شرح الرضيّ على الكافية

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي

شرح الرضيّ على الكافية

المؤلف:

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي


المحقق: يوسف حسن عمر
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات مؤسّسة الصادق
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٢

[حروف التنبيه]

[ألا ـ أما ـ ها]

[قال ابن الحاجب :]

«حروف التنبيه : ألا وأما ، وها» ؛

[قال الرضي :]

اعلم أن «ألا» و «أما» ، حرفا استفتاح يبتدأ بهما الكلام ، وفائدتهما المعنوية : توكيد مضمون الجملة ، وكأنهما مركبتان من همزة الإنكار وحرف النفي ، والإنكار نفي ، ونفي النفي إثبات ، ركّب الحرفان لإفادة الإثبات والتحقيق ، فصارا بمعنى «إنّ» ، الّا أنهما غير عاملين ؛ يدخلان على الجملة ، خبرية كانت أو طلبية ، سواء كانت الطلبية أمرا أو نهيا ، أو استفهاما ، أو تمنّيا ، أو غير ذلك ؛

وتختصان بالجملة بخلاف «ها» ، وفائدتهما اللفظية كون الكلام بعدهما مبتدأ به ، وقد نسب التنبيه إليهما ، كما هو مذهب المصنف في هذا الكتاب ،

وتدخل «ألا» كثيرا على النداء ، و «أما» كثيرا على القسم ، وقد تبدل همزة «أما» هاء ، وعينا ، نحو : هما ، وعما ، وقد تحذف ألفها في الأحوال الثلاث ، نحو : أم ، وهم ، وعم ؛

وقد تجيء «ألا» عند الخليل حرف تحضيض (١) ، أيضا كما ذكرنا عنه في قوله :

ألا رجلا جزاه الله خيرا (٢) ... ـ ١٥٨

__________________

(١) في سيبويه ج ١ ص ٣٥٩ ، أنها بمنزلة هلا ، وليس على التمني ، الخ وفيها الشاهد الآتي ؛

(٢) تقدم الاستشهاد به أكثر من مرة ، وانظر فهرس الشواهد في آخر الكتاب ؛

٤٢١

وقد جاءت «أما» بمعنى «حقّا» فتفتح «أنّ» بعدها كما مرّ في باب «انّ» ، وأمّا «أما» و «ألا» للعرض ، فهما حرفان يختصان بالفعل ولا شك في كونهما ، إذن ، مركبين من همزة الإنكار وحرف النفي ، وليستا كحرفي الاستفتاح ، لأنهما بعد التركيب تدخلان على الجملتين : الاسمية والفعلية بلا خلاف ، واللتان للعرض تختصان بالفعلية على الصحيح ، كما قال الأندلسيّ ؛

وأجاز المصنف دخولهما على الاسمية أيضا ، كما مرّ في باب «لا» التبرئة ؛

وأمّا «ها» فتدخل ، من جميع المفردات ، على أسماء الإشارة كثيرا ، لما ذكرنا في بابها ؛ ويفصل كثيرا ، بين أسماء الإشارة وبينها ، إمّا بالقسم نحو : ها الله ذا ، وقوله :

تعلّمن ، ها ، لعمر الله ، ذا قسما

فاقصد بذرعك وانظر أين تنسلك (١) ـ ٤٠٠

وإمّا بالضمير المرفوع المنفصل ، نحو : (ها أَنْتُمْ أُولاءِ)(٢) وبغيرهما قليلا ، نحو قوله :

ها إن تا عذرة إن لم تكن نفعت

فإن صاحبها قد تاه في البلد (٣) ـ ٤٠١

وقوله :

ونحن اقتسمنا المال نصفين بيننا

فقلت لهم هذا لها ، ها وذاليا (٤) ـ ٤٠٢

أي : وهذا ليا ؛

ومذهب الخليل (٥) أن «ها» المقدمة في جميع ذلك ، كانت متصلة باسم الإشارة ؛ أي كان القياس : الله هذا ، ولعمرك هذا قسما ، وانتم هؤلاء ، وإن هاتا عذرة ؛ والدليل على أنه فصل حرف التنبيه عن اسم الإشارة ما حكى أبو الخطاب (٦) عمّن يوثق به : هذا

__________________

(١) تقدم ذكره في باب اسم الإشارة ، آخر الجزء الثاني ؛

(٢) الآية ١١٩ سورة آل عمران ؛

(٣) تقدم ذكره في الموضع المذكور قبله ؛

(٤) وهذا أيضا ، والأبيات الثلاثة متوالية هناك كما هي هنا ؛

(٥) انظر سيبويه : ج ١ ص ٣٧٩ ؛

(٦) الأخفش الأكبر ، شيخ سيبويه ، وتقدم له ذكر ؛

٤٢٢

أنا أفعل ، وأنا هذا أفعل ، في موضع : ها أنا ذا أفعل ، وحدّث يونس (١) : هذا أنت تقول كذا ؛

واعلم أنه ليس المراد بقولك : ها أنذا أفعل : أن تعرّف المخاطب نفسك وأن تعلمه أنك لست غيرك ، لأن هذا محال ، بل المعنى فيه وفي : ها أنت ذا تقول وها هو ذا يفعل : استغراب وقوع مضمون الفعل المذكور بعد اسم الإشارة من المتكلم أو المخاطب أو الغائب ، كأنّ معنى : ها أنت ذا تقول ، وها أنت ذا يضربك زيد : أنت هذا الذي أرى لا من كنا نتوقع منه ألّا يقع منه أو عليه مثل هذا الغريب ، ثم بينت بقولك : تقول ، وقولك : يضربك زيد : الذي استغربته ولم تتوقعه ، قال الله تعالى : (ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ)(٢) ، فالجملة بعد اسم الإشارة لازمة ، لبيان الحالة المستغربة ، ولا محلّ لها ، إذ هي مستأنفة ؛

وقال البصريون هي في محل النصب على الحال ، أي : ها أنت ذا قائلا ، قالوا : والحال ههنا لازمة ، لأن الفائدة معقودة بها ، والعامل فيها حرف التنبيه ، أو اسم الإشارة ؛

ولا أرى للحال فيه معنى ، إذ ليس المراد : أنت المشار إليه في حال قولك ؛

وجوّز بعضهم أن تكون «ها» المقدّمة في نحو : ها أنت ذا تفعل : غير منوي دخولها على «ذا» ، استدلالا بقوله تعالى : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ ...)(٣) ولو كانت هي التي كانت مع اسم الإشارة ، لم تعد بعد «أنتم» ؛

ويجوز أن يعتذر للخليل بأن تلك الإعادة للبعد بينهما ، كما أعيد : (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ) لبعد قوله تعالى : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ)(٤) ؛ وأيضا قوله تعالى : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ) ، دليل على أن المقصود في (ها أَنْتُمْ أُولاءِ) هو الذي كان مع اسم الإشارة ، ولو كان في

__________________

(١) نقله عنه سيبويه في الموضع السابق : ج ١ ص ٣٧٩ ؛

(٢) الآية المتقدمة من سورة آل عمران ؛

(٣) الآية ٦٦ سورة آل عمران ، ومثلها الآية ١٠٩ في سورة النساء ؛

(٤) الآية ١٨٨ من سورة آل عمران ؛

٤٢٣

صدر الجملة من الأصل ، لجاز من غير اسم الإشارة نحو : ها أنت زيد ؛

وما حكى الزمخشري من قولهم : ها إن زيدا منطلق ، وها ، افعل كذا (١) ، ممّا لم أعثر له على شاهد ؛

فالأولى أن نقول : ان هاء التنبيه مختص باسم الإشارة ، وقد يفصل عنه كما مرّ ، ولم يثب دخولها في غيره ، من الجمل والمفردات ؛

وقد عدّ ابن مالك «يا» من حروف التنبيه ، قال (٢) : وأكثر ما يليها. منادى أو أمر ، نحو : (أَلَّا يَسْجُدُوا)(٣) أو تمنّ نحو : (يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ)(٤) أو تقليل نحو :

ما ويّ يا ربّتما غارة (٥) ... ـ ٧٤٤

وقد يليها فعل المدح والذم والتعجّب ؛

ومن جعلها حرف نداء فقط ، قدّر في جميع هذه المواضع منادى ، بخلاف من جعلها حرف تنبيه ؛

ولجميع حروف التنبيه صدر الكلام ، كما للاستفهام ، كما تقدم ، إلّا «ها» الداخلة على اسم الإشارة غير مفصولة ، فإنها تكون ، إمّا في الأول ، أو الوسط ، بحسب ما يقع اسم الإشارة ؛

__________________

(١) انظر عبارته في شرح ابن يعيش ج ٨ ص ١١٣ ؛

(٢) قاله ابن مالك في التسهيل ، حروف النداء ؛

(٣) الآية ٢٥ سورة النمل ؛

(٤) الآية ٧٣ سورة النساء ؛

(٥) تقدم في هذا الجزء ص ٢٤١ ؛

٤٢٤

[حروف النداء]

[قال ابن الحاجب :]

«حروف النداء ، يا : أعمها ، وأيا ، وهيا ، للبعيد ، وأي»

«والهمزة للقريب» ؛

[قال الرضي :]

وقد تنوب «وا» مناب «يا» في النداء ، والمشهور استعمالها في الندبة ،

وقد جاء «آ» بهمزة بعدها ألف ، و : «آي» بهمزة بعدها ألف ، بعدها ياء ساكنة ؛ فيا : أعمّها ، أي ينادى بها القريب والبعيد ، وقال الزمخشري (١) : هي للبعيد ، قال : وأمّا يا ألله ، ويا ربّ ، مع كونه تعالى أقرب إلى كل شخص من حبل وريده ؛ فلاستصغار الداعي لنفسه واستبعاده لها عن مرتبة المدعوّ تعالى ؛

وما ذكره المصنف : أولى ، لاستعمالها في القريب والبعيد على السواء ، ودعوى المجاز في أحدهما ، أو التأويل خلاف الأصل ؛

وأيا ، وهيا وآ ، وآي ، ووا ، في البعيد ، وأي ، والهمزة ، في القريب ؛

__________________

(١) شرح ابن يعيش على المفصل : ج ٨ ص ١١٨ ؛

٤٢٥

[حروف الإيجاب]

[ألفاظها ، الفرق بينها في]

[الاستعمال]

[قال ابن الحاجب :]

«حروف الإيجاب : نعم ، وبلى ، وإي ، وأجل ، وجير»

«وإنّ ؛ فنعم مقرّرة لما سبقها ، وبلى ، مختصة بإيجاب»

«النفي ، وإي ، إثبات بعد الاستفهام ، ويلزمها القسم وأجل ،»

«وجير ، وإنّ ، تصديق للخبر» ؛

[قال الرضي :]

قوله : «مقررة لما سبقها» ، أي مثبتة لما سبقها من كلام خبري سواء كان موجبا نحو : نعم في جواب من قال قام زيد ، أي : نعم قام ، أو منفيا ، نحو نعم ، في جواب من قال : ما قام زيد ، أي : نعم ما قام ؛ وكذا تقرّر ما بعد حرف الاستفهام مثبتا كأن ، نحو نعم في جواب من قال أقام زيد ، أي نعم قام ، أو منفيا نحو نعم في جواب من قال ألم يقم زيد ، أي : نعم ، لم يقم ؛

فنعم ، بعد الاستفهام ليست للتصديق ، لأن التصديق إنما يكون للخبر ، فالأولى أن يقال : هي بعد الاستفهام ، لإثبات ما بعد أداة الاستفهام نفيا كان أو إثباتا ، ومن ثمّ قال ابن عباس رضي الله عنهما : لو قالوا في جواب : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ)(١) : نعم ، لكان كفرا ؛ فيصحّ بهذا الاعتبار ، أن يقال لها حرف إيجاب ، أي إثبات ما بعد حرف الاستفهام لكن الأظهر في الاستعمال أن يقال : الإيجاب في الكلام المثبت ، لا المنفي ، والمستفهم عنه ؛

__________________

(١) الآية ١٧٢ سورة الأعراف ؛

٤٢٦

وجوّز بعضهم إيقاع نعم موقع بلى ، إذا جاءت بعد همزة داخلة على نفي لفائدة التقرير ، أي الحمل على الإقرار والطلب له ، فيجوز أن يقال في جواب : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ)(١) و : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ)(٢) : نعم ؛ (٣) لأن الهمزة للإنكار دخلت على النفي فأفادت الإيجاب ، ولهذا عطف على : (أَلَمْ نَشْرَحْ) قوله : (وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ)(٤) ، فكأنه قال : شرحنا لك صدرك (وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ ،) فتكون «نعم» في الحقيقة ، تصديقا للخبر المثبت المؤوّل به الاستفهام مع النفي ؛ لا تقريرا لما بعد همزة الاستفهام ، فلا يكون جوابا للاستفهام لأن جواب الاستفهام يكون بما بعد أداته ؛ بل هو كما لو قيل قام زيد بالإخبار ، فتقول : نعم ، مصدقا للخبر المثبت ، فالذي قاله ابن عباس رضي الله عنهما ، مبني على كون «نعم» تقريرا لما بعد الهمزة ، والذي جوّزه هذا القائل ، مبني على كونه تقريرا لمدلول الهمزة مع حرف النفي ، فلا يتناقض القولان ؛

والدليل على جواز استعمال ما قال هذا القائل ، قول الشاعر :

٨٩٩ ـ أليس الليل يجمع أمّ عمرو

وإيّانا فذاك لنا تداني (٥)

نعم ، وأرى الهلال كما تراه

ويعلوها النهار كما علاني

أي : أنّ الليل يجمع أمّ عمرو وإيّانا ، نعم (٦) ، وقد اشتهر في العرف ما قال هذا لقائل ، فلو قيل لك : أليس لي عليك دينار ، فقلت : نعم ، لزمت بالدينار بناء على العرف الطارئ على الوضع ؛

__________________

(١) الآية السابقة ألست بربكم ؛

(٢) أول سورة الشرح ؛

(٣) مرتبط بقوله : فيجوز أن يقال .. فلفظ نعم نائب فاعل ؛

(٤) الآية الثانية من سورة الشرح ؛

(٥) من قصيدة لجحدد بن مالك الحنفي ، قالها وهو في سجن الحجاج الثقفي ، وبعد البيتين المستشهد بهما :

فما بين التفرق غير سبع

بقين من المحرّم أو ثمان

ومنها قوله :

فان أهلك فربّ فتى سيبكي

عليّ مهذب رخص البنان

(٦) ذكر كلمة نعم بعد شرحه لمعنى البيتين : فائدته التوكيد ؛

٤٢٧

وفي «نعم» أربع لغات : المشهورة ، فتح النون والعين ، والثانية : كسر العين ، وهي كنانية ، والثالثة كسر النون والعين ، والرابعة : نحم ، بفتح النون وقلب العين المفتوحة حاء ، كما قلبت الحاء عينا في «حتى» ،

وتقع «نعم» في جواب الأمر ، نحو : نعم لمن قال : زرني ، أي : أزورك ، وتقول نعم لمن قال : لا تضربني ، أي : لا أضربك ، ولو قلت نعم ، في جواب التحضيض نحو : هلّا تزورني ، كان المعنى : الإيجاب ، أي نعم ، أزورك ، وكذا في جواب العرض نحو : ألا تزورنا ؛

قوله : «وبلى مختصّة بإيجاب النفي» ، يعني أن «بلى» تنقض النفي المتقدم ، سواء كان ذلك النفي مجرّدا ، نحو : بلى في جواب من قال : ما قام زيد ، أي : بلى ، قد قام ، أو كان مقرونا باستفهام ، فهي إذن ، لنقض النفي الذي بعد ذلك الاستفهام كقوله تعالى : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى)(١) أي بلى أنت ربنا ؛

وزعم بعضهم أن «بلى» تستعمل بعد الإيجاب مستدلّا بقوله :

٩٠٠ ـ وقد بعدت بالوصل بيني وبينها

بلى ، إنّ من زار القبور ليبعدا (٢)

أي : ليبعدن ، بالنون الخفيفة ؛ واستعمال «بلى» في البيت لتصديق الإيجاب : شاذ ؛

وزعم الفرّاء أن أصلها «بل» زيدت عليها الألف للوقف ، فلذا كانت للرجوع عن النفي ، كما كانت «بل» للرجوع عن الجحد في : ما قام زيد ، بل عمرو ؛ والأولى كونها حرفا برأسها ؛

__________________

(١) آية الأعراف المتقدمة ؛

(٢) قوله : ليبعدا بلام التأكيد ، وآخره نون خفيفة مبدلة ألفا ، قال البغدادي انه لم ير هذا البيت (يعني بصورته هذه) إلا في شرح الرضي هذا ثم قال : وجاء عجزه في شعر الطهوي وهو :

فلا تبعدن يا خير عمرو بن جندب

بلى ، إنّ من زار القبور ليبعدا

ولم يذكر من المراد بالطهوي ؛

٤٢٨

ولا يجاب بنعم وبلى ، ولا بغيرهما من حروف الإيجاب : استفهام الّا إذا كان بالحرف ، وهو الهمزة وهل ؛ وأمّا الأسماء الاستفهامية ، فانّ جواب «من» : ما هو أخصّ منه ، فلو قلت في جواب ، من جاءك : شخص أو إنسان ، لم يجز ، لأن الأول أعمّ ، والثاني مساو ، فلم تعرّف السائل ما لم يعرفه ، بل تقول إمّا : رجل ، أو : زيد ، وكذا «من» الداخلة على الاسم ، كما يقال : من الرجل ، فتقول : زيد ، أو : واحد من بني تميم ؛

وأمّا جواب «ما» ، فإن كان سؤالا عن الماهية ، فنحو : إنسان ، أو فرس ، أو بقر ، أو غير ذلك من الأنواع ؛

وإن كان سؤالا عن صفة الماهية ، نحو : ما زيد ، فنحو : عالم ، أو ظريف ، أو فارس ، كما تقدم في الموصولات (١) ؛

وجواب «أيّ» المضاف إلى المعارف : معرفة نحو : زيد أو عمرو ، أو : أنا ، أو : ذاك ، في جواب من قال : أيّ الرجال فعل ذلك ، أو نكرة مختصة بالوصف ، نحو : رجل رأيته في موضع كذا ؛

وجواب «أيّ» المضاف إلى النكرة : ما يصلح وصفا لتلك النكرة نحو : عالم ، أو كاتب ، في جواب : أيّ رجل ، أو نكرة مخصّصة بالنّعت ؛

وجواب «كيف» ، لا يكون إلا نكرة ، وجواب «كم» تعيين العدد ، معرفة كان أو نكرة ؛ ومنع ابن السرّاج كونه معرفة ؛

وجواب «متى» و «أيّان» : تعيين الزمان دون المبهم منه ، وجواب «أين» و «أنّى» : المكان الخاص ، وجواب الهمزة مع «أم» الاسم وجواب الهمزة وحدها ، أو مع «أو» وجواب «هل» : نعم أو : بلى أو : لا ؛

قوله : «وإي ، إثبات بعد الاستفهام ويلزمها القسم» ؛

__________________

(١) في أول الجزء الثالث من هذا الشرح ؛

٤٢٩

لا شك في غلبة استعمالها مسبوقة بالاستفهام ، وذكر بعضهم أنها تجيء لتصديق الخبر ، أيضا ؛ وذكر ابن مالك (١) أن «إي» بمعنى «نعم» فإن أراد أنه يقع مواقع نعم ، فينبغي أن يقع بعد الخبر ، موجبا كان أو منفيا فيكون لتقرير الكلام السابق كنعم ، سواء (٢) ؛ يقال : لا تضربني فتقول : إي والله لا أضربك ، وكذا يقال : ما ضرب زيد فتقول : إي والله ما ضرب ، وهذا مخالف للشرطين اللذين ذكرهما المصنف ، أعني لزوم سبق الاستفهام وكونها للإثبات ؛

وإن أراد أنه للتصديق مثل «نعم» ، وإن لم يقع مواقعها ، فكذا جميع حروف التصديق

ولا يستعمل بعد «إي» فعل القسم ، فلا يقال : إي أقسمت بربيّ ، ولا يكون المقسم به بعدها ، إلا الربّ ، والله ، ولعمري ؛ تقول : إي والله ، وإي الله بحذف حرف القسم ونصب «الله» وإي ها الله ذا ، وإي وربي وأي لعمري ؛

وإذا جاء بعدها لفظة «الله» ، فإن كان مع «ها» نحو : إي ، ها الله ذا ، فقد مرّت الوجوه الجائزة فيه في باب القسم (٣) ؛ ويجب جر «الله» إذن ، لنيابة حرف التنبيه عن الجارّ ؛

وإن تجرّدت عن «ها» ، فالله ، منصوب بفعل القسم المقدر ؛ وفي ياء «إي» ثلاثة أوجه ؛ حذفها للساكنين ، وفتحها ، تبيينا لحرف الإيجاب ؛ وإبقاؤها ساكنة ، والجمع بين ساكنين مبالغة في المحافظة على حرف الإيجاب بصون آخره عن التحريك والحذف وإن كان يلزم ساكنان على غير حدّه ، لأنهما في كلمتين ، إجراء لهما مجرى كلمة واحدة ، كالضالّين ، وتمودّ الثوب ؛ كما في : ها الله ، وهذا ، أيضا من خصائص لفظة «الله» ؛

__________________

(١) في هذا المكان جاءت إشارة بالهامش إلى أن في بعض النسخ : وذكر المالكي ، بدلا من ابن مالك ، وهذا القول في التسهيل لابن مالك ، وهو يؤيد ما ذهبنا إليه من أن المراد من المالكي وابن مالك شخص واحد ؛

(٢) تقديره هما سواء ؛

(٣) ص ٣٠٤ في هذا الجزء ؛

٤٣٠

قوله : «وأجل وجير وإنّ تصديق للخبر» ، سواء كان الخبر موجبا أو منفيا ، ولا تجيء بعد ما فيه معنى الطلب ، كالاستفهام والأمر وغيرهما ؛

وحكى الجوهريّ (١) عن الأخفش ، أن «نعم» أحسن من «أجل» ، في الاستفهام ، وأجل ، أحسن من نعم في الخبر ، فجوّز على ما ترى ، مجيئها في الاستفهام ، أيضا ؛

وأما «جير» فقد مضى شرحها في القسم في حروف الجرّ ، (٢)

وأمّا «إنّ» فقال سيبويه (٣) : هي في قول ابن قيس الرقيّات :

٩٠١ ـ ويقلن شيب قد علا

ك ، وقد كبرت فقلت إنّه (٤)

والهاء للسكت ؛

وقيل ان «انّ» فيه للتحقيق ، والهاء اسمها والخبر محذوف ، أي : انه كذلك ؛

وقول ابن الزّبير (٥) ، لفضالة بن شريك حين قال له : لعن الله ناقة حملتني إليك : إنّ وراكبها ، نصّ في كونها للتصديق ،

لكنه يدل على أنها تجيء لتقرير مضمون الدعاء ، وهو خلاف ما قال المصنف من أنّ ثلاثتها ، لتصديق الخبر ؛

__________________

(١) اسماعيل بن حماد الجوهري صاحب معجم الصحاح ، وتقدم ذكره في هذا الشرح ؛

(٢) ص ٣١٨ في هذا الجزء ؛

(٣) ج ١ ص ٤٧٥ وج ٢ ص ٢٧٩ ؛

(٤) من شعر لابن قيس الرقيات أوله :

بكر العواذل في الصبو

ح ، يلمنني وألو مهنّه

(٥) المراد به : عبد الله بن الزبير بن العوام ، وفد عليه فضالة بن شريك فقال له إن ناقتي أصابها كذا وكذا فاحملني ، فأخذ عبد الله بن الزبير يصف له علاجا لناقته ، فقال فضالة : إنما جئتك مستحملا ، لا مستوصفا ، فلعن الله ناقة حملتني إليك ، فقال ابن الزبير : انّ وراكبها : وقيل إن القائل ليس فضالة وإنما هو عبد الله بن الزّبير (بفتح الزاي) بن فضالة بن شريك ، وهو قريب عبد الله بن الزبير بن العوام ؛ والله أعلم ؛

٤٣١

[حروف الزيادة]

[ومواضع زيادة كل منها]

[قال ابن الحاجب :]

«حروف الزيادة : إن ، وأن ، وما ، ولا ، ومن ، والباء» «واللام ؛ فإن مع ما النافية ، وقلّت مع المصدرية ، ولمّا ،» «وأن ، مع لمّا ، وبين لو ، والقسم وقلّت مع الكاف ؛» «وما مع إذا ومتى ، وأيّ وأين وإن شرطا وبعض حروف» «الجر ، وقلّت مع المضاف ؛ ولا ، مع الواو بعد النفي وبعد» «أن المصدرية ، وقلّت قبل القسم ، وشذّت مع المضاف ؛» «ومن ، والباء ، واللام ، تقدم ذكرها» ؛

[قال الرضي :]

قيل ، فائدة الحرف الزائد في كلام العرب : إمّا معنوية ، وإمّا لفظية ؛ فالمعنوية تأكيد المعنى ، كما تقدم في «من» الاستغراقية (١) ، والباء في خبر ما ، وليس (٢) ؛

فإن قيل : فيجب ألّا تكون زائدة إذا أفادت فائدة معنوية ؛

قيل : إنما سمّيت زائدة ، لأنه لا يتغيّر بها أصل المعنى ، بل لا يزيد بسببها إلا تأكيد المعنى الثابت وتقويته ، فكأنها لم تفد شيئا ، لمّا لم تغاير فائدتها العارضة : الفائدة الحاصلة قبلها ؛

__________________

(١) الفائدة فيها : النص على الاستغراق والشمول وهو بدونها محتمل احتمالا راجحا ؛

(٢) الفائدة في زيادة الباء في الخبر المنفى التأكيد ؛

٤٣٢

ويلزمهم أن يعدّوا ، على هذا ، «إنّ» ، ولام الابتداء ، وألفاظ التأكيد ، أسماء كانت ، أو ، لا : زوائد (١) ، ولم يقولوا به ؛

وبعض الزوائد يعمل ، كالباء ، ومن ، الزائدتين ، وبعضها لا يعمل ، نحو (٢) : (فَبِما رَحْمَةٍ)(٣) ؛

وأمّا الفائدة اللفظية ، فهي تزيين اللفظ ، وكون زيادتها أفصح ، أو كون الكلمة أو الكلام ، بسببها ، تهيّأ لاستقامة وزن الشعر أو لحسن السجع ، أو غير ذلك من الفوائد اللفظية ؛

ولا يجوز خلوّها من الفوائد اللفظية والمعنوية معا ، وإلّا ، لعدّت عبثا ، ولا يجوز ذلك في كلام الفصحاء ، ولا سيّما في كلام الباري تعالى وأنبيائه ، وأئمته ، عليهم السّلام ؛

وقد تجتمع الفائدتان في حرف ، وقد تنفرد إحداهما عن الأخرى ؛

وإنما سمّيت هذه الحروف زوائد ، لأنها قد تقع زائدة ، لا لأنها لا تقع إلا زائدة ، بل وقوعها غير زائدة أكثر ؛ وسميت ، أيضا : حروف الصلة لأنها يتوصّل بها إلى زيادة الفصاحة ، أو إلى إقامة وزن أو سجع أو غير ذلك ؛

أمّا (٤) «إن» فتزاد مع «ما» النافية كثيرا لتأكيد النفي ، وتدخل على الاسم والفعل ، نحو :

وما إن طبنا جبن ولكن

منايانا ودولة آخرينا (٥) ـ ٢٦١

ونحو قوله :

__________________

(١) متصل بقوله : ويلزم أن يعدّوا ...

(٢) التمثيل راجع إلى ما ؛

(٣) من الآية ١٥٩ في سورة آل عمران ؛

(٤)؟؟؟ في تفصيل الكلام على الحروف الزائدة ، بعد أن تحدث عنها إجمالا ؛

(٥) تقدم ذكره في الجزء الثاني ؛ في باب خبر ما المشبهة بليس ؛

٤٣٣

٩٠٢ ـ ما إن جزعت ولا هلعت

ولا يردّ بكاي زندا (١)

وقلّت زيادتها مع «ما» المصدريّة نحو : انتظرني ما إن جلس القاضي ، ومع «ما» الاسمية نحو قوله تعالى : (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ)(٢) ، وكذا بعد «ألا» الاستفتاحية ، نحو : ألا إن قام زيد ، وكذا مع «لمّا» بل زيادة «أن» المفتوحة بعدها ، هي المشهورة ، تقول : لما أن جلست جلست ؛ فتحا وكسرا ، والفتح أشهر ؛

وأمّا «أن» ، فتكثر زيادتها بعد لمّا ، نحو : (فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ)(٣) ، وبين «لو» والقسم ، وقد مرّ في القسم (٤) أن مذهب سيبويه كونها موطئة للقسم قبل «لو» كما أن اللام موطئة قبل «إن» وسائر كلمات الشرط ، كقوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ ، لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ..)(٥) الآية ، ويجيء الكلام فيه ؛

وقد تزاد في الإنكار ، نحو : أنا أنيه (٦) ، وقلّت بعد كاف التشبيه نحو :

ويوما توافينا بوجه مقسّم

كأن ظبية تعطو إلى وارق السّلم (٧) ـ ٨٥٨

بالجر ، وليست في قوله تعالى : (وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ)(٨) ، و : (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا)(٩) ، و : (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ)(١٠) : زائدة ، كما توهم بعضهم بل : الأوليان مخففتان ، والثالثة مفسّرة ، كما تقدم في نواصب الفعل ؛

__________________

(١) من أبيات لعمرو بن معديكرب ، أوردها أبو تمام في الحماسة ، وقبله :

كم من أخ لي صالح

بوّأته بيديّ لحدا ...

(٢) الآية ٢٦ سورة الأحقاف ؛

(٣) الآية ٩٦ سورة يوسف ؛

(٤) ص ٣١٣ من هذا الجزء ؛

(٥) الآية ٨١ من سورة آل عمران ؛

(٦) يأتي بحثه في آخر هذا الجزء ؛

(٧) تقدم ذكره في هذا الجزء ص ٣٧١

(٨) الآية ١٨٥ سورة الاعراف ؛

(٩) الآية ١٦ سورة الجن ؛

(١٠) الآية ١٠٥ سورة يونس ؛

٤٣٤

وأمّا «ما» فتزاد مع الخمس الكلمات (١) المذكورة ، إذا أفادت معنى الشرط نحو : إذا ما تكرمني أكرمك بغير الجزم (٢) ، ومتى ما تكرمني أكرمك بمعنى متى تكرمني ، ولا تفيدها «ما» معنى التكرير (٣) ، ولو أفادته لم تكن زائدة ؛ فمن قال : ان «متى» للتكرير ، فمتى ما ، مثله ، ومن قال ليست للتكرير ، فكذا : متى ما ؛ وأيّا ما تفعل أفعل ، وأينما تكن أكن ، و : (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ)(٤) ، وقد تدخل بعد «أيّان» أيضا ، قليلا ، ويجيء حكم «ما» مع أن ، في نوني التوكيد ؛

قوله : «شرطا» ، تقييد لجميع ما ذكر من : إذا ، ومتى ، وأيّ ، وأين ، وإن ، لأنها كلها تستعمل شرطا وغير شرط ؛ وزيادة «ما» فيها مختصة بحال الشرطية ؛

ولم يعدّوا «ما» الكافة ، وإن لم يكن لها معنى ، من الزوائد ، لأن لها تأثيرا قويا ، وهو منع العامل من العمل ، وتهيئته لدخول ما لم يكن له أن يدخله ؛ وعلى مذهب من أعمل «ليتما» ، وإنما ، وأخواتهما ؛ تكون «ما» زائدة ؛ وليست في : حيثما ، وإذ ما ، زائدة ، لأنها هي المصححة لكونهما جازمتين ، فهي الكافة لهما ؛ أيضا ، عن الإضافة ؛

وينبغي ألّا تعدّ في نحو : بعين ما أرينّك (٥) ، و :

من عضة ما ينبتنّ سكيرها (٦) ـ ٢٤٢

زائدة ، لأنها هي المصححة لدخول النون في الفعل على ما يجيء في بابها ، وقد مضى الخلاف في مثل : (مَثَلاً ما)(٧) في الموصولات ؛

__________________

(١) تعريف الجزأين في العدد مذهب الكوفيين والرضي يستعمله كثيرا ؛ وقد نقده في باب العدد ؛

(٢) لأن الجزم بإذا خاص بالشعر ؛

(٣) المستفاد من معنى الشرطية في متى ، أي كلّما ؛

(٤) الآية ٤١ سورة الزخرف ؛

(٥) هذا مثل يضرب لمن يخفي عن صاحبه أمرا هو عالم به ومعناه إني أراك وأعلم ما تفعل.

(٦) تقدم ذكره في الجزء الثاني آخر باب خبر كان وهو في سيبويه ج ٢ ص ١٥٣ وقال إنه مثل ؛

(٧) من الآية ٢٦ في سورة البقرة ؛

٤٣٥

وقد تزاد بعد بعض حروف الجر ، نحو : (فَبِما رَحْمَةٍ)(١) ، و : (عَمَّا قَلِيلٍ)(٢) و : (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ)(٣) ، وزيد صديقي ، كما عمرو أخي ؛

وقيل إنها بعد حرف الجر : نكرة مجرورة ، والمجرور بعدها بدل منها ، وكذا قيل في : لا سيّما زيد ، بالجرّ ، كما مرّ في باب الاستثناء (٤) ، و «ما» في هذه اللفظة : لازمة ؛

وقلّت زيادتها بعد المضاف ، نحو : من غير ما جرم ، و : (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ)(٥) ، و : (مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ)(٦) ، وقيل فيها أيضا ، إنها نكرة ، والمجرور بدل منها ؛

وأمّا «لا» ، فتزاد بعد الواو العاطفة بعد نفي أو نهي ، وقد مرّ ذكرها في باب حروف العطف ، نحو : ما جاءني زيد ولا عمرو ، وهي ، وإن عدّت زائدة ، لكنها رافعة لاحتمال أحد المجيئين دون الآخر ، كما مرّ في حروف العطف ؛

والعجب ، أنهم لا يرون تأثير الحروف معنويّا ، كالتأكيد في الباء ، ورفع الاحتمال في «لا» هذه ، وفي «من» الاستغراقية : مانعا (٧) من كون الحروف زائدة ، ويرون تأثيره لفظيا ، ككونها كافة : مانعا من زيادتها ؛

وتزاد بعد «أن» المصدرية ، نحو : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ)(٨) ، و : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ)(٩) ، وجاءت قبل المقسم به كثيرا ، للإيذان بأن جواب القسم منفي ، نحو : لا والله لا أفعل ، قال :

__________________

(١) من الآية ١٥٩ في سورة آل عمران وتقدمت قريبا ؛

(٢) الآية ٤٠ سورة المؤمنون ؛

(٣) الآية ٢٥ سورة نوح ؛

(٤) في الجزء الثاني ؛

(٥) الآية ٢٨ سورة القصص ؛

(٦) الآية ٢٣ سورة الذاريات ؛

(٧) مفعول ثان لقوله : لا يرون ؛

(٨) الآية ١٢ سورة الأعراف ؛

(٩) الآية ٢٩ سورة الحديد ؛

٤٣٦

٩٠٣ ـ لا وأبيك ابنة العامري

لا يدّعي القوم أني أفرّ (١)

وجاءت قبل «أقسم» قليلا ، وعليه حمل قوله تعالى : (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ)(٢) ؛

بعد المضاف نحو :

في بئر لا حور سرى وما شعر (٣) ـ ٢٥٠

والحور : الهلكة ؛

وأمّا «من» ، والباء ، واللام ، والكاف ، فقد تقدم ذكرها في حروف الجر ،

[حرفا التفسير]

[أي ، وأن ، واختصاص كل منهما]

[قال ابن الحاجب :]

«حرفا التفسير : أي ، وأن ، فأن مختصة بما في معنى القول» ؛

[قال الرضي :]

اعلم أن الفرق بين «أي» و «أن» : أنّ «أي» ، يفسّر بها كل مبهم ، من المفرد ، نحو جاءني زيد أي أبو عبد الله ، والجملة نحو : هريق دمه أي مات ،

قال :

__________________

(١) يروى هكذا بدون حرف قيل لا ، ويروى فلا وأبيك ، وهو مطلع قصيدة من شعر امرئ القيس ، ومنها بعض الشواهد في هذا الشرح ؛

(٢) أول سورة القيامة ؛

(٣) تقدم في باب الإضافة من الجزء الثاني ؛

٤٣٧

٩٠٤ ـ وترمينني بالطرف ، أي أنت مذنب

وتقلينني لكنّ إياك لا أقلي (١)

و «أن» لا تفسّر إلا مفعولا مقدّرا للفظ دالّ على معنى القول ، مؤدّ معناه ، كقوله تعالى : (وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ)(٢) ، فقوله : يا إبرهيم ، تفسير لمفعول نادينا ، المقدر ، أي : ناديناه بشيء ، وبلفظ هو قولنا يا ابرهيم ، وكذلك قولك كتبت إليه أن قم ، أي : كتبت إليه شيئا هو : قم ؛ فأن ، حرف دالّ على أنّ «قم» تفسير للمفعول به المقدر لكتبت ؛

وقد يفسّر المفعول به الظاهر ، كقوله تعالى : (إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى ، أَنِ اقْذِفِيهِ)(٣) ، وقوله تعالى : (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ ، أَنِ اعْبُدُوا اللهَ)(٤) ، فقوله : (اعْبُدُوا اللهَ ،) تفسير للمضمر في «به» ، وفي أمرت معنى القول ، وليس مفسّرا لما ، في قوله : ما أمرتني ، لأنه مفعول لصريح القول ، وقد جوّز بعضهم ذلك ، مستدلّا بهذه الآية ، ولا استدلال بالمحتمل ؛ وأجيب بأنّ «أن» مصدرية ، وذلك على مذهب من جوّز دخول الحرف المصدري على الجملة الطلبية ، وعند صاحب هذا المذهب ، يجوز أن يكون جميع «أن» المحكوم بكونها مفسّرة : مصدرية ، إذا دخلت على أمر أو نهي متصرف ، لأنّ له ، إذن ، مصدرا ؛

واستدلّ سيبويه (٥) على جواز كونها مصدرية بدخول حرف الجر عليها في نحو : أو عزت إليه بأن قم ؛ ويجوز أن يقال : هي زائدة ، لكراهة دخول الجار على ظاهر الفعل ، والمعنى : أوعز إليه بهذا اللفظ ؛

__________________

(١) قوله : لكن اسمها محذوف تقديره : ولكنني ، وإياك مفعول مقدم لقوله لا أقلي ، وهو أحسن ما قيل في إعراب البيت ، وجملة لا أقلي مع مفعوله المقدم خبر لكن ؛ وهذا البيت ، كما قال البغدادي غير معروف القائل ؛ مع تردده في كثير من كتب النحو ؛

(٢) الآية ١٠٤ سورة الصافات ؛

(٣) الآيتان ٣٧ ، ٣٨ سورة طه ؛

(٤) الآية ١١٧ سورة المائدة ؛

(٥) سيبويه ج ١ ص ٤٧٩ ولفظه : أوعزت إليه بأن أفعل ؛

٤٣٨

وقيل إن «أن» في قوله «أَنِ اعْبُدُوا» : زائدة ؛ والأصل عدم الحكم بالزيادة ، ما كان للحكم بالأصالة محتمل ؛

وتمسّك المجيز لتفسيرها مفعول صريح القول بقوله تعالى : (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا ..)(١) قال : التقدير : قائلا بعضهم لبعض أن امشوا ؛

وأجيب : إمّا بأنه زائد ، أو بأن صريح القول المقدر كالفعل المؤوّل بالقول في عدم الظهور ، أو بأن انطلق متضمن لمعنى القول ، لأن المنطلقين من مجلس يتفاوضون فيما جرى فيه ؛ أو بأن : انطلق الملأ بمعنى : انطلقوا في القول وشرعوا فيه ؛

وينبغي أن تعرف أنّ ما بعد «أن» المفسّرة ، ليس من صلة ما قبلها ، بل يتم الكلام دونه ، ولا يحتاج إليه إلّا من جهة تفسير المبهم المقدر فيه ، فقوله تعالى : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)(٢) ، ليست «أن» فيه مفسّرة ، لأن قوله تعالى : (أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) خبر المبتدأ المتقدم ؛

ولا منع ، لو ارتكب مرتكب أن المسمّاة بالمفسّرة : زائدة في مفعول ما هو بمعنى القول ، فمعنى أمره أن قم : أي قال له قم ، بتأويل أمر ، بقال ، أو بتقدير «قال» بعده على الخلاف المذكور في أفعال القلوب (٣) ، و «أن» زائدة ، وهذا يطرد في جميع الأمثلة ؛

__________________

(١) الآية ٦ سورة ص ؛

(٢) الآية ١٠ سورة يونس ؛

(٣) ص ١٦٦ في هذا الجزء ؛

٤٣٩

[الحروف المصدرية]

[وما يقع بعد كل منها من الجمل]

[قال ابن الحاجب :]

«حروف المصدر : ما ، وأن وأنّ ؛ فالأوّلان للفعلية وأنّ»

«للاسمية» ؛

[قال الرضي :]

أمّا «ما» فتوصل بالفعل المتصرف ، إذ الذي لا يتصرّف لا مصدر له ، حتى يؤوّل الفعل مع الحرف به ؛ ولا توصل بالأمر ، لأنه ينبغي أن يفيد المصدر المؤوّل به «ما» ، مع الفعل ، ما أفاده «ما» مع ذلك الفعل ، وإلّا فليسا مؤوّلين به ، ألا ترى أن معنى : (.. بِما رَحُبَتْ)(١) ، وبرحبها ، شيء واحد ، وكذا معنى علمت أنك قائم ، وعلمت قيامك : شيء واحد ، والمصدر المؤوّل به «أن» مع الأمر ، لا يفيد معنى الأمر ، فقولك كتبت إليه أن قم : ليس بمعنى القيام ، لأن قولك بالقيام ليس فيه معنى طلب القيام ، بخلاف قولك : أن قم ؛

ويتبيّن بهذا أن صلة «أن» لا تكون أمرا ولا نهيا ، خلافا لما ذهب إليه سيبويه وأبو علي ، ولو جاز كون صلة الحرف أمرا ، لجاز ذلك في صلة «أنّ» المشدّدة ، و «ما» و «كي» و «لو» ، ولا يجوز ذلك اتفاقا ؛

وتختص «ما» المصدرية بنيابتها عن ظرف الزمان المضاف إلى المصدر المؤوّل هي وصلتها ، به ، نحو : لا أفعله ما ذرّ شارق ، أي مدّة ما ذرّ ، أي مدّة ذرور ؛ وصلتها ، إذن ، في الغالب ، فعل ماضي اللفظ مثبت ، كما ذكرنا ، أو منفي بلم ، نحو : تهدّدني

__________________

(١) من الآية ١١٨ في سورة التوبة ؛

٤٤٠