شرح الرضيّ على الكافية

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي

شرح الرضيّ على الكافية

المؤلف:

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي


المحقق: يوسف حسن عمر
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات مؤسّسة الصادق
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٢

و «حيثما» : لم يجزم «إذن» ما هو جوابه نحو : إذن أكرمك ، كما جزمت إذ ما وحيثما.

وإنما قلنا بكون الغالب في «إذن» تضمن معنى الشرط ، ولم نقل بوجوبه فيه ، كما أطلق النحاة ، لأنه لا معنى للشرط في قوله تعالى : (فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ)(١).

وإذا كان للشرط جاز أن يكون للشرط في الماضي ، نحو : لو جئتني ، إذن ، لأكرمتك ، وفي المستقبل ، نحو : إذن أكرمك بنصب الفعل.

وإذا كان بمعنى الشرط في الماضي ، جاز إجراؤه مجرى «لو» في إدخال اللام في جوابه ، كقوله تعالى : (إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ ..)(٢) ، أي : لو ركنت إليهم شيئا قليلا لأذقناك ؛ وكذا قوله :

إذن لقام بنصري معشر خشن (٣) ـ ٦٣٠

وليس اللام جواب القسم المقدّر ، كما قال بعضهم.

وإذا كان بمعنى الشرط في المستقبل ، جاز دخول الفاء في جزائه ، كما في جزاء «إن» ، قال :

٦٣٢ ـ ما إن أتيت بشيء أنت تكرهه

إذن فلا رفعت سوطي إليّ يدي (٤)

إذن فعاقبني ربّي معاقبة

قرّت بها عين من يأتيك بالحسد

أي إن أتيت بشيء فلا رفعت .. ؛

ثم ، قد يستعمل بعد «لو» و «إن» ، توكيدا لهما ، لأن «إذن» مع تنوينه الذي هو عوض من الفعل ، بمعنى حرفي الشرط المذكورين مع فعل الشرط ، نحو : لو زرتني إذن أكرمتك ، وإن جئتني إذن أزرك ، فكأنك كررت كلمتي الشرط مع الشرطين للتوكيد.

__________________

(١) الآية ٣٠ سورة الشعراء ؛

(٢) من الآية ٧٥ سورة الإسراء.

(٣) الشاهد المتقدم قبل قليل ؛

(٤) من قصيدة النابغة الذبياني التي تعد إحدى المعلقات. وتضمن هذا الشرح عددا من أبياتها في مواضع متفرقة ؛

٤١

ثم ، كما يجوز تأخر كلمة الشرط مع الشرط عمّا هو جزاؤه معنى ، نحو : أكرمك إن أكرمتني ، وأكرمتك لو أكرمتني : جاز تأخر «إذن» الذي هو ككلمة الشرط مع الشرط عن جزائه ، نحو : أكرمك إذن ، وكذا يتوسط «إذن» بين جزأي ما هو جزاؤه معنى ، تقول : أنا إذن خارج ، وإن كان نحو ذلك لا يجوز في كلمة الشرط إلا ضرورة قال :

هذا سراقة للقرآن يدرسه

والمرء عند الرّشا إن يلقها ذيب (١) ـ ٨٢

كما يجيء ذلك ، لضعف معنى الشرط في «إذن» ، وكذا تقول : والله إذن لأخرجنّ ، كما تقول : والله إن كان كذا لأخرجنّ.

ولما كان إذن إشارة إلى زمان الفعل المتقدم ، وجب تقديم ذلك (٢) ، إمّا في كلام المتكلم بإذن ، نحو قولك : إن جئتني إذن أكرمك ، قال تعالى : (وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلاً)(٣) ، وإما في كلام متكلم آخر ، كقولك : إذن أكرمك ، وأنا إذن أكرمك ، في جواب من قال : أنا أزورك.

ثم اعلم أنّ «إذن» إذا وليه المضارع ، احتمل أن يكون للشرط في المستقبل ، كان ، وأن يكون للحال ، فلا يتضمّن معنى الجزاء ، كما تقول لمن يحدّثك بحديث : إذن أظنك كاذبا ، فإنه لا معنى للجزاء ههنا ، إذ الشرط والجزاء ، إمّا في المستقبل أو في الماضي ، كما مرّ في باب الظروف المبنيّة ، ولا مدخل للجزاء في الحال ، فيكون «إذن» مع الحال ، كما قلنا في قوله تعالى : (فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ)(٤).

فلما احتملت «إذن» التي يليها المضارع معنى الجزاء ، فالمضارع بمعنى الاستقبال ، واحتملت معنى مطلق الزمان ، فالمضارع بمعنى الحال ، وقصد التنصيص على معنى

__________________

(١) تقدم ذكره في الجزء الأول ؛

(٢) أي الفعل المتقدم المشار إليه بإذن ؛

(٣) الآية ٧٣ سورة الإسراء ؛

(٤) الآية ٢٠ سورة الشعراء وتقدمت قبل قليل ؛

٤٢

الجزاء في «إذن» ، نصب (١) المضارع بأن المقدرة لأنها تخلص المضارع للاستقبال ، فتحمل «إذن» على ما هو الغالب فيها أعني كونها للجزاء ، لاستحالة حمل المضارع إذ ذاك على الحالية المانعة من الجزاء ، وذلك بسبب النصب الحاصل بأن التي هي علم الاستقبال.

وقريب من هذا : المضارع الواقع بعد الفاء الكائنة في جواب الأشياء الستة ، كما يجيء ، فإنه لما قصد النصّ على كون الفاء للسببية دون العطف : أضمرت «أن» بعدها.

لينتفي عن المضارع معنى الحالية المانعة من السببية.

ومثله ، أيضا ، أنهم لمّا قصدوا بالواو معنى «مع» ، وبأو ، معنى «إلّا» أو «إلى» : نصب الفعل بعدهما ، لأن النصب بأمّ النواصب أي «أن» المصدرية : أولى ، فيكون معنى المصدرية مشعرا بكون الواو بمعنى «مع» التي لا ندخل إلا على الأسماء ؛ وبكون «أو» بمعنى «إلّا» أو «إلى» اللتين حقهما الدخول على الأسماء.

وإذا جاز لك إضمار «أن» بعد الحروف التي هي الواو ، والفاء ، وأو ، وحتى. فهلّا جاز إضمارها بعد الاسم (٢).

وإنما لم يجز إظهار «أن» بعد «إذن» ، لاستبشاعهم للتلفظ بها بعدها ؛ ولم يجز الفصل بين «إذن» والمنصوب بعدها ، لأن المقتضي لنصبه لمّا كان قصد التنصيص على أن «إذن» للجزاء ، صار «إذن» ، لاقتضائه النصب كأنه عامل النصب ؛ كما أن فاء السببية ، وواو الجمعية (٣) صارتا كالعاملين في الفعل ، فلم يجز الفصل بينهما وبين الفعل ، فصار الفاء ، والواو ، وإذن ، كنواصب الفعل التي لا يفصل بينها وبين الفعل ، إلّا أنّ

__________________

(١) جواب قوله : فلما احتملت الخ.

(٢) الذي هو إذن ، كما ذهب إليه الشارح وأفاض في تعزيزه وإثباته ؛

(٣) هي التي يسميها النحويون واو المعية. ويطلق الشارح عليها في بعض الأحيان : واو الصّرف كما هو اصطلاح الكوفيين ؛ لأنها تصرف ما بعدها عن ظاهر العطف الذي هو أصل الواو ؛

٤٣

«إذن» لما كان اسما بخلاف أخواته ، جاز أن يفصل بينه وبين الفعل بأحد ثلاثة أشياء ، دون الفاء والواو.

القسم ، نحو : إذن والله أكرمك ، والدعاء نحو : إذن رحمك الله ، أكرمك ، والنداء نحو : إذن يا زيد أكرمك ، وذلك لكثرة دور هذه الأشياء في الكلام.

ولا يفصل بينه وبين منصوبه بالظرف وشبهه ، فلا يقال : إذن عندك يفصل الأمر ، ولا بالحال نحو : إذن قائما أضربك ، لأن الظرف والحال ، إذن ، يكونان معمولين للفعل الذي هو صلة «أن» ، ولا يتقدم على الموصول ، ما في حيّز الصلة ، بخلاف القسم والدعاء والنداء.

وإنما اشترط في نصب الفعل ألّا يتوسط «إذن» بل يتصدّر ، لأن نصب الفعل ، على ما قلنا ، لغرض التنصيض على معنى الشرط في «إدن» والشرط مرتبته الصدر ، فإذا توسطت كلمة الشرط ضعف معنى الشرطية الأصلية ، فمن ثمّة تقول : والله إن أتيتني لأضربنك (١) فكيف بالشرطية العارضة ، فكما ضعف معنى الشرط ، لم يراع ذلك بنصب الفعل بعده.

فحصل مما تقدم : أن شرط وجوب انتصاب الفعل في الأفصح بعد «إذن» ثلاثة أشياء : تصدّره (٢) ، وذلك إذا كان جوابا ، وأن يليه الفعل غير مفصول بينهما بغير القسم والدعاء والنداء ، وألّا يكون الفعل حالا ؛ وأمّا إذا تصدّر من وجه دون وجه ، وذلك إذا وقع بعد العاطف ، كقوله تعالى : (وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلاً)(٣) ، وكقولك : تأتيني فإذن أكرمك ؛ جاز (٤) لك نصب الفعل وترك نصبه ، وذلك أنك عطفت جملة

__________________

(١) يريد حذف الجواب عند توسط الشرط بين القسم وجوابه ؛

(٢) أي تصدر إذن ، وسيشرح المراد من التصدر ؛

(٣) الآية ٧٣ المتقدمة من سورة الإسراء ؛

(٤) هذا جواب أما ، في قوله : وأما إذا تصدر من وجه الخ. وحقه أن يكون مقرونا بالفاء ويقع مثل هذا كثيرا في كلام الشارح. وكان يغنيه أن يقول : فان تصدر من وجه دون وجه الخ ؛

٤٤

مستقلة على جملة مستقلة ، فمن حيث كون «إذن» في أول جملة مستقلة ، هو مصدر ، فيجوز انتصاب الفعل بعده ، ومن حيث كون ما بعد العاطف من تمام ما قبله بسبب ربط حرف العطف بعض الكلام ببعض ، هو متوسط ؛ وارتفاع الفعل بعد العاطف أكثر ولهذا لم يقرأ : «وإذن لا يلبثوا ..» (١) إلا في الشاذ ، لأنه غير متصدر في الظاهر.

ثم اعلم أن الفعل المنصوب المقدّر بالمصدر (٢) ، مبتدأ ، خبره محذوف وجوبا ، فمعنى ، إذن أكرمك : إذن إكرامك حاصل ، أو واجب ؛ وإنما وجب حذف خبر المبتدأ لأن الفعل ، لما التزم فيه حذف «أن» التي بسببها تهيّأ أن يصلح للابتدائية ، لم يظهر فيه معنى الابتداء حقّ الظهور. فلو أبرز الخبر لكان كأنه أخبر عن الفعل ؛ وكذا القول في المنصوب بعد الفاء ، على ما يجيء.

وأمّا قولهم (٣) تسمع بالمعيدي خير من أن تراه ، فشاذ.

وإنما ارتكب ادّعاء أن «إذن» زمانية محذوفة الجملة المضاف إليها ، لظهور معنى الزمان فيها في جميع استعمالاتها ، كما في «إذ» ، فإن معنى إن جئتني إذن أكرمك : في وقت المجيء إكرامك ، وكذا : لو زرتني إذن أكرمتك ، ولا سيما في قوله تعالى : (فعلتها إذن وأنا من الضالين) (٤) ، وقولهم : إذن أظنك كاذبا ، بالرفع ، فإنها متمحضة للزمان ولا شرطية فيها ؛ وقلب نونها ألفا في الوقف (٥) يرجح جانب الاسمية فيها.

ونقل عن المازني أنه كان لا يرى الوقف عليها بالألف ، لكونها حرفا كإن ، وأجاز المبرد الوجهين ، وقال الفراء : إذا أعملتها فاكتبها بالألف وإذا ألغيتها فاكتبها بالنون ، لئلا

__________________

(١) منسوبة إلى ابن مسعود ؛

(٢) أي الواقع بعد إذن كما ارتضى أنه منصوب بأن مقدرة ؛

(٣) هذا المثل ورد بأوجه ثلاثة أقواها التصريح بأن ، ويليه رفع تسمع على أنه مراد به مصدره فهو مبتدأ أيضا ، وأضعفها النصب بدون «أن» ؛

(٤) تقدمت قريبا وهي الآية ٢٠ من سورة الشعراء ؛

(٥) بين النحاة خلاف طويل في كتابة إذن ، وفي الوقف عليها ، وهو. غالبا. مبني على اختلافهم في أصل وضعها. وكتابتها بالنون وكذلك الوقف عليها رأي قوي. وقد جريت عليه.

٤٥

تلتبس بإذا الزمانية ، وأما إذا أعملتها فالعمل يميزها عنها.

وتجويز الفصل بينها وبين منصوبها بالقسم والدعاء والنداء ، يقوّي كونها غير ناصبة بنفسها ، كأن ، ولن ، إذ لا يفصل بين الحرف ومعموله بما ليس من معموله (١).

وأمّا قولهم في الشرط : إن زيدا تضرب ، فهو عند البصريين بفعل مقدّر ، كما يجيء بعد ، وأمّا قوله :

٦٣٣ ـ فلا تلحني فيها فإن بحبّها

أخاك مصاب القلب جمّ بلابله (٢)

فلقوة شبه «إنّ» بالفعل.

هذا ، ومذهب سيبويه ، ورواه عن الخليل (٣) : أنها حرف ناصبة بنفسها قال سيبويه : ويروى عن الخليل أن انتصاب الفعل بعدها بأن مقدرة ، وضعّفه سيبويه بأنه ، لو كان «أن» مقدرا. لجاز تقديره في : زيد «إذن» أكرمه ، كما جاز في : إذن أكرم زيدا ، إذ المعنى لا يتغيّر ، ويمكن توجيه هذا القول على ما ذكرنا.

وقال بعض الكوفيين : إنه اسم منون ، ويروى ، أيضا عن الخليل ؛ أن أصله إذ أن ، فركبا ، كما قال في «لن» أصله : لا أن ، ووجهه أن يقال : تغيّر المعنى بتغيّر اللفظ ، فلم يلزم الفعل بعدها ، وجاز أن يليها الحال ،

وإنما قلنا قبل : إن النصب مع حصول الشرائط أفصح ، لأن سيبويه قال (٤) : «وزعم عيسى بن عمر (٥) أن ناسا من العرب يقولون : إذن أفعل ذلك في الجواب بالرفع ، فأخبرت يونس (٦) بذلك فقال : لا يتعذر ذا ، ولم يكن يروي غير ما سمع» ، هذا كلام سيبويه.

__________________

(١) سبق أنه استثنى الفصل بلا بين أن والفعل ؛

(٢) الشاهد فيه تقديم الجار والمجرور «بحبها» على اسم أن وقد علله الشارح ، وهذا الشاهد كما قال البغدادي من أبيات سيبويه التي لم يعرف قائلها. وهو في سيبويه ج ١ ص ٢٨٠.

(٣) نظر سيبويه ج ١ ص ٤١٢ ؛

(٤ ، ٥ ، ٦) نظر سيبويه ج ١ ص ٤١٢. وعيسى عن عمر الثقفي ، ويونس بن حبيب من شيوخ سيبويه.

وتكرر ذكرهما في هذا الشرح ؛

٤٦

قوله : «إذا لم يعتمد ما بعدها على ما قبلها» ، يعني بالاعتماد : أن يكون ما بعدها من تمام ما قبلها ، وذلك في ثلاثة مواضع :

الأول : أن يكون ما بعدها خبرا لما قبلها ، نحو : أنا إذن أكرمك ، وإني إذن أكرمك ؛ وقد جاء منصوبا مع كونه خبرا عما قبلها ، قال :

٦٣٤ ـ لا تتركنّي فيهم شطيرا

إني إذن أهلك أو أطيرا (١)

بتأويل أنّ الخبر هو : إذن أهلك ، لا : «أهلك» وحده ، فتكون «إذن» مصدرة ، كما تقول : زيد لن يقوم.

قال الأندلسيّ (٢) : يجوز أن يكون خبر «إنّ» محذوفا ، أي : إني أذلّ (٣) ، أو : لا أحتمل ، ثم ابتدأ وقال : إذن أهلك ، قال : والوجه رفع أهلك ، وجعل «أو» بمعنى «إلّا» (٤).

الموضع الثاني : أن يكون جزاء للشرط الذي قبل «إذن» ، نحو : إن تأتني إذن أكرمك ؛ وقول الشاعر :

٦٣٥ ـ ازجر حمارك لا يرتع بروضتنا

إذن يردّ وقيد العير مكروب (٥)

يجوز (٦) ، على مذهب الكسائي (٧) : أن يكون «لا يرتع» مجزوما بكون «لا»

__________________

(١) استشهد به كثير من النحاة على إعمال إذن من غير أن تتصدر ، فقيل انه شاذ ، وتأوله بعضهم بما يخرجه عن بأوجه منها ما قاله الشارح ، وقد استقصى البغدادي كل ما قيل في البيت من تأويلات ومع ذلك لا يعرف قائله ؛

(٢) أبو محمد. القاسم من علماء القرن السابع ونقل عنه الرضي كثيرا وهو من معاصريه ؛

(٣) أي أصير ذليلا.

(٤) وذلك ليصح نصب الفعل «أطيرا» بعد أن يرفع ما قبله ؛

(٥) من شواهد سيبويه ج ١ ص ٤١١ ، ويروى : اردد ، وقائله : عبد الله بن عنمة الضبي ، شاعر إسلامي ، وهو من أبيات وردت في المفضليات وفي حماسة أبي تمام ؛

(٦) خبر عن قوله : وقول الشاعر : الخ.

(٧) مذهب الكسائي في هذا أنه لا يشترط لصحة الجزم في جواب النهي بقاء «لا» مع تقدير أن. بل يقدر بحسب المعنى.

٤٧

فيه للنهي ، لا أنه جواب الأمر ، و «يرد» مجزوما ، لا منصوبا ، بكونه جوابا للنهي ، كما هو مذهبه في نحو قولك : لا تكفر تدخل النار ؛ أي : إن تكفر تدخل النار ، فيكون المعنى : لا يرتع ، إن يرتع يردّ.

وعند غيره ، يردّ ، منصوب ، وإذن ، منقطع عما قبله ، مصدّر ، كأن المخاطب قال : لا أزجره ، فأجاب بقوله : إذن يردّ

الثالث : أن يكون جوابا للقسم الذي قبلها ، نحو : والله إذن لأخرجنّ ، وقوله :

٦٣٦ ـ لئن عاد لي عبد العزيز بمثلها

وأمكنني منها إذن لا أقبلها (١)

ولا يقع المضارع بعد «إذن» في غير هذه الثلاثة معتمدا على ما قبلها ، بالاستقراء ؛ بلى ، تقع متوسطة في غير هذه المواضع ، نحو : يقتل إذن زيد عمرا ، ولبئس الرجل إذن زيد ، ونحوه (٢).

ويجوز في نحو قولك : إن تأتني آتك وإذن أكرمك ، ثلاثة أوجه : الجزم وهو الأقوى ، بعطف الفعل على المجزوم ؛ والنصب على الاستئناف ، وعطف إذن مع الفعل ، وهما كالجملة الشرطية ، كما ذكرنا ، على الجملة الشرطية ، والرفع على إضمار المبتدأ بعد «إذن» ، أي : إذن أنا أكرمك.

استعمالات كي

قوله : «وكي ، مثل : أسلمت كي أدخل الجنة ومعناها السببية» ، اعلم أن مذهب الأخفش : أنّ «كي» في جميع استعمالاتها حرف جرّ. وانتصاب الفعل بعدها بتقدير

__________________

(١) من قصيدة لكثيّر بن عبد الرحمن ، صاحب عزة ، في مدح عبد العزيز بن مروان واللام في قوله : لئن عاد. واقعة في جواب القسم في قوله قبل هذا البيت :

حلفت برب الراقصات إلى متى

بغور الفيافي نصها وذميلها

وهو في سيبويه ج ١ ص ٤١٢.

(٢) مما ليس فيه مضارع بعد إذن ؛

٤٨

«أن» ، وقد تظهر ، كما حكى الكوفيون عن العرب : لكي أن أكرمك ، قال :

٦٣٧ ـ أردت لكيما أن تطير بقربتي

فتتركها شنّا ببيداء بلقع (١)

وقال :

٦٣٨ ـ فقالت أكلّ الناس أصبحت مانحا

لسانك كيما أن تغرّ وتخدعا (٢)

ويعتذر لتقدم اللام عليها في نحو : (لِكَيْلا تَأْسَوْا)(٣) ، وتأخره عنها في نحو قوله :

٦٣٩ ـ كي لتقضيني رقيّة ما

وعدتني غير مختلس (٤)

بأن كي ، المتأخرة في الأول ، بدل من اللام المتقدمة ؛ واللام المتأخرة في الثاني بدل من كي ، المتقدمة ، وقد يبدل الحرف من مثله ، الموافق له في المعنى ، قال :

٦٤٠ ـ أراني إذا ما بتّ بتّ على هوى

فثمّ إذا أصبحت أصبحت غاديا (٥)

أبدل «ثم» من الفاء ، عند بعضهم.

__________________

(١) شرح البغدادي هذا البيت وبين ما فيه ثم قال : وهذا البيت قلّما خلا منه كتاب نحو ، ولكنه لا يعرف قائله ، وأورد مثله منسوبا إلى أبي ثروان نقلا عن الفراء وهو قوله :

أردت لكيما أن ترى لي عثرة

ومن ذا الذي يعطى الكمال فيكمل

(٢) الصحيح أن هذا البيت لجميل بن معمر. صاحب بثينة من قصيدة أولها :

عرفت مصيف الحيّ والمتربّعا

كما خطت الكف الكتاب المرجعا

وخطأ البغدادي من نسبه إلى حسان بن ثابت ، ويروى الشطر الثاني من البيت :

لسانك هذا كي تغرّ وتخدعا ، وبهذا يخرج عن الإستشهاد.

(٣) الآية ٢٣ سورة الحديد ؛

(٤) أحد أبيات لابن قيس الرقيات. وقوله : غير مختلس. إما أن «مختلس» مصدر ميمي. أي قضاء غير احتلاس. واما أنّ غير حال. ومختلس اسم مفعول. وقبله :

ليتني ألقى رقيّة في

خلوة من غير ما أنس

(٥) من قصيدة جيدة لزهير بن أبي سلمى أولها :

ألا ليت شعري هل يرى الناس ما أرى

من الأمر أو يبدو لهم ما بدليا

٤٩

وعند الخليل أن الناصب مضمر بعدها (١) ، بناء على مذهبه ، وهو أنه لا ناصب سوى «أن».

ومذهب الكوفيين ، أنها في جميع استعمالاتها حرف ناصبة مثل «أن» ويعتذرون في نحو : كيما أن تغرّ ، بأن «أن» زائدة ، أو بدل من كي ، وفي : كي لتقضيني ، بزيادة اللام ، كما في : (ردِف لكم) (٢) وفي : «كيمه» (٣) بأن الفعل المنصوب بكي ، مقدّر ، و «ما» منصوب بذلك الفعل ، كأنه قيل : جئتك ، فتقول : كيمه ، أي كي أفعل ماذا.

وفي اعتذارهم هذا مخالفة لعدة أصول : أحدها : حذف الصلة وإبقاء معمولها (٤) ، والثاني : نصب «ما» الاستفهامية متأخرة عن الفعل المقدّر ، ولا تنصب إلا مقدمة عليه ، ولهم أن يقولوا : المقدّر كالمعدوم ، إلّا أنّ «كي» يكون ، إذن ، متقدما على كلمة الاستفهام ، مع أنه لا يكون مركبا معه ككلمة واحدة للاستفهام ، كما في : لمه ، وبمه ، فإن الجار والمجرور ككلمة واحدة ، فيسقط «ما» بهذا الوجه عن التصدر اللفظي.

والثالث : حذف ألف «ما» الاستفهامية غير مجرورة ، ولا نظير له في كلامهم.

وعند البصريين : كي قد تكون ناصبة بنفسها كأن ، وجارّة مضمرا بعدها «أن» ؛ فإذا تقدمها اللام نحو : (لِكَيْلا تَأْسَوْا)(٥) ، فهي ناصبة لا غير بمعنى «أن» ، وليس فيها معنى التعليل ، بل هو مستفاد من اللام ، وإذا جاء بعدها «أن» ، فهي ، إذن ، جارّة لا غير ، بمعنى لام التعليل ، وهكذا في «كيمه» ولا تجر الاسم الصريح إلا في «كيمه» ؛ وفي غير هذه المواضع ، نحو : جئتك كي تكرمني ، يحتمل أن تكون ناصبة بنفسها

__________________

(١) أي بعد كي ؛

(٢) من الآية ٧٣ سورة النمل ؛

(٣) يعني في السؤال عن علة الشيء ، والهاء للسكت ؛

(٤) الصلة هي الفعل المقدر ، ومعمولها هو اسم الاستفهام المتصل بكي ؛

(٥) الآية ١٣ من سورة الحديد وتقدمت قريبا.

٥٠

بمعنى التعليل (١) ، وأن تكون جارّة كاللام مضمرا بعدها «أن».

واللام في : كي لتقضيني ، زائدة عندهم أيضا ، أو بدل من «كي» الجارّة ، و «أن» عندهم في : لكيما أن .. بدل من «كي» ، لأن «كي» بعد اللام بمعنى «أن» كما مرّ.

ولا يتقدم على «كي» معمول الفعل المنصوب بعدها ، فلا يقال : جئتك كي زيدا تضرب ، لأنها إمّا جارّة أو ناصبة ، ولا يتقدم عليهما (٢) معمول ما بعدهما ، وأجاز الكسائي تقديم معمول منصوب «كي» عليها.

وأمّا قول الشاعر :

٦٤١ ـ إذا أنت لم تنفع فضرّ فانما

يراد الفتى كيما يضر وينفع (٣)

برفع يضر .. ، فقيل : «ما» كافّة ، وقيل ، مصدرية وكي جارّة ، أي لمضرته ومنفعته.

وجوّز المبرّد والكوفيون نصب المضارع بعد «كما» على أنها بمعنى «كيما» والياء محذوفة وأنشدوا :

٦٤٢ ـ لا تظلموا الناس كما لا تظلموا (٤)

وقيل : بل الناصب : «ما» تشبيها لها بأن ، والكاف للتشبيه ، والبصريون يمنعون ذلك وينشدون :

__________________

(١) المعرف في مثل ذلك أن تكون ناصبة بنفسها فتكون لام التعليل مقدرة قبلها. قياسا ؛

(٢) أي على النوعين.

(٣) روي البيت بنصب يضر وينفع كما روي يرفعهما ، وفي حالة النصب تكون «ما» زائدة والفعل منصوب بكي وقبلها لام التعليل مقدرة ، وفيه توجيهات أخرى ، وهذا بيت مفرد ، ورد في ديوان قيس بن الخطيم ، ونسبه بعضهم إلى النابغة الجعدي أو النابغة الذبياني ؛

(٤) هكذا ورد بإسناد الفعلين إلى ضمير الجماعة وهو ، بهذه الصيغة غير معروف القائل ، وقال البغدادي ان المشهور : لا تشتم الناس كما لا تشتم بخطاب الواحد : وهو بهذه الصيغة موجود في سيبويه ج ١ ص ٤٥٩ وسيأتي بهذه الصيغة أيضا في قسم الحروف من هذا الشرح.

٥١

لا تظلم الناس كما لا تظلم

بالتوحيد (١) ، وقد يجيء شرح «كما» في حروف الجر.

وعلى مذهب الخليل ، لا ينصب المضارع إلا بأن ، ظاهرة ، أو مقدّرة ، فيمكن أن يقال على مذهبه : إن المضارع إعرابه إما رفع أو نصب : أعرب بالرفع لما وقع موقع الاسم بنفسه ، لأن الرفع أقوى من النصب ووقوعه موقع الاسم بنفسه أقوى من وقوعه موقعه مع غيره ، وأعرب بالنصب لما وقع مع «أن» موقع الاسم ، وهو المصدر.

وأمّا إذا لم يقع موقع الاسم بوجه ، وذلك مع ما يسمّى جوازم ، فلم يعرب ، إذن ، لضعف المشابهة ، كما اخترنا قبل.

المضارع بعد حتى

[قال ابن الحاجب] :

«وحتى ، إذا كان مستقبلا بالنظر إلى ما قبله بمعنى كي أو إلى»

«أن ، مثل : أسلمت حتى أدخل الجنة ، وكنت سرت حتى»

«أدخل البلد ، وأسير حتى تغيب الشمس ، فإن أردت الحال»

«تحقيقا أو حكاية ، كانت حرف ابتداء ، فيرفع ، وتجب»

«السببية ، مثل : مرض حتى لا يرجونه ، ومن ثمّ امتنع الرفع»

«في : كان سيرى حتى أدخلها في الناقصة ، و : أسرت حتى»

«تدخلها ، وجاز في التامة : كان سيرى حتى أدخلها ، وأيهم»

«سار حتى يدخلها».

__________________

(١) يعني بإسناده إلى ضمير الواحد ، كما قدمنا في روايته الأخرى ؛

٥٢

[قال الرضي] :

ابتدأ بالحروف التي ينتصب الفعل بعدها بإضمار «أن».

أن هذه الحروف مختلف فيها إذا انتصب الفعل بعدها بإضمار «أن» ، فعند : حتى ، ولام كي ، ولام الجحود : حروف جرّ ، والواو ، والفاء ، وأو ، حروف عطف ، ولا ينصب شيء منها بنفسه ، لأن الثلاثة الأولى من عوامل الأسماء ، ولا يعمل شيء منها في الأفعال ؛ والثلاثة الأخيرة غير مختصة ، وشرط العامل الاختصاص بأحد القبيلين (١) ؛ وجاءت «أن» ظاهرة بعد لام كي ، خاصة ، في بعض المواضع ، فتبيّن بذلك أنها غير عاملة بنفسها.

وعند الكوفيين أن حتى ، واللامين ، تنصب بنفسها ، لقيامها مقام الناصب ، فاللام قامت مقام كي ، فعملت عملها ، وكذلك حتى التعليلية ، وأما إذا كانت بمعنى إلى ، فتعمل عمل «أن».

وفيما قالوا بعد ، لأن الأصل عدم خروج الشيء عن أصله واعتقاد بقائه على أصله :

أولى ، ما لم يضطر إلى اعتقاد خروجه عن ذلك الأصل.

وفيما تأوّل البصريون من تقدير الناصب بعد هذه الجارّة ، حتى تبقى على أصلها ، مندوحة عن اعتقاد خروجها عن أصلها ، ولا سيّما وقد ثبت تقدير الناصب في نحو قولها :

٦٤٣ ـ للبس عباءة وتقرّ عيني

أحبّ إليّ من لبس الشفوف (٢)

وفي قوله :

__________________

(١) أي قبيل الأسماء وقبيل الأفعال ؛

(٢) صواب الرواية : ولبس بواو العطف لأن قبله ببيتين : أول القصيدة وهو :

لبيت تخفق الأرواح فيه

أحبّ إليّ من قصر منيف

والأرواح جمع ريح ، وأخطأ من قال أرياح ، وهذا من كلام ميسون بنت بحدل الكلابية ، أم يزيد ابن معاوية ، تزوجها معاوية وكانت في البادية فلم تعجبها حياة القصور فقالت هذه الأبيات ، ولذلك قال الشارح كقولها ؛

٥٣

ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى

وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي(١) ـ ١٠

على أن لام الجحود ليست بمعنى «كي» ، ولا بمعنى «أن» ؛ و «حتى» للغاية ليست بمعنى «أن» ، فكيف تحملان في النصب على ما ليستا بمعناه.

وقال الكسائي من بين الكوفيين : إن «حتى» ليست في كلام العرب حرف جر ، وإن الجرّ الذي بعدها في نحو : (حتى مطلع الفجر) (٢) ، بتقدير حرف الجر ، أي «إلى» بعدها ، أي : حتى انتهى إلى مطلع الفجر ، فلا يرد عليه الاعتراض في حتى ، بأن عوامل الأسماء لا تعمل في الأفعال ، كما ورد على سائر الكوفيّة ، بل يرد عليه : أنها غير مختصة بقبيل ، لكن في مذهبه بعد ، لأن حذف الجارّ وبقاء عمله ، في غاية القلة ، فكيف اطّرد بعد «حتى» ، وأيضا ، كيف اطرد حذف الفعل بعدها مع انجرار الاسم.

وعند الجرمي (٣) : أن الفاء ، والواو ، وأو ، ناصبة بنفسها.

وقال الفراء : الأفعال بعد هذه الأحرف منتصبة على الخلاف ، أي أن المعطوف بها صار مخالفا للمعطوف عليه في المعنى فخالفه في الاعراب ، كما انتصب الاسم الذي بعد الواو في المفعول معه ، لمّا خالف ما قبله ، وإنما حصل التخالف ههنا بينهما ، لأنه طرأ على الفاء معنى السببيّة ، وعلى الواو معنى الجمعية ، وعلى «أو» معنى النهاية أو الاستثناء (٤).

وقولهم في نحو : لا تأكل السمك وتشرب اللبن ، انه نصب على الصّرف بمعنى قولهم : نصب على الخلاف ، سواء (٥).

وكذا زعموا أن انتصاب الظرف في نحو : زيد عندك : على الخلاف ، كما مضى في باب المبتدأ ، والظاهر من مذهبه أنه جعل الخلاف أمرا معنويا ناصبا ، كما أن الابتداء

__________________

(١) تقدم في أول الكتاب ، وهو من معلقة طرفة بن العبد ؛

(٢) من الآية الأخيرة في سورة القدر ؛

(٣) أبو عمر صالح بن اسحاق الجرمي تكرر ذكره في هذا الشرح.

(٤) يعني يصلح في موضعها حتى الدال على الانتهاء ، أو إلّا الاستثنائية ؛

(٥) تقدير الكلام : هما سواء ؛

٥٤

عند أكثر النحويين : رافع ، ولو أوجب الخلاف الانتصاب ، لم يجز العطف في نحو : ما مررت بزيد لكن عمرو ، وجاءني زيد لا عمرو.

ولا يرد على الجرمي الاعتراض بوجوب اختصاص العامل بأحد القبيلين ، لأنه يقول :

إن هذه الحروف بهذه المعاني مختصة بالمضارع ، وأما قوله تعالى : (... فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ)(١) ، فقليل ، وهو من باب وضع الاسمية موضع الفعلية ، كما في قوله :

٦٤٤ ـ لو بغير الماء حلقي شرق

كنت كالغصّان بالماء اعتصاري (٢)

وقوله :

٦٤٥ ـ ونبئت ليلى أرسلت بشفاعة

إليّ ؛ فهلّا نفس ليلى شفيعها (٣)

ولنرجع إلى ذكر المنصوب بعد «حتى» على مذهب البصريين :

قالوا : حتى حرف جر ، فلا يدخل إلا على اسم ، ظاهر أو مقدر ، ولا يصح تقدير الفعل اسما إلّا بأن ، أو كي ، أو ، ما ، أو ، لو ؛ ولا يصح تقدير «ما» و «لو» ، لأنهما لا تنصبان ظاهرتين ، فكيف تنصبان مقدرتين ، مع أن «لو» لا تجيء مصدرية إلّا بعد فعل

__________________

(١) من الآية ٢٨ سورة الروم ؛

(٢) الاعتصار أن يزيل المرء غصة الطعام أي وقوفه في حلقه ، بالماء فهو يقول : إذا كانت غصة الطعام تزال بالماء فما ذا يزيل الغصة إذا حدثت من الماء نفسه ، وهذا البيت من شعر عدي بن زيد العبادي ، وكان النعمان سجنه فأرسل إليه من السجن بأبيات يقول في أولها :

أبلغ النعمان عني مألكا

أنه قد طال حبسي وانتظاري

والمألك بضم اللام على وزن مفعل من ألك بمعنى أرسل.

(٣) ورد هذا الشاهد في خزانة الأدب في باب المنصوب على شريطة التفسير وشرحه هناك ، ولكنه ليس في النسخة المطبوعة التي نقلنا عنها ، غير أنه أشير إليه هناك بالهامش في تعليقات الجرجاني ولذلك لم نثبته في شواهد الجزء الأول ، والبيت مما أورده أبو تمام في الحماسة ، وينسب إلى مجنون بني عامر ، وبعده :

أأكرم من ليلى عليّ فتبتغي

به الجاه أم كنت امرءا لا أطيعها

وبعضهم ينسبه إلى عبد الله بن الدمينة ؛

٥٥

التمني ، كما يجيء (١) ؛ ولا يصح تقدير «كي» ، لأن «كي» لا تستعمل إلا في مقام السببيّة ، سواء كانت بمعنى «أن» ، نحو : لكي أقوم ، أو بمعنى اللام ؛ بلى ، قد جاءت «كي» بمعنى «أن» من غير سببية ، لكن بعد فعل الإرادة نحو قول أبي ذؤيب :

٦٤٦ ـ تريدين كيما تجمعيني وخالدا

وهل يجمع السيفان ، ويحك في غمد (٢)

كما جاءت اللام المنصوب بعدها الفعل لغير السببية بعد الإرادة ، أيضا ، كقوله تعالى : «إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ (٣) ...» ، وبعد فعل الأمر ، كقوله تعالى : (وأُمرتُ لأعدِل بينكم) (٤) ، فتكون اللام زائدة ، كما في : (رَدِف لكم) (٥) ، وإذا كان في «كي» معنى السببية ، لم يصح تقديرها في نحو : أسير حتى تغرب الشمس ؛ فلم يبق إلّا «أن» التي هي أم الباب ، ولأنه ثبت تقديرها أيضا في غير هذا الباب ، نحو : «وتقر عيني .. (٦)» و : «أحضر الوغى» (٧) ، وحمل المشكوك فيه على ما ثبت أولى.

قوله : «وحتى إذا كان مستقبلا بالنظر إلى ما قبله» ، نحو : سرت حتى أدخلها ، يعني ، ليس يجب أن يكون الدخول وقت التكلم بهذا الكلام مستقبلا مترقبا ، بل الشرط أن يكون مضمون الفعل الواقع بعد حتى ، مستقبلا بالنظر إلى مضمون الفعل الذي قبلها ، كالدخول بالنظر إلى السير ، فان الدخول ، كان عند السير مترقبا بلا ريب ، فيجوز النصب ، سواء كان الدخول وقت الإخبار ، ماضيا أو حالا أو مستقبلا ، أو لم يكن

__________________

(١) في قسم الحروف.

(٢) من أبيات قالها أبو ذؤيب الهذلي ، وكان أرسل خالدا المذكور ، وهو ابن عم له ، وقيل هو ابن أخته ، إلى امرأة يهواها ، برسالة ، وكان خالد جميلا فعشقته تلك المرأة وهجرت أبا ذؤيب ، ثم ندمت وبعثت إلى أبي ذؤيب تستعيد ودّه ؛ فقال هذه الأبيات ، وهي ، مع القصة في ديوان الهذليين ؛

(٣) الآية ٣١ سورة الأحزاب.

(٤) الآية ١٥ سورة الشورى.

(٥) من الآية ٧٢ سورة النمل وتقدمت.

(٦ و ٧) إشارة إلى الشاهدين المتقدمين قريبا ؛ كما تقدم ذكر الثاني منهما في الجزء الأول ؛

٥٦

على أحد الأوجه الثلاثة ، وذلك بأن يكون منك السير ، إمّا للدخول ، على أن «حتى» بمعنى «كي» ، أو إلى الدخول ، على أن «حتى» بمعنى «إلى» ، ثم عرض مانع منع من حصول الدخول ، فلم يكن الدخول في أحد الأزمنة ؛ وقوله : «إذا كان مستقبلا بالنظر إلى ما قبله» ، لا يصلح أن يكون علامة يعرف بها نصب المضارع بعد «حتى» من رفعه ، لأن «حتى» التي يقع بعدها المضارع مرفوعا كان أو منصوبا ، لا تخلو : إمّا أن تكون بمعنى «كي» ، أو «إلى» ، فما بعدها إمّا مسبّب عما قبلها ، أو انتهاء له ، والمسبّب بعد السبب ، والنهاية بعد البداية ، فالأولى أن يجعل كون ما بعدها مستقبلا بالنظر إلى ما قبلها ، جوابا عن اعتراض يورد ، تقريره أن يقال : إنك إذا جوّزت في نحو : سرت حتى أدخلها بالنصب : أن يكون الدخول ماضيا أو ، حالا عند الإخبار كما تجوّز كونه مستقبلا ، فكيف انتصب الفعل بأن ، التي هي علم الاستقبال ، فيجاب عنه بأن الفعل مستقبل بالنظر إلى حال السير ، لا بالنظر إلى حال التكلم ، فمن ثم جاز انتصابه بأن (١).

ثم إذا أردنا أن نبيّن متى يرفع المضارع بعد «حتى» ومتى ينصب ، قلنا : ذاك إلى قصد المتكلم ، فان قصد الحكم بحصول مصدر الفعل الذي بعد «حتى» : إمّا في حال الإخبار ، أو في الزمن المتقدم عليه على سبيل حكاية الحال الماضية ، وجب رفع المضارع ، سواء كان بناء الكلام المتقدم على اليقين ، نحو : إنّ زيدا سار حتى يدخلها ، واعلم أنه سار حتى يدخلها ، أو على الظن والتخمين ، نحو : أظن عبد الله سار حتى يدخلها ، وأرى أنه سار حتى يدخلها ، أو تعقّب الكلام شك ، نحو : سار زيد حتى يدخلها فيما أظن ؛ وسار حتى يدخلها ، بلغني ولا أدري ، وذلك انك قد تحكم بحصول الشيء على سبيل الشك والظن ، كما تحكم بحصوله على سبيل اليقين ؛ فعلى هذا ، شرط الرفع أن يكون الفعل الأول موجبا ، بحيث يمكن أن يؤدّي حصول مضمونه إلى حصول مضمون ما بعد «حتى» سواء اتصل مضمون الأوّل بمضمون الثاني نحو : سرت

__________________

(١) كان يمكن أن يقول : إذا كان الفعل بعدها مستقبلا ولو بالنظر إلى ما قبلها ، ويسمّى في هذه الحالة مستقبلا بالتأويل ؛

٥٧

حتى أدخلها ، أو لم يتصل به نحو : رأى مني العام الأوّل شيئا ، حتى لا أستطيع أن أكلمه العام بشيء ؛ فعلى هذا يجب أن يكون ما قبل «حتى» سببا لحصول ما بعده ، فلا يجوز ما سرت حتى أدخلها بالرفع ، و : أسرت حتى تدخلها ، لأنّ السبب منتف في الأول وغير محكوم بثبوته ، لا بالعلم ولا بالشك في الثاني ، فكيف يمكن الحكم بحصول مسبّبه.

وقال الأخفش : يجوز : ما سرت حتى أدخلها بالرفع ، إلا أنّ العرب لم تتكلّم به ، وقد غلّط فيه (١).

وجاز : أيّهم سار حتى يدخلها ، لأنك حاكم بحصول السير غير مستفهم عنه ، وإنما الاستفهام عن السائر ، لا عن السير.

وإذا قلت : فلمّا سرت حتى أدخلها ، وقلّ رجل سار حتى يدخلها ، فإن أردت الحكم بوقوع سير قليل ، جاز الرفع ولكن على ضعف ، وذلك لاجرائهم ذلك في اللفظ مجرى النفي المصرّح به ، وإن أردت بهذه الكلمات : النفي الصّرف ، وهو الأغلب في كلامهم ، كما ذكرنا في باب الاستثناء ، وجب النصب.

وأما نحو : إنما سرت حتى أدخلها ، فلفظ «إنما» يستعمل لمعنيين : إمّا لحصر الشيء كقولك : إنما سرت ، وإنما قعدت ، إذا حصرت سيره (٢) ؛ فيجوز الرفع على قبح ، لأن الحصر كالنفي ؛ وإمّا للاقتصار على الشيء كقولك لمن ادّعى الشجاعة والكرم والعلم : إنما أنت شجاع ، أي فيك هذه الخصلة فقط ، فيجوز الرفع ، إذن ، بلا قبح ؛ ولا يجوز : سرت حتى تغرب الشمس ، بالرفع ، لأن السير لا يكون سببا لغروب الشمس ، ويجوز : ما سرت إلا يوما حتى أدخلها بالرفع ، وما سرت إلا قليلا ، لأن النفي انتقض بالا.

هذا كله في رفع ما بعد حتى ؛ وان قصد المتكلم أن مضمون ما بعد حتى ، سيحصل

__________________

(١) عبارة : إلا أن العرب لم تتكلم به ، منقولة عن الأخفش نفسه ؛

(٢) في بعض النسخ : إذا حقّرت سيره وهي أنسب حتى يكون هذا الوجه مقابلا لإفادتها معنى الحصر الذي عبّر عنه بالاقتصار ؛

٥٨

بعد زمان الاخبار ، وجب النصب ؛ وكذا يجب النصب إن لم يقصد ، لا حصوله في أحد الأزمنة ولا عدم حصوله فيها بل قصد كونه مترقبا مستقبلا وقت الشروع في مضمون الفعل المتقدم ، سواء حصل في أحد الأزمنة الثلاثة أو عرض مانع من حصوله.

ومع النصب يجوز أن تكون «حتى» بمعنى «كي» وبمعنى «إلى» ، فنحو : سرت حتى تغيب الشمس ، متعيّن لمعنى الانتهاء ، ونحو : أسلمت حتى أدخل الجنة ، متعين لمعنى السببيّة ، ونحو : سرت حتى أدخلها ، محتمل لهما.

ولا يجوز عطف المرفوع على المنصوب ، ولا العكس ، إلا مع إعادة «حتى» نحو :

سرت حتى أدخلها وحتى تغرب الشمس.

قال الجزولي (١) ، ونعم ما قال ، إذا كانت «حتى» بمعنى «كي» ، لم تدخل على صريح الاسم ، بخلاف ما إذا كانت للانتهاء نحو : (حتى مطلع الفجر) (٢) ، بل وجب دخولها (٣) على المضارع ، كما أن «كي» التي بمعناها ، لا تدخل ، من الأسماء ، إلا على لفظة واحدة ، وهي «ما» الاستفهاميّة ، نحو : كيمه ، على خلاف فيها أيضا.

وقال الأندلسي (٤) : لم يثبت «حتى» بمعنى «كي» بل لا تأتي إلا للانتهاء وأوّل نحو قولهم : كلمته حتى يأمر لي بشيء : بأن معناه : كلمته ، أو : أكلمه حتى يأمر لي بشيء ، أي إلى أن يأمر ؛ فجوّز صريح الاسم في موضع كل مضارع منصوب بعد حتى ، نحو : كلمته حتى أمره لي بشيء لأنه بمعنى «إلى».

وما ذكره تكلف ، لا يتمشّى له في نحو : أسلمت حتى أدخل الجنة.

قوله : «كانت حرف ابتداء» ، أي حرف استئناف ، أي : ما بعدها كلام مستأنف ، لا يتعلق من حيث الإعراب بما قبلها ، كما تعلق المنصوب ، لأن حتى ، المنصوب ما بعدها

__________________

(١) تقدم ذكره.

(٢) الآية الأخيرة من سورة القدر ، وتقدمت ؛

(٣) مقابل قوله : لم تدخل على صريح الاسم ؛

(٤) تقدم ذكره كثيرا.

٥٩

من الفعل ، حرف جر متعلق بما قبلها ، ولا نعني بذلك (١) : أن ما بعدها مبتدأ مقدر ، أي : أنا أدخلها ، لأن ذلك لا يطرد في نحو قوله تعالى : (حتى إذا جاء أمرنا) (٢) بالرفع ؛ فهو في الاستئناف مثل قوله تعالى : (حتى إذا جاء أمرنا) (٣) جاء (٤) بعده جملة شرطية مستأنفة.

وقال المصنف : إنما وجب مع الرفع السببيّة ، لأن الاتصال اللفظي لمّا زال بسبب الاستئناف ، شرط السببيّة التي هي موجبة للاتصال المعنوي ، فإن السبب متصل بالمسبّب معنى ، حتى يكون جبرانا لما فات من الاتصال اللفظي ، قال :

٦٤٧ ـ ولا صلح حتى تضبعون ونضبعا (٥)

لعدم الصلح سبب الضّبع ، أي مدّ الأيدي بالسيوف ؛ وقوله : ونضبعا ، عطف على : تضبعون على توهم النصب ، على نحو قوله تعالى : (فأصدق وأكن) (٦) ورفع قوله : وتضبعون وإن كان مستقبلا ، لأنه مع العزم الجزم عليه ، كأنه حاصل ، أو قد حصل ومعنى (٧).

قوله : «ومن ثمّ امتنع الرفع» ، أي من جهة كون «حتى» ، المرفوع ما بعدها حرف استئناف ، امتنعت المسألة المذكورة ، لأنه تبقى كان الناقصة بلا خبر ، ولو كانت

__________________

(١) أي بكونها حرف ابتداء.

(٢) من الآية ٢١٤ سورة البقرة ؛

(٣) من الآية ٤٠ في سورة هود ؛

(٤) يعني جاء بعد حتى جملة شرطية الخ.

(٥) هكذا ورد هذا الشطر برفع تضبعون ونصب نضبعا ، وروى : حتى تضبعونا فيكون منصوبا ومتصلا به ضمير المفعول ، والشطر بالصورة التي في الشرح ، قال البغدادي عنه : إنه لم يقف على قائله ولا على بقيته ، ولكنه أورد بيتا لعمرو بن شاس الجاهلي يقول فيه :

نذود الملوك عنكم وتذودنا

إلى الموت حتى تضبعوا ثم نضبعا

وقد فسّر الشارح كلمة الضبع ؛

(٦) من الآية ١٠ في سورة المنافقون.

(٧) أي انه حاصل وقت التكلم أو سبق حصوله قبل ذلك.

٦٠