعر ، قال :

٨٨٩ ـ لعمري ما أدري ، وإن كنت داريا

بسبع رمين الجمر أم بثمان (٢)

وقال :

٨٩٠ ـ لعمرك ما أدري وإن كنت داريا

شعيث ابن سهم أم شعيث ابن منقر (٣)

وقال :

٨٩١ ـ كذبتك عينك ، أم رأيت بواسط

غلس الظلام من الرّباب خيالا (٤)

وليس بكثير ؛

وربّما تجيء «هل» قبل المتصلة على الشذوذ ، نحو : هل زيد عندك أم عمرو ؛ وإنما لزمت الهمزة في الأغلب ، دون «هل» ، لأن «أم» المتصلة لازمة لمعنى الاستفهام وضعا ، وهي ، مع أداة الاستفهام التي قبلها ، بمعنى : أيّ الشيئين ، فشاركت همزة الاستفهام

__________________

(١) الآية ٦ سورة المنافقون ؛

(٢) من شعر عمر بن أبي ربيعة ، ويروى فو الله ما أدري .. وقبله :

بدالي منها معصم حين جمّرت

وكف خضيب زيّنت ببنان؟؟؟

جمّرت أي رمت الجمار ، في الحج ؛

(٣) شعيث بالثاء المثلثة في آخره ، لا بالباء الموحدة وسهم ، ومنقر من أسماء القبائل ، والبيت من شعر الأسود ابن يعفر ، كما قال سيبويه وقد أورد البيت في ج ١ ص ٤٨٥ ونسبه المبرد إلى اللعين المنقري ؛

(٤) مطلع قصيدة للأخطل التغلبي في هجاء جرير ، وردّ عليه جرير بمثلها وزنا وقافية ؛

٤٠٤

التي هي أيضا عريقة في باب الاستفهام ، وعادلتها حتى كانتا معا بمعنى «أيّ» ؛ وأمّا «هل» ، فإنها دخيلة في معنى الاستفهام ، لأن أصلها «قد» ، نحو قوله تعالى : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ)(١) ،

لمنقطعة ، فقد لا (٢) يتقدمها الاستفهام ، وقد يتقدمها الاستفهام بالهمزة أو بهل ، ولا نفع بعد غيرهما من أسماء الاستفهام ، إذا كان الاستفهام بأم عن اسم داخل في عموم اسم الاستفهام المتقدم ، وفي الحكم المنسوب إليه ، لأن أسماء الاستفهام إذا استفهم بها ، عمّت في الجميع فتغني عن كل استفهام بعدها ، فلا تقول : من عندك أم عندك عمرو ، لأن معنى قولك : أم عندك عمرو ، مستفاد من قولك : من عندك؟ ؛

وإذا لم يكن داخلا في عموم الاستفهام المتقدم ، نحو : من عندك أم عندك حمار ، وأين زيد أم عندك عمرو ؛ أو في الحكم المنسوب إليه نحو : من عندك أم ضربت عمرا ، ومن تضرب أم من تشتم : جاز وقوعها بعدها ،

وثانيها (٣) : أنه يجب أن يستفهم بها عن شيئين أو أشياء ، ثابت أحدهما ، أو أحدها عند المتكلم ، لطلب التعيين ، لأنها مع الهمزة بمعنى «أيّ» ويستفهم بأيّ ، عن التعيين ، فيكون المعطوف مع المعطوف عليه بتقدير استفهام واحد ، لأن المجموع بمعنى «أيّ» ، فجوابه بالتعيين ؛

وأما في المنقطعة ، فلا يثبت أحد الأمرين عند المتكلم ، بل ، ما قبل «أم» وما بعدها على كلامين ، لأنه اضراب عن الكلام الأوّل ، وشروع في استفهام مستأنف ، فهي ، إذن ، بمعنى «بل» التي تدل على أن الأول وقع غلطا في نحو قولهم : انها لإبل ، أم شاء ؛ أو بمعنى «بل» التي تكون للانتقال من كلام إلى كلام آخر ، لا لتدارك الغلط ، كما

__________________

(١) أول سورة الدهر ؛

(٢) تكررت الإشارة إلى ضعفه ؛

(٣) أي ثاني الأمور التي اختصت بها أم ؛

٤٠٥

في قوله تعالى : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ)(١) ، وقوله : (أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ)(٢) ، وفيها مع معنى «بل» معنى الهمزة الاستفهاميّة في نحو : انها لإبل ، أم شاء ، والهمزة الإنكارية في نحو : «أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ» ؛

وقد تجيء بمعنى «بل» وحدها ، كقوله تعالى : (أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ)(٣) ، إذ لا معنى للاستفهام ههنا ؛ وكذا إذا جاءت بعدها أداة الاستفهام كقوله تعالى : (أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ)(٤) وقوله تعالى : (أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ)(٥) ، وقوله :

٨٩٢ ـ أم كيف ينفع ما تعطى العلوق به

رئمان أنف ، إذا ما ضنّ باللبن (٦)

فهي في مثله بمعنى «بل» وحدها ، والمقصود أن الكلام معها على كلامين ، دون المتصلة ، ولهذا سمّيت منقطعة ، وسمّيت الأولى متصلة ، لكونهما مع الهمزة التي قبلها ، كأيّ ،

وجواب المنقطعة : لا ، أو : نعم ، لأنه استفهام مستأنف ؛

وثالثها (٧) : أنه يليها المفرد والجملة ، بخلاف المنقطعة ، فإنه لا يليها إلا الجملة ظاهرة

__________________

(١) الآية ٣ سورة السجدة ، ويوجد مثلها في مواضع أخرى ؛

(٢) الآية ١٦ سورة الزخرف ؛

(٣) الآية ٥٢ سورة الزخرف ؛

(٤) الآية ١٦ سورة الرعد ؛

(٥) الآية ٢٠ سورة الملك ؛

(٦) هذا آخر تسعة أبيات في المفضليات ، من شعر أفنون التغلبي واسمه أبو عمرو ، وهو شاعر جاهلي ؛ وقبل هذا البيت :

أنّى جزوا عامرا سوآى بفعلهم

أم كيف يجزونني السوآى من الحسن

يقول : أعجب من قومي ، كيف يعاملونني بالسوء في مقابلة ما أصنع معهم من الجميل ، ثم ضرب لهم مثلا في البيت الشاهد بالناقة العلوق وهي التي ترأم وتعطف بأنفهما من غير أن تدرّ اللبن ، وفي الخزانة كلام كثير عن معنى البيتين وأوجه الإعراب التي يمكن التخريج عليها ، وفيها حكاية عن مناظرة جرت بين الكسائي والأصمعي في إعراب قوله رئمان أنف ، حيث جوّز الكسائي فيه الرفع والنصب والجر ؛

(٧) أي الأمور التي اختصت بها أم ؛

٤٠٦

الجزأين ، نحو : أزيد عندك أم عندك عمرو ، أو مقدرا أحدهما نحو : انها لإبل أم شاء ، أي : أم هي شاء ؛

قال جار الله (١) : لا يجوز حذف أحد جزأي الجملة بعد المنقطعة في الاستفهام لئلا تلتبس بالمتصلة ، ويجوز في الخبر ، إذ لا يلتبس ؛

ثم اعلم أنه إذا ولى المتصلة مفرد ، فالأولى أن يلي الهمزة قبلها مثل ما وليها ، سواء (٢) ؛ لتكون «أم» مع الهمزة بتأويل «أيّ» ، والمفردان بعدهما بتأويل المضاف إليه «أيّ» ، فنحو : أزيد عندك أم عمرو ، بمعنى : أيّهما عندك ؛ و : أفي السوق زيد أم في الدار ، بمعنى : في أيّ الموضعين هو؟

وتجوز المخالفة بين ما ولياهما ، نحو : أعندك زيد أم عمرو ، و : أزيد عندك أم في الدار ، و : ألقيت زيد أم عمرا ، جوازا حسنا كما قال سيبويه (٣) ، لكن المعادلة أحسن ؛

وإن ولي «أم» والهمزة ، جملتان مشتركتان في أحد الجزأين ، فإن كانتا فعليتين مشتركتين في الفاعل ، نحو : أقمت أم قعدت ، و : أنام زيد أم انتبه ، فهي متصلة ، ويجوز مع عدم التناسب بين معنى الفعلين أن تكون منقطعة ، نحو : أقام زيد أم تكلّم ؛

وإن كانتا فعليتين متساويتي النظم ، مشتركتين في الفعل ، نحو : أقام زيد أم قام عمرو ، أو اسميتين كذلك مشتركتين في جزء ، نحو : أزيد قائم أم هو قاعد ، و : أزيد أخي أم عمرو هو ؛ فالأولى أن «أم» في الصور الثلاث منقطعة ، لأنك كنت قادرا على الاكتفاء بمفرد منها لو قصدت الاتصال ، والمفرد أدلّ على كونها متصلة ، وعلى كون ما قبلها وما بعدها في تقدير كلام واحد ؛ فلو أردت الاتصال قلت في الأولى ؛ أزيد قام أم عمرو ، وفي الأخيرتين أقائم زيد أم قاعد ، و : أزيد أخي أم عمرو ، فعدولك إلى الجملتين مع

__________________

(١) انظر ابن يعيش ج ٨ ص ٩٨ ؛

(٢) يعني هما سواء ؛

(٣) مباحث أم مع الهمزة ، في سيبويه ج ١ ص ٤٨٢ وما بعدها.

٤٠٧

القدرة على المفردين ، دليل الانفصال ؛

وأمّا في الفعليتين المشتركتين في الفاعل ، فلا تقدر على الاكتفاء بمفردين منهما ، لأن كل فعل لا بدّ له من فاعل ؛

وأمّا إن جئت بعدهما بجملتين غير مشتركتين في جزء ، نحو : أزيد قائم ، أم عمرو قاعد ، و : أقائم زيد أم قاعد عمرو ، و : أقام زيد أم قعد عمرو ، وكذا : أضرب زيد عمرا أم قتله خالد ، لأن المشترك فيه فضلة لا جزء جملة ؛ فالمتأخرون على أنها منفصلة ، لا غير ؛ والمصنف والأندلسيّ ، جوّزا الأمرين ، فإن كانت متصلة فالمعنى : أيّ هذين الأمرين كان ؛

وليس ما ذهبا إليه ببعيد ، بلى ، إن وقع الاختلاف بين الجملتين : إمّا بكون إحداهما اسمية والأخرى فعلية ، نحو : أقام زيد أم عمرو قاعد ، أو بتقديم خبر إحدى الاسميتين وتأخير خبر الأخرى نحو : أقائم زيد ، أم عمرو قاعد ، و : أبكر قائم ، أم قائم عمرو ، فالظاهر فيها الانفصال ؛

أمّا قوله تعالى : (سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ)(١) ، فجاز اختلاف الجملتين مع أنها متصلة لأمنهم من الالتباس بالمنقطعة ، لأن التسوية لا معنى فيها للمنفصلة ، فعلى هذا ، إن كان بعد «أم» مفرد لفظا ، وتقديرا ، فهي متصلة قولا واحدا ، وقبلها الهمزة في الأغلب لفظا أو تقديرا ؛ وإن كان بعدها جملة فإن لم يكن قبلها الهمزة لا ظاهرة ولا مقدرة فهي منقطعة قولا واحدا ، إلا في الشاذ القليل ، نحو : هل زيد قائم أم عمرو ؛ وإن كان قبلها الهمزة ميّزت المتصلة عن المنفصلة بما ذكرت لك الآن ؛

وقال سيبويه (٢) : «أم» في قولك : أزيد عندك أم لا : منقطعة ، كان عند السائل أنّ زيدا عنده فاستفهم ثم أدركه مثل ذلك ، الظن في أنه ليس عنده فقال : أم لا ؛ وإنما

__________________

(١) الآية ١٩٣ سورة الأعراف ؛

(٢) سيبويه ج ١ ص ٤٨٤ ؛

٤٠٨

عدّها منقطعة ، لأنه لو سكت على قوله : أزيد عندك لعلم المخاطب أنه يريد : أهو عندك أم ليس عندك ، فلا بدّ أن يكون لقوله : أم لا فائدة مجدّدة ، وهي تغيّر ظن كونه عنده إلى ظن أنه ليس عنده ، وهذا معنى الانقطاع والإضراب ؛

[شرح معنى التسوية]

[في الهمزة وأم]

وأمّا همزة التسوية وأم التسوية ، فهما اللتان تليان قولهم سواء وقولهم لا أبالي ، ومتصرفاته ، نحو ، قولك : سواء عليّ أقمت أم قعدت ، ولا أبالي أقام زيد أم قعد ؛ فعند النحاة : قولهم أقمت أم قعدت ، جملتان في تقدير مفردين معطوف أحدهما على الآخر بواو العطف ، أي سواء عليّ قيامك وقعودك ، فقيامك مبتدأ ، وقعودك عطف عليه ، وسواء خبر مقدم ؛

وقد أجاز أبو علي (١) ، أيضا ، أن يكون «سواء» مبتدأ ، و : أقمت أم قعدت خبره ، لكونهما في الظاهر فعلين ، قال أبو علي : إنما جعل الفعلان مع الحرفين في تأويل اسمين ، بينهما واو العطف ، لأن ما بعد همزة الاستفهام ، وما بعد عديلتها مستويان في علم المستفهم ، لأنك إنما تقول : أقمت أم قعدت ، إذا استوى عندك قيام المخاطب وقعوده ، فتطلب بهذا السؤال : التعيين ، فلما كان الكلام استفهاما عن المستويين ، أقيمت همزة الاستفهام وعديلتها مع ما بعدهما مقام المستويين ، وهما : قيامك وقعودك ، وهذا كما أقيم لفظ النداء مقام الاختصاص في : أنا أفعل كذا أيها الرجل ، لجامع الاختصاص ، فكل منادى مختص ، ولا ينعكس ، وكل استفهام بأم المتصلة تسوية ، ولا ينعكس ؛

والذي يظهر لي أن «سواء» في مثله ، خبر مبتدأ محذوف ، تقديره : الأمران سواء

__________________

(١) أي الفارسي وتقدم ؛

٤٠٩

عليّ ، ثم بيّن الأمرين بقوله : أقمت أم قعدت ؛ وهذا كما في قوله تعالى : (فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا ، سَواءٌ عَلَيْكُمْ) أي : الأمران سواء ؛

وسواء ، لا يثّنى ولا يجمع ، وكأنه في الأصل مصدر ؛ وحكى أبو حاتم تثنيته وجمعه ، وردّه أبو علي ؛

وقولك : أقمت أم قعدت بمعنى : إن قمت وإن قعدت ، والجملة الاسمية المتقدمة ، أي : الأمران سواء ، دالة على جواب الشرط ، أي : إن قمت ، وإن قعدت فالأمران سواء عليّ ؛ ولا شك في تضمن الفعل بعد سواء ، وما أبالي ، معنى الشرط ، ولذلك استهجن الأخفش ، على ما حكى أبو علي عنه في الحجة (١) : أن يقع بعدها الابتدائية ، نحو : سواء عليّ ، أو : ما أبالي : أدرهم مالك أم دينار ، ألا ترى إلى إفادة الماضي في مثله معنى المستقبل ، وما ذلك إلّا لتضمنه معنى الشرط ؛

وأمّا قوله تعالى : (سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ)(٢) فلتقدم الفعلية ، وإلّا لم يجز ؛

ومن وقوع الاسمية موقع الفعلية قوله تعالى : (هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ)(٣) ، أي : فلتستووا ، لتقدم الاستفهام الدال عليه ؛ ومن ذلك قوله :

لو بغير الماء حلقي شرق

كنت كالغصّان بالماء اعتصاري (٤) ـ ٦٤٤

وكذلك استقبح الأخفش وقوع المضارع بعدهما ، نحو : سواء عليّ أتقوم أم تقعد ، وما أبالي أتقوم أم تقعد ، لكون إفادة الماضي معنى الاستقبال أدلّ على إرادة معنى الشرط فيه ؛

__________________

(١) كتاب لأبي علي الفارسي في توجيه القراءات ، وتقدم ذكره ؛

(٢) آية الأعراف المتقدمة قبل قليل ؛

(٣) الآية ٢٨ سورة الروم ؛

(٤) تقدم ذكره ص ٥٥ في هذا الجزء ؛

٤١٠

قال أبو علي : ومما يدل على ما قال الأخفش : أنّ ما جاء في التنزيل من هذا النحو ، جاء على مثال الماضي ، قال الله تعالى : (سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا)(١) ، و : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ)(٢) ، و : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ)(٣) ؛ وقال :

٨٩٣ ـ سواء عليك اليوم ، أنصاعت النوى

بخرقاء ، أم أنحى لك السيف ذابح (٤)

وقال :

٨٩٤ ـ ما أبالي أنبّ بالحزن تيس

أم جفاني بظهر غيب لئيم (٥)

وأما قوله :

فإنك لا تبالي بعد حول

أظبي كان أمّك أم حمار (٦) ـ ٥١٢

فقد مرّ في باب كان ، أن تقديره : أكان ظبي كان أمك ، نحو : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ)(٧) ؛

وإنما أفادت الهمزة فائدة «ان» الشرطية ، لأن «إن» تستعمل في الأمر المفروض وقوعه ، المجهول في الأغلب ، فلا يقال : إن غربت الشمس ، وكذا حرف الاستفهام ، يستعمل فيما لم يتيقّن حصوله ، فجاز قيامها مقامها ، فجرّدت عن معنى الاستفهام ،

__________________

(١) الآية ٢١ سورة ابراهيم ؛

(٢) الآية ٢ سورة البقرة ؛

(٣) الآية ٦ سورة المنافقون ، وتقدمت ؛

(٤) من قصيدة لذي الرمة ، وخرقاء لقب كان يطلقه على ميّة التي يذكرها في مفتتح قصائده ، ويروى بصيداء وهو اسم امرأة أيضا وانصاع بمعنى رجع مسرعا ، وهو في البيت بهمزة استفهام حذفت لأجلها همزة الوصل ، وقوله : أنحى لك ، أي قصدك الذابح واتجه إليك بالسيف ؛

(٥) من قصيدة لحسان بن ثابت يفتخر فيها على عبد الله بن الزّبعري ومنها قوله :

ربّ حلم أضاعه عدم المال

وجهل غطّى عليه النعيم

والنبيب مصدر نبّ التيس أي صوّت عند هياجه ، والحزن ما غلظ من الأرض ، والمعنى : يستوي عند نبيب التيس في الأرض الخشنة وهجاء اللئيم لي ؛

(٦) تكرر ذكره وانظر فهرس الشواهد ؛

(٧) الآية ٦ سورة التوبة ؛

٤١١

وكذا «أم» ، جرّدت عن معنى الاستفهام وجعلت بمعنى «أو» ، لأنها مثلها في إفادة أحد الشيئين أو الأشياء ، فمعنى سواء عليّ أقمت أم قعدت : إن قمت أو قعدت ؛ ويرشدك إلى أن «سواء» سادّ مسدّ جواب الشرط ، لا خبر مقدّم : أن معنى سواء أقمت أم قعدت ، ولا أبالي أقمت أم قعدت ، في الحقيقة ، واحد ، و : لا أبالي ، ليس خبرا لمبتدأ ، بل المعنى : إن قمت ، أو قعدت فلا أبالي بهما ، وقول ابن سينا (١) :

٨٩٥ ـ سيّان عندي إن برّوا وإن فجروا

فليس يجري على أمثالهم قلم (٢)

يقوّي ذلك ؛ وإن لم يكن الاستشهاد بمثله مرضيّا ؛

وأمّا مجيء الهمزة وأم ، أو الهمزة وأو ، بعد باب : دريت وعلمت ، نحو : ما أدري أزيد عندك أم عمرو ، ولا أعلم أزيد عندك أو عمرو ، فليس من هذا الباب ، إذ لا معنى للشرط فيه ، كما في الذي نحن فيه ؛

وإن قصدت معنى التسوية في الشرط في غير لفظي سواء وما أبالي ، فالغالب التصريح بأو في موضع أم ، بلا همزة استفهام قبلها ، نحو : لأضربنّه قام أو قعد ، والمعنى ذلك المعنى ، والتقدير ذاك التقدير ، إذ المقصود : إن قام أو قعد فلأضربنّه ، أي قيامه وقعوده مستويان عندي ، لا يمنعني أحدهما من ضربه ؛

ويجب تكرير الشرط سواء كان مع «أو» أو مع «أم» ، لأن المراد : التسوية في الشرط بين شيئين أو أكثر ، فلا يجوز : ما أبالي قام ، ولا : لأضربنه قام ؛

__________________

(١ و ٢) الرئيس ابن سينا ، أبو علي : الحسين بن عبد الله بن سينا أحد حكماء العرب ومن أشهر فلاسفتهم وقد صرح الرضي بأن الاستشهاد بشعره ليس مرضيا ، قال البغدادي : كأن الشارح المحقق لم يحضره قول الفرزدق في قصيدته المشهورة التي مدح بها زين العابدين بن الحسين بن علي رضي الله عنهم ، وهو قوله :

لا ينقص العسر بسطا من أكفهم

سيان ذلك إن أثروا وإن عدموا

ولو استحضره لما عدل عنه إلى هذا البيت ؛ ثم ذكر ابن سينا ، وقال شيئا من تاريخه وأورد عددا من أبيات قصيدته التي منها هذا البيت وهي قصيدة يتحدث فيها ابن سينا عن نفسه ويذكر عدم إنصاف الزمان له.

ومساواته بمن لا يصل إلى درجته. وفيها مبالغة في الافتخار بنفسه وعلمه وفضله ، رحمه الله ؛

٤١٢

وإنما غلب في سواء ، وما أبالي : الهمزة وأم المتصلة ، مع أنه لا معنى للاستفهام ههنا ، بل المراد الشرط ، لأنّ بين لفظي : سواء ، ولا أبالي ؛ وبين معنى الهمزة وأم المتصلة جامعا ومناسبة ، وهو التسوية ، فهي التي جوّزت الإتيان بهما بعد اللفظين ، بتجريد الهمزة وأم عن معنى الاستفهام وجعلهما بمعنى : إن ، وأو ، كما تقدم ؛

ويجوز ، مع هذا ، بعد سواء ، ولا أبالي : أن تأتي بأو ، مجرّدا عن الهمزة نحو : سواء عليّ قمت أو قعدت ، ولا أبالي قمت أو قعدت ، بتقدير حرف الشرط ، قال :

٨٩٦ ـ ولست أبالي بعد آل مطرف

حتوف المنايا أكثرت أو أقلّت (١)

وقال أبو علي : لا يجوز «أو» بعد سواء ، فلا تقول : سواء عليّ قمت أو قعدت قال : لأنه يكون المعنى : سواء عليّ أحدهما ؛

ويرد عليه أن معنى «أم» ، أيضا ، أحد الشيئين أو الأشياء ، فيكون معنى سواء عليّ أقمت أم قعدت : سواء عليّ أيّهما فعلت ، أي الذي فعلت من الأمرين ، لتجرّد «أيّ» عن معنى الاستفهام وهذا أيضا ظاهر الفساد ؛

وإنما لزمه ذلك في أو ، وفي أم ، لأنه جعل «سواء» خبرا مقدما ، ما بعده مبتدأ ، والوجه كما ذكرنا أن يكون «سواء» خبر مبتدأ محذوف سادّ مسدّ جواب الشرط ؛

وجوّز الخليل (٢) في غير سواء ؛ ولا أبالي : أن يجري مجراهما فيذكر بعده «أم» والهمزة ، نحو : لأضربنّه : أقام أم قعد ، مستدلّا بصحة قولك : لأضربنّه : أيّ ذلك كان ، وهو بمعنى أقام أم قعد ، وليس ما قال ببعيد ، لأن معنى التسوية مع غيرهما ، أيضا ظاهر ، أي قيامه وقعوده مستويان عندي ، لا يمنعني أحدهما من ضربه ، كما تقدم ذكره ، قال :

__________________

(١) قال البغدادي بعد أن شرحه. انه من شواهد سيبويه التي لم يعرف لها قائل ؛ والبيت في سيبويه ج ١ ص ٤٩٠ من غير نسبة ، وكذلك في شرح الشواهد للأعلم ؛

(٢) نقله عنه سيبويه في ج ١ ص ٤٩٠ ؛

٤١٣

٨٩٧ ـ إذا ما انتهى علمي تناهيت عنده

أطال فأملى أم تناهى فأقصرا (١)

روي : أو تناهى ، فالهمزة في «أطال» ليست استفهامية ، بل : أطال ، ماض من الإطالة ، وروي : أم تناهى ، فالهمزة استفهامية ، وطال : ماض من الطول ؛

ولا تجئ بالهمزة قبل «أو» ، فلا تقل : لا أبالي أقمت أو قعدت ، ولا : لأضربنه أقام أو قعد ، لأنك إنما جئت بالهمزة مع «أم» وإن لم يكن فيها معنى الاستفهام ، لما فيها من معنى التسوية المطلوبة ههنا ؛ وليس في الهمزة مع «أو» معنى التسوية ؛

وقولك : لأقتلنّه كائنا من كان ، ولأفعلنّه كائنا ما كان ، «كائنا» فيهما ، حال من المفعول ، و «من» و «ما» في محل النصب على أنهما خبران لكائنا ، وهما موصوفان ، والضمير الراجع إليهما من الصفة محذوف أي : كانه ، وفي «كائنا» و «كان» ضمير راجع إلى ذي الحال ، أي : كائنا أيّ شيء كانه ؛

قال المصنف : كل موضع قدرت فيه الجملتان ، أي المعطوفة إحداهما على الأخرى : بالحال ، فأو ، نحو : لأضربنّه قام أو قعد ، إذ المعنى : قائما كان أو قاعدا ، وإن قدّر الكلام بالتسوية من غير استفهام ، فأم ، نحو : ما أبالي أقمت أم قعدت ؛ هذا كلامه ،

ولقائل أن يطالبه باختصاص معنى الحالية بأو ؛ وقد ذكرنا أن كل موضع يجوز فيه «أو» يجوز فيه «أم» وبالعكس ؛

واعلم أن الفرق بين «أو» و «أم» المتصلة ، في الاستفهام : أن معنى قولك : أزيدا رأيت أو عمرا : أأحدهما رأيت ، وجوابه : لا ، أو نعم ، ومعنى قولك : أزيدا رأيت أم عمرا : أيّهما رأيت ، وجوابه بالتعيين ، كأن تقول : زيدا ، أو تقول : عمرا ، فالسؤال

__________________

(١) أحد أبيات أربعة لزياد بن زيد العذري ، شاعر إسلامي ، قتله هدبة بن الخشرم وقتل به ، بسبب مهاجاة جرت بينهما ، ومن أبيات زياد هذه قوله :

ويخبرني عن غائب المرء هدبه

كفى الهدى عمّا غيّب المرء مخبرا

والهدى : السيرة ؛ وقد بيّن الرضي معنى البيت المستشهد به ؛

٤١٤

بأو ، لا يمكن أن يكون بعد السؤال بأم ، لأنك في «أم» عالم بوجود أحدهما عنده ، فكيف تسأل عما تعلم ؛

وتقول : أزيد أفضل أم عمرو ، أي : أيّهما أفضل من الآخر ، ففيه ذكر المفضول معنى ، ولو قلت : أزيد أفضل أو عمرو ، لم يجز ، الّا إذا كان المفضول معلوما للمخاطب ، إذ المعنى : أأحدهما أفضل ، وذلك إنما يكون إذا قال لك ، مثلا ، شخص : عندي رجل أفضل من بكر ، ثم حضر زيد وعمرو ، فتقول : أزيد ، أو عمرو أفضل ، أي : أأحدهما أفضل من بكر ؛

وحيث أشكل عليك الأمر في «أو» و «أم» المتصلة ، فقدّر «أو» ، ب «أحدهما» و «أم» ب «أيّهما» ؛ تقول : آلحسن أو الحسين أفضل ، أم ابن الحنفية (١) ، والمراد : أأحدهما أفضل من ابن الحنفية أم ابن الحنفية أفضل من أحدهما ، والمعنى : أيهما أفضل من أحدهما وابن الحنفية ، والجواب : أحدهما ؛

قوله : «ومن ثمّ لم يجز : أرأيت زيدا أم عمرا» ، أي لأنه لم يلهما المستويان إذ أحدهما فعل والآخر اسم ، وقد تقدّم أن سيبويه قال : إن مثل هذا جائز حسن إلّا أن نحو : أزيدا رأيت أم عمرا ، أحسن وأولى ،

قوله : «ومن ثمّ كان جوابها : التعيين» ، أي لكونها لطلب التعيين ؛

__________________

(١) هو أخو الحسن والحسين ، وأمّه من بني حنيفة ؛ تزوجها سيدنا علي رضي الله عنه بعد موت السيدة فاطمة الزهراء ، رضي الله عنهم جميعا ؛

٤١٥

[معنى : لا وبل ولكن]

[وشرط العطف بها]

[قال ابن الحاجب :]

«ولا ، وبل ، ولكن ، لأحدهما معيّنا ، ولكن لازمة للنفي» ؛

[قال الرضي :]

اعلم أن «لا» لنفي الحكم عن مفرد ، بعد إيجابه للمتبوع ، فلا تجيء إلّا بعد خبر موجب ، أو أمر ، ولا تجيء بعد الاستفهام والتمني والعرض والتحضيض ونحو ذلك ، ولا بعد النهي ؛ تقول : ضربت زيدا لا عمرا ، واضرب زيدا لا عمرا ؛ ولا تعطف بها الاسمية ، ولا الماضي على الماضي فلا يقال : قام زيد لا قعد ، لأنه جملة ، ولفظة «لا» موضوعة لعطف المفردات ، وقد تعطف مضارعا على مضارع ، وهو قليل ، نحو : أقوم ، لا أقعد ، والمجوّز : مضارعته للاسم ، فكأنك قلت : أنا قائم لا قاعد ؛

ولا يجوز تكريرها ، كسائر حروف العطف ، لا تقول : قام زيد لا عمرو ، لا بكر ، كما تقول : قام زيد وعمرو وبكر ، ولو قصدت ذلك : أدخلت الواو في المكرر ، فقلت : ولا بكر ولا خالد ، فتخرج «لا» عن العطف ، وتتمحّض لتأكيد النفي ، لدخول العاطف عليها ؛ وهذه الزائدة لا تدخل على العلم ؛ تقول أنت غير قائم ولا قاعد ، وغير القائم ولا القاعد ؛ ولا تقول : أنت غير زيد ولا عمرو ، بل تقول : غير زيد وعمرو ، وقد مرّ هذا في قسم الأسماء (١) ،

ومنع الزجّاج من مجيء «لا» العاطفة بعد الفعل الماضي ، وردّ عليه بقول امرئ القيس :

__________________

(١) عند الكلام على «غير» في باب الاستثناء ، في الجزء الثاني ؛

٤١٦

٨٩٨ ـ كأنّ دثارا حلّقت بلبونه

عقاب تنوفى ، لا عقاب القواعل (١)

تنوفى ، ثنيّة ، والقواعل : صغار الجبال ؛

وقال بعضهم «ليس» أيضا تكون عاطفة ، كلا ، قال :

وإذا أقرضت قرضا فاجزه

إنما يجزي الفتى ليس الجمل (٢) ـ ٧٢٧

والظاهر : أنها على أصلها ، والخبر محذوف ، أي : ليس الجمل جازيا ؛

وأمّا «بل» ، فإمّا أن يليها مفرد ، أو جملة ، وفي الأول هي لتدارك الغلط ، ولا يخلو أن تكون بعد نفي أو نهي ، أو بعد إيجاب أو أمر ؛

فإن جاءت بعد إيجاب أو أمر ، نحو : قام زيد ، بل عمرو ، فهي لجعل المتبوع في حكم المسكوت عنه ، منسوبا حكمه إلى التابع ، فيكون الإخبار عن قيام زيد ، غلطا ، يجوز أن يكون قد قام وأن لم يقم ، أفدت ببل أن تلفظك بالاسم المعطوف عليه ، كان غلطا ، عن عمد ، أو عن سبق لسان ؛

ونقل صاحب المغني (٣) عن الكوفيين : أنهم لا يجوّزون العطف ببل ، بعد الإيجاب ؛ والظاهر أنه وهم من الناقل ، فإنهم يجوّزون عطف المفرد بلكن بعد الموجب حملا على «بل» ؛ كما نقل عنهم ابن الأنباري والأندلسيّ (٤) ، فكيف يمنعون هذا ؛

وإذا عطفت ببل مفردا بعد النفي أو النهي ، فالظاهر أنها للإضراب أيضا ، ومعنى الإضراب : جعل الحكم الأوّل ، موجبا كان أو غير موجب : كالمسكوت عنه بالنسبة

__________________

(١) من قصيدة لامرئ القيس ، ودثار : راع للإبل ، يقول كأن هذا الراعي الذي سلبت منه ابله ، كأن أبله حلقت بها العقاب التي تأوي إلى أعالي الجبال ، مثل تنوفي ولم تأخذها العقاب التي تأوي إلى القواعل وهي الجبال المنخفضة ، التي يمكن الوصول إليها ؛

(٢) تقدم في باب الأفعال الناقصة ، ص ٢٠٩ في هذا الجزء ، وهو من شعر لبيد بن ربيعة ؛

(٣) منصور بن فلاح اليمني صاحب كتاب المغني في النحو ، وهو من معاصري الرضي ، وتكرر ذكره ؛

(٤) تقدم ذكر ابن الأنباري ، والأندلسي ؛

٤١٧

إلى المعطوف عليه ، ففي قولك : ما جاءني زيد ، بل عمرو ، أفادت «بل» أن الحكم على زيد بعدم المجيء كالمسكوت عنه ، يحتمل أن يصح هذا الحكم فيكون زيد غير جاء ، ويحتمل ألّا يصح فيكون قد جاءك ، كما كان الحكم على زيد بالمجيء في : جاءني زيد بل عمرو ، احتمل أن يكون صحيحا وألّا يكون ؛

وهذا الذي ذكرنا : ظاهر كلام الأندلسي ؛ وقال ابن مالك : بل ، بعد النفي والنهي ، كلكن ، بعدهما ؛ وهذا الإطلاق منه يعطي أن عدم مجيء زيد في قولك : ما جاءني زيد بل عمرو ، متحقق بعد مجيء «بل» ، أيضا ، كما كان كذلك في : ما جاءني زيد لكن عمرو ، بالاتفاق ، وبه قال المصنف ، لأنه قال في : ما جاءني زيد بل عمرو ، يحتمل إثبات المجيء لعمرو ، مع تحقق نفيه عن زيد ، والظاهر ما ذكرناه أوّلا ؛

وهذا كله حكم «بل» بالنظر إلى ما قبلها ، وأمّا حكم ما بعد «بل» ، الآتية بعد النفي أو النهي ، فعند الجمهور أنه مثبت ، فعمرو ؛ جاءك في قولك : ما جاءني زيد بل عمرو ، فكأنك قلت : بل جاءني عمرو ، ف «بل» ، أبطلت النفي والاسم المنسوب إليه المجيء ؛ قالوا : والدليل على أن الثاني مثبت ، حكمهم بامتناع النصب في : ما زيد قائما بل قاعد ، ووجوب الرفع كما مرّ في بابه ؛

وعند المبرّد : أن الغلط في الاسم المعطوف عليه فقط ، فيبقى الفعل المنفي مسندا إلى الثاني ، فكأنك قلت : بل ما جاءني عمرو ، كما كان في الإثبات : الفعل الموجب مسندا إلى الثاني ؛

وإذا ضممت «لا» إلى «بل» بعد الإيجاب أو الأمر ، نحو : قام زيد ، لا بل عمرو ، و : اضرب زيدا ، لا بل عمرا ، فمعنى «لا» يرجع إلى ذلك الإيجاب أو الأمر المتقدم ، لا إلى ما بعد «بل» ، ففي قولك : لا بل عمر ، نفيت بلا : القيام عن زيد ، وأثبتّه لعمرو ببل ، ولو لم تجئ بلا ، لكان قيام زيد كما ذكرنا ، في حكم المسكوت عنه ، يحتمل أن يثبت وألّا يثبت ، وكذا في الأمر ، نحو : اضرب زيدا ، لا بل عمرا ، أي : لا تضرب زيدا ، بل اضرب عمرا ، ولولا «لا» المذكورة ، لاحتمل أن يكون أمرا بضرب زيد ، وألّا يكون مع الأمر بضرب عمرو ، وكذا «لا» الداخلة على «بل» بعد النهي والنفي :

٤١٨

راجعة إلى معنى ذلك النفي أو النهي ، مؤكدة لمعناهما ، وما بعد «بل» باق على الخلاف المذكور ، بين المبرد والجمهور ؛

ولا تجيء «بل» المفردة (١) ، العاطفة للمفرد ، بعد الاستفهام ، لأنها لتدارك الغلط الحاصل من الجزم بحصول مضمون الكلام أو طلب تحصيله ولا جزم في الاستفهام ، لا بحصول شيء ، ولا بتحصيله ، حتى يقع الغلط فيتدارك ؛

وكذا قيل : إنها لا تجيء بعد التحضيض والتمني والترجّي والعرض ؛ والأولى أنه يجوز استعمالها بعد ما يستفاد منه معنى الأمر والنهي ، كالتحضيض والعرض ؛

وأمّا «بل» التي تليها الجمل ، ففائدتها الانتقال من جملة إلى أخرى ، أهمّ من الأولى ، وقد تجيء للغلط (٢) ، والأولى تجيء بعد الاستفهام أيضا كقوله تعالى : (أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ)(٣) ، إلى قوله : (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ) والتي لتدارك الغلط نحو : ضربت زيدا ، بل أكرمته ، وخرج زيد ، بل دخل خالد ؛ وقد تشترك الجملتان في جزء ، وقد لا (٤) تشتركان ؛

وأما لكن فشرطها مغايرة ما قبلها لما بعدها ، نفيا وإثباتا ، من حيث المعنى ، لا من حيث اللفظ ، كما مرّ في المثقّلة ؛ فإذا عطفت بها المفرد ، ولا يكون في ذلك المفرد معنى النفي ، لأن حروف النفي إنما تدخل الجمل ، وجب أن يكون «لكن» بعد النفي ، لتغاير ما بعدها لما قبلها ، نحو : ما جاءني زيد لكن عمرو ؛ وقد مرّ معنى الاستدراك في المشدّدة ، فعدم مجيء زيد ، باق على حاله ، لم يكن الحكم به منك غلطا ، وإنما جئت بلكن ، دفعا لتوهم المخاطب أن عمرا ، أيضا ، لم يجئ كزيد ، فهي في عطف المفرد نقيضة «لا» لأنها للإثبات للثاني بعد النفي عن الأول ، و «لا» للنفي عن الثاني بعد الاثبات للأول ؛

__________________

(١) أي التي ليس معها «لا» ؛

(٢) أي لتدارك الغلط في الكلام الذي قبلها ؛

(٣) الآيتان ١٦٥ ، ١٦٦ ، سورة الشعراء ؛

(٤) الفصل بين قد والفعل بلا ، أسلوب لا تقره القواعد ؛

٤١٩

وأجاز الكوفيون مجيء «لكن» العاطفة للمفرد بعد الموجب أيضا ، نحو : جاءني زيد لكن عمرو ، حملا على «بل» ، وليس لهم به شاهد ، وكون وضع «لكن» لمغايرة ما بعدها لما قبلها يدفع ذلك ، إلّا أن : لا يسلّموا هذا الوضع ؛

وإذا وليها جملة ، وجب ، أيضا : المغايرة المذكورة ، كما ذكرنا في المشدّدة ، وتقع بعد جميع أنواع الكلام ، إلا بعد الاستفهام والترجّي والتمني والعرض والتحضيض ، على ما قيل ؛

وذهب يونس إلى أنها في جميع مواقعها مخففة من الثقيلة وليست بحرف عطف ، وليها مفرد أو جملة ، وذلك لجواز دخول الواو عليها ، ففي المفرد يقدر العامل بعدها ؛

ويشكل ذلك عليه ، إذا وليها مجرور بلا جارّ ، نحو : ما مررت بزيد لكن عمرو ؛ فالأولى ، كما قال الجزولي : إنها في المفرد عاطفة إن تجرّدت عن الواو ، وأمّا مع الواو فالعاطفة هي الواو ، و «لكن» لمجرّد الاستدراك ، واختار فيما بعدها الجمل أن تكون مخففة لا عاطفة ، صحبتها الواو أو ، لا ، لموافقتها الثقيلة في مجيء الجملة بعدها ، وهي مع الواو ليست عاطفة اتفاقا ، وأمّا المجرّدة عنها فإن وليها المفرد فعاطفة ، خلافا ليونس ، وإن وليها جملة فقيل عاطفة ، وهو ظاهر مذهب الزمخشري (١) ، فلا يحسن الوقف على ما قبلها ، وقيل مخففة ، كما هو مذهب الجزولي ، فيحسن الوقف على ما قبلها ، لكونها حرف ابتداء ؛

__________________

(١) انظر عبارته في المفصل وشرح ابن يعيش عليه ، ج ٨ ص ١٠٤ ؛

٤٢٠