شرح الرضيّ على الكافية

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي

شرح الرضيّ على الكافية

المؤلف:

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي


المحقق: يوسف حسن عمر
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات مؤسّسة الصادق
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٢

ما لم تلقني ومعناهما الاستقبال ، كما مرّ في باب الماضي ، ويقل كونها فعلا مضارعا ؛

وصلة «ما» المصدرية ، لا تكون ، عند سيبويه ، إلا فعلية ، وجوّز غيره أن تكون اسمية ، أيضا ، وهو الحقّ ، وإن كان ذلك قليلا ، كما في نهج البلاغة : «بقوا في الدنيا ، ما الدنيا باقية» ؛ وقال الشاعر :

٩٠٥ ـ أعلاقة أمّ الوليّد بعد ما

أفنان رأسك كالثغام المخلس (١)

وأجاز ابن جني ، كون صلتها جارّا ومجرورا ، فيجوز على مذهبه : ما خلا زيد وما عدا زيد ، بالجر ، و «ما» مصدرية ؛

وأمّا «أن» المصدرية ، فلا تدخل إلا على الفعل المتصرف ، وهو إمّا ماض ، كقوله تعالى : (لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا)(٢) ، أو مضارع ، ولها فيه خاصة ، تأثيران آخران : نصبه وتخصيصه بالاستقبال ؛ أو ، أمر أو نهي ، على مذهب سيبويه ، كما مرّ ؛

وتميم ، وأسد ، يقلبون همزتها عينا ، وينشدون :

أعن ترسّمت من خرقاء منزلة

ماء الصبابة من عينيك مسجوم (٣) ـ ٨٣٥

وأمّا «أنّ» المشدّدة ، فتوصل بمعموليها إذا كانت عاملة ، وإذا كفّت ، فبالجملة الاسمية أو الفعلية ؛

ومن الحروف المصدرية «كي» ، إذا دخلتها لام التعليل ؛ ، نحو : لكي تخرج ، وهي بمعنى «أن» وتختص بالمضارع ، وقد ذكرنا الخلاف فيها ، في نواصب الفعل المضارع (٤) ، فمن حتم كونها حرف جرّ ، لم يجعلها في مثالنا مصدرية ، بل قدّر «أن» بعدها ؛

__________________

(١) أمّ الوليد تصغير وليد ، ورواه بعضهم بدون تصغير وهو بالتصغير أقوى في وزن البيت والثغام نبت تبرز منه خيوط طوال دقاق ، والمخلس الذي اختلط بياضه بالسواد ، فإذا صار أبيض كله ، قيل ممحل فيكون أشبه بالشيب والبيت للمرّار الفقعسيّ ؛

(٢) الآية ٨٢ سورة القصص ؛

(٣) تقدم في هذا الجزء ص ٣٤٨ ؛

(٤) انظر ص ٤٨ وما بعدها في هذا الجزء ؛

٤٤١

ومنها «لو» إذا جاءت بعد فعل يفهم منه معنى التمني ، نحو قوله تعالى : (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ)(١) ، وقال :

٩٠٦ ـ تجاوزت أحراسا إليها ومعشرا

عليّ حراصا ، لو يسرّون مقتلي (٢)

وصلتها كصلة «ما» إلّا أنها ، لا تنوب عن ظرف الزمان ؛

وقد يستغنى بلو ، عن فعل التمني ، فينصب الفعل بعدها مقرونا بالفاء نحو : لو كان لي مال فأحجّ ، أي أتمنى وأودّ لو كان لي مال ؛ قال تعالى : (لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)(٣) ؛

[حروف التحضيض]

[اختصاصها بالفعل]

[قال ابن الحاجب :]

«حروف التحضيض : هلّا ، وألّا ، ولو لا ، ولو ما ، لها صدر» «الكلام وتلزم الفعل لفظا أو تقديرا» ؛

[قال الرضي :]

اعلم أن معناها إذا دخلت في الماضي : التوبيخ واللوم على ترك الفعل ، ومعناها في المضارع : الحضّ على الفعل والطلب له ، فهي في المضارع بمعنى الأمر ؛

__________________

(١) الآية ٩ سورة القلم ؛

(٢) هو من معلقة امرئ القيس ، والأحراس جمع حرس ، وحراص. جمع حريص مثل كريم وكرام ؛ ومقتلي : مصدر ميمي بمعنى قتلي ؛

(٣) الآية ٥٨ سورة الزمر ؛

٤٤٢

ولا يكون التحضيض في الماضي الذي قد فات ، إلّا أنها تستعمل كثيرا في لوم المخاطب على أنه ترك في الماضي شيئا ، يمكنه تداركه في المستقبل ، فكأنها من حيث المعنى ، للتحضيض على فعل مثل ما فات ؛

وقلّما تستعمل في المضارع ، أيضا ، الّا في موضع التوبيخ واللّوم على ما كان يجب أن يفعله المخاطب قبل أن يطلب منه ؛

فإن خلا الكلام من التوبيخ ، فهو العرض ، فتكون هذه الأحرف للعرض ؛

وتستعمل في ذلك المعنى : «ألا» مخففة ، أيضا ، و «لو» التي فيها معنى التمني ، نحو : لو نزلت فأكلت ، و «أما» نحو : أما تعطف عليّ ؛

قوله : «وتلزم الفعل لفظا» ، نحو : (لَوْ لا أَرْسَلْتَ ..)(١) و : (لَوْ ما تَأْتِينا)(٢) أو تقديرا نحو قوله :

تعدّون عقر النيب أفضل مجدكم

بني ضوطرى ، لولا الكمى المقنّعا (٣) ـ ١٥٩

ويجوز : هلّا زيدا ضربته ؛

وجاءت الاسمية بعدها في ضرورة الشعر ، نحو قوله :

يقولون ليلى أرسلت بشفاعة

إليّ فهلّا نفس ليلى شفيعها (٤) ـ ٦٤٥

وإذا وليها الظرف فهو منتصب بالفعل الذي بعده ، لا بمقدر قبله ، كما في قوله تعالى : (وَلَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ..)(٥) ، لأن الظرف يتّسع فيه ، وأمّا إذا كان الفاصل منصوبا غير الظرف ، نحو : هلّا زيدا ضربت فهو على الخلاف الذي مضى ؛ ولزومها صدر الكلام لما مرّ قبل ؛

__________________

(١) الآية ١٣٤ سورة طه ؛

(٢) الآية ٧ سورة الحجر ؛

(٣) من شعر جرير ، وتقدم في الجزء الأول في باب المنصوب على شريطة التفسير ؛

(٤) تقدم ذكره في هذا الجزء ، ص ٥٥

(٥) الآية ٣٩ سورة الكهف ؛

٤٤٣

وقد تجيء الفعلية بعد «لولا» غير التحضيضيّة ، قال :

٩٠٧ ـ ألا زعمت أسماء أن لا أحبّها

فقلت : بلى ، لولا ينازعني شغلي (١)

فتؤوّل بلو لم ، فهي ، إذن ، «لو» التي هي لامتناع الثاني لامتناع الأول ؛ وقيل :

هي «لولا» المختصة بالاسمية ، والفعل صلة لأن ، المقدّرة ، كما في قولهم : تسمع بالمعيديّ ، لا أن تراه ؛

[حرف التوقع]

[معناه ، وشرطه ، وأوجه استعماله]

[قال ابن الحاجب :]

«حرف التوقّع : قد ، وهي في الماضي للتقريب وفي المضارع»

«للتقليل» ؛

[قال الرضي :]

هذا الحرف ، إذا دخل على الماضي أو المضارع فلا بدّ فيه من معنى التحقيق ، ثم إنه ينضاف في بعض المواضع إلى هذا المعنى ، في الماضي : التقريب من الحال مع التوقع ، أي يكون مصدره متوقعا لمن تخاطبه واقعا عن قريب ؛ كما تقول لمن يتوقع ركوب الأمير :

قد ركب .. ، أي : حصل عن قريب ما كنت تتوقعه ، ومنه قول المؤذن : قد قامت الصلاة ؛

__________________

(١) مطلع قصيدة لأبي ذؤيب الهذلي ، وبعده :

جزيتك ضعف الودّ لما اشتكيته

وما إن جزاك الضعف من أحد قبلي

ومن أبيات هذه القصيدة بعض الشواهد النحوية ؛

٤٤٤

ففيه ، إذن ، ثلاثة معان مجتمعة : التحقيق ، والتوقع والتقريب ، وقد يكون مع التحقيق : التقريب فقط ، ويجوز أن تقول : قد ركب ، لمن لم يكن يتوقع ركوبه ؛

ولا تدخل على الماضي غير المتصرّف ، كنعم وبئس وعسى وليس ، لأنها ليست بمعنى الماضي حتى تقرّب معناها من الحال ؛

وتدخل ، أيضا ، على المضارع المجرد من ناصب وجازم وحرف تنفيس ، فينضاف إلى التحقيق في الأغلب : التقليل ، نحو : ان الكذوب قد يصدق ، أي ، بالحقيقة يصدر منه الصدق ، وإن كان قليلا ، وقد تستعمل للتحقيق مجرّدا عن معنى التقليل ، نحو : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ)(١) ، وتستعمل ، أيضا ، للتكثير في موضع التمدّح ، كما ذكرنا في «ربّما» قال تعالى : (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ)(٢) ، وقال :

٩٠٨ ـ قد أترك القرن مصفرّا أنامله

كأن أثوابه مجّت بفرصاد (٣)

ولا تفصل من الفعل ، إلا بالقسم ، نحو : قد والله لقوا الله (٤) ، وقد ، لعمري ، قال كذا ؛ وقد يغني عن الفعل دليل فيحذف بعدها ، قال :

أزف الترحل غير أن ركابنا

لما تزل برحالنا وكأن قد (٥) ـ ٥١٣

__________________

(١) الآية ١٤٤ سورة البقرة ؛

(٢) الآية ١٨ سورة الأحزاب ؛

(٣) من قصيدة لعبيد بن الأبرص ، واصفرار الأنامل كناية عن الموت اي أقتله فينزف دمه ، فتصفر انامله ، والفرصاد ثمر التوت شبه به الدم الذي ينزف من القتيل ؛

(٤) تقدم ذكره

(٥) تقدم ذكره في أكثر من موضع. وانظر فهرس الشواهد ؛

٤٤٥

[حرفا الاستفهام]

[الفرق بين الهمزة ، وهل]

[قال ابن الحاجب :]

«حرفا الاستفهام : الهمزة ، وهل ، لهما صدر الكلام تقول :»

«أزيد قائم ، و : أقام زيد ، وكذا هل ، والهمزة أعمّ»

«تصرّفا ، تقول : أزيدا ضربت ، و : أتضرب زيدا وهو»

«أخوك ، و : أزيد عندك ، و : أثمّ إذا ما وقع ، و : أفمن»

«كان ، و : أومن كان ، دون هل» ؛

[قال الرضي :]

قوله : «لهما صدر الكلام» ، لما مرّ في باب «إنّ» (١) ؛

قوله : «أزيد قائم ، و : أقام زيد ، وكذلك هل» يعني تدخلان على الجملة الاسمية والفعلية ، إلّا أن الهمزة تدخل على كل اسمية ، سواء كان الخبر فيها اسما أو فعلا ، بخلاف «هل» فإنها لا تدخل على اسمية خبرها فعل نحو : هل زيد قام ؛ إلا على شذوذ ، وذلك لأن أصلها : أن تكون بمعنى «قد» ، فقيل : أهل ، قال :

٩٠٩ ـ أهل عرفت الدار بالغريين (٢)

وكثر استعمالها كذلك ، ثم حذفت الهمزة لكثرة استعمالها ، استغناء بها عنها وإقامة لها مقامها ، وقد جاءت على الأصل نحو قوله تعالى : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ)(٣) ، أي : قد أتى ؛

__________________

(١) يقصد أنها تغير معنى الكلام ؛

(٢) من قصيدة لخطام المجاشعي ؛ والمراد بالغريين هنا مكان بالكوفة ، والغريّان منارتان بناهما المنذر الأكبر على قبرين لنديميه وكان يغريهما أي يطليهما بالدماء وفي تفسير المراد منهما كلام كثير ذكره البغدادي ؛

(٣) أول سورة الدهر ؛

٤٤٦

فلما كان أصلها «قد» وهي من لوازم الأفعال ، ثم تطفلت على الهمزة ، فإن رأت فعلا في حيّزها ، تذكرت عهودا بالحمى ، وحنّت إلى الإلف المألوف وعانقته ، وإن لم تره في حيّزها تسلّت عنه ذاهلة ؛

ومع وجود الفعل ، لا تقنع به مفسّرا أيضا ، للفعل المقدر بعدها ، فلا يجوز اختيارا : هل زيدا ضربته ، كما مرّ في المنصوب على شريطة التفسير (١) ؛

قوله : «والهمزة أعمّ» ، يعني أنها تستعمل فيما لم تستعمل فيه «هل» ؛ منها : أنه لا يقال : هل زيد خرج ، لا على كون زيد مبتدأ ، ولا على كونه فاعلا لفعل مقدر ، ولا يقال : هل زيدا ضربت على أن زيدا منصوب بما بعده ، ولا بمقدر ، ولا يقال : هل زيدا ضربته على أن زيدا منصوب بمقدر ، كل ذلك لما تقدم ؛

ومنها : أن الهمزة تستعمل في الإثبات للاستفهام أو للإنكار أيضا ، قال تعالى : (أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ)(٢) ، وقال الشاعر :

٩١٠ ـ أطربا وأنت قنّسريّ (٣) ،

ومن ذلك : أزيدنيه ، في الإنكار (٤) ، ولا تستعمل «هل» للإنكار ؛ وإذا دخلت الهمزة على النافي ، فلمحض التقرير ، أي حمل المخاطب على أن يقرّ بأمر يعرفه ، نحو : (أَلَمْ نَشْرَحْ)(٥) و : (أَلَمْ يَجِدْكَ)(٦) ، و : (أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ)(٧) وهي في الحقيقة للإنكار ،

__________________

(١) في الجزء الأول ؛

(٢) الآية ٢٨ سورة الأعراف ؛

(٣) من أرجوزة أو قصيدة للعجاج أولها :

بكيت والمحتزن البكيّ

وإنما يأتي الصبا الصبيّ

قال البغدادي : القنّسري معناه : الشيخ المسنّ ، ولم يسمع إلا في هذا البيت ؛

(٤) يأتي بحثه في آخر الكتاب ؛

(٥) أول سورة الشرح ؛

(٦) الآية ٦ سورة الضحى ؛

(٧) الآية ٤٠ سورة القيامة ؛

٤٤٧

وإنكار النفي إثبات ؛ وأمّا «هل» فلا تدخل على النافي أصلا ؛ ومنها : أن الهمزة تستعمل مطردا مع «أم» التسوية ، ولا تستعمل «هل» معها ، إلا شاذا ، كما مرّ ؛

وتختص «هل» بحكمين دون الهمزة ، وهما كونها للتقرير في الإثبات ، كقوله تعالى :

(هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ)(١) ، أي ألم يثوّب ، وقولهم : هذه بتلك وهل جزيتك يا عمرو وإفادتها إفادة النافي ، حتى جاز أن يجيء بعدها «الّا» قصدا للإيجاب ، كقوله تعالى : (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ)(٢) وقال :

٩١١ ـ وهل أنا الّا من غزية إن غوت

غويت ، وإن ترشد غزية أرشد (٣)

ومن خصائص الهمزة أن تدخل على الفاء ، والواو ، وثمّ ، كما تقدم في حروف العطف ، ولا تدخل «هل» عليها ، لأنها فرع الهمزة فلا تتصرف تصرّفها ؛

وهذه الحروف تدخل على «هل» ولا تدخل على الهمزة ، لكونها أصلا في الاستفهام الطالب للتصدر ، قال تعالى : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)(٤) ، وقال الشاعر :

وهل أنا إلا من غزية ... البيت ؛

وتقول : إن أكرمتك فهل تكرمني ، ولا تقول : فأتكرمني كما مرّ في الجوازم ، وتقول : أسلّم عليه ثم هل يلتفت إليّ ؛ ولا تجيء الهمزة بعد «أم» ويجوز ذلك في «هل» وسائر كلم الاستفهام ، لعروض معنى الاستفهام فيها ، كما تبيّن من مذهب سيبويه ، أعني حذف همزة الاستفهام قبل هذه الأسماء وعراقة الهمزة في الاستفهام فلا يجمع بين حرفي استفهام ، قال :

__________________

(١) الآية ٣٦ سورة المطففين ؛

(٢) الآية ٦٠ سورة الرحمن ؛

(٣) من قصيدة لدريد بن الصمة في رثاء أخيه عبد الله يقول فيها :

تنادوا فقالوا أردت الخيل فارسا

فقلت : أعبد الله ذلكم الرّدى

وذكر البغدادي قصة طويلة في سبب قتله ، وغزيّة اسم قبيلة دريد بن الصمة ؛

(٤) الآية ١٤ سورة هود ؛

٤٤٨

٩١٢ ـ أم هل كبير بكى لم يقض عبرته

إثر الأحبة يوم البين مشكوم (١)

وقال الله تعالى : (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ)(٢) ، وقال الشاعر :

أم كيف ينفع ما تعطي العلوق به

رئمان أنف إذا ما ضنّ باللبن (٣) ـ ٨٩٢

وغير ذلك ؛

وإذا جاءت «أم» بعد اسم الاستفهام ، فلا بدّ من إعادة ذلك الاسم بعد «أم» ، نحو : من يطعمني ، أم من يسقيني ، و : أين آكل أم أين أشرب ، إذا قصدوا إشراك ما بعد أم ، فيه (٤) ، فلا يجوز : من يطعمني أم يسقيني ؛ وإن لم يقصد إشراكه فيه ، نحو : من يطعمني أم يسقيني زيد ، جاز ،

وإنما وجب إعادته مع الإشراك فيه ، لأن «أم» منقطعة ، إذ المتصلة لا بدّ لها من تقدم الهمزة ، وأم المنقطعة حرف استئناف وهي بمعنى «بل» وساذج الاستفهام الذي هو معنى الهمزة ، فلا تفيد معنى الأسماء الاستفهامية المتقدمة ، لأن معناها : أشياء مقرونة بمعنى الاستفهام فإذا قصدت معناها ولم يستفد من «أم» لا بالعطف ، لأن المنقطعة حرف استئناف ، كما ذكرنا ، ولا بالتضمين ، كما تضمنت معنى الهمزة ، لم يكن لك بدّ من التصريح بها بعد «أم» ؛

وأما «هل» ، فيجوز فيها ترك الإعادة ، لأنها لساذج الاستفهام كالهمزة ، ويجوز الإعادة تشبيها بأخواتها الاسمية في عدم العراقة وقد جمعهما الشاعر في قوله :

٩١٣ ـ هل ما علمت وما استودعت مكتوم

أم حبلها إذ نأتك اليوم مصروم (٥)

أم هل كبير بكى لم يقض عبرته

إثر الأحبة يوم البين مشكوم

وربّما أبدلت هاء «هل» همزة ؛

__________________

(١) ثاني بيت في قصيدة طويلة من المفضليات لعلقمة بن عبدة المعروف بعلقمة الفحل ، وسيأتي المطلع قريبا ، ومشكوم أي مجازى بما فعل ، يعني هل يجازى حين يبكي على فراق أحبابه يوم البين ؛

(٢) النمل ٦٢.

(٣) تقدم الكلام عليه قريبا ، ص ٤٠٦ في هذا الجزء ؛

(٤) متعلق بإشراك في قوله إذا قصدوا الخ ؛

(٥) هذا هو مطلع قصيدة علقمة الفحل ، ومعه البيت الذي يليه والذي تقدم قبل قليل ؛

٤٤٩

ومن خواص الهمزة : جواز ذكر المفرد ، بعدها ، اعتمادا على ما سبق من ذكر ما يتم به ذلك المفرد في كلام متكلم آخر ، نحو قولك منكرا ، أو مستفهما : أزيد ، أو : أزيدا ، أو : أبزيد ، جوابا لمن قال : جاءني زيد ، أو : رأيت زيدا ، أو : مررت بزيد ؛

ولا تقول : هل زيد ، وهل زيدا ، وهل بزيد ؛

[حروف الشرط]

[إن ، ولو ، والفرق بينهما]

[أمّا ومعناها]

[قال ابن الحاجب :]

«حروف الشرط : ان ، ولو ، وأمّا ، لها صدر الكلام ، فإن»

«للاستقبال ، ولو للمضي ، ويلزمان الفعل لفظا أو تقديرا ،»

«ومن ثمّ قيل : لو أنك بالفتح ، لأنه فاعل ، وانطلقت ،»

«بالفعل ، موضع : منطلق ، ليكون كالعوض ، وإن كان»

«جامدا ، جاز لتعذره» ؛

[قال الرضي :]

إنما كان لها صدر الكلام ، لما تقدم في باب «إن» (١) ؛

قوله : «فإن ، للاستقبال ، يعني سواء دخلت على المضارع أو الماضي ، وكذا لو ، للمضيّ ، على أيّهما دخلت ، قال تعالى : (لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ)(٢) ،

__________________

(١) من تغييرها لمعنى الكلام ؛

(٢) الآية ٧ في سورة الحجرات ؛

٤٥٠

هذا وضعهما ، كما مرّ في الظروف المبنية ، ومرّ فيها طرف من أحوالهما (١) ؛

ومذهب الفراء : أن «لو» تستعمل في المستقبل ، كإن ، وذلك مع قلّته ، ثابت لا ينكر ، نحو : اطلبوا العلم ولو بالصين ؛

ثم ان النحاة قالوا : ان «لو» لامتناع الثاني لامتناع الأول ، وقال المصنف : بل هي لامتناع الأول لامتناع الثاني ، قال : وذلك لأن الأول سبب والثاني مسبّب ، والمسبّب قد يكون أعمّ من السبب ، كالإشراق ، الحاصل من النار ، والشمس ، قال : فالأولى أن يقال : لانتفاء الأول لانتفاء الثاني ، لأن انتفاء المسبّب يدل على انتفاء كل سبب ؛

وفيما قال نظر (٢) ؛ لأن الشرط عندهم ملزوم ، والجزاء لازم ، سواء كان الشرط سببا كما في قولك : لو كانت الشمس طالعة لكان النهار موجودا ، أو شرطا ، كما في قولك : لو كان لي مال لحججت ، أو ، لا شرطا ولا سببا ، كقولك : لو كان زيد أبي لكنت ابنه ، ولو كان النهار موجودا لكانت الشمس طالعة ؛

والصحيح أن يقال كما قال المصنف : هي موضوعة لامتناع الأول لامتناع الثاني ، أي أن امتناع الثاني دلّ على امتناع الأول ، لكن لا للعلة التي ذكرها ، بل لأن «لو» موضوعة ليكون جزاؤها مقدّر الوجود في الماضي ، والمقدر وجوده في الماضي يكون ممتنعا فيه ، فيمتنع الشرط الذي هو ملزوم ، لأجل امتناع لازمه ، أي الجزاء ، لأن الملزوم ينتفي بانتفاء لازمه ؛

وقد يجيء جواب «لو» قليلا ، لازم الوجود في جميع الأزمنة في قصد المتكلم ، وآية ذلك أن يكون الشرط مما يستبعد استلزامه لذلك الجزاء ، بل يكون نقيض ذلك الشرط أنسب ، وأليق باستلزام ذلك الجزاء ، فيلزم استمرار وجود ذلك الجزاء على كل تقدير ، لأنك تحكم في الظاهر أنه لازم للشرط الذي نقيضه أولى باستلزام ذلك الجزاء ، فيكون ذلك الجزاء لازما لذلك الشرط ولنقيضه ، فيلزم وجوده أبدا ، إذ النقيضان لا يرتفعان ؛

__________________

(١) في الجزء الثالث من هذا الشرح ؛

(٢) النظر الذي نقد به الرضي كلام ابن الحاجب ، يرجع إلى التعليل الذي قاله ابن الحاجب ، ولكنه يوافقه على ما قال من معنى لو ؛

٤٥١

مثاله : لو أهنتني لأكرمتك ، فإذا استلزمت الاهالة الاكرام ، فكيف لا يستلزم الاكرام والاكرام ؛ ومنه قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ) إلى قوله : (ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ)(١) ، أي : لبقيت ، وقول عمر رضي الله عنه : نعم العبد صهيب (٢) لو لم يخف الله لم يعصه ، أي : لو أمن لأطاع ، وقوله تعالى : (وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا)(٣) ؛

ولكون «لو» بمعنى الماضي وضعا ، لم يجزم بها إلا اضطرارا ، لأن الجزم من خواص المعرب والماضي مبني ؛ قال :

٩١٤ ـ لو يشأ ، طار به ذو ميعة

لاحق الآطال نهد ذو خصل (٤)

وزعم بعضهم أن جزمها مطرد على بعض اللغات ؛

قوله : «وتلزمان الفعل لفظا أو تقديرا» ، أمّا في نحو : لو ذات سوار لطمتني (٥) ، ولو زيدا ضربته ، فلا كلام في تقدير الفعل ؛ وأمّا في نحو : لو زيدا ضربت ، فينبغي أن يكون على الخلاف الذي ذكرنا في : إن زيدا ضربت ؛

وجاء في الضرورة ، شرطها : اسميّة ، قال :

لو بغير الماء حلقي شرق

كنت كالغصّان بالماء اعتصاري (٦) ـ ٦٤٤

وهذا من باب وضع الاسمية موضع الفعلية ، كما في قوله :

... فهلّا نفس ليلى شفيعها (٧) ـ ٦٤٥

قوله : «ومن ثمّ قيل : لو أنك بالفتح ، لأنه فاعل» ؛ هذا مذهب المبرد ، أعني

__________________

(١) الآية ٢٧ سورة لقمان ؛

(٢) المراد : صهيب الرومي أحد السابقين إلى الإسلام ؛

(٣) الآية ٢٣ سورة الأنفال ؛

(٤) من أبيات قال البغدادي انها لامرأة من بني الحارث بن كعب ، تصف قتيلا بالشجاعة وانه كان يستطيع الهرب ، وذميعة أي ذو نشاط ، صفة للفرس ؛

(٥) كلام قاله حاتم الطائي وقد لطمته إحدى الجواري وكان أسيرا ، وتقدم ذكر القصة ؛

(٦) تقدم في هذا الجزء ص ٥٥

(٧) وهذا البيت أيضا تقدم في ص ٥٥

٤٥٢

تقدير الفعل بعد «لو» التي تليها «أنّ» ؛ وقال السيرافي : ان الذي عندي : أنه لا يحتاج إلى تقدير الفعل ، ولكن «أنّ» تقع نائبة عن الفعل الذي يجب وقوعه بعد «لو» ، لأن خبر «أنّ» ، إذن ، فعل ، ينوب لفظه عن الفعل بعد «لو» ، فإذا قلت : لو أنّ زيدا جاءني ، فكأنك قلت : لو جاءني زيد ؛

قوله : «انطلقت موضع منطلق» ، يعني أنّ «أنّ» إذا وقعت بعد «لو» المحذوف شرطها ، فخبرها إن كان مشتقا وجب أن يكون فعلا ، لأن الفعل المقدر ، لا بدّ له من مفسّر ، و «أنّ» لكونها دالة على معنى التحقيق والثبوت : تدل على معنى «ثبت» ، فلزم أن يكون خبر «أن» فعلا ماضيا ، لا اسم فاعل ، ليكون كالعوض من لفظ الفعل المفسّر ، وأمّا المعنى فقد ذكرنا أن «أنّ» دلت عليه ؛

وإن لم يكن مشتقا ، جاز ، للتعذر ، كقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ ..)(١) ، وأمّا قوله تعالى : (يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ)(٢) ، فلأن «لو» بمعنى «أن» المصدرية ، وليست بشرطية ، لمجيئها بعد فعل دال على التمني ؛

ومنهم من لا يشترط مجيء الفعل في خبر «أنّ» الواقعة بعد «لو» ، وإن كان مشتقا ، أيضا ، كما ذهب إليه ابن مالك ، قال الأسود بن يعفر :

٩١٥ ـ هما خيياني كل يوم غنيمة

وأهلكتهم لو أن ذلك نافع (٣)

وقال كعب :

__________________

(١) الآية السابقة من سورة لقمان ؛

(٢) الآية ٢٠ سورة الأحزاب ؛

(٣) في قصة طويلة ذكرها البغدادي في الخزانة ، أن الجراح بن الأسود بن يعفر اغتصب فرسا اسمها العصماء ، وعاد بها إلى أبيه وتكفل رجلان بإعادتها إليه ، وهما حرير بن شمر ، ورافع بن صهيب ، واحتالا على الأسود وأخذا منه الفرس وهما المقصودان في قوله : هما خيباني والضمير يرجع إليهما في بيت قبله ، ومعنى خيّباني أصاباني بالخيبة وضياع ما كنت أرجو من الاستيلاء على هذه الفرس ، وقوله : أهلكتهم ، أي هجوتهم قال البغدادي : معناه أهلكتهم بالهجاء ، ثم عقب على ذلك بقوله إن المعنى يجعل قوله لو أن ذلك نافع ، من قبيل لو الدالة على التمني فيخرج عما أورده الشارح له ؛

٤٥٣

٩١٦ ـ أكرم بها خلّة لو أنها صدقت

موعودها ، أو لو أنّ النصح مقبول (١)

ومع هذا ، فلا شك أن استعمال الفعل في حيّز خبر «أنّ» الواقعة بعد «لو» أكثر وإن لم يكن لازما ؛

وإذا حصل الفعل ، فالأكثر كونه ماضيا ، لكونه كالعوض من شرط «لو» ، الذي هو الماضي ، وقد جاء مضارعا ، قال :

٩١٧ ـ تمدّ بالأعناق أو تلويها

وتشتكي لو أننا نشكيها (٢)

وجواب «لو» إمّا فعل مجزوم بلم ، نحو : لو ضربتني لم أضربك ، أو ماض في أوله لام مفتوحة ، وتحذف هذه اللام قليلا ؛

وإن وقعت «لو» مع ما في حيّزها صلة ، فحذف اللام كثير ، نحو : جاءني الذي لو ضربته شكرني ، وذلك للطول ، وكذا إذا طال الشرط بذيوله ، كقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ) إلى قوله : (ما نَفِدَتْ)(٣) ، ولا يكون جواب «لو» اسمية ، بخلاف جواب «إن» ، لأن الاسمية صريحة في ثبوت مضمونها واستقراره ، ومضمون جواب «لو» منتف ممتنع ، كما ذكرنا ؛

وأمّا قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ)(٤) ، فلتقدير القسم قبل «لو» وكون الاسمية جواب القسم لا جواب «لو» ، كما في قوله تعالى : «وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ

__________________

(١) هذا البيت من قصيدة بانت سعاد التي مدح بها كعب بن زهير ، النبي صلّى الله عليه وسلّم ، وهو من الأبيات الأولى فيها ، أي من مقدمتها الغزلية ، وأكرم بها يعني ما أكرمها ، والضمير يرجع إلى سعاد ، وخلة بمعنى خليلة وصديقة ؛

(٢) هو رجز في وصف ما تعانيه الابل من طول السفر ، فهي تمد أعناقها وهذه عادة الابل إذا أعيت ، وقوله نشكيها بضم النون أي نزيل ما كان سببا في شكواها ولم يذكر أحد اسم قائل هذا الرجز ، وقد أنشده ابن جني في الخصائص بدون نسبة ، وأورده أبو زيد الأنصاري في النوادر ؛ وغيرهما ، ولم ينسبه أحد منهم ؛

(٣) إشارة إلى الآية السابقة من سورة لقمان ؛

(٤) الآية ١٠٣ سورة البقرة.

٤٥٤

إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ» (١) ، وقوله تعالى : (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ ، لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ)(٢) ، وجواب القسم سادّ مسدّ جواب «لو» ،

وذهب جار الله (٣) إلى أن الاسمية في الآية جواب «لو» ، قال : وإنما جعل جوابها اسمية ، للدلالة على استقرار مضمون الجزاء ؛

[اجتماع الشرط والقسم]

[تفصيل ذلك]

[قال ابن الحاجب :]

«وإذا تقدم القسم أوّل الكلام على الشرط ، لزمه الماضي»

«لفظا أو معنى ، وكان الجواب للقسم لفظا ، مثل : والله إن»

«أتيتني أو إن لم تأتني : لأكرمنّك ؛ وإن توسط بتقدم الشرط»

«أو غيره ، جاز أن يعتبر ، وأن يلغى ، كقولك : أنا والله»

«إن تأتني آتك وإن أتيتني لآتينك ، وإن أتيتني فو الله»

«لآتينك ، وتقدير القسم كاللفظ به ، مثل : لئن أخرجوا»

«و : إن أطعتموهم ..» ؛

[قال الرضي :]

اعلم أن القسم إذا تقدم على الشرط ، فإمّا أن يتقدّم على القسم ، ما يطلب الخبر ،

__________________

(١) الآية ١٢١ سورة الأنعام ؛

(٢) الآيتان ٥ ، ٦ سورة التكاثر ؛

(٣) ذكر هذا في تفسيره : الكشاف عند الآية : ولو أنهم آمنوا واتقوا ، لمثوبة من عند الله ؛

٤٥٥

نحو : زيد والله إن أتيته يأتك ، وإن زيدا والله إن أكرمته يجازك ؛ أو لا يتقدم ، والأول قد يجيء الكلام عليه في قوله : وإن توسط بتقدم الشرط ... وكلامه الآن فيما لم يتقدم عليه طالب خبر ، بدليل قوله : أوّل الكلام ؛

فتقول :

إذا تقدم القسم أوّل الكلام ، ظاهرا أو مقدرا ، وبعده كلمة الشرط ، سواء كانت «إن» أو «لو» أو «لولا» ، أو أسماء الشرط ؛ فالأكثر والأولى : اعتبار القسم دون الشرط ، فيجعل الجواب للقسم ويستغنى عن جواب الشرط ، لقيام جواب القسم مقامه ، أمّا في «إن» فكقوله تعالى : (لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ ، وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ)(١) ، الآية ؛ وأمّا في «لو» فكقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ)(٢) ، وقوله تعالى : (لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ)(٣) ، وتقول : والله أن لو جئتني لجئتك ، واللام جواب القسم ، لا جواب «لو» ، ولو كانت جواب «لو» ، لجاز حذفها ، ولا يجوز في مثله ، وكذا تقول : والله لو جئتني ما جئتك ، ولا تقول : لما جئتك ولو كان الجواب للو ، لجاز ذلك ؛ و «أن» التي بين «لو» والقسم عند سيبويه : موطئة كاللام قبل «إن» وقبل أسماء الشرط ، وعند غيره زائدة ؛ وأمّا في «لولا» فتقول : والله لولا زيد لضربتك ، قال :

٩١٨ ـ والله لو لا شيخنا عبّاد

لكمرونا اليوم أو لكادوا (٤)

واللام جواب القسم ، لا جواب «لولا» ولذا لم يجز حذفها ؛

وأمّا في أسماء الشرط فكقوله تعالى : «وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ

__________________

(١) الآية ١٢ سورة الحشر ؛

(٢) تقدمت قريبا ..

(٣) الآية المتقدمة من سورة التكاثر ؛

(٤) هذا رجز مجهول القائل ، حاصل معناه أن قوما تباروا في عظم الكمر ، جمع كمرة وهي رأس الذكر ، فيقول هذا الراجز أن واحدا من كبارنا اسمه عبّاد هو الذي جعلنا نغلبهم ولولاه لغلبونا ؛

٤٥٦

وَحِكْمَةٍ) ، إلى قوله (لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ)(١) وقوله : (لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ)(٢) ؛

ويجوز قليلا ، في الشعر : اعتبار الشرط وإلغاء القسم مع تصدّره ، كقول الأعشى :

٩١٩ ـ لئن منيت بنا عن غبّ معركة

لا تلفنا عن دماء القوم ننتفل (٣)

وقال : ـ

٩٢٠ ـ لئن كان ما حدثته اليوم صادقا

أصم في نهار القيظ للشمس باديا (٤)

وقال : ـ

٩٢١ ـ حلفت له : إن تدلج الليل لا يزل

أمامك بيت من بيوتي سائر (٥)

وأمّا لو عكس الأمر ، يعني تقدّم الشرط على القسم ، فالواجب : اعتبار الشرط ، ولك بعد ذلك إلغاء القسم نحو : إن جئتني والله أكرمك ، واعتباره مع اعتبار الشرط نحو : إن جئتني فو الله لأكرمنّك ؛

وتعليل هذه الأحكام مبني على مقدمة ، وهي أن أداتي القسم والشرط : أصلهما التصدّر ، كالاستفهام ، لتأثيرهما في الكلام معنى ، ثم إن كلّا منهما لكثرة استعمالهم له ، وبعدهما عمّا يؤثّران فيه ، أي جوابهما ، قد يسقط عن درجة تصدّره على جوابه ، فيلغى باعتباره ، أي : لا يكون في الجوابين علامتاهما ، أمّا الشرط فنحو : آتيك ان تأتني ، وأمّا

__________________

(١) الآية ٨١ سورة آل عمران ؛

(٢) الآية ١٨ سورة الأعراف ؛

(٣) من معلقة الأعشى ، وتكررت أبياتها في هذا الشرح للاستشهاد بها ، وقوله عن غبّ أي عقب معركة لا تلفنا أي لا تجدنا ، من ألفى بمعنى وجد ، ومفعولها الثاني : جملة ننتقل ، أي نتنصل ونتبرّأ والمعنى : لا نترك القتال ولا نحيد عنه ؛

(٤) أحد بيتين أنشدهما الفراء وقال أنشدنيهما بعض بني عقيل ، بصيغة التصغير. والبيت الثاني بعد هذا ، وهو :

وأركب حمارا بين سرج وفروة

وأعر من الخاثام صغرى شماليا

(٥) قال البغدادي نقلا عن الفراء إن هذا البيت أنشده القاسم بن معن عن بعض العرب ، ومعناه : إن سرت في الليل فإنك تكون في حراستي وضيافتي حتى تصل مأمنك ، ومعنى البيت جميل ، ولكن غير معروف القائل ؛

٤٥٧

القسم فنحو : زيد والله قائم ، وزيد قائم والله ، فيضعف أمرهما ، فلا يكون لهما جواب لفظا ؛ وأمّا من حيث المعنى ، فالذي يتقدم على الشرط جوابه ، وكذا ما يتقدم على القسم أو يتخلّله القسم ، لكن القسم أكثر إلغاء من الشرط ، لأنه أكثر دورانا في الكلام ، حتى رفع الله المؤاخذة به بلا نيّة ، لتمرّن ألسنتهم عليه ، وسماه لغوا فقال تعالى : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ)(١) ؛

وأيضا ، تأثيره في الأصل ، في معنى الجواب : أقل من تأثير الشرط في جوابه ، لأن القسم مؤكد للمعنى الثابت فيه ، فهو كالزائد الذي يتم معنى الكلام بدونه ، والشرط مورد في جوابه معنى لم يكن فيه ، وهو التوقيف (٢) ، فكانت أداة القسم أليق بالإلغاء عن جوابه ، من أداة الشرط ، فلهذا قد يلغى القسم عن الجواب مع إمكان أن لا يلغى ، بخلاف الشرط ؛ تقول : أنا والله أكرمك ، بالإلغاء ، وقد أمكنك أن تعتبره فتقول : لأكرمنك ، ولا تقول : أنا إن لقيني أكرمك بالرفع على أن «اكرمك» خبر المبتدأ وأداة الشرط ملغاة ، بل تقول : أكرمك باعتبار الشرط ، والجملة الشرطية خبر المبتدأ ، ولهذا حمل قوله :

إنك إن يصرع أخوك تصرع (٣) ٥٦٦

على التقديم والتأخير ، لضرورة الشعر ؛

فإذا تقرّرت هذه المقدمة ، قلنا : إذا تقدم القسم على كلمات الشرط ، فاعتبار القسم أولى ، لتقوّي القسم بالتصدّر الذي هو أصله ، وضعف الشرط بالتوسط ؛

ولا استدلال فيه للكوفيين على أن إعمال الأول في باب التنازع أولى ، لأن الأوّل ، وإن كان بعد من الثاني ، إلّا أن هذا البعيد تقوّى بالتصدر الذي هو حقه وأصله ، والقريب ضعيف بالتوسط الذي هو خلاف وضعه وأصله ؛

__________________

(١) الآية ٨٩ سورة المائدة ؛

(٢) يقصد أن حصول الجواب متوقف على حصول الشرط ؛

(٣) تقدم في أكثر من موضع ، وانظر فهرس الشواهد ؛

٤٥٨

وجاز ، قليلا بالنظر إلى ضعف القسم في نفسه ، كما ذكرنا : أن يرجّح الشرط فيعتبر ، لأجل كونه أقرب إلى الجواب ، ويلغى القسم ، كما مرّ في قوله :

لئن منيت بنا عن غبّ معركة (١) ... البيت ـ ٩١٩

وإذا تقدم الشرط على القسم ، وجب اعتباره ، لتقوّيه بالتصدّر مع كونه في الأصل أقوى من القسم ؛ ويجوز لك بعد هذا : اعتبار القسم لإمكانه ، نحو : إن أتيتني فو الله لآتينّك ، فالقسم وجوابه : جواب الشرط ؛

ويجوز إلغاء القسم لتوسطه كما ذكرنا : أنه قد يلغى لضعفه مع إمكان اعتباره ، فتقول : إن أتيتني والله آتك ، فآتك جواب الشرط ، والشرط وجوابه دالّ على جواب القسم وسادّ مسدّه ؛

وأمّا إذا تقدم «لو» و «لولا» على القسم ، فالواجب إلغاء القسم ، لأن جوابهما لا يكون إلا جملة فعلية خبرية ، ولا يصح أن يكون جملة قسمية تقول : لو جئتني والله ، لأكرمنّك ، ولو لا زيد والله لضربتك ؛

قوله : «وإن توسط» ، أي القسم ؛ قوله : «بتقدم الشرط» ، قد ذكرناه ، قوله : «أو غيره» يعني طالب الخبر ، كالمبتدأ بلا ناسخ أو مع الناسخ ، جاز أن يعتبر القسم وأن يلغى ، سواء تقدم على الشرط أو تأخر عنه ، فإن تقدم مع الإلغاء فنحو : أنا والله إن أتيتني آتك ، ألغيت القسم مع تقدمه على الشرط ، وجواز اعتباره ، لتقدم المبتدأ عليه ، فالجملة الشرطية مع الجواب خبر المبتدأ ، والقسم لغو ، كما في : زيد والله بقوم ؛

وتقول مع الاعتبار : أنا والله إن تأتني لآتينّك ، اعتبرته نظرا إلى تقدمه على الشرط وجعلت الجملة القسمية مع جوابها خبر المبتدأ فهو كقولك : زيد والله ليقومنّ ؛

وهذا كله بناء على ما تقدم من أنه ، لضعفه ، قد يلغى مع إمكان الاعتبار ، إذا كان هناك لجوابه طالب آخر ؛

__________________

(١) تقدم قبل قليل ؛

٤٥٩

وإن تأخر عن الشرط مع الإلغاء ، فنحو : أنا إن أتيتني والله آتك ، ألغيته لتقدم طالبين للجواب عليه ، أعني المبتدأ ، والشرط ؛

وتقول مع الاعتبار : أنا إن أتيتني فو الله لآتينّك ، جعلت الجملة القسمية مع جوابها جواب الشرط ، والجملة الشرطية مع جوابها خبر المبتدأ ؛

وإن توسّط القسم بتوسط غير الشرط ، أي طالب الخبر عليه ، ولم يكن هناك لا شرط متقدم على القسم ولا متأخر عنه ، فإن كان الخبر جملة ، جاز أن يعتبر القسم وأن يلغى نحو : أنا والله لأقومنّ ، وأنا والله أقوم ؛

وإن كان الخبر مفردا ، وجب إلغاء القسم لاستحالة اعتباره ، لأن جواب القسم لا يكون إلا جملة ، وذلك نحو : أنا والله قائم ؛

وعلى هذا ، لا يحسن إطلاق قول المصنف : وإن توسط بتقدم غير الشرط ، جاز اعتباره وإلغاؤه ؛

وطريق الحصر أن نقول :

القسم إمّا أن يتقدم أوّل الكلام ، أو يتوسطه ، أو يتأخر عنه ؛ فإن تقدم ، وجب اعتباره ، سواء وليه الشرط نحو : والله إن أتيتني لآتينّك ، أو ، لا ، نحو : والله إني آتيك ؛

وإن توسط الكلام ، فإمّا أن يتقدّم عليه الشرط ، أو ، لا ، فإن تقدم عليه وجب اعتبار الشرط ، وجاز إلغاء القسم واعتباره ، سواء تقدم على ذلك الشرط طالب خبر ، نحو : أنا إن أتيتني فو الله لآتينّك ، وأنا إن أتيتني والله آتك ؛ أو لم يتقدم عليه ذلك نحو : إن أتيتني فو الله لآتينك وإن أتيتني والله آتك ؛

وإن لم يتقدم الشرط على هذا القسم المتوسط ، فإمّا أن يتأخر عنه الشرط أو ، لا ؛ فإن تأخر ؛ فإن اعتبرت القسم ألغيت الشرط ، نحو : أنا والله إن أتيتني لآتينّك ، وإن ألغيته اعتبرت الشرط نحو : أنا والله إن تأتني آتك ؛ وإن لم يتأخر عنه الشرط ، فإن جاء

٤٦٠