محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي
المحقق: يوسف حسن عمر
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات مؤسّسة الصادق
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٢
ما لم تلقني ومعناهما الاستقبال ، كما مرّ في باب الماضي ، ويقل كونها فعلا مضارعا ؛
وصلة «ما» المصدرية ، لا تكون ، عند سيبويه ، إلا فعلية ، وجوّز غيره أن تكون اسمية ، أيضا ، وهو الحقّ ، وإن كان ذلك قليلا ، كما في نهج البلاغة : «بقوا في الدنيا ، ما الدنيا باقية» ؛ وقال الشاعر :
٩٠٥ ـ أعلاقة أمّ الوليّد بعد ما |
|
أفنان رأسك كالثغام المخلس (١) |
وأجاز ابن جني ، كون صلتها جارّا ومجرورا ، فيجوز على مذهبه : ما خلا زيد وما عدا زيد ، بالجر ، و «ما» مصدرية ؛
وأمّا «أن» المصدرية ، فلا تدخل إلا على الفعل المتصرف ، وهو إمّا ماض ، كقوله تعالى : (لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا)(٢) ، أو مضارع ، ولها فيه خاصة ، تأثيران آخران : نصبه وتخصيصه بالاستقبال ؛ أو ، أمر أو نهي ، على مذهب سيبويه ، كما مرّ ؛
وتميم ، وأسد ، يقلبون همزتها عينا ، وينشدون :
أعن ترسّمت من خرقاء منزلة |
|
ماء الصبابة من عينيك مسجوم (٣) ـ ٨٣٥ |
وأمّا «أنّ» المشدّدة ، فتوصل بمعموليها إذا كانت عاملة ، وإذا كفّت ، فبالجملة الاسمية أو الفعلية ؛
ومن الحروف المصدرية «كي» ، إذا دخلتها لام التعليل ؛ ، نحو : لكي تخرج ، وهي بمعنى «أن» وتختص بالمضارع ، وقد ذكرنا الخلاف فيها ، في نواصب الفعل المضارع (٤) ، فمن حتم كونها حرف جرّ ، لم يجعلها في مثالنا مصدرية ، بل قدّر «أن» بعدها ؛
__________________
(١) أمّ الوليد تصغير وليد ، ورواه بعضهم بدون تصغير وهو بالتصغير أقوى في وزن البيت والثغام نبت تبرز منه خيوط طوال دقاق ، والمخلس الذي اختلط بياضه بالسواد ، فإذا صار أبيض كله ، قيل ممحل فيكون أشبه بالشيب والبيت للمرّار الفقعسيّ ؛
(٢) الآية ٨٢ سورة القصص ؛
(٣) تقدم في هذا الجزء ص ٣٤٨ ؛
(٤) انظر ص ٤٨ وما بعدها في هذا الجزء ؛
ومنها «لو» إذا جاءت بعد فعل يفهم منه معنى التمني ، نحو قوله تعالى : (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ)(١) ، وقال :
٩٠٦ ـ تجاوزت أحراسا إليها ومعشرا |
|
عليّ حراصا ، لو يسرّون مقتلي (٢) |
وصلتها كصلة «ما» إلّا أنها ، لا تنوب عن ظرف الزمان ؛
وقد يستغنى بلو ، عن فعل التمني ، فينصب الفعل بعدها مقرونا بالفاء نحو : لو كان لي مال فأحجّ ، أي أتمنى وأودّ لو كان لي مال ؛ قال تعالى : (لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)(٣) ؛
[حروف التحضيض]
[اختصاصها بالفعل]
[قال ابن الحاجب :]
«حروف التحضيض : هلّا ، وألّا ، ولو لا ، ولو ما ، لها صدر» «الكلام وتلزم الفعل لفظا أو تقديرا» ؛
[قال الرضي :]
اعلم أن معناها إذا دخلت في الماضي : التوبيخ واللوم على ترك الفعل ، ومعناها في المضارع : الحضّ على الفعل والطلب له ، فهي في المضارع بمعنى الأمر ؛
__________________
(١) الآية ٩ سورة القلم ؛
(٢) هو من معلقة امرئ القيس ، والأحراس جمع حرس ، وحراص. جمع حريص مثل كريم وكرام ؛ ومقتلي : مصدر ميمي بمعنى قتلي ؛
(٣) الآية ٥٨ سورة الزمر ؛
ولا يكون التحضيض في الماضي الذي قد فات ، إلّا أنها تستعمل كثيرا في لوم المخاطب على أنه ترك في الماضي شيئا ، يمكنه تداركه في المستقبل ، فكأنها من حيث المعنى ، للتحضيض على فعل مثل ما فات ؛
وقلّما تستعمل في المضارع ، أيضا ، الّا في موضع التوبيخ واللّوم على ما كان يجب أن يفعله المخاطب قبل أن يطلب منه ؛
فإن خلا الكلام من التوبيخ ، فهو العرض ، فتكون هذه الأحرف للعرض ؛
وتستعمل في ذلك المعنى : «ألا» مخففة ، أيضا ، و «لو» التي فيها معنى التمني ، نحو : لو نزلت فأكلت ، و «أما» نحو : أما تعطف عليّ ؛
قوله : «وتلزم الفعل لفظا» ، نحو : (لَوْ لا أَرْسَلْتَ ..)(١) و : (لَوْ ما تَأْتِينا)(٢) أو تقديرا نحو قوله :
تعدّون عقر النيب أفضل مجدكم |
|
بني ضوطرى ، لولا الكمى المقنّعا (٣) ـ ١٥٩ |
ويجوز : هلّا زيدا ضربته ؛
وجاءت الاسمية بعدها في ضرورة الشعر ، نحو قوله :
يقولون ليلى أرسلت بشفاعة |
|
إليّ فهلّا نفس ليلى شفيعها (٤) ـ ٦٤٥ |
وإذا وليها الظرف فهو منتصب بالفعل الذي بعده ، لا بمقدر قبله ، كما في قوله تعالى : (وَلَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ..)(٥) ، لأن الظرف يتّسع فيه ، وأمّا إذا كان الفاصل منصوبا غير الظرف ، نحو : هلّا زيدا ضربت فهو على الخلاف الذي مضى ؛ ولزومها صدر الكلام لما مرّ قبل ؛
__________________
(١) الآية ١٣٤ سورة طه ؛
(٢) الآية ٧ سورة الحجر ؛
(٣) من شعر جرير ، وتقدم في الجزء الأول في باب المنصوب على شريطة التفسير ؛
(٤) تقدم ذكره في هذا الجزء ، ص ٥٥
(٥) الآية ٣٩ سورة الكهف ؛
وقد تجيء الفعلية بعد «لولا» غير التحضيضيّة ، قال :
٩٠٧ ـ ألا زعمت أسماء أن لا أحبّها |
|
فقلت : بلى ، لولا ينازعني شغلي (١) |
فتؤوّل بلو لم ، فهي ، إذن ، «لو» التي هي لامتناع الثاني لامتناع الأول ؛ وقيل :
هي «لولا» المختصة بالاسمية ، والفعل صلة لأن ، المقدّرة ، كما في قولهم : تسمع بالمعيديّ ، لا أن تراه ؛
[حرف التوقع]
[معناه ، وشرطه ، وأوجه استعماله]
[قال ابن الحاجب :]
«حرف التوقّع : قد ، وهي في الماضي للتقريب وفي المضارع»
«للتقليل» ؛
[قال الرضي :]
هذا الحرف ، إذا دخل على الماضي أو المضارع فلا بدّ فيه من معنى التحقيق ، ثم إنه ينضاف في بعض المواضع إلى هذا المعنى ، في الماضي : التقريب من الحال مع التوقع ، أي يكون مصدره متوقعا لمن تخاطبه واقعا عن قريب ؛ كما تقول لمن يتوقع ركوب الأمير :
قد ركب .. ، أي : حصل عن قريب ما كنت تتوقعه ، ومنه قول المؤذن : قد قامت الصلاة ؛
__________________
(١) مطلع قصيدة لأبي ذؤيب الهذلي ، وبعده :
جزيتك ضعف الودّ لما اشتكيته |
|
وما إن جزاك الضعف من أحد قبلي |
ومن أبيات هذه القصيدة بعض الشواهد النحوية ؛
ففيه ، إذن ، ثلاثة معان مجتمعة : التحقيق ، والتوقع والتقريب ، وقد يكون مع التحقيق : التقريب فقط ، ويجوز أن تقول : قد ركب ، لمن لم يكن يتوقع ركوبه ؛
ولا تدخل على الماضي غير المتصرّف ، كنعم وبئس وعسى وليس ، لأنها ليست بمعنى الماضي حتى تقرّب معناها من الحال ؛
وتدخل ، أيضا ، على المضارع المجرد من ناصب وجازم وحرف تنفيس ، فينضاف إلى التحقيق في الأغلب : التقليل ، نحو : ان الكذوب قد يصدق ، أي ، بالحقيقة يصدر منه الصدق ، وإن كان قليلا ، وقد تستعمل للتحقيق مجرّدا عن معنى التقليل ، نحو : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ)(١) ، وتستعمل ، أيضا ، للتكثير في موضع التمدّح ، كما ذكرنا في «ربّما» قال تعالى : (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ)(٢) ، وقال :
٩٠٨ ـ قد أترك القرن مصفرّا أنامله |
|
كأن أثوابه مجّت بفرصاد (٣) |
ولا تفصل من الفعل ، إلا بالقسم ، نحو : قد والله لقوا الله (٤) ، وقد ، لعمري ، قال كذا ؛ وقد يغني عن الفعل دليل فيحذف بعدها ، قال :
أزف الترحل غير أن ركابنا |
|
لما تزل برحالنا وكأن قد (٥) ـ ٥١٣ |
__________________
(١) الآية ١٤٤ سورة البقرة ؛
(٢) الآية ١٨ سورة الأحزاب ؛
(٣) من قصيدة لعبيد بن الأبرص ، واصفرار الأنامل كناية عن الموت اي أقتله فينزف دمه ، فتصفر انامله ، والفرصاد ثمر التوت شبه به الدم الذي ينزف من القتيل ؛
(٤) تقدم ذكره
(٥) تقدم ذكره في أكثر من موضع. وانظر فهرس الشواهد ؛
[حرفا الاستفهام]
[الفرق بين الهمزة ، وهل]
[قال ابن الحاجب :]
«حرفا الاستفهام : الهمزة ، وهل ، لهما صدر الكلام تقول :»
«أزيد قائم ، و : أقام زيد ، وكذا هل ، والهمزة أعمّ»
«تصرّفا ، تقول : أزيدا ضربت ، و : أتضرب زيدا وهو»
«أخوك ، و : أزيد عندك ، و : أثمّ إذا ما وقع ، و : أفمن»
«كان ، و : أومن كان ، دون هل» ؛
[قال الرضي :]
قوله : «لهما صدر الكلام» ، لما مرّ في باب «إنّ» (١) ؛
قوله : «أزيد قائم ، و : أقام زيد ، وكذلك هل» يعني تدخلان على الجملة الاسمية والفعلية ، إلّا أن الهمزة تدخل على كل اسمية ، سواء كان الخبر فيها اسما أو فعلا ، بخلاف «هل» فإنها لا تدخل على اسمية خبرها فعل نحو : هل زيد قام ؛ إلا على شذوذ ، وذلك لأن أصلها : أن تكون بمعنى «قد» ، فقيل : أهل ، قال :
٩٠٩ ـ أهل عرفت الدار بالغريين (٢)
وكثر استعمالها كذلك ، ثم حذفت الهمزة لكثرة استعمالها ، استغناء بها عنها وإقامة لها مقامها ، وقد جاءت على الأصل نحو قوله تعالى : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ)(٣) ، أي : قد أتى ؛
__________________
(١) يقصد أنها تغير معنى الكلام ؛
(٢) من قصيدة لخطام المجاشعي ؛ والمراد بالغريين هنا مكان بالكوفة ، والغريّان منارتان بناهما المنذر الأكبر على قبرين لنديميه وكان يغريهما أي يطليهما بالدماء وفي تفسير المراد منهما كلام كثير ذكره البغدادي ؛
(٣) أول سورة الدهر ؛
فلما كان أصلها «قد» وهي من لوازم الأفعال ، ثم تطفلت على الهمزة ، فإن رأت فعلا في حيّزها ، تذكرت عهودا بالحمى ، وحنّت إلى الإلف المألوف وعانقته ، وإن لم تره في حيّزها تسلّت عنه ذاهلة ؛
ومع وجود الفعل ، لا تقنع به مفسّرا أيضا ، للفعل المقدر بعدها ، فلا يجوز اختيارا : هل زيدا ضربته ، كما مرّ في المنصوب على شريطة التفسير (١) ؛
قوله : «والهمزة أعمّ» ، يعني أنها تستعمل فيما لم تستعمل فيه «هل» ؛ منها : أنه لا يقال : هل زيد خرج ، لا على كون زيد مبتدأ ، ولا على كونه فاعلا لفعل مقدر ، ولا يقال : هل زيدا ضربت على أن زيدا منصوب بما بعده ، ولا بمقدر ، ولا يقال : هل زيدا ضربته على أن زيدا منصوب بمقدر ، كل ذلك لما تقدم ؛
ومنها : أن الهمزة تستعمل في الإثبات للاستفهام أو للإنكار أيضا ، قال تعالى : (أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ)(٢) ، وقال الشاعر :
٩١٠ ـ أطربا وأنت قنّسريّ (٣) ،
ومن ذلك : أزيدنيه ، في الإنكار (٤) ، ولا تستعمل «هل» للإنكار ؛ وإذا دخلت الهمزة على النافي ، فلمحض التقرير ، أي حمل المخاطب على أن يقرّ بأمر يعرفه ، نحو : (أَلَمْ نَشْرَحْ)(٥) و : (أَلَمْ يَجِدْكَ)(٦) ، و : (أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ)(٧) وهي في الحقيقة للإنكار ،
__________________
(١) في الجزء الأول ؛
(٢) الآية ٢٨ سورة الأعراف ؛
(٣) من أرجوزة أو قصيدة للعجاج أولها :
بكيت والمحتزن البكيّ |
|
وإنما يأتي الصبا الصبيّ |
قال البغدادي : القنّسري معناه : الشيخ المسنّ ، ولم يسمع إلا في هذا البيت ؛
(٤) يأتي بحثه في آخر الكتاب ؛
(٥) أول سورة الشرح ؛
(٦) الآية ٦ سورة الضحى ؛
(٧) الآية ٤٠ سورة القيامة ؛
وإنكار النفي إثبات ؛ وأمّا «هل» فلا تدخل على النافي أصلا ؛ ومنها : أن الهمزة تستعمل مطردا مع «أم» التسوية ، ولا تستعمل «هل» معها ، إلا شاذا ، كما مرّ ؛
وتختص «هل» بحكمين دون الهمزة ، وهما كونها للتقرير في الإثبات ، كقوله تعالى :
(هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ)(١) ، أي ألم يثوّب ، وقولهم : هذه بتلك وهل جزيتك يا عمرو وإفادتها إفادة النافي ، حتى جاز أن يجيء بعدها «الّا» قصدا للإيجاب ، كقوله تعالى : (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ)(٢) وقال :
٩١١ ـ وهل أنا الّا من غزية إن غوت |
|
غويت ، وإن ترشد غزية أرشد (٣) |
ومن خصائص الهمزة أن تدخل على الفاء ، والواو ، وثمّ ، كما تقدم في حروف العطف ، ولا تدخل «هل» عليها ، لأنها فرع الهمزة فلا تتصرف تصرّفها ؛
وهذه الحروف تدخل على «هل» ولا تدخل على الهمزة ، لكونها أصلا في الاستفهام الطالب للتصدر ، قال تعالى : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)(٤) ، وقال الشاعر :
وهل أنا إلا من غزية ... البيت ؛
وتقول : إن أكرمتك فهل تكرمني ، ولا تقول : فأتكرمني كما مرّ في الجوازم ، وتقول : أسلّم عليه ثم هل يلتفت إليّ ؛ ولا تجيء الهمزة بعد «أم» ويجوز ذلك في «هل» وسائر كلم الاستفهام ، لعروض معنى الاستفهام فيها ، كما تبيّن من مذهب سيبويه ، أعني حذف همزة الاستفهام قبل هذه الأسماء وعراقة الهمزة في الاستفهام فلا يجمع بين حرفي استفهام ، قال :
__________________
(١) الآية ٣٦ سورة المطففين ؛
(٢) الآية ٦٠ سورة الرحمن ؛
(٣) من قصيدة لدريد بن الصمة في رثاء أخيه عبد الله يقول فيها :
تنادوا فقالوا أردت الخيل فارسا |
|
فقلت : أعبد الله ذلكم الرّدى |
وذكر البغدادي قصة طويلة في سبب قتله ، وغزيّة اسم قبيلة دريد بن الصمة ؛
(٤) الآية ١٤ سورة هود ؛
٩١٢ ـ أم هل كبير بكى لم يقض عبرته |
|
إثر الأحبة يوم البين مشكوم (١) |
وقال الله تعالى : (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ)(٢) ، وقال الشاعر :
أم كيف ينفع ما تعطي العلوق به |
|
رئمان أنف إذا ما ضنّ باللبن (٣) ـ ٨٩٢ |
وغير ذلك ؛
وإذا جاءت «أم» بعد اسم الاستفهام ، فلا بدّ من إعادة ذلك الاسم بعد «أم» ، نحو : من يطعمني ، أم من يسقيني ، و : أين آكل أم أين أشرب ، إذا قصدوا إشراك ما بعد أم ، فيه (٤) ، فلا يجوز : من يطعمني أم يسقيني ؛ وإن لم يقصد إشراكه فيه ، نحو : من يطعمني أم يسقيني زيد ، جاز ،
وإنما وجب إعادته مع الإشراك فيه ، لأن «أم» منقطعة ، إذ المتصلة لا بدّ لها من تقدم الهمزة ، وأم المنقطعة حرف استئناف وهي بمعنى «بل» وساذج الاستفهام الذي هو معنى الهمزة ، فلا تفيد معنى الأسماء الاستفهامية المتقدمة ، لأن معناها : أشياء مقرونة بمعنى الاستفهام فإذا قصدت معناها ولم يستفد من «أم» لا بالعطف ، لأن المنقطعة حرف استئناف ، كما ذكرنا ، ولا بالتضمين ، كما تضمنت معنى الهمزة ، لم يكن لك بدّ من التصريح بها بعد «أم» ؛
وأما «هل» ، فيجوز فيها ترك الإعادة ، لأنها لساذج الاستفهام كالهمزة ، ويجوز الإعادة تشبيها بأخواتها الاسمية في عدم العراقة وقد جمعهما الشاعر في قوله :
٩١٣ ـ هل ما علمت وما استودعت مكتوم |
|
أم حبلها إذ نأتك اليوم مصروم (٥) |
أم هل كبير بكى لم يقض عبرته |
|
إثر الأحبة يوم البين مشكوم |
وربّما أبدلت هاء «هل» همزة ؛
__________________
(١) ثاني بيت في قصيدة طويلة من المفضليات لعلقمة بن عبدة المعروف بعلقمة الفحل ، وسيأتي المطلع قريبا ، ومشكوم أي مجازى بما فعل ، يعني هل يجازى حين يبكي على فراق أحبابه يوم البين ؛
(٢) النمل ٦٢.
(٣) تقدم الكلام عليه قريبا ، ص ٤٠٦ في هذا الجزء ؛
(٤) متعلق بإشراك في قوله إذا قصدوا الخ ؛
(٥) هذا هو مطلع قصيدة علقمة الفحل ، ومعه البيت الذي يليه والذي تقدم قبل قليل ؛
ومن خواص الهمزة : جواز ذكر المفرد ، بعدها ، اعتمادا على ما سبق من ذكر ما يتم به ذلك المفرد في كلام متكلم آخر ، نحو قولك منكرا ، أو مستفهما : أزيد ، أو : أزيدا ، أو : أبزيد ، جوابا لمن قال : جاءني زيد ، أو : رأيت زيدا ، أو : مررت بزيد ؛
ولا تقول : هل زيد ، وهل زيدا ، وهل بزيد ؛
[حروف الشرط]
[إن ، ولو ، والفرق بينهما]
[أمّا ومعناها]
[قال ابن الحاجب :]
«حروف الشرط : ان ، ولو ، وأمّا ، لها صدر الكلام ، فإن»
«للاستقبال ، ولو للمضي ، ويلزمان الفعل لفظا أو تقديرا ،»
«ومن ثمّ قيل : لو أنك بالفتح ، لأنه فاعل ، وانطلقت ،»
«بالفعل ، موضع : منطلق ، ليكون كالعوض ، وإن كان»
«جامدا ، جاز لتعذره» ؛
[قال الرضي :]
إنما كان لها صدر الكلام ، لما تقدم في باب «إن» (١) ؛
قوله : «فإن ، للاستقبال ، يعني سواء دخلت على المضارع أو الماضي ، وكذا لو ، للمضيّ ، على أيّهما دخلت ، قال تعالى : (لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ)(٢) ،
__________________
(١) من تغييرها لمعنى الكلام ؛
(٢) الآية ٧ في سورة الحجرات ؛
هذا وضعهما ، كما مرّ في الظروف المبنية ، ومرّ فيها طرف من أحوالهما (١) ؛
ومذهب الفراء : أن «لو» تستعمل في المستقبل ، كإن ، وذلك مع قلّته ، ثابت لا ينكر ، نحو : اطلبوا العلم ولو بالصين ؛
ثم ان النحاة قالوا : ان «لو» لامتناع الثاني لامتناع الأول ، وقال المصنف : بل هي لامتناع الأول لامتناع الثاني ، قال : وذلك لأن الأول سبب والثاني مسبّب ، والمسبّب قد يكون أعمّ من السبب ، كالإشراق ، الحاصل من النار ، والشمس ، قال : فالأولى أن يقال : لانتفاء الأول لانتفاء الثاني ، لأن انتفاء المسبّب يدل على انتفاء كل سبب ؛
وفيما قال نظر (٢) ؛ لأن الشرط عندهم ملزوم ، والجزاء لازم ، سواء كان الشرط سببا كما في قولك : لو كانت الشمس طالعة لكان النهار موجودا ، أو شرطا ، كما في قولك : لو كان لي مال لحججت ، أو ، لا شرطا ولا سببا ، كقولك : لو كان زيد أبي لكنت ابنه ، ولو كان النهار موجودا لكانت الشمس طالعة ؛
والصحيح أن يقال كما قال المصنف : هي موضوعة لامتناع الأول لامتناع الثاني ، أي أن امتناع الثاني دلّ على امتناع الأول ، لكن لا للعلة التي ذكرها ، بل لأن «لو» موضوعة ليكون جزاؤها مقدّر الوجود في الماضي ، والمقدر وجوده في الماضي يكون ممتنعا فيه ، فيمتنع الشرط الذي هو ملزوم ، لأجل امتناع لازمه ، أي الجزاء ، لأن الملزوم ينتفي بانتفاء لازمه ؛
وقد يجيء جواب «لو» قليلا ، لازم الوجود في جميع الأزمنة في قصد المتكلم ، وآية ذلك أن يكون الشرط مما يستبعد استلزامه لذلك الجزاء ، بل يكون نقيض ذلك الشرط أنسب ، وأليق باستلزام ذلك الجزاء ، فيلزم استمرار وجود ذلك الجزاء على كل تقدير ، لأنك تحكم في الظاهر أنه لازم للشرط الذي نقيضه أولى باستلزام ذلك الجزاء ، فيكون ذلك الجزاء لازما لذلك الشرط ولنقيضه ، فيلزم وجوده أبدا ، إذ النقيضان لا يرتفعان ؛
__________________
(١) في الجزء الثالث من هذا الشرح ؛
(٢) النظر الذي نقد به الرضي كلام ابن الحاجب ، يرجع إلى التعليل الذي قاله ابن الحاجب ، ولكنه يوافقه على ما قال من معنى لو ؛
مثاله : لو أهنتني لأكرمتك ، فإذا استلزمت الاهالة الاكرام ، فكيف لا يستلزم الاكرام والاكرام ؛ ومنه قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ) إلى قوله : (ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ)(١) ، أي : لبقيت ، وقول عمر رضي الله عنه : نعم العبد صهيب (٢) لو لم يخف الله لم يعصه ، أي : لو أمن لأطاع ، وقوله تعالى : (وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا)(٣) ؛
ولكون «لو» بمعنى الماضي وضعا ، لم يجزم بها إلا اضطرارا ، لأن الجزم من خواص المعرب والماضي مبني ؛ قال :
٩١٤ ـ لو يشأ ، طار به ذو ميعة |
|
لاحق الآطال نهد ذو خصل (٤) |
وزعم بعضهم أن جزمها مطرد على بعض اللغات ؛
قوله : «وتلزمان الفعل لفظا أو تقديرا» ، أمّا في نحو : لو ذات سوار لطمتني (٥) ، ولو زيدا ضربته ، فلا كلام في تقدير الفعل ؛ وأمّا في نحو : لو زيدا ضربت ، فينبغي أن يكون على الخلاف الذي ذكرنا في : إن زيدا ضربت ؛
وجاء في الضرورة ، شرطها : اسميّة ، قال :
لو بغير الماء حلقي شرق |
|
كنت كالغصّان بالماء اعتصاري (٦) ـ ٦٤٤ |
وهذا من باب وضع الاسمية موضع الفعلية ، كما في قوله :
... فهلّا نفس ليلى شفيعها (٧) ـ ٦٤٥
قوله : «ومن ثمّ قيل : لو أنك بالفتح ، لأنه فاعل» ؛ هذا مذهب المبرد ، أعني
__________________
(١) الآية ٢٧ سورة لقمان ؛
(٢) المراد : صهيب الرومي أحد السابقين إلى الإسلام ؛
(٣) الآية ٢٣ سورة الأنفال ؛
(٤) من أبيات قال البغدادي انها لامرأة من بني الحارث بن كعب ، تصف قتيلا بالشجاعة وانه كان يستطيع الهرب ، وذميعة أي ذو نشاط ، صفة للفرس ؛
(٥) كلام قاله حاتم الطائي وقد لطمته إحدى الجواري وكان أسيرا ، وتقدم ذكر القصة ؛
(٦) تقدم في هذا الجزء ص ٥٥
(٧) وهذا البيت أيضا تقدم في ص ٥٥
تقدير الفعل بعد «لو» التي تليها «أنّ» ؛ وقال السيرافي : ان الذي عندي : أنه لا يحتاج إلى تقدير الفعل ، ولكن «أنّ» تقع نائبة عن الفعل الذي يجب وقوعه بعد «لو» ، لأن خبر «أنّ» ، إذن ، فعل ، ينوب لفظه عن الفعل بعد «لو» ، فإذا قلت : لو أنّ زيدا جاءني ، فكأنك قلت : لو جاءني زيد ؛
قوله : «انطلقت موضع منطلق» ، يعني أنّ «أنّ» إذا وقعت بعد «لو» المحذوف شرطها ، فخبرها إن كان مشتقا وجب أن يكون فعلا ، لأن الفعل المقدر ، لا بدّ له من مفسّر ، و «أنّ» لكونها دالة على معنى التحقيق والثبوت : تدل على معنى «ثبت» ، فلزم أن يكون خبر «أن» فعلا ماضيا ، لا اسم فاعل ، ليكون كالعوض من لفظ الفعل المفسّر ، وأمّا المعنى فقد ذكرنا أن «أنّ» دلت عليه ؛
وإن لم يكن مشتقا ، جاز ، للتعذر ، كقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ ..)(١) ، وأمّا قوله تعالى : (يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ)(٢) ، فلأن «لو» بمعنى «أن» المصدرية ، وليست بشرطية ، لمجيئها بعد فعل دال على التمني ؛
ومنهم من لا يشترط مجيء الفعل في خبر «أنّ» الواقعة بعد «لو» ، وإن كان مشتقا ، أيضا ، كما ذهب إليه ابن مالك ، قال الأسود بن يعفر :
٩١٥ ـ هما خيياني كل يوم غنيمة |
|
وأهلكتهم لو أن ذلك نافع (٣) |
وقال كعب :
__________________
(١) الآية السابقة من سورة لقمان ؛
(٢) الآية ٢٠ سورة الأحزاب ؛
(٣) في قصة طويلة ذكرها البغدادي في الخزانة ، أن الجراح بن الأسود بن يعفر اغتصب فرسا اسمها العصماء ، وعاد بها إلى أبيه وتكفل رجلان بإعادتها إليه ، وهما حرير بن شمر ، ورافع بن صهيب ، واحتالا على الأسود وأخذا منه الفرس وهما المقصودان في قوله : هما خيباني والضمير يرجع إليهما في بيت قبله ، ومعنى خيّباني أصاباني بالخيبة وضياع ما كنت أرجو من الاستيلاء على هذه الفرس ، وقوله : أهلكتهم ، أي هجوتهم قال البغدادي : معناه أهلكتهم بالهجاء ، ثم عقب على ذلك بقوله إن المعنى يجعل قوله لو أن ذلك نافع ، من قبيل لو الدالة على التمني فيخرج عما أورده الشارح له ؛
٩١٦ ـ أكرم بها خلّة لو أنها صدقت |
|
موعودها ، أو لو أنّ النصح مقبول (١) |
ومع هذا ، فلا شك أن استعمال الفعل في حيّز خبر «أنّ» الواقعة بعد «لو» أكثر وإن لم يكن لازما ؛
وإذا حصل الفعل ، فالأكثر كونه ماضيا ، لكونه كالعوض من شرط «لو» ، الذي هو الماضي ، وقد جاء مضارعا ، قال :
٩١٧ ـ تمدّ بالأعناق أو تلويها |
|
وتشتكي لو أننا نشكيها (٢) |
وجواب «لو» إمّا فعل مجزوم بلم ، نحو : لو ضربتني لم أضربك ، أو ماض في أوله لام مفتوحة ، وتحذف هذه اللام قليلا ؛
وإن وقعت «لو» مع ما في حيّزها صلة ، فحذف اللام كثير ، نحو : جاءني الذي لو ضربته شكرني ، وذلك للطول ، وكذا إذا طال الشرط بذيوله ، كقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ) إلى قوله : (ما نَفِدَتْ)(٣) ، ولا يكون جواب «لو» اسمية ، بخلاف جواب «إن» ، لأن الاسمية صريحة في ثبوت مضمونها واستقراره ، ومضمون جواب «لو» منتف ممتنع ، كما ذكرنا ؛
وأمّا قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ)(٤) ، فلتقدير القسم قبل «لو» وكون الاسمية جواب القسم لا جواب «لو» ، كما في قوله تعالى : «وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ
__________________
(١) هذا البيت من قصيدة بانت سعاد التي مدح بها كعب بن زهير ، النبي صلّى الله عليه وسلّم ، وهو من الأبيات الأولى فيها ، أي من مقدمتها الغزلية ، وأكرم بها يعني ما أكرمها ، والضمير يرجع إلى سعاد ، وخلة بمعنى خليلة وصديقة ؛
(٢) هو رجز في وصف ما تعانيه الابل من طول السفر ، فهي تمد أعناقها وهذه عادة الابل إذا أعيت ، وقوله نشكيها بضم النون أي نزيل ما كان سببا في شكواها ولم يذكر أحد اسم قائل هذا الرجز ، وقد أنشده ابن جني في الخصائص بدون نسبة ، وأورده أبو زيد الأنصاري في النوادر ؛ وغيرهما ، ولم ينسبه أحد منهم ؛
(٣) إشارة إلى الآية السابقة من سورة لقمان ؛
(٤) الآية ١٠٣ سورة البقرة.
إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ» (١) ، وقوله تعالى : (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ ، لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ)(٢) ، وجواب القسم سادّ مسدّ جواب «لو» ،
وذهب جار الله (٣) إلى أن الاسمية في الآية جواب «لو» ، قال : وإنما جعل جوابها اسمية ، للدلالة على استقرار مضمون الجزاء ؛
[اجتماع الشرط والقسم]
[تفصيل ذلك]
[قال ابن الحاجب :]
«وإذا تقدم القسم أوّل الكلام على الشرط ، لزمه الماضي»
«لفظا أو معنى ، وكان الجواب للقسم لفظا ، مثل : والله إن»
«أتيتني أو إن لم تأتني : لأكرمنّك ؛ وإن توسط بتقدم الشرط»
«أو غيره ، جاز أن يعتبر ، وأن يلغى ، كقولك : أنا والله»
«إن تأتني آتك وإن أتيتني لآتينك ، وإن أتيتني فو الله»
«لآتينك ، وتقدير القسم كاللفظ به ، مثل : لئن أخرجوا»
«و : إن أطعتموهم ..» ؛
[قال الرضي :]
اعلم أن القسم إذا تقدم على الشرط ، فإمّا أن يتقدّم على القسم ، ما يطلب الخبر ،
__________________
(١) الآية ١٢١ سورة الأنعام ؛
(٢) الآيتان ٥ ، ٦ سورة التكاثر ؛
(٣) ذكر هذا في تفسيره : الكشاف عند الآية : ولو أنهم آمنوا واتقوا ، لمثوبة من عند الله ؛
نحو : زيد والله إن أتيته يأتك ، وإن زيدا والله إن أكرمته يجازك ؛ أو لا يتقدم ، والأول قد يجيء الكلام عليه في قوله : وإن توسط بتقدم الشرط ... وكلامه الآن فيما لم يتقدم عليه طالب خبر ، بدليل قوله : أوّل الكلام ؛
فتقول :
إذا تقدم القسم أوّل الكلام ، ظاهرا أو مقدرا ، وبعده كلمة الشرط ، سواء كانت «إن» أو «لو» أو «لولا» ، أو أسماء الشرط ؛ فالأكثر والأولى : اعتبار القسم دون الشرط ، فيجعل الجواب للقسم ويستغنى عن جواب الشرط ، لقيام جواب القسم مقامه ، أمّا في «إن» فكقوله تعالى : (لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ ، وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ)(١) ، الآية ؛ وأمّا في «لو» فكقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ)(٢) ، وقوله تعالى : (لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ)(٣) ، وتقول : والله أن لو جئتني لجئتك ، واللام جواب القسم ، لا جواب «لو» ، ولو كانت جواب «لو» ، لجاز حذفها ، ولا يجوز في مثله ، وكذا تقول : والله لو جئتني ما جئتك ، ولا تقول : لما جئتك ولو كان الجواب للو ، لجاز ذلك ؛ و «أن» التي بين «لو» والقسم عند سيبويه : موطئة كاللام قبل «إن» وقبل أسماء الشرط ، وعند غيره زائدة ؛ وأمّا في «لولا» فتقول : والله لولا زيد لضربتك ، قال :
٩١٨ ـ والله لو لا شيخنا عبّاد |
|
لكمرونا اليوم أو لكادوا (٤) |
واللام جواب القسم ، لا جواب «لولا» ولذا لم يجز حذفها ؛
وأمّا في أسماء الشرط فكقوله تعالى : «وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ
__________________
(١) الآية ١٢ سورة الحشر ؛
(٢) تقدمت قريبا ..
(٣) الآية المتقدمة من سورة التكاثر ؛
(٤) هذا رجز مجهول القائل ، حاصل معناه أن قوما تباروا في عظم الكمر ، جمع كمرة وهي رأس الذكر ، فيقول هذا الراجز أن واحدا من كبارنا اسمه عبّاد هو الذي جعلنا نغلبهم ولولاه لغلبونا ؛
وَحِكْمَةٍ) ، إلى قوله (لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ)(١) وقوله : (لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ)(٢) ؛
ويجوز قليلا ، في الشعر : اعتبار الشرط وإلغاء القسم مع تصدّره ، كقول الأعشى :
٩١٩ ـ لئن منيت بنا عن غبّ معركة |
|
لا تلفنا عن دماء القوم ننتفل (٣) |
وقال : ـ
٩٢٠ ـ لئن كان ما حدثته اليوم صادقا |
|
أصم في نهار القيظ للشمس باديا (٤) |
وقال : ـ
٩٢١ ـ حلفت له : إن تدلج الليل لا يزل |
|
أمامك بيت من بيوتي سائر (٥) |
وأمّا لو عكس الأمر ، يعني تقدّم الشرط على القسم ، فالواجب : اعتبار الشرط ، ولك بعد ذلك إلغاء القسم نحو : إن جئتني والله أكرمك ، واعتباره مع اعتبار الشرط نحو : إن جئتني فو الله لأكرمنّك ؛
وتعليل هذه الأحكام مبني على مقدمة ، وهي أن أداتي القسم والشرط : أصلهما التصدّر ، كالاستفهام ، لتأثيرهما في الكلام معنى ، ثم إن كلّا منهما لكثرة استعمالهم له ، وبعدهما عمّا يؤثّران فيه ، أي جوابهما ، قد يسقط عن درجة تصدّره على جوابه ، فيلغى باعتباره ، أي : لا يكون في الجوابين علامتاهما ، أمّا الشرط فنحو : آتيك ان تأتني ، وأمّا
__________________
(١) الآية ٨١ سورة آل عمران ؛
(٢) الآية ١٨ سورة الأعراف ؛
(٣) من معلقة الأعشى ، وتكررت أبياتها في هذا الشرح للاستشهاد بها ، وقوله عن غبّ أي عقب معركة لا تلفنا أي لا تجدنا ، من ألفى بمعنى وجد ، ومفعولها الثاني : جملة ننتقل ، أي نتنصل ونتبرّأ والمعنى : لا نترك القتال ولا نحيد عنه ؛
(٤) أحد بيتين أنشدهما الفراء وقال أنشدنيهما بعض بني عقيل ، بصيغة التصغير. والبيت الثاني بعد هذا ، وهو :
وأركب حمارا بين سرج وفروة |
|
وأعر من الخاثام صغرى شماليا |
(٥) قال البغدادي نقلا عن الفراء إن هذا البيت أنشده القاسم بن معن عن بعض العرب ، ومعناه : إن سرت في الليل فإنك تكون في حراستي وضيافتي حتى تصل مأمنك ، ومعنى البيت جميل ، ولكن غير معروف القائل ؛
القسم فنحو : زيد والله قائم ، وزيد قائم والله ، فيضعف أمرهما ، فلا يكون لهما جواب لفظا ؛ وأمّا من حيث المعنى ، فالذي يتقدم على الشرط جوابه ، وكذا ما يتقدم على القسم أو يتخلّله القسم ، لكن القسم أكثر إلغاء من الشرط ، لأنه أكثر دورانا في الكلام ، حتى رفع الله المؤاخذة به بلا نيّة ، لتمرّن ألسنتهم عليه ، وسماه لغوا فقال تعالى : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ)(١) ؛
وأيضا ، تأثيره في الأصل ، في معنى الجواب : أقل من تأثير الشرط في جوابه ، لأن القسم مؤكد للمعنى الثابت فيه ، فهو كالزائد الذي يتم معنى الكلام بدونه ، والشرط مورد في جوابه معنى لم يكن فيه ، وهو التوقيف (٢) ، فكانت أداة القسم أليق بالإلغاء عن جوابه ، من أداة الشرط ، فلهذا قد يلغى القسم عن الجواب مع إمكان أن لا يلغى ، بخلاف الشرط ؛ تقول : أنا والله أكرمك ، بالإلغاء ، وقد أمكنك أن تعتبره فتقول : لأكرمنك ، ولا تقول : أنا إن لقيني أكرمك بالرفع على أن «اكرمك» خبر المبتدأ وأداة الشرط ملغاة ، بل تقول : أكرمك باعتبار الشرط ، والجملة الشرطية خبر المبتدأ ، ولهذا حمل قوله :
إنك إن يصرع أخوك تصرع (٣) ٥٦٦
على التقديم والتأخير ، لضرورة الشعر ؛
فإذا تقرّرت هذه المقدمة ، قلنا : إذا تقدم القسم على كلمات الشرط ، فاعتبار القسم أولى ، لتقوّي القسم بالتصدّر الذي هو أصله ، وضعف الشرط بالتوسط ؛
ولا استدلال فيه للكوفيين على أن إعمال الأول في باب التنازع أولى ، لأن الأوّل ، وإن كان بعد من الثاني ، إلّا أن هذا البعيد تقوّى بالتصدر الذي هو حقه وأصله ، والقريب ضعيف بالتوسط الذي هو خلاف وضعه وأصله ؛
__________________
(١) الآية ٨٩ سورة المائدة ؛
(٢) يقصد أن حصول الجواب متوقف على حصول الشرط ؛
(٣) تقدم في أكثر من موضع ، وانظر فهرس الشواهد ؛
وجاز ، قليلا بالنظر إلى ضعف القسم في نفسه ، كما ذكرنا : أن يرجّح الشرط فيعتبر ، لأجل كونه أقرب إلى الجواب ، ويلغى القسم ، كما مرّ في قوله :
لئن منيت بنا عن غبّ معركة (١) ... البيت ـ ٩١٩
وإذا تقدم الشرط على القسم ، وجب اعتباره ، لتقوّيه بالتصدّر مع كونه في الأصل أقوى من القسم ؛ ويجوز لك بعد هذا : اعتبار القسم لإمكانه ، نحو : إن أتيتني فو الله لآتينّك ، فالقسم وجوابه : جواب الشرط ؛
ويجوز إلغاء القسم لتوسطه كما ذكرنا : أنه قد يلغى لضعفه مع إمكان اعتباره ، فتقول : إن أتيتني والله آتك ، فآتك جواب الشرط ، والشرط وجوابه دالّ على جواب القسم وسادّ مسدّه ؛
وأمّا إذا تقدم «لو» و «لولا» على القسم ، فالواجب إلغاء القسم ، لأن جوابهما لا يكون إلا جملة فعلية خبرية ، ولا يصح أن يكون جملة قسمية تقول : لو جئتني والله ، لأكرمنّك ، ولو لا زيد والله لضربتك ؛
قوله : «وإن توسط» ، أي القسم ؛ قوله : «بتقدم الشرط» ، قد ذكرناه ، قوله : «أو غيره» يعني طالب الخبر ، كالمبتدأ بلا ناسخ أو مع الناسخ ، جاز أن يعتبر القسم وأن يلغى ، سواء تقدم على الشرط أو تأخر عنه ، فإن تقدم مع الإلغاء فنحو : أنا والله إن أتيتني آتك ، ألغيت القسم مع تقدمه على الشرط ، وجواز اعتباره ، لتقدم المبتدأ عليه ، فالجملة الشرطية مع الجواب خبر المبتدأ ، والقسم لغو ، كما في : زيد والله بقوم ؛
وتقول مع الاعتبار : أنا والله إن تأتني لآتينّك ، اعتبرته نظرا إلى تقدمه على الشرط وجعلت الجملة القسمية مع جوابها خبر المبتدأ فهو كقولك : زيد والله ليقومنّ ؛
وهذا كله بناء على ما تقدم من أنه ، لضعفه ، قد يلغى مع إمكان الاعتبار ، إذا كان هناك لجوابه طالب آخر ؛
__________________
(١) تقدم قبل قليل ؛
وإن تأخر عن الشرط مع الإلغاء ، فنحو : أنا إن أتيتني والله آتك ، ألغيته لتقدم طالبين للجواب عليه ، أعني المبتدأ ، والشرط ؛
وتقول مع الاعتبار : أنا إن أتيتني فو الله لآتينّك ، جعلت الجملة القسمية مع جوابها جواب الشرط ، والجملة الشرطية مع جوابها خبر المبتدأ ؛
وإن توسّط القسم بتوسط غير الشرط ، أي طالب الخبر عليه ، ولم يكن هناك لا شرط متقدم على القسم ولا متأخر عنه ، فإن كان الخبر جملة ، جاز أن يعتبر القسم وأن يلغى نحو : أنا والله لأقومنّ ، وأنا والله أقوم ؛
وإن كان الخبر مفردا ، وجب إلغاء القسم لاستحالة اعتباره ، لأن جواب القسم لا يكون إلا جملة ، وذلك نحو : أنا والله قائم ؛
وعلى هذا ، لا يحسن إطلاق قول المصنف : وإن توسط بتقدم غير الشرط ، جاز اعتباره وإلغاؤه ؛
وطريق الحصر أن نقول :
القسم إمّا أن يتقدم أوّل الكلام ، أو يتوسطه ، أو يتأخر عنه ؛ فإن تقدم ، وجب اعتباره ، سواء وليه الشرط نحو : والله إن أتيتني لآتينّك ، أو ، لا ، نحو : والله إني آتيك ؛
وإن توسط الكلام ، فإمّا أن يتقدّم عليه الشرط ، أو ، لا ، فإن تقدم عليه وجب اعتبار الشرط ، وجاز إلغاء القسم واعتباره ، سواء تقدم على ذلك الشرط طالب خبر ، نحو : أنا إن أتيتني فو الله لآتينّك ، وأنا إن أتيتني والله آتك ؛ أو لم يتقدم عليه ذلك نحو : إن أتيتني فو الله لآتينك وإن أتيتني والله آتك ؛
وإن لم يتقدم الشرط على هذا القسم المتوسط ، فإمّا أن يتأخر عنه الشرط أو ، لا ؛ فإن تأخر ؛ فإن اعتبرت القسم ألغيت الشرط ، نحو : أنا والله إن أتيتني لآتينّك ، وإن ألغيته اعتبرت الشرط نحو : أنا والله إن تأتني آتك ؛ وإن لم يتأخر عنه الشرط ، فإن جاء