شرح الرضيّ على الكافية

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي

شرح الرضيّ على الكافية

المؤلف:

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي


المحقق: يوسف حسن عمر
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات مؤسّسة الصادق
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٢

فلما كان فاء السببية بعد الطلب واقعا موقع المجزوم ، جاز جزم المعطوف عليه ، قال تعالى : (... فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ)(١) ، وقال :

٦٨٩ ـ دعني فأذهب جانبا

يوما وأكفك جانبا (٢)

وهذا الذي يقال انه عطف على التوهم ، كما في قوله :

٦٩٠ ـ بدا لي أني لست مدرك ما مضى

ولا سابق شيئا إذا كان جائيا (٣)

جرّوا الثاني ، لأن الأول قد تدخله الباء ، وجزموا الثاني ، لأن الأول قد يكون مجزوما ؛

قوله : «وامتنع : لا تكفر تدخل النار خلافا للكسائي» ، يعني أنّ الكسائي يجوّز عند قيام القرينة أن يضمر المثبت بعد المنفي ، وعلى العكس ، فيجوّز : لا تكفر تدخل النار ، أي إن تكفر تدخل النار ، كما يجوّز : لا تكفر تدخل الجنة ، ويجوّز ، أيضا ، أسلم تدخل النار ، بمعنى : إن لا تسلم تدخل النار ؛

وقال غيره : بل يجب أن يكون المقدر مثل المظهر نفيا وإثباتا ، وأمّا قولهم في العرض : ألا تنزل تصب خيرا ، أي إن تنزل فلأن كلمة العرض : همزة الإنكار دخلت على حرف النفي ، فتفيد الاثبات ؛

وليس ما ذهب إليه الكسائي ببعيد ، لو ساعده نقل ؛

__________________

(١) الآية ١٠ سورة المنافقون ؛

(٢) وجه الشاهد فيه : عطف أكف بالجزم على جواب دعني ، المنصوب بعد الفاء على توهم أن الفاء سقطت فجزم ما بعدها ، وهذا البيت قال البغدادي أن صاحب المفصل نسبه إلى عمرو بن معديكرب ، قال وقد تصفحت ديوانه فلم أجده فيه ، ثم قال وغيري تصفحه فلم يجده أيضا ؛

(٣) هذا من قصيدة زهير بن أبي سلمى التي تقدم منها بعض الشواهد والتي أولها :

ألا ليت شعري هل يرى الناس ما أرى

من الأمر أو يبدو لهم ما بدا ليا

وهو في سيبويه ج ١ ص ٨٣ ، وتكرر في عدة مواضع أخرى منه.

١٢١
١٢٢

[فعل الأمر]

[وكيفية صوغه وحكم آخره]

[قال ابن الحاجب :]

«مثال الأمر : صيغة يطلب بها الفعل من الفاعل المخاطب»

«بحذف حرف المضارعة ، وحكم آخره حكم المجزوم ؛»

«فإن كان بعده ساكن وليس برباعي زدت همزة وصل»

«مضمومة ، إن كان بعده ضمة ، مكسورة فيما سواه ،»

«مثل : اقتل ، اضرب ، اعلم ، وإن كان رباعيا فمفتوحة»

«مقطوعة» ؛

[قال الرضي :]

لو قال : صيغة يصح أن يطلب بها الفعل ، لكان أصرح في عمومه لكل ما يسميه النحاة أمرا ؛ وذلك أنهم يسمّون به كلّ ما يصح أن يطلب به الفعل من الفاعل المخاطب بحذف حرف المضارعة ، سواء طلب به الفعل على سبيل الاستعلاء وهو المسمّى أمرا عند الأصوليين ، نحو قولك : اضرب ، على وجه الاستعلاء ، أو طلب به الفعل على وجه الخضوع ، من (١) الله تعالى ، وهو الدعاء ، نحو : اللهم ارحم ، أو من غيره ، وهو الشفاعة (٢) ،

__________________

(١) متعلق بقوله أو طلب به الخ ؛

(٢) والنحويون يسمونه التماسا ؛

١٢٣

أو لم يطلب به الفعل ، بل كان إمّا على وجه الإباحة ، نحو : (كُلُوا وَاشْرَبُوا)(١) ، أو للتهديد نحو : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ)(٢) ، أو غير ذلك من محامل هذه الصيغة (٣).

وإنما سمّى النحاة جميع ذلك أمرا ، لأن استعمال هذه الصيغة في طلب الفعل على وجه الاستعلاء ، وهو الأمر حقيقة : أغلب وأكثر ، وذلك كما سمّوا نحو : المائت والضائق : اسم فاعل ، لأن استعمال هذه الصيغة فيما هو فاعل حقيقة ، كالضارب والقاتل : أكثر ؛ وكذا الكلام في النهي ، فإن قولك : لا تؤاخذني في نحو : اللهمّ لا تؤاخذني بما فعلت : نهي في اصطلاح النحاة ، وإن كان دعاء في الحقيقة ؛

قوله : «من الفاعل المخاطب» ، ليخرج نحو : ليفعل زيد ، فإنه لا يدخل في مطلق الأمر ، بل يقال له أمر الغائب ، وكذا يخرج نحو : لأفعل أنا ، و : (وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ)(٤) ؛

فإن قيل : قولنا «الأمر» أعمّ من قولنا : أمر الغائب ، وكل ما يصدق عليه الأخص يصدق عليه الأعم ؛

قلت : لا نسلم أن لفظ الأمر في اصطلاح النحاة أعمّ من أمر الغائب ، إذ مرادهم بالأمر : الأمر المطلق ، وقولنا : المطلق قيد خصّصه من الأمر المضاف إلى شيء آخر ، وذلك كما يقول الفقهاء : إن الماء المطلق يصح سلبه عن المضاف ، إذ يصح أن يقال في ماء الباقلّاء : انه ليس بماء ، أي : ليس بماء مطلق ؛

قوله : «بحذف حرف المضارعة» ، يخرج نحو قوله :

لتقم أنت يا ابن خير قريش (٥) ... ـ ٦٦٧

وإن كان ذلك قليلا ، ومنه القراءة الشاذة : (٦) «فبذلك فلتفرحوا» (٧) بالتاء ،

__________________

(١) من الآية ٣١ سورة الأعراف ؛

(٢) من الآية ٤٠ سورة فصلت.

(٣) مثل الندب والتخيير والتهديد ، وغيرها مما ذكره الأصوليون ؛

(٤) من الآية ١٢ سورة العنكبوت ؛

(٥) تقدم هذا الشاهد في هذا الجزء ؛

(٦) ننسب إلى أنس ، وزيد وأبي بن كعب ؛

(٧) من الآية ٥٨ سورة يونس ، وتقدمت ؛

١٢٤

قوله : «وحكم آخره حكم المجزوم» ، قال الكوفيون : هو مجزوم بلام مقدّرة ، كما في قول حسان في أمر الغائب :

محمد ، تفد نفسك كلّ نفس

إذا ما خفت من أمر تبالا (١) ـ ٦٦٦

قالوا : حذف حرف المضارعة مع عدم اللام مطردا (٢) ، لكثرة استعماله ، بخلاف أمر الغائب فإنه أقل استعمالا منه ، وبقي مجزوما بتلك اللام المقدّرة ،

وقال البصريون : هو مبني على السكون ، إلا أنه جعل آخره كآخر المجزوم في حذف الحركة وحرف العلة والنون ؛ لأن قياسه ، كما مرّ في باب المجزوم أن يكون مجزوما باللام كأمر الغائب ، لكن حذفت اللام مع حرف المضارعة ، لكثرة الاستعمال ، فزالت علة الاعراب ، أي الموازنة (٣) ، فرجع إلى أصله من البناء وبقي آخره محذوفا للوقف (٤) ، كما كان في الأصل محذوفا للجزم (٥) ؛

قوله : «فإن كان بعده ساكن» ، أي بعد حرف المضارعة إذا حذفت اللام مع حرف المضارعة عند الفريقين ، فلا يخلو : إمّا أن يكون بعد حرف المضارعة في المضارع متحرك ، أو ساكن ؛ فإن كان هناك متحرك ، فإن كانت حركته أصلية ، لم يفتقر إلى اجتلاب همزة الوصل ، بل يبدأ في الأمر بذلك المتحرك ، نحو : تكلم من : تتكلم ، وتقاتل ، من تتقاتل ، ودحرج من تدحرج ، وقاتل من : تقاتل ؛

وإن كانت منقولة إليه من متحرك بعده ، نظر ، فإن كان حذف بعد حرف المضارعة متحرك ، ردّ ذلك المتحرك لأجل زوال علة حذفه وهي حرف المضارعة وذلك كما تقول في تقيم وتعيد : أقم وأعد ، فإن همزة «أفعل» حذفت بعد حروف المضارعة ، أمّا في :

__________________

(١) تقدم في أول الجوازم ، في هذا الجزء.

(٢) أي حذفا مطردا ؛

(٣) أي موازنة المضارع لاسم الفاعل في الصورة اللفظية.

(٤) أي البناء المقابل للإعراب.

(٥) هذا مبني على ما قاله الشارح من قبل أنه ليس للأمر صيغة مستقلة ؛

١٢٥

أقيم ، فلاجتماع الهمزتين ، وأمّا في نقيم ويقيم وتقيم ، فطردا للباب ، وحملا لسائر حروف المضارعة على الهمزة ؛

وإن لم يكن حذف بعد حرف المضارعة متحرك ، ابتدئ بالمتحرك بالحركة المنقولة نحو : قل ، وعد ، وخف ، وهب ؛

فإن قيل : كما حذفت الهمزة المتحركة في : تقيم لأجل حرف المضارعة ؛ حذفت الواو الساكنة في تعد وتهب ، له أيضا وذلك للحمل على يعد ويهب بالياء ، كما يجيء في التصريف ، فلم لم تردّ الساكن بعد حذف حرف المضارعة في الأمر ، كما رددت المتحرك؟

قلت : لأنه لو ردّ ، لاجتلبت له همزة الوصل فكنت تقول : اوعد ، و : اوهب ، ثم كنت تعلّه اعلال المضارع الذي هو أصله بحذف الواو ، إذ هو أقرب إليه من المصدر نحو : عدة ، ومقة ، فكان يكون السّعي في ردّ الساكن ضائعا ؛

[وإن كان ما بعد حرف المضارعة ساكنا ، فإن كان حذف قبله متحرك لأجل حرف المضارعة ، رددته لزوال العلة ، كأكرم من : تكرم](١) ،

وإن لم يحذف هناك شيء ، اجتلبت همزة الوصل ، نحو : اضرب ، اقتل انطلق ، استخرج ؛

وإنما قلنا إن أصل يفعل ، مضارع أفعل : يؤفعل ، لأن قياس بناء المضارع ، في جميع الأفعال : أن يزاد حرف المضارعة على الماضي نحو : كرم يكرم ، وضرب يضرب ، واستخرج يستخرج وانطلق ينطلق ،.

وإنما تحذف همزة الوصل الثابتة في الماضي ، من المضارع ، استغناء بحركة حرف المضارعة عنها ، فكان قياس يكرم : يؤكرم ، لأن الهمزة ، وإن كانت زائدة إلا أنها همزة

__________________

(١) هذا يشبه أن يكون تكرارا مع ما تقدم قريبا ؛ وذلك ناشئ من اختلاف النسخ.

١٢٦

قطع ، فحذفت همزة الماضي في : أؤكرم لاجتماع الهمزتين ، كما يأتي في التصريف ، وحمل سائر حروف المضارعة عليها ،

قوله : «وليس برباعيّ» ، يعني به باب أفعل وحده ، فإنه هو الرباعي الذي ما بعد حرف مضارعته ساكن فقط ، ويعني بالرباعي : ما ماضيه على أربعة أحرف ؛

قوله : «مضمومة إن كان بعده ضمة ، مكسورة فيما سواه» ؛ اعلم أن أصل حركة همزة الوصل : الكسرة ، في الأسماء كانت أو في الأفعال ، أو في الحروف ، ولا يعدل إلى حركة أخرى إلّا لعلّة ، كما يجيء في التصريف إن شاء الله تعالى (١) ؛

وإنما ضمّت فيما انضمّ ثالثه ، في الأمر كان ، كاقتل ، أو في غيره كانطلق واقتدر (٢) ، إتباعا ، واستثقالا للخروج من الكسرة إلى الضمة ، لأن الحاجز غير حصين لسكونه ،

وإذا بقي الأمر على حرف واحد ، كقه (٣) ، فإن وصلته بكلام بعده ، فلا كلام (٤) ، وإن وقفت عليه ، فلا بدّ من هاء السكت ، كما يجيء في آخر الكتاب ؛

__________________

(١) أشير بهامش النسخة المطبوعة إلى أن بعض النسخ جاء فيها نص ما أشار إليه الشارح مما سيجيء في التصريف واكتفيت بما هنا لأنه كاف في المطلوب وهو تلخيص لما سيأتي ؛

(٢) كلاهما بصيغة المبني للمفعول ؛

(٣) أمر من وقى ؛

(٤) أي فلا حاجة إلى شيء آخر ، كما يفهم من مقابله ؛

١٢٧

[الفعل المبني للمجهول](١)

[والتغيير الذي يلحقه]

[قال ابن الحاجب :]

«فعل ما لم يسمّ فاعله : هو ما حذف فاعله ، فإن كان» «ماضيا ضمّ أوله وكسر ما قبل آخره ، ويضمّ الثالث مع» «همزة الوصل ، والثاني مع التاء خوف اللبس ، ومعتل العين ،» «الأفصح : قيل وبيع ، وجاء الإشمام ، والواو ومثله :» «باب اختير وانقيد ، دون استخير وأقيم وإن كان مضارعا» «ضمّ أوله وفتح ما قبل آخره ، ومعتل العين ينقلب فيه ألفا» ؛

[قال الرضي :]

قولهم : فعل ما لم يسمّ فاعله ، أي فعل المفعول الذي لم يسمّ فاعله ، وإنما أضيف (٢) إلى المفعول ، لأنه بني له ؛

ويجوز أن يريد بما (٣) ، لفظ ذلك الفعل ، فتكون إضافة الفعل إليه من إضافة العام إلى الخاص ، كقولهم : فعل الماضي وفعل المضارع وفعل الأمر ؛

قوله : «هو ما حذف فاعله» ، هذا حدّ مطرد عند سيبويه (٤) ، وأما على مذهب الكسائي في نحو : ضربني وضربت زيدا ، وهو أن الفاعل يحذف في الأول ، على ما

__________________

(١) وضعت العنوان على أساس ما هو مشهور من تعبير النحويين ؛

(٢) أي نسب إليه.

(٣) أي لفظ «ما» في قولنا فعل ما لم يسمّ فاعله. وقوله يريد : المراد به المصنف أو المتكلم بهذه العبارة.

(٤) انظر سيبويه ج ١ ص ١٤.

١٢٨

مرّ في باب التنازع (١) ، وعلى مذهب الأخفش ، وهو ما حكى عنه أبو علي في كتاب الشعر (٢) ، قال : جوّز أبو الحسن (٣) حذف الفاعل خلافا لسيبويه مستشهدا بمثل قوله تعالى : «أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ (٤) ...» فليس ما ذكره المصنف بحدّ تامّ ، إلّا أن يقال (٥) : هو ما غيّر عن صيغته لأجل حذف فاعله ؛

قوله : «فإن كان ماضيا ضمّ أوله وكسر ما قبل آخره» ، هذا عامّ في كل ماض ، سواء كان ثلاثيا مجردا كضرب ، أو مزيدا فيه ، كأكرم واستخرج ، أو رباعيا مجردا ، كدحرج ، أو مزيدا فيه ، كتدحرج ؛

وإنما غيّرت صيغة الفعل بعد حذف الفاعل ، إذ لو لم تغيّر ، لالتبس المفعول المرفوع لقيامه مقام الفاعل ، بالفاعل ؛ وإنما اختير للمبنى للمفعول هذا الوزن الثقيل ، دون المبنى للفاعل ، لكونه أقل استعمالا منه ؛

وإنما غيّر الثلاثي إلى وزن فعل ، دون سائر الأوزان ، لكون معناه غريبا في الأفعال ، إذ الفعل من ضرورة معناه : ما يقوم به ، (٦) فلما حذف منه ذاك ، خيف أن يلحق في أول وهلة النظر بقسم الأسماء ، فجعل على وزن لا يكون في الأسماء ، ولو كسر الأول وضمّ الثاني ، لحصل هذا الغرض ، الّا أن الخروج من الكسرة إلى الضمة أثقل من العكس ، لأن الأول طلب ثقل بعد خفة بخلاف الثاني ، ثم حمل غير الثلاثي عليه في ضم الأول وكسر ما قبل الآخر ؛

__________________

(١) في الجزء الأول من هذا الشرح ؛

(٢) كتاب أبي علي الفارسي ، الذي تكررت الإشارة إليه ؛

(٣) أي الأخفش الأوسط سعيد بن مسعدة.

(٤) من الآية ٣٨ في سورة مريم ؛

(٥) أي في تعريف الفعل المبني للمجهول ؛

(٦) وهو الفاعل ؛

١٢٩

قوله : «ويضمّ الثالث مع الهمزة والثاني مع التاء خوف اللبس» ، يعني كل ما فيه همزة وصل ، لو اقتصر فيه على ضمّها وكسر ما قبل الآخر ، لالتبس الماضي المبني للمفعول بالأمر من ذلك الباب ، إذا وقفت عليه ، واتصل بما قبله (١) ، نحو : الا استخرج ، ولو لم يضمّ ما بعد التاء ، أيضا فيما أوله تاء زائدة ، وهو نحو : تكلم ، وتجاهل وتدحرج ، لالتبس في حال الوقف بصيغة مضارع ما هو مطاوع له ، نحو : تكلمّ وتجاهل وتدحرج ؛

قوله : «ومعتل العين» يعني ما اعتلّ عينه من الماضي الثلاثي نحو : قال وباع ، فيما بني للمفعول منه ثلاث لغات ؛ قيل وبيع باشباع كسرة الفاء ، وهي أفحصها ، وأصلهما :

قول ، وبيع ، استثقلت الكسرة على حرف العلة ، فحذفت ، عند المصنف ، ولم تنقل إلى ما قبلها ، قال : لأن النقل إنما يكون إلى الساكن دون المتحرك ، فبقي : قول ، وبيع بياء ساكنة بعد الضمة ، فبعضهم يقلب الياء واوا لضمة ما قبلها فيقول : قول وبوع ، وهي أقلّ اللغات ، والأولى قلب الضمة كسرة في الياءي ، فيبقى : بيع لأن تغيير الحركة أقل من تغيير الحرف ، وأيضا لأنه أخفّ من : بوع ، ثم حمل قول عليه ، لأنه معتل العين مثله ، فكسرت فاؤه ، فانقلبت الواو الساكنة ياء ،

وعند الجزولي (٢) : استثقلت الكسرة على الواو ، والياء ، فنقلت إلى ما قبلهما ، لأن الكسرة أخفّ من حركة ما قبلهما ، وقصدهم التخفيف ما أمكن ، فيجوز ، على هذا ، نقل الحركة إلى متحرك بعد حذف حركته ، إذا كانت حركة المنقول منه أخف من حركة المنقول إليه ، فبقي : قول وبيع ، فقلبت الواو الساكنة ياء كما في : ميزان ؛

قال : (٣) وبعضهم يسكن العين ، ولا ينقل الكسرة إلى ما قبلها ، فتبقى الواو على حالها ، وتقلب الياء واوا لضمة ما قبلها ، وهذه أقلها ، لثقل الضمة والواو ، والأول أولى ، لخفة الكسرة والياء ؛

__________________

(١) لأن همزة الوصل ، إذن ، لا تظهر ؛

(٢) تقدم ذكره في هذا الجزء وفي الأجزاء السابقة ؛

(٣) أي الجزولي ؛

١٣٠

وقول الجزولي أقرب ، لأن إعلال الكلمة بالنظر إلى نفسها أولى من حملها في العلة (١) على غيرها ، والمصنف إنما اختار حذف الكسرة لاستبعاد نقل الحركة إلى متحرك ، ولا بعد فيه ، على ما بيّنا ؛

وأمّا الاشمام فهو فصيح ، وإن كان قليلا ، وحقيقة هذا الاشمام : أن تنحو بكسرة فاء الفعل نحو الضمة ، فتميل الياء الساكنة بعدها نحو الواو قليلا ، إذ هي تابعة لحركة ما قبلها ؛ هذا هو مراد القرّاء والنحاة بالاشمام في هذا الموضع ، وقال بعضهم : الاشمام ههنا كالاشمام حالة الوقف أعني ضم الشفتين فقط ، مع كسر الفاء كسرا خالصا ، وهذا خلاف المشهور عند الفريقين (٢) ؛ وقال بعضهم : هو أن تأتي بضمة خالصة بعدها ياء ساكنة (٣) ، وهذا أيضا ، غير مشهور عندهم ، لأن الاشمام عندهم ههنا حركة بين حركتي الضم والكسر ، بعدها حرف بين الواو والياء ؛

قال المصنف : والغرض من الاشمام : الإيذان بأن الأصل الضم في أوائل هذه الحروف ، وإنما نبّهوا على الضم الأصليّ ههنا ، بخلاف نحو : بيض ، في جمع أبيض ، لأنهم قصدوا بهذا الاشمام : التنبيه على هذا الوزن المستبعد في الأسماء لتحصيل الغرض المذكور قبل (٤) ؛

فإذا سقطت العين في المبني للمفعول باتصال الضمير المرفوع ، فإن قامت قرينة ، جاز لك إخلاص الضم في الواوي ، وإخلاص الكسر في اليائي ، نحو : عدت يا مريض ، وبعت يا عبد ؛ وإن لم تقم ، نحو : بعت ، وعدت (٥) ، فالأولى أنه لا بدّ لك في الواوي من اخلاص الكسر أو الاشمام ، وفي اليائي من إخلاص الضم أو الإشمام ، لئلا يلتبس بالمبنى للفاعل ؛

__________________

(١) أي في الاعلال ؛

(٢) أي القرّاء ، والنحاة ؛

(٣) بصرف النظر عن كون عين الفعل ياء أو واوا ؛

(٤) وهو الفرق بين المبني للفاعل والمبني للمفعول ولا سيما إذا أسند الفعل إلى الضمير المرفوع كما سيبين الشارح ؛

(٥) يعني حين ينطق بذلك من وقع عليه البيع أو العيادة ؛

١٣١

وظاهر كلام السيرافي ، أنه لا يجب فيه الفرق ، بل يغتفر الالتباس لقلة وقوع مثله ؛

قوله : «ومثله باب اختير وانقيد» يعني أن بابي افتعل وانفعل معتلّي العين ، كباب الثلاثي المعتلّ العين ، في مجيء الوجوه الثلاثة فيهما ، لمشاركتهما له في علتهما ، وهي استثقال الكسرة على حرف العلة مع انضمام ما قبله ، إلا أن ما قبل حرف العلة في افتعل : تاء ، وهذا الفرق لا يؤثر في العلة ؛ وأما في انفعل ، فما قبل حرف العلة فاء ، كما كان في الثلاثي المجرد ؛

قوله : «دون استخير وأقيم» ، يعني أن بابي استفعل وأفعل ، معتليّ العين ، لا يجيء فيهما إلا إخلاص الكسر ، دون الضم والاشمام ، لأن سببهما في الثلاثي المجرد ، والبابين المذكورين (١) : ضمّ ما قبل حرف العلة ، كما ذكرنا ، وما قبله في بابي استفعل وأفعل ساكن ، فلا بدّ من نقل حركة العين إليه ، كما في غير هذا الموضع (٢) ، نحو يقول ، ويبيع ، ويخاف ، على ما يجيء في التصريف ، إن شاء الله تعالى ؛

واعلم أن شرط نقل حركة العين إلى ما قبلها في المواضع المذكورة (٣) ، ألّا يكون اللام حرف علة ، فلا تنقل في : طوي ، ولا : أقوي ، ولا : استقوي ، ولا : انطوي (٤) على هذا ، ولا : اجتوي ؛

وإنما لم يفعل ذلك ، إذ لو أعلّت العين في الماضي من هذه الأبواب ، لوجب الاعلال بقلب العين ألفا في المضارع ، لأنه يتبع الماضي في الاعلال كما في : قيل يقال ، وقال يقول ، فكنت تقول : يطاي ، ويقاي ويستقاي ، وينطاي ويجتاي ؛ ولا يحتمل في الفعل ، لثقله ، ياء مضمومة (٥) ، وإن كان قبلها سكون ، كما يحتمل في الاسم ، نحو :

__________________

(١) وهما باب افتعل ، وباب انفعل ؛

(٢) يعني كما هو مقرر في المواضع التي يجري فيها الاعلال بالنقل غير هذا ؛

(٣) في الأبواب السابقة التي تكون معتلة العين ؛

(٤) «على هذا» هو نائب الفاعل لأنه فعل لازم ؛

(٥) ياء نائب فاعل لقوله ولا يحتمل.

١٣٢

راي (١) وزاي ، لخفته ؛

وكسر فاء فعل للإدغام نحو : ردّ : لغة ، والضم أكثر ، لأن نقل الكسرة في المعتل العين : اليائي والواوي ، إنما كان لأنك إن حذفتها ، اجتمع الثقيلان : الضمة والواو ، كبوع وقول ، وبنقلها يحصل الكسرة والياء وهما أخفّ ، ولا يجتمع من حذف الكسرة في : ردّ : الثقيلان ، لكن مع ذلك ، جاز النقل على قلّة ، لكون الكسرة أخفّ من الضمة ؛

وربّما أشمّ فاء نحو : ردّ ، ضمة ، أيضا ، وربّما كسر فاء الفعل المبني للمفعول في الصحيح (٢) ، للتخفيف ، تقول في : عهد : عهد ، كما تقول في المبني للفاعل في شهد : شهد وفي الاسم نحو فحذ : فخذ ، وجميع ذلك في الحلقي العين ، لما يجيء في التصرف ؛

وقد حكى قطرب (٣) ، ضرب زيد في : ضرب زيد ، على نقل كسرة الراء إلى الضاد ، وهو شاذ ؛

قوله : «وإن كان مضارعا ضمّ أوله وفتح ما قبل آخره» ؛ إنما ضمّ أول المضارع حملا على أول الماضي ، وأمّا فتح ما قبل آخره دون الضم والكسر ، فلتعتدل الضمة بالفتحة في المضارع الذي هو أثقل من الماضي ،

قوله : «ومعتل العين يقلب فيه ألفا» ، أي عين المضارع في المعتل العين ينقلب في المبني للمفعول ألفا ، نحو : يقال ويباع ، وذلك للحمل على الماضي ، في إسكان العين ، كما يجيء في التصريف إن شاء الله تعالى ؛ لأنه ماض زيد عليه حرف المضارعة ، فهو يتبعه في مطلق الإعلال ، لا في الإعلال المعيّن ، ألا ترى أن «قال» أعلّ بقلب عينه ، ويقول ، بنقل حركة عينه ، وكذا : أعلّ «قيل» بقلب عينه ياء ، ويقال : بقلبها ألفا ،

__________________

(١) الراي : اسم جنس جمعي لراية : والزاي اسم الحرف المعروف.

(٢) الذي يتفق مع الاصطلاح : أن يقول في السالم ، لأن الصحيح قد يكون مضعّفا كما تقدم في ردّ ؛

(٣) هو محمد بن المستنير تلميذ سيبويه وهو الذي لقّبه بقطرب ، وقد تقدم ذكره في الأجزاء السابقة من هذا الشرح ؛

١٣٣

فهو يتبع الماضي في مجرّد الإعلال ، ويعلّ في كل واحد منهما بما يليق به ،

فكل ما له أصل معلّ ، إذا انفتح عينه وسكن ما قبله ، ينقل الفتح إلى الساكن ويقلب العين ألفا ، نحو : يهاب وأقام واستقام ؛ وليس النقل لأجل الثقل ، لأن الفتح لا يستثقل ، بل لأجل قصد قلب ذلك المفتوح ألفا للتخفيف ، فلو لم تنقل الفتحة إلى ما قبلها لالتقى ساكنان ،

وقد يجيء الكلام عليه في التصريف ؛

[الأفعال الملازمة](١)

[للبناء للمفعول]

وقد جاء في كلامهم بعض الأفعال ، على ما لم يسمّ فاعله ، ولم يستعمل منه المبني للفاعل ؛

والأغلب في ذلك : الأدواء ، ولم يستعمل فاعلها لأنه من المعلوم في غالب العادة أنه هو الله تعالى ، فحذف للعلم به ، كما في قوله تعالى (٢) : (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ ، وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ)(٣) ،

وتلك الأفعال نحو : جنّ ، وسلّ ، وزكم ، وورد ، وحمّ ، وفئد ، قال سيبويه :

لو أردت نسبتها إليه تعالى ، لكان على أفعل ، نحو : أجنّة الله ، وأسلّه ، وأزكمه ، وأورده ؛

__________________

(١) استطراد من الشارح لاستكمال ما يتصل بالفعل المبني للمجهول ؛

(٢) لأنه في الآية محذوف للعلم به وأنه هو الله تعالى ، وإن كانت الأفعال التي في الآية تبنى للفاعل ويذكر الفاعل معها ؛

(٣) الآية ٤٤ سورة هود ؛

١٣٤

ولعلّ ذلك لأنه لمّا لم يأت من فعل المذكور ، كجنّ وسلّ : فعلته (١) ، صار كألم ووجع وعمي ، ونحو ذلك من الآلام التي بابها فعل المكسور العين ، فصار يعدّى إلى المنصوب كما يعدّى باب فعل ، وذلك بالنقل إلى أفعل المتعدى ؛

[المتعدي وغير المتعدّي]

[وأنواع المتعدي]

[قال ابن الحاجب :]

«المتعدي وغير المتعدي ، فالمتعدي ما يتوقف فهمه على متعلّق»

«كضرب ، وغير المتعدي بخلافه ، كقعد ؛ والمتعدي يكون»

«إلى واحد كضرب ، وإلى اثنين كأعطى ، وعلم ، وإلى»

«ثلاثة كأعلم وأرى وأخبر ، وخبّر ، وأنبأ ونبّأ ، وحدّث ،»

«فهذه مفعولها الأول كمفعول أعطيت ، والثاني والثالث ،»

«كمفعولي علمت» ؛

[قال الرضي :]

قوله : «متعلق بفتح اللام ، وقد ذكرنا شرح ذلك في المفعول به (٢) ؛

وعلى ما حدّ ، ينبغي أن يكون نحو : قرب وبعد ، وخرج ، ودخل : متعديا ، إذ لا تفهم معانيها إلا بمتعلّق ، بلى ، يقال لمثل هذه الأفعال : إنها متعدية بالحرف الفلاني ،

__________________

(١) أي لم يجئ منها فعل ثلاثي متعدّ ؛

(٢) في الجزء الأول من هذا الشرح ؛

١٣٥

لكن لا يقع عليها اسم المتعدي إذا أطلق ، بل يقال : هي لازمة ؛ وهذا كما ذكرنا في الأمر وأمر الغائب (١) ؛

ولا خلاف عندهم أن باب فعل ، كله لازم ، مع أن قرب وبعد ، منه (٢) ، وهو يتعدى إلى المفعول بحرف الجر ؛ ولا يبعد أن يرسم المتعدي بأنه : الذي يصح أن يشتق منه (٣) اسم مفعول غير مقيد على ما ذكرنا في حدّ المفعول به ، ويرسم اللازم بأنه الذي لا يصح أن يشتق منه ذلك ؛

واعلم أنه قيل في بعض الأفعال إنه متعدّ بنفسه مرة ، ومرة : انه لازم ، متعد بحرف الجر ، وذلك إذا تساوى الاستعمالان ، وكان كل واحد منهما غالبا (٤) ، نحو : نصحتك ونصحت لك ، وشكرتك وشكرت لك ؛

والذي أرى : الحكم بتعدّي مثل هذا الفعل مطلقا ، إذ معناه مع اللام ، هو معناه من دون اللام ، والتعدي واللزوم بحسب المعنى ، وهو بلا لام : متعد إجماعا ، فكذا مع اللام ، فهي ، إذن ، زائدة ، كما في : (رَدِفَ لَكُمْ)(٥) ، إلّا أنها مطردة الزيادة في نحو :

نصحت وشكرت ، دون «رَدِفَ» ؛

فإن كان تعدّيه بنفسه قليلا ، نحو : أقسمت الله ، أو مختصّا بنوع من المفاعيل ، كاختصاص «دخلت» بالتعدي إلى الأمكنة ، وأمّا إلى غيرها فبفي ، نحو : دخلت في الأمر ، فهو لازم حذف منه حرف الجر (٦) ؛

__________________

(١) من حيث أنه إذا أطلق لفظ الأمر ، انصرف إلى نوع معين ، وإذا أريد أمر الغائب فلا بدّ من تقييده ؛

(٢) أي من باب فعل بضم العين ؛

(٣) يشتق منه أو من مصدره ، ويصح أن يكون المعنى يشتق من مادته ؛

(٤) أي كثيرا في ذاته ، وليس المراد أنه غالب للآخر ومتفوق عليه ؛ لأن المفروض تساوي الاستعمالين ؛

(٥) من الآية ٧٢ في سورة النمل وتكررت كثيرا ؛

(٦) يعني في النوعين المذكورين ؛

١٣٦

وإن كان تعدّيه بحرف الجر قليلا ، فهو متعد ، والحرف زائد ، كما في : يقرآن بالسّور (١) ، و : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ)(٢) ، و : «رَدِفَ لَكُمْ» ؛

وإذا تعدى بحرف الجر ، فالجار والمجرور في محل النصب على المفعول به ، ولهذا قد يعطف على الموضع بالنصب ، قال تعالى : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ)(٣) بالنصب ، وقال لبيد :

فإن لم تجد من دون عدنان والدا

ودون معدّ فلتزعك العواذل (٤) ـ ١١٩

والتحقيق أن المجرور وحده منصوب المحل ، لامع الجار ، لأن الجارّ هو الموصّل للفعل إليه ، كالهمزة والتضعيف في : أذهبت زيدا ، وكرّمت عمرا ، لكن لما كان الهمزة والتضعيف من تمام صيغة الفعل ، والجارّ منفصلا عنه ، وكالجزء من المفعول ، توسّعوا في اللفظ ، وقالوا : هما في محل النصب ؛

ولا يجوز حذف الجارّ في اختيار الكلام إلّا مع «أنّ» و «أن» وذلك فيهما ، أيضا ، بشرط تعيّن الجارّ ، فيحكم على موضعهما بالنصب عند سيبويه ، وبالجر عند الخليل والكسائي ، والأول أولى ، لضعف حرف الجر عن أن يعمل مضمرا ، ولهذا حكم بشذوذ :

ألله لأفعلنّ ، ونحو قول رؤبة : خير ، لمن قال له كيف أصبحت (٥) ، وقوله :

٦٩١ ـ إذا قيل أي الناس شر قبيلة

أشارت كليب بالأكفّ الأصابع (٦)

وإنما جاز حذف الجارّ مع أنّ وأن ، كثيرا قياسا ، لاستطالتهما بصلتهما ،

__________________

(١) إشارة إلى قول الشاعر : لا يقرأن بالسور في الشاهد الذي تكرر ذكره فيما تقدم ؛

(٢) من الآية ١٩٥ سورة البقرة ؛

(٣) من الآية ٦ سورة المائدة ؛

(٤) تقدم ذكره في الجزء الأول وهو من قصيدة لبيد بن ربيعة التي تكرر منها عدد من الشواهد في هذا الشرح ؛

(٥) تقديره : أصبحت على خير ، وقد روى في الردّ أنه قال : كخير ، بالكاف ؛

(٦) البيت من قصيدة للفرزدق في هجاء جرير وقومه ، ومطلعها الشاهد الآتي بعد قليل ؛ وهو قوله : منا الذي اختير الرجال سماحة.

١٣٧

والأخفش الأصغر (١) ، يجيز حذف الجار مع غيرهما ، أيضا ، قياسا ، إذا تعيّن الجار ، كما في : خرجت الدار ، ولم يثبت ، بلى ، قد جاء في غيرهما ، إمّا شذوذا (٢) كقوله :

٦٩٢ ـ تمرّون الديار ولم تعوجوا

كلامكم عليّ إذن ، حرام (٣)

وقوله تعالى : (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ)(٤) ، و : (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ)(٥) ، و : (.. أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ)(٦) ،

والأولى في مثله أن يقال : ضمّن اللازم معنى المتعدّي ، أي : تجوزون ، الديار ، و :

لألزمنّ صراطك ، و : ولا تنووا عقدة النكاح ، و : ترضعوا أولادكم ، حتى لا يحمل على الشذوذ ، كما يضمّن الفعل معنى غيره فيتعدى تعدية ما ضمّن معناه ، قال تعالى :

(يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ)(٧) ، أي يعدلون عن أمره ، ويتجاوزون عنه ؛

__________________

(١) هو أبو الحسن علي بن سليمان ، وهو أحد من عرفوا بلقب الأخفش ولكنه لا بدّ من تمييزه بالأصغر ، كما أن أبا الخطاب شيخ سيبويه لا يعرف الا بالأخفش الأكبر ، أما سعيد بن مسعدة تلميذ سيبويه الذي تكرر ذكره فيكتفي فيه بلقب الأخفش بدون قيد ، وقد يقال : الأخفش الأوسط ، زيادة في الايضاح!

(٢) جعل هذا من الشذوذ ينطبق على البيت الشاهد ، ولكنه عطف عليه عددا من الآيات القرآنية وذلك غير مسلّم ، غير أنه سيقول بعد ذلك أن الأولى في مثل ذلك أن يكون من باب التضمين حتى لا يحمل على الشذوذ؟

(٣) من قصيدة لجرير في هجاء الأخطل وقبله :

أقول لصحبتي وقد ارتحلنا

ودمع العين منهمل سجام

ويروى مررتم بالديار ، وبذلك لا يكون فيه شاهد ، ومن أبيات هذه القصيدة الشاهد المتقدم في باب الفاعل ، وهو قوله :

لقد ولد الأخيطل أم سوء

على باب استها صلب وشام

(٤) الآية ١١ سورة الأعراف

(٥) الآية ٢٣٥ سورة البقرة

(٦) الآية ٢٣٣ سورة البقرة

(٧) الآية ٦٣ سورة النور

١٣٨

وإمّا (١) لكثرة الاستعمال ، كما ذكرنا فيما بعد «دخلت» من الظروف المختصة ، وكقوله تعالى : (يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ)(٢) ، أي : يبغون لكم ، وكسبتك الخير ، أي كسبت لك ، ووزنتك المال ، أي وزنت لك ، وكلتك الطعام ، أي كلت لك ، و : (لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً)(٣) أي لا يألون لكم ، وزدتك دينارا ، أي زدت لك ، ونقصتك درهما أي نقصت لك ،

ويجوز أن يضمّن «زدت» معنى «أعطيت» ، و «نقصت» معنى : «حرمت» ، وكذا يحذف (٤) من المفعول الثاني ، نحو : أمرتك الخير (٥) ، واستغفرت الله ذنبا ، (٦) و :

٦٩٣ ـ منا الذي اختير الرجال سماحة

وجودا إذا هبّ الرياح الزعازع (٧)

كل ذلك مع تعيّن الجارّ ؛

ولا يغيّر شيء من حروف الجر معنى الفعل ، إلا الباء ، وذلك ، أيضا ، في مواضع ، نحو : ذهبت بزيد ، بخلاف نحو : مررت به ؛ والذي تغيّر الباء معناه (٨) ، يجب فيه ،

__________________

(١) مقابل قوله : إما شذوذوا .. الخ.

(٢) من الآية ٤٧ سورة التوبة ؛

(٣) من الآية ١١٨ سورة آل عمران ؛

(٤) أي حرف الجر ؛

(٥) إشارة إلى قول الشاعر :

أمرتك الخير فافعل ما أمرت به

فقد تركتك ذا مال وذا نشب

وهو الشاهد رقم ٥٢ المتقدم في الجزء الأول ، وهو في سيبويه ج ١ ص ١٧ ؛

(٦) وهذا أيضا إشارة إلى بيت أورده سيبويه ج ١ ص ١٧ مجهول القائل ، وهو :

أستغفر الله ذنبا لست محصيه

رب العباد إليه الوجه والعمل

(٧) هذا البيت مطلع القصيدة التي منها الشاهد السابق والتي أشرنا إليها وهي من شعر الفرزدق ، ويرويه بعضهم بالواو في أوله وسيبويه ذكره هكذا بدون واو ، لأنه أول القصيدة ، انظر سيبويه ج ١ ص ١٨ ؛

(٨) أي الفعل الذي يتغير معناه بدخول حرف الجر ؛

١٣٩

عند المبرد : مصاحبة الفاعل للمفعول به ، لأن الباء المعدّية ، عنده ، بمعنى «مع» ؛

وقال سيبويه : الباء في مثله ، كالهمزة والتضعيف ، فمعنى ذهبت به : أذهبته ، يجوز فيه المصاحبة وضدّها ، فقوله تعالى (لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ)(١) الباء فيه ، عند المبرد للتأكيد ، كأن الله ، سبحانه ، ذهب معه ؛

وأمّا الهمزة والتضعيف المعدّيين ، فلا بدّ فيهما من معنى التغيير ، وليس بمعروف حذف الباء المغيّرة لمعنى الفعل إلا في قوله تعالى : (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ)(٢) ، أي بزبر ، على قراءة : (٣) «ائتوني» بهمزة الوصل ؛

وإذا دخل الهمزة أو التضعيف على الفعل ، فإن كان لازما صار متعديا إلى مفعول واحد ، وإن كان متعديا إلى واحد تعدّى إلى اثنين ، نحو : أحفرته النهر ، ولا ينقل من الثلاثي المتعدي إلى اثنين ، إلى ثلاثة (٤) ، الّا علم ورأى ، نحو : أعلم وأرى ،

والمفعول الذي يزيد بسبب الهمزة أو التضعيف ، هو الذي كان فاعلا للفعل قبل دخولهما ، وذلك لأنّ معناهما تصيير الفاعل مباشرا للفعل ، فلذا كان مرتبة ما زاد بهما من المفاعيل مقدّما على ما كان لأصل الفعل ، فلذا تقول : أحفرت نهره زيدا (٥) ؛

وتضعيف العين ، يعدّي إلى واحد ، كفرّحته ، وإلى اثنين ، كعلّمته النحو ، ولا يعدّي إلى ثلاثة كالهمزة ، وقلّ تعديته (٦) للحلقي العين إلا في الهمزة نحو : نّايته (٧) ،

__________________

(١) من الآية ٢٠ سورة البقرة ؛

(٢) من الآية ٩٦ سورة الكهف ؛

(٣) قراءة شاذة قرأ بها المفضل وأبو بكر ؛

(٤) متعلق بقوله : ولا ينقل ؛

(٥) لأن الضمير فيه عائد من المفعول الثاني إلى الأول ؛

(٦) أي التضعيف ؛

(٧) بمعنى : جعلته ينأى ؛ أي يبعد ؛

١٤٠